01-29-2017, 08:19 PM
|
|
المَساء
أرحّب بكم من تحت عريشة ياسمين رغم كلّ البرد مزهِرة فهلمّوا نستنشق الشّذى و نقرأ الشّعر جديرٌ بي قبل كلّ شيء أن أقدّم لكم ذا الحسّ المرهَف و الكلمات السَّلِسة التي تدخل القلب بانسيابيّة هو شاعر لبناني مِن شُعراء المَهجَر
رحل إلى مصر وعمل فی مجال الصّحافة ، ونشر دیوانه الأوّل وهو ابن اثنین وعشرین عامًا . هاجر إلى أمریكا وانضمّ للرّابطة القلمیّة التي أسّسها جُبران خلیل جبران .في سنة ١٩٢٩ أصدر جریدة السّمیر التي تعد أهمّ مصادر الأدب في المهجر الشّمالي. له دواوین ثلاثة هي :الجداوِل ،الخَمائل ، دیوان إیلیا أبو ماضي و القصيدة التي أنتم بصدد قراءتِها هنا هي من ديوان الجداول السُّحبُ تركضُ في الفضاءِ الرَّحبِ ركْضَ الخائفِين و الشَّمسُ تبدو خلفَها صفراءَ عاصبةَ الجبين و البحرُ ساجٍ صامتٌ فيه خشوعُ الزَّاهدِين لكنّما عيناكِ باهِتتان في الأفقِ البعيد سلمى ... بماذا تَفْكِرين ؟ أرأيتِ أحلامَ الطفولةِ تختفي خلفَ التُّخوم ؟ أَم أبصرتْ عيناكِ أشباحَ الكهولةِ في الغيوم ؟ أم خفتِ أن يأتي الدُّجى الجاني و لا تأتي النُّجوم ؟ أنا لا أرى ما تَلمحين مِن المَشاهدِ إنّما إنّي أراكِ كسائحٍ في القَفر ضلَّ عن الطّريق يَرجو صديقًا في الفـلاةِ ، وأين في القفرِ الصديق؟! يَهوى البروقَ وضوءَها ، و يخافُ تخدعَه البُروق بَل أنتِ أعظمُ حيرةً من فارسٍ تحتَ القتام لا يستطيعُ الانتصارَ... و لا يطيقُ الانكسار هذي الهواجسُ لمْ تكُن مرسومةً في مُقلتيكِ فلقد رأيتكِ في الضُّحى و رأيتُه في وجنتيكِ لكن وجدتكِ في المساءِ وَضعتِ رأسكِ في يديكِ و جلستِ في عينيكِ ألغازٌ ، و في النَّفسِ اكتئاب سلمى ... بماذا تَفْكِرين ؟ بالأرضِ كيف هَوَتْ عُروشُ النُّورِ عن هضباتها ؟ أَم بالمروجِ الخُضْرِ سادَ الصَّمتُ في جَنباتها ؟ أَم بالعصافيرِ التي تَعدو إلى وُكناتها ؟ أَم بالمسا ؟ إنّ المسا يخفي المدائنَ كالقُرى لا فرقَ عند اللّيل بين النّهر و المستنقعِ يخفي ابتساماتِ الطَّروب كأدمعِ المتوجِّعِ إنّ الجمالَ يغيبُ مثل القُبحِ تحت البُرقعِ لكن لماذا تجْزَعين على النّهار, و للدُّجى إنْ كان قد سترَ البلادَ سهولَها و وُعورَها لمْ يسلبِ الزَّهرَ الأريجَ و لا المياهَ خريرَها كلّا ، و لا منعَ النَّسائمَ في الفضاءِ مسيرَها ما زال في الورقِ الحفيفُ و في الصَّبا أنفاسُها فاصغي إلى صوتِ الجداوِلِ جارياتٍ في السُّفوح واستَنْشِقي الأزهارَ في الجنَّاتِ ما دامتْ تَفُوح و تمتّعي بالشُّهب في الأفلاكِ ما دامتْ تَلُوح من قبلِ أن يأتي زمانٌ كالضَّبابِ أو الدُّخان لتكنْ حياتكِ كلّها أملًا جميلًا طيّبا و لتملإِ الأحلامُ نفسكِ في الكهولةِ و الصِّبى مثلَ الكواكبِ في السَّماءِ و كالأزاهِرِ في الرّبى ليكُنْ بأمرِ الحبِّ قلبكِ عالَمًا في ذاته ماتَ النَّهارُ ابنُ الصَّباحِ فلا تقولي كيف مات إنّ التأمُّلَ في الحياةِ يزيدُ أوجاعَ الحياة فدعي الكآبة و الأسى و استرجِعِي مرحَ الفتاة قد كان وجهكِ في الضّحى مثل الضّحى متهلّلا ~ لنرتحل بين المُفردات أوّلًا عاصبة الجبین : مشدودة الجبین الأفق : ما ينتهي إليه البصر التُّخوم : الحدود الفاصلة بین أرضین والمفرد تخم الأشباح : الشيء الذي يبدو غير واضح من بعيد ،مفردها شبح الكُهولة : مرحلة متقدمة من العمر المَشاهِد : الأفكار والتخيّلات أظلال : خيالات و أوهام ، ومفردها ظل ، وتجمع أيضا ( ظِلال وظُلول ) الصِّبا :صِغر السّن وحداثته الرُّبى : التّلال المنبسطة غير المرتفعة ، ومفردها رَبوة الأزاهِر : جمع زهرة وتجمع أزهار أيضا البشاشة : الوجه الطلق المرح ~ دعونا الآن نَستَغرِق بين الكلمات سنجدُها تدعو إلى التفاؤل و التّمتُّع بجمال الطّبیعة ونبذ الهموم و تتّخذ من " سلمى " رمزًا لبعض الناس الذين يعيشون في بؤس وشقاء ، ولا يرون من الطّبيعة إلا الألوان القاتمة ، ويعيشون على الأوهام التي لا مبرر لها . ففي البداية يجمع الشّاعر بين حالة سلمى الحزينة البائسة وبين الطبيعة ؛ فالسّحب تركض خائفة ، والشّمس مريضة معصوبة الجبين ، يغطّيها الغروب بلونه الذي يهدّد بالرّحيل عن البحر الهادئ في وقار ، كلّ هذا لأنّ حالةَ سلمى النّفسية مُتعبة بعدها يتساءل عن سرّ حزنِ سلمى ، هل هو ذهاب الطُّفولة دون عودة ، أمام شبح الكهولة الذي يلوح في الغيوم ؟؟!!
أم الخوف من المستقبل ، فهو أسود لا ضوء فيه ؟؟!! ثمّ يخبر أنّ كلّ هذه الأشياء هي وهم لا حقيقة له ، رغم أنّ عيون سلمى توحي بالحزن ، ويسكنها اليأس فيدعوها إلى أن تكون ممتلئة بالآمال والأحلام التي تشبه الكواكبَ المضيئة في السّماء ، والأزهارَ الجميلة اليانعة في الرّبى ، ويدعوها أن تملأ قلبها بالأزهار التي لا تذبل والنجوم التي لا تأفل طيلة الحياة . و يستمرّ في النّهاية فيطلب منها ترك التّفكير في الهموم والآلام ، وألا تستسلم لها وتيأس ، إذ ينبغي عليها المحافظة على سعادتها طيلة حياتها كما كانت وهي صغيرة ، وعليها أن تسترجع أيّام طفولتها الجميلة ، حين كان وجهها مشرقًا كالضّحى ، فما الذي يمنع أن يكون كذلك في المساء ، وفي كلّ الأوقات ؟! هذه القصيدة واحدة من أجمل ما مرّ معي , سلسة واضحة معبّرة و هادفة أتمنّى أن تكون قد أرضت ذائقتكم و طبعا من زمان هالموضوع براسي حتى الطقم جاهز من عصور الفراعنة :هاهاها: و الشكر للمصممة الجميلة أنلور على مجهودها بانتظار ردودكم التي تعبر عن رقيّكم |
|