ابداع
عاد سولام الى حييه البائس ليجده في حالة فوضى، الجميع اجتمع في بيت صديقة طفولته، اسرع الى هناك ليراها مرتمية على الارض
تحمل في يدها علبة من الدواء ويبدو انها ابتلعته بالكامل ونفذت تهديدها له اخيرا، اسرع اليها وهو يهزها عسى ان تسمعه فتستيقظ لكنها لم تتحرك،
بكى كثيرا وانتحب وهو يعانقها راجيا منها ان تعود وهو يسترجع اخر ذكرى جمعته بها،
تتوسل اليه كي يعود ليحبها كما كان سابقا، وعدته انها ستكون مخلصة له كما كانت قبلا، ستفعل اي شيء لتعيد قلبه يحن عليها كما حين كانا يافعين،
حين استدار متجاهلا وعودها له صرخت مهددة انها ستنتحر بجرعة زائدة لدواء مهدئ، لم يتعنى لكلامها وانصرف باحثا عن زاهر، لم يتوقع ان تنفذ تهديدها...
قاطع صراخه وبكائه احدهم حين سحب دينا من يديه ليحملها واسرع بها للخارج، تبع ذلك الشخص باكيا ليراه يصعدها الى السيارة،
وضعها في المقعد الخلفي ثم تقدم اليه ليسحبه ويدخله في المقعد الامامي للسيارة بينما احدهم في الخلف يجري عليها الاسعافات الاولية وانطلقت السيارة مسرعة ليصلوا الى المستشفى فيدخلوها الى غرفة العمليات
جلس سولام ينتظر في الخارج مدمع العينين متوترا لكنه كان اكثر هدوءا من ذي قبل، ربت زاهر على كتفه قائلا:
"لا اريد ان التقيها بعد ان تستيقظ، لا اظن انني سأحب ان اقابلها بعد ما سمعته منها ذلك اليوم... سأدفع تكاليف المستشفى واترك الباقي عليك..."
اومئ له سولام لينصرف زاهر مع صديقته ايام الثانوية
------
بعد عدة ايام اقبل زاهر لزيارته مع سمر ليشكراه على جمعهما بعد فراق دام طويلا،
وصلا الى كوخ صنع من الواح خشبية نتئت بسبب الامطار ايام الشتاء، وبابه عبارة عن خرقة بالية ممزق اطرافها، دخل زاهر وهو ينادي سولام ليراه مستلق على بساط مهترء على الارض الترابية،
استأذن لكن الاخر لم يرد عليه فسمح لنسفه بالدخول، اقترب منه وانحنى قربه، هزه ليوقظه لكن سولام اكتفى بقوله:
"ابتعد من هنا... الذنب ذنبك من البداية..."
قطب زاهر بانزعاج ليقول:
"عن اي ذنب تتحدث!... إنهض لاستقبالنا فحسب..."
نهض سولام غاضبا ليصرخ:
"لو انك لم تدخل حياتها من البداية ما كان ليحدث كل ذلك، ما كنت لتخرب علاقتنا، ما كنت لتخرب علاقتك بصديقتك، ما كانت لتنتحر... الذنب ذنبك من البداية..."
اجفل زاهر لسماع كلامه، عقدت حاحبيه لينظر الى سولام:
"لقد اخذناها للمشفى واجروا لها غسيل معدة..."
غطى سولام وجهه بكفيه حين بدأت دموعه تنزع ليقول بحسرة:
"لقد تأخرنا كثيرا لنأخذها الى المستشفى، حضرتك لم تتراجع عن فكرة انتحارك بسهولة، لاوقف عملية انتحارك لم استطع ان اوقف انتحارها هي..."
ساد صمت في الغرفة فدخلت سمر عندما سمعت سولام يصرخ لتستفسر عما حدث لكن كلاهما بقيا صامتين بحزن، مسح سولام دموعه ليبعد وجهه عنهما،
اقترب سمر من زاهر لتقف بالقرب منه، ربتت على كتفه لتعيد عليه السؤال، تنهض مغمضا عيناه وقال بصوت اجش:
"لقد ماتت..."
عقدت حاجبيها مستغربة:
"من هي؟..."
فتحت عيناها على وسعهما حين تذكرتها لتعيد نظرها الى سولام قائلة بأسى:
"انا اسفة... لقد فعلنا كل ما بوسعنا... لقد فعلت لها كل ما استطعت مما اعرفه بالاسعافات الاولية في طريقنا للمشفى..."
عاد سولام ليبكي مجددا حين استعاد ذكريات ذلك اليوم المرير، وصمت الجميع حزين، لحظات حتى فتح سولام قبضته لتظهر داخلها ورقة مطوية اطرافها كادت تذبل من كثرة ما فتحت واغلقت، ثم قال:
"لقد سلمتني جدتها هذه الرسالة، قالت انها طلبت منها ان توصلها لي عندما اعود، لكنها نسيت انني لا اجيد القراءة..."
نظر اليه زاهر لحظات ثم قال:
"اتريد ان اقرأها لك..."
وجهها سولام اليه قائلا:
"اتمنى ذلك..."
اخذ زاهر الرسالة وباشر القراءة:
"حبيبي سولام
كنت اتمنى ان نقضي ما تبقى من حياتنا معا كما حين كنا صغارا ولكن ابى القدر الا ان يفرقنا، لقائي بزاهر كان غلطة القدر ولم يكن... "
سكت زاهر هنيهة وهو يجول بناظريه على اسطر الرسالة ثم طواها وهو يتنهد بثقل دون ان ينزع عينيه اللتان التهمتهما اليأس عن الرسالة، نظر اليه سولام ببرود قائلا:
"ماذا؟... الن تكمل القراءة؟..."
نظر زاهر لسلام بحزن ثم قال:
"انها تطلب منك ان تسامحها على ما فعلت..."
- فقط؟...
تقول ان تستمر بحياتك لاجلها وان تبحث عن فتاة تسعدك و... فقط... "
مد يده بانزعاج نحو زاهر فسلمه الاخر الرسالة شاردا، ربتت سمر على كتف زاهر كأنها تخبره انه آن وقت الرحيل، اومئ لها زاهر ليعود وينظر الى سولام، قال له:
"كنا قد اتينا لنشكرك على جمع شملنا مجددا، و... لنسألك كيف نرد لك الجميل، ان كنت تريد مبلغ من المال او... "
نظر اليهما باشمئزاز ليقول له:
"لن تشتريني كما فعلت مع دينا... "
اجفل زاهر لسماعه ثم قال بحزن:
'لست احاول ان اشتريك او اهينك، كل ما ارتده هو المساعدة..."
- مالك لن يساعدني، مالك سيفسد حياتي كما فسد حياتها، ان اردت ان تساعدني فكل ما عليك هو ان تختفي من حياتي..."
تنهد زاهر بضيق لينظر حوله محاولا ان يهدئ اعصابه، عاد لينظر اليه وقال:
"اسمع، انت تعلم اني ادين لك بحياتي، ان كنت ترفض اي مساعدة مني او رد اي جميل انا فقط ارجو منك ان لا ترد لي طلبي..."
صمت سولام يستمع الى زاهر فقال:
"احفظ حياتك، لا تقدم على الانتحار ان لم يكن لاجلي فلاجلها... قلت ان لا يمكن لاحد ان يهدي عمره للاخر، اعتبر ان هذا تفكير خاطئ، وانها اهدتك ما تبقى من عمرها،
هي لا تريدك ان تموت، لقد كتبتها في الرسالة، تريدك ان تستمر حياتك لترى ما لن تستطيع هي ان تراه، لتشيخ انت عنها..."
قاطعه سولام قائلا:
"ومن اين اتيت انني اريد الانتحار؟...
هل تظنني ضعيف لدرجة ان اتخلى عن حياتي لاجل امراة؟
اني اكبر من ان تخطر لي تلك الافكار
لست غبيا كأحدهم..."
قالها وهو ينظر اليه بحقد فسكت الاخر منزعجا ثم قال:
"ان كنت واثقا مما تقول... اظن انه لم يتبقى لي شيئا لاقوله..."
سكت الاثنان فنهض زاهر ليمسك بيد سمر فقالت الاخرى: "تذكر، دائما هناك امل، ستجد الحياة يوما تغيير لك وجهها، فقط اصبر..."
وحين لم ينطق ببت شفة استأذنا وانصرفا، ما ان ذهبا حتى مد يده لتحت البساط ليأخذ منه مسدسه، نظر اليه متفكرا "هل يحب ان اتقييد بما قلته له؟... هل حقا اني اكبر من ان انتحر لاجل امرأة؟..."
تنهد ضاحكا بسخرية ليقول " هناك امل... لكن اين هو؟ ولما انتظر كل هذا الوقت؟ ثم... من سيعيدها من الموت؟..."
سمع ضوضاء في الخارج فنهض منزعجا ليتفقد الامر فيرى ابناء حييه مجتمعين ويتحدثون بحماس ويضحكون والبعض يصرخ فرحا، اقترب منهم ليستفسر عما جرى فقال له احدهم
"لقد قررت احدى الجمعيات الخيرية ان تهتم بالاحياء الفقيرة في هذه المناطق، قالوا اننا لن نرى الجوع بعد اليوم كما انهم سيبنون مدارس ومستشفيات خاصة بنا وسيساعدون العاطلين للبحث عن عمل..."
استغرب سولام الخبر وهو يفكر:
"ما الذي جرى فجأة حتى تذكرتنا جمعية بعد كل هذه السنين من العذاب" تناسى الامر وابتسم وهو يردد "دائما هناك امل..."
اخذت الامور تتحسن، لم تمض سنة حتى بنيت مدرسة لجميع الاحياء السكنية الفقيرة في تلك المدينة، الكبار وجدو اعمالا ولو انها ليست بالمستوى المطلوب لكنهم استطاعوا ان يؤمنوا بها لقمة عيشهم،
سولام عمل كعتال لمدة سنة ونيف حتى تعلم القراءة والكتابة وبعدها اكتشف في نفسه موهبة الكتابة وبدأ يكتب خواطر واشعار عن حبه المقتول ويطبع وينشر،
وتوسع نطاق موهبته لتطال القصص فيكتب قصص واقعية عن احوال الحي قديما ليعلم الطبقة المرفهة من المجتمع ان اولئك الفقراء
لديهم مشاعر وكبرياء يتوجب عليهم احترامها بموجب الانسانية عسى ان يقضى على البؤوس على اوسع نطاق، واخيرا كتب قصة تعارفه بذلك الثري زاهر،
الذي كان سبب في خسارة حب طفولته، وكتب عن كيف يعيش الاغنياء دائما على حساب فقراء...
the end
---------
ختم مجموعته القصصية بتلك العبارة وأخذ يسترجع قراءة القصة ليدقق فيها من الاخطاء فيلاحظ امر الرسالة، رسالة دينا ظلت معه طوال سنين لكنه لم يقرأها يوما،
لقد قرأ له زاهر مضمونها لكنه لم يقرأها هو شخصيا، احب ان يقرأ كلماتها ويتمعن في عباراتها، توجه الى حيث كان يخفي رسالتها وفتحها ليقرأها:
"حبيبي سولام
كنت اتمنى ان نقضي ما تبقى من حياتنا معا كما حين كنا صغارا ولكن ابى القدر الا ان يفرقنا، لقائي بزاهر كان غلطة القدر ولم تكن غلطتي انا،
انا لم انسك يوما، ظللت احبك وفي كل مرة حين كنت تمر امامي وتذهب دون ان تلتفت الي كنت اتعذب، كنت اتوق لان نعود كما كنا،
لكن ما بلسم جراحي اني كنت امل ان انقذ حيينا من البؤوس الذي يحيا فيه، اردت الزواج منه ثم اقناعه بمساعدة اصدقائنا وجيراننا،
لكن عدم دعمك لي بذلك مزقني، وابعادك عني جعلي اتراجع لكن كنت مصرة على انقاذ الجميع، رأيت انه لا بأس بما انني خسرتك ان انقذ الباقيين،
لكن حين طلبت مني ان اتخلى عن زاهر ظننتك تريدنا ان نعود كما كنا، حبي لك سمح لي بنسيان كل ما خططت له لانقاذ حيينا البائس
لكن ما تبيين لي انك تفعله لاجل امراة اخرى، يبدو انه لم يتبقى شي من حبك لي في قلبك، وبذلك خسرت ما كنت اعيش لاجله، حبنا، والمستقبل الباهر لحيينا،
خسرت كل شيء، لذلك لا ارى من ضرورة للاستمرار، سألتقيك بعد الموت، اتمنى ان لا تكون حينها قد نسيتني...
صديقتك الابدية:
دينا..."
سقطت الورقة من يده التي اضحت ترتجف، لا يعرف ايضحك ام يبكي، طوال تلك السنوات كان يعتقد ان ما كتبته له هو ما ذكره زاهر، لكن الامر اطول بكثير،
لقد ذكرت سبب ارتباطها بزاهر ولن يستغرب لو زاهر اخفى الامر، كما ان اخر الرسالة، ما كان ذلك بالضبط؟ كان الامر اشبه بدعوة للانتحار،
هل هذا ما قصدته؟ لو انه يجيد القراءة كان لينتحر بالتأكيد للحاق بها، فحالته المأسوية ما كانت لتسمح له بحسن التفكير والتدبر،
ما كان ليفكر ان حياته ستتحسن يوما ما لتضحى بما هي عليه الان، لديه عمل شريف يحبه، كما لديه سمعته الطيبة وجمهوره الذين يعشقون قصصه واشعاره،
ما كان ليفكر يوما ان الحياة ستتغير على ها النحو، لكن بالتفكير بالامر، الجمعية الخيرية تبنت الاحياء الفقيرة مباشرة بعد مغادرة سولام كوخه ذلك اليوم،
اي بعد ان قرأ رسالة دينا، هل يمكن انه تأثر بما كتبته وحينها قرر المساعدة، لقد قال يومها ان الحياة ستتغير، ومنعه من الانتحار ليشهد على التغيير،
هل كان يقصد هذا التغيير الذي طرأ فجأة على حياته وحياة سكان حييه؟ اذا فهو مدين لدينا بعد كل شي لانها فتحت عينا سولام على حييه البائس،
وان كره الاعتراف فهو ايضا مدين لزاهر على حسن سيرورة حياته، توجه الى حاسوبه ليغيير اخر القصة، امحى قصة استغلال الاغنياء للفقراء وكتب
"البعض يجمعهم القدر بظروف سيئة ليكرهو بعضهم بعضا، لكن ما لا يعرفونه ان اجتماعهم فيه تغيير شامل لمستقبل باهر، زاهر الغبي الذي لطالما حسبته كريها،
اكتشفت بعد اربع سنوات اني ادين له بتحسن احوال حياتي واستقرارها، رغم اني ما زلت لا ارغب بلقائه مجددا،
على كل حال لا تعتبر اني مدين لك بشيء، فقد خذ بعين الاعتبار ان دينك القديم لي انتهى وهكذا اصبحنا متعادلين..."
وارسل نسخة من كتابه الجديد للمطبعة، وحين صدر الكتاب وقع على احدهم لزاهر وارسله له عبر البريد...
بعد عدة ايام ذهب لزيارة قبر دينا، كالعادة وجد عليه عصن من شجرة الياسمين قد يبس، يعلم انها زهرتها المفضلة، ولكن لما غصن بالكامل وليس فقط وردة،
في كل اسبوع يأتي لزيارتها يجد الغصن ذبل اكثر حتى يبدل بعد شهر باخر جديد، لم يفهم السر وتبادر على ذهنه افكار حبكت له قصة رواية جديدة،
شاب احب فتاة تعشق زهرة الياسمين، قدم اليها غصن منها لتزرعها فتنمو مع حبهما، لكنها ماتت قبل ان تزرعها فصار يزور قبرها شهريا نظرا لانشغاله
وفي كل مرة ياتي لها بغصن شجرة ياسمين ويضعها على قبرها محاولا الحفاظ على حبهما حيا لكن في كل مرة يخيب امله اذ ان الغصن يذبل فيعود ليضع
غصنا جديدا عسى ان ينمو ذلك الغصن ويستمر للابد، فما يضع نهاية الرواية؟ هل يجعل الغصن تنمو بمعجزة؟ ام يترك البطل يموت وهو يستمر بالمحاولة،
ذذقطع تفكيره بنهاية الرواية شيء مريب وجده على الارض، كأنه طرف كتاب مدفون قرب القبر، ابعد التراب بسرعة ليجد اخر كتاب صدر له،
فتح اول صفحة ليجد توقيعه موجه لزاهر، شكوكه قد اوكدت، زاهر يتردد لزيارة قبر دينا، بالتفكير انه هو الذي يضع غصن الياسمين في قبرها فلا،
لن يجعل نهاية الرواية سعيدة، يكفي انه سرقها منه في الواقع، أيجب ان يسرقها منه في الرواية ايضا، بالاحرى، هو لن يكتب الرواية اصلا،
الرواية ستعيد اليه جراحات جاهد طويلا ليتجاوزها، اعاد الكتاب الى الحفرة ليعيد التراب عليه ويدفنه بانزعاج،
ارتسم الحزن في مقلتيه بعدما قرر النهوض والعودة للمنزل لكنه تفاجأ بزاهر خلفه، نظر اليه بانزعاج ثم رأى في يده غصن من الياسمين،
رغب ان يسحبها من يده ليرميها ارضا ويسحقها بقدمه كما داس الاخر على كرامته بزيارة قبر محبوبته لكنه احتراما لدينا لم يفعل، ابعد وجهه بغيظ ليقول:
"ظننت انك تزوجت سمر منذ زمن وتعيشان اسعد الايام!..."
تجاوزه زاهر لينحني امام القبر ويبعد الغصن اليابس ويضع مكانه الغصن الاخضر قائلا:
"تزوجت اجل... لكنه لم يكن زواج حب، فكما ترى حبي يركد في هذه البقعة يغلفه الظلام..."
- هل تعلم سمر انك تتردد لزيارة قبر دينا وتضع لها زهورا؟
- لا تعلم... وليس من الضروري ان تعلم، قد يضايقها الامر، رغم انه لا يعتبر خيانة...
- كيف لا يعتبر خيانة؟ انت تزور فتاة غيرها حاملا اليها الورود
نظر زاهر الى سولام متفكرا ثم قال:
- اولا دينا ميتة، لا يمكنني ان اخون زوجتي مع فتاة ميتة، ثانيا، الذي بيني وبينها مجرد اعمال خيرية، قصدتني منذ البداية بتلك النية، لكنها لم تكن صريحة كفاية، اردت فقط ان ترتاح في قبرها بتحقيقي لها احدى احلامها، لكن حلمها الاخر لم يكن في يدي تحقيقه بل في يدك انت...
تفكر سولام قليلا ثم تذكر طلبها الثاني في الرسالة ليقول:
"اتقصد ان اتبعها في الموت؟... اي ان انتحر؟... الامر لم يكن بيدي فقد كذبت علي، انت افسدت الامر عليها..."
- وهل كنت ستنتحر لو اني اخبرتك بحقيقة ما في الرسالة؟...
سكت سولام وهو يرمق زاهر بانزعاج فقال زاهر:
"كنت اعلم انك كنت ستفهم طلبها بطريقة خاطئة، لذلك اضطررت ان اكذب عليك، هي فقط طلبت منك ان تستمر بتذكرها الى يوم مماتك... هذا كل ما في الامر..."
- حقا!...
قالها سولام ساخرا بتحدي وانزعاج ليقول الاخر:
"ان كنت تشك اعد قراءة الرسالة وسترى، اظن انتهى عملي هنا..."
- لما دفنت كتابي قرب قبرها
توقف زاهر لينظر الى مثوى الكتاب ثم قال ببرود:
"فقط اردت ان اجعلك شاهدا على تحسن وضع حييكم عسى ان ترتاح وتصدق كلامك ان لم تصدق كلامي...
- هل كنت تمن عليها في كل زيارتك لها؟
- امن عليها (قالها باستغراب) ولما امن عليها؟ هي ميتة وانا ساتبعها ذات يوم، ثروتي كلها تكفي لاولادي واحفادي واكثر، لن يحتاجو اليها بكاملها، لذلك كانت فكرة مفيدة منها ان تذكر الاعمال الخيرية...
- اذا... انت لم تعد تحب دينا؟... زيارتك لقبرها مجرد عمل...
تفكر زاهر بسؤاله قليلا ثم قال:
- انا متزوج ولدي طفل واعيش حياتي الهادئة... فلنترك الماضي للماضي ودعنا نمضي في الحاضر كما يتوجب علينا...
التفت زاهر ليذهب لكنه تذكر امرا اراد الاستفسار عنه، عاد ليلتفت الى سولام وسأله:
"انت بالكاد كنت تملك المال لتشتري لنفسك شيئا تاكله، لمسدس الاول سرقته، لكن المسدس الثاني وحبل البانجي، من اين اتيت بهما؟... لا اظنك سرقت حبل بانجي من احد المارة في الشوارع ولا اظن متاجر تبيع تلك الادوات ستسمح لمتسول دخول متجرهم...
نظر اليه سولام مبتسما ابتسامة جانبية ليقول له:
"انت الان متزوج ولديك طفل، وتعيش حياتك الهادئة، فلنترك الماضي للماضي ولنمضي في الحاضر كما يتوجب علينا..."
ضيق زاهر عيناه محاولا ان يستخرج المغزى من كلام زاهر، هل ما فهمه هو ما قصده ام انه فقط يحاول ان يعيد جملته لاغاظته كما اغتاظ هو عند سماعها، التفت سولام مودعا ثم قال هامسا:
"فقط اتمنى ان لا يؤثر ماضيكما سلبا على مستقبلك فتسبقني الى دينا..."