09-23-2017, 02:53 AM
|
|
البارت الاول: اللقاء الاول "آآآآآه لا ،هذا ما كان ينقصني" كان هذا أول ما تلفظت به "دايزي" عندما رأت صفا من الاطفال يقفون امام بيت خشبي قديم مزين بتاج من القرميد، وتحيط به العديد من الاشجار التي لم تعرف نوع معظمها بالاضافة الى الازهار المختلفة التي تزين الشرفات الكثيرة لذلك المنزل.
بدا المنزل كئيبا نوعا ما كانما لم يسكن فيه أحد منذ عدة سنين اما القرميد، فبدا لها انه سينهار في اية لحظة محطمًا الأجساد الهشة لهؤلاء الاطفال الذين وقفوا ينظرون اليها كأنها مخلوق فضائي...بالتاكيد سيفعلون!! فهم واقفون في غابة في منتصف استراليا حيث الحرارة حارقة بالكاد تطاق وهي ترتدي ذلك الثوب، نظرت الى نفسها فرأت ان ثوبها قد تمزق وان حذاءها الثمين الذي اشترته من افخم متاجر باريس قد تلطخ بالطين، هل هذا هو المكان الذي وعدها والدها بأن تمضي فيه اجمل الاوقات...!! "ماذا هناك ؟ما الذي يحصل هنا ؟ وانتم ايها الاطفال الا يفترض بكم تناول الطعام في هذا الوقت؟" ايقظها هذا الصوت العميق من تفكيرها، فالتفتت الى الخلف وعلى محياها ابتسامة هادئة متوقعة ان تجد هاري الرجل العجوز الذي اخبرها والدها عنه، ولكن حركتها تجمدت ما إن تلاقت عينيها مع تلك العينين الداكنتين اللتان اخذتا تحدقان فيها بسخرية وتسلية، وجدتها مزعجة "هل يمكنني ان اخدمك يا انسة؟" قال ذلك بصوته العميق الساخر، وعيناه تتفحصانها بوقاحة، حسنا ربما هو محق في سخريته منها، فهي تدرك الحال المزرية التي تبدو فيها، فثوبها ممزق من الاسفل، والكحل الذي وضعته عند انطلاق رحلتها من لندن قد حفر خوطا على وجهها كما أنها لا تشك بأن شعرها تشاجر مع بعضه، وهي لا تزال تفكر حتى الآن بطريقة لإعادته لحالته السابقة لامعا املس تحسدها عليه كل الفتيات ردت عليه بسخرية : "لا اظن ذلك ، فانا اريد التحدث الى السيد هاري المدير هنا، وليس الى عامل النظافة ؟!" قالت ذلك، وهي تجول بعينيها على ثيابه البالية فبنطاله الجينز الباهت يؤكد ظنونها بانه لا يرتاد تلك المتاجر التي اعتادت شراء ملابسها منها هذا بدون ذكر حذائه الموحل، وقميصه الذي بالكاد تعرفت الى الوانه الاصلية، رفعت عينيها الى عينيه الجليديتين، فرات ان تفحُصها له لم يعجبه، وكذلك يبدو ان كلامها لم يسره هذا ما فهمته من ارتفاع حاجبه الاسود الكثيف بالاضافة الى شبح الابتسامة الساخرة التي لاحت على زاوية فمه. استند الى جذع الشجرة الموجود بجانبه مظهرا بذلك رشاقة غير طبيعية وقال بكسل: "رأيك في لا يهمني ابدا يا انسة" سكت قليلا ثم اردف : "آنسة بريسكوت ان لم اكن مخطئا؟" "لا لست مخطئا" بدت التسلية جلية في عينيه وهو يضيف: "حسنا جدا يا دايزي هل يمكنني ان اناديك بهذا الاسم؟" أومأت ايجابا، فتابع قائلا:
"سيسرك ان تعرفي انني ساكون المسؤول عنك اثناء بقائك هنا" "ماااذاا!!؟" صرخت بذلك، وقد ارعبتها فكرة ان تكون تحت رحمة هذا الرجل الغريب الساخر، والذي لم تتعرف اليه الا منذ دقائق، وقد بدا يغيظها بكلامه وسيستمر في ذلك لمدة ثلالثة اشهر، وهي مدةبقائها هنا!! "هذا هو الواقع، ولا تظني أنني فرحٌ بهذه الوظيفة، فكما يبدو لي من مظهرك أنك كبقية فتيات المدن الانجليزية فتاة غبية تحب التسوق وشراء الملابس ثم ارتداءها مرات معدودة قبل ان تقومي برميها وتقرري انها لم تعد تُماشي الموضة." تشدق بذلك بسخرية، واستقام في وقفته ينظر الى ردة فعلها الغاضبة قبل ان يكمل قائلا:
"آه صحيح نسيت ان اخبرك انه ليس هناك متاجر في مثل هذا المكان النائي تقريبا، ويبدو لي انك لم تحضري ثيابا لائقة، وبذلك سيكون عليك ان تستعيري بعض ثياب صوفي" نظرت اليه فزعة وقالت بسخط: "لا احتاج الى كرمك البالغ فلدي ملابسي، وأحب ان اطمئنك الى انها مناسبة تماما" فكرت في نفسها بانه شخص يفتقر الى حسن الخلق وانها ستتكلم الى العجوز هاري ليرى ما يمكن فعله به... "حسنا لما لا ترشدني الى شخص عاقل بما يكفي لاستطيع التفاهم معه؟" لوى فمه في سخرية قبل ان يقول: "أتشيرين الى كوني مجنونا؟" ردت بأدب وتهذيب، ونبرة الندم واضحة في صوتها: "انا آسفة لم اكن اقصد يا سيد ....."
نظرت اليه مسترجعة الحديث الذي دار بينهما للتو محاولة ان تتذكر ما اذا كان قد ذكر اسمه من قبل إلا انها لم تجد في ذاكرتها ما يسعفها... "أندريس...أدعى أندريس سوفاكيس " "انت يوناني...صحيح؟" نظر اليها شزرا، وكأنما يقول بانها تجاوزت حدودها،
ولكن ما الذي قالته!!
اخذت تتساءل عن ذلك فيما هي تنظر الى شعره الاسود الكثيف وعينيه الزرقاوين وتقاطيع وجهه الحادة، وبنيته القوية هذا عدا عن ذكر اسمه... قاطع تاملها له بسخرية بدأت تعتاد عليها : "هل ستحدقين بي هكذا طوال النهار ام ماذا ؟ظننتك تريدين مقابلة السيد هاري؟" احمرت خجلا للملاحظة التي أدلاها عن تأملها له الا انها سرعان ما استعادت توازنها، واجابته ببرود: "انا آسفة، هلا ذهبنا" أومأ براسه إيجابا، وسار يتقدمها في طريق غير مرصوفة تحيط بها العديد من الاكواخ الصغيرة المزينة بالورود المتسلقة التي تجذب النظر.
بدا لها كل شيء طبيعي، وبعيدا كل البعد عن التكلف، والمبالغة اللتين اعتادت عليهما في انكلترا.
صحيح ان والدها لم يقصر معها بشيء، ولكنها كانت تفضل أن تعيش في بيت صغير مليء بالحب، والرعاية على العيش في ذلك القصر الموحش المليء بالخدم الذين، وظفهم والدها لتلبية احتياجاتها، ولكنها لم تكن بحاجة إليهم، فكل ما كانت بحاجة اليه هو الرعاية والحنان اللذان فقدتهما بفقدان، والدتها فقد انطوى والدها على نفسه، وأنهك نفسه بالعمل محاولا إبعاد زوجته الراحلة عن ذهنه، وعاملها بحذر خوفا منه على شعورها، ولكن ذلك لم يجدي فقد كانت تحتاج اليه فعلا... الى حبه..الى حنانه..الى تفهمه..الى ضحكته التي كانت تملأ دنياها عندما تخبره بما فعلته في المدرسة، وبفرحته عندما تخبره انها نالت اعلى تقدير في امتحاناتها، وبنظرة الامل في عينيه التي لطالما جعلتها تنتعش وتتفتح كزهرة رائعة الجمال.
عليها ان تعيد هذه البهجة الى حياتها ولكن بعد ان تنهي ما جاءت لأجله ..لتثبت لوالدها بانه يمكن الاعتماد عليها وانها ليست فتاة مستهترة.
نظرت الى بعض الاطفال يلعبون ويمرحون، واخذت تستمع الى ضحكاتهم التي اضفت رونقا مميزا الى هذا الجو الحار الخانق انها تحسدهم، تتمنى لو انها تعود طفلة مثلهم مرتاحة البال.
ولكن... ما بها!؟ إنها ما زالت في ريعان شبابها، وهي مصرة على الاستفادة من وقتها هنا، فقد بدا لها هذا الخيار فجأة أمرا ممتع، وما بدا لها اكثر امتاعا هو ان ترى هذا الشخص المتعجرف الذي يمشي امامها بخطوات كسولة انها ربما تكون فتاة مدينة، ولكنها فتاة اصيلة. وكأنما ادرك افكارها، فاسستدار اليها، وعلى محياه ابتسامة، ولكن هذه الابتسامة لم تكن ابتسامة سخرية، فسالته وهي تحاول ان تعلم السبب الذي جعله يبتسم: "لماذا تبتسم!؟" "ألا يحق للمرء ان يبتسم ام انكم ايها الانكليز باردون الى درجة انكم لا تعرفون الابتسام" شقت ابتسامة مرحة طريقها الى شفتي الفتاة ما جعلها تبدو كزهرة وحيدة مميزة، فكر اندريس، وهو ينظر اليها بانها ربما لا تكون كما يعتقد!!.
ربما تكون كالبقية، فتحول اجازته الى جحيم بتذمرها المستمر، واما ان تكون مميزة كقلة ممن يعرفهم وتسير اجازته كما خطط لها . "انا لم اقل هذا بل انني اسالك لما تبتسم، فلو كنت تريد ادلاء تعليق على ما البسه لكانت قهقهاتك تملا المكان ولكن لايبدو هذا، فما الذي تفكر به!؟" "حسنا...لقد هزمتني انا ابتسم لانني ادركت بان العطلة ستكون ممتعة بوجود هذه الشرارة التي تشتعل في عينيك" نظرت الى عينيه بتحد وقالت : "انت محق ساجعل حياتك جحيما خلال الايام التي ستمضيها مشرفا علي." "أأعتبر هذا تحد؟" "اجل..بالتاكيد" تابع سيره وهو يقول : "حسنا، فلنذهب الى السيد هاري لنرى اين ستقيمين" ثم نظر اليها واكمل قائلا: "ولنرى التحدي الاول!!"
|
__________________ كــما لــكل قصــة بــداية ونهــاية
"حــروفـي اعتـصــرت بشــدة داخــلي
حتــى... تمـــــــردت" |