01-18-2018, 08:33 PM
|
|
جَلستُ وحيدةً فِي زاوية غُرفَتِي المُظلمة وأنا أستعيد الذِكريَات وكأنها كانت بالأمس.
أختَلِسُ النَظر لِزُجاجَةِ العِطْرِ من حينٍ لآخر، أُحَاوِلُ تَذَكُرَ رائحتَها دون جدوى
هل مضى كل هذا الوقت حتى لا أتذكر رائحتها أو حتى آخرِ مَرّةٍ استعْمَلتُها؟
ذِكريَاتي عَنْهُ تَبدو جدِيدَة ولكن كُل شيءٍ آخر أصبح ضبابِياً أكاد لا أتذَكّرُ مِنهُ شيئاً
هل يجبُ أنْ أتخَطى هذا الموضُوع وأتقدّم في حيَاتِي؟
أعتقد بأننِي يجبُ أن أخرُجَ اليومْ كي أُفكِرَ بشكلٍ أفضلْ
أكاد ألّا اتذكّر آخرَ مرَةٍ خرَجتُ فِيها من المنزْل.
نهضتُ من الأرضِ وذهبت نَحوَ الخِزَانة أبحثُ في ملابسي وأتذكر آخر مرةٍ قد لبست فيها
كُلّ قِطعة ثيابٍ هُناك. - – أنا آسفة هل تأخرت؟ – لا لا بأس لقد وصلت للتو. – أوه. هل تريد أن تطلب الطعام الآن؟ – إذا رغبتِ في ذلك. - – لقد جلبتُ لكِ هذِهِ الزُهُور. – شكراً إنها رائعة. – تبدين جميلةً حقاً اليوم، تايريم. – حقاً؟ أنا لا أعتقد ذلك. – بلى تبدين رائعة حقاً! بدون أدنى شك! - – ما رأيكِ بهَذهِ؟ ستبدو رائعة عليكِ! – أتعتقدُ ذلِكَ حقاً؟ سأجربها إذا ,كيف تبدو؟ – جميلةٌ حقاً ,تستحقين عناقاً طويلاً. – ماذا؟ عناقٌ فقط؟ – وقبلةٌ أيضاً ,تعالي إلى هنا. – ستحصل عليها إن أمسكتني فقط. – أين تظنين بأنكِ ذاهبة؟ سألحقكِ إلى نهاية العالم. - – إن الرائحة رائعة ,ماذا تطبخين؟ – لا شيء مُميزاً فقط بعضُ الحسَاء مع الأرز والكاري. – بِالتأكِيد هُو مُميز بِما أنّكِ صنَعْتِه ,سأعد الطاولة أولاً. – إن الصحُون فِي الرّفِ العُلوِي هُناك. – حسناً. – ما رأيكِ بالأزرق لغرفة المعيشة والأحمر لغرفة الطعام والأبيض لغرفة النوم؟ – لا لا لا الأزرق يجب أن يكون لغرفة النوم والأخضر لغرفة المعيشة والأصفر لغرفة الطعام. – أصفر؟ حقاً؟ الأحمر سيكون أفضل بكثير. – الأحمر داكنٌ جداً ومن ثم أزرق لغرفة المعيشة؟ هل تمزح؟ – وما بهِ الأزرق؟ إنَهُ لا يزال أفضل مِن الأخضر. أين نحن ,الغابة؟ – أنت حقاً ليس لديكْ أية خِبرة في التصميم ,فقط اصمت ودعني أنا أنهي الموضوع. – ماذا؟ وأنتِ أصبحتِ الخَبِيرةِ فجأةً؟ إنهُ منزِلي كما هُو منزِلكِ! - – لننفصل. – هل هذا حقاً ما تريدُه؟ أم إنهُ بِسبب أصدِقائك؟ – إنّهُ.. قلِيلٌ مِنَ الاثنين. – أنا فقط.. أنا أريد الحقيقة. – أنا.. أنا فقط.. وداعاً تايريم. – قبل أن تَذهَبْ… هل هذا حقاً قرارُك؟ – ……. – فقط…. أجبني. – …أجل. -
انهَيتُ بحثِي بارتِدائي لِقميصٍ أبيضٍّ واسِع مع بِنطالٍ أسْود ضيّقْ، وضعتُ
القُبعّة على رأسِي وَبحثتُ عن عِطريَّ المُفضّل،
ولكِنّ الزُجاجَة كانتْ فارِغة, يبدو بأنني سأضطرُ لِاستعمالِ تِلكَ الزُجاجَة التي لمْ تَكُفّ
عن النظرِ إليّ ولو لِمرة.
رائحةُ ذلِكَ العِطر كانتْ مزيجاً بين رائحةِ زُهُور اللوتس والفّانِيليَا والفّراوِلة
قد تظنّون بأنّهُ مزيجٌ غريب ولكنّ الرائحة كانتْ وكَكُلِ مرة تُعطِي احساساً رائعاً
وحِساً بالسعادة ولِأولِ مرة, أكادُ ألّا أبكِي وأنا أتذكّرُ السنةَ المَاضِية في عيدِ مولدِي تحديداً
كُلّ مرةٍ أتذكرُ كيفَ كُنا, دموعي تهرُبُ من عينيّ بِلا إذنٍ مني, ولكن هذِه المرة
أكادُ ألّا أتذكر, أكاد ألّا أبكِي, أكادُ ألّا أُحِبَهُ كما فِي السابِقْ, أكاد أنْ أنسَاه.
خَرجْتُ ولدي شعُورٌ طَفيفٌ بالسعادة, انتظرتُ الحافِلة وابتسامةٌ ترتسمُ على وجهي,
لم تتأخر الحافِلة هذِه المرة ولم أتأخّر في الصعود على مِتنهَا. تبدو الحافِلة مُختلِفة
هلْ هذا لأنّ مِزاجِي قد تحسّن؟ لا أعلم ولكنّ الشمس تبتسم لِي مرةً أُخرى ويبدو الجو جميلاً
حتى وإن كانت الغيوم تريد حجب السماء, سيكون يوماً جميلاً.
توقفت الحافلة قبل أن تتخطى السنتمتر الواحد, يبدو بأنْ هُناكَ منْ تأخّر على موعد الحافلة
هذا غريب, إن معطِفهُ يبدو مألوفاً بالنسّبة لِي. يا إلِهِي, أخبرني بأنني أحلُمْ الآن
إنْ اسمه مكتوبٌ على ذلِكَ المِعطفْ! “تايل” رُبما أنا أتوهمْ أو ربما.. قدْ يكُونُ معجباً فقط!
أنا أُبالغُ كثيراً فهو مشهورٌ أساساً.
استدار ذلكَ الشاب ليبحثَ عنْ مقعد وأشحت بوجهي للنافذة, حتى وإن لمْ يكُن هو
لا أريد أن أعرف.
سَمِعتُ خُطواته تتقدمُ نَحوِيْ وكنت أتمنى بألّا يجلس جانبِي, ولكن الأمنيات لا تتحققْ في عالمِنا
فها هو يجلس بجانبي ويُلقي بمعطفه على رجليه.
لم أكنْ أجرؤ أن انظر وأتأكد ولكنني سمِعتهُ يهمس باسمي. “تايريم…”
أنا لا أسمعُكْ, أنتَ غيرُ موجود. “تايريم.. اسمعيني.”
لِمَ الآن فقط أيها السافل! “هلْ يُمكنني الشرح على الأقل؟”
توقفت الحافلة ونزلتُ مُسرعة لا أعلم أين أنا ولا اعلم إلى أين سأذهب
ولكنني يجبُ أن أهرب.
بدأتُ بالركضِ حالما وصلتْ للزاوية, كنت اسمعُ نِداءاتِه ولكنني لم أهتمْ,
لقدْ فاتَ الأوانُ بالنِسبةِ لي.
بدأتُ اتعبْ عند المنعطفِ الثالث ولكن لحُسنِ وسوءِ حظي, كان الطريق مسدوداً.
استندت على الجدار وأنا التقط أنفاسي, سَمِعتُ كلِماته بين أنفاسه المتعبة. “أرى.. بأنكِ.. لا زلتِ سريعة…”
سألتُهُ بِبُرود بعد أن التقطتُ انفاسي. – ماذا تُريدْ؟
أجابَ بوَهنٍ. – أنتِ… أريدكِ أن تستمعي لي فقط. – حسناً ماذا تُريدُ أنْ تقولْ؟ – آسف.. أنا حقاً آسف…. – أهذا كُل ما لديكْ؟ " مِن بعدِ أنْ انفصلنا.. أنا.. أنا لم أعرِف طعمْ السعادة..
والجميع أخبرني بأنني يجبُ أن أتخطاكِ وأنساكِ… ولكنني لم أستطع ذلِك.."
بدأت الدموع تنهمِرُ من عينيه وهو يُكملْ ليُمزِق قلبِي إلى أشلاء. "الجميع قد رأى بأنني تغيرتْ وبأنني
لم أكنْ يوماً سعيداً بِدونكِ.. بدأتُ البحثّ عنكِ مُنذُ شهر..
ولكنني لمْ أفلِح في العثورِ عليكِ… سألتُ أصدِقائكِ وصاحب المكتبة التي تذهبين لها كُل ليلة,
وصاحبُ المقهى, ومالكة متجر الزهور… لم يعرف أحدٌ أين أنتِ… وظننتُ أنني قد خسِرتُكِ للأبدْ..
عندما ظهرتِ في تِلكَ الحافِلة.."
بدأت دموعي بالسقوط ووجدتْ يدي طريقها لِفمي لتكتم شهقاتِي.
لم أعرف ماذا يجبْ أن أفعل في تلكْ اللحظة,
ولكن تايل كان يعرف فقد طوقني بذراعيه وقبّل رأسي
قبل أن يهمس بأذني. “لن أترككِ مُجدداً… أبداً.” |
|