08-12-2018, 11:33 PM
|
|
[8]
" أنتَ لستَ مالك القلادة الحقيقي "
صدحَ صوته يترددُ بعباراته القاسية على أذنيّ مستمعه لتجعله يهمُ بالنهوضِ ملتفتاً صوبه بعد أن فعل العجب به ما فعل ؛ فعيناه سكنتهما الحيرة وهي تُحدقُ بمن فاجأه بقوله وزعزع سكونه، مع ذلك لزم صمته منتظراً تفسيراً لما ألقيَ عليه فما طال انتظاره بتفوه سيمون المستاء :
" مثلك لن يكونَ أهلاً للشجاعة فكيف يمتلك قلادة تتطلب هذه الصفة ... أنت لستَ من نبحثُ عنه "
لم يدافع عن نفسه أو يبرر أعذاره بل تقبل التقليل من شأنه بصمت تام بملامحِ حزنٍ ارتسمت على وجهه لتذكِّرَه بخوفِه الذي يقتحمُ قلبَه فجأةً أثناء القتال ، جميعهم لَحِظوا فيه ذلك وأيضاً كان سبباً وحيداً لما أصاب كين ، فأيّده بقبول لينطق بهدوء يحجِبُ خلفه خوالط مشاعره المضطربة :
" كما قلت لستُ أهلاً للقلادة ولا لهذه الصفة التي لا أمتلك شيئاً منها "
ثار مانكس بانزعاج قائلا :
" إذاً كنتَ توهِمُنا بأنّك مالكها.. أكنتَ تنوي تعطيلَنا؟ أو ما هو مخططك بالضبط؟! "
أردف سيمون بغضبٍ لا يفسِحُ المجالَ له بالرد :
" هدفك قتلنا واحداً تلوَ الآخر.. فما فعلتَه بكين خيرُ دليلٍ على ذلك "
صُعِقَ بشدةٍ من سوءِ تفكيره به ، كيف يكون كذلك؟ ألأنّه أخطأ بحق كين، يُخدش على هذا النحو السيّء ! يمكنه تقبلُ الإهانةِ لكنّه لنْ يقبَلَ بهذا الاتهامِ الباطلِ، فنفضَ كل تردّده لينطق بجد نافياً بشدة :
"ولِمَ أهدفُ لقتلكم؟! اتّهامُك لي باطلٌ وليسَ له أساسٌمن الصِحة "
سخر منه متلفظاً بضجر :
" أوَليس ما جرى يؤكدُ كلامي؟ أنت لستَ سوى أحد الأعداء المتربصين بنا "
سانده مانكس بانزعاجٍ متحسراً على نفسه:
" لا أصدق أنني خُدِعتُ بكَ.. ظننتكَ طيباً لكنك برهنت العكس، لقد آذيت كين كثيراً ..أنتَ أجرمت بحق نفسك يا هذا "
أكمل كلماته المستاءةِ ليستلَّ سيفَه مضيفاً بغضب :
" ستدفعُ ثمن فعلتك الآن "
صُدمَ تماماً لم يدرِ كيف يُحبِطُ اتهامَهما له ، مهما برّرَ وشرحَ لنْ يُجديَ الأمرُ نفعاً ، كلاهما لن يستمعَ له خاصة سيمون الذي بدا أشدَّ حقداً عليه وقد شرعَ بتحرير سيفه من سجنِه كما سبقه مانكس.بعد سلسلةٍ من الحلولِ السريعةِ التي دارت في عقله في كسرٍ من الثانية، وجدَ الخضوعَ لهما هو عينُ الصواب ؛ فلم يعُدْلديهِ داعٍ للحياة؛ فهدَفُه تلاشى ولهما الفضلُ في ذلك ليُلجمَ لسانه بالصمت منتظراً ما سيفعلانه به ، الموتُ كان ما يطمح إليه حينها واللذانِ أمامه باشرا بالخطو نحوه بغاية الخلاص من الوغد الذي بينهم.
اقتربَ من نيلِ مُرادِه ؛ اللحاقَ بمن رحل وتركه متنازعاً مع نفسه التائهة ، أغمض عينيه مستسلماً لضعفه ومتهيئاً للنهاية المنتظرة لولا ذلك الصوت الجاد الذي اقتحم صمت المكان :
"ما هذا الذي أسمعه منكما!؟ كيف تفكرانِ بهذه الطريقة السيئة "
تفاجأ ثلاثتهم خاصة هو .
فتحَ عينيه بسرعةٍ ليُذهلَ بمن أبصرته عيناه غير مُستوعبٍ حضوره أمامه بهيئته الهادئة المكسوة بالشموخ ، لتجعل المحدِّقَ به يستنكرُ إصابته لولا بعضُ آثارِ الدم التي تقبع على جزء من ثيابه البيضاء برهنتعلى ذلك وتسببت له بالاضطراب ، كما كان حال الآخرَينِ، دُهِشا بشدة حينما التفتا صوبه ، فاندفع مانكس متكلماً من فوره والدهشة مازالت تملؤه :
" كين !..متى أفقت !...هل أنت بخيرٍ الآن؟ "
أجابه بجدية :
" لَمْ تُجيبا عن سؤالي بعد.. ما الذي جرى لكما لتتصرفا هكذا ؟ "
ارتبكَ بسؤاله فأزاح نظره المتوتِّرَ جانباً مُتمتماً بضجر :
" لسنا على خطأ لقد خُدِعنا به "
استاء من قوله وقبل أن يجادله في رأيه تلقّى سمعُه كلماتِ سيمون الجادة والمنزعجة معاً :
" ما قاله صحيح ..كدتَ تموت بمخططه ذاك "
انزعج كين في دواخله كثيراً خلاف مظهره المبجل بالهدوء ، فتلفظ بجد :
" ليس هناك شيء صحيح مما تقولانه أنتما فقط تسرعتما بالحكم عليه "
تفاجأ أليكس من دفاعه عنه لتتملكه الحيرة ؛ كيف للشخص الذي كاد أن يتسبب بهلاكه أن يقف بجانبه لا ضده! بينما استشاطَ الآخرُ غضباً ليعلن غضبه بكلماته:
" لِمَ تدافعُ عنه! ليسَ سوى مخادعٍ، حتى قلادَته لم تعمل معه كيف تريدُنا أنْ نصدِّقه دون عمل القلادة الذي يثبت صدقَه "
صمت لبرهة ليُكمل بنفس النبرة الغاضبة :
" بل كيف لكَ أن تتغاضى عما فعله بك !"
وصل صبره لحده ليُزيل الهدوء عنه ويتكلم بما فيه من انزعاج شديد :
" وماذا عنكما! أم أنكما نسيتما أنّ قلادتيكما لم تعملمعكما بعد! "
أربكهما قوله وأصاب أليكس بالحيرة جاهلاٌ كل ما يجري حوله ، بينما أتم كين كلماتِه بنفس النبرةِ لكن ممتزجةً بثقةٍ جادّة :
" ولكني لم أقل أنكما لستما مالِكيها كما فعلتما الآن.. بل وثقت بكما وما زلتُ كذلك "
أشاح سيمون نظره المستاءَ ناطقاً بهدوء منزعج :
" أنا لا يهمُّني كلُّ ذلك ..كل ما نحن فيه هراء "
صمت لوهلةٍ ليتم بجدية بالغة بعد أن رمق كين بنظره الحاد :
" افعل ما يحل لك ليس لي علاقة بالأمر "
ثم انصرف بخفة بعد تلفظه الجارح جاعلاً من الصمت يغزو المكان خلفه ويجتاح نوعاً من التأثر ملامح فضي الشعر ،توتر مانكس فانسحب بهدوء بعد أن صار وحده في خضم الجدال .
اشتدّت حيرتُه لتنأى به إلى تساؤلاتٍ لا نهاية لها، مع إحساسٍ بالذّنب خالَجَه تجاه الشبّان الثلاثةِ لما جرى بينهم وزاد شعوره النادم المتأثر حين وقعت عيناه على كين المزيّن بالسَّكينة ، فصرف نظره عنه جانباً لا يجرؤُ على مواجهتِه بعد ما سببه له ، فتعجّبَ منهُ كين وخطى نحوَهُ واقفاً أمامه ، أراد النطق بشيء لكن أليكس سبقه بذلك إذ التفت نحوه متكلماً بهدوء نادم :
" أنا أسف حقاً ..تسببتُ بأذيتك دون قصدي "
تعجب من اعتذاره لوهلة لكن سرعان ما بدّد تعجُّبه ليبتسم بطيبة ناطقاً :
" ليس عليك الاعتذار من شيء، فأنا أعلمُ ما بك "
استغربَ منه عاجزاً عن فهم مقصده، بينما تابع كين كلماته :
" أعتذر لسوء ما بدر منهما ..أرجو أن تتجاوز عن ذلك فهما طائشانِ لا يعيانِ نتائج أفعالهما "
رغم دهشته من طيب المعاملة التي يلزمه بها إلا أنه صرح بنوع من الجد :
" إنهما على حق بشأن القلادة وجودها معي هو خطأُ لا أكثر لم يُخـ .. "
قاطعه كين بجد :
" لا تُقلِل من شأنكَ هكذا.."
أجابه من فوره دون تأنٍّ :
" إنها الحقيقة "
ثمّ استدار من أمامه سامحاً لبصره بالشرود بعيداً حيث الظلمة الممتدة ، فترك من خلفه يرمقه للحظات كأنّه يبحث في عقله لحل وسرعان ما نطق مستفسراً :
" أين وجدتَ القلادة ؟ "
سؤاله هزّ كيانه لاقتحام صورة والده على مخيلته فجأة ، تذكر حين استَلَمَها منه في لحظات احتضاره فأغمض عينيه لعلّه يصون نفسه من الانكسار مجيباً بهدوء :
" والدي من أعطاني إياها "
استغرب كين فنطق متعجباً :
" والدك! "
أتم كلامه دون أن يلتفت لمن يكلمه :
" قال إني أُصبتُ بالحمى في صغري فظهرت قربي حينها وتحسن حالي بعدها "
تيقن مستمعه بما كان يعتقده، فتقدمَ يقف يساره متكلماً بثقة :
" هذا يثبت ملكيتك لها "
التفت إليه غيرَ قادرٍ على فهم ما يعنيه فباشر الآخر بالتحدث بهدوء :
" هناك أربعة صفات تخص القلادات الأربعة، ويجب على أصحابها أن تتوفر فيهم تلك الصفات "
زاده كلامه عجباً ليظل صامتاً وعينيه المتحيرتين تحدقانِ به كأنهما تطالبانه بتفسيرٍ أكثر ، فواصلَ الآخرُ حديثه بعد أن أدرك عدم فهمه له :
" أنت تمتلك قلادة الشجاعة هي لم تستجب لك بعد..لن أقول إنك جبانُ أو لست تحتوي هذه الصفة لكن.."
صمت لثانية ليردف بثقة تامة توغلت عينيه الخضراوين :
" أنت مصاب برُهاب الدم "
تفاجأ أليكس كثيراً فنطق بدهشة :
" رهاب الدم! "
أجابه :
" أجل ..لاحظت خيفتك منه أظنكَ مررت بموقف تسبب لك بذلك أو ماحدث لمملكتم هو السبب "
توتر لما طرأه فأشاح بعينيه جانباً باضطراب سيطر عليهما لتذكره تلك المناظر جثث لاتحصى ودماء كالسيل جرت على أرض المملكة ، كاد يضيع أكثر في مجريات ذلك اليوم الذي لن يُمحى من ذاكرته الى أن يُمحى هو من الوجود لولا صوت كين الذي أعاده لحاضره :
" لاتقلق تستطيع مساعدة نفسك في تخطي هذه المشكلة "
التفت إليه ليبصر طيب الإبتسامة التي زيّنت وجهه فتمّ قوله المشابه لإبتسامته :
" نحن أيضاٌ سنساعدكَ ..سنقف معك الى أن تتجاوز الأمر "
انتابه تأثر إتضح القليل منه في عينيه بطيب تعامله معه لينطق معبراً لما فيه:
" شكراً لك "
رد بإبتسامته التي ظلت ترتسم على محياه :
" العفو.. "
ثم حولّ نظره عنه وأسفر به أمامه متابعاً حديثه :
" أنا أحمل قلادة الحكمة...استجابت معي منذ عثوري عليها منذ ثمانِ سنوات "
صرح بهذا وهو يتذكر لحظة هبطت له من الفضاء متوهجة بشدة محيلة ظلام تلك الليلة ، ثم تابع ثرد كلماته :
"كذلك مانكس وجد قلادة المحبة منذ ثمانِ سنوات وهو الحال مع سيمون أيضاً ..لكن كِلا القلادتين لم تستجب مع قلبيهما "
استغرب الأمر كيف ذلك ما العِلة فيهما مقارنة به! ، بحيث أنه فقد شجاعته بسبب بسيط وربما تافه في نظر الغير ؛ كيف لمن في مثل عمره يعانيمن رهاب دم! ، بينما هما لا ينقصهما شيء من الشجاعة وغيرها من الصفات ، جرى تفكيره بهذا النحو ليتكلم مُستفسراً :
" لما! ما خطبهما لا أظن أنهما يفتقدانِ شيئاً "
جلب له الهمّ بسؤاله ليجعله يتنهد بضيق من حالهما، ثم يُصرح بهدوء يائس :
" مانكس قلادته المحبة ..لن أنكر وجود الصفة في قلبه بشكل كبير لكن بعضمن الصفات السلبية طغت عليه لتحيلها جانباً ..يكثر ُ تهوره وتسرعه في شتى الظروف وهذا ما يعيقه حسب ما أعتقد "
ظهر همه أكثر لإقباله لوصف حالة الأخر حينما إخترقت صورته عقله بملامحه الحادة ، ليُتابع باكتئاب طفى عليه :
" قلادة الصداقة ليس لها مالك غير سيمون لكنه لا يعترف بها بالرغم من تأكدي أنها توهجت معه مسبقاً لحظة ظهورها له "
توقف قليلاً يُلملِمُ سطوره التائهة :
" إنه لا يعترفُ حتى بكلمة صديق ولا حتى أنا الذي ..."
قطع دون أن يكمل قوله مغمضاً عينيه بأسى فملأ ناظره حيره وهو يتمعن التأثر الذي كان جليّـاً بالنسبة إليه رغم إخفاء صاحبه له . فسمحَ للتّساؤلاتِ أنْ تُلِمُ بعقله من جديد ،انتابه فضولٌأ و لربّما اهتمامٌ عن العلاقة التي تجمعُ بينَ هذينِ الاثنين ، أراد أن يلتقط منه نقطة توضيح لما يُحيره فنطق :
" ما هيَ علاقـ .. !"
تبعثرت حروفه قبل أن تُشكل كلماتُه للاهتزازِ العنيفِ الذي أصابَ الأرضَ من تحتهما فجأةً ، أصابَهما القلقُ لما يحدُثُ بعدَ أن كادا يقعا إثر الاهتزاز الذي تتابع كأنّه ضربات مروعة تُصيب التل تارةً تلوَ أُخرى ، فنطقَ أليكس بقلق :
" ما الذي يحدث! "
أجابه كين وقد همّ بالركضِ إلى الأسفل :
" إنهم هم بلا شك "
لم تخب شكوكه البتة لتُصدم عيناه وعينا أليكس المحدقتانِ بالوحش العملاق قرمزي اللون وهو يهاجم كل من مانكس وسيمون بمطرقة حديدية ضخمة تسببت بكل تلك الهزات ، كانا يتفاديانِ الضربات بصعوبةٍ بسبب سرعته العالية رغم ضخامةِ جسده الصُّلب ليُصيب خصميه بالعجز أمامه بل لم يكونا شيء يذكر بالنسبة له مجرد فئران صغيرة يتلاعب بها كيف يشاء ، اندفع كين من فوره نحو العملاق ساحباً سيفه بعد أن تلفظ باستياء شديد :
" تباً ..علموا باجتماعنا لذلك لن يتوانوا عن قتلنا "
كذلك تبعه أليكس بتوتر طغى عليه مما هو قادم ؛ يخشى أن يتكرر ما حدث قبل ساعات ويصبح أشدَّ ندماً إن تسبب بمزيد من الأذى لمن حوله.
ابتسامة خبيثة تمادت على محياه وهو يترقبهم من أحد المرتفعات القريبة من أرض المعركة ليُحدِثَ نفسه بمكر :
" منكم واحد فقط متمكن من تحرير قِوى القلادة..أروني كيف ستنجون الآن مني "
صدقَ فيما قاله ؛ لم تكن لهجمات الثلاثة جدوى إن وصفت فإن لسع البَعوض أشد منها قسوة بينما كين وحدهمن كان يستطيع ردعَ هجماتِ مطرَقته بسيفِه رغم ضآلَةِ حجمه مقارنة بضخامةِ خصمِه ، ومع ذلك لم يكتفِ رفاقه بمراقبته فقط بل استمروا في محاولاتهم الميؤسِ منها .
فجأة سقط ذلك السيف الكبير أخضر المقبَضِ، ليليه جثو صاحبه على ركبه يصارع زِمام الألم الذي باغته دون إنذار ، فأصاب من حوله بالقلق وشتت انتباههم خاصة مانكس، التفت نحوه مناديه بخوف:
" كين..!"
غفلة منه جعلته يُدير ظهره للعدو ليُصرع هو الأخر بضربة طيرته بعيداً إلى أن اصطدم بجدار التل فسقط مغشياً عليه .
أما أليكس نزل حيث كين المتألم لكونه قريب منه في اللحظة ، سأله بقلق :
" ما بك! ..أهي إصابتك ؟ "
وقبل تلقي إجابته لمح بعينيه دمه النازف ، جرحه عاد للنزف وأمام مرآه ليُصدم تماماً فلم يعد يعي بشيء حتى حضور سيمون، ليلفت انتباه سكنر البعيد ،رمقه بنظرة ثاقبة لثواني ، ثم كشرَ بشرٍ لما علِمه فرفع يمناه نحو أليكس مصرحاً بقسوة :
" تخاف الدم إذاً...سأُريك الآن دماً لا حصرَ له "
أطلق من يده طاقة خفية اقتحمت عقله لتجفل عيناه برعب كأنّه يرى أشباح لا دماء تتدفق أمامه كالشلال فصار يصرخ كالمجنون بلا وعي منه ، فاحتار الذينِ قربه خاصة كين رغم تألمه فتح عينيه محدقاً به يجهل ما أصابه وسيمون بلغ مجمع الحيرة والتعجب فحاول فهمما به لمناداته بتكرار ، لكن عبثاً.. لا نفعَ مما يقوم به إلى أن نفذ صبره فصرخ في وجهه بعضب
" كُفَ عن الصراخِ وأجبني ما بك "
هنا توقف أليكس عن صُراخه ليس استجابةً لسيمون وإنّما خارت قواه فانهار فاقداً وعيه ، توتر سيمون إذ لم يفهم ما حدث ؛ إنْ كانَ مجنوناً أمْ عاقلاً لكن كل ما يدركه الآنَ أنهم أوشكوا على الهلاك فالأرض من تحته اهتزت منذِرَةً بمن يتقدم نحوهم ، التفت خلفه ليراه يقبل ونيته مؤكدة له ، نظر حوله ليَجِدَ نفسه الوحيد في الساحة ؛ مانكس مرميٌّ بعيداً لا حراك له وكين خلفه ليست به قدرة حتى على الوقوف رغم محاولاته المتكررة ليستجمع قواه ويطرد مرارة الألم جانباً ،وذاك الغريب عنهم لا فرق عنده بخصوصه ، فوجوده وعدمه سواء، بل عدمه سيكون أفضل لهم ، فكر فيه بهذا الشكل ثم التفت ناحية الوحش شاهراً سيفه بثبات وانطلق صوبه يهاجمه.
قلق كين بشدة حين أبصره يبتعد ليقاتلوحده فرفعصوته بخوف :
" لا ياسيمون ..لن .."
غدره الألم مجدداً ليُحيل بينه وبين قوله المقطوع والأخر لم يتراجع رغمَ سماع نداء كين له ، بل أقحمَ نفسَه في قتالٍ مع العملاق ، تجنَّبَ إحدى هجماته ليواليها بهجمة منه تسببت بخدش في أسفل قدمه جعلته يصيح بغضب وبصفعه بيده الضخمة التي تساوي أضعاف جسده ، طيرته بعيداً حتى بعد أنسقط ظل جسده يتدحرجُ للحظات إلى أن استقر أمام كين الذي رُعب قلبه بشدة لإبصاره الدم الذي ينزف من رأسه فناداه بقلق بالغ :
" سيمون "
أراد التحرك ولو ببطء ليطمئن عليه وقبل أن يُحقق مراده التقطه الوحش بيده ، أخذه إليه محكماً قبضته بقسوة ليجعله يصارع ألماً أشد مما كان يُصارعه منذ لحظات ، تبدلت الأدوار ليُصبح هو في خِضم الخطر ويجعل القلق ينال من سيمون فحاول النهوض بصعوبة رغم إصابةِ رأسِه و الخدوش المغطية لجسده ، في اللحظة بدء أليكس يستعيد جزءاً من وعيِهِ فلمِحِ بتشوُّشٍ سيمون ينهض بصعوبة فما خطى غير خطوتين حتى انهار أرضاً ، مع ذلك لم ييأس بل ظل يحاول دون توقف فانتبه أليكس لسبب جهده الميؤوس منه، لتتوسعَ عيناه من الصدمة ، سرى القلق به بشدة وتملك الخوفُ قلبَه لإدراكهِ فظاعةَ الموقف ؛ واضح أنه يعاني وبشدة في قبضة الضخم التي تعصره ، ستسحق عظامه بلا ريب إن ظل هكذا ، تألم لأجله ، أراد النهوض لنجدته لكن العجز كبَّله، كأنّ الأرض تقيده وترفض تحريره فساندها الارتجاف الساري به ليزيد وضعه سوءاً فخاطب نفسه بوهن :
" لا أستطيع ..جسدي لا يساعدني لكن كين .."
نظر لمن تلفظ باسمه ليتيهَ مع صراعات التأثر والضعف ، أشاح بصره عنه بل أغمض عينيه متألماً عليه وفجأة سمع ارتطاماَ ما جذب نظره إليه فعلم سببه ،إنه سيمون تلقى ضربةً قاسيةً طرحتْهُ أرضاً في محاولةٍ منه إنقاذ كين، ومع ذلك نهض مُجدداً يسعى دون فقدان الأمل ، شعورٌ غريبٌ راوده بمراقبته له ليغرق في دوامة من السكون، تذكر كيف مات والده ووصيتُه التي تركها له على عاتقه كما اجتاح عقله كين بتعامله الطيب معه وإنقاذُه له من الموت مرتين ،فاهتزّ قلبُه لما تذكره ليرفع بصره حيث الأسيرَ العالقَ بين الوعي واللاوعي، ظل يُحدق به لثواني قليلة ليتلاشى الضعف من عينيه الزرقاوين وتُحِل الثقة محله ، حتى جسده طاوعه أخيراً فنهض يقف بثبات ليُذهل سكِنر بذلك وينطق بعدم تصديق :
"أيعقل أنه تغلب على مخاوفه! "
بدد ذهولَه قائلاً بانزعاج علاه و قد عاودَهجوم طاقته تلك :
" لن أسمح لك يا هذا "
أصابته طاقته غير المرئية لكن لم تؤثر فيه كما فعلت من قبل ، بل صرح بجدية امتزجها الغضب وكأنّه علم بوجودسكنر :
"سئمتُ منكم أيها الأوغاد"
مع نهايةِ قوله بدأت قلادتُه الحمراءُ بالتوهج تماماً كقلادَةِ كين مثيرةً الرياح من حوله بضراوة ، كما ارتفع سيفه المرمي على الأرض وتوقف محاذاة يده ، ما إن لامسته يُمناه حتى تحوّل شكله ليُصبح َكسيفِ كين لكن مقبضه بالونِ الأحمر .
ذُهلَ الجميع بما فيهم مانكس الذي استعاد وعيه تواً ليشهدَ هذا الحدث ، حتىكين شهِد ذلك بالرغم من مرارة معاناته وسيمون لزمه الصمت متعجِّباً لعدم تصديقه لما يراه .حركة واحدة جعلته كمن طار محلقاً فشطر يد الوحش الممسكة بكين ، تلاشت فور بترها ليتهاوى كين ساقطاً قبل أن تستقبل الأرض جسده التقطه أليكس بخفة عالية أذهلت الكل ، حتى هو لم يكن يعي بحاله ، أنزله قرابة سيمون المليءِ بالجراح ، فسأله باهتمام:
" هل أنت بخير ؟ "
رد بخفوت متعب رغم فرحه لأجله:
" أجل "
اطمئن قليلاً فالتفت نحو العملاق الثائر بغضب وجنون لما أصابه ،تقدم نحوه قائلاً بجد :
" حانت نهايتكَ "
وأردف قوله بضربة أضاءت المكان كله وعصفت به كريح عاتية ، انتهى ذلك الوحش أخيراً فلم يعد له أثر بعد انخمادِ الضوء الأحمر الخاص بأليكس والذي يراقب من بعيد كاد يفقد عقله ، لم يتوقع منه أن يُحرر طاقة القلادة فعجزَ لسانه عن الكلام بصدمة توغلته ليختفي كما هي عادته.
أما هو سمح للسكون أن يغمره وعيناه الزرقاوانِ شردتا بعيداً ، ظل بحالةِ صمتٍ إلى أن تلقى ضربة خفيفة على ظهره مصحوبةً بصوت صاحبها المرح :
" كنتَ مُذهِلاً يا هذا ...لما لم تخبرنا بقدرتك على فعلها !"
التفت إليه ليتأكَّدَ أنّه مانكس كما ظن دونأن يجبه بشيء فحسبه الأخر غاضباً ليحاول التصحيح قائلاً ببشاشة :
" أظنني أدينُ لك باعتذار ..آسف لما قلته لك حينها"
تبسمَ أليكس منه متذكراً حقاً كيف وصفه كين له فنطق بهدوء :
" لا بأس عليك "
فرح لقبوله اعتذاره فتمتم بسعادة :
" أه سامحتني ببساطة كم أنت طيب "
ثم بدء يثرثر دون توقف إلى أنِ التفت فجأة حيث سيمون الجالس أرضاٌ بجسد متهالك فخاطبه :
" وأنت أيضاً تدينُ له بالاعتذار "
انزعج سيمون منه خاصة عندما التقت عيناه بعينيّ أليكس فصرفَ نظره عنه باستياءٍ بالغ مُتجاهلاً ما سمعه.
شفيت الجراح أخيراً وتعافى من كان مريضاً ليعاودوا المضي في رحلتهم الطويلة ، خيْليْنِ بنيين وأربعة فرسان تماماً كما مضى ؛ مانكس بصحبة كين ومقدمة الخيل الأخر لمن استولى عليها أولاً من قبل ، والأخر أقبل ليركب متناسياً ما جرى بينهما سابقاً ، لكن حدث ما لم يتوقعه منه ، لبرهة لم يُصدق أنه مدّ يده له ليساعده بالصعود ، حتى هو بدا غير مستوعبٍ لِما يفعله لتهرب عيناه بعيداً عن أعين الحاضرين ، فبتسم أليكس بهدوء ثم أمسك يده وصعِدَ رغم أنه لم يكن في حاجة لمساعدته ، فقط اعتبر الأمرَ منه بِمثابةِ اعتذار بطريقة أخرى ، وكين تأمل الوضع بارتياح سكنه فرجيَ أن يستمرا على هذا النحو . يٌتبع... تدقيق : Ħαłα |
__________________ سُبحان الله العظيم
سُبحان الله وبحمدِه
التعديل الأخير تم بواسطة Mārionēttē ; 11-15-2019 الساعة 03:35 PM |