كانَ على وشكِ أن يبلغَ الثامنة عشر من عُمرِهِ ويصبحَ الملك
توجّهَ كريستيان بسعادةٍ إلى الغرفةِ اللتي كانَ لوكاس ينتظرهُ فيها ،وحالما فتحَ ذلكَ البابِ البنّي المُزخرف بِأرقى الزخارفِ الذهبية، صُدِمَ من هَولِ المنظرِ أمامه
والدهُ مُمَدد على الأرضِ وصديقُهُ أو ما كانَ يعتقد يقفُ أمامَ جُثتهِ ويداهُ ووجههُ مُلطّخان بدماءِ والده، وعيناهُ الحمراوتين تشعّان كما لو كانَ غاضباً.
كانَ ينظرُ للأسفلِ نحوَ الجثةِ وشعرهُ الأسودُ غطّى القليلَ من تفاصيلِ وجههِ
رَفعَ نظرهُ إلى الواقفِ أمامَ البابِ الذي يرتعشُ خوفاً مما يراهُ فاْظهر لهُ ابتسامةٍ توحي بالسخرية أظهرت جزءاً من أسنانهِ البيضاءِ
شدَّ كريستيان على قبضتيهِ وهو يحاولُ أن يكذِّبَ ما رآهُ قائلاً للوكاس بتردد:
" ل..لوكاس؟....مالذي حدث هنا؟"
ضحكَ لوكاس بسخريةٍ من شكلهِ وقال:
" كريس كم أنت مثير للشفقة ... ألا ترى بوضوح؟"
ثم صكَّ على اسنانه قائلاً بحدّة:
"لقد قتلتُ والدكَ المعتوه"
هبطت تلكَ الكلمات كالصاعقة على مسامع كريستيان و فات الأوان.لم يعد كريستيان يستطيعُ أن يُكَذِّبَ ما رآهُ الآن
زادَ من شدِّهِ على قبضتيهِ و قاَل بصوتٍ عالٍ سائلاً رفيقهُ وهو يأمل أملاً خائباً أن يحصل على جوابٍ مقنع:
" مالذي تقوله؟ ... ماذا حصلَ لك؟..لِمَا فعلتَ هذا؟... اْجِبني؟"
أجابهُ لوكاس بِبُرودٍ وإستهزاء:
" توقف عن الصراخ...أنتَ تزعجُ الآخرينَ بذلك"
ثم ابتسمَ بشرٍّ وقال:
" فعلتُ ذلكَ لأصبحَ سيدَ الظلام"
صُدِمَ كريستيان من كلامهِ وقالَ مستغرِباً:
"سيدُ الظلام؟!!" وأكملَ:
"أنتَ لم ترغب يوماً أن تصبحَ سيدَ الظلام....ثم ما شأنُ أبي بذلك؟"
أجابهُ بغرورٍ وبرود:
"اووه اذاً انتً مازلتَ تذكرُ ذلك!"
وأكمل وإبتسامةُ السخريةِ تَعلو مَحياه:
"كنت أريدُ إستغلالكَ لصالحي..أما هذا العجوزُ المعتوه فهو ملك البشر ولأني سأتخلصُ منَ البشرِ فسأبدأُ بملكهم"
زادَ الأمرُ عن حدِّه!..كريستيان لم يعلم اْن لوكاس يكرهُ الملكَ لدرجةِ أن يقتله!..بل والبشر أيضاً..مالذي حصلَ له؟!
إنتهى الأمرُ بينهما...لقد أعلنَ لوكاس للتو أنه عدوٌّ للبشر..وبهذا لقد أصبح هذانِ الإثنان
أعداء!!
قالَ كريستيان بتوعُّد وملامحُ الغضبِ تكسو وجهه:
"سأنتقمُ منكَ لوكاس"
وحالما أخرجَ سيفهُ من غمده ليعلنَ بدأ القتال قاطعهُ لوكاس بغرور:
"لا أريدُ قتال أحمقٍ مدللٍ مثلك..عندما تُصبحُ مَلكِاً سآتي لأواجهك...ثم أقتلك!"
ثم أطلقَ ضحكةً شريرة تلاها سطوعُ ضوءٍ أسودٍ ليختفيَ لوكاس من أمامِ كريستيان بلمحِ البصر
نفضَ كريستيان تلك الذكرى السوداء من رأسه ثم قامَ وهمَّ بالابتعادِ لولا رغبةٌ صغيرة من عقلهِ تريدُ إلتطاقَ ذكرى مبهجة علَها تُسعِدهُ قليلاً لكن يبدو أنّهُ لا فائدةَ من ذلك
ارتسمت بسمةٌ حزينةٌ على شفتيه ليتمتم بعدها وهو يمشي مُبتَعِداً:
"إلى اللقاء"
في المملكةِ المجاورة
"مملكةُ الظلام" كانَ سيِّدُها يقفُ على شرفةِ غرفتهِ ينظرُ بتمعُّنٍ إلى نفسِ السماءِ التي رآها كريستيان وعيناهُ تحمل بريقاً لم يُرى مِثلُهُ لأحدٍ من مملكةِ الظلام قال بحزم:
"غداً هو اليومُ المنتظر..سأبيدهم جميعاً ولن أُبقي منهم أحداً على قيدِ الحياة"
ثم ألقى نظرة لشيءٍ ما وقال بابتسامةٍ حزينة:
"حتى هذا الشخص..ذلك سيكونُ الخيارَ الوحيدَ الذي لايمكنني التراجعُ عنهُ حالما قررته "
ثُمَّ دخلَ ليلقيَ نظرةً إلى جيشهِ العظيم الذي يضمُّ معظم سكّان الظلام بل ربما كُلَّه بأجسامهم السوداء متغيرةِ المعالم التي لم تكن واضحةً من أصلها والعيونُ الحمراء التي لم شديدةَ التوهّج كما هو حال سيدهم ، لتظهرَ بعدها إبتسامةٌ شريرة بعد جلوسهِ على كرسيهِ الخاص بوقار ينظر مُعجباً بحجمِ جيشهِ الكبير منتظراً بفارغِ الصبرِ يوم الغد!!
في مساءِ اليومِ الذي تلا سابقهُ كانَ كريستيان قد أنهى للتوِ مهمته كحاكمٍ لمملكة ألترا
وبينما هو يتمشى بالقربِ من حديقتهِ الخضراءِ الجميلة
سمِعَ صوتَ خطواتٍ مسرعةٍ تُقبِلُ نحوه
التفتَ ليرى صاحبَ تلك الخطوات وإذا بهِ رئيسُ الحرسِ الملكي وعلاماتُ الرعبِ والذهولِ قد بانت على وجهه
تكلمَ قائُد الحرسِ بصعوبةٍ وسطَ انفاسهِ المتقطعة:
"مولاي...لقد..مملكةُ الظلام..مملكةُ الظلام على وشك الهجوم علينا....وبأعدادٍ هائلة"
لم يبدس كريستيان أي تعبيرٍ على وجهه، لقد كان هادئاً جداً مما جعلَ رئيسَ الحرسِ مُستغرِباً
لم يكن الأمرُ مُفاجِئاً لكريستيان، فقد توقعَ حدوثَ ذلك خاصةً أنه لم يمرَّ سوى بِضعةِ أيامٍ على تتويجهِ ملكاً
وهذا يعني إقترابَ قدومِ لوكاس، وهذا هوَ ما يحصلُ الآن
اغمض كريستيان عينيه قليلاً واسترخى لينظرَ بعدها إلى الواقفِ أمامهُ ينتظرُ أمرهُ فأجابه:
"ليستعدَّ الجميع هذه الحربُ ستكونُ طويلةً للغاية"
إنحنى له المأمورُ بطاعةٍ وذهبَ بخُطى مسرعة ليُلبّي أمرَ سيّده، بينما ذهبَ كريستيان ليتحضّرَ لمعركتهِ المُنتَظرة
أخرج سيفهُ الخاص الذي تم صنعه خصيصاً لقتلِ أسيادِ الظلام وحدّقَ فيهِ قليلاً ثمَّ وضعهُ في غمدهِ الخاص وخَرَجَ إلى أرضِ المعركة
كانتِ الجيوشُ من كِلا المملكتين محتشدةً خلفَ سيّدها تنتظرُ إشارةَ الإنطلاق
إنتبه كريستيان للوكاس الذي كانَ ينظرُ له من بعيد فأعطاهُ نظرةً حازمةً يُظهِر فيها أنّهُ لن يُغلَب
إبتسم لهُ لوكاس إبتسامةً جانبيةً ثمَّ استدارَ عائداً إلى الخلفِ لينطلق بعدها جيشُ الظلام متجّهاً نحوهم
شعرَ كريستيان بالإستفزاز من إبتسامةِ لوكاس، لقد بدا وكأنّهُ يستهزءُ بجيشهِ، لكنهُ لايعلمُ عاقبةَ فِعلهِ هذا
أطلق صرخةً يعلنُ بها بدأ الهجومَ لينطلق بعدها على فرسهِ البيضاء ومعهُ جيشهُ نحوَ جيشِ الظلام
ببراعةٍ كانَ كريستيان يحرِّكُ يديهِ يقتل بها خصومهُ واحداً تلوَ الآخر إلى أن استطاعَ تجاوزَ جيشِ الظلامِ كُلِّه
ظلّت عيناهُ تجولُ يميناً وشمالاً تبحثُ عن عدوِّهِ لوكاس إلى أن وجدهُ يقفُ على تلٍّ مرتفع جداً
لَمَحَ كريستيان يدَ لوكاس تؤشرُّ بإتجاه الجيوش وهو يتمتم بكلمات لم يسمعها ليظهرَ فجأةً تنينٌ أسودٌ أصفرُ العينين من اللامكان متجّهاً نحوَ المكان الذي أشارَ إليهِ لوكاس
تفاجئ كريستيان مما يحصلُ وقالَ بذهولٍ شديد:
"إنّهُ تنينُ الظلام!!"
ليسَ من السهلِ أن يستدعي أحدٌ تنينَ الظلام، هذا يحتاجُ الى الكثيرِ من القوة
لم يستدعهِ أحدٌ من قبل سوى سيد الظلام الأول
ومع ابتداءِ تنينِ الظلامِ بالهجومِ على الجيوش، استدركَ أنَّ لوكاس الآن لوحدهِ وبالقربِ منه
إنطلق كريستيان بأقصى سرعتهِ نحوَ لوكاس بعد أن أخرجَ سيفهُ من غمدهِ وشهرَهُ بإتجاهه
لكن لوكاس كانَ قد لاحظَ وجودهُ من قبلُ فاستطاع تفاديَ هجمتهِ ببراعة
إستمرَّ القتالُ بينهما طويلاً فكلاهما كانا بارعينِ وهما يعرفانِ حركاتِ بعضهما البعض
تدريجياً بدأت هجماتُ لوكاس بالتراجع لأنهُ قد استنفذَ أغلبَ طاقته لإستدعاءِ تنينِ الظلام
ونتيجةً لذلك، باغتَ سيفُ كريستيان لوكاس ليطعنهُ في قلبهِ مباشرةً
توسعّت عينا لوكاس وتجمّد في مكانهِ ليخرَّ بعدها جالساً على الأرضِ بجانبِ صخرةٍ كبيرة
أخرجَ السيف من جسدهِ بصعوبةٍ وراحت دمائهُ تنزفُ بشدّةٍ وهو يتذوقُ أقصى انواعِ الالمِ الآن
تراجعَ قليلاً ليتّكأ على الصخرةِ اللتي بجانيهِ وهو يتنفس بصعوبةٍ محاولاً إستيعابَ أكبرَ قدرٍ من الهواء
نظر لهُ لوكاس بسعادةٍ يشعر بالفخرِ مما فعلَ ، فلقد قتلَ أخيراً سيدَ الظلام
إلا إنَّ هناكَ شيئاً غريباً لا يدري ما هو!
إستدارَ كريستيان ليرى مالّذي حلَّ بالجيوشِ لتتوسعَ عيناهُ بدهشةٍ وهو يرى أنَّ جيشَ الظلامِ هو وحدهُ من أُبيد!!
قال كريستيان مستغرباً:
"مالّذي_"
لم يكمل جملتهُ لأنه قد اختارَ أن يحصلَ على إجابتهِ من لوكاس
فالتفتَ اليهِ بنظراتٍ متسائلة تطالبهُ بتفسيرِ ما حدثَ الآن
لمحَ لوكاس نظراتَ كريستيان إليهِ ليبتسمَ بوهنٍ ويجيبهُ بصعوبةٍ وسطَ أنفاسهِ المتثاقلة:
"كريس...أنا هو سيدُ الظلام...لذا أنا لا اقضي سِوى على الظلام"
تجمّد كريستيان أمامَ كلماتِ لوكاس بعدَ أن استوعبَ ما قالهُ للتو
هو لم ينوي من البدايةِ أن يؤذيَ البشر، إنما كان هدفهُ حمايتهم من الظلام....إلى الأبد
راحَ كريستيان ينظرُ إلى الأرض وقال بصوتٍ مخنوق:
"إذاً ماذا عن_"
لم يستطع كريستيان أن يكمل، فبسبب صدمتهِ أصبحَ لسانهُ مربوطاً ولا تكاد الكلماتُ تخرجُ منه
تفهّمَ لوكاس حالَ صديقهِ المصدوم فأكملَ يجيبه بهدوء:
"كريس..أنا..أنا لم أقتل والدكَ لأني أكرهُ البشرَ أو ما شابه"
رفعَ كريستيان ببصرهِ نحوَ لوكاس والدموعُ متجمعةٌ في عينيهِ تكادُ تخرجُ لولا إصرار صاحبها على إخفائِها
كان واضحاً من نظارتهِ أنّهُ لم يفهم ما قالهُ للتو ويريدُ التفصيلَ أكثر
تململَ لوكاس قليلاً ليأخذَ وضعيةً مريحة يستطيع بها أن يكملَ كلامه
"إسمعني كريس...والدك...لم يكن ذلك الشخص اللطيف اللذي ظننته"
وأكمل بعد أن أشعَّت عيناه بحُمرةٍ تشبه ذلك اليوم وإكتسى الغضبُ ملامحه:
"لقد كانَ يكرهكَ لأنك ستخلِفهُ وتأخذُ منهُ الحكمَ بعدَ بلوغك....وكان يريد التخلُّصَ منك"
توَّسعت عينا كريستيان دهشةً مما يسمعهُ من صديقهِ فأكملَ الأخير:
"أوهمتهُ أنَّني سأقتلُ ملكَ الظلامِ من أجلهِ...وبعد أن وثِقَ بي واعطاني ذلك السيفَ الخاصَ لقتلِ أسيادِ الظلام..قتلتُ سيدَ الظلامِ بالفعل...ثم جئت إليه لأخبرهُ بما فعلت وقتلته..لأن ملكاً شريراً يكرهُ إبنهُ لا يجبُ أن يبقى على قيدِ الحياة"
لم يستطع كريستيان ان يبدي رأيهُ بأيَِ شيءٍ مما قالَ لوكاس ،فالصدمات تتلاطمُ برأسهِ واحدةً تلوَ الأُخرى
تنهدَ كريستيان يحاولُ اخراجَ القليلِ من الطاقةِ السلبيةِ التي إمتلأ جسدهُ بها ثم اكمل وهو ينظر في عيني صديقه بحزن:
"وماذا عنك؟...لِما أبَدتَ جيشك...لِما جعلتني أقتلك؟"
إبتسم لوكاس بألمٍ وقد كان ينتظرُ منهُ هذا السؤال:
"أنا لا يمكنني مسامحةُ نفسي لكوني سيدَ الظلام...لذا انتَ هو أفضلُ شخصٍ يمكنه أن يخلّصني من ذلك..أما بالنسبةِ لجيشي..لقد أردتُ دوماً أن أقضيَ على شعبِ الظلام..لذلك فعلت ما بوسعي لأصبح سيدهم...ثم أموت بعدها وهم معي"
تقرَّبَ كريستيان منه ليجلس بجانبهِ علَّهُ يستطيعُ إستعادة القليل من ذكرياتهما الجميلة معاً وقال بعتاب:
"لوكاس أنت أحمق لِما فعلت هذا ألم تفكّر بمشاعري"
ضحك لوكاس بخفةٍ وفال:
"هذا أفضل لك ولي وللجميع هنا"
ثم نظر لوكاس لجسدهِ اللذي بدأ بالتلاشي وابتسم بارتياح قائلاً لرفيقه:
"إلى اللقاء كريس"
فُزِعَ كريستيان من كلامهِ وصرخَ بسرعة:
"مهلاً!! لوكاس!!"
لكنهُ كان قد إختفى بالفعل...إلى الأبد..إختفت مملكةُ الظلام..
وسيدُ الظلام! تمت لا أحد يرد