عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام العامة > مواضيع عامة

مواضيع عامة مواضيع عامة, مقتطفات, معلومات عامه, مواضيع ليس لها قسم معين.

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 05-08-2019, 12:49 PM
 
يوميات السيول السوداء (6)

مضى أكثر من خمسة وعشرين يوما والسيول المفتعلة ما زالت تجتاح الأهواز، بدأت المأساة من قرى السوس والشعيبية ثم قرى الحميدية والخفاجية حتى وصلت إلى قرى الفلاحية.
لم تسلم مزرعة ولا بيت من هذه القرى إلا وغمرتهما المياه، وأمسى ساكنوها يفترشون الأرض تحت خيمة بالقرب من بيوتهم.
ولولا دعم اللجان الشعبية، لما استطاع المنكوبون أن يصمدوا أمام السيول، ولهاجروا إلى مدن أخرى خارج الأهواز.
ومن بين هذه اللجان أعجبتني مبادرة قام بها أبو خالد في المحمرة وهي مبادرة الخبز لمنكوبي السيول.
وأبو خالد ورغم كبر سنه يتمتع بروح شبابية رياضية، أحضر أبو خالد سبعة تنانير من الأصدقاء ودعا الشباب ليحضروا أمام مقهى قاسم المعاوي والتي تقع على ضفاف نهر كارون وبالقرب من البنك المركزي. وتبرع المستطيعون بشراء الطحين وبدأ الشباب يخبزون...
يحضر أحد الخبازين عصرا ويهيئ العجين بالماكنة، وإن تأخر هيأه أبو خالد بنفسه؛ ثم يأتي الشباب عند السابعة عصرا ويبدأون بالخبز، اثنان منهم أو ثلاثة يجيدون الخبز، والآخرون يساعدونهم برفع غطاء التنانير وإخراج الخبز منها، أو قد يلصقون العجين داخلها.
ويستمر هذا العمل التطوعي حتى الواحدة من منتصف الليل.
يُحضر أحد الحاضرين العشاءَ للشباب الذين لا يقل عددهم العشرين، وقد يطبخه أبو خالد أو أحد شباب اللجنة بيده في البيت أو في المقهى.
وخلال عملية الخبز، يضع الشباب كل عشرة خبزات في كيس، ويجهزونها للذين يسيرون نحو القرى المنكوبة ليلا أو صباحا لتقديم المساعدات إلى المرابطين فوق سواتر السيول، أو إلى العوائل المنكوبة في المخيمات.
ليست هناك جهة مخصصة لاستلام الخبز وإيصاله، فقد تأتي لجنة إغاثة من المحمرة أو من عبادان فتستلمه لتوصله إلى القرى المنكوبة. ثلاثة آلاف وخمس مئة خبزة كل ليلة تذهب إلى المرابطين، أو إلى المخيمات.
ومن الجميل أن كل ليلة أو كل يوم تذهب سيارات لتقديم المساعدات؛ شباب كرسوا وقتهم لدعم أهلهم المنكوبين.
وقد تحضر النساء عصرا ليساعدن الرجال في هذه المهمة التطوعية. وهناك من لم تستطع أن تحضر، فيُرسل الطحين إلى بيتها تخبزه نهارا وتحضره إلى المقر ليلا.
ونحن نساعد الشباب في عملية الخبز، نذهب بين تارة وأخرى نطل على النهر والذي لا يبعد منا سوى بضعة أمتار لنرى إلى أي مدى ارتفعت مياهه!
وعلى الضفاف ترى الكثير من الرجال والنساء يراقبون المياه تخوفا ورعبا؛ هل ستحل بنا نائبة السيول كما حلت بأخوتنا في المدن والقرى الأخرى؟!
هل ستخرج المياه من مجراها لتحتل بيوتنا فنخرج منها قسرا ونسكن الخيام؟!
ويتكرر السؤال التالي الذي حير الكثير من المراقبين:
متى تفتح الحكومة مجرى نهر الكرخة لتجري المياه في مجراها الطبيعي؟!
متى تفتحون الهور العظيم؟!

سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز
25-4-2019
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 05-09-2019, 10:41 AM
 
يوميات السيول السوداء (7)

طُرق الباب ضحى، كان مأمور الكهرباء، دخل وهو يسألني عن الأوضاع؛ أجبته بأنها سيئة.
قال وهو يضع سلك جهاز التسجيل في العدّاد: البارحة وعندما كنت أتابع أخبار السيول عبر الواتساب وأشاهد مقاطع الأفلام وهي تعرض البيوت الغارقة، والنساء المفجوعة، والأطفال المذهولة، أغمي عليّ من شدة التأثر ونقلوني إلى المستشفى.
قلت له: يا صديقي، كنت أنام عند العاشرة مساء وأستيقظ فجرا. أما الآن فهجرني النوم وأمسيت أسهر حتى الثانية ليلا! أتابع أخبار هذه الفاجعة وأتألم!
نعم، إن الكارثة التي حلت بأهلنا في قرى الأهواز مؤلمة.
ما يثير الريب في أحداث السيول هو أن الحكومة تصر على القرويين أن اخرجوا من بيوتكم، وأن السيول ستجتاحكم، وتجرف أغنامكم وأبقاركم، أو قد تغرق أبناءكم!
ومنذ بداية السيول شاع خبر بأن سد الكرخة حصل فيه شرخ وقد ينهار ...
وإن انهار وسالت ستة مليارات متر مكعب مخزنة وراءه، ستغرق الأهواز كلها، وستحصل كارثة!

كل هذه الشائعات والنذر تُفنَد بعد أيام.
حذروا أهل الخفاجية أن يتركوا بيوتهم ويرحلوا، وقد مرّ على تحذيرهم أكثر من عشرة أيام ولم يدخل بلد الخفاجية السيل. بلى قد اجتاحت السيول قرى الخفاجية والحميدية، لكنها وبفضل الشباب الذين أقاموا سواتر حول المدينة منعوا المياه من التدفق داخل المدينة.
أهل الحميدية وقد أعانهم شباب من مدننا الأخرى أقاموا ساترا بلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار، وطوله خمسة عشر كيلو مترا، يخمن عدد الأكياس المستخدمة للساتر والتي ملأها المرابطون بمساحيهم مليون كيسا!
تشير الأخبار من هناك أن الناس هم الذين أقاموا هذا الساتر بعملهم الدؤوب والمتواصل ليلا ونهارا؛ ولم تساعدهم المؤسسات الحكومية قط!
وكلما انهار الساتر من مكان وتدفقت المياه التي يبلغ ارتفاعها مترا، دخل الشباب ووقفوا أمامها بأجسامهم كجدار ليستطيع الآخرون وضع الأكياس ورصها بالتراب لسد الثغرة؛ وإلا جرفت المياه كل الأكياس التي توضع في جريانها!

وطلب الناشطون الأهوازيون أن تسجل هذه الملحمة في موسوعة غينيس القياسية لأنها إنجاز قياسي حقا!
لقد تم إقامة الساتر بسواعد الرجال والنساء والأطفال وفي فترة أقل من أسبوع! أليس هذا العمل أنجازا قياسيا؟
هناك قرى في الحميدية والخفاجية حاصرتها السيول من كل جانب وبقى أهلها ماكثين فيها، وفي ظل شح الزوارق لإيصال المواد الغذائية، يدخل شباب اللجان الشعبية الماء حاملين الغذاء بأيديهم وعلى رؤوسهم ويتحملون الأخطار مشيا، وارتفاع الماء يبلغ صدورهم، ويمشون أكثر من كيلو متر، ليوصلوا الطعام إلى الأطفال والنساء والشيوخ.
وفي هذه الظروف الصعبة، لماذا لا تتدخل الحكومة بطائراتها العمودية لتقوم بهذا العمل الإنساني وهو من واجباتها؟!
أم أن للطائرات مهمة أخرى مشبوهة؟!
وأن حياة العربي في الأهواز لا يعني للمسؤولين شيئا؟!
ولا تزال السيول مستمرة وقد وجهوها نحو الفلاحية... ولا يزال مسيرها الطبيعي نحو الهور العظيم مسدودا!

سعيد مقدم أبو شروق – الأهواز

28-4-2019
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 05-10-2019, 09:38 AM
 
يوميات السيول السوداء (8)

أمر الحاكم العسكري في الأهواز غلام رضا شريعتي أن تعطل المدارس والجامعات منذ افتعال السيول، ولم تعاود نشاطها إلا بعد ثلاثة وعشرين يوما.
وقد أدت السيول إلى محاصرة الأهواز العاصمة واجتاحت المياه ميدان الخضروات.
ثم قطعت الطرق الرئيسية التي تتصل المدن الكبرى من الإقليم كطريق الأهواز - السوس، وعبادان - الأهواز، وأحد طريقي المحمرة - الأهواز.
ومنذ بداية السيول قامت مؤسسات الهلال الأحمر في الدول الأخرى بتقديم المساعدات للمنکوبین منها ألمانيا والكويت والإتحاد الأوروبي والهند والإمارات والسعودية ...
لكن المساعدات والتي تسلم للهلال الأحمر في طهران لم تصل إلى الأهواز! حتى تواصل الشباب الناشطون مع الهلال الأحمر الكويتي وأخبروهم أن المساعدات لم تصل إلى المنكوبين ليقوم الهلال الأحمر الكويتي بالإشراف على توزيع المساعدات.
وبدل أن تهدأ السيول يوما بعد يوم، تلاقت مياه نهر كارون ونهر الكرخة بعد أن خرجت الكرخة من مسيرها وطوت أكثر من مئة كيلو متر لتصل إلى نهر كارون، ثم خرجت المياه نحو الفلاحية والتي تبعد عن كارون ما يقارب الخمسين كيلو مترا فأغرقت بعض القرى وهجرت ساكنيها، وأضافت إلى جراحنا جرحا آخر!
أمس صباحا جاء نداء استغاثة من قرى الفلاحية والملاشية، واللتين تبعدان عن بعضهما أكثر من مئة كيلو متر، ويحتار المرء إلى أي جهة يتجه ليساعد أخوته في إقامة السواتر!
اليوم نسقنا مع شباب السليج في عبادان أن نذهب إلى مخيم قرى الشعيبية والتي تبعد عن المحمرة أكثر من 200 كيلو متر.
كانت السيارات تصلها خلال ساعتين، أما اليوم وقد أغرقت المياه إحدى جادتي عبادان - الأهواز فعطلت السير عليها وغمرت الثانية فجعلت السير عليها بصعوبة وبطء، استغرق طي مسافتها خمس ساعات.
كان طريق عبادان - الأهواز السريع مزدحما وخطرا، السيارات تسير على جادة واحدة ذهابا ومجيئا؛ ومياه السيول تجري على الجادة، وقد تنحرف سيارة عن الطريق فتتدحرج مع جريان السيول؛ حتى قررت شرطة المرور أن تغلق الطريق.

كان بعض الناس يصطادون السمك من مياه السيول بسهولة لكثرته!
وعلى طول الطريق، السواتر الترابية والأكياس تحيط بالشركات والقرى، وأعمدة الكهرباء التي سقطت جراء السيول لا تحصى!
في طريق الشعيبية كانت المزارع تحت المياه، والنخيل غارقة؛ ورأينا بعض الدواب ميتا على جانبي الجادة، ولا شك أن السيول هي التي جرفته فأغرقته.
وصلنا مخيم قرية المراونة عصرا، ساکنو المخیمات يشكون غياب الهلال الأحمر والمؤسسات الحكومية، ويشكرون الناس الذين يقدمون لهم الدعم.
قدم لهم الأصدقاء بعض الدعم مثل المواد الصحية والدواء والمواد الغذائية والألعاب للأطفال والحلويات؛ ذهبنا إليهم بخمس سيارات شخصية وكلها كانت محملة بالتبرعات.
كنت أدري أن أظافر الأطفال لم تقلم منذ بداية السيول، ولذا أحضرت معي مقص أظافر فقلمت أظافر بعضهم، ولأنهم كانوا كثيرين كنت أسرع في تقليم أظافرهم فجرحت إصبع أحدهم؛ تألمت كثيرا... لكنه غسل إصبعه وأخذ سيارته بيده وراح يركض فرحا.
وفي أثناء مواساتنا مع المنكوبين لنقلل من مأساتهم، نقلوا لنا أن شاحنات جاءت إلى مخيمهم واقترحوا عليهم أن ينتقلوا من المخيم إلى مدينة يزد!
ينقل أبو مسلم وهو أحد المنكوبين إن سائقي الشاحنات ومعهم جنود نصحونا بالهجرة، وأنهم هناک سوف يعوضوننا عن أراضينا وبيوتنا ويدفعون لنا المال!
قالوا إن مياه السيول ستبقى أشهرا في منازلنا ومزارعنا!
لكننا رفضنا متمسكين بأراضينا وبوطننا الأهواز.

سعيد مقدم أبو شروق – الأهواز

29-4-2019
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05-11-2019, 09:00 PM
 
يوميات السيول السوداء (9)

قال أهل الشعيبية إن المياه نزلت من بيوتهم قليلا بعد أن توجهت نحو الفلاحية، لكنهم لا يستطيعون دخول قراهم من شدة الرائحة الكريهة التي سببتها مزارع القمح وقد عفن السنبل بعد أن بقى غارقا لأكثر من عشرين يوما فی السيول، فأمست رائحته لا تطاق.

عندما رجعنا من الشعيبية وصلنا الأهواز بعد صلاة المغرب، لفت نظرنا خلو الشوارع؛ يبدو أن معظم المسؤولين المستوطنين أرسلوا عوائلهم إلى خارج الأهواز خوفا من السيول التي وصلت إلى مداخل المدينة وباتت تهدد الجميع بالغرق؛ والمواطنون لا يخرجون حذرا من مباغتة السيول لمنازلهم.
كنا قبل أزمة السيول نسير في مثل هذا الوقت سير السلحفاة من شدة الازدحام في الأهواز، أما في هذه المرة فكنا نطوي الشوارع بسرعة 100 كم/س.
صلينا في محطة الوقود ونسقنا أن ندخل الملاشية لنرى ما مدى خطورة السيول عليها وقد أقام أهلها سواتر محكمة وساعدهم أخوتهم من المدن الأخرى ليحموا المدينة من اجتياح السيول المفتعلة.
الیوم ظهر رجل دين معمم وقد تداولت مقطع فلمه مجموعات التواصل وهو يرمي تربة الحسين علیه السلام في مياه السيول معتقدا أن الخطر سيزول! ما جعل الناس يسخرون منه ويضحكون رغم مآسيهم.
بعد ثلاثة أيام نسقنا لنذهب إلى قرى الحميدية، هذه المرة اشترينا حاجات للنساء والأطفال وكمية كبيرة من الخبز، واتجهنا من الطريق الوحيد الذي يربط المحمرة بالأهواز بعد أن غمرت السيول باقي الطرق وأدت إلى إغلاقها.
كان بعض الشباب يداومون صباحا، ولهذا انطلقنا بأربع سيارات عصرا وتحديدا في الرابعة والنصف؛ هذه المرة كانت نساؤنا ترافقنا أيضا. فما كنا نحمله من ملابس للنساء يستوجب حضورهن ليقدمنه لنساء المنكوبين إثر السيول، وغايتنا الأخرى هي أن تتضامن نساؤنا مع النساء المنكوبات، وليخففن من معاناتهن.

ولابد أن أشير هنا إلى أهمية حضور المرأة بجانب الرجل في مثل هكذا أزمات، وكم نحن نفتقر إلى مؤسسات نسائية تقوم بواجبها إذا ما تطلب الأمر وحيث يتعذر حضور الرجال لأسباب كثيرة منها ما أشرت إليه أعلاه.
كان قسم من جادة المحمرة - الأهواز تغمره المياه، وهناك خسف عميق في الجادة أحدثته السيول، وقد أصلحته البلدية أمس.
شركات قصب السكر على يميننا وقد أحاطوها بسواتر محكمة، والهور العظيم وآبار النفط على يسارنا ولم تصلها المياه! فالغبار الذي انتشر في جميع مدن الأهواز أمس دليل على أن الهور العظيم لا يزال جافا.

تبعد الحميدية 25 كيلو مترا عن الأهواز، وصلناها خلال ربع ساعة، اتجهنا بعدها إلى قرية من قرى خسرج والتي تبعد عن الحميدية 15 كيلو مترا، كان الوقت أصيلا، لكننا استطعنا أن نرى مدى حرمان ساكني هذه القرى أثناء الطريق، أناس يستحقون حياة أفضل وهم محاطون بآبار النفط.

مررنا على قناة بني صدر، هذه القناة العريضة والعميقة والتي تشبه النهر، حُفرت في زمن الحرب الإيرانية العراقية بأمر من بني صدر رئيس الجمهورية، والذي انشق بعدها عن النظام وهرب إلى فرانسة؛ وكانت الغاية من حفر هذه القناة هي قطع الطريق أمام الجيش العراقي آنذاك لكي لا يتوغل في الأراضي الأهوازية أكثر؛ وقد أغرقت هذه القناة الآن بعض القرى بعد أن فاضت من شدة السيول وحاصرت حي العين وحي الملاشية.
كانت عوائل خسرج تسكن خياما في غابة رملية بعد أن اجتاحت منازلهم السيول، وحياتهم بائسة.
رحبوا بنا أفضل ترحيب وحيّونا كثيرا...
اتجهت نساؤنا السبعة نحو خيامهم وقدمن تبرعاتهن، وقام بعض الأصدقاء بتوزيع الحلويات والألعاب على الأطفال، ورجعنا بعد أن استمعنا لمآسیهم، واستمعوا لمواساتنا وتضامننا معهم.
سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 05-12-2019, 03:57 PM
 
يوميات السيول السوداء (10)

رجعنا من الحميدية ليلا، ومررنا بحي الثورة حيث يأوي ياسر أبو عمار عوائل منكوبة من الشعيبية والسوس في معمله، هو يسكن في الطابق الثاني من المعمل أيضا.
يملك أبو عمار معمل حليب، وفيه عدة حجر خصصها للمنكوبين، وقد تم التنسيق مع لجان الإغاثة فأرسلوا إلى معمله عوائل اجتاحت بيوتها السيول، فآوى هذا الرجل الشريف ثلاث عشرة عائلة.
وبلغ خبر مكان هذه العوائل إلى المتضامنين فأصبحوا يقصدونهم من أماكن مختلفة ليقدموا لهم الدعم المادي والمعنوي.
قبل أيام تبرع شباب عبادان بمكيف ماء لهذه العوائل بعد أن وجدوا أطفالهم يعانون من الحر.
قدمنا لهم ما أبقينا في سياراتنا من ملابس وخبز وحلويات وألعاب للأطفال.
كنا قد اشترينا ما يكفي من البيض والطماطم لنتعشى معهم، جهزت أم عمار العشاء فجلسنا نتعشى ونتبادل حديث السيول مع رجالهم ومع أبي عمار.
يقول أبو عمار إن من ضمن العوائل التي لجأت في معمله عائلة تتكون من شاب وزوجته وطفلهما الرضيع؛ وكنت أرى الزوجة تبكي بحرقة كلما مررت من جانبها!
فكنت أسليها وأصبرها، حتى استخبرت عن سبب هذا الجزع والضجر! فقالت وهي تسكب الدموع:
بعد الزواج اقترضنا مالا واشترينا أثاث بيتنا، ثم ولكي نرد القروض إلى أهلها اقترضنا ثانية لنزرع جميع أراضينا؛ وقد أثمرت الأراضي بفضل الله والمطر الغزير، وينع الثمر؛ اتصلنا بالسيارات والعمال كي نبدأ الجني غدا ... عند الفجر كانت السيول قد غمرت جميع المحصول، ودخلت بيتنا لتدمر كل الأثاث التي اشتريناها بالقروض!
إنها لمأساة حقيقية!
ونقلوا لي في الشعيبية أن امرأة توفي زوجها وهي شابة، وقد أنجبت منه ولدا.
نصحها أهلها أن تتزوج ثانية وقد جاء من يخطبها، لكنها أبت وفضلت أن تكرس حياتها لتربية ابنها.
عندما فتحوا منافذ السد ليفتعلوا السيول، جرفت دابة من دواب الابن الذي بلغ الخامسة عشرة من عمره؛ فدخل المياه وتبع الدابة لينجيها؛ لكن السيول كانت أقوى منه ومن الدابة فجرفتهما وأدت بحياتهما؛ وأبقت المرأة المسكينة ثكلى!
ويستمر مسلسل المأساة، امرأة شابة تبكي في المخيم بحرقة وهي تنظر إلى وجه ابنها الرضيع وقد ورم وجهه من لسعات البعوض.
امرأة أخرى تبكي وتطلب من لجان الإغاثة أن يرجعوها إلى بيتها ظانة أن السيول ستبقى فيه إلى الأبد!
رجل يدخل مزرعته التي غمرتها السيول فيغوص ويخرج السنبل ويُقبله، وآخر يخرج الخيار وهما يبكيان! وقلما ترى الرجل الأهوازي يبكي! لكن الفاجعة مؤلمة.
إنها ضياع تعب أشهر، وضياع ثروة كان يحسب لها الفلاح ألف حساب.

هناك مزارع تلفت، وبيوت دُمرت، وعائلات هُجرت، وأطفال ذعروا ...
ولكن رغم كل هذه المآسي التي خلفتها السيول، والتي مضى على افتعالها أكثر من شهر ولم تزل مستمرة؛ رغم عمق الفاجعة والخسائر في البنية التحتية، ورغم ضياع الكثير من فرص العمل، لابد أن أشير إلى صمود الأهوازيين الأسطوري بكل أطيافهم أمام هذه السيول الفتاكة!
الكل أشاد وجلل تعاون الأهوازيين مع بعضهم، وأنهم نجحوا حقا في هذه التجربة الصعبة نجاحا عظيما، وانتصروا على المحنة انتصارا باهرا. ورغم كل الخطط الخبيثة لترحيلهم ثبتوا في أراضيهم.
في هذه الوقفة التي لم يرَ التأريخ مثيلا لها، والتي نعتها البعض بالانتفاضة الخالدة، والبعض الآخر بالملحمة، هبّ الجميع ليساعد أخوته المنكوبين، من كل مدينة وقرية، صغير وكبير، رجل وامرأة، لينجوا القرى من الاقتطاع من الإقليم.
9-5-2019
سعيد مقدم أبو شروق - الأهواز
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الثلوج مصيرها السيول ~ منقوولة Prismy روايات طويلة 0 09-05-2013 09:19 AM
ماسكات للرؤوس السوداء 2013 - طرق علاج الرؤوس السوداء 2013 هبه العمر حواء ~ 0 05-02-2012 04:43 PM
خطر السيول في منى لحج 1432 خواطر العرب مواضيع عامة 1 10-26-2011 10:24 AM
طريقة للتخلص من الشحوم اسيل. حواء ~ 5 06-26-2010 01:44 AM
مابين السيول والصحه. *مودا* صحة و صيدلة 3 12-30-2009 10:08 PM


الساعة الآن 02:52 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011