الفصل الخامس .. ~ انطلقت سيارة الاسعاف تشق طريقها نحو المشفى .. حاملة فيها أم هيناتا التي قد شارفت على الموت لولا رحمة الله سبحانه وتعالى ووصول الطوارئ في اللحظة الاخيــــره !
وفي غمرة الليل الحالك واختفاء القمر كليا في كبد السماء .. وراء الغيوم السوداء التي خبأته لتعلننا عن مصير مجهول لم يكشف حتى الآن .
هيناتا ، جاثية على ركبتيها قرب امها التي اصبح جسدها متصلبا بسبب سيطرة الالم على قواها وطاقتها ..ان دموعها لم تتوقف ابدا عن النزول من عينيها المليئتين بالخوف والقلق ، لقد احمر وجهها بسبب البكاء ولسانها لم يتوقف عن مناداة اسم والدتها الغالية عليها .. ضربات قلبها القوية ابت ان تهدأ للثانية واحدة ، اوهل ستفقد الشيء الاثمن الذي عاشت من اجله وسعت جاهدة واستمرت لرؤيته قربها دائما .. خوفها واضطرابها اوصلها الى هذه الافكار لتتحول حالتها من سيء الى اسوء ولكن مازال هناك وميض امل مختبأ في قعر قلبها فهل سيستمر في اسعافها هذا الايمان المتسمكة به والذي اصبح مصدر قوتها .. ؟
هذا ما تريد معرفته بعد دقائق معدودة عندما يكونون في المشفى وتقف وراء غرفة الطوارئ منتظرة شفاء والدتها الذي اخبرها الامل عن هذا المصير .
قطرات دموعها اعتادت على المسير في طريق واحد .. تخرج قطرة تلو الاخرى كل واحدة تتسابق للخروج بسرعة .. همست هيناتا بابتسامة حانية لوالدتها
" ستكونين بخير يا أمي .. اجل ،انا واثقة من هذا "
اشرقت الشمس بعد غيابها وافردت اجنحتها الذهبية المشعة لتنير لنا الســــماء بعد اختفاء الظلام الداكن الذي البسه الليل .. وها هو صباح يوم جديد يعلن لنا عن احداث وأخبار جديدة .. فيا ترى ما الذي سيخرج لنكتشفه اليوم ؟
بدأت العصافير تستيقظ من اعشاشها لتغرد بالحانها الجميلة في أرجاء ذلك الحي الذي لطالما عرفنها جيدا
نعم .. داخل منزل السيدة ماتسوكو ، ما الذي يجري في صبيحة هذا اليوم ايضا ؟
الساعة السادسة وأربعة وثلاثون دقيقة !
كانت السيدة ماتسوكو تتمشى في ارجاء غرفة الجلوس وقد غزت علامات القلق والاضطراب وجهها .. لقد اعدت الطعام وجهزت كل شيء وهاهي منذ نصف ساعة تنتظر وحيدتها اياكو التي لم تنزل من غرفتها حتى هذه الثانية !
تمتمت في اضطراب " ليس من عادتها ان تتأخر هكذا اوه يا عزيزتي كل يوم تستيقظي في موعدكي المحدد "
نظرت الى ساعة الحائط وأكملت " يا الــــهي .. هل هذا كله بسبب ما جرى ليلة البارحة .. حتى الان لم اسمع لها اي صوت ! "
وفي هذه اللحظة اخذت تتذكر كلام الطبيب عندما قال ..
" اخطأتي خطئا فادحا سيدة ماتسوكو ماكان عليكي ان تتعاملي معها بهذا الاسلوب لقد نبهتكي تجنبي معها الحديث بطريقة تشعرها كانها مريضة او ما شابه .. فقد اثّرتي فيها كثيرا وزدتي الامر اكثر تعقيدا ... "
عادت الى رشدها فجأة ثم اخذت مسرعة تصعد السلم بخوف كبير وهي تثرثر " اتمنى ان تكوني بخير .. اتمنى ان تكوني بخير ..."
وصلت الطابق الثاني .. وقفت امام باب الغرفة واستجمعت شجاعتها لتفتحه ، بلعت ريقها بصعوبة وقبل ان تستعد لطرقه ادير مقبض الباب بهدوء فجأة لافتحه من دون سابق انذار !
" صباح الخير "
قلتها بصوت خافت دون ان احرك جسمي الذي اوقفته كتمثال من جليد .
نظرت السيدة ماتسكو الي بقلق ثم شهقت باندهاش كبير
" عزيزتي آياكو ، ماذا حل بوجهكي ؟ "
كان وجهي شاحبا جدا وهالات سوداء قد ظهرت واضحة تحت عيناي الحمراء اما شفتاي فقد صبغتا بلون بنفسجي فاتح، فاجبتها ببرود " لا شيء .. فقد لم انم ليلة البارحة جيدا "
وضعت يديها على كتفاي قائلة بهلع " عزيزتي انتي مريضة ! علي ان اخذكي الى المشفى في الحال "
نظرت اليها لثوان ثم ازحت يدها ببطء قائلة " لا داعي لهذا ، فأنا بخير "
-يا الهي .. انظري الى حالتكي لا يتوجب عليكي اليوم الذهاب الى المدرسة
-انا بصحة جيدة يمكنني الذهاب
نزلت الى الاسفل .. فتبعتني بأصرار الى ان استوقفتني بخوف كبير " ارجوكي لا تذهبي نفذي لي هذا الطلب فقط ..سأعتني بكي في المنزل على الاقل الى ان تشفي قليلا "
ابعدت يدها الممسكة بذراعي وقلت في ضيق خفيف " لا تقتربي مني كثيرا ثم انني بخير ، شكرا "
وبعدها استدرت لالبس حذائي المدرسي واخرج .. فتحت الباب .. سمعتها تناديني بلهجة ام ستفقد ابنتها " كل هذا بسببي اعلم .. انا موافقة اذا هذا سيريحكي ، ولكن ان رغبتي في الرجوع اتصلي على هاتفي لكي آتي لكي الى المدرسة وآخذكي .. ارجوكي اعتني بنفسكي حبيبتي "
توقفت للحظات ثم نظرت لها نظرة جانبية وقلت بخفوت " حسنا .. وداعا " ما ان انهيت جملتي حتى اغلقت الباب وتوجهت ذاهبة الى المدرسة ، سرت بهدوء وبطء على الرصيف وانا حاملة صورة امي منذ عشر سنوات .
في منزل كبير يقع في زاوية الشارع ..
صرخ مينوري والد آي بقوة وهو يطرق على الباب " آي كفي عن هذه التصرفات الطفولية وافتحي الباب سوف تتأخرين عن المدرسة "
اجابت آي بتذمر من داخل غرفتها " لا ! لن افتحه الا بعد ان توافق "
صرخ في غضب عارم " لقد انهينا هذا النقاش سابقا وانتي تعرفين ردي واحد لا يتغيرفهيا افتحي الباب بسرعة "
-لن افتحه فأنا غير راضية عن الذي يجري .. سأفتحه بعد ان اخذ الموافقة "
- كما تشائين ! سأمهلكي 10 ثوان اذا لم تخرجي الان سأحطم الباب فوق رأسكي "
-حسنا انا موافقة
بدأ العد التنازلي فقال الاب " 1 ، 2 ، 3 .. "
تسائلت ميزوكي والدة آي بضحكة هادئة " ما الذي تخطط له هذه الشقية "
ادار الاب رأسه باتجاه ميزوكي قائلا بضيق قليل " اعتقد ان السبب كله يقع على عاتق الممثلة المشهورة ميزوكي التي زرعت لابنتها افكار كهذه في ان تتخذ من مهنة سخيفة هدفا لها في الحياة "
اجابت ام آي ببتسامة متألقة جعلت جمالها يزداد " الا تعتقد انت يا عزيزي ان مستقبل ابنائنا هم من يصنعونه بارادتهم وطموحاتهم واهدافهم الخاصة وليس برغبة اي احد فهذا الشيء الوحيد الذي لا نستطيع نحن ان نتحكم به بل ندعمه للافضل "
فقال الاب بسخرية " هه، افكاركي هذه هي من جعلها تفكر مثلكي وتخرج عن اوامري .. انا اطمح في جعلها طبيبة ناجحة مثلي وانتي تدمرين كل شيء "
-عليها هي اكتشاف ما تريد ان تكون ومعرفة موهبتها الحقيقة التي ستسعى لها فغدا ستكون لها حياتها الخاصة .
قضب الاب حاجبيه ثم وجه نظره الى الباب واكمل " اربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، ثمانية ..
وفجأة سمع صوت قفل الباب يدير فوضع يده على المقبض " تســــعة .. عشــرة " وفتحه بقوة وعنف حتى ارتطم بالجدار و كاد ان ينخلع من مكانه ..
اتسعت عيانه عن آخرهما حتى ام آي تغيرت ملامحها الى دهشة وتعجب كبيرين ..
" لقد اختفت ! " هذا ما قاله مينوري وهو ينظر الى غرفة آي الخالية .. !
فتح باب الصف ببطء شديد وكأن شبح قد ادار مقبضه ، دخلت الى داخل الصف في هدوء بينما كانت جميع الانظار متوجهة نحوي بدهشة وتعجب حتى معلم الرياضيات سكت فجاة عن شرح الدرس ما ان رآني فقد دخلت اليوم متأخرة بعد الجرس بعشرين دقيقة هذا ما توقعته داخل نفسي دون ان ابالي بشيء ولكنني! اكتشفت من تهامسهم فيما بينهم ان ملامح وجهي هي السبب.
لقد رأيت نظرات جميع الطلاب تحدق بي .. البعض كان ينظر بأشمئزاز الي والبعض ينظر بخوف ودهشة اما الآخر فقد نظر بغرابة وتعجب ولكنني لم اكن مهتمة ابدا بل لم اعطي اي ذرة من اهتمامي لنظراتهم الثاقبة .. اما الشيما الذي كان جالسا على مقربة من طاولتي فقد كانت نظراته موجهة بقلق واهتمام الي .
وصلت الى طاولتي .. ازحت الكرسي وجلست بصمت عليه دون حراك بعد ان وضعت حقيبتي على الارض مستندة على الطاولة .
سعل المعلم فجأة بصوت عالي لينتبه له الجميع من شردوهم نحوي ثم قال بصوت مسموع وعلى وجهه اضطراب قليل " آنسة اياكو تاخرتي اليوم عن الحصة .. يبدو ان لديكي ظروفكي الخاصة نتمنى جميعا ان تكوني في صحة جيدة "
ثم وجه نظراته للجميع مخاطبا ببتسامه " حسنا ! لنعيد الدرس جميعا لاجل اياكو التي وصلت متأخرة " ثم بدأ يشرح باندماج ومهارة كعادته المعروفة .. اما انا فقد كان جسدي حاضرا اما عقلي فقد غادر الى مكان بعيد جدا بعيد عن الواقع حينما استندت على الكرسي وحولت عيني الجامدة عبر النافذة الى السماء الزرقاء لانظر الى تلك الغيوم تسبح بهدوء فيها .
في غرفة خاصة للمرضى بأحد المستشفيات ..
نظرت الممرضة وهي تبتسم الى هيناتا النائمة بعمق ، واضعة رأسها على طرف السرير وقد امسكت بيد امها التي خرجت قبل سبع ساعات تقريبا من غرفة العمليات .. لقد اجتهدت في الدعاء ليلة البارحة ولم يتوقف لسانها عن طلب الشفاء ونزول الرحمة من عند الله سبحانه وتعالى لانقاذ والدتها المسكينة ونجاتها من الموت المحتم .. وبفضل من الله استجاب لدعائها وتوسلها اليه فأنزل الشفاء على والدتها والطمأنينة الى قلب هيناتا باذنه ومشيئته .
" يالها من فتاة رقيقة "
قالتها الممرضة بهدوء وابتسامتها مطبوعة على شفتيها ، ثم استدارت وخرجت من الغرفة مغلقة الباب ببطء لكي لا توقظ الام وابنتها .
( حبيبتي هيناتا .. هذا هو طلبي الاخير لكي ، عليكي التوجه الى تلك الغرفة .. الغرفة التي اقفلتها قبل ثلاث سنوات ، تحمل بين جدرانها شيء ثمين عليكي الاحتفاظ به بعد ان افارق هذه الحياة .
لحظــــــــــة ! ما الذي تقصده امي بكل هذا ؟ هل يوجد امر مخفي عني انا لا اعرفه ؟ لماذا تستمر دائما في تغيير الموضوع كلما طلبت منها ان تحدثني عن هذه الغرفة الغامضة ، لقد رأيت ابي عدة مرات يدخلها عندما كنت في العاشرة من عمري .. كان يحمل في بعض الاوقات اشياء غريبة في يده ويضعها وراء ذلك الباب الغير مسموح لي بدخوله
ولازلت لم افهم شيئا ، ماهو سر ضيق ابي الدائم وتغير ملامحه الى قلق وحزن شديد كلما توجه اليها ؟ ما تلك الاشياء الغريبة التي يضعها بالداخل ؟ وماهو الامر المحرم علي سماعه .. آه رأسي
لازلت لم استوعب اي شيء ، امي ارجوكي اخبريني ما الذي حصل .. اريد ان اعرف
ابنتي .. ان والدكي ، قاتـــــــــــــل ! )
فتحت هيناتا عينيها فجأة لتجد نفسها بجوار والدتها المستلقية .. عدلت جلستها وهي تضع يدها على رأسها بتعب
" ابي ، لازلت لم اعرف عنك الكثير .. لماذا تبقى دائما شخصية مجهولة يصعب علي اكتشافها "
اغمضت عينيها لثواني فأحست بيد دافئة تمسح على رأسها بهدوء ، فتحتها مجددا لترى والدتها قد استيقظت من نومها تنظر اليها بوجه عطوف وعلى شفتيها رسمت ابتسامة حانية .
نزلت قطرات من الدموع على وجنتي هيناتا التي قالت بسعادة
" استيقظتي اخيرا امي! .. حمدالله على سلامتك "
ثم عانقتها ببطء وهي تشكر ربها على هذه النعمة .
مدت الام يدها لتسمح بحنان على ظهر ابنتها .. همست بصوت ضعيف " هل كان كابوسا حبيبتي ؟ "
"اياكو ! اياكو .. يا الهي ! تبقى كالتمثال الجامد ولا ترد حتى على نداء معلمها ! "
زمجر بغضب ثم صرخ بصوت عالي " ايآكـــــــــــو ، قفي بسرعة ! "
التفت لمصدر الصوت بهدوء من دوامة تفكيري واذا بي ارى وجه معلم الكيمياء ممتليء بالغضب وهو ينظر الي كأنه يريد تفجير قذيفة .
" نعــم ، هل هناك شيء ؟ "
قلتها ببرود دون حركة مني .
اجاب بنفاذ صبر " منذ ساعة وانا اناديكي ولكن لا حياة لمن تنادي "
-عذرا معلم لم اسمعك .
-هيا قفي بسرعة !
استجبت له ووقفت ببطء .
" بحق رب السماء الم تسمعيني وانا انادي بأسمكي مرارا وتكرارا ، ماهذه المعاملة السيئة ؟ عيب عليكي تجاهل معلمك "
-اسفة لم اسمعك .. كنت شاردة الذهن
-اوه حقا ! بماذا تحلمين اذا ؟ بفارس احلامك ؟
ابتسم بعض الطلاب بسخرية اما الآخر فقد كتم ضحكته
اجبته بلا مبالاة " لا "
-وتردين ايضا ؟
وجهت نظري الى النافذة بتأمل هادئ واكملت " كنت .. كنت انظر الى السماء "
نظر شيما الي بوجهه الهادئ وعينيه الكهرمانيتين .
قال المعلم بغضب " هه ! هذا بدل ان تنتبهي للشرح ، هيا توجهي الى الخلف وقفي الى ان يدق الجرس "
استجبت له بهدوء وتوجهت لآخر الصف ثم اوقفت جسدي دون ان اظهر اي تغير على ملامح وجهي رغم انظار الطلاب المختلفة التي تخترق عيناي .
ضرب المعلم على الطاولة هاتفا " هيا فالينتبه الجميع الى السبورة "
عدّل الجميع جلسته ليستعدوا للشرح فبدأ المعلم بتكملة الدرس وآذان الطلاب مصغية اليه .
شعرت حقا في هذه اللحظة انني اعيش في عالم بعيد جدا لا يوجد فيه سوى روحي التي تسبح فيه .
بعد الجرس ...
خرج المعلم من الصف ..
بدأت ثرثرة الجميع تتعالى تتدريجيا ، اصوات مختلفة من كل جانب
-اوني ! ماذا ستفعلين اليوم ؟
-سأخرج الى السوق فور انتهاء الدوام المدرسي لدي بعض الاشياء المهمة التي احتاجها
-هي ! ما رأيك ان نضع مقلبا جديدا لمعلم اللغة ؟
-ستكون فكرة ممتعة
-هل لديك بعض المال تقرضني اياه ؟ لقد استهلكت كل مصروفي اليوم .
-البارحة وصل ابي من السفر .. لقد جلب لي اللعبة الالكترونية الجديدة التي طلبتها منه
-حقا ّ هذا رائع
-نسيت حل واجب الفيزياء .. ياااه لن يتركني المعلم بمحاضرته المملة
-اعترفت امس له بمشاعري
-وكيف كان رده ؟
-لم تتصورين ، لقد توقعت انه لم يبالي ولكنه تقبلني
-عمل رائع ! رأيتي الم اخبركي انكي ستنجحين
-كيف حال اخوك هل تحسن ؟
-نعم هو بأفضل حال الآن
انظري اشتريت هذه امس .. هل سمعتي هذا .. تعال لدي شيء اخبرك اياه .. هذا ممتع .. حقا ! .. يالك من غبي .. انا موافق .. ارأيت امس .. ماذا جرى .. سنذهب معا .. كيف رأيك .. هل ستخرج للعب معنا ............................... ! توقـــفــــــــوا !
ارجوكم توقفوا ! لا استطيع .. لا اريد سماع المزيد ، لا اريد الرؤية اكثر .. توقفوا !
اشعر بالغثيان والم شديد في رأسي ، لم اعد قادرة على حمل جسدي لقد اصبح ثقيلا فجأة .. الجو حار جدا لن استطيع تحمل هذا ..
ارجوكم ، كفى .. كفـــى ..
ايآكـــــــــو !
..
فتحت عيني بسرعة وعلامات التعب الشديد قد غزت وجهي وملامحي ، لقد بدوت اتعرق بكثرة وجسدي اصبح ككتلة من النار لشدة سخونته .
ولكن ! من هذا الشخص الذي نادى بأسمي ..
ألتفت فجأة لاجد شيما واقفة امامي مباشرة .. واضعا يده على كتفي وهو ينظر بقلق وهدوء .
" اياكو ، هل انتي على مايرام ؟ "
نظرت الى عينيه الكهرمانيتين والى ملامح وجهه الخائفة علي ، لقد بدى يتفحص ملامحي وهو ينتظر مني ان اجيب عليه
" أ .. أجل .. انـ..ا بخير "
نطقت هذه الكلمات بصعوبة وانا احاول تمالك نفسي وضبط قوة تنفسي .. احسست بانهاك وتعب يسيطر علي من جميع النواحي ولكنني امسكت بأقرب كرسي واتكأت عليه لأعدل وضعي كما في السابق .
" انا بخير "
قلتها ببرود بعد ما ارجعت وضعي الى طبيعته الهادئة
" استطيع الشعور بأنفاسكي الحارة القوية ، علي ان آخذكي الى عيادة المدرسة "
ابعدت يده بسرعة وقلت ببرود " انا بخير .. لادخل لك فيني "
-هل انتي مرتاحة بوضعكي هذا ؟
-قلت انني بخير ووضعي في احسن حال الآن ـ لهذا ارجوك ابتعد عني الا ترى انك قريب؟
ابعدته بيدي من امامي بلا مبالاة ثم توجهت الى الجلوس على مقعدي .
قال وهو ينظر الي " اذا احتجتي اي شيء اخبريني "
ثم ابتعد متوجها الى كرسيه .. فسمعت صوته الهادئ الذي بدى حزينا " لا اتحمل رؤيتكي هكذا "
جلس على كرسيه يتصفح كتابا امامه .
وجهت نظرة جانبية نحوه لأرى علامات الضيق الخفي على وجهه .
في احدى شوارع المدينة الواسعة ..
وقفت سيارة وردية اللون عليها بعض الرسومات الصبيانية امام باب بناية ضخمة يقودها شاب في التاسعة عشر من عمره كأنه احد المتسكعين في الشوارع بشعره الاحمر الاسبايكي الصارخ وملابسه المتعددة الالوان او كما يسمونهم الآباء شباب الجيل الجديد !
نزلت آي بسعادة من السيارة ثم التفت عبر النافذة قائلة
" اشكرك حقا يا جيك كانت خطتك رائعة "
فقال بمرح وشقاوة " اوه ، لم افعل شيئا لقد استمتعت بالمغامرة "
ضحكت بمرح " يا لك من عبقري "
ثم اكملت مودعة " لا تنسى ان ترجع لأخذي في الساعة السابعة مساء ، حظا طيـــــبا ! "
فهتف لها وهي تركض الى الداخل " OK ! لا تنسي وضع مساحيق التجميل على وجهك "
ثم ضغط على الفرامل لينطلق بسرعة جنونية وهو يصيح بقوة وحماس .
دخلت آي الى داخل البناية المكتوب عليها بلافتة كبيرة (SOS).. تنفست الصعداء وتمتمت بسعادة تغمرها
" اخيرا استطعت تلبية الدعوة ، انتظرونــــــي ! "
في المدرسة ..
دق الجرس معلنا بداية وقت الاستراحة ..
خرج الجميع من الصفوف وكأنهم تحرروا من سجن مظلم دام قرون !
تمشيت في احدى الممرات ببطء وكأنني منومة مغناطيسيا ، بدأت اسير لا اعلم اين سأتوجه بتحديد .. لا شعوريا وكأن افكارا من عقلي بدأت تتلاشى ولم ادقق بضبط الى طريقي الذي امشي عليه .
وفجأة ! شعرت بشيء يدفعني من الخلف لأسقط على الارض بقوة .
تمتمت بألم واضعة يدي على رأسي فرفعته للأعلى لأرى طالبا في نفس عمري
صرخ بغضب وانزعاج " هيي ! الا يمكنكي الانتباه لخطواتك ؟ "
اجبت ببرود " انت من دفعني "
-اوه حقا ! اكيـــد بما انكي شاردة الذهن مجددا .
فقالت فتاة بجواره وهي تنظر الي باشمئزاز " دعك منها ولنذهب .. انها قطعة حجر لا تشعر بأي شيء "
فرد عليها بسخرية " هه بالطبع هي تفكر الان في فارس احلامها الذي سيأتي لينقذها في هذه اللحظة
-تقصد سوبر مان أو باتمان
ثم انخرطا في موجة من الضحك .
رفس يدي المتكئة عليها بقدمه لأفقد توازني واسقط على جانب ، ثم ابتعد هو وصديقته ينظران الي باستهزاء وكراهية .
سكنت على هذه الحال لمدة قصيرة وانا ارى اقدام الجميع تمر حولي دون اي اهمية ، اصبحت قطعة من الارض يمشون عليها
ماهذا الشعور الغريب ؟ شيء داخل عيناي يريد ان يخرج .
انتبهت على وقوف احدهم قربي .. قدماه فقط هي التي اراها واقفة بجواري...
رفعت نظري الى الاعلى ، لأرى تلك الابتسامة الهادئة .. وتلك العينين الكهرمانيتين
اقترب وهو يمد يده بهدوء وصمت وانا انظر اليها كيف تتحرك نوحي .. هل يقصد بأن امسك بيده ؟هذا ما تسائلت به داخل نفسي
قال بصوته الهادئ " هل انتي بخير اياكو ؟ "
اعتقد انني سمعت هذه الجملة مرة ولكن اين بضبط ؟؟
هل انتي بخير ، ماذا يعني ؟
نظرت الى وجهه فرأيت ملامحه الهادئة مصحوبة بتلك الابتسامة التي اشاهدها دائما ..
همس بخفوت " اعطيني يدك "
لم اعرف ماذا ارى الآن ولكنني حقا شعرت بتشوش في افكاري لقد كانت ملامحي لا تدل على شيء ابدا .. لا تدل على برودي او هدوئي ولا تدل على صمتي ، لا تدل على معنى معين فاتحة عيني بنوع من المشاعر الخالية التي لم استطع ملئها ، تارة انظر الى يده وتارة الى وجهه
لماذا هذا الشخص اراه في كل وقت ؟
رفعت يدي ببطء شديد داخل قوقعة الصمت هذه ووضعتها ساكنة على يده
فجــــــــأة ! كأني قذفت من الاعلى الى اسفل الارض
ما الذي حصل ؟
حل الظلام في لحظة ليتبدل مكانه مشهد غريب
اين انا ؟؟
( تركض حاملة دمية في كلتا يديها الصغيرتين ، انها جميلة ! شعرها مربوط بشريطة وردية وخصلاته الناعمة تتطاير مع كل خطوة تخطوها .. تلبس فستان ابيض اللون ، يبدو انها تتجه الى احد ما .. !
هناك حجر امامها يبدو انها لم تنتبه اليه فتعثرت فجأة وسقطعت على الارض بألم .
سكتت قليلا ثم بدأت ملامحها الطفولية تتبدل الى رغبة في البكاء .. فبدأت تبكي بصوت عالي وهي تحرك الدمية بعشوائية
" اياكو حبيبتي ، هل انتي بخير ؟ "
اقترب منها ثم مد يده نحوها قائلا بطيب وابتسامة عطوفة " تعالي الي عزيزتي "
" بابا "
نطقت هذه الكلمة التي حولت ملامحها الى فرح من جديد .
امسكت بيده فرفعها عاليا وضمها الى صدره .
" شكرا بابا " قالتها بسعادة تغمرها .
ضحك ذلك الشخص بصوت عالي ثم قال " العفو يا اميرتي .. هيا بنا امكي تنتظرنا لنذهب الى الحديقة " )
وقفت ساكنة ارى هذا المشهد ، وفجأة اختفى من امامي ..
ليتبدل الى مشهد آخر ..
( " ارجوك توقف لا تضربها .. لا تضربها "
صرخت تلك المرأة بهذه العبارات وهي تبكي ، تمسك بتلك الفتاة التي اسمها اياكو ، تضمها الى صدرها بقوة وتغطيها بذراعيها وجسدها .
انه ذلك الرجل الذي حملها بسعادة سابقا .. لماذا هذه النظرات المرعبة ..
صرخت الطفلة بصوتها الطفولي " بابا توقف ، هذا يؤلمني ! "
استمر هذا الرجل بضربهم بكل قسوة وعنف وقد بدت يداه مبرمجتان على هذه الحركة انه يلوح ويلوح بعصا طويلة فوقهما .
" كل هذا بسببكي .. كل هذا بسببكم ! "
وانهال بضربة قوية كان صراخ من تلقاها اكبر من مصدرها ، ظهر جرح كبير على ظهر المرأة وسالت الدماء منه بغزارة .
فاخرجت تؤهات قوية تدل على ضعفها وألمها .
نظر مفتــــوح العينين ألــــــــي !
تشوشت الرؤيا فجأة لارجع الى الحاضر ..
" اياكو .. اياكو ، هل تسمعيني ؟ .. اياكو انتي بخير ؟
اخرج جسدي سيول من العرق من جميع انحائه ، واصبح قلبي وكانه خارج عن نفسي لشدة دقاته العنيفة .
نظر شيما نحوي بقلق وخوف " اياكو ما بكي .. لم تتنفسين هكذا ؟ اياكو .. "
ضممت يداي حولي وانا ارتجف بقوة اهتزازات كبيرة لم اعرف حينها كيف انظر او اشعر لقوة ما احسست به
" لا تضربها .. لا تضربها ، توقف هذا مؤلم "
نظر شيما الي بخوف وتعجب قليل لما يسمعه ، واخذ يتفحص جسدي وحالي الذي يصعب تفسيره
" اياكو .. هل يمكنكي سماعي الآن ، اعطيني اي اشارة تدل على سماعكي لكل شيء حولنا "
كان ينظر الى شفتاي اللتان ترتجفان بقوة وعيناي المغمضتان كأنهما لا تريدان تقبل اي شيء
ولكن فجـــــأة تفتحت عيناي بقوة الى آخرهما حتى اصبح وجهي مخيفا
بدأت اطلق صيحات ألم لا شعوريا .. بل غريزيا
" هذا يؤلمني بابا .. توقف انه يؤلمني لا تضرب .. توقف ! "
بدأت انطق بهذه العبارات مع صيحاتي العالية .. ازداد خوف شيما وضع يديه على كتفاي واقترب من وجهي قائلا بصوت مسموع وقلق " اياكو تماسكي جيدا لا يوجد هناك احد يضربكي انظري الي .. انظري الى عيناي انا هنا فقط بجواركي "
رفعت بؤبؤ عيني المرتجف وسكنت فجأة كتمثال سيتكسر اخرجت اخر كلمات من فمي الجاف
" ماما اريد ان اضمك "
اشتد توهج جسدي لشدة حرارته ..
توقف لساني عن الحركة ..
ازداد عرقي ..
ثقل جسمي ..
احسست ان روحي قد خرجت بعد ان هويت مغمضة عيني وجميع حواسي في دوامة غزيـــــرة ..
يتبع .. " ماذا ! صغيرتي اياكو في حالة خطرة ؟ .. سيدة ماتسوكو دعيني اعتني بها لفترة ، اخيرا امي استطعت ان القاكي ، حبيبتي اياكو عليكي ان تكوني موجودة هناك لاجل هؤلاء الاشخاص الذي ينتظرونكي .. نحن نرحب بكي في شركتنا الكبيرة ويسعدنا انضمامك .. الم يحن الوقت لتخبريني بكل شيء عن تلك الغرفة ، انظروا انها الممثلة ميزوكي .. آي لن تفلتي من العقاب هذه المرة .. لم استطع ان اجد مكانا اسكن فيه الان ، نيكو احتاج مساعدتك في امر .. اهدأ شيو ، واو اخيرا رأينا الاميرة النائمة .. مواقف ولحظات جديدة .. شخصية تظهر لنا لتشاركنا الاحداث ومصير اياكو المجهول سينكشف في طيات الفصل القادم ، ماذا عن ميكامو والدتها .. وعن الغرفة، وكيف ستنجو آي من والدها وما الجديد الذي سنكتشفه عن تلك المنظمة السرية وخططها السوداء كل هذا والكثير .. قريبا الفصل السادس " في عالم آخر ! " 1- كيف سيتصرف شيما في الفصل القادم ؟
2- هل ستستطيع هيناتا التعرفة على والدها اكثر وعلاقته بالغرفة ؟
3- ما الذي سيجري مع السيدة ماتسوكو لاحقا ؟
4- من يكون نيكو وما علاقته بآي ؟
5- رأيكم في البارت
بنتظار ردودكم
في امان الله وحفظه ..
__________________ THINKING IN OWN SPACE BETWEEN PIECES FROM ME [ LOST BETWEEN MIRAGE AND REALITY ] BLOG#NOTE#ART#NOVEL#
التعديل الأخير تم بواسطة ميـآر ; 12-16-2012 الساعة 09:06 PM |