عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 03-01-2014, 02:01 AM
 
الفَصلْ الثاني ~



وأنبلج الصمت نذير شؤم .. ! ، يحرّض هاجساً متطرفاً مثلّته الأحرف المبهمة،
وأستبطئت عيناه حركة المحيط الدائر حوله ، يسترسل في قوقعتها النظر بإستبعادٍ مشكوك قد أفرغته خيالات عقله اللاعبة بأفكاره الصغيرة .. أجل ! ، ربما ذلك ما اعتقده حين تاه في صورة تلك العينان الراقدتان في جمود .. تبعتها ابتسامة أسدلت الغرابة على محياه .. شيءٌ من التعجّب فقط دون أن يعطي له مجالاً للأهمية داخله ، فجلّ مطلبه الآن ينصب في رؤيتهما وحسب .. ! ، ذلك فقط كل ما في الأمر من مهم .. سوى انهما تأخرا ، وإن دلّ وجهتهما فيجدر به الذهاب دون أي تردد .. !!

وذلك كان ما يهتف به في سرّه بسرعة جنونية .. ،
لذا خط آخر لحظة في الوقوف على قدميه حازماً مستبشراً رغم طغيان التعب ، وقاوم نفسه مستجمعاً كلماته .. ،

- سيدي من فضلك ، دلني على مكانهما كي أستطيع الذهاب .. فالقلق لم يتركني أهدأ طرفة عين أبدا !

وتراءئ أصراره الذي فاض بهيئة قلقة .. ولكن ذلك لم يكن بالمهم للرجل، لقد أنصبت سعادته حين أستصاخ الجواب المنتظر .. جواباً يسلطّه ناحية المخطط التكاملي الذي سيشق بواسطته أول خطوة رسمية تسبقها علامات النتيجة الحتمية التي تستجلبها ذاكرته .. ليمتص شعوراً ضئيلاً من التلهف .. وهو يزيد على ابتسامته الحذقة بعاطفة تمحق الشكوك .. !!

وأخذه من كتفه يقرّبه ، يربت عليه ليبعث موجات الطمأنينة الى قلب الصغير الذي يصبو الى مراده.. ويردد بعنفوان منصاع لعاطفةٍ جياشة ،
- أجل ! عليك الذهاب .. فهم بإنتظارك الآن وأنا قد أنهيت دوري في إيصال الرسالة وبقي أن أوصلك أليهم .. بالتأكيد هم يتهامسون سراً فيما بينهم والبسمة تأخذ حيّزها على وجوههم في آمان ، وأشعر بهم متلهفين لمفاجئتك !

رقصت كلماته بحذافيرها علي نبض قلبه .. فجعل ينفض ملابسه من ما علق في قماشها من غبار ليتقدمّ مع السيّد ،
وأمسك الثاني كفّه لتتشبث أصابعه الصغيرة داخل يده ، وتعتليه بسمة طيب ليحثّه على السير ، فأخذا مجراهما يمشيان معاً بيسر ..،
لكن الكسيوس الصغير ما لبث لبرهة أن يخطو خطوتان حتى أفتقد إتزانه بفعل الرؤيا التي تهاوت أمام عينيه فجأة ليصيب بألم في رأسه .. ويتشتت تحكمّه بعضلات جسمه
ثم أستعصى حمل ثقله فترنح في لحظة كاد بها يسقط .. ، لولا يد السيد التي باغتته لإلتقاطة بسرعة بعد ان انتبه أليه ،وأنبسطت نهايات معطفة الجلدي الفاخر على السطح الرخامية نتيجة إتكائه بجواره .. بينما يبصر فمه النافخ لحرارة الهواء المستخرج من جوف صدره المكلل بالضعف ،وأستصغاه لوهلة حتى يتبيّن الرؤية حوله

ثم أنكشف صوته وهو يراه بحذر،

- أنت مريض بسبب ضعف المناعة لديك ، لم تتناول دوائك اليوم ؟
- لست بحاجة أليه فأنا بخير ..
عجيبةُ تلك العبارة التي سقطت على نفسه الهامسة ، كم يستطيع هذا الصغير فرد قدراته على التحمّل الثقيل كي يلازم قراراته كالرجل الشهم ! ، هكذا كان تساؤله وأحداقه وقفت تدقق رؤياها .. تساؤل فقط طرأ على فكره بدهاء .. !

كما سمّاه والده منذ حديث ولادته بذلك اللقب ، وكان أول لقبٍ بعد تسميته عندما ضمّه بين ذراعيه وهو في المهد صغيرا .. !
وانحنى ألكسيوس ينفض غبار أوجاعه بتنهداتٍ بسيطة ألقاها منكساً رأسه ، مخفياً عيناه خلف ستارٍ كونتها خصل غرّته ،

قال مظهراً إبتسامته بصعوبة وهو يضغط على نفسه ، وجهه يستطرد الشحوب.. ،
- فقط أوصلني وسأتعافى في الطريق

وأستقر يأخذ نفساً ليكتسب الهدوء حتى وقف من جديد ،
فساندته ذراع السيد التي احاطت به .. ،
ثم سارا بإتجاه القطار .. !



[السادس من يوليو ، 2012م ،فرنسا ، الساعة الحادية عشر ليلاً ]

لاح القمر بدراً منكفئاً على وحدته .. يهيم وسط السماء ، برفقة صغاره من حبّات النجوم المتناثرة حوله .. ،
لقد أمسى العنان صفحة متحركة .. كلما أويت معها وأنت تسير ، رافقك وجه البدر في خطواتك مشيراً أليك إلى غشاوة الدنيا المحمّلة بالاكدار والهموم .. وغربة الناشدين دعاء الصمت فجراً ما بين جنباتها المهجورة ، وطرقها المقفّرة الغائبة تحت مستنقعات ضغائن النفس المنعقدة بتدنيس نقاءِ الروح ،و التي إن نطقت .. لكأنها ستخبر العالم عن رغبتها في الفناء السرمدي دون وطئة رقعة من الأرض ، وتحررها من توابيت الهياكل الفانية.. بلا إبصار سر الوجود الاوليّ .. !!
ورغم إشتداد عتمة خلَّفها غياب الشمس ، أضحى سناه يزداد تألقاً كلما احتضن جوف الظلام .. !!
الريح كانت تغدو كل حينٍ هنا وهناك .. تلقي على الطرقات هبات عشوائية باردة ، والشارع العام يجاهد وسط إزدحام معتاد في هذه الساعة من الوقت .. تسطع أضواء مختلف السيارات في اصطفاف منتظم تجزء الى ثلاثة ، وكل صفٍ ترتفع منه أصوات أبواقها حتى مُلأت المنطقة بضجيجها المتوالي الذي لا ينتهي إلا بعد إنقضاء مدة زمنية تختلي فيها الطرقات من أكثرية الناس بعد إغلاق المتاجر .. !
وعلى بعد مسافة منها في احدى الأسواق ، يُفتح مطعم صغير حتى منتصف الليل .. ،

بداخله.. وبين طاولاته الدائرية المستديرة ، يجلس الناس .. رائحة الشواء تنبعث من قسم الطهي ، حيث يقف الطبّاخ بإزاره الأبيض وقبعته الطويلة يقلّب أصناف الطعام على الفرن بنشاطه المعهود .. ! ، فينشر رائحة البهار الشهّية في أرجاء المطعم..!!
البعض منفرداً يتناول وجبة عشائه على عجل ، والبعض يجتمعون تحت كؤوس الشراب التي لا تنفذ .. !
تستصيخ أصوات ضحكات من جانب وحديثاً مختلطاً يبرز من ثنائيات متفرقة .. ،

ومن بينهم .. بزغ رجلٌ ذا هيبة ، يرتدي بدلة راقية وخواتم ذهبية تلمع بين أصابعه العريضة النافرة عروقها .. ،يربض في كرسي يحاذي أحدى النوافذ المطلة على الشارع ، ينقر بسبباته .. ويراقب الخارج بنظرة هادئة .. ،

ينجلي في قسمات وجهه ثراء فاحش.. و تجبُّر تخفيه سكينة ثائرة .. !

بدى ينتظر أحداً ما ، وقد أستوضح ذلك من الكأسان الفاخران المعدّان بترتيب على قماش الطاولة الأحمر ، وعليها أستقامت زجاجة داكنة اللون ..بارزة يبان بجوفها سائلٌ أحمر ، ويقطن بجوارها منديل أبيض مطوي .. ،
وفعلاً ، ما تعدّت عقارب الساعة طريقاً من الدقائق المتلاحقة حتى دُفِعَ باب المطعم الزجاجي ..لتتحرك مجموعة المدليّات المعلقة فوقه مصدرةً رنيناً واضحاً .. ويدخل شابٌّ في مقتبل عمره .. قوام ممشوقة ، وشعرٌ أسود يغطي عنقه وينسدل حتى شحمه أذنيه .. ،
ملبسه كان من قميص أزرق قصير الكم ، و بنطال أسود ،

خطى ناحية طاولة معينة .. الى أن وصل أليها كان الأول الجالس لايزال يرمق عبر الزجاج وهو عالمٌ بأن ضيفه قد وصل في ميعاده .. !
ودنى منها حتى جلس على الكرسي المقابل له بآلية دون النطق بتحية أو كلمة عابرة ،ثم أخذهما الصمت للحظات حتى أنجلى صوته الرخيم منخفضاً .. بإذعان ،
- طلبتني ، سيدي ..

أدار المعني رأسه ليلتقي وجهه أماماً به ، ويمعن ناظريه في عينا الشاب المنصتة بركود ..

نطق مبتهجاً يحيّه،
- أهلاً بك ، جأت في موعدك القياسي !

وأخذ يبتسم بينما الآخر هادئ في مكانه ،لم ينبس ببنت شفه ،ولم يفعل سوى أن كان ثابتاً في موضعه دونما كلام .. !
ولكن سيده يدرك تصرفاته بمهارة ، وسجيّته التي أعتاد عليها لِقدم المعرفة بينهما ، لذا أعتدل في وضعيته غير آبه لصمته الغريب ممسكاً بزجاجة النبيذ مفرغاً محتواها في كأس ضيفه أولاً ثم في كأسه .. !
ولاحت إبتسامة على محياه بينما يقرّب طرف الكأس الى فمه يرتشف قليلاً ، حتى وضعه على تقطيبة ضئيلة من حاجبيه متمتماً سؤاله،
-كيف حالك مع الحي ؟، هل أستطعت التأقلم بحرية هناك .. ؟

- كل شيء بخير ماعدا تلك الطفلة المزعجة

ورمقه بغرابة ثم أفتر عن أسنانه ضاحكاً بعلو .. وقال يهز رأسه بعنفوان و ود
- آه أجل ، تجاهلها فقط وهي في عمرها الصغير ولا تأخذها على محمل الجد

ولبرهة فقط أنحالت قسماته ، يزيل غطاء المودة الذي أختلط مع ملمحه ليتلحف بجديته البيّنة ويحيك بداية حديثه الفعلي بعد ثوانٍ من المرح القليل،
أشبك اصابعه ضاماً كفيّه ، ينظر بعينٍ ثاقبة لم ترهب الجالس الذي يراقبها عن كثب ،

- أستلمت المهمة التالية ، صحيح ؟
- أجل ، في قصر الرئيس ديفيد رجل الأعمال

وأطبق شفاهه وهو يستصيخ ما سمعه .. ، لتعبر تنهيدة داخله كغصّة أستثقلت الخضوع عنه وتربعت تهوي على صدره النافث لسعيرٍ حاقدٍ ما فتأ يتّقِدُ داخل زوبعته المترعة بالأفكار المبهمة والمخططات البعيدة المدى ،فيستخرجها من قعره مستنداً بعد لحظات في شرود ساخراً،

- ديفيد لورانس ، صديقي القديم المحبب الى قلبي ، هه ! أطلق مشروعه الخاص مع حفنة من رجاله ليصدر خبراً في الصحف عن بذائتي في مخططات سرّية داخل منطقة مجهولة لا يعلم عنها أحد .. بعد أن كسب بضعة قروش أغرته !

وأرفع بصره ناحية الشارع المطل عليهما ، مفكراً يرسل نظراتٍ متفرعة عبر الزجاج وهو يتمتم بإستياء غير مرئي ،
- متى ستبدأ ؟

أنزل المعني يده ليدخلها في جيب بنطاله الأيمن قاصداً إخراج ما حمله.. ،
فكشف عن بطاقة بيضاء أنيقة تزّين أيطارها بنقوش ذهبية مميزة ، على غلافها ظهرت بصمة ختمٍ أسود .. !
أهداها اليه واضعاً أياها على مقربة من يده التي تحركت ناحيتها ، لتمسكها .. !

ووقعت عيناه على الختم لتستضيق عابسةً، فيضغط بإبهامه وكأن به ينفض غيظه المتكدّس الذي آنت لحظته للتحرر من مخدعه .. هامساً وهو يجول برؤياه على كل زاوية منه .. يستذكر صوراً أحاطت بذاكرته تبلغ السنين! أبتلعت بشقاءٍ جزءً من راحته ليتنغص سير فكره المنشغل في كل اللحظات ، ورغم هذا بقيت في زاوية مهجورة محافظاً عليها ، حتى عادت اليه وكأنه يشاهدها حيّة تُعرض من خلال شريطٍ مر امام ناظريه بإزدراءٍ يثير تلاعباً بعصب ذاكرته .. فيستجلب شعوره بمرارة يخالطها الإنزعاج ،
- هذا الشعار ...

تجهّم وجهه ، وأخرج ما في مكنونه متلفظاً بنفاذ صبر،
- سأكون من المدعوين ضمن إحتفاله ليلة غد ، من المؤكد أنه سينشغل مع كبار رجال الاعمال والمدراء التنفيذين لذا أستغل فرصتك بما أن أسمك مسجل في قائمة الضيوف لتنهي الأمر

ولاح شبح إبتسامة ينمو في خبث ، حيث كانت تعابيره تتكهّم بهيئة ترهب قلب الناظر أليها .. وهو يضغط على أحرف عبارته وحدقتاه لاتزال متعلقة إتجاه البطاقة ..

- عندما تقتله أبعث لي برسالةٍ ما حتى أكون قادراً على الوقوف أمام جثته في الصف الأول بين الشهود

وأرتفع رأسه .. لتنجلي إبتسامة أقسى مع وقع عيناه الغارقة في ضغينة .. يوسّع من مداها ، حتى لاح بريق فارضٌ هيمنته بمتعةٍ تبتغي الأرتواء ككل مرة ،

- هل فهمت .. يا ألكسيوس ؟ .. أريد حفلة تنضح كؤوسها بالدماء .. !!



[ السابع من يوليو ، 2012م ، كليشي سو بوا ، السادسة والنصف صباحاً ]

وفي صبيحة يومٍ أشرقت شمسه بالضياء ، مرفرفة تتربع كبد السماء بين أنقشاعة الغيوم التي بدت كأكوام قطنٍ ناصعٍ تداخل مع أقرانه ثم أنسحب كقزحٍ متفرق ، أمست ألسنة النجم الذهبي تتفرع بين تفرقاته حتى تصل سطح الأرض .. وتضيء ما طمسه الليل وبين أزقته الدامسة من معالم للحي .. !
وتراءى في شرق الأحياء شارعٌ غافي ، توالت على جانبيه المباني والمنازل المصطفة ، أرضيته تكونت من قطع الحجارة المربعة المستوية كما سائر بقع أرضه ، وأختلفت المباني في طابعها الريفي الدافئ .. وأسقف منازله التي أستوطنت على أسطحها عصافير الربيع تصدح بألوان الغناء .. ويجنّح بعض منها عبر طريق السماء .. !
ومن بنيانه ، بناءٌ شيّده أحدى التجار الكبار مقيماً بداخله سلسلة من الشقق المستأجرة لمن يرغب بالنزول مقيماً فيها ، وأشتهرت عند فقراء الحي والمشردّين بأغلى مبنى يقطن فيه الأغنياء وصاحبو الطبقة المتألقة في عالم فرنسا ، بسبب حداثة نزله الكبير رغم طراز هيكله الخارجي المتخذ هيئة باقي أقرانه .. !
وتعتلي شرفة بأحدى طوابقه ، ترفرف من نافذتها حرائر الستار الأرجواني المزهر بصور الورود الصغيرة .. ،
كانت مفتوحة على مصراعيها ، يتسرب منها صيآح ذلك اللحن المعبّأ بشجى نغمات رفيعة .. من داخلها ، جوف آلة البيانو السوداء التي تستثير هائمة من فرط وقع أنامله السلسة على مفاتيحها الثائرة .. !
تنقر أصابعه .. بفكر منطلق شارد نافثٍ عبر فضاء الكون مغرقاً في السكون .. ،على أوتار ألحان معزوفة خالدة ، .. معزوفة تحيي الجماد وتقتل الروح !!
وتمتطي سفن الرياح لتعبر الآذان الحيّة .. ثم تستصيخ نوارس الشاطئ نشيجها .. !
وفي ما يصرخ داخل بوح معاني الصمت العتيق ، تنساب لوحة نسجت ملامح وجهه النائمة في سبات الهدوء وتنفسات عبق الربيع المعطّر ، يميل رأسه متبعاً حسّ الموسيقى على حركته المرنة ، منزلاً أجفانه النائمة بأريحة على حدقتيه .. !

وداخل غمرة هائجة .. ثورة ألحانٍ عذبة ، كانت تراه من بعيد .. وتنصت أليه ، .. ماكثة في الأسفل بعد ان أستوقفها لحنه عندما أنطلق من محجره ككل بداية صباح ، حتى بعد ما أستفاقت لتبتاع كم قطعة من أرغفة الخبز عند البائعة .. لابد لخطاها أن تخونها عن المضي في أوج هذه اللحظة التي أصبحت كعادة خاصة تتمسك بها وتنفرج أساريرها داخل بهجة تخفق قلبها الصغير .. لتنبلج على أثرها بسمة تتفشى فيها سعادتها وإعجابها .. حتى تمضي بقية الوقت في تريّث خروجه المعتاد بساعةٍ قياسية .. !!

طفلةٌ من اطفال الحي ، ابنة الجيران التي لم تبلغ من سنّها السابعة بعد .. ،تعيش مع أبويها وأخواها في المنزل الريفي البسيط المجاور للمبنى ،
مفعمة بالنشاط ، لذا فهي تستيقظ كل يوم في السادسة صباحاً على صيآح الديك الذي أبتاعه والدها قبل سنين وأصبح جزءً من العائلة .. ، تغتسل وتأخذ أهبة أستعدادها للخروج الى السوق،

لها عينان كلون الشهد المصفى .. وشعر طويلٌ كستنائي ينزل آخر ظهرها ،
تلفها البراءة ، وتعتليها الضحكة في كل وقت.. !

أخذت مربضها مستندةً على حائط أحدى المباني المحاذية المتقشر طلائها.. ، تطرق بقدمها الأرض ، حاملةً سلّة القش تتدلى في زندها .
وما بين تأملاتها عند كل نغمةٍ ..
توقف العزف فجأة ! ،
فظهرت التفافة منها بإدراك حتمي أنه سيخرج بعد اليسير من الزمن .. ،



داخل غرفة الجلوس، أشارت عقارب الساعة المعلقة الى السادسة وخمسٌ وثلاثون دقيقة !

كان ينحني لألتقاط معطفه المنشور على طرف الكرسي ليرتديه ،

وكانت الغرفة فسيحة ، تتوسطها جلسة أرائك خضراء نُقِشَت بزخارف داكنة ، ومنضدة زجاجية قد أستقامت عليها آنية رمادية امتلأ نصفها بالماء لتستقي منه الزهرة الأقحوانية المائلة بساقها اليانعة في دلال داخلها .. يفوح منها عطرٌ هادئ، لكن أوراقها متدليّة منكسة بهائها للأسفل ، وكأن بشموخها هُصِرَ في حزن خفي خطف بشراها .. !
وغير ذلك ، كان جهاز التلفاز الذكي يعمل على قناة الأخبار المحليّة ، حتى أغلقه بجهاز الكنترول .. ولفّ ساعته حول معصمه وهو يحدّق في فوهة مسدسه الأسود الموضوع على أحدى الرفوف قرب مفتاح السيّارة ..،
تمشى على الأرضية الرخامية المفروشة على حيّز منها سجّادة ملّونة بألوان باردة أندمجت مع الأزرق و الأرجواني لتنتج شكلاً عشوائياً مبهم .. !
وتدنى قربه ليحمله بين يديه ويعتمد زر الامان فيه ثم يخبأه داخل جيب غير مرئي في سترته ،

علت رنة هاتفه المحمول في الأرجاء لبرهة ! فأزاله من جيب بنطاله الخلفي ..،
وطغى صوته على سكون الصباح بعد أن فتح المكالمة،
وصله صوت السيد أبسالون عبر السماعة ، وخالطه سماع صوت وشوشة ضئيلة كأنه يرتشف قهوة الصباح خاصته على طاولة الأفطار الفائضة بأشهى أصناف المأكولات.. !

تكلم بادئاً ،
- نعم سيدي ..

أجابه الصوت بنشاط كفاف راحة
- أوه صباح الخير ألكسيوس ! كيف حالك اليوم؟
- انا بخير
- هل جهزّت نفسك للذهاب الى موعد تدريبك؟
- منذ لحظات ..
- جيد جيد ! أحببت أن اطمان عليك و ..

انخفض عنفوانه رابطاً آخر كلمة بقوله مهدداً،
- لا تنسى ميعادنا هذه الليلة في تمام الساعة التاسعة
- لم أنسى ..
- كن على أستعداد تام ، حظاً طيّباً !

واغلق الخط !

وبهذه الطريقة الآلية التي يتلقى فيها الآوامر دون وقت معين ، أعاد هاتفه داخل جيبه .. وخطى ليغلق النافذة قبل خروجه ، وفي حين كان يرفع ذراعيه ليحرّكها لمح أبنة الجيران واقفة مستندة على الحائط ، فشدّ حاجبيه في انقباضة صغيرة علامة على الإنزعاج والوضع الغير مرتدّ عن منواله الذي لا يحبذه .. تمعّن أليها،

أغمض عيناه، واصل إغلاقها دون مبالاة ، و أسدل الستار حاجباً المنظر البديع الذي يطل على الحيّ .. ثم خرج مقفلاً الباب ورائه بعد أن أخذ مفتاح السيارة.



كانت تتمعن في فردتا حذائها الجلدي بصمت ، وحتى بعد أن تحرّك الباب وفي إثر حركته ندّ انيناً على مصراعيه .. انتبهت ! وأدارت رأسها مع صورة إبتسامة عريضة أمتدت على ثغرها .. !
أنه هو بلا شك .. هذا ما ردده عقلها بلا تباطئ .. !
فهتفت بفرح وهي تغدو أليه بخفة خطوات جرت بلهفة

- أخي الكسيوس ! صباح الخير !

- أهلاً إنورين ، صباح الخير

ألقى الأجابة دون إلتفافة مغلقاً الباب خلفه .. ودون الإسترسال في حديثٍ عابر كما عادة الجيران ، أعتمد طريقه ناحية وجهته .. ، ورغم ذلك .. عنفوانها لم يتوقف عند هذا الحد بالطبع ! .. فقد تقدّمت أليه مع صوت وقع حذائها الصغير تناديه .. حاملة سلّتها بعناية .. فستانها الفضفاض الأبيض تحلّق اطرافه الحمراء نتيجة خطاها المتلاحقة .. بينما كان يمشي ناظراً امامه بجمودٍ وكأنّ ما من أحدٍ يتواجد معه .. !

نطقت بحبور تحادثه والبسمة ترف في موقعها .. وهي تبصر وجهه من الاعلى نتيجة طوله وصِغر قامتها .. !

- أخي الكسيوس لقد سمعت عزفك هذا الصباح أتعلم ؟
- أجل ، صحيح ..

ومن ثم ادارت ناظريها أماماً بلا أي تغيير طرأ على نفسها وهما يسيران.. إبتسامتها.. وعيناها اللتان تتقدان نشاطاً ومرحاً ، يكملان هذه اللوحة التعبيرية المتناقضة في شخوصها .
لقد أنتقل الى هذا الحي قبل ما يقارب الشهر والنصف ، لذا فإن عيناها اعتادت على رؤيته كل يوم .. وأذنها كذلك لا تفارق عزفه كل صباح !

وهي حاكت أجمل تعبير على قسماتها البهيّة لتدير رأسها مرة أخرى ناظرةً أليه من الاعلى ، تستثيره بفضولها المعهود ..
- اخبرني أخي ، ماهو نوع عملك ؟ انت تخرج مبكراً دائماً ولا تعود سوى في منتصف الليل .. هل تعمل مدرس موسيقى ؟ .. أم مهندساً معمارياً .. أممم
وصاحت بحبورها ،
- طبيب ! ، أليس كذلك ؟ ، أتعلم أن عمي يعمل طبيب أسنان ولكن عيادته في المدينة لذا فهو ينتقل الى القرية في أيام الاجـ..

قاطعها ألكسيوس بجفاءٍ متابعاً خطاه
- إلى اللقاء أنورين .

وفرهت فاهها جزءً ضئيلاً متوقفةً بينما تبصره يبتعد عنها دون أهمية ، تدقق أليه بشرود

وبعد كميّة نافذة من الوقت القصير ، عادت البسمة صديقة على محياها .. هاتفةً له ،

- حظاً موفقاً أخي ألكسيوس ، سانتظر عودتك بفارغ الصبر!

ثمأغمضت عيناها لترتوي نفسها برشفة إمتنان سعيدة على هذا اللقاء القصير الذي لم يتعدى الدقائق ، بالرغم من جفائه الدائم في معاملتها .. ، ترضى لمجرد لقائه فقط ..! فقد أستطاعت ان تحادثه اليوم أيضاً وستبذل قصارى جهدها غداً كي تتحدث معه أكثر .. !!

أنها تهتم به جداً ، رغم هالة الهدوء المهيبة التي تحيط حوله .. أعتقدته غريباً في بدايات أيام انتقاله ، كانت تخشى منه ، و كان الفضول لم يترك لها مجالاً البتة ليستريح فكرها .. جعلت تحاول التعرّف عليه رغم سطحيته مع الناس من حوله وعدم إبداء إهتمامه كما لاحظته .. ،ومع انها تخسر في كل مرّة ..

وفي يومٍ ما من أيام الشتاء المثلج ، كانت عائدة الى البيت .. تحمل بجعبتها رغيفا خبز طازجين لفطور عائلتها ..، وبينما كانت تحاول تدفئة كفّاها الباردين أستصاخت فجأة لحناً جميلاً أثار مشاعرها .. وأنساب يداعب قلبها بشعورٍ مميز ، تفاجئت عندما علمت أن الصوت نابع من نافذة شقته . وفي اليوم التالي عندما خطت على ذات الطريق سمعت ذات المقطوعة .. وكذلك الذي يليه !
حتى قررت كل صباحٍ أن تتوقف عندما تخرج الى شراء الخبز لتنصت الى عزفه .. و بعد ان زجرتها والدتها نتيجة اهمالها للخبز الذي صار بارداً عند وصولها البيت .. قررت مجدداً ان تستفيق باكراً لتحصل على فرصة سماعها الى عزفه وإلقاء التحيّة عليه .. ثم تغدو الى متجر بائعة الخبز لتبتاع ما طُلِب ،
ومع جمود سجيّته الغريبة التي لا يطرأ عليها تبدّل ما ، تمنت بين جنبات سرّها دائماً أن ترى إبتسامته .. ،
وهي بدورها تقترب منه
.. !

وشّدة أهتمامها به ، وإلى ما آلت أليها نفسها لما تراه من شخصية مبهمة شائكة تختلف عن غيرها في كثير من السلوكيات .. أو ربما لم تشهد سلوكاً كمثل سلوكه بتاتاً ! ..وحتى بعد ذلك، تبقى أمنياتها مجرد هبّة أحلامٍ وردية من قلب طفلة نابضٌ بالحياة ، لم يفقه العالم الخارجي .. بخباياه .. وواقعه !



اهتدى ليل هذا اليوم الى أمسية فاخرة أحتضنت الغالي والثمين ، وتلألأت ثريات السقف الرفيع المزخرف بالذهب الخالص ،تسطع أضواء ذلك الإحتفال البهيج الذي ضم اكبر مدراء فرنسا وخارجها من كافةة أصقاع الأرض .. إلى الأغنياء أصحاب الصفقات التجارية الغربية من طبقة البلاد الرفيعة .. !
وأجتمع جمعٌ غفير على تلك القاعة الفسيحة ، قاعة أطل زجاج نوافذها اللامع على فرودسٍ شقّت أرضه المعوشبة الخضراء زهور النرجس الفوّاح مع البنفسج و بتلات ورودٍ اكتسبت زرقةً تسطع تحت سنا القمر ، تترئسها زهور اللوتس اليانعة المطلة على بركة تتلألا بلوراتها المائية لكأنها فسيفساء تلاحمت بصناعتها جواهر الألماس والجمشت والزبرجد الأزرق .

وأعتلت الحديقة أسوار عاليا تكونت قضبانها من زبر الحديد المطلية بالفضة الخالصة ، وتشكلّت البوابة العالية هيئة ملكية مهيبة يحرسها رجلان بارزا الجثة ، قائمان موضعهما بتأهب يقظ حذر يحمي المنطقة .. !
وكانت مفتوحة على مصراعيها الضخم لإستقبال الضيوف بحفاوة تليق مقامهم ، فتستوقف السيارات الفارهة الثمن ذات الطراز الحديث مواقعها في اماكن الوقوف ، ليترجل منها ما سُجّل أسمه لشرف حضور أمسية اكبر المدراء على الصعيد المحلي والدولي .. !!

وعلى طقطقة كعب السيدات المتأنقات الى أقصى حد ، الفساتين المبهرجة ، أحمر الشفاه الفاقع، ورقصة تتفشى بخطاها خيلاء النبلاء ،مع سادة الشعب الذي لا يفقه واحد منهم عيش نصفه مهجوراً يداور الازقة مفترساً ما يؤي عيشه .
فأكتظت أرجاء القاعة المنفتحة بأصوات الكثيرين ، تتخالط السنتهم الناطقة بما يوحي عن حوارات بين رؤساء الشركات ، والتحيّات العابرة الودّية ، وضحكات مزدوجة تداخلت مع الأحاديث بنشوة فرح عامرة .فالكل كان مبتهجاً ، مطّلاً بتألقه في ليلة هذه المناسبة السعيدة ..
ومن كان على يقينٍ بأنها ستنقلب رثاءً على تشييع جنازة أحدهم بعد إنقضاء وقتٍ من الزمن !!؟

وداخل غمرة الصخب على وقع ألحان العزف من فرقة موسيقية أستخرجت نغمة كل آلة فنيّة بمهارة .. تمازجت النغمات معاً مستخلصةً لحناً مميزاً أخذ يملأ القاعة ، فتلك مجموعة تعزف على الكمان ، وتليهامجموعة على التشيلو ، وأخرى تحرّك الأكورديون ، ومع رجلٍ ناهز الخمسين ، يتخلل شعره الشيب ، كان بملمح الوقار مرتدياً الزي الرسمي الأسود كباقي زملاءه ، يعزف على البيانو الذهبي .. وأما البقية فيختلفون بآلاتهم ما بين التيوبا .. و آنساتٌ حوريات تداعب أناملهن بدلالٍ أوتار القيثارة التي بين يدي كل واحدة منهن .. !

واستمر الوضع طبيعياً يحظى الحبور متلاقياً من نفس كل فرد ،
المأدبات المتفرقة بإتساقٍ تصطك فوق شرشفها الناصع أطباق الماكولات المتعددة الأصناف ، البحرية ، البرية ، واللحوم البقرية المشوية ببهارٍ طيب المذاق مع مزيجٍ من الصلصة المحمرة التي تنقاد نحو رائحة الصوص المنكّه ، وبينها بقية الأطعمة ، أطباق خضرية ، وأخرى عالمية وأوروبية مشهورة .. ، والحلويات اللذيذة ،فإعداد كل تلك الطيّبات كان تحت إشراف فريق الطباخين المحترف الذي انجز مهمته على اكمل وجه .. !!

وبمحاذات أحدى الطاولات ، كان بوقفة إزدراء رسم عليه إبتسامة علياء خطت كبرياء وثقة لا متناهية ، يحمل كأس النبيذ بكفّه ، ويجول بعيناه الرمادية حوله ، مرتدياً بدلته البيضاء الثمينة ، واصابعه التي حٌشيت بتلك الخواتم المرصعة بأحجار الياقوت والتوباز ، كان يرتشف كل حينٍ .. يحادث بعض النبلاء قليلاً ويلقي التحية على من يعرفهم بحرارة .. !
ثم إنه جعل يدرس برؤياه الثاقبة وعقله الدقيق الذي لا تغيب عنه أصغر التفاصيل ، وجوه الحاضرين دون ادنى ريبة ، ومقدارهم التقريبي ، وتجهيزات عدّته .. ومن بعدها لمحة خاطفة ناحية ساعة معصمة ، يرى فيها تحرّكات العقربان اللذان سينطلقان بإتجاه رقمين محددين للإستعداد لصفارة البدأ .. !



وخلف بقعة الإحتفال تلك ،كما ستار الليل المسدل على هسهسات الشارع المهجور .. الذي تقنط سيارته السوداء فيه .. متلحفة بالغموض ،كان هو داخلها يفتح الحقيبة التي تشكلت بصورة خادعة ، كحقيبة كمان فضيّة ، بجوفها أصطفت عدة أسلحة مع ذخيرتها ، مسدس صغير ، مدفع رشاش ، رصاص ، وكاتم صوت !

ألتقط المسدس بيده ، أخذ يقلبه ثانيةً .. ثم أمسك بكمية من الرصاص ليحشوها داخله بتسلسلٍ عملي سريع، وما إن يفرغ منها .. سيستعمل كاتم الصوت ليغطي الفوهة به ، ثم يدخله في كيس نَيْلوني شفاف مثقوب بإتجاه رأس المسدس ..!
وذلك ما كان يتراود عبر أعصاب ذهنه الباردة بخطة محكمة معلومة تفاصيلها له ، وهو بحاله يشرع في إنهاء الخطوة الثانية بعد الاولى .. التي فيها أُمِرَ بإرتداء زي رسمي ، وقناع تنكري أسود لتخبئة ملامح وجهه حتى الوصول .. بما ان رئيسه على دراية بان هذه الليلة ستقام أيضاً حفلة تنكرية لأحد النبلاء في باريس ، فيوهم الشاهدين على درب وصوله للقصر انه من المدعوين لها ، وما ان يتراءى له بنيانه من بعيد يخلع القناع ، ويتصرف كالمدعوين للإحتفال المنشود .. !
وهناك بداية الخاتمة .. !

وأما بالنسبة لسطور ذاكرته المتصلة بالوعي الحاضر المقطوع عن أزمنته، فهو قد حظى فيها بالكثير من المعلومات التي سيستدل بها الى التمهيد على الصعود لمهتمه بيسر ، ودون نقطة فشلٍ بالتأكيد .. !!
وفقط ، ذلك ما يشغل حيّز من محيط فكره ، وبعدها يوجب فراغ اللاشيء بفرضٍ غريزي .. !
وسجيّته الفاترة التي لا تنحاز لأي تدخّل خارجي يوّلد ما يسمى بالأرتياب .. أو القلق المخيف ! ، فأستقرار مدلولاتها تمسي على جانب الطاعة لتنفيذ ما يتلقاه من أمر يعد إتصالاً بعيشه على هدفٍ دُفِن بدثار الموت منذ آلاف العقود.. في تصّور مدركاته التي لا تهيج فرط أي مادي كان او معنوي ، وتبيّنت بصيرته لامام ما يخصّه في عمله الذي يبقيه كسائر حاجات الحياة من مأكل كان، أو ملبس .. ، فليست مجموعة جوارحه تأبى الرضوخ مسترسلاً بتحكمها على الدوام في كل امرٍ يحبب فعله ، أو نشاطٍ ما يقوم به لضالة ، كل ما يتملكه عقل آلي مبرمج ناحية عمل دؤوب .. مستأصلاً من جذور الفطرة الإنسانية الحيّة .. ومفكراً عند مهامه فقط .. !!

بعد مضي الدقائق فحسب ، أعتمد زر الامان الخاص بالمسدس ، ووضعه بخفاءٍ داخل جيب سترته .. ،
وما إن فرغ بما تحتويه يداه ، اغلق الحقيبة وانزلها تحت المقعد المجاور لمقعد السائق الذي يربضه ، وأخفاها بعناية محكماً تثبيتها بحزام جلدي سميك الصنع ، حتى تلاشى أثرها المجهول داخل السيارة ، ليستند على المقعد.. رابطاً حزام الامان حوله ، يدير مفتاح السيّارة ليشغلها ، ولم تكن سوى لحظاتٍ خاطفة لمعت فيها أضواء مصابيحها البيضاء الامامية .. لتفشي وهجاً داخل جنحٍ من العتمة ، وتزحف تحت عملها حشرات الليل التي تناثرت من تجمعاتها ، تدس أجسادها الملساء في جحور دقيقة داخل الحائط .. ،
شرعت العجلات حركتها الدائرية خارجة من الزقاق .. منحرفة الى طريق الشارع العام ليوصله الى المكان المطلوب ،
وسارت السيارة تحت توهجات مصابيح الإنارة الليلية التي تتفرع على جانبي الطريق ، لتتوارى تقاسيم وجهه محجوبة خلف قناعٍ تنكري أسود .. غطى كل تفصيلٍ يكشف هويته ، وشعره الفاحم الذي يسكن الجزء العلوي من القناع ، ولم ينجلي علامة سوى محجرين حملا حدقتان اكتستا بالسواد .. وما بين دهاليز هذا اللون الأسود .. الذي أستكان به شبح هدوءٍ يتراقص بحلكته في غياهب حضيضٍ وُصِمَ بقطعة حجرية .. كانت ذات يومٍ تنبع حياة ، والآن أستفحلت بقحطٍ أيبس كل عرقٍ نابض يلتف حولها ، لتمسي قفلاً مبهماً تتمايل بثناياه شفرات مدمية .. كانت في تلك الحقبة الغابرة وقتها عضواً أولي متصل بشرايين جسده .. سُمِيَ القلب .. !!





__________________








THINKING IN OWN SPACE BETWEEN PIECES FROM ME
[ LOST BETWEEN MIRAGE AND REALITY ]



BLOG#NOTE#ART#NOVEL#