الاعجاب هو التوأم الوسيم للحب
كبيانو أنيق مغلق على موسيقاه،منغلق هو على سره .
لن يعترف حتى لنفسه بأنه خسرها . سيدعي انها من خسرته، وأنه من اراد لهما فرقا قاطعا كضربه سيف ،فهو يفضل على حضورها العابر غيابا طويلا،وعلى المتع الصغيرة الما كبيرا وعلى الانقطاع المتكرر قطيعه حاسمه .
لشدهرغبته بها ،قرر قتلها كي يستعد لنفسه ،وإذ به يموت معها، فسيف العشق كسيف الساموراي ،من قوانينه
اقتسام الضربه القاتلة بين السياف والقتيل .
كما يأكل القط صغاره ،وتاكل الثورة أبناءها ، ويأكل الحب عشاقه ، يلتهمهم وهم جالسون الى مائده العامره . فما أولهم لهم الا ليفترسهم لسنوات ، يظل العشاق حائرين في أسباب الفراق . يتساءلون :من ترى دس لهم السم في تفاحه الحب ،لحظة سعادتهم القصوى ؟لا احد يشبه في الحب او يتوقع نواياه الاجراميه ذلك ان الحب سلطان فوق الشبهات ، لولا انه يغار من عشاقه ، لذا يظل العشاق في خطر ، كلما زايدوا على الحب حبا.
كان عليه اذا ان يحبها اقل لكنه يحلو له ان ينازل الحب ويهزمه اغداقا وهو لايعرف للحب مذهبا خارج التطرف ،رافعا سقف قصته الى حدود الاساطير . وحينها يضحك الحب منه كثيرا ويرديه قتيلا مضربجا بأوهامه
أخذ غليونه من على الطاوله وأشعله بتكاسل الأسى.
إنها إحدى المرات القليله التي تمنى فيها لو استطاع البكاء لكن رجلا باذخ الألم لايبكي .لفرط غيرته على دموعه ،اعتاد الاحتفاظ بها .وهكذا غدا كائنا بحريا، من ملح ومال .
هل يبكي البحر لأن سمكه تمردت عليه ؟
كيفى تسنى لها الهروب وليس خارج البحر من الحياة للأسماك ؟
قالت له يوما لا اثق في رجل لا يبكي .
اكتفى بابتسامه .
لم يبح لها أنه لايثق في احد .سلطه المال كما سلطه الحكم لا تعرف الأمان العاطفي . يحتاج صاحبها إلى ان يفلس ليختبر قلوب من حوله . ان تنقلب عليه الأيام ، ليستقيم حكمهعلى الناس .لذا لن يعرف يوما إن كانت قد أحبته حقا لنفسه .
ذلك أن الأيام لم تنقلب عليه ، بل زادته مذ افترقا ثراء ، كما لتعوضه عن خساراته العاطفيه بمكاسب ماديه
هو يرتاب في كرمها يرى في إغداقها عليه مزيدا من الكيد له .
أوليست الحياة أنثى ، في كل ماتعطيك تسلبك ماهو اغلى؟
يبقى الأصعب ، أن تعرف ماهو الأغلى بانسبه اليك . وان تتوقع أن تغير الأشياء مع العمر ثمنها هبوطا او صعودا
يوم شاهدها الاول مره تتحدث في حوار تلفزيوني ،ماتوقع لتلك الفتاه مكانه في حياته ،فلا هو سمع باسمها يوما ،ولاهي كانت تدري بوجوده ،لكنها عندما اطلت قبل ايام ، كان واثقا انها تتوجه لسواه ،فما كانت ابهتها الالتحديه.
غادرت حياته كما دخلتها من شاشه تلفزيون .لكان كل شيء بينهما حدث حقا .
عزاؤه انها لا تسمع لحزنه صوتا -وحده البحر يسمع انين الحيتان في المحيطات -لذا لن تدري ابدا حجم خساراته بفقدنها هل اكثر فقرا من ثري فاقد الحب ؟
قال لها يوما بنبره مازحه حقيقه أخرى ((تدرين ..لاافقر من آمرأة لا ذكريات لها))..لم تبد قد استوعبت قوله اضاف (كانت النساء ،قبل ان توجد المصارف ،يخبئن مايجمعن على مدى العمر من النقود ومصاغ في الوساده التي ينمن عليها ، تحسبالأيام العوز والشيخوخه . لكن أثرى النساء ليست التي تنام متوسده ممتلكاتها بل من تتوسد ذكريتها )).
كانت اصغر من ان تعي بؤسامراه تواجه ارذل العمر دون ذكريات جميله
كيف لفتاه في السابعه والعشرين من العمر ، ان تتصور زمنا مستقبليا يكون فيه جليسها ماضيها ..
اوصلته عزلته الى هذه الاستنتاجات . غالبا مايعود الى وكره يرتب ذكرياته ، كما لو كان يرتب ملفاته . هو اليوم هناك ليعد خسارته .
لقد افقره بعدها .لكنه ليس نادما على ماوهبها خلال سنتين من دوار اللحضات الشاهقه، وجنون المواعيد المبهره
حلق بها حيث لن تصل قدمها يوما . ترك لها الى اخر ايامها وسادة ريش الذكريات ،ماتوسدتها إلا وطارت احلامها نحوه .فقد وهبها من كنوز الذكريات ،مالم تعشه الأميرات ،ولا ملايين النساء الائي جئن العالم وسيغادرنه من دون ان يختبرن مابقدرة رجل عاشق ان يفعل
هكذا هو مع كل امرأه أحبها ،حيثما حط رحاله ،استحال على رجل ان يطأ مضاربه .فلتحب بعده من شاءت .
مايندم عليه حقا ،ليس ماوهبها ، بل ماباح به لها لم يحدث ان ا6ستباحت اعماقه امرأه .كان غموضه إحدى سماته وصمته جزءا من اسلحته .
لعلها كانت التاسعه مساء حين رآها الاول مره .
كان في مكتبه ، قد انتهى يومها من متابعه نشره الأخبار،منهمكا في جمع أوراقه استعداداللسفر صباحا ،حين تناهى الى سمعه صوتها في برنامج حواري ليس من عادته متابعته .
كانت شظايا جمل تصله من كلمها .ثم راحت لهجتها المختلفه تستوقف انتباهه .لهجه غريبه منحدرهمن ازمه الفلامنكو،توقعك في شراك إيقاعها .
وجد نفسه في نهاية يجلس لمتابعتها .
راح يشاهد بفضول تلك الفتاه ،غير مدرك أنه فيما يتأملها كان يغادر كرسي المشاهده ويقف على خشبه الحب
لفرط انخطافه بها،ماسمع نبضات قلبه الثلاث التي تسبق رفع
الستار عن مسرح الحب ، معلنه دخول تلك الغريبه الى حياته.
الحب لا يعلن نفسه ولكن تشي به موسيقاه ،شيء شبيه بالضربات الأولى في السمفونية الخامسه للموزار
(سانتيانا)الذي قال (خلق الله العالم كي يؤلف بيتهوفن سمفونيته التاسعه))ربما كان يعني ان الله خلق هذا العالم المبهر كي لا نستطيع امام عظمته الا ان نتحول الى كائنات موسيقيه ،تسبح بجلاله في تناغم مع الكون . ماالانبهار الا انخطاف موسيقي
يذكرطلتها تلك ،في جمالها البكر كانت تكمن فتنتها .لم تكن تشبه احد في زمن ماعادت فيه النجوم تتكون في السماء،بل في عيادات التجميل .
لم تكن نجمه .كانت كائنا ضوئيا ليست في حاجه الى التبرج كي تكون انثى يكفي ان تتكلم.
امراة تضعك بين خيار ان تكون بستانيا او سارق ورود لا تدري اترعاه كنبته نادره ام تسطو على جمالها قبل ان يسبقك اليه غيرك ؟
لقد ايقضت فيه شهوه الاختلاس متنكرة في زي بستاني .
تتفتح حينا ،كاوردة مائيه ، وقبل ان تمد يدك لقطاف سرها تخفي بنصف ضحكه ارتباكها وهي ترد على سؤال ،وتعاود الانغلاق فيباشر حينها رجالها نوبه حراستهم ،وتغدو امراة في كل إغرائها .امراه سيعرف لاحقا انها لم تتمرن على النجاح ،ولا تهيأت له. الثأر وحده كان يعنيها.
يسألها مقدم البرنامج:
-لم تظهري يوما إلا بثوبك الاسود .. الى متى سترتدين الحداد؟
تجيب كمن يبعد شبهه:
-الحداد ليس في مانرتديه بل في مانراه . انه يكمن في نظرتنا للأشياء.بإمكان عيون قلبنا ان تكون في حداد.. ولا احد يدري بذلك
يوم اخذت قرار اعتلاء منصه لأول مره ،هل توقعت نجاحا كهذا؟
-هل تعتقد ان المرء امام الموت يفكر في النجاح ؟
كل ماتريده هو النجاح في البقاء على قيد الحياه .ماأردته هو ان تشارك في الحفل الذي نظمه بعض المطربين في الذكرى الاولى لاغتيال أبي بأدائهم لأغنيه .قررت ان اودي الاغنيه الاحب الى قلبه ،كي أنازل القتله بالغناء ليس اكثر .. ان وجهتهم بالدموع يكون وا قد قتلوني انا ايضا .
-أماخفت ان تشقى طريقك الى الغناء بين الجثث؟
-لقد غير تهديد الأقارب سلم مخاوفي .إن امراه لا تخشى القتله،تخاف مجتمعا يتحكم حماه الشرف في رقابه .ثمه إرهاب معنوي يفوق جرائم الا هابيين .
تمتم المذيع مأخوذا بكلامها
-صحيح
-تصورحين وقفت على الخشبه لاول مره كان خوفي من أقاربي يفوق خوفي من الارهابيين انفسهم . انا ابنه مدينه عند اقدم الارواس لا تساهل فيها مع الشرف
-حسن ان تكون كسبت الجوله ينازل فيها طرف اخر .. ليس ان تكون وحدك على حلبه لتلقي ضربات يتنافس الجميع على تسديدها اليك.
ان المراه واقفه على حلبه ملاكمه ، دون ان يحميظهرها رجل ،ودون ان تضع قفازات الملاكم ،او تحمل بجيبها المنديل الذي يلقى لاعلان الاستسلام ،احتمال الخساره غير وارد بانسبه لها لذا تفتح بشجاعتها شهيه ال جال على هزيمتها ،هذا ما خاف والدتي وجعلها تصرف على ان تغادر الجزائر الى الشام بحكم انها سوريه
-اعتقدين ان قصتك الشخصيه ساهمت فيارواج اغانيك؟
-حتما استفدت من تعاطف الجمهور ،لكن العواطف الجميله وحدها لا تصنع نجاح فنان .. الامر يحتاج الى مثابره واصرار .النجاح جبهه اخرى لمعركه
-والحب؟
ردت على إستحياء :
-الحب ليس ضمن أولوياتي .
-برغم ذلك كل اغاني البومك اغان عاطفيه ؟
ردت ضاحكه:
-في انتضار الحبيب ،أغني للحب!
-انت اذا تتحرشين بالحب كي يأتي.
-بل اتجاهله كي يجيء!
-لودعوتك الى الحلقه التي نعدها الشهر القادم بمناسبه عيد العشاق فهل تقبلين دعوتي ؟
-طبعا ،وكيف ارفض للحب دعوه؟
-اذا ،لنا موعد بعد شهر من الآن.
للحظه بعد انتهى البرنامج ظل جالس مذهول
ايه لغه تتكلم هذه الفتاه .كيف تسنى لها الجميع بين الالم والعمق، ان تكون عزلاء وعلى هذا القدر من الكبرياء
بالرغم من مرور سنتين على ذلك اللقاء التلفزيوني،مازال يذكر كل كلمه لفظتها ،واحتفظت ذاكرته بكل تفاصيله .ندم يومها لانه لم يتنبه لتسجيله ،فقد كان يحتاج الى اخذ جرعات اظافيه من صوتها كمن ياخذ قرصا من الاسب ين لمعالجه مرض مزمن .
اكتشفت مرضه للتو وهو يتابعهاكانت تنقصه امراه مثلها كي يتعافى ،ويتخلص من كل الاجهزه الاصطناعيه التي يستعين بها على حياه فقدت مباهجها .
كيف لم ينتبه الى تسجيل ذلك البرنامج ،كي يحتفظ بطلتها في براءتها الاولى ،قبل أن تتغير لاحقا على يده ؟ذلك انه كان واثقا انها ستكون له .
تابع فرحتها ومقدم البرنامج يمدها بباقات الورد التي وصلها ويقرا البطاقات أصحابها .
كانت مبتهجه كفراشه وسط حقةل الزهور ،شهيه بف ح طازج له عطر شجره برتقال ازهرت في جنائن الخوف .تمنى لو انها غنت كي يرى دموعروحها تنداح غناء ،فقد اصبح له قرابه بكبرياء دمعها.وراح يحشو غليونه شباكا لأيقاع بها. يريد الامساك بهذا النجم الهارب.
في الصباح ،حال انتهائه من اجراءات المطارقصد السوق الحره بحثا في جناح الموسيقى عن شريط لها.
راح يبحثدون جدوىعن صورتها فوق عشرات الاشرطه .دهش لهذا الكم من المغنيات الالأتي لم يسمع بهن يوما.
انتهى به الامر ان يشت ي بحكم العاده مجموعه ((شتراوس))في تسجيل لحفل حديث .
في الطائره التي كانت تقله الى باريس ،
رح يتصفح صحف الصباح،وبعض المجلات المتوافره على الدرجه الاولى حيث فوجئ بصورتها في الصحيفه فنيه لاحدى المجلات مرفقه بمقال بمناسبه صدور البومها الجديد
اذا ،اسمها هاله الوافي .تمتم للاسم ليتعرف على موسيقاه ثم ترك عينيه تتأملانه بعض الوقت . شيء ما يؤكد له انه سيكون له مع هذا الاسم قصه ،فهذه المصادفات المتقاربه تلقلها كإشاره من القدر .ثم.. انه يحب الأسوار العصيه لاحرف اسمها .
أضاف الى معلوماته انها تزور بيروت ترويجا لالبومها الاول وانها تقيم في الشام مذ غادرت الجزائر قبل سنه ..
وانها ولدت ذات ديسمبر قبل سبع وعشرين سنه .
تأسف لان عليه ان ينتظر احدا عشر شهرا ليحتفل بعيد ميلادها .
كان واثقا انه سيكون ذلك اليوم معها . ذلك انه يثق تماما في كل الافكار المجنونه التي تعبر خيالاته كرؤى.فلسفته ان كل مايمكننا تخيله قابل للتحقيق يكفي ان نريده حقا وان يثابر على حلمنا .
طلب من سائقه الذي الذي جاء في انتظره في المطار ان يوصله مباشره للمكتب،وان يحتفظ بحقيبته في السياره.
قبل سنوات كان يدخن علبه سجائر في اليوم، ثم أخذ قرارا حاسما عندما بدأ يتجاوز العلبه قال
(لن تمس يدي سجاره بعد اليوم))ولم يعد ابدا للتدخين .شفي من إدمانه كما بسحر .
الارداه هي صفته الاولى .بامكانه ان يأخذ قرارا ضد رغباته وان يلتزم به كما لو كان قانونا صادرا في حقه لا مجال لمخالفته . ذلك انه عنيد وصارم . صفتان دفع ثمنهما باهظا ،لكنهما كانتا خلف الكثير من مكاسبه ، فهو في الاعمال كما في الحياة لا يقبل بالخساره ، ماراد شئا الا وناله ، شرط ان يبلغه كبيرا . يأبى ان يسلك أزقه التحايل والنصيب الضيقه لتحقيق احلامه . لكن ليس من السهل دائما ان تكون نزيها ومستقيما في الاعمال ، أو أن تغفو أثناء منازلتك أسماك القرش. من غير المسموح للذي يسبح مع الحيتان الكبيره ان ينام..والا انتهى في جوفها .لهذا هو يعود الى باريس للمره الثانيه في ظرف اسبوعين ، لمتابعه عقد يعمل عليه منذ مده .
غادرت الاستوديو مبتهجه كالفراشه . على المقعد المجاور لها سله ورد ، وبجوار السائق باقتان اخريان . ظلت طول الطريق الى الفندق ممسكه بالسله ، خوفا على زينتها.
عبثا طمأنها السائق ان لاشي سيحدث للورود . هو لايدري ان لا احد اهدى اليها وردا قبل ان تصبح نجمه ،انها كمن كشف على كبر انها لم تمتلك يوما دميه ، وانهم سرقو منها طفولتها . كلما قدمت لها باقه ورد ، شعرت انها تثأر لزمن قمعت فيه أنوثتها . كما الليله ، تشعر وهي في عربه الورد هذه ،كانها عروس ، زان كانت لا تدري لمن تزف . بلى هي تزف للنجاح . غير ان النجاح زوج مزاجي لا يعول عليه .
حزنت لان لااحد سيرى هذه الباقات بتنسيقها الجميل ثم هي لا تملك اله تصوير .والورود ستذبل .أوصلها التفكير الى العمر الذي مضى بها ،وذلك الشاب الذي كانت ستتزوجه وتخلت قبل سنتين عنه ، فأثارت بذلك غضب اهلها وخشيه ان تذبل في الانتضار خطيب لا يأتي .
لا احد يخير ورده بين الذبول على اغصانها .. او في مزهريه العنوسه قضيه نسبيه بمكان فتاه ان تتزوج وتنجب وتبقى رغم ذلك في اعماقها عانسا ، وردة تتساقط اوراقها في بيت الزوجيه .
((مالذي ينقصه أي عيب وجدت فيه كي تفسخي الخطوبه ؟))
اتعتقدين ان كثيرين يتسابقون الى الزواج من معلمه ابوها مغن؟الطبيبات والمحاميات ماوجدن رجلا وانت فرطت في شاب من عائله كبيره .. تركتيه المسكين كالمجنون لا يعرف لمن يشتكي ))
نجحت عمتها في التأثير حتى على امها لكن مافاجأها كونها لم تجد تفهمها لدى والدها وهي ابنته الوحيده والعزيزه.
كيف لجسده الأبكم محاورة أنوثتها؟
وكيف لها أن تتعرى أمام رجل لم تجرؤ يوما أن تعري أمامه صوتها؟
من تناقض طباعهما،أدركت أن الحب ،قبل أن يكون كيمياء،هو إيقاع كائنين متناغمين،كأزواجالطيور والفراش
التي تطير وتحط معا،دون أن تتبادل إشارة.
الحب هو اثنان يضحكان لﻷشياء نفسها، يحزنان في اللحظة نفسها،يشتعلان وينطفئان معا بعود
كبريت واحد،دون تنسيق أو اتفاق.
معه كان عود الثقاب رطبا لايصلح ﻹشعال فتيلة!
استيقظت على منظر الورد التي ازدادت تفتحا أثناء الليل.
لولا أنها تنقصها قطرات الندى لتبدو أجمل،فهكذا اعتادت رؤيتها في طفولتها في صباحات مروانة الباكرة.
تدري أن ما من أمل في أن يتساقط الندى على ورود المزهريات. أو يحط على مخادع الفتيات الوحيدات!
وحدها الورود التي تنام عارية ملتحفة السماء،مستندة إلى غصنها،تحظى بالندى.لكن حتى متى بإمكان غصن أن يسند وردة ويبقيها متفتحة؟سيغدر بها،وسيسلمها إلى شيخوختها غير آبه بتساقط أوراق عمرها.
ذكرتها الورد بالزوال اﻵثم للجمال،في عز تفتحها تكون الوردة أقرب إلى الذبول،وكذا كل شيء يبلغ ذورته،يزداد قربا من زواله. فما الفرق إذا بين أن تذبل وردة على غصن أوفي مزهرية؟
في الواقع،أيقظها اتصال من إحدى الصديقات في الجزائر، تهنئها على أمس وتبشرها بأن《كل الناس في الجزائر شافوها》.نقلت أيضا إليها سلام زميلة سابقة في المدرسة:
-نصيرة تسلم عليك بزاف..طلبت مني تلفونك واش نعطيهو لها؟بالمناسبة..قالت لي باللي مصطفى تزوج من أستاذة جات جديدة للمدرسة وطلب نقلهم للتدريس في باتنة.
كنقرة على نافذة الذاكرة،جاء ذكره.شيء من اﻷسى عبرها.
حنين صباحي لزمن تدري اﻵن أنه لن يعود.لعلها الذكريات تطوق سريرها،وحين ستستيقظ تماما،ستنسى أن تفكر في ذلك الرجل الذي أصبح إذا لامرأة أخرى!
امرأة تحمل اسمه،ستحبل منه في ساعة من ساعات الليل أو النهار.امرأة لا تعرفها ستسرق منها ولدين أو ثلاثة،لكنها لن تأخذ أكثر. لن يمنحها ضحكته تلك.الزواج سيغتال بهجته وروحه المرحة..
وفي هذا خبث عزائها.
مصطفى هو الوحيد الذي كان من الممكن أن يسعدها.
كانت تحب طلته المميزة،أناقة هيأته،شجاعة موافقة
،طرافة سخريته حين يغازلها بطريقة جزائرية مبتكرة حسب اﻷحداث،كيوم قال لها"أفضل،على إرهاب البنات،اﻹرهابيين..على اﻷقل هم لا يغدرون بك.يشهرون نواياهم،يصيحو"الله أكبر"قبل الانقضاض عليك بسواطيرهم وسكاكينهم. البنات يجهزون عليك دون تنبيهك لما سيحل بك..عندما تصرخ يكون قد تأخر الوقت،الله يرحمك.."أكلك فوكس".لو أصرخ اﻵن مثلا وأقول إنك ذبحتني وأنت
شعرك ، او تنسين زرا مفتوحا اعلى ثوبك ،لن يأتي احد لنجدتي ،فالقتل إغراء لايعتبر عنيفا .. لانه جريمه غير معلنه تحبب للضحيه موتها !
ذات مره في زمن المذابح ، كاد يقتلها ذعرا وهو يستقبلها في الصباح سائلا:
-هل صادفت في طريقك سيارة اسعاف ؟
ردت
مرعوبه:
-لا لم الاحظ ذلك.. هل حدث شيء؟
أجاب بجدية :
-اتوقع أن تحدث أشياء ..لابد ان تحلق بك سياره إسعاف لجمع الجرحى من الطرقات وانت تمشين هكذا ..على صباح ربي !
مصطفى تمنته زوجا .الحياة معه لها خفه دمه ،والقلب لا تجاعيد له. ربما كان يمكن ان يحدث ذلك لو انها بقيت في مروانه . لكن الاحداث تسارعت بعد اغتيال والدها واخذت مجرى تجاوز امنياتها
لم يمهلها القدر وقتا كافيا لقصه حب في مدينتها تلك ، الحب ضرب من الاثم ،لايدري المرء اين يهرب ليعيشه ..في سياره ام في قاعه المعلمين ؟ أم على مقعد في حديقه عامه؟
الخيار هو بين تفاوت الشبهات وليس اكثر .آخر مرة حاولا الجلوس على كرسي في الحديقه ،كان مجرد الجلوس معا فضيحه انتشرت بسرعه ((خبر عاجل))
كان يمكن ان تكون كارثه اكبر ، فيحدث ان تقوم قوات الامن بمداهمه الحدائق والتحقيق مع كل اثنين يجلسان متجاورين.
في نوبه من النوبات العفه ،تم إلقاء القبض ذات مره في العاصمه على اربعين شابا وصبيه معظمهم جامعيين ،اودعو في السجن فيما مان الارهابيين يغادرونه بالمئات مستفيدين من قانون العفو
كان زمنا من الاسلم فيه ان تكون قاتلا على ان تكون عاشقا.
في تلك المره الوحيده التي جلسا فيها في حديقه عامه اصيبتبالذعر حين مربهما احد المختلين ،وهو يشاجر مع نفسه ،ويشتم المارين ويهددهم بحجاره في يده . ظاهرة شاعت بسبب فقدان البعض صوابهم ، وتشرد الالالف
عشريه الدم .. سنوات الارهاب العشر - وماحل بالناس من غبن واهوال.
مازالت تضحك لتعليق مصطفى يومها وهو يطمئنها :
-لا تخافي ،نحن هنا في عاصمه المجانين ..اذا دهمتنا الشرطه فسأتظاهر بالجنون وأضربك فينصرفون عنا.. انهم لايتدخلون الا اذا قبلتك!
لانها لم تميز يوما جده من مزاحه ردت محذرة:
-اياك ان تفعل ..أجنتت؟
أجاب مازحا :
-ما ادراك ..ربما ماكنت عاقلا !تدرين أن نسبه الجزائريين الذين يعانون من اظطربات نفسيه أو عقليه ، تتجاوز حسب آخر الاحصاءات 10% نحن نملك بدون منازع أكبر مؤسسه لإنتاج الجنون . من أنجازتنا ان عدد مجانينا بعد الاستقلال تجاوز شهدائنا أثناء الثوره
-معقول؟!
ايه والله .. الرقم من مصادر طبيه .مالذي يخرج المرء عن صوابه غير انه يرى لصوصافوق المحاسبه
ينهبون ولا يشبعون إنه قهر والظلم و(الحقره)ماأوصل الناس للجنون اذا فقد الجزائري كرامته فقد صوابه لانه ليس مبرمج جنيا مع الاهانه ،كيف تريدين ان أتزوج وانجب اولاد في عالم مختل كهذا ؟
كانت تلك المره الوحيده التي جاء بها على ذكر الزواج . صدقت انه لهذا السبب لن يطلب يدها.
غادرت سريرها حتى لا تترك غيوم الماضي تفسد مزاجها
بدأت صباحها بملعقه عسل دافئ .لابد الايكون لها شاغل الا صوتها .لسنوات كان هذا هاجس والدها الذي صان صوته بقدر ماحرس صمتها .
اول مالقنوه حمايه صوتها من نزلات البرد ،ومن التلوث ومن دخان السجاير .
وماذا عن الالم ووعكات القلب حين تغص بها الحنجره ، فيختنق صوتك رافضا النطق؟
يوم تسجيل البومها اعتذرت لمهندس الصوت ، مطالبه بإعادة تسجيل تلك الاغنيه مجددا .بعد المحاوله الثانيه نصحها ان تستسلم لاحسيسها كما لة كانت تغني لنفسها ، والا تقمع ايه مشاعر حتى لو كانت ترغب بالبكاء مستشهدا بقصه ((سيرج غانسبور))في الثمانينات حين قال لزوجته النجمه ((جين بيركين))فاجهشت بالبكاء جين وماكنت تدري وهي تنحب انه كان يسجل بكاءها
يأتون الحياه وهم يغنون صرختهم الاولى بدايه شجن يستمر مدى العمر.
فالحزن في جموحه يتحول في حناجرهم الى مواويل يعطيك انطباعا بلا مباله بهموم الحياه ،في الواقع هو يحول همه الاكبر الى غناء ،مالايغنيه ليس همه انه يهين كل مالايغنيه.
استتادت جأشها وعاودت الغناء ايا ها الاغنيه التي غنتها في اربعين ابيها .ماتوقعت يومها انها تغني قدرها
ماكانت تدري بقصه تلك الاغنيه ،لولا ان المؤرخين وثقوا تفااصيلها.
يحكى انه ذاع صيت جمال احدى الفلاحات حتى تجاوز حدود قريتها ،فتقدم لخطبتها احد الباشغات لكنها رفضته لانها كانت تحب ابن عمها .عندما علم الباشاغا بزواجها ،استشاط غضبا ولم يغفر لها ان فضلت راعي عليه
فدبر مكيده وقتل زوجها وكانت حاملا فانتظرها حتى وضعت وليدها واقضت عدتها وعاد مجددا وتقدم لطلب الزواج منها وكانت قد اطلقت اسم زوجها على مولودها فردت عليه ان كنت قد اخذت عياش الاول فإني نذرت حياتي لعياش الثاني فزداد حقدا وخيرها اما الزواج منه او يقتل طفلها. فاجابته انها مهما فعل لن تكون له
ذات يوم عادت من الحقل فلم تجد رضيعها ،وبعد ان اعيها البحث هرعت للمقبره ،فرات ترابا طريا لقبر صغير فادركت انه قبر ابنها ،وراحت تنوح عند القبر وتعدد بالشاويه بما يشبه الغناء آاااعياش ياممي ..
فاقبل الناس عند سماعها تنادي ياعياش
يابني يسالوني ما الخطب ،وما استطاعو العوده بها ، فلقد لزمت القبر الصغير وظلت تغني حتى لحقت بوليدها وزوجها
...
عاد للبيت بعد الانتهاء من عشاء عمل طويل كان متعب من العمل والسفر والاجتماعايات المتواصله حتى المساء
انتهت اعماله تقريبا لكنه يحتاج الى تمديد اقامته ليرتاح بعض الوقت في باريس .
هنا يطلع الكتب التي لا وقت له لقراءتها . يستمع لفيفالدي يبدا نهاره ب الفصول الاربعه وينهيه ب كليدر مان يحب ان يختم مساءه بمقطوعات من العزف على البيانو .
عندما اطلت في ذلك البرنامج ، مع الضيوف الثلاثه الذين شاركوها الاحتفاء بالحب ، بدت وكأن الحب اختارها ليحتفي بها شيء فيها تغير مذ طلتهاالاخيره قبل شهر