عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة

روايات طويلة روايات عالمية طويلة, روايات محلية طويلة, روايات عربية طويلة, روايات رومانسية طويلة.

Like Tree16Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-22-2015, 04:43 PM
 
فخامة : ضننتك احببت حدادي حين كتبت لي الاسود يليق بك ; لاحلام مستغانمي




اهلين رواد الروايات بالمنتدى
اول مره انزل روايه بحياتي
وطبعا الروايه عالمية
وانا كتبتها حصريا لعيون العرب
وهذي مشاركتي بمسابقه سروره الحلوة
اخترتلكم رواية الاسود يليق بك
للكاتبه المشهورة احلام مستغانمي

اترككم مع البقيه



كاتبة وروائية جزائرية، كان والدها محمد الشريف مشاركا في الثورة الجزائرية. عرف السجون الفرنسية بسبب مشاركته في مظاهرات 8 ماي 1945. وبعد أن أطلق سراحه سنة 1947 كان قد فقد عمله بالبلدية، ومع ذلك فإنه يعتبر محظوظاً إذ لم يلق حتفه مع من مات آنذاك (45 ألف شهيد سقطوا خلال تلك المظاهرات) وأصبحت الشرطة الفرنسية تلاحقه بسبب نشاطه السياسي بعد حلّ حزب الشعب الجزائري الذي أدّى إلى ولادة حزب جبهة التحرير الوطني FLN. عملت أحلام في الإذاعة الوطنية مما خلق لها شهرة كشاعرة إذ لاقى برنامجها "همسات" استحسانًا كبيرًا من طرف المستمعين، انتقلت أحلام مستغانمي إلى فرنسا في سبعينيات القرن الماضي، حيث تزوجت من صحفي لبناني، وفي الثمانينيات نالت شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون. تقطن حاليا في بيروت، وهي حائزة على جائزة نجيب محفوظ للعام 1998 عن روايتها ذاكرة الجسد.



الأسود يليق بكِ هي رواية للروائية الجزائرية أحلام مستغانمي صدرت عام 2012

مليونير لبناني ناهز عمره الخمسين سنة أعجبته مطربة جزائرية باسم هالة الوافي في السابعة والعشرين من عمرها شاهدها السيد طلال هاشم مصادفة في برنامج تلفزيوني فقرر أن تكون له. يبدأ طلال الذي جاهد ليثري محصوله الثقافي في الموسيقى والفن والشعر إلى وضع الخطة تلو الخطة للإيقاع بهذه الحسناء التي ترتدي الأسود حدادا على مقتل والدها وأخيها خلال الاضطرابات التي شهدتها الجزائر في مطلع القرن الحالي




الفصل الاول ~


الاعجاب هو التوأم الوسيم للحب
كبيانو أنيق مغلق على موسيقاه،منغلق هو على سره .
لن يعترف حتى لنفسه بأنه خسرها . سيدعي انها من خسرته، وأنه من اراد لهما فرقا قاطعا كضربه سيف ،فهو يفضل على حضورها العابر غيابا طويلا،وعلى المتع الصغيرة الما كبيرا وعلى الانقطاع المتكرر قطيعه حاسمه .
لشدهرغبته بها ،قرر قتلها كي يستعد لنفسه ،وإذ به يموت معها، فسيف العشق كسيف الساموراي ،من قوانينه
اقتسام الضربه القاتلة بين السياف والقتيل .
كما يأكل القط صغاره ،وتاكل الثورة أبناءها ، ويأكل الحب عشاقه ، يلتهمهم وهم جالسون الى مائده العامره . فما أولهم لهم الا ليفترسهم لسنوات ، يظل العشاق حائرين في أسباب الفراق . يتساءلون :من ترى دس لهم السم في تفاحه الحب ،لحظة سعادتهم القصوى ؟لا احد يشبه في الحب او يتوقع نواياه الاجراميه ذلك ان الحب سلطان فوق الشبهات ، لولا انه يغار من عشاقه ، لذا يظل العشاق في خطر ، كلما زايدوا على الحب حبا.

كان عليه اذا ان يحبها اقل لكنه يحلو له ان ينازل الحب ويهزمه اغداقا وهو لايعرف للحب مذهبا خارج التطرف ،رافعا سقف قصته الى حدود الاساطير . وحينها يضحك الحب منه كثيرا ويرديه قتيلا مضربجا بأوهامه
أخذ غليونه من على الطاوله وأشعله بتكاسل الأسى.
إنها إحدى المرات القليله التي تمنى فيها لو استطاع البكاء لكن رجلا باذخ الألم لايبكي .لفرط غيرته على دموعه ،اعتاد الاحتفاظ بها .وهكذا غدا كائنا بحريا، من ملح ومال .
هل يبكي البحر لأن سمكه تمردت عليه ؟
كيفى تسنى لها الهروب وليس خارج البحر من الحياة للأسماك ؟
قالت له يوما لا اثق في رجل لا يبكي .
اكتفى بابتسامه .
لم يبح لها أنه لايثق في احد .سلطه المال كما سلطه الحكم لا تعرف الأمان العاطفي . يحتاج صاحبها إلى ان يفلس ليختبر قلوب من حوله . ان تنقلب عليه الأيام ، ليستقيم حكمهعلى الناس .لذا لن يعرف يوما إن كانت قد أحبته حقا لنفسه .
ذلك أن الأيام لم تنقلب عليه ، بل زادته مذ افترقا ثراء ، كما لتعوضه عن خساراته العاطفيه بمكاسب ماديه
هو يرتاب في كرمها يرى في إغداقها عليه مزيدا من الكيد له .
أوليست الحياة أنثى ، في كل ماتعطيك تسلبك ماهو اغلى؟
يبقى الأصعب ، أن تعرف ماهو الأغلى بانسبه اليك . وان تتوقع أن تغير الأشياء مع العمر ثمنها هبوطا او صعودا
يوم شاهدها الاول مره تتحدث في حوار تلفزيوني ،ماتوقع لتلك الفتاه مكانه في حياته ،فلا هو سمع باسمها يوما ،ولاهي كانت تدري بوجوده ،لكنها عندما اطلت قبل ايام ، كان واثقا انها تتوجه لسواه ،فما كانت ابهتها الالتحديه.
غادرت حياته كما دخلتها من شاشه تلفزيون .لكان كل شيء بينهما حدث حقا .
عزاؤه انها لا تسمع لحزنه صوتا -وحده البحر يسمع انين الحيتان في المحيطات -لذا لن تدري ابدا حجم خساراته بفقدنها هل اكثر فقرا من ثري فاقد الحب ؟
قال لها يوما بنبره مازحه حقيقه أخرى ((تدرين ..لاافقر من آمرأة لا ذكريات لها))..لم تبد قد استوعبت قوله اضاف (كانت النساء ،قبل ان توجد المصارف ،يخبئن مايجمعن على مدى العمر من النقود ومصاغ في الوساده التي ينمن عليها ، تحسبالأيام العوز والشيخوخه . لكن أثرى النساء ليست التي تنام متوسده ممتلكاتها بل من تتوسد ذكريتها )).
كانت اصغر من ان تعي بؤسامراه تواجه ارذل العمر دون ذكريات جميله
كيف لفتاه في السابعه والعشرين من العمر ، ان تتصور زمنا مستقبليا يكون فيه جليسها ماضيها ..
اوصلته عزلته الى هذه الاستنتاجات . غالبا مايعود الى وكره يرتب ذكرياته ، كما لو كان يرتب ملفاته . هو اليوم هناك ليعد خسارته .
لقد افقره بعدها .لكنه ليس نادما على ماوهبها خلال سنتين من دوار اللحضات الشاهقه، وجنون المواعيد المبهره
حلق بها حيث لن تصل قدمها يوما . ترك لها الى اخر ايامها وسادة ريش الذكريات ،ماتوسدتها إلا وطارت احلامها نحوه .فقد وهبها من كنوز الذكريات ،مالم تعشه الأميرات ،ولا ملايين النساء الائي جئن العالم وسيغادرنه من دون ان يختبرن مابقدرة رجل عاشق ان يفعل
هكذا هو مع كل امرأه أحبها ،حيثما حط رحاله ،استحال على رجل ان يطأ مضاربه .فلتحب بعده من شاءت .
مايندم عليه حقا ،ليس ماوهبها ، بل ماباح به لها لم يحدث ان ا6ستباحت اعماقه امرأه .كان غموضه إحدى سماته وصمته جزءا من اسلحته .
لعلها كانت التاسعه مساء حين رآها الاول مره .
كان في مكتبه ، قد انتهى يومها من متابعه نشره الأخبار،منهمكا في جمع أوراقه استعداداللسفر صباحا ،حين تناهى الى سمعه صوتها في برنامج حواري ليس من عادته متابعته .
كانت شظايا جمل تصله من كلمها .ثم راحت لهجتها المختلفه تستوقف انتباهه .لهجه غريبه منحدرهمن ازمه الفلامنكو،توقعك في شراك إيقاعها .
وجد نفسه في نهاية يجلس لمتابعتها .
راح يشاهد بفضول تلك الفتاه ،غير مدرك أنه فيما يتأملها كان يغادر كرسي المشاهده ويقف على خشبه الحب
لفرط انخطافه بها،ماسمع نبضات قلبه الثلاث التي تسبق رفع
الستار عن مسرح الحب ، معلنه دخول تلك الغريبه الى حياته.
الحب لا يعلن نفسه ولكن تشي به موسيقاه ،شيء شبيه بالضربات الأولى في السمفونية الخامسه للموزار
(سانتيانا)الذي قال (خلق الله العالم كي يؤلف بيتهوفن سمفونيته التاسعه))ربما كان يعني ان الله خلق هذا العالم المبهر كي لا نستطيع امام عظمته الا ان نتحول الى كائنات موسيقيه ،تسبح بجلاله في تناغم مع الكون . ماالانبهار الا انخطاف موسيقي
يذكرطلتها تلك ،في جمالها البكر كانت تكمن فتنتها .لم تكن تشبه احد في زمن ماعادت فيه النجوم تتكون في السماء،بل في عيادات التجميل .
لم تكن نجمه .كانت كائنا ضوئيا ليست في حاجه الى التبرج كي تكون انثى يكفي ان تتكلم.
امراة تضعك بين خيار ان تكون بستانيا او سارق ورود لا تدري اترعاه كنبته نادره ام تسطو على جمالها قبل ان يسبقك اليه غيرك ؟
لقد ايقضت فيه شهوه الاختلاس متنكرة في زي بستاني .
تتفتح حينا ،كاوردة مائيه ، وقبل ان تمد يدك لقطاف سرها تخفي بنصف ضحكه ارتباكها وهي ترد على سؤال ،وتعاود الانغلاق فيباشر حينها رجالها نوبه حراستهم ،وتغدو امراة في كل إغرائها .امراه سيعرف لاحقا انها لم تتمرن على النجاح ،ولا تهيأت له. الثأر وحده كان يعنيها.
يسألها مقدم البرنامج:
-لم تظهري يوما إلا بثوبك الاسود .. الى متى سترتدين الحداد؟
تجيب كمن يبعد شبهه:
-الحداد ليس في مانرتديه بل في مانراه . انه يكمن في نظرتنا للأشياء.بإمكان عيون قلبنا ان تكون في حداد.. ولا احد يدري بذلك
يوم اخذت قرار اعتلاء منصه لأول مره ،هل توقعت نجاحا كهذا؟
-هل تعتقد ان المرء امام الموت يفكر في النجاح ؟
كل ماتريده هو النجاح في البقاء على قيد الحياه .ماأردته هو ان تشارك في الحفل الذي نظمه بعض المطربين في الذكرى الاولى لاغتيال أبي بأدائهم لأغنيه .قررت ان اودي الاغنيه الاحب الى قلبه ،كي أنازل القتله بالغناء ليس اكثر .. ان وجهتهم بالدموع يكون وا قد قتلوني انا ايضا .
-أماخفت ان تشقى طريقك الى الغناء بين الجثث؟
-لقد غير تهديد الأقارب سلم مخاوفي .إن امراه لا تخشى القتله،تخاف مجتمعا يتحكم حماه الشرف في رقابه .ثمه إرهاب معنوي يفوق جرائم الا هابيين .
تمتم المذيع مأخوذا بكلامها
-صحيح
-تصورحين وقفت على الخشبه لاول مره كان خوفي من أقاربي يفوق خوفي من الارهابيين انفسهم . انا ابنه مدينه عند اقدم الارواس لا تساهل فيها مع الشرف
-حسن ان تكون كسبت الجوله ينازل فيها طرف اخر .. ليس ان تكون وحدك على حلبه لتلقي ضربات يتنافس الجميع على تسديدها اليك.
ان المراه واقفه على حلبه ملاكمه ، دون ان يحميظهرها رجل ،ودون ان تضع قفازات الملاكم ،او تحمل بجيبها المنديل الذي يلقى لاعلان الاستسلام ،احتمال الخساره غير وارد بانسبه لها لذا تفتح بشجاعتها شهيه ال جال على هزيمتها ،هذا ما خاف والدتي وجعلها تصرف على ان تغادر الجزائر الى الشام بحكم انها سوريه
-اعتقدين ان قصتك الشخصيه ساهمت فيارواج اغانيك؟
-حتما استفدت من تعاطف الجمهور ،لكن العواطف الجميله وحدها لا تصنع نجاح فنان .. الامر يحتاج الى مثابره واصرار .النجاح جبهه اخرى لمعركه
-والحب؟
ردت على إستحياء :
-الحب ليس ضمن أولوياتي .
-برغم ذلك كل اغاني البومك اغان عاطفيه ؟
ردت ضاحكه:
-في انتضار الحبيب ،أغني للحب!
-انت اذا تتحرشين بالحب كي يأتي.
-بل اتجاهله كي يجيء!
-لودعوتك الى الحلقه التي نعدها الشهر القادم بمناسبه عيد العشاق فهل تقبلين دعوتي ؟
-طبعا ،وكيف ارفض للحب دعوه؟
-اذا ،لنا موعد بعد شهر من الآن.
للحظه بعد انتهى البرنامج ظل جالس مذهول
ايه لغه تتكلم هذه الفتاه .كيف تسنى لها الجميع بين الالم والعمق، ان تكون عزلاء وعلى هذا القدر من الكبرياء
بالرغم من مرور سنتين على ذلك اللقاء التلفزيوني،مازال يذكر كل كلمه لفظتها ،واحتفظت ذاكرته بكل تفاصيله .ندم يومها لانه لم يتنبه لتسجيله ،فقد كان يحتاج الى اخذ جرعات اظافيه من صوتها كمن ياخذ قرصا من الاسب ين لمعالجه مرض مزمن .
اكتشفت مرضه للتو وهو يتابعهاكانت تنقصه امراه مثلها كي يتعافى ،ويتخلص من كل الاجهزه الاصطناعيه التي يستعين بها على حياه فقدت مباهجها .
كيف لم ينتبه الى تسجيل ذلك البرنامج ،كي يحتفظ بطلتها في براءتها الاولى ،قبل أن تتغير لاحقا على يده ؟ذلك انه كان واثقا انها ستكون له .
تابع فرحتها ومقدم البرنامج يمدها بباقات الورد التي وصلها ويقرا البطاقات أصحابها .
كانت مبتهجه كفراشه وسط حقةل الزهور ،شهيه بف ح طازج له عطر شجره برتقال ازهرت في جنائن الخوف .تمنى لو انها غنت كي يرى دموعروحها تنداح غناء ،فقد اصبح له قرابه بكبرياء دمعها.وراح يحشو غليونه شباكا لأيقاع بها. يريد الامساك بهذا النجم الهارب.
في الصباح ،حال انتهائه من اجراءات المطارقصد السوق الحره بحثا في جناح الموسيقى عن شريط لها.
راح يبحثدون جدوىعن صورتها فوق عشرات الاشرطه .دهش لهذا الكم من المغنيات الالأتي لم يسمع بهن يوما.
انتهى به الامر ان يشت ي بحكم العاده مجموعه ((شتراوس))في تسجيل لحفل حديث .
في الطائره التي كانت تقله الى باريس ،
رح يتصفح صحف الصباح،وبعض المجلات المتوافره على الدرجه الاولى حيث فوجئ بصورتها في الصحيفه فنيه لاحدى المجلات مرفقه بمقال بمناسبه صدور البومها الجديد
اذا ،اسمها هاله الوافي .تمتم للاسم ليتعرف على موسيقاه ثم ترك عينيه تتأملانه بعض الوقت . شيء ما يؤكد له انه سيكون له مع هذا الاسم قصه ،فهذه المصادفات المتقاربه تلقلها كإشاره من القدر .ثم.. انه يحب الأسوار العصيه لاحرف اسمها .
أضاف الى معلوماته انها تزور بيروت ترويجا لالبومها الاول وانها تقيم في الشام مذ غادرت الجزائر قبل سنه ..
وانها ولدت ذات ديسمبر قبل سبع وعشرين سنه .
تأسف لان عليه ان ينتظر احدا عشر شهرا ليحتفل بعيد ميلادها .
كان واثقا انه سيكون ذلك اليوم معها . ذلك انه يثق تماما في كل الافكار المجنونه التي تعبر خيالاته كرؤى.فلسفته ان كل مايمكننا تخيله قابل للتحقيق يكفي ان نريده حقا وان يثابر على حلمنا .
طلب من سائقه الذي الذي جاء في انتظره في المطار ان يوصله مباشره للمكتب،وان يحتفظ بحقيبته في السياره.
قبل سنوات كان يدخن علبه سجائر في اليوم، ثم أخذ قرارا حاسما عندما بدأ يتجاوز العلبه قال(لن تمس يدي سجاره بعد اليوم))ولم يعد ابدا للتدخين .شفي من إدمانه كما بسحر .
الارداه هي صفته الاولى .بامكانه ان يأخذ قرارا ضد رغباته وان يلتزم به كما لو كان قانونا صادرا في حقه لا مجال لمخالفته . ذلك انه عنيد وصارم . صفتان دفع ثمنهما باهظا ،لكنهما كانتا خلف الكثير من مكاسبه ، فهو في الاعمال كما في الحياة لا يقبل بالخساره ، ماراد شئا الا وناله ، شرط ان يبلغه كبيرا . يأبى ان يسلك أزقه التحايل والنصيب الضيقه لتحقيق احلامه . لكن ليس من السهل دائما ان تكون نزيها ومستقيما في الاعمال ، أو أن تغفو أثناء منازلتك أسماك القرش. من غير المسموح للذي يسبح مع الحيتان الكبيره ان ينام..والا انتهى في جوفها .لهذا هو يعود الى باريس للمره الثانيه في ظرف اسبوعين ، لمتابعه عقد يعمل عليه منذ مده .
غادرت الاستوديو مبتهجه كالفراشه . على المقعد المجاور لها سله ورد ، وبجوار السائق باقتان اخريان . ظلت طول الطريق الى الفندق ممسكه بالسله ، خوفا على زينتها.
عبثا طمأنها السائق ان لاشي سيحدث للورود . هو لايدري ان لا احد اهدى اليها وردا قبل ان تصبح نجمه ،انها كمن كشف على كبر انها لم تمتلك يوما دميه ، وانهم سرقو منها طفولتها . كلما قدمت لها باقه ورد ، شعرت انها تثأر لزمن قمعت فيه أنوثتها . كما الليله ، تشعر وهي في عربه الورد هذه ،كانها عروس ، زان كانت لا تدري لمن تزف . بلى هي تزف للنجاح . غير ان النجاح زوج مزاجي لا يعول عليه .
حزنت لان لااحد سيرى هذه الباقات بتنسيقها الجميل ثم هي لا تملك اله تصوير .والورود ستذبل .أوصلها التفكير الى العمر الذي مضى بها ،وذلك الشاب الذي كانت ستتزوجه وتخلت قبل سنتين عنه ، فأثارت بذلك غضب اهلها وخشيه ان تذبل في الانتضار خطيب لا يأتي .
لا احد يخير ورده بين الذبول على اغصانها .. او في مزهريه العنوسه قضيه نسبيه بمكان فتاه ان تتزوج وتنجب وتبقى رغم ذلك في اعماقها عانسا ، وردة تتساقط اوراقها في بيت الزوجيه .
((مالذي ينقصه أي عيب وجدت فيه كي تفسخي الخطوبه ؟))
اتعتقدين ان كثيرين يتسابقون الى الزواج من معلمه ابوها مغن؟الطبيبات والمحاميات ماوجدن رجلا وانت فرطت في شاب من عائله كبيره .. تركتيه المسكين كالمجنون لا يعرف لمن يشتكي ))
نجحت عمتها في التأثير حتى على امها لكن مافاجأها كونها لم تجد تفهمها لدى والدها وهي ابنته الوحيده والعزيزه.


كيف لجسده الأبكم محاورة أنوثتها؟
وكيف لها أن تتعرى أمام رجل لم تجرؤ يوما أن تعري أمامه صوتها؟
من تناقض طباعهما،أدركت أن الحب ،قبل أن يكون كيمياء،هو إيقاع كائنين متناغمين،كأزواجالطيور والفراش
التي تطير وتحط معا،دون أن تتبادل إشارة.
الحب هو اثنان يضحكان لﻷشياء نفسها، يحزنان في اللحظة نفسها،يشتعلان وينطفئان معا بعود
كبريت واحد،دون تنسيق أو اتفاق.
معه كان عود الثقاب رطبا لايصلح ﻹشعال فتيلة!

استيقظت على منظر الورد التي ازدادت تفتحا أثناء الليل.
لولا أنها تنقصها قطرات الندى لتبدو أجمل،فهكذا اعتادت رؤيتها في طفولتها في صباحات مروانة الباكرة.
تدري أن ما من أمل في أن يتساقط الندى على ورود المزهريات. أو يحط على مخادع الفتيات الوحيدات!
وحدها الورود التي تنام عارية ملتحفة السماء،مستندة إلى غصنها،تحظى بالندى.لكن حتى متى بإمكان غصن أن يسند وردة ويبقيها متفتحة؟سيغدر بها،وسيسلمها إلى شيخوختها غير آبه بتساقط أوراق عمرها.
ذكرتها الورد بالزوال اﻵثم للجمال،في عز تفتحها تكون الوردة أقرب إلى الذبول،وكذا كل شيء يبلغ ذورته،يزداد قربا من زواله. فما الفرق إذا بين أن تذبل وردة على غصن أوفي مزهرية؟
في الواقع،أيقظها اتصال من إحدى الصديقات في الجزائر، تهنئها على أمس وتبشرها بأن《كل الناس في الجزائر شافوها》.نقلت أيضا إليها سلام زميلة سابقة في المدرسة:
-نصيرة تسلم عليك بزاف..طلبت مني تلفونك واش نعطيهو لها؟بالمناسبة..قالت لي باللي مصطفى تزوج من أستاذة جات جديدة للمدرسة وطلب نقلهم للتدريس في باتنة.
كنقرة على نافذة الذاكرة،جاء ذكره.شيء من اﻷسى عبرها.
حنين صباحي لزمن تدري اﻵن أنه لن يعود.لعلها الذكريات تطوق سريرها،وحين ستستيقظ تماما،ستنسى أن تفكر في ذلك الرجل الذي أصبح إذا لامرأة أخرى!
امرأة تحمل اسمه،ستحبل منه في ساعة من ساعات الليل أو النهار.امرأة لا تعرفها ستسرق منها ولدين أو ثلاثة،لكنها لن تأخذ أكثر. لن يمنحها ضحكته تلك.الزواج سيغتال بهجته وروحه المرحة..
وفي هذا خبث عزائها.
مصطفى هو الوحيد الذي كان من الممكن أن يسعدها.
كانت تحب طلته المميزة،أناقة هيأته،شجاعة موافقة
،طرافة سخريته حين يغازلها بطريقة جزائرية مبتكرة حسب اﻷحداث،كيوم قال لها"أفضل،على إرهاب البنات،اﻹرهابيين..على اﻷقل هم لا يغدرون بك.يشهرون نواياهم،يصيحو"الله أكبر"قبل الانقضاض عليك بسواطيرهم وسكاكينهم. البنات يجهزون عليك دون تنبيهك لما سيحل بك..عندما تصرخ يكون قد تأخر الوقت،الله يرحمك.."أكلك فوكس".لو أصرخ اﻵن مثلا وأقول إنك ذبحتني وأنت


شعرك ، او تنسين زرا مفتوحا اعلى ثوبك ،لن يأتي احد لنجدتي ،فالقتل إغراء لايعتبر عنيفا .. لانه جريمه غير معلنه تحبب للضحيه موتها !
ذات مره في زمن المذابح ، كاد يقتلها ذعرا وهو يستقبلها في الصباح سائلا:
-هل صادفت في طريقك سيارة اسعاف ؟
ردت مرعوبه:
-لا لم الاحظ ذلك.. هل حدث شيء؟
أجاب بجدية :
-اتوقع أن تحدث أشياء ..لابد ان تحلق بك سياره إسعاف لجمع الجرحى من الطرقات وانت تمشين هكذا ..على صباح ربي !
مصطفى تمنته زوجا .الحياة معه لها خفه دمه ،والقلب لا تجاعيد له. ربما كان يمكن ان يحدث ذلك لو انها بقيت في مروانه . لكن الاحداث تسارعت بعد اغتيال والدها واخذت مجرى تجاوز امنياتها
لم يمهلها القدر وقتا كافيا لقصه حب في مدينتها تلك ، الحب ضرب من الاثم ،لايدري المرء اين يهرب ليعيشه ..في سياره ام في قاعه المعلمين ؟ أم على مقعد في حديقه عامه؟
الخيار هو بين تفاوت الشبهات وليس اكثر .آخر مرة حاولا الجلوس على كرسي في الحديقه ،كان مجرد الجلوس معا فضيحه انتشرت بسرعه ((خبر عاجل))
كان يمكن ان تكون كارثه اكبر ، فيحدث ان تقوم قوات الامن بمداهمه الحدائق والتحقيق مع كل اثنين يجلسان متجاورين.
في نوبه من النوبات العفه ،تم إلقاء القبض ذات مره في العاصمه على اربعين شابا وصبيه معظمهم جامعيين ،اودعو في السجن فيما مان الارهابيين يغادرونه بالمئات مستفيدين من قانون العفو
كان زمنا من الاسلم فيه ان تكون قاتلا على ان تكون عاشقا.
في تلك المره الوحيده التي جلسا فيها في حديقه عامه اصيبتبالذعر حين مربهما احد المختلين ،وهو يشاجر مع نفسه ،ويشتم المارين ويهددهم بحجاره في يده . ظاهرة شاعت بسبب فقدان البعض صوابهم ، وتشرد الالالف
عشريه الدم .. سنوات الارهاب العشر - وماحل بالناس من غبن واهوال.
مازالت تضحك لتعليق مصطفى يومها وهو يطمئنها :
-لا تخافي ،نحن هنا في عاصمه المجانين ..اذا دهمتنا الشرطه فسأتظاهر بالجنون وأضربك فينصرفون عنا.. انهم لايتدخلون الا اذا قبلتك!
لانها لم تميز يوما جده من مزاحه ردت محذرة:
-اياك ان تفعل ..أجنتت؟
أجاب مازحا :
-ما ادراك ..ربما ماكنت عاقلا !تدرين أن نسبه الجزائريين الذين يعانون من اظطربات نفسيه أو عقليه ، تتجاوز حسب آخر الاحصاءات 10% نحن نملك بدون منازع أكبر مؤسسه لإنتاج الجنون . من أنجازتنا ان عدد مجانينا بعد الاستقلال تجاوز شهدائنا أثناء الثوره
-معقول؟!


ايه والله .. الرقم من مصادر طبيه .مالذي يخرج المرء عن صوابه غير انه يرى لصوصافوق المحاسبه
ينهبون ولا يشبعون إنه قهر والظلم و(الحقره)ماأوصل الناس للجنون اذا فقد الجزائري كرامته فقد صوابه لانه ليس مبرمج جنيا مع الاهانه ،كيف تريدين ان أتزوج وانجب اولاد في عالم مختل كهذا ؟
كانت تلك المره الوحيده التي جاء بها على ذكر الزواج . صدقت انه لهذا السبب لن يطلب يدها.
غادرت سريرها حتى لا تترك غيوم الماضي تفسد مزاجها
بدأت صباحها بملعقه عسل دافئ .لابد الايكون لها شاغل الا صوتها .لسنوات كان هذا هاجس والدها الذي صان صوته بقدر ماحرس صمتها .
اول مالقنوه حمايه صوتها من نزلات البرد ،ومن التلوث ومن دخان السجاير .
وماذا عن الالم ووعكات القلب حين تغص بها الحنجره ، فيختنق صوتك رافضا النطق؟

يوم تسجيل البومها اعتذرت لمهندس الصوت ، مطالبه بإعادة تسجيل تلك الاغنيه مجددا .بعد المحاوله الثانيه نصحها ان تستسلم لاحسيسها كما لة كانت تغني لنفسها ، والا تقمع ايه مشاعر حتى لو كانت ترغب بالبكاء مستشهدا بقصه ((سيرج غانسبور))في الثمانينات حين قال لزوجته النجمه ((جين بيركين))فاجهشت بالبكاء جين وماكنت تدري وهي تنحب انه كان يسجل بكاءها
يأتون الحياه وهم يغنون صرختهم الاولى بدايه شجن يستمر مدى العمر.
فالحزن في جموحه يتحول في حناجرهم الى مواويل يعطيك انطباعا بلا مباله بهموم الحياه ،في الواقع هو يحول همه الاكبر الى غناء ،مالايغنيه ليس همه انه يهين كل مالايغنيه.

استتادت جأشها وعاودت الغناء ايا ها الاغنيه التي غنتها في اربعين ابيها .ماتوقعت يومها انها تغني قدرها
ماكانت تدري بقصه تلك الاغنيه ،لولا ان المؤرخين وثقوا تفااصيلها.
يحكى انه ذاع صيت جمال احدى الفلاحات حتى تجاوز حدود قريتها ،فتقدم لخطبتها احد الباشغات لكنها رفضته لانها كانت تحب ابن عمها .عندما علم الباشاغا بزواجها ،استشاط غضبا ولم يغفر لها ان فضلت راعي عليه
فدبر مكيده وقتل زوجها وكانت حاملا فانتظرها حتى وضعت وليدها واقضت عدتها وعاد مجددا وتقدم لطلب الزواج منها وكانت قد اطلقت اسم زوجها على مولودها فردت عليه ان كنت قد اخذت عياش الاول فإني نذرت حياتي لعياش الثاني فزداد حقدا وخيرها اما الزواج منه او يقتل طفلها. فاجابته انها مهما فعل لن تكون له
ذات يوم عادت من الحقل فلم تجد رضيعها ،وبعد ان اعيها البحث هرعت للمقبره ،فرات ترابا طريا لقبر صغير فادركت انه قبر ابنها ،وراحت تنوح عند القبر وتعدد بالشاويه بما يشبه الغناء آاااعياش ياممي ..
فاقبل الناس عند سماعها تنادي ياعياش
يابني يسالوني ما الخطب ،وما استطاعو العوده بها ، فلقد لزمت القبر الصغير وظلت تغني حتى لحقت بوليدها وزوجها
...
عاد للبيت بعد الانتهاء من عشاء عمل طويل كان متعب من العمل والسفر والاجتماعايات المتواصله حتى المساء
انتهت اعماله تقريبا لكنه يحتاج الى تمديد اقامته ليرتاح بعض الوقت في باريس .
هنا يطلع الكتب التي لا وقت له لقراءتها . يستمع لفيفالدي يبدا نهاره ب الفصول الاربعه وينهيه ب كليدر مان يحب ان يختم مساءه بمقطوعات من العزف على البيانو .
عندما اطلت في ذلك البرنامج ، مع الضيوف الثلاثه الذين شاركوها الاحتفاء بالحب ، بدت وكأن الحب اختارها ليحتفي بها شيء فيها تغير مذ طلتهاالاخيره قبل شهر

انها تبدو ابهى، لعله ثوبها الاسود الذي كانت ترتديه مع عقد طويل بفين من الؤلؤ، منحها اطلاله تتجاوز سقف ميزانيتها.

بدا الجو عى البلاتو احتفاليا: قلوب حمراء، وسائد حمراء، ورود حمراء، علب وهدايا بشرائط حمراء. هل احمل من الاسود لونا يعقد عليه الاحمر قرانه في عيد الحب؟

فكرة البرنامج كانت جمع اسماء غنت الحب او كتبته، وهي التي درسته لتلاميذها ضمن المقررات المدرسيه في النصوص الادبيه والشعريه، كان يجب ان تشارك بهذه الصفه لا غير.

هي لم تسمع بعيد الحي الا مذ اصبحت تقيم في الشام. في مروانه، كان الحب يقيم في بلاد اخرى، لهذا اعتادت ان تعايده، او تنتظر هداياه.

كان موجودا في اغاني ابيها لا في بيته. مسموحا به لغرباء.. لا لاهله.

في البيت، كان ثمة محبه اي حرفان زائدان عن الحب.

وبرغم ذلك، هي لا تصدق هذه القلوب الحمراء من الساتان المحشوه قطنا والتي تقول i love you ولا تثق في وفاء الدببه المتعانقه التي تقو بالانكليزيه "اشتاقك" او "انا مجنون بك". جميعها دليل عن الحب غذا كاذبا لفرط ثرثرته، مفقدا لفرص تواجده.
عادت وراجعت نفسها. لكانها لا تغفر للعشاق سعادتهم ولو كذبا. واين امشكل ان هم قالو "احبك" بلغه غير لغتهم. واين الخطر في ان تتوحد لغة العواطف ويسير العشاق خلف الالويه الحمراء للحب.
لا تريد ان يتحول الهدف من وجودها في البرنامج الى ادانة عولمة المشاعر، عيها ان تكف عن ان تكون مدرسه لغة عربيه؟
سالها مقدم البرنامج بفرحة صحافي وقع على سؤال يربك ضيفه:
- هل يمكن لمن ليس في حياته حب ان يغني الحب ؟
جاء جوابها هادئا:
- وحده فاقد الحب جدير بان يغنيه .. الفن العظيم كالحب الكبير، يتغذى من الحرمان.
بدت كما لو كاانت تتكلم بحياء عن الحب. هي تدري ان اهلها وتلاميذها ومصطفى وزوجته وكل مروانه والجزائر يتابعونها في هذه اللحضه، ولولا احساسها بذلك لربما قالت شيئا اخر. لكنها بدت صادقه في ما قالته على استحياء. الحياء نوع من انواع الاناقه المفقودة. شيء من البهاء الغامض الذي ماعاد يرى على وجوه الاناث.
وهي التي تنازل الارهابيين بملء حنجرتها، عندما تتحدث عن الحب تخفت طبقة صوتها حتى درجة البوح، وحينها تصبح شهية، وينكشف الاخرون وهم يستمعون اليها، تلك الحقيقه التي نسوها: بامكان امراه خجوله ان تكون مثيره.
تدخ اشاعر معلقا على قولها:
- لاحب يتغذى من الحرمان وحده، بل يتناوب الوص والبعاد، كما في التنفس. انها حركه شهيق وزفير، يحتاج اليهما الحب لتفرغ وتمتلئ رئتاه. كلوح رخامي يحمله عمودان ان قربتهما كثيرا اخت التوازن، وان بعدتهما كثيرا هوى اللوح.. انه فن المسافه.
هب الملحن اكبير متحججا:
- الحب تعتير .. لا شهيق ولا زفير. جيب مرا بتحبك لنفسك مو لجيبك .. وتنطرك مو تنظر لتبرم ظهرك، ع ايامنا الحب عمليه نصب عاطفي .. مرا بتتجمل لك تتغنج .. تتبرج .. لتوقعك، وبس تجن وتتزوجها ما تعود تعرفها. مافي حب، في صفقه حب .. يا زلمه بشرفك تعرف شي مرا بتقب تتجوز واحد معتر لانا بتحبو؟
بهت الجميع وموسيقار الحب يهاجم الحب بعيده ويتبرا منه.
كان قلبا مجروحا، ورجلا مخدوعا، حضر ليصفي حساباته مع الحب. انه ينتمي الى العناصر غير المنظبطه في خزب العشاق، يطلق النار كيفما اتفق على النساء. اثناء دفاعه عن الحب، لا ينتبه انه افرغ رشاشه فيه .. وارداه.
توجه مقدم البرنامج اليها سائلا:
- هل تعتقدين ان وسائل الاتصال التكنولوجيه الحديثه خدمت الحب؟
- ربما خدمت المحبين، لكنها لم تخدم الحب. كان الحب افضل حالا يوم كان الحمام ساعي بريد يحمل الرسائل العشاق. كم من الاشواق اغتالها الجوال وهو يقرب المسافات، نسى الناس تلك اللهفه التي كان الناس ينتظر بها ساعي البريد، واي حدث جلل ان يخط المرء بيده "احبك". اية سعادة وايه مجازفه ان يحتفظ المرء برسالة حب الى اخر العمر. اليوم "احبك" قابله للمحو بكبسة زر. هي لا تعيش الا دقيقه .. ولا تكلف الا فلسا.
لا رغبة لها ان تحكب كم يمكن لكلمة "احبك" ان تكون مكلفه، عندما تكتب على ورقه.
كذلك التلميذ الذي نقلت الصحافه اجزائرية قبل سنتين قصهته. كان المسكين قد اقترف جرم كتابة "احبك" على ورقه، ووضعها على طاولة زميلته له في الصف. وما ان وقع الاستاذ على الورقه، حتى الغى الدرس واعلن حاله الاستنفار بحثا عن صاحب الرساله. امام انكار الجميع ان يكونو من كتبوها، راح يلعب درو شارلوك هولمز ندققا في اربعين نسخة لكلمة احبك، طلب من التلاميذ كتابتها واحضارها الى مكتبه لمقارنتها.
انتهى التدقيق المجهري بعثوره على الجاني، الذي اصيب بحالة فزع بعد توبيخه وضربه في حضرة اترابه، اما المدير فقد رفع سقف العقاب حد استدعاء اهله لاخبارهم ان ابنهم مطرود من المردسه لسوء اخلاقه.
اثارت الحادثه يومها جدلا لدى زملائها. جلهم وافق الاستاذ في ادارته قضيه "الجرم" الذي ارتكبه تلميذ لم يبلغ سن الرشد العاطفي. ارادوه في الثانيه عشرة من العمر، عبرة لباقي التلاميذ منعا لعدوى الانفلات الاخلاقي.
وحده مصطفى كان من راييها.
قال باسي:
- سيكون صعبا على هذا الفتى او اترابه ان يكتبو بعد اليوم هذه الكلمه .. او ان يقولوها في حياتهم لاحد.
بعد ايام، حين نقلت الصحافه اخبار مذبحة من طلحة التي نحر فيها الارهابيون 500 قروي، علق مصطفى بحزن:
- من صف ذلك الاستاذ سيتخرج فوج القتله القادمون. ان اليد التي تعاقب لانها كتبت كلمة "احبك" انما هي يد اعدت لاطلاق الرصاص.
لاحقا قال لها مصطفى بجديه كاذبه:
- اني افكر بالهجره الى امريكا.
سالته مندهشه:
- امريكا .. لماذا امريكا؟
- لانه، في استطلاع اخير، جاء ان الامريكي هو اكبر مستهلك لكمة "احبك". تصوري انه يلفضها بمعدل ثلاث مرات في اليوم، كانه يتناولها مع وجباته الثلاث. اريد ان اهاجر كي اسمعها ولو مرة واحدة في حياتي. هنا قد يموت المرء ولايسمعها حتى من امه برغم ان كل شيء يشي بحبها له. لكنها عندما تنطق تقول عكس ذلك.
واصل بنبرة مازحه:
- بامكانك ان تجعليني اعدل عن الهجرة، يكفي ان تقولي انكي تحبينني.
ضحكت لابتزازه العاطفي، لكنها طبعا لم تقلها.
لو قالتها لربما كانت الان في معسكرات الاعتقال العاطفي.
وبدل ان ترزق بالبوم، لكانت هناك تخدم امه وتربي اولاده.
هل نحبه حقا؟
هي نفسها لا تدري. معظم الذين يعتقدون انهم يعيشون قصة حب، هم في الواقع يعيشون وهم الحب.
ترك لها مقدم البرنامج قول كلمة الختام، بعد ان شغلتها افكارها عن المشاركة في نقاش احتد بين انصار عيد الحب ومهاجميه. فقال:
- يوم كان العشاق يموتون عشقا، ما كان لحب من عيد. اليوم اوجد التجار عيدا لتسويق الاوهام العاطفيه، غير معنيين بانهم بابتداع عيد للحب يذكرون غير العشاق بخسارتهم، ويقاصصونهم بفرح الاخرين. انه في الواقع اكثر الاعياد تجنيا.
علق مقدم البرنامج بدعايه تستدرجها لاعتراف ما:
- لكانه كلام امراة لن تحتفل اليوم بالعيد.
ردت بالمزاح نفسه:
- الاعياد دواره .. عيد لك وعيد عليك. ان الذين يحتفلون اليوم بالحب، قد ياتي العيد القادم وقد افترقو. والذين يبكون اليوم لوعه وحدتهم، قد يكونون اطفال الحب المدللين في الاعياد القادمة. علينا في الحالتين ان نسعد لللاحتمال الاخر.
انتهى البرنامج، ووقف الضيوف يواصلون نقاشاتهم محملين بما تلقو من باقات ورد. كلام الحب لا ينتهي. لكنها كانت على عجل، تهم بمغادرة الاستديو هربا من اسئلة ايقظت مواجعها، حين امدها مقدم البرنامج بباقة ورد قال مرسلها طلب الا تقدم اليها على الهواء. امسكت بها باندهاش، فلقد استوقفت تلك الباقه نظرها بغرابه تنسيقها، حين راتها في زاويه الهدايا، من الواضح ان صاحبها اراد فريدها فريدة ومبهرة برفض معلن لطفرة اللون الاحمر في عيد الحب. لا تضم سوى ازهار توليب في غرابة لون مشع بامواج ضوئيه تتراوح بين البنفسجي والاسود. مصطفه بحيت تبدو منتصبه كالعساكر، على القدر نفسه من التفتح الخجول الاول، مترجة في ثلاث صفوف يلف خصرها شريط عريض من الساتان الاحمر الفاخر.
فتح بلهفة الفضو الظرف الصغير المرفق بها، لم يكن على البطاقه سوى ثلاث كلمات "الاسود يليق بك". جمدت مكانها مذهوله. كان في الجو شيء شبيه باعلان حب. كاشعار باقتراب زوبعه عشقيه. شيء لا اسم له كصاحب البطاقه، لكنه يحدث فيها دوارا جملا لم تعهده. لا تدري ما الذي يحدث لها. موسيقى شبيهه بفالس تراقص روحها، انطلقت من مكان ما داخلها، وراحت تدور بها وتفقدها القدرة على التفكير المنطقي.
نزلت من السياره وكانها راقصة باليه تنتعل خفين من الساتان، تمشي على رؤوس الاحلام التي اصبحت لها اقدام.
لو ان صحافيا اعاد عليها الان الاسئلة نفسها، قالت شيئا اخر مخالفا لما قالته قبل ساعه. ثلاث كلمات على بطاقة لا تحمل توقيعا اوقعت بقناعتها العاطفيه.
اللحظه، هي تفضل وهم الحب على الللاحب. ولا باس ان تنضم الى كتائب العشاق المغفلين الذين فتك بهم هذا الوهم. تريد تتناول من جرعات هذا الدواء ما يقتلها حقا .. او يحييها.
في الفندق، وضعت باقة الورد على الطاولة المستديره، بحيث تراها اينما تواجدت. حاولت ان تخفف من تسارع احلامها، ورهان قلبها على بطاقة لا تحمل سوى ثلاث كلمات "الاسود يليق بك".
ما تشعر به لا علاقة له بسلة الورد. ايا كانت الكلمات والالوان، كانت جاهزة للتعثر باول حب تضعه الحياة اوم بالذات في طريقها. لكان الامر عدوى لا نجاة منها.
تاملت بامتنان تلك الورد الغريبة اللون. لولاها لاغتالها اللون الاحمر، كما تجني اليوم على الملايين ممن لا حب في حياتهم.



ااروايه حيييل تحفه ورومنسيه
محدا ينكر
اتحفوني بلايكاتكم ترى المشاركه مبنيه على اقبالكم


حب4حب4




__________________

التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 09-30-2015 الساعة 12:44 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-22-2015, 05:33 PM
>>
 
خلاص كدا يعني كدا خلصت صح
Baka- likes this.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 09-29-2015, 09:06 PM
 




" إليكم الفصل الثاني "



تراك استمتعت الى حكايه الناي وانين اغترابه، انه يشكو الم الفراق، يقول:
" انني مذ قطعت من منبت الغاب لم ينطفي بي هذا النواح، لذا ترى الناس رجالا ونساء يبكون لبكائي. لكل انسان اقام بعيدا عن اصله، يضل يبحث عن زمان وصله، ان صوت الناي نار لا هواء، فلا كان من لم تضطرم في قلبه هذه النار"
مولانا جلال الدين الرومي
كان يحب الجاذبيه الآسره للبدايات، شرارة النظرة الاولى، شهقة الانخطاف الاول.
كان يحب الوقوع في الحب.
ماكان مولعا بصيد النساء، انما برشف رحيق الحياة، وبذلك الفضول الجارف الذي يسبق الحب.
حدث اكثر من مره بعد ذلك ، ان عاود مشاهدة تلك المقابه، التي يحتفظ بها في مكتبه، عله يفك شيفرة تلك الفتاة، او سر تعلقه بها.
ليس جماها ما ياسره، هي ليست جميلة حد فقدان رجل مثله صوابه. ولا هي انيقة اناقة يمكن ان تنازل بها النساء من حوله. لعلها ما كانت لتستوقف نظره لو صادفها. لكن كلماتها صادفت اذنه، واوقعته في فتنة انوثة ما خبر من قبل بهاء عنفوانها.
افرغ غليونه وراح يحشوه بتان، كمان يفعل عادة عندما تاخذه افكاره.
هو لا يفكر اثناء التدخين، بل اثناء اعداد غليونه وحشوه. هكذا يعد لمشاريعه ولصفقاته. وهكذا يدير معركه قبل ان يخوضها، لاعتقاده ان الاستعداد لفوز اولى متع الفائز.
ان تنتظر امراة بالذات، خارج الزمن وخارج الحسابات، ان تنتظرها كما لو ان لا امراه سواها على الارض يا للجهاد .. يا للنصر العظيم حين تفوز بها.
ثلاث اشهر وهو يتقدم نحوها كما على رقعة شطرنج. نصلها باقات وروده في اي مسرح تغني عليه، واي برنامج تطل فيه. كقناص يعرف كل شيء عن طريدته، كان ملما باخبارها، بينما لا تعرف هي شيئا عنه.
يعنيه فضولها، ترقبها، حيرتها. يود ان يدخ حياتها علامة استفهام جميله، تغدو مع الوقت علامة تعجب .. فعلامة اعجاب . هكذا تكتب قصص الحب الكبيرة كل ما تاتي على عجل يمضي سريعا، وكل ما نكتسبه بسرعه تخسره بسهوله. وهو بلغ من الحكمة عمرا، اصبحت فيه متعة الطريق تفوق متعة الوصول، وانتضار الاشياء اكثر شهوة من زهو امتلاكها.
كتب لها على البطاقة الثانيه " املك كل الوقت"
وعلى الثالثة "احتفي بورود الانتضار"
لعلها ادركت ان عليها ان تنتظر اكثر، قبل ان تعرف من يقف وراء تلك الباقة نفسها، بكلمات مختلفة كل مرة. كلمات مواربه البوح تحفظ له مسافة ان يضل المشتهي.
الحب هو ذكاء المسافه. لا تقترب كثيرا فتلغي اللهفه، ولا تبتعد طويلا فتنسى. الا تضع حطبك دفعة واحدة في موقد من تحب. ان تبقيه مشتعلا بتحريك الحطب ليس اكثر، دون ان يلمح الاخر يدك المحركه المشاعره ومسار قدره. اوه .. كم يتقن لعبة نقل النار بين الحطب، وانقاذ الشعله في اللحضة الاخيره قبل ان ينطفئ الجمر بقليل.
ثلاث رسائل كافية لاشعال فتيلها. سيترك لها رقم هاتفه مع الباقة القادمة، لكنه حتما لن يترك اسمه. سيطيل الغموض ما استطاع ليشعل شغفها بما لا تعرف عنه. الغموض مصمم ازياء انتقائي، لا يضع توقيعه الا عى تفاصيل الكبار.
لم يتجاوز كلماته لها الثلاثه في كل بطاقه. كلامه اغلى من ان يملأ بطاقات ترسل في المناسبات، وهي لا تعرف هذا بعد، ولا ان اللغة هي بعض ما اوقعه في شراكها. معها يتوقع جولات لغويه على علو شاهق. هذه المتعة بالذات هي التي يفتقدها مع سواها، يريد شريكا لجولة كرة طاولة، تتطاير فيها الجمل فيهب لالتقاطها والرد عليها. النساء من حوله لا جولات لهن خارج السرير.
غادر البيت مشيا نحو غابة بولونيا. اعتاد ان يمشي طويلا في نهاية اليوم اثناء مواصلته سيره في افكاره، تارة نحو الذكريات .. واخرى صوب المستقبل.
هو دائما على اهبة مشروع، او خارج لتوه من ذكرى. يمارس رياضة المشي السريع في زمن مفتوح بين طفولته العادية في بيروت ونجاحاته الخارقة في كبرى عواصم اعالم.
انجازه الاكبر ماكان في بلوغه تلك المكاسب، بل في الطريق التي سلكها لبلوغها.
كان مولعا بالاقدار الكبيره. تبهره السير الذاتيه اردالات صنعو اقدراهم. وكان صانعا ماهرا للاحلام الخرافيه. يكفي ان يحلم لتصادق الحياة على احلامه. قد يبدو في لحضات نادرة متواضعا لكن احلامه لا تعرف التواضع. يمشي .. واثناء ذلك يحلم. يتامل الاشجار المتعانقه عى طريقه باشكالها المختلفه، والبط متزلجا باناقة على الضفاف الهادئة لبحيرة بولونيا.
كثيرا ما تمنى لو كان شاعرا او كاتبا ليصف انبهاره بهذا المكان الذي يتردد عليه منذ اكثر من عشر سنين. لا يدري ان كانت تنقصه الموهبه او الشجاعه ليصبح كاتبا، فهو ليس خريج الجامعات بل خريج الحياه. لذا لم ياخذ الشهادات يوما ماخذ الجد.
ماعاد الامر ليزعجه. حلت عقدته مذ تفوق بحكمته وذكائه على طاقم المستشارين والمساعدين العاملين في شركاته. حدث اكثر من مرة ان انقذ اعماله من الافلاس بمهاراته لا بشهاداتهم.
ما يحسد البعض عليه حقا هو الثقافة. لذا، كان ينهل منها بشغف وفضول معرفي، ذاهبا مع العمر نحو ارقاها واعمقها، بعدما لم يعد يعنيه ابهار احد .. بل امتاع نفسه.
انقضت ثلاث اسابيع قبل ان تاتي اول مناسبه. حفل علم انها ستشارك فيه مع مجموعه من المطربين في سورية. هذه المره سيلقي لموقدها بما سيشعلها من حطب لايام، لكنه لم=ن يستعمل سوى عمود ثقاب واحد.
كتب على بطاقة ارقام هاتفه فحسب، ووضعها في الظرف الصغير المرفق بالباقه نفسها التي اعتاد ان يرسلها اليها. طلب ارسال الباقه مع سائق الى الشام. كان عليه ان يقصد بنفسه بائع الورود، وان يتابع كل التفاصيل. لو كان في باريس لكلف سكرتيرته الفرنسيه بذلك، في بيروت لا يمكن ان ياتمن احدا على سر. هذه مدينة كل واحد فيها يدير وكالة انباء.
ثلاث ساعات وتصلها البطاقه، تماما بتوقيت ختام الحفل. انها الساعات الاكثر توترا وجمالا في اية قصة حب. تلك التي تسبق الاعلان ببدء حالة الجنون العشقي. هذه المرة رفع سقف فضولها العاطفي بثمانية ارقام ليست مرفقة باسم. كان لا يتوقف عن استراق النظر الى ساعته. ابتداءا من الساعه العاشرة، يمكن للهاتف في اية لحضة ان يدق .. وتكون هي على الخط. ففي كل امرأة قطة يقتلها الفضول.
اطال البقاء في المكتب، حتى لا يفاجئه الهاتف وهو مع زوجته.
ثم عند منتصف الليل قرر العودة الى البيت، لكنه وضع هاتفه على الصامت كي ياخذ علما باتصالها. تفقد هاتفه قبل الخلود الى النوم، دون جدوى. توقع ان يشهق قلبها حين ترى رقمه، فتسارع الى طلبه. لكنها لم تفعل ولم يجد عذرا لعدم اتصالها، فقد تاكد من وصول السائق.
شعر انها هزمته حتى قبل بدء الجولة. كان نومه مضطربا، نام عاريا من صوتها.
* * *
انها الحياة تتحين فرصة ادهاشك.
لكان هذا الرجل قرينها، ايكون جنا كي يعرف عنوان كل مكان تظهر فيه .. اولعله مجنون؟ لكن لغة ارقى كم ان تشي بذلك.
احاسيس جارفة ومتناقضة انتابتها ، وهي ترى رقمه المكتوب، دون اية كمة مرفقة به.
ترددت في طلبه مساءا. لا يليق بفتاة ان تتصل ليلا برجل غريب. لكنها كانت على عجل ان ياتي الصباح. قلبها يرى في ارقام هاتفه اشارة مشفرة للحب يستعجل فكها. قلبها يخفق، قلبها احمق يقول "قومي اطلبيه" وعقلها احمق اخر يردد " عيب .. انتظري غدا ".
قاومت الارق، ثم صباحا، قاومت لهفتها وفضولها، في انتضار الساعه التاسعة. الوقت الذي بدا لها مناسبا للاتصال.
كان رقمها من لبنان، ولا فرق في التوقيت اذا. طلبته دون ان تدري كم بامكان رقم هاتفي ان يعبث باقدارنا.
ارتجف صوتها كما يوم جربته لاول مرة قبل ان تغني:
- الو ..
رد صوت رجل على الطرف الاخر:
- اهلا.
ساد بينهما للحضات صمت البدايات. قال فاتحا باب الكلام:
- سعيد بالتحدث اليك ..
وجد نفسه يواصل:
- كنت استعجل هذه الحضه.
ردت بنبرة لا تخلو من الدعابة في اشارة اى بطاقات سابقة:
- ظننتك تملك كل الوقت.
- ان املك الوقت لا يعني اني املك الصبر..
علقت بالدعابه نفسها:
- اما انا فطوعتني الحياة .. لا اكثر صبرا من الاسود.
اسقط بيده. ما اعتقد ان الجولة معها ستبدا من هذا العلو الشاهق. اما هي فما ظنت انها ستخفي ارتباكها بالمزاح. ليس هذا ما تمنت ان تقوله.
قالت مستدركة
- شكرا عى الورد .. استعدتني التفاتتك كثيرا.
اجاب:
- مذ اول برنامج شاهدتك فيه وانا اود ان ابدي لك اعجابي.
سالته:
- اي برنامج تعني ؟ تبد متابعا جيدا للبرامج التلفزيونية.
في ظروف اخرى كان سيكون له رد فعل اخر، كنه وجد لها عذرا. هي لا تعرف من يكون، تم لقد وصلتها منه ورود في اكثر من ظهور تلفزيوني، وربما اعتقدت ان لا شغل له سوى الجلوس امام التلفزيون.
رد:
- كنت اقصد المقابلة التي اجريتها في نهاية ديسمبر .. احببت حديثك.
علقت ممازحة:
- ظننتك احببت حدادي حين كتبت لي "الاسود يليق بك".
- ربما كان علي ان اقول انك تليقين به .. الاسود يا سيدتي يختار سادته.
لم تجد ما ترد به. هكذا هم المشارقة، لا يمكن لاحد ان يجاريهم في انتقاء كلماتهم عند الحديث مع امرأة. ماكان من الاسق ان تساله عن جنسيته. طرحت سؤالها بصيغة اخرى:
- هل تقيم في بيروت؟
- نعم.
- انت محظوظ .. احب بيروت كثيرا.
رد:
- وبيروت تحبك .. لقد خصص لك اعلامها استقبالا جميلا.
- صحيح .. انا مدينة لها بانطلاقتي.
علق:
- لعلك يوما تكونين مدينة لها بلقائي.
تركت كلماته بينهما شيئا من الصمت. شعر ان عليه الا يطيل المكالمة الاولى. قال منهيا الاتصال:
- رقمي معك .. يسعدني سماعك.
باغتها، لم يترك لها فرصة ان تضيف شيئا. غادرها في عز فضولها.
اغلق الجولة على جملة " يسعدني سماعك".
احتفظ لنفسه بما تمنى لو قاله لها " اتعبتني قبل ان اسمع بك.. وساتعب لانني لا اريد ان اسمع سواك".
بقي على جوع اليها. لكنه ابقاها ضمأى. في هذه المرحلة يحتاج الحب الى ان يقتات من تعطشها لمعرفة المزيد عنه، والا انطفأ زهج اشعله بينهما، هذا اقصى حد عرفه للصبر النسائي .. الا اذا زايدت عليه مكابرة، وصدق قولها الا اطول صبرا من الاسود.
بعد انقضاء ثلاثة ايام دون ان ياتيه اتصال منها، بدأ يشك في نظرياته. في جميع الحالات، هو لن يطلبها، خاصة انها اتصلت به من رقم ارضي قد لا يكون رقمها الخاص.
على الرغم من انشغاله الدائم، ماكان يفارقه هاجس انتضار مكالمتها. في اليوم الخامس، بدأ يساوره الخوف ان تتوقف قصته معها هنا. انها فتاة عنيدة وعصبية، قد لا ترى مبررا لمعاودة الاتصال به، وعندها، لم يكون من الائق ان يواصل ارسال الورود ايها. يخشى ان تكون اعتبرته مجرد معجب لا يستحق اكثر من مكاملة واحدة.
بدأ يخطط لمواجهة الموقف الجديد عندما فاجاه هاتفها في صباح اليوم السادس.
- اهلا، صباح الخير.
بمكر رجولة طاعنه في ترويض النساء، لم يبد لها سعادته العارمة بسماعها، ولا سألها لماذا تاخرت الى اذا اليوم. من المفروض انه "يملك كل الوقت". هذه المره استعمل معها اللامبالاة، انه سلاح يفتك دايما بغرور المراة، محولا نحوها اسئلة الشك. تبادل معها كلمات مجاملة، سألها عن اخبارها، لكنه لم يمنحها الوقت لتسأله عن اسمه. اعطاها الاحساس انه في اجتماع. ثم ودعها قائلا "اسعدني سماعك". تعبير ملتبس يقال عن الحب .. كما عن محبه.
استعاد عافيته وزهوه وهو يضع السماعة.
لقد خطا حطوة الى الوراء في هذه المكالمة، كما ليقاصصها دون ان تدري لماذا، واثقا انها الخطوة التي ستقفز بقصتهما خطوات الى الامام .. انه يراقصها التانغو.
طالما آمن بان الانوثة ايقاع.
هذه المرأة تراقص روحه. كلامها مزيج من الاغراء والعنف والانفة. انها سيدة التانغو. حتى الاسود الذي ترتديه خلق لهذه الرقصة: رقصة الثأر.
ماكان لهذه التفاصيل ان تفوت رجلا اغترب نصف قرن في امريكا الللاتينية، وما زال في سرة يطلق على كل امرأة اسم رقصة او مقطوعة موسيقية.
* * *
كل الفرسان من حولها يمتطون جياد خشبية. هذا ما اكتشفته متأخرة. لكن قلبها يقول ان هذا الرجل لا يشبههم. ربما لم يكن افضل منهم، هي لا تدري بعد. ما تدريه انه يختلف عنهم. انه لا يشبه احد.
يختار ورودا غريبة اللون، لا تشبه وردا رأتها من قبل، مرفقة بكلمات ما قالها احد قبله.
غموضه، ايجازه، طريقته المبتكره في مطاردتها، في مقاربتها ما عفدتها في رجل.
برغم ذلك هي تحافظ على مسافة الامان. على لهفتها اليه تبطئ السير نحوه، فما اسرعت الخطى نحو رجل الا وخانها رهانها.
حدث وحاولت ان تطبق في الحياة احدى الطرق الحديثة في التعليم، التي تنصح بها مدارس علم النفس المعاصر، فتمنح التلاميذ مند بدء العام الدراسي نقاطا عالية، كي تحفزهم على الحفاظ على تلك العلامات، بد ان تعطيهم العلامة التي يستحقونها، فتفقد حماستهم للتحسن.
اي حماقة ان تضعي اعلى علامة لرجل قبل امتحانه، مراهنة انك بتجميل عيوبه، ستكسبين رهان تحويله الى فارس زمانه.
لن تقع في هذا الخطأ مجددا. على هذا الرجل ان يشقى لينال علاماته.
كانت تفكر بمنطق المعلمة، وكان القدر يقع على قفاه من الضحك، وهو يسترق السمع اليها. هي لا تدري بعد، ان هذا الرجل جاء ليعيدها الى مقاعد الدراسة.
بعد مكالمتين، فازت بمعرفة اسمه الصغير، لكنها اعتبرت فوزها كبيرا.
قبله، كان هاتفها جهازا، بمجيئه اصبح رجلا، وكان رقما فغدا اسما. اسم هاتفها "طلال". اسم سري، وحدها تعرف به.
طلال اسم رجل يقيم في سماعتها، لكن كلماته تنتشر في حياتها مع الهواء.
رجل لا تعرفه الا قليل .. ويعرفها كثيرا. ادخلها في حالة دوار عشقي يصعب الخروج منها. اسكنها في مساحة وسطية بين باقتين وهاتفين، على حافة حرائق الانتضار.
مكالمة بعد اخرى، كان يراخا تزداد تعلقا بما ترك لها من اضاءات وسط اسرار عتمة، وها هي ذي تترقب صوته، تلومه على انقطاعه، تحتفي بعودته، تلاحق هواتفه مدا وجزرا.
اصبح لها عليه حق الحب، وه واجب العاشق في الاطمئنان عليها، والاطلاع على برنامجها اليومي، من دون ان يبادر احدهما بقول كلمة حب للاخر .
استسلم لعادة سماعها يوميا. كان يهاتفها بين المطارات والاجتماعات، او بين المكتب والبيت، اثناء وجوده في السيارة.
كانت تتفتح كزئبقة مائية ظهرت فجأة في بركة المياه الانسه لحياته. وحين عرضت عليه ان ان يلتقيا، قرر ان يضعها امام امتحان شيطاني قبل ان يسلمها قلبه.
ذلك انه كان دائم الشك في كل من يدخل حياته المهنية او العاطفيه. حذر بحكم ثرائه، لاعتقاده ان اصحاب جيبه، يفوقون عدد اصدقائه، وان السحر اساطع للمال، كثيرا ما غطى عى سحره الشخصي.
لعلها فرصة ان يختبر في امرأة لا تعرفه، حضوره العاري من ابهة الجاه، فبريق الثراء حوله الى بؤرة اشعاع يجذب ضوؤها الناس اليه، فيبدو حيت حل جميلا بما يملك .. لا بما هو.
حين اخبرته انها ستقيم حفلا في باريس، عرض عليها ان يلتقيا هناك، متذرعا بكونها مشهورة في بيروت، ولن يكون سهلا ان يلتقيا في مدينة عربية. مدعيا ان سفرها يوافق تواجده في اوربا.
وجدت في عرضه حرصا منه على صيتها، واكبرت فيه ذلك. بدأت تحلم بلحضة لقائها بها، فهي لم تزر باريس لا مرة واحدة مع والدها واخيها قبل سنوات، يوم كان احد اعمامها يقيم هناك. ربما اشفق الله عليها من عودتها الى باريس لتواجه وحدها وجع ذكراهما، فواساها بان بعث لها بهذا الحب.
لم تلتق من قبل مع رجل في مدينة تتنفس الحرية، ولا كانت يوما حره. لعلها فرصتها لكسر قيودها، واكتشاف العالم. عادت وصححت نفسها: اكتشاف العالم لا الانكشاف به، فكل ما تتمناه هو جلسة جميلة مع هذا الرجل، الذي لون حياتها بالورود، والكلمات التي لا تدري من اين يقطفها لها، كل مرة.
قضت يومها كله تجوب المحلات مع نجلاء، بحثا عن ثياب انيقة، تليق باقامتها بباريس وبذلك اللقاء. قالت نجلاء متذمرة في اخر المطاف:
- الناس يقصدون باريس للتسوق وانت تتسوقين قبل الذهاب الى هناك .. هلكتيني يا اختي مافي شي عاجبك.
اجابتها مازحة:
- ما ادراك .. ربما لن يترك لي الحب في باريس من الوقت
لا تريد اخبارها انها ستتقاضى مباغت رمزيا، نظرا الى كون الجالية الجزائرية هي التي تنظم الحفل. في الواقع، دون ان تعي ذلك، تابى ان تنفق على شراء ثوب، مبلغا يتجاوز ماكانت تتقاضاه في شهر يوم كانت مدرسة. مازال مبلغ 170 دولار يشكل بالنسبه اليها حاجزا نفسيا عليها ان تتخطاه.
ماكان لها من شاغل سوى توضيب حقائب الحلم، وحين غدت احلامها جاهزة للاقلاع، وجاء وقت التفاصيل الصغيرة، هاتفها سائلا:
- اية ساعة تصل طائرتك؟
قالت:
- الساعة السادسة يتوقيت باريس.
- على اي مطار؟
- مطار شارل ديغول.
- حسنا .. ثمة رحلات من لندن كل ساعة تقريبا. ساغادر لندن بحيث اصل قبلك وانتظرك هناك عند مخرج الركاب القادمين.
ردت:
- في جميع الحالات لن نضيع بعضنا البعض فأنت تعرفني اليس كذالك؟
واصلت ممازحة:
- او احمل باقة الورد تلك كي استدل اليك
رد بنبرة جادة:
- ان لم يدلك قلبك علي فلن تريني ابدا .. وهذه القصة لا تستحق ان تعاش.
فاجأها بمنطق التحدي العاطفي الظالم لامرأة لم تره من قبل، ولا تعرف في نهاية شيئا عنه.
ما توقعت الى اي حد كان جادا. قررت ان ترفع التحدي
قالت وهي تنهي المكالمة ضاحكة:
- فليكن .. موعدنا في مطار شارل ديغول
لم تكن تدري اي فخ نصب لها فقد اوهمها انه يكلمها من لندن. كيف لها ان تتوقع وهو يطلبها من رقم فرنسي، انه في الواقع لم يغادر وانه يحدثها من .. بيروت.
هو يعرف الان عن تفاصيل رحلتها ما يكفي ليأخذ الطائرة نفسها، ويسافر معها في مقصورة الدرجة الالى. فهي التي اخبرته سابقا انها ستسافر من بيروت، لعدم وجود رحلات في ذلك التاريخ من الشام، وانه لولا سفرها على الدرجة الاولى لما وجدت مكانا في تلك الطائرة، معلقة:
- معقول؟ ثلاث طائرات يوميا الى باريس ولا تضمن وجود مكان فيها
رد
- طبعا. انه موسم الاعياد.
* * *
اقسلى الذكريات واطرفها، تلك التي عاشها يومها وهو جالس لمدة اربع ساعات على بعد خطوات من انشغالها عنه .. بالرجل الذي كانت تتهيأ للقائه.
كانت على قرب مقعدين منه، لكن ابعد من يوم شاهدها على التلفزيون. انها ابهى من الشاشه، لكنها ليست طويلة كما كانت تبدو، وهذه اول مرة يراها داخل معطف اسود. معطف انيق دون برهجة، بحزان مربوط على جنب، يزينه شعرها المنسدل على كتفيها. ناولت المضيفة معطفها، فبدا له جسدها لاول مرة عن قرب. هو الان على مرمى يده، وملء نظره. كان يمكن ان يقف ويسلم عليها، ان يرفع خصلة الشعر من على جبينها ويقول "مرحبا هالة .. هذا انا". غير انه احب دور الرجل الذي لا تراه .. ولا يرى سواها.
تاملها وهي تطالع الصحف، وهي لا تاكل الا قليلا مما قدر لها من مأكولات. كأنها ولدت اميرة. لا اشهى من امرأة تجلس في الدرجة الاولى، وتترفع عن الانهماك في الاكل. الناس يفعلون ذلك عادة لقتل الوقت، ولابعاد التفكير وهم في الجو في احتمال الموت، لذلك تتنافس شركات الطيران لفتح شهيتنا على كل المباهج، كي ننسى اننا مجرد ريشة في الهواء الا اذا كانت المباهج التي تنتظرنا عند الوصول اشهى مما يعرض علينا، عندها فقط نزهد في كل شيء بانتظار لحظة الهبوط. تمام كما يحدث لها الان.
انه استخفاف المكان بالزمان. هي تيتعجل الوصل بعد اربع ساعات الى رجل يجلس بمحاذاتها ولا تراه.
اضحكه فشلها في معرفة طريقة استعمال سماعات الموسيقى او طريقة تغيير الشاشة المقابلة لها، والتي كانت مثبتة على بث مسار الطائرة والوقت المتبقي للوصول. من الواضح انها لم تسافر كثيرا.
كان بامكانه، تماديا في عبثية الموقف، ان يتطوع لمساعدتها. لكنه قرر الا يفعل حتى لا يفسد للمكان خديعته.
قبل الوصول بقليل، وقفت "النجمة" واخذت من حقيبتها محفظة صغيرة وقصدت احمام. حتما ذهبت لتتفقد زينتها، فقد عادت باشراقة واضحة، جددت حمرتها وسرحت شعرها على جنب.
القت وميض ابتسامتها على الركاب، كتلك التي تركي بها "النجوم" على العامة من باب المجاملة. لم يلتقط الابتسامة، تركها تسقط ارضا. مات فرحه وهو يراها تستعجل النرول للقاء رجل سواه.
عندما حطت الطائرة، نركها تسبقه الى مغادرتها. وجد نفسه خلفها ببضعة ركاب لكنه انهى اجراءاته قبلها لحيازته جواز سفر اجنبيا وسفره دون امتعة عدا حقيبة يد، ما اتاح له الخروج وانتظارها مع جموع المستقبلين.
زحام وازدحام .. واحلام تتهشم بين الاقدام. امواج من البشر القادمين والمغادرين، وهو المغادر من قبل ان يصل، لكنأنه جاء ليغادر.
راح يتابع حيرتها امام وجوه الرجال وهيئاتهم. تأملها من بعيد وقد استوقف نظرها رجل تمنت لو كان هو. بادلها الرجل النظرات عندما رأها تحدق فيه. لكن قبل ان تتوجه نحوه، قادها حدسها اى خيار خاطئ اخر .. بالمعايير الجمالية ذاتها.
اذا هكذا تمنته ان يكون، او هكذا توقعته .. عربي اربعيني .. وسيم يسحب حقيبة جلدية سوداء خفيفة. او مثل الاخر يسافر بدون امتعة، سوى بذلة يحملها بيده في غلاف جلدي .. وبيده الاخرى يجر حقيبة رجل اعمال.
على نصف خطوة منه كانت .. دون ان تبلغه.
لم يحاول ان يقف في حيز نظرها، عساه يساعدها على اجتياز الامتحان في الحظة الاخيرة.
لعبة خطيرة تلك التي اختارها لامتحانها. هي هنا امامه، هل الاهم الامساك بها .. ام التمسك بقراره؟
حدسه كان يقينه، هي لن تتعرف اليه. ماكان لها اصلا من عيون الا لغيره من الرجال. قرر ان ينسحب امام اول خطأ، فهو لا يتقبل الهزيمة، ولا يرضى ان يذل ولو امام نفسه.
في الواقع كان بامكانه ان ينصرف حال نزوله من الطائرة، فالامور قد حسمت قبل الوصول. لكن ما اراد ان يعرفه، هو كيف تمنته ان يكون. اراد ان يرى المسافة الحقيقيه بينه وبين احلامها. بينه وبين ما يعريه منه المال .. عندما تساويه الفرص بباقي الرجال.
ماكاد بهو المطار يفرغ في انتضار وصول الرحلة القادمة، حتى رأها تغادر المطار خائبة. عند الحد الفاصل بين فرصة وضياعها .. ضاع منها.
طلب سائقه على الهاتف لمحها من زجاج سيارته تنتظر دورها امام حطة التاكسي. نركها للمطر. ابتسم بمكر. قرر لحظتها ان يثأر لذلك الخذلان العاطفي بموعد لن ترى فيه سواه.
في الصباح لما اسيقظ ، لم ينس ان يهاتف معهد العالم العربي، منحلا شخصية صحفي، سائلا عن عنوان اقامتها.
سيواصل مفاجأتها. لكن باشعارها بعد الآن انها خسرته.
ما توقعت كمينا محكما كهذا. كيف لها ان تتعرف اليه في مطار؟
الم يجد مكانا اقلا ازدحاما ؟
انها لعبة غير مزيهة، مادام وحده احد الطرفين يعرف الاخر. ثم .. اما كان يمكن ان يكسر قواعد اللعبة في اللحضة الاخيرة معلنا انه هزمها؟ اي انتصار هذا الذي يخسر فيه موعذا انتظره طويلا.
عليها الان بعد الترقب المبهج، ان تتاقلم مع الغياب الموجع.
كانت تحتاج اليه من اجل كل الافراح التي منت بها نفسها، والمباهج التي خالت القدر سيهديها اليها اخيرا. وايضا لمواجهة انكسارات الروح، في مدينة زارتها قبل خمس سنوات سعيدة، وتعود اليها وحيدة. حمدت الله ان يكون عمها الذي استقبلهم هي ووالدها وعلاء في بيته قد ترك باريس وعاد بعد تقاعده للعيش في الجزائر.
لو كان بباريس، لكان افسد حفلها بوعيده، كما في الجزائر متهما اياها بتدنيس شرف العائلة، لكونها "لم تجد رجلا يتحكم فيها". كأنما الموت غنيمة حرية، سعدت بالفوز بها حين فقدت اغلى الناس اليها.
لو كان اكثر حنوا وتفهما ، لربما بقيت في الجزائر .. لكن، كثيرا عليها ان تخوض معارك حتى ضد اهلها.
في الثمانينات، قصد والدها حلب دراسة الموسقى، فعاد منها بعد سنتين وكأنه تخرج من مدرسة الحياة. بينما كان عمها قد سافر في السبعينات للعمل في فرنسا، وعندما عاد الى الجزائر ليتقاعد، بدا وكأن تلك السنين في اوربا لم تترك اثرا في عقليته.
فجأة طالت لحيته، وتغيرت لغته، واعتمد لياسا زي الافغان، واصبح لا يتردد على بيتهم. ودون ان يعلن ذلك، كان واضحا انه رأى في احتراف اخيه للغناء ارتكابا لفعل مستهجن يقارب الحرام.
اخر زيارة لهم لم يمكث للعشاء، كان قد حضر ليأخذ من ابيها تسجيلات ينشد فيها والده ابتهالات دينية في احدى المناسبات، ومضى.
كان المطربون على ايام جدها منشدين، وابناء طرق وزوايا دينيه. وكانو ثوارا ايضا ومجاهدين، نجا بعضهم وسقط اخرون، كاحد ابناء مشيخة الزاوية المختارية، الذي اكتشف امره. كان عازف كمنجة ويهرب وثائق اثورة بالصاقها في جوف الكمنجة. سمعت القصة من جدها، الرجل الذي اهدى لها طفولة سعيدة، دون ان يسعى حقا لذلك، فقط منحها حظ التردد عليه في بيته على ربوة عند اقدام الاوراس.
كان جدها بسيطا، منسوب حكمته اعلى من منسوب حصاره، زاهدا في بهارج الحياة وقشورها. يحيا في تعايش سلمي مع الطبيعة، يخضر الاعراس، يسمع بالولائم، ينشد مع المنشدين، ويغني مع المغنيين ما يحفظ من الثرات البربري الشاوي. لكنه لا يقبل ملا من احد، ولا حتى من ابناءه. يبيع عند الحاجة رأسا او رأسين من ماشيته. كل ما يحتاج ايه يوجد في مزرعته. وما كان يحتاج للكثير. عاش متصوفا على طريقته، لم يستهلك يوما بذلات ولا ربطات عنق ولا احذية جديدة، ولا حتى ادوية.
عبر الحياة ناصع البياض، من برنسه الابيض الى كفنه الابيض. سمعه يقول يوما لوالدها في جلسة احتد فيها النقاش ""لما تموت وعندك مليون من البانك وحدك على بالك بيه .. لكن كي تكون بلا كرامة الناس الكل على بالهم بيك .. صيتك اللي يعيش مبعدك مش جيبك".
ماكان لجدها من جيب، هو لا يحتفظ بشيء لنفسه فما حاجته اليه؟ في بيته لا ينام الا الضيوف، يستبقيهم ثلاث ايام حسب اصو الضيافة، وفي اليوم الثالث يقسم ال يغادرو بيته الا محملين بالسمن والفريك والكسكسي. ذات مرة، احتجت زوجته لانه اعطى الضيوف جل مؤونتهم. رد عليها "يامرا .. الكرم يغطي العيوب .. يمكن شافو منا شي ما شفناهاش .. خلينا نستر حالنا بالجلود".
كان من "ولاد سلطان" الذين يقال عند ذكرهم "سلاطين وما ملكوا". لسخائهم، لم يتوجو، تنازلو عن جاه الحكم ليسودوا بجاه الكرم، هم سلاطين بما وهبوا لا بما كسبو. على حاجاتهم يغدقون حتى ليبدو لمن يزورهم انهم اثرى منه. لذا، عندما سقطت قسنطينة، لجأ احمد باي اليهم، فقد كان بايا في ضيافة بايات، وفارسا في حماية ارض هي حصن طبيعي، تابى ان تسلم من يلوذ بها. فلتلك الارض اخلاق عربي، انصهرت في وجدان الشاوية، وجعلت منهم اشرس المدافعين عن قيم العروبة.
ما نسيت دموع جدها وهو يبكي مآثرهم. لعل ما ابكاه، ال جوده ما ترك ليده ما تجود به. حتى في الموت كاو الاكرم، مقبلين على الشهادة بسخاء، فمن الاوراس انطلقت شرارة التحرير. ماكان يمكن للثورة ان تولد الا في تلك الجبال "الشاهقات الشامخات". جغرافيتهم هي التي انجبت التريخ. على مدى تسعة اشهر، حمل رجال الاوراس الثورة وحدهم، احتضنوها شعلة فحريقا، اودى بقراهم ومزارعهم واهاليهم ودشراتهم وماشيتهم. عزلا واجهو جيوشا لا عهد لهم بعتاد، وحروبا ما عهدوا اهوالها. فقد اعتقدت فرنسا انها ان سحقتهم، سحقت الثورة الى الابد. حينها هب قادة الثورة ليكفو الحصار عن الاوراس بنقل العصيان الى مناطق اخرى، بعد ان رأو انه من غير العدل ان تستفرد الجيوش الفرنسية بأبناء الاوراس دون غيرهم.
قبل عيد ميلادها السابع عشر بايام رحل جدها احمد. بلغت سن الرشد باكرا. موته كان اول علاقة لها بفاجعة الفقدان. كان كالاوراس المكلل ابرا بالثلوج، يبدو بقامته الفارغة وبعمامته البيضاء قريبا من السماء، فلم تكتشف انه تحت العمامة كان شيخا ويهرم، فحتى شارباه المظفوران الى اعلا لم يطاولهما الشيب.
في طفولتها، كثيرا ماكانت تقاسمه نزهته، تتسلق معه الجبل ممسكة بيده او بتلابيب برنسه، الى ان بلغا اعلى نقطة يمكن ان تصلها قدماه اللتان تربتا على تسلق الجبال، حينها يجس تحت شجرة من اشجار الصنوبر، وعندما يرتاح، ياخذ نايه المعلق اى ظهر برنسه، ويشرع في الغناء، غناء كأنه نواح، يفضي به الى التجلي نشوة كلما عبر صوته الوديان الى الجبال الاخرى. لا يسعد الا عندما يعود له رجع الصدى، وكانه احدا يرد عليه من الجبل الاخر.
لومن طويل اعتقدت انه ينادي على احد، وان ذلك الشخص يرد عليه من بعيد لاستجالة مجيئه بسبب الوادي الذي يباعدهما. فكل غناء كان يبدأ بنداء يطول .. يطول كانه نحيب "يااااااا ياااااااي"..
لعل شجن مروانة جاءها من "القصبة" التي لم تعرف آلة سواها. في النهاية، لكل قوم مزاج ألتهم الموسيقية. قل لي ماذا تعزل اقل لك من انت، وارو لك تاريخك واقرأ لك طالع قومك. للغجر عنفوان قيتارتهم، وللافارقة حمى طبولهم، وللفرنسيين مباهج الاكورديون، وللنماويين شاعرية كمنجاتهم، ولللاوروبيين ارستقراطية البيانو وللاندلوسيين سلطنة العود..
لاحقا ادركت ان غناء رجال مروانة كان امتداجا لانين الناي، ف"القصبة" آلة بوح لا تكف عن النواح، كطفل تاه عن امه، ويروي قصته لكل من يسمتع اليه فيبكيه، لذا الناي صديق كل اهل الفراق، لانه فارق منبته، واقتلع من تربته، بعد ان كان يعيش بمحاذاة نهر، عودا اخضر على قصبة مورقة. ترك ليجف فاصبحت سحنته شاحبة، وانتهى خشبا جامدا. عندها تم تعريضه للنار ليقسو قلبه، واحدثو فيه ثقوبا ليعبر منها الهواء كي يتمكنو من النفخ فيه بمواجعهم.. واذا به يفوق عازفه انينا.
من ترى جدها قد فارق، ليصاحب الناي؟
كان يصعد اى قمة الجبل ليقيم حوارا مع نفسه، عن وجع وحده يعرفه. اولعله يعود كلما استطاع كي يختصر صوته، فهو يقيس بحنجرته ما بقى امامه من عمر، ففي عرفه، ان رجلا فقد صوته فقد رجولته.
روى لها انه اثناء حرب التحرير، كان يصعد الى ابعد مرتفع في الجبل، للقيام بنوبة حراسة للقرية، وعندما يرى من بعيد قوافل "البلاندي" والدرعات الفرنسية مقبلة، ينادي منبها ابناء الدشرة لقدوم الفرنسيين، فيتلفت صداه "تراس" في الجبل الاخر، ثم آخر، ويتناقل الرجال النداء عبر الجبال متناوبين على ايصال الخبر الى كافة الاهالي.
كانت الجبال منابرهم، وهواتفهم، ومنصات غنائهم، وحائط مبكاهم، وسقفهم، لذا اعلنت فرنسا الحرب على الجبال، والقت قنابل البابالم على الاشجار .. كي تحرق اي احتما لبقائها واقفة.
لا تذكر انها سمعت جدها يوما يغني اغنية فرحة. برغم ذلك، ما راته يوما حزينا حقا. حين كبرت، ادركت ان رجال مروانه يتجملون بالحزن، يتنافسون على من يحتفي بالشجن اكثر، فالشجن حزن متنكر في الطرب. ذلك ان الطبيعة جعلتهم قساة وعاطفيين، والتقاليد الصارمة اهدت اليهم اكثر قصص الحب استحالة. فكيف لا يكونون سادة الاساطير والغناء؟
في ذلك الزمن الجميل، لم يحدث ان افتى احد بتحريم صوت امرأة، كيف ومروانة اسم انثوي كدندنة تخاله اغنية، هي صغيرة وغير مرئية، كنوتة موسيقية، لا توجد على خرائط المدن الجزائرية، بل على خرائط السولفيج.
كل صباح يصعد رعاتها السلم الموسيقي، اثناء تسلقهم مع اغانيهم جبالهم. يطلقون حناجرهم بالغناء، فيحمل الصدى مواويلهم عابرا الوديان الى الجبال الاخرى. لذا مند الازل يباهي رجالها بحناجرهم لا بما يملكون. ففي مروانة فقط، يرفع الرجال الى السماء ذلك الدعاء العجيب الذي لم يرفعه يوما بشر الى الله " يا ربي نقص لي في القوت .. وزد لي في الصوت"". لزهد الطلب، استجاب لهم الله.
مروانة .. يا لغرورها، فهي بلدة تعتبر حالها بلدا، فهي تعتقد ان مضاربها تصل حيث صوتها.
لفرط ما رافقت جدها على مدى سنوات الى ذلك الجبل، اعتادت ان ترى العالم بساطا تحتها. لم تكن نظرة متعاليه على العالم، لكن تعلمت وهي على منصة للطبيعة، الا تقبل ان يطل عليها احد من فوق.
هكذا تحكم جبل الاوراس في قدرها.
* * *
نامت متعبة. تمنت لو استقبلتها باريس بالاحضان. لكنها استقبلتها بالامطار وبباقة ورد تقول "تمنيت الا تخسري الرهان".
كيف عرف هذه المرة ايضا مكان اقامتها، ومن يكون هذا الذي يتحكم في نشرتها العاطفية مذا وجزرا؟ باقة بعد اخرى بدأت تكره هذه الورود المتعالية الغريبة اللون. هي ابنة المروج، نبتت بمحاداة الازهار البرية، لها قرابة بأزهار اللوتس، وبزهرة السيكلامان الجلبية، لفماذا يطاردها بهذه الورود الغريبة اللون ؟ لو انها ما تحذثت اليه على الهاتف، لخالته احد المرضى النفسانيين. لكنه يبدو رصينا وصارما في قراراته، بقدر مكر مناوراته. رجل في كل غموضه الآسر، غموضه المرعب. ما توقعت وهي تقبل بقواعد لعبته، انها كانت عند اول خطأ معرضة لصاعقة فقدان. ابعقل ان تكون فقدته حقا لمجرد كونها لم تتعرف اليه؟
انتابها اسى خسارة شيء لم تتملكه اصلا. لكن كان امتلاكه حلما.
طلبت امها تطمئنها والا فلن تنام هي الاخرى،وستالف في ليلة كل سيناريوهات المصائب. هكذا هي، ماعادت تتوقع خيرا من الحياة. احيانا ينتابها الاحساس انها غدت والدة امها. لقد هد الالم تلك المرأة، التي كانت في السابق قوية اى درجة اتخاذ القرار بمغادرة حلب قبل ثلاثين سنة، والاقامة مع زوجها في بلاد لا تعرف عنها شيءا، والتاقلم مع ظروف ماكانت تشبه حياتها في سورية.
ردت نجلاء على الهاتف مبتهجة:
- كيفك حبيبتي .. ان شاء الله وصلت بخير؟
- الحمد الله .. وانتو كيفكم ؟
- تمام
- وهيدا الاخوت تبع الورد .. كيف طالع؟ ان شاء الله حلو؟
ردت باقتضاب:
- ايه حلو ..
ولو قالت انها لم تره، لكان عليها ان تحكي نصف ساعة لتشرح ما حدث. وهي تتحدث على هاتف الفندق وسعر المكالمة مضاعف. لاحقا ستحكي لها التفاصيل.
- فيكي تعطيني ماما ؟
- خالة عم بتصلي ..
- طيب طمنيها اني وصلت بخير. بكره بحكيها .. باي حبيبتي.
امها كانت تريد ان تزوج علاء بنجلاء. تقول انهما خلقا لبعض حتى في تقارب اسميهما وانهما ماشاء الله الاثنين "حلوين". اليست ابنة خالته؟ ثم تحاول اغراء نجلاء باخلاقه "يقبرني شو طيب وشو عاقل هالولد". غير ان لعنة علاء كانت بالذات في وسامته وحسن اخلاقه.
في الواقع، كانت امها تخطط لجعله يغادر الجزائر، وينجو من برد بدأ يهيمن عليها الجنون، ويحكمها الخوف والحذر.
ما ارتاحت ابدا لقراره الاقامة في قسنطينة لمتابعة دراسته في اطب.
كان عذره انها الجامعه الاكبر في الشرق الجزائري، وكان مأخذها انه ذاهب الى بؤرة الاصولية، محملا بعقيدة الحياة.
صدق حدس امومتها. كانت جامعة قسنطينة ممرا اجباريا لكل افتن، وختبرا مفتوحا على كل التطرفات. وبرغم ذلك، حاول علاء على مدى اربع سنوات ان يضع مسافة حذر بينه وبين زملائه. لكن ليس بينه وبين الزميلات، الللائي كن ياجأن اليه لما يوحي به من طمئنينة، وما يشع به من تميز في هيأته كما في تصرفاته. كان ذلك مصدر متاعب اضافية، فأصحاب اللحي لم يغفرو له حظوته لدة بنات الجامعة، برغم قدر الاحترام الذي كان يحكم علاقته بهن، ولا غفرو له المجاهرة بآرائه تجاههم.
ما حدث على ايام الرئيس بوضياف، ان قامت السلطات بمداهمة الجامعات، والقاء القبض على عشرات الاسلاميين، وارسالهم الى معتقلات الصحراء بعد ان ضاقت المدن بمساجينها . عندها قرر علاء ان يترك الجامعة حال تقديمه لامتحانات اخر السنه، استجابة لالحاح امه، على ان يسافر لاحقا الى العاصمة لمواصلة دراسته هناك.
كان يفصله عن الامتحانات شهران، لكن القدر كان اسرع منه، مامر اسبوع حتى حضر الى الجامعة رجال امن، وقتادوه مع اثنين اخرين.
من يومها اخذت حياته مجرى ماساة اغريقية، تتناوب فيها الآلهة على مصارعة انسان اقترف ذنب حب الحياة، وحب فتاة ماكان يدري ان احد الملتحين يشاركه حبها. ولانه لم يحظ بها، وشى به زورا حتى لا يخلو لهما الجو اثناء اعتقاله.
كانت معتقلات الصحراء تضم عشرات الالاف من المشتبه بهم، يقبع بينهم الكثير من الابرياء، فلا وقت للدولة للتدقيق في قضاياهم، او محاكتهم، لانشغالها بمن احتلو الغابات والجبال، واعلنو الجهاد على العباد والبلاد.
وجد علاء نفسه متعاطفا مع الاسرى، بعدما رأه من مظالم وتعذيب، وما عاشه من قهر وهو يحاول عبثا اثبات براءته. بعد خمس اشهر اطلق سراحه، لم يقم بين اهله اكثر من بضعة اسابيع، كان ثمة في كل حي شبكات تجنيد، كما شبكات اختطاف الاطباء والتقنيين وكل ما يحتاج الارهابيون الى مهاراتهم. اقنعوه بان يلتحق بالجبال، ليضع خبرته في اسعاف "الاخوة" هناك ومعالجة جرحاهم.
لم يستشر احدا، ولا اخبر احدا بقراره. تحاشى تضرعات امه ودموعها، والغضب العارم لابيه الذي ماكان ليقبل بانحيازه ل"حزب القتلة". هاتف مقتضب منه اه=خبرهم بذلك. قال انه هناك ليعالج الناس ليس اكثر.
كان فيه شيء من غيفارا، ذلك الذي استعمل رحمة البيب لمداواة الشعوب من جراح الوحوش البشرية ايا كان اسمها، دون ان يفرق بي الظالم الحقيقي، والظالم المدجج بسيف العدالة.
علاء يصلح بطلا لرواية يعيش فيها البطل حياة لم يردها، حدث له فيها نفيض ما تمناه تماما.
كان يكره اصحاب البزات واصحاب اللحي بالتساوي، وقضى عمره مختلطا بينهما بالتناوب. وجد نفسه خطأ في كل تصفية حساب، يحتاج الى لحيته حينا ليثبت لهؤلاء تقواه، ويحتاج الى ان يحلقها ليثبت للاخرين براءته، حاجة الضحية الى دمها ليصدقها القتلة.
انتهى به الامر ان اصبح ضدهما معا. ادرك متاخرا ان اللعبة اكبر مما تبدو. كان المتحكمون يضخمون بعبع الملتحين، يغتالون صغارهم، ويحمون كبارهم الاكثر تطرفا. يحتاجونهم رداءا احمر، يلوحون به للشعب حين ينزل غاضبا كتور هائج في ساحة كوريدا، فيهجم على الرداء وينسى ان عدوا قد يخفي عدوا اخر. فهو يرى الرداء ولا يرى الماتادور الممسك بالرداء، وفي يده اليمنى السهام التي سيطعن بها الثور، وفي اليسرى الغنائم التي سطا عليها.
الخيار اذا بين قتلة يزايدون عليك في الدين، وبذريعته يجردونك من حريتك .. وآخرون مزايدين عليك في الوطنية، يهبون لنجدتك، فيحمونك مقابل نهب خزينتك.
حاولت ان تخرج اخاها من تفكيرها كي تستطيع النوم، فأمامها في الغد مشاغل كثيرة. لكن علاء يطل عليها من كل شيء، فاجعتها به تفوق فاجعتها بابيها. مند سنتين ما استطاعت يوما واحدا ان تتقبل فكرة غيابه، فكيف تنساه في باريس التي زارتها معه.
اغمضت عينيها على منظر باقة التوليب.
شيء ما يقول لها ان ذلك الرجل سيطلبها، والا لما قام بجهد البحث عن عنوانها. كانت تلك الفكرة الوحيدة التي يمكن ان تدخل السعادة الى قلبها.
* * *
هو طاعن في المكر العاطفي، ويعرف كيف يسقط انثى كتفاحة نيوتن في حجره. لكنه يريدها ان تنضج على غصن الانتضار. سيغدق عليها المفاجآت، حيثما تكون ستدركها وروده، لكن صوته لن يصلها بعد اليوم.
كان يمكن للطريق اليها ان يكون سهلا، لكن طريقه اليها يمر بكبريائه، وهي اخطأت في تقدير الخسارات، لحضة قبولها بقانون اللعبة.
لقد اهانت ماكان كبيرا فيه، وشوهت ماكان جميلا، وشوشت علاقته برجولته. اما من بذلة تكسود غير ثروته؟ وحين يخلع ثراءه، بامكان عابر سبيل ان يفوز عليه بقلب امرأة، لانه اكثر وسامة او شبابا منه. ما نفع عمر اذا، قضاه في صنع اسطورة تميزه، والعمل على رفعة ذوقه، وسطوة اسمه؟ اتكون كل النساء الالئي يطاردنه يكذبن عليه؟ يغازلن جيبه لا قلبه، ويحلمن وهن معه برجل سواه.
حتى هذه الفتاة التي ليست اجمل ما عرف من النساء، لم تكترث بوجوده على مدى اربع ساعات قضتها بمحاذاته، ولا لفت شيء فيه نظرها وهو منتصب امامها في المطار، برغم ان ثمة من تغزلن بعيينيه، واخريات باناقته، او كارزما طلته. لعلها لا تدرك بعد ما يغري فيه.
قصد مكتبه. قضى يومه منهمكا في العمل ليتهمك في نسيانها. برغم ذلك راح يفكر: ايرسل لها وردا بعد غد الى حفلتها .. املا ؟
قرر الا يغير عادته. بلى سيرسل لها الباقة اياها لكن بدون اية بطاقة، لمزيد من العبث باعصابها. ستتوقع وجوده في القاعة، وستواصل البحث عنه بين الجمهور .. هي تدري ان مثله لا يختلط بجمهور .. انه الجمهور في حد ذاته.
امد سكرتيرته الفرنسية بتاريخ الحفل وعنوان القاعة، وقال على غير عادته لما ليبرر تعليماته:
- اني مدعو اى حفل يتعذر علي حضوره. ارسلي مساءا باقة ورد الى هذا العنوان، وكلفي احدى الشركات بتصوير الحفل.
هاقد اصبح يتصرف كصائد، يجمع كل التفاصيل عن ضحيته. وماذا لو كان هو الضحية في حب كامل الدسم .. مكتمل الالم؟
ما يعنيه هو اللحضة التي تتلقى فيها باقته، وتروح تبحث عنه بنظراتها بين الحضور، متوقعة انها هزمته، وارغمته على خرق اصول اللعبة.
يسليه تأمل النساء، في تذبذب مواقفهن، وغباء تصرفهن امام الاشارات المزورة للحب.
* * *
انتابها خوف لذيذ وهي في طريقها الى الحفل، غير ذلك الخوف الرهيب الذي عرفته يوما.
هذه اول مرة تغني في باريس. ينتظرها جمهور جزائري وفرنسيون من المتعاطفين مع الجزائر، فقد غطى الاعلام حدث حفلها ضمن المتابعة اليومية لما درج على تسميته "المذابح الجزائرية".
تلقفت الصحافة قصتها، وهاقد غدت رمزا للنضال النسائي ضد "الاسلاميين" و"العصفورة التي كسرت بصوتها قضبان التقاليد العربية متخدية من قصو جناحيتها".
كان يكفي ان تؤنث المأساه، وتضاف اليها توابل الاسلام والارهاب، والتقايه العربية، لتكون قد خطت خطوتها الاولى نحو اشهرة.
هاتفها ابن عمها جمال يعرض عليها الحضور الى الفندق لمرافقتها الى الحفل. هو يختلف تماما عن والده. شاب عصري، انيق، متفتح، فيه شيء من علاء.
بدا جمال في علاقته معها حائرا بين ابنة عممه التي كان يعرفها ايام زيارتها لهم، والنجمة التي تجلس بجواره في السيارة بكعب عال وشعر مبعثر على كتفها، وفستان اسود طويل.
لتطمئنه انها لم تفقد روحها الجزائرية الساخرة، قالت مازحة:
- لو كنت رايحة انعني في حفل بالجزائر ما خليتكش تجي معاي .. واش نعمل بيك وانت جايني لابس costume وحاط الجل على شعرك .. يلزمني واحد بحزام اسود للمصارعة .. او بالاحرى اربعين مصارعا لمرافقتي.
ام يفهم ما تعنيه. توقع انها تستخف بهيأته. امام صمته اضافت موضحة:
- الم تعلم انه بسبب تهديدات جماعة من الاصوليين اضطر القائمون على حفلات قاعة الاطلس في العاصمة الى استقدام اربعين مصارعا من الحاصلين على حزان اسود لضمان حياة أيت منغلات والجمهور الذي حضر حفله، خشية ان يتم الاعتداء عليهم من قبل من حاصرو القاعة في الخارج؟ تصور في كل بلدان العالم يقصد المطربون الحفل مع فريق من المصورين والمزينين. اما عندنا، فيدخل المغني القاعة بفرقة من المصارعين. وبرغم هذا، انت لا تضمن حياتك .. لو ارادو رأسك لجاؤو به حتى لو حضرت برفقة "بروس لي" بطل فنون القتالية شخصيا.
علقجمال مازحا:
- انا مانيش انتاع هاذ اشي .. خاطيني الكاراتي .. في البلاد شوفي واحد اخر يروح معاك.
- تعرف .. والله اغار من الذين يعزفون في الميترو في باريس. كل يغني على مزاجه. قد يمر احدهم ويضع له قبعة يورو، وقد لا يضع شيئا. لكن على الاقل لا يضع له رصاصا في رأسه.
واصلت ضاحكة:
- الحمد لله نظل احسن حالا من الاوركسترا الوطنية العراقية .. اطلقت عليها الصحافة اسم "اشجع اوركسترا في العالم". تقيم حفلات سرية لا يرغب المنظمون في الاعلان عنها، بل يفضلون ان يعلم بأمرها اقل عدد ممكن. تصور .. دمرت الصواريخ الامريكية قاعة حفلاتها، وخطف البعض من أفرادها، وقتل اخرون لاسباب طائفية، وفر نصف اعضائها للخارج .. ومازل من بقو على قيد الحياة يقطعون حواجز الخطف والموت، ويصلون الى المسرح ببزاتهم السوداء، حاملين
آلاتهم في أيديهم ليعزفوا وسط دوي المتفجرات مقطوعات سمفونية لباخ وفيفالدي..كما لو كان كل شيء طبيعيا.مشهد سريالي،الفرقة والجمهور مرعوبون لكنهم يستعينون على خوفهم بالموسيقى. والله هم ينسيك هم!


كانت بحاجة أن تستعرض بطولات اﻵخرين لتستقوي بهم على خوفها.الحقيقة أنها كانت تغني ﻷول مرة في فرنسا،وتقف تحت أضواء إعلامية أكبر من عمر صوتها،فهي لم تكن مهيأة لقدر كهذا.
كل هذه الضجة التي رافقتها تربكها، لفرط ماطالبوها برفع سقف التحدي،كل حسب انتماءاته.
البعض قال لها:"مذ غنى عيسى الجرموني في الخمسينيات في قاعة"اﻷولمبيا"الشهرة،هذه أول مرة يستعيد الشاوية مجدهم في باريس". ردت بأنها خارج الجزائر جزائرية فحسب.
كانت تمازح جمال لتروض توترها المتزايد. غير أنها وجدت طريقة للسيطرة على انفعالاتها بإلقاء كلمة صغيرة تمنحها فرصة استيعاب الموقف والسيطرة على الجمهور منذ اللحظة اﻷولى. ذلك أنها في النهاية مدرسة،والتوجه إلى اﻵخرين من منصة هو نقطة قوتها.
أما الوقوف على المسرح والمباشرة بالغناء،فهو أمر ما زال يربكها.
ما كادت تطل على الجمهور،حتى ارتفعت موجة من التصفيق والهتافات الوطنية. وراح البعض يلوح بأعلام الجزائر. كان الجو مشتعلان بما فيه الكفاية. شعرت بأن الذين حضروا لم يأتو للطرب،بل ليعلنوا رفضهم الﻹرهاب. إنها هنا أمام أنصارها.
ارتجلت كلاما كانت قد أعدت بعض أفكاره في ذهنها. جاء كلامها مذهلا في تلقائيته،مؤثرا في نبرة قوته. خيم صمت كبير على القاعة. لقد كانت تتكلم وهي تطل عليهم من جلبها ذاك.
قالت:
-ذات يوم.. ساق اﻹسرائيليون سهى بشارة بطلة المقاومة اللبنانية إلى ساحة اﻹعدام.. أوهموها أنهم سيعدمونها، قيدوا يديها ورجليها وصوبوا فوهة المسدس إلى رأسها وسألوها عن أمنيتها اﻷخيرة في الحياة. ردت"أريد أن أغني" وراح صوتها يترنم بموال من العتابا الجبلية:
"هيهات يا بو الزلف عيني يامولي
محلا الهوى والهنا والعيشة بحرية"
أشبعوها ضربا وعادوا إلى الزنزانة. وواصلت سهى بشارة الغناء.
على مدى أعوام،اعتاد أسرى سجن الخيام سماغ غنائها.صوتها البعيد الواهن،القادوم من خلف قضبان زنزانتها،أبقاهمأشداء. فمن يغني قد هزم خوفه.. إنه إنسان حر!
بلى،بإمكان من لا يملك إلا حباله الصوتية أن يلف الحبل حول عنق قاتله،يكفي أن يغني،فلا قوة تستطيع شيئا ضد من قرر أن يواجه الموت بالغناء.
عندما قام اﻹرهابيون باغتيال الشاب حسني،وقطف زهرة صوته،ما توقعوا أن يصعد شقيقه إلى المنصة،ليثأر لدم أخيه بمواصلة أداء أغانيه أمام جثمانه،أربكهم أن يواجههم أعزل إلا من حنجرته.
بلى،بإمكاننا أن نثأر لموتانا بالغناء.فالذين قتلوهم أرادوا اغتيال البهجة. أوليست "البهجة"هي الاسم الثاني
للجزائر ؟ليعلموا انهم لن يخيفونا ،ولن يسكتونا ..نحنهنالنغني من اجل الجزائر ،فوحدهم السعداء بإمكانهم إعمار وطن ،انطلق النشيد الوطني ووقفت القاعه تنشد:
قسمنا بالنازلات الماحقات والجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة او ممات وعقدنا العزم ان تحيا الجزائر فاشهدوا
ماكاد ينتهي النشيد حتى ارتفعت الزغاريد والهتافات ،وصعدت سيدة الى المنصه لتقبلها وتضع علم الجزائر على كتفيها،حيث تحل يقلدها الموت وسامه . هي ابنه القتيل واخت القتيل .لها قرابه بمثنى الف جزائري .
كان ذلك الحفل اجمل ماعاشته منذ مأساتها . ادت فيه اكثر مما كان مقرر من اغان . ثم عادت ببعض باقات الورد لتبكي ليلا وحدها .
اليس الغناء في النهايه هو دموع الروح .
في الفندق تأملت باقات الورد المتواضعه التي قدمت لها انها الابسط لكنها الاصدق ،من مغتربين بسيطين يقولون الاشياء دون تنميق اوبهرجه .احداها كتب عليها بالفرنسيه احب الجزائر
بكت هل حقا الجزائر تحبها ؟
كم كانت بحاجه الى هاتين الكلمتين ! لكن لفرط ما اسدى لها الوطن من ضربات ماعادت اذاه بل حبه هو الذي يبكيها ثم ماوجدى نجاحنا تعيشه وحدها ،مادامت الجزائر التي تحبها ماتركت لها رجلا تتقسم معه فرحتها .
كان ولاؤها اولا للحقيقه وهي لا تملكها كامله وتدري ان كل شيء كان ممكنا في وطن من فوق قبوره تبرم صفقات الكبار
وتحت نعال المحتكمين بمصيره يموت السذج وصغار .لكن في حياة قضتها واقفه ، لم تكتسب يوما مهارات الجلوس على المبادء لذا لن تفوز
بشهره لا تفتح بابها في الغرب الا لمن يتقن دور الضحيه مضحيا بقيمه .لذلك الضوءالساطع ثمن ماكانت جانزه لدفعه
في الجزائر ادركت على حسابها لن في الحروب لا توجد حقيقه واحده ولا ارهاب واحد
بدت مشاكلها حين راحت تصرح للصحافه الحره بان ثمه جزائر القلوب واخرى للجيوب وارهابا سافرا واخر ملثما وان كبار اللصوص هم من انجبوا للوطن القتله .
كانو يريدونها حطب المحرقه، لكن جان دارك التفتت ساعه المعركه فما رأت رجلا وجدت نفسها وحيده مثل حامل الفانوس في ليل الذئاب في مواجهه وحوش جاهزه للانقضاض على اي مكان
دفاعا عن غنتيمتها الكل ادرك فحوى الرساله ((كن صامتا ..او ميتا )).
كل حكم يصنع وحوشه ، ويربي كلابه السمينه التي تطارد الفريسه نيابه عنه.. وتحرس الحقيقه باغتيال الحق .
ذات صباح طلبها مدير ليخبرها انها مفصوله عن العمل الذريعه ان الاهالي لايريدون ان تدرس مطربه ابناءهم . ذريعه تشك كثيرا في صديقتها فماكانتمطربه حفلات ولا اعراس هي لم تكن
قدغنت سوىمرتين
مره لذكرى وفاه ولدها ومره في برنامج تلفزيوني ثم انها كانت محبوبه بدى الاهالي فقد كانت تزورهم في بيوتهم .
او تهاتفهم لتطمئن الى التلاميذ ان تغيبوا ففي تلك الايام كان المهم ان تحفظ راسك لا ان تحفظ دروسك مدرسا كان او تلميذا
رات امها في قرار طردها انذارا اول ، سيليه ما لا تحمد عقباه
ولانها لم تشأ ان تترك قبرا ثالثا في الجزائر اخذت ابنتها وغادرت الى سوريه .



منتظرة ردودكم الجميلة
حب4حب4




Florisa and Mystery Empress like this.
__________________

التعديل الأخير تم بواسطة Florisa ; 09-30-2015 الساعة 12:27 AM
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 09-30-2015, 12:39 AM
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فعلاًً إنه لفخر كبير ان تنيري المسابقة بمشاركتك
وليسست أي مشاركة
فقد بان الأمر متعوبٌ عليه
بأنها نُقلت إلينا من كتاب
ومهما تم البحث عنها في أنحاء مراكز البحث في Google
فلن يجيدوها إلى في منتدانا عيون العرب حصريـــــاً

بدايةً أنا افتخر ويملأ قلبي البهجة لوجود رواية لم تُنشر من قبل
تمنيت وودت يوماً قرأتها ولكن الكسل وما يفعل ....
وانا سعيدة بأنها الأن في قسمي

حسب علمي بأن الرواية طويلة جداً
فـ روايات أحلام تتلخص بأحداث كثيرة ومشاعر متلاطمة على صفحات الرواية

أود ان أشكركِ حقاً
واتمنى ان تنيري القسم دائماً برواية على ذوقك
وأي مساعدة تحتاجينها فأنا جاهزة وأرحب بكِ في كل وقت

سيتم ختم الرواية بـ " فخامة "
وبإذن الله رح خصص ختم جميل لروايات منقولة من كُتب

اعذريني عالرد البسيط وإن شاء الله مع كل فصل ردي بيطول أكتر وأكتر
وما انسى التقييم إن أمكن
حاكم بتعرفي مشكلة السمعات اللي ما بعرف لها حل -_-"

لا تنسيني من باقي الفصول
دمتي بود
تحياتي
Florisa
KAREN and Mystery Empress like this.
__________________

يا رفاق ،ترقبوا ، زمن من المفرقعات قادم!

┊سبحان الله ┊ الحمدلله لا إله إلا اللهالله أكبراستغفر الله
هل لديك ما تخبرني إياه ؟| مدونتي | معرضي
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 09-30-2015, 05:36 PM
 
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://www4.0zz0.com/2015/09/21/23/470405668.jpg');"][CELL="filter:;"]




" إليكم الفصل الثالث

حيثما ساموت، ساموت وانا غني."
فلاديمير ماياكوفسكي
اشعل غليونه وراح يتابع تسجيل الحفل.
عجب، وهو يراها ترتجل تلك الكلمة، ان يكون الارهابيون قد منعوها من الغناء. كان عليهم إصدار فتوى تحرم عليها الكلام، انها اخطر وهي تتكلم.
هو يفضل كلامها. لو انها كانت تغني يوم رآها لاول مرة على التلفزيون لربما غير القناة، ما اسره هو هذا العنفوان، لعله سر شغف الناس بها اينما حلت، لكأنها ابنة البراكين، تتدفق حممها حال وفوفها على المنصة.
كم يود قطف هذه الزهرة النارية دون ان تحترق يده. ان تكون له وحده، هذه المجدلية التي ما كادت تنتهي من الغناء، حتى زحف الجمهور نحوها ليتبارك بها.
خاب امله في رؤيتها حين امدوها بباقته، فقد اوقف المصور لقطاته حين طوقها الجمهور وعم القاعة شيء من الفوضى.
اطفأ جهاز التسجيل وراح بفكر في ما اكتشفه فيها . فانكشفت به جراح روحه.
هذه امرأة تكمن "ادواتها النسائية" في صفاتها الرجالية.
هي شجاعة ومكابرة، ونملك حسا وطنيا فقد وهجه، لفرط غربته ومتاهته على مدى ربع قرن في البرازيل. هناك، في ارض الكرنفالات والاقنعة الافريقية، أضاع ملامح وجهه الاصلية. كل من أقام في البرازيل سكنته كائنات الغابات الآمازونية، وارواح نساء ما زلن يرقصن السامبا، في انتضار الصيادين العائدين بشباك تتراقص فيها الاسماك، ونبتت له اجنحة ملونة، كالفراش المداري العملاق في حقول الساركاو، فغدا كائنا خفيفا لا يمشي بل يحلق .. ففي رأسه لا يتوقف البرازيلي عن الرقص.
حسدها لانها تملك قضية، وماعادت له قضايا مند زمن.
في لبنان، ما من قضية الا وتصب في جيب احد. فليعمل المرء اذا لجيبه .. بدل ان يموت ليضع ثراء لصوص القضايا، واثرياء النضال، المقيمين في القصور والمتنقلين بطائراتهم الخاصة. شرفاء الزمن الجميل، ذهبت بهم الحرب، كما ذهبت بأبيه، وقذف البحر بما اعتاد ان يرمي به للشواطئ، عندما تضع الحروب اوزارها.
في ما مضى، في سبعينات القرن الماضي، ايام الحرب الاهلية، كان جاهزا للموت حتى من اجل ملصق على جدار يحمل صورة قائد حزبه او زعيم طائفته. الآن وقد تجاوز مراهقته السياسية، ادرك سذاجة رفيقه الذي مات في "معركة الصور" دفاعا عن كرامة صورة لمشروع لص، اراد سادج اخر ان يقتلعها ليضع مكانها صورة زعيم اخر لميليشيا. فمات الاثنان وعاش بعدها اللصان.
هل ثمة ميتة اغبى؟
بلى ثمة حماقة اكبر، كأن تموت بالرصاص الطائش ابتهاجا بعودة هذا او اعادة انتخاب ذاك، من دون ان يبدي هذا ولا ذاك حزنه او اسفه لموتك، لانك وجدت خطأ لحضة احتفال "الاربهين حرامي" بجلوس "علي بابا" على الكرسي.
وثمة عبثية الشهيد الاخير في المعركة الاخيرة، عندما يتعانق الطرفان فوق جثته .. ويسافرون معا ليقبضا من بلاد اخرى ثمن المصالحة .. الى حين.
حين وقع على هذه الحقائق، نزل من ذلك القطار المجنون، واستقل الطائرة هربا الى البرازيل، انشق عن حزب "النضال" وانخرط في حزب الحياة. ماعاد له من ولاء الا لها.
تلك البلاد التي وصلها مفلسا، ماعاش فيها يوما فقيرا. فهناك يعمل الناس كما لو كانو عبيدا، ويعودون من اعمالهم ليعيشو بقية نهارهم أمراء. مباهجهم لا علاقة لها بجيوبهم، هي توجد في اذهانهم. من يملك دولارا يحتفي به كما لو كان مليارا. فالدولار عندهم لا يغدو ثروة الا اذا حولوه الى حياة. بينمت يكتنز غيرهم الحياة، بتحويلها الى اوراق مصرفية يعمل صاحبها بدوام كامل حارسا لها.
منهم تعلم ان يعيش الحياة كاحتفالية كبيرة. كما لو كان في كل موعد معها ينفق آخر دولار في جيبه، كي لا يتفوق عليه سعادة من ليس في جيبه الا دولارا.
وحتى تلك افتاة، تعنيه لانه يدري ما تخفيه تحت حدادها من شهوة الحياة.
من مكر الاسود قدرته على ارتداء عكس ما يضمر.
ما استطاعت ان ترفض دعوة بيت عمها. تركت ذلك للاخر حتى لا تعكر مزاجها مند اول يوم.
اخذت لهم مافي غرفتها من ورود، كي تمنح الحب حياة اطول. فقد عز عليها ان تلقى تلك الورود وهي متفتحة في سلة المهملات.
عبثا هربت من ذلك البيت، لا تريد ان ترى أطياف علاء ووالدها .. في الصالون وحول مائدة الطهام. وخاصة، لا تريد الرد على تلك الاسئلة التي توقظ المواجع. لكن أسئلة أبناء عمها جاءت مع فنجان الشاي.
- لماذا لا تقيمين في فرنسا الى ان تهدأ الاوضاع؟
- انا سعيدة في الشام.
- استفيدي .. اطلبي بطاقة الاقامة مادامت الظروف مواتية، ربما تحتاجينها لاحقا. سيمنحوك حق اللجوء.. نصف الجزائر انتقلت الى باريس، معظمهم بملفات ملفقة .. منهم من يدعي ان السلطة تهدده وأخر ان الارهاب يطارده. انت يطاردك كلامها..
كانت سترد بان وحدها الذاكرة تطاردها .. كما في هذا البيت وبرغم ذلك ، جاء السؤال الذي لا مفر منه.
- سامحيني يا بنتي .. كيفاش مات علاء الله يرحمو حد ماقال لنا واش صار؟
ام جمال تريد اجوبة موجعة، تليق بفاجعة شاب في عمر ابنها استنفد احلامه باكرا. تريد التفاصيل التي يحتاج اليها الاقارب الذين لم يرو جثة فقيدهم، ويحتاجون الى دليل وتفاصيل ليتقبلو فكرة موته.
ابتعلت دموعها لا تريد ان تحتسيهم في حضرة احد.
هي هكذا كلما تتكلم عن علاء، تتحدث كما لو انه مازال هنا. ثم لاحقا، في اللحظة التي تتوقعها، لسبب لا علاقة له في الظاهر به، تنهار باكية. الان هي تروي، بنبرة عادية، قصة حدث قبل سنتين، لشاب جميل، كما اولئك الذين يشتهيهم الموت .. كان اخاها الوحيد.
- عندما عاد من معتقلات الصحراء، سعدنا لانهم، بعد خمس أشهر لم نعرف عنه شيئا، اقتنعو ببراءته وأطلقو سراحه اخيرا. لكن ماكاد يمر شهران على اقامته ببيتنا، حتى جاء من يقنعه بأن كل ماحدث له من مصائب هو بسبب ابتعاده عن الاسلام، فلا صلاته ولا صيامه سيشفعان له عند الله ان لم ينصر مجاهديه، لكونه قضى سنتين في العسكرية لخدمة الوطن، ولم يعط من عمره شهرا لخدمة الاسلام. اغروه بالالتحاق بالجبل لللافاء بدينه ومعالجة الجرحى من الاسلاميين ولو بضعة اسابيع. ذهب علاء دون ان يخبرنا بقراره. ماكان يدري ان الخروج من الجحيم ليس بسهولة دخوله.
صاح جمال مندهشا:
- مضى بملاء إرادته الى الارهابيين؟
- استفادو من حالة إحباطه ومما شاهد من مظالم في المعتقلات، ليلعبو بعاطفته. ان لهم القدرة على اقناعك بما شاءو.
- وبعدها؟
- بعدها .. قضى اكثر من عامين متنقلا بين المخابئ في الجبال، يعالج الجرحى ويولد النساء المغتصبات اللائي "سباهن" الاهابيين بذريعة انهن بنات وزوجات موظفين او عاملين في "دولة الطاغوت"، لكن ذلك لم يشفع له. حين طلب السماح له بالعودة، غذى شكوكهم، فقد كانو يشتبهون في ان الجيش من ارسله ليتجسس عليهم، بسبب جهله في امور الدين. تفتقت حينها قريحة احدهم عن اختبار شيطاني، ان يثبت لهم اعتناق الجهاد بعودته لقتل والده، ويكون حينها امنا على نفسه، بتصفيته من جعل من صوته "مزامير للشيطان".
توقفت عن الكلام لتستعيد جأشها .
سأل الجميع في الوقت نفسه:
- وماذا حدث؟
- امام هول الاختبار ، غدا مطلبه ان بساومهم على حياة ابيه ببقائه معهم. قال لهم انه ماجاء ليقتل بل ليعالج، وانه سيبقى في خدمتهم ما شاؤو مقابل ان لا يؤذو والده. ماكان يدري ان لا صفقة تبرم مع القتلة، ولا توقع ان اثناء تواجده معهم ارسلو في قتل ابي. علم بذلك بعد اشهر عندما نزل من الجبل مع من نزل من التائبين في اطار العفو والمصالحة الوطنية. اخرجته الصدمة من صوابه، وكان قد وصلنا نصف مجنون لهول ما رأى. فقد غدا غريبا عن نفسه وغريبا عنا، وارهابيا في عين اصدقائه السابقين، ومشبوها في عين الاهابيين الذين لم يغادرو بعد جحورهم في الجبال، ويعتقدون انه الحلقة الاضعف، وانه من سيشي بمخابئهم للجيش. وهكذا، ارسلو احدا لتصفيته بعد شهرين من اقامته ببيتنا.
صمتت فجأة. فهي لم تدري اي كلمة تختار لتصف حدث موته: "تصفية" .. "اغتيال" .. "الاجهاز عله" ؟ .. لفرط مامات علاء مذ استباحو نبله، واغتالو شهيته للحياة، واعدمو بهجة حواسه، كل كلمات الموت مجتمعه لا تكفي لوصف عبثية رحيله الابدي.
ها قد اشبعتهم تفاصيل .. فليبكو اذا .
انتهى الكلام لا الرواية فقد احتفظت لنفسها بالتفاصيل.
نزل علاء من الجبل، مع ألاف "التائبين" الذين سلمو انفسهم الى السلطات بعد الضمانات التي قدمت لهم . لم يتب عن القتل، لما اغتال سوى اوهامه. كان يحلم بالعودة الى بيته، كما يحلم البعض ببلاد بعيدة موعودين بها. وعندما عاد الى اهله، اكتشف انه لم يعد الى نفسه. اهت سلامه الداخلي، لفرط ما راكم في سنتين من السنوات، ماعاد له من عمر.. ولا من اسم. ضل لايام يفاجأ عندما يناديه احد باسمه. ياخذ بعض الوقت قبل ان يرد، ريثما يصدق انه المعني .. وانه ماعاد "ابو اسحاق" بل علاء.
كانت اول صدمة هي اكتشافه اغتيال ابيه في غيبته. سأل: "كيف قتلوه" وعندما علم انهم فقط أطلقو رصاصتين على رأسه، كان عزائه انه لم يتعذب. فمن حيث جاء، شهد من صنوف التعذيب اهوالا واجتهادات لا يمكن لنفس بشرية ان تتصورها .. ارحمها، جعل سجين يحفر قبره بنفسه، واجباره على التمدد فيه، ثم تغطيته بالتراب ومشاهدته وهو يعطس ويبصق. وخلال لحظة يسود الصمت، فيطؤون التراب فوقه بأقدامهم ثم يرحلون.
بعض من وقع في الاسر، لتهمة لا يدري ماهي، اختار الاسراع بالانتحار حتى لا يتعرض للتعذيب. شاهد احدهم يخنق نفسه عبر اكل الرمل الممزوج بالارض الممتدة حول الشجرة التي كان مربوطا اليها، فعلى مرأى منه كان يسلخ اسير من جلده، ويترك لايام يحتضر الى ان يفرغ من دمه، برغم كونه وشى حتى بأخته .. المتزوجة من شرطي.
كم مرة تماسك كي لا ينهار ويغمى عليه خشية الا يستيقظ ابذا. فلا مكان بين القتلة لضعيف. لكنه الان وقد نجا، انهارت قواه تماما، يعيش مع اخته وامه مشلول الارادة والتفكير، متشردا بين القيم المتناقضة. لا تكف امه عن ضمه والبكاء. لقد بكت مذ مضى، وتبكي الان لانه عاد. وهو كلما خلى الى نفسه بكى. قاوم دمعه عامين، لكنه الان استعاد حقه بالبكاء، فهو لا يغفر لنفسه ما سبب للجميع من اذى، ولا يدري ماذا عليه ان يفعل لايعاد امه. هل يواصل الدراسة؟ هل يعمل ؟ هل يتزوج؟ هل يغادر ام يبقى؟ وان غادر فكيف يتركهما ويمضي ؟ وان انتقلو جميعا للعيش في الشام كما تريد امه، فمن اين لهم المال ؟
لو كان اميرا من امراء الموت، لربما فتحت له ابواب الرزق، وقدمت له مساعدات على قدر مقام سيفه، ولكوفئ على انقلابه عن فتاويه الاولى باصدار فتاوى جديدة تحرم على من لا زالو في الجبال مواصلة الجهاد. لكنه ليس اميرا، ولا يتحكم في سرايا الموت، ولا في كتائب القتال. هو مازال غير مصدق انه استعاد حياته. ثم ان "اخوته" الامراء ليسو معنيين بأمره، هم مشغولون الان بتجارتهم، بعد ان تاجرو به وبغيره.
عمار التحق بالجبال بعده، ونزل منها قبله. كان اميرا هناك ووجده اميرا هنا. يستمتع بحقه في الحياة بعد ان انتزع من الاخرين هذا الحق. يملك الان تجارة مزدهرة، الى حد مثير للعجب. ان سألته كيف اكتسبتها، اجابك بما تفهم منه انه جدير بالربح، وانه لا يليق بك الا الخسارة، لان الله ليس معك. هو معه. له العناية الالهية، لذا تجارته مباركة ومكاسبه حلال، وعليك ان تستنتج انك ملعون، ومستثنى من رحمة الله، برغم كونك مؤمنا، وحسنا، وتخاف الله، وما قتلت نفسا بغير حق.
سيقول لك كل هذا باللغة الفصحى، التي لا يتخاطب "أصحاب البركات" الا بها، لانها لغة اهل الجنة. ولا تدري كيف ترد عليه وانت في جحيمك، تركت جحيم الموت، لتجد جحيم الحياة في انتضارك.
بانسبة الى علاء لقد طرد من الجنة الارضية يوم فقد الحب. لعلها الغيرة، وذلك اعشق المتطرف رغبة في استحواذه بالحبيب، حد فقدانه في نهاية المطاف.
كانت هدى قد انهت دراستها قبله، بحكم تخصصها في الصحافة. لم يتقبل فكرة انتقالها للعيش في الجزائر. وماكانت هي جاهزة للتنازل عن فرصة قد لا تتكرر، في العمل مقدمة أخبار في التلفزيون. ما ان غادرت الى العاصمة، حتى غادر هو الى الجبال. ربما اراد ان يقاصصها فقاصص نفسه بها، وهو يلقي بنفسه في التهلكة هربا من عذاب فراقها.
حيت كان انقطعت اخبارها عنه. وهو الان يود ان يعرف من بعيد، ما حل لها منذ سنتين الى اليوم، لا يريد ان تراه على ما هو عليه من بؤس المظهر. يحتاج الى بعض الوقت كي يستعيد ما فقد من وسامة وصحة.
اتصل بأخيها، فهو صديقه وزميل سابق له في الجامعة. سعد عندما سمع صوت ندير يرد على الهاتف. مذ عاد وهو غير مصدق، ان يرد احدهم على رقم هاتفي في حوزته. وما ادراه بما حل بالناس في غيبته.
اتفقا ان يلتقيا. تجمل له ما استطاع، كما لو كان يتجمل لهدى، فهو يتوقع ان ينقل لها اخباره. لكنه وجد نفسه اكثر اناقة منه.
كان ندير في السابق سيد التانق والبهجة. كأنه قطع عهدا على نفسه الا يحزن. وكان هذا اول ما شده اليه. فقد كانا منخرطين معا في حزب الحياة. ندير يحفظ أخر اغان اجنبية، ويدري بأخر التقنيات. يحرم نفسه من كماليات، ليشتري اخر جهاز تكنولوجي .. واول جهاز كمبيوتر يدخل البلاد. هو دايما امام شاشة بحكم دراسته في مجال المعلوماتيه، انه خريج الحياة الافتراضية.
حاولا ان يستعيدا روح دعابتهما السابقة.
قال ندير:
- واش .. مازلت حي ؟
رد علاء بالسخرية نفسها:
- وانت مازلت في "la planéte " نتاعنا ؟ حسبتك بدلت المجرة
- انا في المجاري ياخو .. انت على الاقل كنت في الجبل، عندكم الاكسجين فوق .. هنا نشفولنا حتى الهوا. يمكن يكونو يبيعو فيه ب "الوفيز" .. كل شي يتباع بالعملة الصعبة غير احنا اللي رخصنا
- واش راك تدير هاذ اليامات؟
ضحك ندير، لا احد سأله مذا يفعل هذه الايام، فأن تبقى على قيد الحياة في حد ذاته فعل. الناس تسأل ان كان فلان مازال حيا، لا ماذا يفعل.
رد بتهكم:
- ما ندير والو. راني اندور .. مثل رواية مالك حداد "الاصفار تدور حول نفسها" راني هاك ذلك اندور. وانت واش مطلعك للجبل والاه بلت يا راجل؟
رد علاء كما ليبرر حماقته:
- ما عللا باليش واش صارلي كنت كاره حياتي
- يا خويا اذا كاره حياتك اقطع البحر ماشي تطلع للجبل .. عندك على الاقل احتمال توصل للجنه .. وتعيش في فرنسا والا في اسبانيا تاكل كل يوم "لابايلا".
رد علاء بسخرية سوداء:
- والله ياكلك الحوت قبل ما تاكل "لابايلا"
- ياكلني الحوت ولا ياكلني الدود ..
الندير يتكلم بقهر، شاب تخرج ولم يجد وظيفة منذ سنتين. حتما هو يقول كلاما غير مقتنع به تماما. انه يعاني من حالة خذلان. ذهبت به من التطرف في البهجة الى التطرف في الخيبة.
راح علاء يقترب من الموضوع الذي يعنيه، سأله:
- انا قلت تكون تزوجت في غيابي ..
رد ندير ساخرا:
- نتزوج ؟ وعلاش هبلت يا ربي نسلك راسي .. وين رايحين يهربو لبنات .. راهم اكثر من ثلاثة ملايين بايرة في الجزائر.
كانت هذه اول مرة يسمعه يتكلم بهذه الطريقة. لعل احداهن ضحكت عليه، او تخلت عنه. ماذا عساها تفعل مع شاب لا مستقبل له؟
طرح اخيرا سؤاله الاهم :
-هدىواش راهي؟
-هدى تقول حد دعى عليها شر! يرحم باباك،كاين واحد يروح يعمل في التلفزيون والارهابيين كل اسبوع يقتلو صحافي
يا خويا تحب الاضواء بزاف .خليها تموت تحت الاضواء ؟
كان يريد ان يسأله هل تزوجت او هل في حياتها احد لكنه استنتج انها لم تتزوج بعد ،اما لسؤال الثاني فلا احد يجيب عليه سوها كم يشتهي ان يعرف هل مازالت تحبه هل تتذكره هل تشتاقه اكتفى بسؤاله عن مشاريعه .
- واش ناوي ادير؟
-ناوي ع الهربه .. مايسلكني غير البحر .كاين بزاف راحوا وراهم لسبانيا لا باس عليهم.
منذ عودته خسر كل اصدقائه السابقه احيانا يعذرهم بانسبه لهم ارهابي اما بنسبه للارهابيين فهو ليس جديرا بهذا الجاه
ان لم يقتلوه فلا نهم كانو بحاجه اليه ليس جديرا بهذا
حدث ان خطفو طبيبا وجاؤؤا به الى مخابئهم لمعالجه جرحاهم ، لكنهم اعدموه بعد ذلك ،اثناء محاولته الفرار مازال مصدق ان من ظلو هناك سمحو اله بانزول مه فوج مختبئين الاخرين
لحظه توقع ان يطلق احدهم النار عليه فربما دل الامن على مخابئ هم ان رجلا لم يقتل يوما احد لابد ان يقتل
الان وقد خبر كل شيء يحتاج الى اعاده اعمار روحه مما حل بها من خراب
حتى الكلمات تتطلب منه اعادة النظر الوطن الشهيد القتيل ...الخ
انتعبته اللغه اثقيله يريد هواء نظيفا فيه . لا فصحى ولا فصاحه ولا نزايدات
كلمات عاديه لا تنتهي بفتحه او ضمه او كسرن بل سكون يريد الصمت .
عبثا كانت هاله وامه تحاولان استدراجه للبوح بما عاشه خلال سنتي غيابه . كان دائما التهرب من كلام لا يوجد الا بتوقيت الاخبار المسائيه .
كلتاهما تعرفان انه ينتظر ان تطل هدى ليس اكثر فعندما لا تكون هي من يقدم الاخباريغادر عائد الى غرفته
يتأملها يتفحصها يقرا اخبارها اثناء قراءتها للاخبار .
يصل في كل مره الى نتائج مغايره مره انها سعيده وبتالي في حياتها رجل . ومره تبدوا له يائسه ومحطمه ولا يفهم لماذا تصر على البقاء امام الكاميرا لتعلن كل يوم اعتيال صحافي تجاوز عدد الصحافيين المثقفين التي تم اغتيالهم السبعين وهي مازالت تنعى كل يوم واحد منهم .
كانت هذه الفكره ترعبه كثيرا مايخشاه ان يحدث لها شيء ولا يرها ابدا ، هل يعقل ان يغيبها الموت ان يغطي التراب عينها الجميلتين وجسدها الذي لم يلمسه يوماوشفتيها اللينتين .
يقرر كل مره ان يطلبها في الغد
ثم تكون الكلمه الاخيره لعزه نفسه .فهي لا تدري انه عاد وبمكانها ان تطلبه ان شاءت لكنها منذ شهرين لم تفعل .
كانت كوابيس موتها تلاحقه .لا يتوقف عن تصور كل الاحتمالات التي يمكنه اغتيالها بها وهي مبتهجه الى التلفزيون او عائده منه مساء .
يحلم تنه جاثم يلثم جسدها باكيا ومتضرعا لله كي لا ياخذها منه فلا شي ،لا شي سواها يريده في هذه الدنيا.
ذات مساءوهو يشاهد على شاشه خطر في ذهنه ان يهاتفها على المحطه .
حال انتهاء الاخبار .يريد ان يفاجئها
كان المشكل وجود هاتف البيت في الصالون وهو لايريد ان يتحدث اليها على مسمع هاله وامه قرر ان ينزل ليطلبها من مقصوره هاتفيه غير بعيده عن البيت تذرع بالنزول لشراء علبه سجائر
في المقصوره اخرج من جيبه رقم الهاتف التيلفون الذي احضره منذ مده مذ بدأت فكره الاتصال بها تراوده ظل رقم البداله يدق لدقايق دون رفعه احد ثم اخيرا جاء رد صوت رجالي وجد نفسه يقول في ارتباك
اود الحديث للانسه هدى . هل يمكن لو سمحت ان تخبرها ان علاء على الخط
بداء الرجل على طرف الاخر من الخط على حذر ..رد بعصبيه :
اطلبها غدا ان شئت .
راح يلح:
-أود ان اتحدث اليها الان في امر هام .. ليتك فقط تخبرها باسمي .
رد الرجل:
ولكنها مازالت على البلاتو ، عليك ان تنتظر بضع دقائق وربما اكثر
رد مستجديا:
-سأنتظر .. ولكن وراسك لا تنساني ياخويا
قال الرجل:
-ذكرني بسمك
-علا علا الوافي .. اني احدثك من الشارع بالله لا تدعني انتظر طويلا .
مرت اكثر من عشر دقايق . عاد الرجل ليخبره ان هدى انتهت اثناء ذلك بثها وغادرت على عجل وانه ماستطاع الاحاق بها
لكن .. كان الخط مفتوحا زلا احد يرد سوى صوت طلقات رصاص اخترق دويها سماعه المقصوره
في الغد في انتضار الطائره العائده الي بيروت كان لها متسع من الوقت لتستعيد تلك التفاصيل كامله
وتحزن مجددا لان في سنه 2001 كاكانت الهواتف الجوال في متناول الناس في الجزائر والا لما نزل علاء ليلا الى تلك المقصوره لطلب هدى . كيف له ان يدرك انه يتصل بالرقم الهاتفي للموت ؟
نزلت دموعها . تلك التي احتفضت بها في سريره البارحه لعل غيومها كانت تبحث عن ذريعه كي تهطل . لعله النجاح المفضي الى الكابه او لعله الفقدان كل رجالها بمن فيهم ذلك الذي منحها بهجه كاذبه واختفى في هذا المطار نفسه الذي وعدها فيه يوم وصولهاقبل اسبوع
ظلت حتى اخر لحظه تتوقع اتصالا منه الان فقط بدأت تصدق قلبها للذي يوشوشها انها لن تراه ابدا وان قدرها الا تكون يوما سعيده
سعادتها كانت دائما سريعه العطب ، كأجنحه الفراشات .كلما حاولت الامساك بالونها انتهت بهجتها غبارا بين اصابعها .





منتظرة ردودكم الجميلة
حب4حب4




Mystery Empress likes this.
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية الأسود يليق بك لأحلام مستغانمي تطبيقات مالية متكاملة أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 11-19-2012 09:46 AM
رواية نسيان كوم لاحلام مستغانمي soumia124 أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 05-19-2012 01:46 PM
كتاب نسيان لاحلام مستغانمي ... روووووووعة جزائرية بافتخار أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 03-03-2011 01:59 AM
من رواية عابر سرير لاحلام مستغانمي - مقتطفات - ЯǒǑǒйĝ3ħ أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 11-28-2009 11:02 AM


الساعة الآن 05:52 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011