المغامرة 2 : خطوات تائهة في البيت المتحوّل (الفصل الخامس) .. 5.3
.
.
لقد كان الضوء ساطعاً بالنسبة للظلام الذي كانوا فيه فأغمض الجميع أعينهم فور أن فُتح الباب وهم يقفون عند الباب, ولم تمض ثانية أو ثانيتين حتى فتحوا بأعينهم فرأروا ذلك الجسد الضخم الذي كان بارتفاع خمسة أو ستة أمتار يسقط على الأرض وهو يتأوه وقد كان بلون الرماد بدا مظهره كجرذ ضخم, يتناسب مع مظهر الحجرة الذي بدا كالكهف.
وما إن ارتطم على الأرض حتى تنبّهوا لذلك الشيء الذي يقف بينهم وبينه حيث كان بعيداً عنهم, لقد بدت فتاة بهيئة بشرية, وبالرغم من أنّ وجهها كان مواجهاً لذلك الوحش إلا أنهم ميّزوا بأنها فتاة عبر شعرها البني الطويل الذي انتصف ظهرها وهي تربطه كذيل الحصان, وفستان أزرق قاتم يصل إلى ركبتيها وحذاء طويل ذو كعب نحيل, وبربطه مع الصرخة التي تعالى صداها سابقاً فقد افترض الرفاق بأنها صاحبة الصرخة.
كان الوضع هادئاً اللحظة وذلك الوحش على الأرض بدون وعي بينما كانت الفتاة ترتجف وهي تلهث, فقال أيهم بحماس: واو, لابد أنّ ذلك كان صعباً..
أدارت برأسها نحوهم بسرعة وهي تستدير, وأيهم يسترسل: بالنسبة لفتاة
بدت فتاة ذات تقاسيم وجه جميل وجسد طويل ورشيق, إنها تبدو أكبر منهم بقليل, بعينين خضراوين جميلتين رغم الحدة فيهما اللحظة وبعض الدموع وهي تقوّس حاجبيها وعلى شفتيها شيئاً من أحمر الشفاة, وقرطين فضيين ذات تصميم أنيق وطويل على أذنيها, كما أنّ شعرها البني ذو خصلات حمراء, وقفت بوضعية دفاعية وهي تمسك بعصوين وضعتهما بطريقة متقاطعة أمامها والأساور على معصميها تزيدها أناقة, كانت تبتعد عنهم مسافة أربعة أو خمسة أمتار تقريباً, أشاح سامي بعينيه خجِلاً من مظهرها الفاتن, بينما اقتربت أمل منها خطوتين وهي تقول بهدوء: هيه! هل هذا السلاح..؟
ولم تكمل سؤالها حتى قاطعتها قائلة بحدة وحزم: توقفي!
توقّفت أمل فجأة وترتسم على وجهها الدهشة كما بدا على البقيّة, فقالت الفتاة بحزم: إن اقتربتِ فلن تلومين إلا نفسك, لن يقترب أحد مني!
بدا على صوتها بعض الرجفة ويديها تهتزّان حيث بدت خائفة رغم تصنّعها القوة, فقالت أشواق بلطف وهي تقطّب حاجبيها: لاتخافي, نحن لن نؤذيكِ
أيهم بهدوء: أنتِ لاتبدين أحد سكّان هذا العالم, نحن أيضاً لسنا من هنا, لابد أنكِ أحد الأسطورة وجئتِ إلى هنا مثلنا
أمل بهدوء: السلاح الذي معكِ, من تلك المنطقة الفاصلة أليس كذلك؟
لم تجب الفتاة بل ظلّت على وضعيتها تنظر إليهم بصمت, فاقتربت أمل وهي تقول بهدوء: نحن جميعاً..
صرخت الفتاة بحدة: قلت لكِ لاتقتربي!
توقّفت أمل مكانها, فقال أيهم وهو يرفع حاجباً: نحن فعلاً سنجد صعوبة بالتعامل مع هذهِ الفتاة! فلندعها وشأنها ونخرج من هنا, يبدو أنها لن تحتاج مساعدتنا أيضاً
زفرت أمل زفرة طويلة وقالت بهدوء: اسمعي! نحن لسنا أعداء, وأياً كان من واجهتهِ فنحن لسنا معه, نحن لن نهاجمك
سارت أمل خطوة فصرخت الفتاة بحدة: ابتعدي عني!
حرّكت الفتاة بالعصا يمنة ويسرة بعشوائية فتوقّفت أمل مكانها, إنها لاتتصرّف بمهارة فهي تحرّك العصا بسرعة بطريقة جنونية وهي تصرخ, فأصاب إصبعها زراً جعل من جزيئات صغيرة غير مرئية أن تنطلق بوضوح من رأس العصا المثقوبة, فشعر أيهم بشيء ما يخز خده حيث شعر بألم, وضع يده على خده فإذا به قد جُرح, فقال بدهشة: هـ هيه! هذهِ الفتاة أطلقت شيئاً ما نحوي! هل تحاولين تسميمنا؟
سامي بارتباك: حسناً, إن كانت هذهِ الفتاة تريدينا أن تبتعد ونرحل فلنرحل قبل أن تؤذينا وتحلّ علينا كارثة ما
قالت جملتها الأخيرة وهي تنظر الفتاة التي لم تجب, فقالت أمل بكبرياء: حسناً, نحن لن نساعدها إن لم تطلب ذلك, إن أرادت أن تكون وحدها فلنتركها مثل ذلك الفتى الغامض
لم تضف الفتاة كلمة وهي توقف حركة يدها حيث بدت أنها قد شعرت بالتعب من تحريكها المستمر, فقالت أشواق بقلق: كلا, لن نتركها وحدها! فذلك الوحش كان يهاجمها, أليس كذلك؟
لم تجب الفتاة فقال أيهم بانفعال: هيه! هذهِ الفتاة هاجمتني!
أشهر أيهم بسلاحه وهو يقول بحزم: هذهِ أيضاً تملك شعراً طويلاً قد تقيّدنا جميعاً به
أشواق بقلق: ولكن سلاحها ..
قاطعها أيهم بانفعال: اصمتي! ستحاول مهاجمتنا بسلاحها الغريب ذاك
الفتاة بحزم: رفيقكم محق, ابتعدوا عني فحسب وإلا فسأهاجمكم مجدداً
حدّقت أمل نحوها وهي تمرر ببصرها نحو سلاحها, فقالت الفتاة وهي تصرخ بنبرة حازمة: ابتعدوا عني! ارحلوا!
سامي بقلق: هيا فلنرحل
أيهم بغضب: نعم سنرحل!
همست أشواق باسم أمل وكأنها تحاول استنجادها لإنقاذ الموقف, فقالت أمل بهدوء: حسناً.. فلنوضح الأمر الآن أيتها الفتاة, من أنتِ؟ وكيف وصلتِ إلى هنا؟
سار أحدهم بهدوء وبصمت بحيث لم ينتبه أحد إليه سوى أشواق التي دُهشت وهي تراقب اقترابه بصمت, فأمسك بالعصا التي تشهر بها الفتاة, أدارت برأسها نحوه بسرعة حيث فوجئت به فإذا به الفتى الغامض ذو العينين الحادتين وقد كان أطول بثلاثة أو أربعة سنتيمترات, اتسعت عينياها من حركته المفاجئة, فقال أيهم بدهشة: أنتَ مجدداً
صرخت الفتاة بحدة: ابتعد عنّي!
تركت الفتاة العصا لتكون بيد الفتى الغامض, في حين تراجعت ثلاث خطوات عنه وهي تمسك بعصاها الأخرى بكلتيّ يديها, فقالت أمل بحزم: حسناً.. ماعلاقتك بهذهِ الفتاة؟ ومن تكون هي؟ من أنت على أية حال؟ .
.
|
|