الفصل الثالث عشر / 1
في الصباح أتت ماري إلى مكتب السيد روبنسون الذي كان بابه مفتوحاً على مصرعه و علامات الهموم و الكآبة و البؤس تظهر على روبنسون , قالت له ماري بقلق : سيدي , أنت على جلستك منذ أمس , خذ قسطاً من الراحة رجاءً
قال بصوت مكسور : كيف حال الأولاد ؟
عرفت ماري أن هذا ما كان يشغله و هو يراهم يُنقلون إلى سيارات الإسعاف الواحد تلو الآخر , ما زاد الهم هماً انه تم اختراق نظام المنظمة و تم عرض المعركة أمامه استهزاءً به , كل ما تتمناه ماري الآن هو عودة الأولاد لعلهم يعدون البهجة إليه .
قدمت له ورقة وضعتها على مكتبه بهدوء و خرجت و قد كانت تقرير للحالة الصحية التي تمر بها المجموعة , قرأها بهدوء و تأني و كل التقرير تشير إلى أن الجميع سيكنون بخير لكن هناك فرداً ليس موجوداً في القائمة ألا و هو كايرو .
رفع السيد روبنسون سماعة الهاتف و اتصل بالمستشفى التابع للمركز , سمع صوت أنثوي :
كيف استطيع خدمتك سيدي ؟
قال بتعجل :
الدكتور بيتر من فضلك
انتظر لثوان ليسمع صوته :
مرحبا بالسيد روبنسون
رد روبنسون :
أهلا , أود الاستفسار عن حالة كايرو , إنها ليست مرفقة في التقرير الذي طلبه
الدكتور بيتر : أعلم مسبقاً , لم يتسن لي تفحصه بنفسي و قد كنت أشاهد إلحاحكم الشديد على معرفة الحالات التي وصلت في ذلك الوقت الحرج , أرسلت لك ما اعلمه لكن حالة كايرو هي التي أخرتني عن تبليغك
السيد روبنسون :
و كيف هي حاله الآن ؟
الدكتور بيتر : في الحقيقة استيقظ رفاقه كلهم عداه و عندما أجرنا له الفحوصات اللازمة وجدنا أن خلايا دماغه مرهقة بشكل فضيع لا يمكن وصفه , و بعد مروره بالأشعة رأينا أن ضغط دم رأسه تركز حول عينه اليسرى بشكل كبير و هو يعاني من ذلك الضغط في تلك المنطقة , ولا أخفيك سراً هو يتألم منذ وصوله بسبب ذلك و لا يستطيع أن يخرج من الغيبوبة و الإرهاق العصبي الذي عاناه
روبنسون بتوتر ملحوظ :
ما الحل إذا في هذه الظروف ؟
طمأنه بيتر : لا تخف , يجب أن يخضع لعملية جراحية فورية لتخفيف الضغط عن تلك المنطقة ليكف الألم عن الفتك به و بعدها سنقدم له الأدوية و المحاليل التي ستنشط دماغه مع مرور الوقت , أدهشني أنه يتمتع ببنية صحية و قوية , ( سيعيش ) لكن لا تتوقع رؤيته مبكراً
ختم روبنسون :
شكرا لك دكتور بيتر
بيتر بلطف :
على الرحب ------------------------------------------------------------ 13
في مكان مجهول بالاحرى مكتب مظلم , كان هناك حوض سمك كبير أمام جدران ذلك المكتب المخيف , تقدم كريس بسعادة يحمل في يده ملفاً وضعه على طاولة لك الرجل و قال له بابتسامة ماكرة : جمع المعلومات عنهم بسيط كما ترى , تفضل و إذا رغبت في شيء لا تتردد في طلبه , تمتع بالمعلومات و أستأذنك الآن
التف كريس إلى الخلف و خطا خطوة باتجاه الباب إلا أن الرجل الذي يجلس خلف المكتب استوقفه و هو ينطق بكل كبرياء حينما كان يتكئ على ظهر الكرسي : تبدو سعيداً .. هل كان المهمة ممتعة لهذه الدرجة ؟
ابتسم كريس حيث ظل على وضعيته مجيباً : لم تكن المهمة تحمل أي جهد يذكر و لكن .. ينتظرني موعد ترقبته منذ شهرين
أدار رأسه موجهاً نظره نحو الرجل مردفاً : عذراً سيدي .. لا أريد أن أتأخر
و من جهة أخرى في حجرة مظلمة قد أطل عليها نور البدر من خلال النافذة , أدخلت لورا سيفها في جيب سترتها و ملامح وجهها لم تكن تنم على البرود كالعادة بل سادها الحزم و هي تقوّس بحاجبيها متذكرة كلمات ليوناردو " أولا يعنيك الأمر أيضاً بإنهاء ما بينكما أنتِ و كريس ؟ " أجابت لورا مفكرة : بلى سأنهيه
لمع طرف السلسال الذي تضعه على عنقها فأكملت ذاكرتها سرد الأحداث الماضية بقول ليوناردو " أم أنكِ تريدين التستّر عليه ؟ " احتدت نظرة عينيها و هي تنظر صوب صورة تمسكها بإحدى يديها , قد التقطت لها مع كريس ثم أدارت برأسها نحو كارولاين التي تنام بهدوء على السرير المجاور و صورة كريس ترتسم في ذاكرتها بابتسامته الماكرة ..
أخذ رشفة من الكوب و وضعه على المكتب حينما كان دخان القهوة الدافئ يتمايل في الهواء , ثم وضع يده على مقدمة رأسه و أخذ يعصرها حيث بدأ الصداع يسري في رأسه , متجاهلاً جميع المعلومات التي سطّرت على الأوراق المبعثرة أمامه , قد بدا على السيد روبنسون أنه في قمة حيرته و قلقه حول الأحداث التي بدأت تتطور بشكل مقلق , حتى دخل ليوناردو الحجرة بدون سابق إنذار موبخاً أخيه الذي رفع رأسه بسرعة : تدعيّ بأن هذه المنظمة لديها كل التقنيات المتطورة لإنهاء الفضائيين بينما تمكن شاب أخرق بكل سهولة من الدخول إلى هنا و تشغيل فيديو ليوقعنا في فخ نصبه
روبنسون بهدوء :
ليو ! اهدأ
ليوناردو : هه لقد ظننت بأن منظمة كهذه ستمكنني من فعل ما رغبت به منذ مدة طويلة و لكنني كنت مخطئاً , أنا خارج من بينكم !
استدار ليوناردو ليسير باتجاه الباب و لكن روبنسون استوقفه : ليو , رجاءً
أدار ليوناردو رأسه ببطء ليقع نظره بعيني روبنسون الحازمة ..
ظلام حالك احتوى ذلك المصنع المتهالك الذي قد بدأ يعاد ترميمه , لكن نور البدر الفضي بدأ يتسلل من نوافذه و زواياه المنهارة .. فُتح الباب و قد بدأ يُسمع صدى خطوات واثقة تسير هناك , تلفتت لورا حولها و ملامح وجهها الباردة لا تهزّها رهبة من جو المكان المخيف , و هي تلمح من ذاكرتها ما حدث سابقاً أثناء قتال الفضائي مع البقية , حيث كان كريس يسير باتجاه الباب و كايرو ينادي " انتظر " , حاول كايرو اللحاق به و لكن الفضائي صاحب الشعر البرتقالي وقف أمامه , و هكذا سار كريس بأمان و لورا تراقبه بصمت حتى سقط شيء ما منه لمع في الهواء حتى استقر على الأرض حين كانت أنظار البقية متوجهة نحو الفضائي و لورا فقط قد تنبهت إليه , هكذا سارت بهدوء في الظلمة حتى ضغطت زر المصباح اليدوي بيدها و بدأت تبحث في الأرض حتى لمحته يلمع و هي تمرر ضوء المصباح بسرعة فاتسعت عينيها لتعيد الضوء إليه , فاقتربت منه و انحنت لتلتقطه فلم يكن إلا سلسالاً فضي يحمل رمز نصف القلب , تمعّنت به ثم أرخت جفنيها إلى النصف و قد بدا عليها الحزن متذكرة مشهد كريس و هو يجلس على أريكة بجوارها و يلبسها سلسالاً فضياً يحمل نصف القلب الآخر حيث بدت عليها السعادة , فأغمضت عينيها بيأس و هي تقبض على رمز نصف القلب الذي ترتديه , حتى شعرت بأحد خلفها فأدارت رأسها بسرعة و هي تقف موجهة ضوء المصباح إليه لينطق كريس رافعاً يديه مستسلماً : لا بأس , لم آتِ لإخافتك
تسمّرت لورا مكانها تنظر إليه لينزل كريس يديه و ابتسامة واثقة تعلو محياه مردفاً :
كنت أعرف أنكِ ستأتين .. لورا !
ليوناردو : رغم كل مايحدث , لقد بدأت خطورتهم تزداد و أنت لا تزال لاتوظّف سوى الأطفال
روبنسون : سأطلب من الوحدات الداعمة بالتدخل .. فعلاً لقد بدأ يزداد الأمر خطورة
ليوناردو : هه اخرجني من هذا و ذاك .. لم أعد مهتماً
روبنسون : حتى يستوليّ الفضائيين على الأرض و يفوت الأوان !
تنهد ليوناردو مسترخياً على الكرسي و هي يغّير أجواء الحديث مضيفاً : كنت أتساءل , كيف تمكّن ذلك الشاب من إيصال الفيديو إلينا , سمعت أنهم قد وجدوا قرص الفيديو في الجهاز و لا احد يعلم مصدره , هذا يعني بأنه قد أدخل أحداً إلينا بدون أن يلحظه أحد , و ربما يكون هو نفسه
بقي روبنسون صامتاً ليردف ليوناردو :
هذا لا يهم بقدر نظرات تلك الفتاة ؟
رفع روبنسون رأسه نحو أخيه ليتابع كلامه :
ذلك الشاب .. كريس باريت أليس كذلك ؟
و في ذلك المصنع لا تزال لورا توجه بالمصباح نحو كريس الذي حدثها بهدوء :
إذاً .. أنتِ مازلتِ مهتمة بالفعل
قوّست لورا حاجبيها و ردت بحزم : لم أعد مهتمة إلا بالبحث عن خفاياك ليسهل القضاء عليكم , لقد آذيت رفاقي و سأكون خصماً لك إن كنت لا تزال تريد تدمير البشرية
همهم كريس بأريحية لينطق بهدوء و ابتسامة واثقة ترتسم على وجهه : كنت أتساءل سبب عودتك الحقيقي إلى هنا و لكنني أدركت بأنكِ كنتِ تعرفين بأن ما ألقيته سابقاً هو سلسالي الذي لا تزالين تمسكينه بيدك بقوة
تفاجأت لورا لوهلة و حوّلت قبضة يدها ببطء خلفها ليتابع كريس :
كما أنكِ .. لا تزالين تردينه .. السلسال الذي تقاسمناه
لمع سلسالها بفعل نور البدر المتسلل من نافذة عليا بفعل تحرّكها الخفيف إلى جهة اليسار , فقوّست حاجبيها و ردت بحزم مبررة : بل من أجل البحث عن دليل
ليتابع كريس بثقة :
أنتِ لا تزالين لا تستطيعين إخفاء شيء عني لورا
تقدّم كريس نحوها خطوتين و هو يردد كلماته حتى صرخت لورا : توقف !
أخرجت قبضة سيفها من سترتها و برز نصله لتوجهه نحو كريس الذي تراجع إلى الخلف خطوة مندهشاً من ردة فعلها السريعة لتنطق بحزم : إذاً ابق مكانك .. إن تقدمّت خطوة فسأقاتلك , أنت تعلم جيداً بأنني لن أتراجع
حدّق كريس بها قليلاً حيث بدا عليه الاندهاش حتى أطلق ضحكة خفيفة مضيفاً :
أتشهرين سيفك نحوي ؟ أنتِ مازلتِ لاتفهمين ..
خطا خطوة إلى الأمام متابعاً : نحن يمكننا ..
لاحظته لورا فضربت بسيفها نحوه ليتراجع خطوتين إلى الخلف مذهولاً ويسقط المصباح من يدها ليستقر نوره عليهما , فتضيف لورا بحزم : كل ماحدث في الماضي انتهى أمره بمجرد انضمامك إليهم , نحن في طرفان متعاكسان كريس , إن كنت لا تزال تريد البقاء هناك فأنا سأظل أشهر سيفي نحوك
مالت ابتسامته بخبث مضيفاً :
إذاً , نحن لن يظل بيننا سوى القتال حتى نكون في طرف واحد
اهتزّت يده ليخرج من تحت جلد رسغه ثلاثة مخالب لم تؤذيه , فاتسعت عيني لورا ليندفع كريس نحوها بقوة مهاجماً إياها بمخالبه فتضع سيفها وقاية و تصطدم مخالبه بسيفها لترتد لورا إلى الخلف و تسقط على ظهرها , حتى رفعت رأسها بسرعة و هي تنطق بذهول : كريس ! أنت ..
بقي كريس واقفاً بصمود ينظر إليها بابتسامة ثقة ..
فتحت كارولاين عينيها بسرعة و جلست على سريرها ثم أدارت رأسها نحو سرير لورا فلم تجدها ليبدأ القلق يداهمها و هي تهمس : لورا ..؟
ظلت لورا تحدّق بكريس حتى نطق : نصف فضائي متحوّل , من المستوى الثالث أقارب للوصول لمستوى أكثر تطوراً
بدأ القلق و الذهول يحيط بـ لورا حيث بدأت الأفكار تتخبط في رأسها و عينيها صوب كريس الذي تابع و عينيه صوب يده التي يقبضها مراراً استشعاراً بالقوة : التمتع بهذه القوة أمر جميل , صحيح أن الحصول عليها أمر صعب و لكن النهاية رائعة حتماً .. ما رأيك بها لورا بقوة شيء منها ؟
حوّل بعينيه الأرض حيث لورا لكنه لم يجدها , فزفر بأريحية ليتحدث بصوت عالِ : ما عهدتكِ جبانة لورا
كانت لورا مختبئة خلف إحدى الحيطان مفكرة : قتال فضائي من المستوى العالي فردياً حماقة , سأتصل بالبقية
رفعت ساعدها حيث الساعة ذات الجهاز اللاسلكي لكنها لم تجدها , فقطبت حاجبيها مفكرة : يا إلهي لم أحضرها
كانت كارولاين في الحجرة مضيئة واقفة أمام المنضدة قد لاحظت وجود كلا الجهازين عليها و كتاب , فهمست متسائلة : سيفها ليس بأي مكان في الحجرة , لا يمكن أن تكون قد ذهبت إلى المكتبة في هذا الليل !
أغلقت كارولاين المصباح المكتبي الموجود على المنضدة و لكن بحركة سريعة من يدها أسقطت الكتاب ليقع أرضاً , ارتبكت و انحنت لتلتقط الكتاب و وقفت بسرعة لكن ورقة ما قد سقطت منه , فوضعت الكتاب بسرعة على المنضدة و انحنت لتلتقط الورقة , قلبتها فاتسعت عينيها مندهشة و هي تهمس : هذا الشخص , لا يمكن .. لورا
لم تكن تلك الورقة إلا صورة لـ لورا و كريس فكما يبدو بأن كارولاين قد تعرّفت عليه حينما قاتلوه سابقاً .
و بينما لورا في حيرة من أمرها حتى تنبّهت لظل بجوارها فانطلقت هاربة لينطلق ليزر حطّم جزءاً من الحائط , ركضت لورا حتى اختبأت خلف إحدى الأجهزة الضخمة و يرتسم القلق على عينيها مفكرة : لقد جن كريس تماماً , لماذا كريس .. لماذا ؟
ضخت الطاقة إلى المصنع فجأة حيث فتحت الأنوار و بدأت الأجهزة تعمل , تلفتت لورا حولها حتى سمعت صوت كريس : توقفي عن الهرب هنا و هناك و واجهيني لورا , لا تتراجعي عما قلته لي
أدارت برأسها لتطل خلف الجهاز الضخم حتى شعرت بظل عليها لترفع رأسها بسرعة فإذا بـ كريس ينقض عليها لتتفادا هجومه و هي تتدحرج إلى الجهة الأخرى , و قفت لتكون مقابل كريس الذي ابتسم مضيفاً : أتذكرين ؟ يوم كنتِ تهربين من العالم و تأتين إليّ .. من الذي تذهبين إليه الآن ؟ ألا يفترض بالحال أن يظل كما هو ؟
لورا بابتسامة ثقة :
هه مَن مِن المفترض أن يطرح هذا السؤال للآخر ؟
كريس بثقة :
من يكون محقاً !
اندفع كريس نحوها و لكنها ضربت سيفها على الجهاز بجانبها فانطلق غاز منه أوقف كريس مكانه و هربت لورا منه ,
|
|