الفصل الخامس عشر / 1
فتح عينيه تدريجياً ببطئ شديد , وحاول أن يفهم ما يدور حوله من أمور , كانت تلك الوجوه المبتسمة تحوط الغـرفة , أمسك ريكاردو بيد والده وسأله:
-كيف حالك؟
كان روبنسون ما زال يحاول إستعادة تركيزه , أخذ نظرة ثانية حوله , ليردف:
-هل .. هل حصل ذلك حقا ؟
اقتربت منه ماري بابتسامة مرتاحة:
-ما يهم هو انك بخير.
-ماذا عن الخسائر ؟
اقتربت كاسيدي لتقول:
-لا تقلق بشأنها !
تهكم ريكاردو:
-أبي ! توقف عن ذلك .. فقط تحسن لكي تعود للمنظمة.
اصتنع روبنسون إبتسامة ليجاري الأحداث الحالية , رغم أن كل ما كان يشغل تفكيره هو عمله والمنظمة. .
.
جلست لورا أمام تلك الشـاشة الكبيرة على كرسي توسط الغرفة الواسعة.
وقف كريس بجانب الشاشة وبدأ بتشغيل العرض مظهراً صوراً لروبنسون , قـال بجدية:
-هذا هو رئيس المنظمة التي نريد تحطيمها , كل من يعمل تحت إمرته ساهم في فقدان ذاكرتك وسلبك حياتك.
نظرت إلى كريس ببرود ثم قالت متسائلة:
-لا أفهم , لماذا فعلو ذلك؟ لم قد يريد أحداً أن يؤذيني؟.. من أنا؟ ------------------------------------------------------------ 15
ترك يده بهدوء ثم قـال مودعاً:
-سأتركك لترتاح الآن.
هم ذاهباً لكن روبنسون استوقفه قائلاً:
-إطلب من ماري أن تدخل , أحتاج لحديثها.
التفت ريكاردو وقال بقليل من الإنزعاج:
-عليك أن تتوقف عن تفكير عن عملك حالياً أبي.
-إنه أمر مهم.
شعر ريكاردو بأنه لا فائدة من إقناعه بذلك فخرج من الغرفة وأخبر ماري بأنه يريد محادثتها , أسرعت ماري للدخول حالاً ووقفت بجانبه بعد أن أغلقت الباب.
إنحنى روبنسون ليجلس ثم نظر إلى ماري وقال لها بجدية:
-أخبريني بأحوال الشركة.
-سيدي , لم لا ترتاح وتهتم بذلك لاحقاً؟
-الآن ماري.
-لقد دمرت أجزاء كبيرة من المبنى ولكنهم بدأو يعملون بالفعل في إعادة ترميمه , لا شيء لتقلق بشأنه.
-ماذا عن الفضائيين؟ أهناك أي نشاط حديث لهم؟
-كان هناك بعض منهم لكننا تولينا الأمر حالاً.
-والموظفون؟
-أصيب عدد كبيرٌ جداً منهم , وعدد الوفيات 5 , أنا آسفة .. لكن تلفيق موتهم قد تم.
جالت عيني روبنسون أرجاء الغرفة ليقول أخيراً مفكراً:
-إطلبي من ليوناردو أن يحل مكاني في هذه الأثناء...
أخذ يسعل مرهقاً لكنه أكمل:
-وقومي بإعادتهم إلى المنظمة لا نستطيع أن نترك الأمور هكذا ,
إن قامت المنظمات المتمردة بالهجوم علينا فهذا يعني أنهم بدأو بالتحرك.
-ماذا عنك سيد روبنسون؟
-سأعود إلى المنظمة حال تحسني.
أومأت برأسها ثم خرجت منفذة أوامره.
مع شروق الشمس وإنتشار أشعتها , كان يقف فوق جسر لندن الكبير , شارداً بالتفكير ينتظر أحداً هناك , أزعجته تلك الترنيمة الصادرة من هاتفه وقطعت حبل أفكاره , نظر إلى المتصل ثم أجاب:
-أهلاً.
تحدثت المتصلة قائلة:
-سيد جاكفيلدون , لدي بعض الأخبار لك قد تبدو سيئة قليلاً.
-هاتي ما عندك ماري.
-السيد روبنسون في المشفى حالياً , وقد تم الهجوم على المنظمة أثناء غيابك , الأمور سيئة بالنسبة للمنظمة..
حول نظره إلى الأرض وتغيرت ملامح وجهه قليلاً ثم سأل:
-وروبنسون؟
-حالته مستقرة وهو بخير كذلك , لقد طلب مني أن أخبرك أنه يريدك أن تحل منصبه في الوقت الحالي.
-حسناً.
-الآنسة لورا لم نتمكن من وجودها حتى الآن , وقد اختفت كارولاين أيضاً.
-لا تقلقي بشأن كارولاين , أنا آتٍ.
أغلق الخط , ثم نظر حوله باحثاً عن أي أثرٍ لكريس , وفي لمحة بصر إختفى.
سارت كارولاين في أرجاء المبنى بينما كان الرجال موزعون يعملون على كل زاوية , أخذت تنظر إلى الحطام الموزع في كل مكان وملامح وجهها توحي بتوترها وقلقها.
من زاوية أخرى للمبنى حيث كان أبطالنا داخلين إليه للتو , كانت كاسيدي تسير عرجاء بسبب قدمها المكسورة مستندة إلى تلك العصا , رأى الجميع كارولاين تقف مخفضة رأسها والندم بادٍ عليها.
ركضت جولي نحوها وسألتها:
-كارولاين .. هل أنت بخير؟
أومأت برأسها , فسألت آبيغال:
-أين كنت؟
نظرت إليهما ثم قـالت بحزن:
-كان بإمكاني المساعدة إن كنت هنا .. أشعر أن جزءاً من كل هذا هو خطأي.
إنضمت إليهم كاسيدي وقالت مبتسمة:
-إنه ليس خطأ أحد , كارو.
ظهر ليوناردو بينهم فجأة دون سابق إنذار وأعلن قائلاً:
-إلى قاعة الإجتماعات.
نظر ريكاردو إلى ساعته بملل ثم قال:
-نحن هنا منذ نصف ساعة .. لا أفهم مالذي ننتظره؟!
حدقت آبيغال إلى ليوناردو المستلقي على الكرسي واضعاً قدميه فوق الطاولة ومغمضاً عينيه بسكينة , كانت ماري تقف بجانبه ننتظر أوامره , قـالت آبي متذمرة:
-يفترض بنا أن نبحث عن لورا الآن , أو أن ندمر المنظمات المتمردة , أو أن نقاتل الفضائيين .. الجلوس هنا دون فعل شيءٍ لا فائدة له.
وافقها جونثان:
-أنت محقة , وإن كنا سنجلس هكذا فعليك أن تخبرنا لماذا ليوناردو.
فتح نصف عينيه ثم قال بتعب:
-نحن ننتظر , حتى نكون جاهزين في أي وقت.
وضعت ماري يدها على سماعة الرأس الخاصة بها , منصته إليها بحذر , قالت بعد عدة ثوانٍ:
-لقد اكتشف نشاط حول المصنع الذي قاتلتم فيه مؤخراً.
احتدت عينا ليوناردو قائلاً:
-كم عددهم؟
-واحد.
أنزل قدميه ثم التفت إلى ماري وسألها مستغرباً:
-في أي مستوى؟
-هذا غريب قليلاً , لكنه قد يتعدى المستوى الثالث.
جالت بعض الأفكار المتضاربة في أنحاء الغرفة , حيث لم يفهم أحدهم ذلك.
سألت آبيغال:
-هل هو يتحرك؟
أجابت ماري:
-إنه ثابتٌ في مكانه حقيقة.
اقترحت كاسيدي:
-فخ..
قال ليوناردو:
-يبدو ذلك.
استفسرت جولي:
-كيف يمكن أن يكون هناك فضائي يتعدى المستوى الثالث؟
أكملت كاسيدي عنها:
-هل يمكن أن يكون هناك فضائيون ذو مستوىً رابع؟
أجابهم جونثان:
-يجب أن نذهب لنكتشف ذلك.
لم توافق كارو على هذه الفكرة فقالت:
-لن يكون هذا جيداً , أعني الأمر واضحٌ أنه فخ.
بعد اختلاف الفريق إتجهت الأنظار كلها إلى الشخص الوحيد الذي سينفذون كلمته مهما كانت , قام ليو بإعطائهم الإجابة التي يبحثون عنها:
-سنذهب.
ازدادت حماسة جونثان:
-أجل.
عارضته جولي:
-بفعلنا هذا سنتعرض للخسارة نفسها التي تلقيناها في المرة السابقة , أنت متأكدٌ من ذلك؟
ساندتها كارولاين:
-وفريقنا ناقص هذه المرة , لن نملك فرصة.
ارتكز ليوناردو على ظهر كرسيه وأعاد التفكير مجدداً , نظر إلى جونثان ثم سأله:
-إلى أي مدى تستطيع الارتفاع؟
أجابه ببساطة:
-مئتا متر.
أردف ليو:
-ستأتي معي إذاً.
وقف آبيغال ثم قالت غاضبة:
-هذا ليس عدلاً , ثم أنك لا تفكر بعقلانية إطلاقاً , نحن لا نعرف ماذا سنواجه هناك وستذهب أنت وجونثان فقط؟!
-سنذهب للإستكشاف فحسب , وبما أنني أنا وجون الوحيدون الذين نستطيع الفرار بسهولة إن كان شيئاً لا نستطيع هزيمته , عدا إن كنتم تريدون البقاء والإنتظار هنا حتى يتحرك ذلك الفضائي.
جلست آبيغال بعد أن هدأت , لكن كاسيدي سألت:
-ماذا إن كان قادراً على الطيران كذلك في المصنع؟
-في وجود إحتمالية أنه يستطيع الطيران سأقوم أنا بنقلنا , وإن كان ينتقل مثلي فسنطير , الأمر بسيط.
قـال جونثان:
-إذاً ماذا ننتظر؟
نهض ليوناردو من كرسيه وكذلك جونثان ثم غادرا الغرفة.
توقفت تلك السيارة السوداء الفـاخرة أمام بـاب المصنع الكبير الحديدي , ترجل جون وليو من السيارة ثم اقتربا من الباب , تبادلا بعض نظرات الاستعداد ثم فتح جونثان الباب مستخدماً قدمه بهدوء , وقبل أن يدخلا خاطب ليوناردو جون : لنذهب ونجد ذلك الفضائي , تذكر نحن هنا للاستكشاف فحسب , لا تقم بعمل متهور.
اقترح جونثان : أعلينا التفرق ؟
أجابه ليوناردو :
سيكون هذا أفضل وأسرع.
قـال جون :
سأغطي أنا المصنع بسهولة.
ليوناردو :
إذاً سأتولى أنا ما حوله.
فرد جونثان جناحيه الأبيضين وطار إلى سقف المصنع وراح يبحث عن فضائي .
بينما ابتعد ليوناردو وأخذ يتنقل حول المصنع باحثاً عن الفضائي أيضاً.
لمح جون رجلاً لم يتمكن من تحديد شكله , فهبط جونثان دون أن يجذب إنتباهه واقفاً بعيداً عنه.
تفحص جون الفضائي جيداً , وبدأت ملامح الذهول تظهر عليه , حيث كان منحنياً إلى الأمام , وحجمه حجم رجل طبيعي إلا أن تلك الأشواك الغريبة برزت من ظهره فبينت حقيقته , كان أصلعاً وجلده أخضر اللون مقززاً لأيٍ من يراه.
استغل جونثان عدم انتباهه له وقرب ساعته من فمه وهمس :
لقد وجدته في وسط المصنع ,حقاً لا أعرف مالذي نواجهه.
أجابه ليو عبر الساعة :
لا تتحرك سآتي حالاً.
وبعد لحظات معدودة ظهر بجانب جونثان وقال باستعجال:
أين هو؟
لفت ذلك نظر الفضائي حيث أدار وجهه قليلاً , وحين رآهما يقفان ويشاهدان ارتسمت تلك الابتسامة المخيفة على وجهه , حين بدأ بإدارة جسده ظهرت تلك الجثة الهامدة الملقاة أمامه , وعينيه الحمراوتان الامعتان وتلك الأسنان الحادة التي ملأت فمه بشكل مرعب , وقف الفضائي وبسرعة عالية جداً إنقض عليهم , حينها ارتبك جونثان بينما تصرف ليوناردو بدهاء وأمسك يده واختفيا من هناك معاً.
توقف الفضائي بعد أن أدرك هروبهما منه , ثم بدأ جلده ليتحول للون البشرة الطبيعي , وبعد ذلك نما له شعرٌ أسود قصير من رأسه وأصبح كإنسان عاديٍ تماماً.
خرجت من الحمام وتلك المنشفة ملتفة حول جسدها بينما تدلى شعرها الأسود الطويل , طرقت كارولاين باب الغرفة منادية : آبي ..
تقدمت آبيغال ثم فتحت الباب وقالت :
مالأمر؟
أجابتها كارو :
لقد غادرت القاعة فجأة وتأخرتي في العودة فقلقت عليك قليلاً.
ابتسمت آبيغال وقالت :
لا داعي للقلق , لقد سئمت الإنتظار هناك فأخذت حماماً دافئاً.
قالت كارولاين :
يسعدني أن كل شيءٍ على ما يرام , سأتركك وحدك.
ودعتها آبي :
أقدر قلقك.
ثم أغلقت الباب فعادت كارولاين لقاعة الاجتماع.
فوق تلك الطاولة المستديرة حيث جلس الجميع حولها , ظهر جونثان وليوناردو فجأة فوقها.
ابتسمت كاسيدي : آهلا بعودتكما .
قال ليوناردو بجدية : لدي إعلان .
وقفت جولي بحماس: هات ما عندك .
نزلا ليوناردو و جون من فوق الطاولة ليتخذ كلاً منهما مكانه حيث جلس جون على إحدى الكراسي
و بقي ليو واقفاً عند النافذة فنطق الأخير : سنغادر مبنى المنظمة !
صرخ الجميع مندهشين حيث أضافت كاسيدي و هي تقف :
ماذا ؟
ليوناردو بحزم : لقد تم تحديد موقع المبنى من قبل الأحزاب المعارضة و لذلك فإن بقاؤنا هنا خطر كبير علينا ثم إنه قد تم تدمير معظم مرافقها و لذلك فسيعود الجميع إلى منازلهم حيث سيخلى المبنى من دون أي استثناء
آبيغال مقطبة حاجبيها : و لكن ...
صمتت آبيغال بدون أن تكمل جملتها فأضافت كارولاين :
و ماذا بشأن كايرو و السيد روبنسون و .. لورا
ليوناردو بهدوء :
سيتم نقل كايرو إلى إحدى المستشفيات بسرية و كذلك أخي حيث سيبقى ريكاردو معه
أما لورا فسنواصل البحث عنها ..
جولي بنبرة حزينة :
هذا مؤسف ! كل هذه الخسارة .. نحن حتى لم نكمل إنشاء بقية الغرف
ليوناردو بهدوء :
اذهبوا إلى منازلكم و نحن سنفيدكم بالمستجدات
نهض الجميع بهدوء مثقلين بـ همٍ مغلف بغشاء من ألم , متجهين نحو الباب و ليوناردو يراقبهم بصمت
غير أن جوناثان قد تقدم نحوه قائلاً : بشأن ذلك الفضائي .. لمَ لم تخبرهم ..؟
ليوناردو بحزم : لا تخبرهم !
جوناثان بحزم : لماذا ؟ يجب أن يعلم الجميع بـ ..
ليوناردو بحزم : لا تخبرهم !
اندهش جون من رده الحازم ليضيف ليوناردو و هو يستدير باتجاه النافذة : أنت تعلم جيداً ما رأيناه ..
ذلك الفضائي من المستوى المتقدم جداً , إن أخبرناهم في هذه الظروف فسيزيد الوضع سوءاً
قوّس جوناثان حاجبيه و رد بحزم : فهمت !
لا يزال كريس يقف مواجهاً لورا التي كانت تنظر صور عينيه و تسأله باضطراب مقوسة حاجبيها : لماذا يريدون أذيتي كريس ؟ أنت تعرفني أليس كذلك ؟ .. من أنا ؟ لماذا فقدت ذاكرتي و كيف ؟ مالذي حدث لي ؟
جلست على الكرسي بجانبها و تابعت بتبرة باكية و عينيها تدمعان : ماهو ماضيّ ؟ من أنا ..؟ من أنا بالنسبة لمن أفقدني الذاكرة ؟ لماذا أنا ؟ أريد أن أعرف !
جثى كريس على إحدى ركبتيه و أمسك ذقنها بأطراف أصابعه و يمح دمعاتها بإبهامه برقة مجيباً بنبرة هادئة : لأنكِ كل شيء , أنتِ الجوهرة التي لا يمكن الاستغناء عنها .. أنتِ الأهم ! و كل شيء !
حدقت لورا به تحاول تفسير كلماته برأسها فسألت بحيرة : كريس .. لم أفهم ! هل أملك شيئاً يبحث الجميع عنه ؟
بقي كريس صامتاً برهة ينظر إليها , و هي تنتظر منه الإجابة فاستقام على ساقيه و أدخل يديه في جيبيه مجيباً : إن العالم الذي نعيش فيه بدأ بالانقلاب يا لورا, الناس الذين كنّا نعيش معهم و بينهم توسع فيهم الجشع و الطغيان من أجل مصالح شخصية , لهذا السبب .. لهذا السبب يالورا قررنا أن نبدأ عالم جديد خالِ من أطماع البشر , أنا و أنتِ و كثير من الناس قررنا أن نصنع العالم الجديد و ندمر جميع الأحقاد من هذا العالم , لذلك أنتِ في خطر و تم مسح ذاكرتك .. أنتِ يا لورا ..
طرق أحدهم الباب ثلاثاً مقاطعاً كريس الذي أدار رأسه نحو الباب هو و لورا ليدخل أحدهم :
عفواً سيدي كريس , السيد سيرآ يطلبك
تنهد كريس بانزعاج ثم أدار رأسه نحو لورا التي كانت تنظر إليه بـ حيرة فابتسم لها و هي بدورها ابتسمت إليه ثم توجه إلى الباب ليخرج من الحجرة, راقبته لورا حتى خرج فوضعت أطراف أصابعها على خدها على أثر دمعاتها التي مسحها كريس ..
|
|