عرض مشاركة واحدة
  #77  
قديم 01-25-2018, 01:33 PM
 






"توحدٌ ثمرة حكمة "


هل تتبدَّل السياسات؟!
ام تتغير الأنفس فتفوق قوانين السياسة؟
فضوابط الحياة هي ضوابط غير متوازنة ..بل هي تحت قانون ميزان الإتحاد...
اتحاد شعب ..انفس..قلوب ، فيلتم حينها ما يسمى بثمرة هو العمل..
و لكن نتائج العمل قد لا تستسيغها أنت أو هو ، ما يهم هو الهمة و الثقة المتبادلة بين جار و جاره ...
حتى تبلغ الثقة لبني البشر أجمع ...
لتترقى أهالي الأرض طواعية ، مجابهة كلَّ مظالم طاغية ....

***************

ضوضاءٌ قد افتعلتها شرارة الجرأة و ملامح الشجاعة ليهتاج المتربع على عرشه ...
و تلك الشرارة تبينت ملامحها من تمرُّدٍ لا غير...
فعندما أرادَ التلذذ بشرابه و نطق بأمره لم يرى سوى الصمت ...
و عندما ابتغى اجتماعاً مستعجلاً لم يلحظ سوى التجاهل !
دخل القاعة لتقع أبصاره على خلوٍّ ترتج منه دواخله ، فأين الوزراء و الكهنة ؟؟؟!!
تجهم وجهه لينطق بحدَّة لمستشاره التابع له : ما الذي يعنيه هذا التمرُّد ؟!
ارتعدت فرائص المعني لينحني بتبجيل لسموِّ الفرعون الذي استقر بجبروته و الغضب يعلوا هيئته: لا علمَ لي مولاي .
أنذر صوتُ عصا ... بإنهدام أركان حكم مقابله ، و لم تتنحنى حروفه عن صراحة القول و هو يتطلَّع لذلِّ الفرعون بثبات: الغضبُ سمة حمق جلالتك .
تحاربت المقلتين بصمتٍ لما انعكس بما يواجهها ، خطوطٌ عريضة من الحقد و النزال المكتوم قد ظهرت و منافذ رياح هوجاء قد تفتحت ...
و بالنهاية نطق أخناتوس : رمسيس.، ما الذي تريد صنعه ؟؟ هل أبلغك الطمع حدَّ الإنقلابِ علي ؟!
قال رمسيس.: الطمع من شيمك و ليس من شيمنا ، إلاَّ أننا نطمع بالتحرُّر من سلطتك و لذا لا مستمع لك هنا.

شزر أخناتوس ..: تتحدى سلطتي و قدرتي !!
أردف مكملاً بثقة : سنقبل تحديك و نرى نتيجة تطاولك هذا .
ابتسم رمسيس. مظهراً استخفافه بما يرى من هذا الحاكم و هو ينادي حرسه بأسماءهم شخصاً شخصاً بعد أن لم يجد استجابةً عامة من ندائه المطلق .....
ثمَّ اعتلى المدرجات ليصل لأخناتوس و أنظاره الحادة التي تركزت على المشاور يسوعا قد أحرثت ظهره ..!
ثم قال لأخناتوس شاحب الوجه بثبات : تعال لترى سلطة إبنك إذاً .

**************


ثلاثُ دقاتٍ علت ذاكَ البلاط ليسود الصمت ، سوى من بعض الكلمات التي تستهدف مديحا و دعاءً للأمير المفقود!

قطَّب أخناتوس حاجبيه الكثيفين و انتظر تفسيراً من رمسيس الذي ظهر عليه الإبتهاج ، و في تلك اللحظات تدخل رئيس الجيش الذي أعلن وفاءه الدائم بحركته و هو يسلُّ سيفه البتار و يشهره بوجوه الشعب : ما لكم أيتها الرعية تنكرون خير فرعوننا المبجَّل ، إن لم تهتدوا للصواب سوفَ أقطع رقابكم ...

كان جوابه بعض الحصى المتمردة على جبينِ أخناتوس لتتلوها سيل من الحجارة المتطايرة ...
توافقت الألسنة مع تلك الحصى تالياً حتى تم إدخال الحاكم لمقرِّه ، بلغ حدَّ جنونه واصلاً لخفاء سكونه...

فابتدأ بإلقاء أوانره بقمع التجمع و قتل كل مقاوم حتى تختفي هذه الحركة المقيتة ...
لكن العجب أنَّ مناصريه لم يبلغ عددهم الثلاثمائة جندي بينما البقية ظلوا في صفِّ رمسيس حامل رسالة ابنه الجرئ!!

******************

أيامٌ لم تهدأ الأنفس بل ازدادت اهتياجاً و التضرر السياسي و الإجتماعي و الإقتصادي قد جلى و بدى بعدما كان خفياً و مستتراً ...
كان رمسيس جالساً في محضر أخناتوس بعنفوان و ثقة و نصر ظاهر
نصر الأنفس التي رافقت مبدأه ..!
قالَ لأخناتوس: هل تظن أنَّ أمر زوال حكمك سيطول ؟..لا يظهر ذلك لي .
أجابه المعني بإستفزازه: خسئت .. أنا سأدوم و جميعكم سأبيدكم للفناء ...
" و من سيعينك؟!"

ازدادت حدة بؤبؤتيه ليرفع حسامه الموضوع كزينة جانب فراشه : سيفي هذا ، لن تستمر هذه المهزلة إن قطعتُ رأسك.

أسرع أخناتوس بالهجوم على ذلك العجوز ليعترض هو الضربة بعصاه الخشبية و يقف بثبات : بعض الصبر الجميل لن يضر ، و بعض الحكمة في تصرفك ستنقذك .
لم يكن لأخناتوس شيئ يفكر به ، سوى الحكم الذي يكاد يهوي و يخرج من بين يديه ...
بقي بظَلالِ تفكيره يهاجم و رمسيس يبتعد مراوغاً ، علت أصوات الخطوات المسرعة ناحية صرخات أخناتوس التابعة لهجماته العفوية ..

اقترب المشاور انليل من مولاه الخارج عن وعيه ، محاولاً إعادته لرشده إن كان له رشد و ملامح الخوف قد طغت ملامحه : مولاي ..أرجوك أن تهدأ.

لم يفتأ عن الهجوم ، تطاول على معاونيه قبل المعتدين ليُفهم أنه بالغ ٌ حدَّ الجنون من أجلِ سلطته الذي يعي أنه فقدها بواقعِ الحال ...

التمس رمسيس للنهايةِ البسيطة التي ختمت حربه الناعمة فاقترب منه هامسا ً بأذنه جملته الأخيرة بينما كفه تمسك بذراع أخناتوس الحاملة لسيفه : لتفهم أنَّ سلطة هذا الشعب بخمسة عشر يوماً أطاحت بك و بيَّنت كم أنت نكرة تزينَّت بتاج العرش لاغير...

خرج بعد ذلك لتعلوا صرخات جنونٍ متواصلة مستنكرة لمقولته الصادقة و رمسيس أرشد الخدم و الجنود جميعاً للإبتعاد عن جناحه ...



**************




جالسٌ على مقعد خشبي قد تصدأ ليصدر صريراً مزعجاً كان أنغام ذكرياته السالفة ، بكفه التي رسمت الأيام عليها خطوطها بدأ يكتب سطور الحق الحاصل بغياب الأمير الشاب ...
تلك الريشة البيضاء تتراقص بتوازن معلنةً الإنتصار المُنتظر ...

قاطع هدوء الغرفة الطينية المتواضعة دخول سفير خبرٍ مهول لم يحسب له حساباً ، فنهضَ ينتفض بعد إصغاءه لما تحركت به شفتي الواردة عليه: ماذا قلتِ؟؟!

أسرع بالخروج ليستكشف الأمر بالعين بعد الأذن ، و ما هي إلاَّ دقائق و هو يواجه لسعات حرارة تلك النيران التي أشعلتها شرارة غضب و حقد و جنون ..!

وجَّه رمسيس ناضريه للخدم الملتفون حول النّارِ بحيرة صارخاً بأمره: ماذا تفعلون بوقوفكم هنا ؟!..أسرعوا بإطفاء النيران هذه ...

نارٌ أشعلتها حركات عير متوازنة و سقوط مشعل من مشاعل الجناح !

لا ...
بل هي نار قلوب المضطهدين على بسيطة أرضه ، تلك التي وطأ عليها بقدم التعالي سالباً منهم الكرامة و العزة قبل أيِّ شيئٍ آخر....
بدأ المحيطين برمي الماء مراراً و تكراراً ، على الأقل ليفتح طريق إنقاذ أخناتوس ، لكن أبت النار أن لا تكون جحيمه ...




****************




تهاوت ذراعيه النحيلتان رامياً بالخبر الذي بلغه
رفع سيتي جلدة الغزال تلك ليرى ما حملته، فهم سر جحوظ عيني مينا و شحوب لونه ...

لحظاتٍ تمالك بها مينا نفسه ناطقاً ما يناقض ردة فعله مبعثراً شعره : ليس و كأنِّي أراهُ أباً، هو قاتلُ والدتي قبل كل شيئ آخر..لكن أن تكون نهايته بهذه السهولة لأمرٌ لم يكن بالحسبان .

رسم سيتي ابتسامةً باهتة ، رابتاً على كتف صديقه بعطف و تفهُّم : هو لم يستحقك و لم يستحق والدتك ... لكن هذا لا يعني أن تنكر شعورك الإنساني مينا، أنت حامل قلبٍ بشري و هذا ما يجعلك كاملاً.

داخَل الحزن المكان نسبياً ، ليقطعه مينا بالنهوض مبعداً ذاك الستار الحريري خاطياً خطواته نحو أقرب فتحةٍ طلَّت على الأراضي المتبحرة بحظور الشعب ...

تمعن بهم ، ذاكراً شقاء بني جنسه الذين حمل لهم شوقاً و هيأ لهم جرأة الحرية ، ثمَّ قال ببرود هادئ أبدى جدية نادرة منه: يجب أن أعود الآن ، فالشعب ينتظر أن أمدَّهم بقوتي .

لم يكن هناك مخرجٌ من هذه الجدية التي صاغها حزنه ، لذا أيَّده مرافقه و صديقه: كلَّ شيئٍ تصوغه بحكمة مينا سأكون معك به ، لا تنسَ هذا .
سُمعت خطوات حملت هيبة صاحبها لينحني سيتي احتراما و مينا توجه له بعينيه مخبرا ما وصله: جلالتك ، قد بلغني للتو خبر وفاة حاكم النطاق الجنوبي إثر حريقٍ افتعله بنفسه بينما لم يكن واعياً ...

أكمل متجاهلاً تعليق خاله بكلمة دمجت مشاعره الدفينة
"يا للخزي.."

قائلاً ما يراه حكمة موقف و بداية شروق شمس أرضه بتواجده: ...لذا مولاي، اسمح لي بالتوجه لأرضي قبل أن تستغل الدول المجاورة خلو المملكة من حاكم و وريث للعرش...

أومأ غابريس إيجاباً و استحساناً : لكن لابدَّ من إجراء تعاقد يرفع مخافة الحرب و شبهات الطامعين بالسلطة.

رفع مينا كتفيه مؤكدا: وما مشاكلنا هذه إلاَّ لهذا ...
احتظن غابريس ابن اخته الراحلة : لذا سأهبك ابنتي مينا ، فاعتني بها..
ابتسم سيتي و همس بإذن صديقه مبتعداً بعد ما ابتعد غابريس : حصلت على ما تريد أيها الشقي .
أفلت الآخر ضحكة خفيفة قبل أن يقول: لا أرغب بسماع هذا منك بالذات أيها العاشق ... و لا تجعلني مذنباً فأنا حتى لم أبادر .
أشار سيتي لرأس مينا: و كأني لم أعلم أن هذا مخططك منذ البداية .

*******************

دموع فراق قد اجتمعت في مفلتي ذاك الغلام اليافع ، نظر للعريسين الذان تحدد زواجهما في النطاق الآخر بغية إثبات الرباط المؤكد من قبل غابريس بنفسه ...
وجه مينا المستفز للأميرة الغاضبة أعاد له ذكرياته التي ستظل محفورة على صفحات قلبه ، فترةً بسيطة و أيام قليلة قد ركِزت بها قواعد احترام و جلالة الحاكم القادم ...
اقترب منحنيا بإجلال ماداً ذراعيه الحاملتان بسيطَ الأمور التي تمكن من صنعها بفن كفيه : تهاني جلالتك ، أرجوا أن تقبل مني هذا القليل ...
توقف مينا عن مهمته الإستفزازية المعتادة ناظراً لتلك الجرَّة التي برزت منها خطوطاً شكلت جمال اسمه مقترناً بإسم مرافقته برفيسيا ...
ابتسم بحنية مقبلاً رأس يوشع آخذاً منه الهدية برحابة صدر : شكراً لك يوشع، إنها أفضل هدية حصلت عليها بحياتي.
تحدثت سليطة اللسان مستغلة الفرصة : بالطبع ستفرحك و اسمي سيقابلك دوما هكذا مينا .
زمَّ شفتيه ناطقا بغيظ
" لا تجعليني أقوم بكسرها الآن عزيزتي الأميرة.."

سُمِع تصفيق من خلفهما ليلتفتا لسيتي الذي جعل عدستيه تعكس مظهر مينا تارة و برفيسيا تارة أخرى : ودِّعا الناس و دعونا نهمُّ بالرحيل ، نحن على عجل إن كنتم تذكرون ، و فخامة الفرعون قد سئم الإنتظار فوق ناقته ..و هذا إن كنتما تكترثان"

تلقى نظرات السَّخط منهما لكنه ابتعد ليفسح المجال للوداع بين الشعب الذي رأى الخير من هذا الغلام الذي على عرش قلوبهم ...
لم يستخدم سيفا ليزهق أنفسهم ،و لا سلطة تغزوا حياتهم ...فقط بعض الحكمة و لسان لبق أسرت منهم الأرواح !

لم يكن تأثر مينا بدموع الوداع الحارة غريباً ، لكن أن يحتظن الرعاة بين ذراعيه و يكفكف دموعكم بكفه ... لهو أمر لم تشهده أرض هذه الديار من قبل ...


*****************




بدت غيداء تتراقص بخيوط شعاعها الذهبي بين غيوم تتنقل بصمت أحكمه المناخ...
و بسطوع حرارتها و ازدهار نورها الوضاء احتفالا قبل أوان الإحتفال و ابتهاجا نقلته بإرسال لفحاتها الوهاجة على أسقف تظللت بظل ظليل في كنف ملكها الجديد...

ها هي تضم مصر العظمى بلسعات شروقها في سماءها...
و للصدق...

لم تكن الشمس مهجورة المقصد فأصوات بهجة القاطنين على بسيطتها ظجت بالبهازيج و التباريك ،بل حتى رمالها المتحركة شاطرت بتعرجاتها الساکنة أهالي هذه الأرض بهجة ...
کيف لا...و قيود جور السلاطين قد انتفى، و سلاسل العبيد من آثار الحکومة قد خفا...و کل استصغار بعين حاکمهم قد جفا...

و حيث يرى السرور ارتفع صدى صراخه بذاك المبنى الملكي: و هل هذه رسمة أيها الحمقى؟!
ضرب بكفيه على مجسم الثعلب الرمادي بغضب أشعل عينيه اتقادا: أعيدوا الرسم جيدا، و أظهروا وجه الملك بهيبته وجبروته..تفهمون؟؟؟
أومأ العجوز الأسمر احتراما و أجاب بأريحية و ابتسامة واعية تصرفات مقابله الطائشة: طوع أمرك سيد سيتي.
تبتعد بعد إطلاق زفرة غيظ من هذه الفوضى التي لن تنتهي و أحكم ربطة حزامه الجلدي حول مئزره الذي تعدى ركبتيه بقليل: كل شيئ حتى المساء يجب أن يكون جاهزا...

انعطف واردا تلك الممرات المزينة بنقوش تعكس قوة و جبروت المقبل على ملك مصر و هو لازال في الحادية و العشرون من العمر...

أبعد الستار الشيفوني الذي صادفه و بات يحادث من واجه ببرود: مينا ،هل أنت على مايرام؟
تلبك بالمعني جلا حتى تعثرت الحروف الإرتجالية التي أخرجها لصديقه: سي...سيتي الخط..اب، الخطاب ليس كما يجب.
رفع حاجب استهزاء رافعا كتفيه العاريتين بين ذاك الرداء الكتاني الذي كان كفيلا بكساء جسده الأسود عدى الذراعين مفتولتي العضلات: و ماذا يريد ملكنا المبجل أن يبلغ شعبه به؟

تبسم مينا بوهن و ارتمى على الكرسي المزدان فخامة بنقوش ملكية مجيبا المتسائل بصدق حوى الحيرة مؤنسا : الكثير، حتى أن هذه الأوراق لا تكفي متطلباته.

تململ الآخر واضعا سبابته لتتوسط حاجبيه الدقيقين: صاحبني الأسى مذ علمت بواقع مصر المرير عند تسلم شاب تخالجه الحيرة عن خطاب يومه الأول حكم هذه الأرض العريقة.

أعلن الشاب عن مكره بإبتسامة برزت من ثناياها أضراسه المصطكة: إن كنت الفرعون فأنت تاجه...

توضح ما يرمي له بإلقاء جلد غزال مع ريشة غطاها الحبر مردفا:...الخطاب لليلة يجب أن يكون جاهزا.
أبدى امتعاضا بتنحنحه: ألا ترى أنك مهمل مينا؟... على صعيد العمل لم تفعل سوى الأمر لي، بربك...هل انتزعت سمة الدلال ممن سبقك أم ماذا؟!
مما يغيظ أن ترى تجاهلا واضحا يطغى الأجواء المشحونة بنفسك حيث اكتفى مينا بإسناد ذقنه المنحني قليلا على كفه المقبوضة مكتف بنظرة هادئة يوجهها نحوك...

تقدم سيتي نحو مينا باسطا كفيه فوق كتفيه: حسنا حسنا ، و أنت اذهب للإستجمام فالينبوع جاهز...و فكر مليا بما ستصبح عليه، فأنت ملك مصر و المؤهل بتوحيدها بزواجك من إبنة حاكم القطاع الشمالية...

استقام مينا بثبات و بدأ يصلح وضعية قبعة صديقه ذات ريش النعام المنحنية و أبدى جدية غامضة في مقولته الأخيرة: أنت خير من يعلم أني جيد بإلقاء الخطابات ولو حصل إرتجاليا ، و ما أفعله ليس سوى استهداف معونتك.

ابتعد سيتي عائدا من حيث ورد عليه مظهرا بعض الإجلال بإنحناءة متواضعة: سيكون الخطاب جاهزا فورا جلالتك.

ترك من بدا يلتف ببؤبؤتيه باحثا عن سر ما بلغه...
فهل هو كامن في تسلسل عائلته الملكية؟
أم لتصرفاته المتسمة بعشوائية خارجة عن انظباط القوانين؟!
أم للقاءه برمز وفاء نادر يسمى سيتي؟!

أرخى عينيه مبتسما لذكرى ذلك اليوم التي لا تقبل المحو بسجلات مضت لأنها تصدرت غرابة صداقة و بداية وفاء!

*****************

لم يكن لخفيه الجلديين صوت،إنما كان لأنفاسه هيبة تحني أظهر العاملين بمشقة و هذا ما استوقفه قاطعا نوبة السكون: ماهذا الحال؟...لأخبركم،لم أخرج من جنس البشر بتاج ريش النعامة هذا...لا داعي لإيقاف أعمالكم لإيمائة سخيفة.

لم تبقى الأعين هابطة إنما ارتفعت لتبادل بعضها الإستفهام من هول ما جرى، فكل يحث صاحبه على إطلاق نبرته الخفية حتى تجرأ أقربهم ذو الصوت الأجش و البنية الهزيلة: لكن سيدي... أنت الوزير المعظم و لايجوز معاملتك كسائر الرعية.

احتدت نظرته لتحمل ما يرعب سامعه: و هل كنت غيرهم؟...إنما ذلك الأهوج طغى على الظلم ليطغى على رعيته بروية، و لذا فقد سلب حريتي.

تدخل شاب ثلاثيني على بعد أمتار: عذرا سيد سيتي لكن...
بتر تدخله و كل ما جرى: عودوا لعملكم،يكفي التجمهر حولي بينما الأعمال معطلة.


******************


وقف بإستقامة نوراً معتليا بادياً من لحن خطابه ، أن تطلعه يعكس طيش شبابه ...
و بأواسط كلماته أسكن النفوس جاعلا للطمئنة سبيلاً بأفكارهم المضطربة...
علت هتافات النضر و العزة بينما هو ينظر لهم بفخر و استئناس ، ثم أوقفهم ببسط يده هواءً أمامهم ليتحدث ثانية بمكافئة وزيره ...الذي عيَّنه توا قبل أيام !

أشار لزوجته المجاورة له بالخلف مع غمزة فهمت سرَّها لتبتسم مشيرة للوصيفتين اللتان رافقتاها بصمت .. بأن يلبوا الطلب ...
دقائق و عروسُ سيتي قد ظهرت مجللبة بثوبٍ حريري ذهبي اللون و قد طوقت بزينةٍ تبهر ناظرها لكونها تعكس جمالها الأخاذ ....
نظر مينا لسيتي بخبث معلناً: نكافئك بدخول حياة المتزوجين مثلنا .
أرادَ الصراخ حقاًّ بوجهه و بدأ شجارٍ يبين به مدى غضبه ، فماذا يقول هذا المجنون فجأة ..زواج؟!
لكن أمران يردعاه ، أنه يقابل فرعوناً أمام الملأ ..و أنَّ قلبه كان حبيس هذه الفتاة منذ لقيها في قصر غابريس ...

فاكتفى برمق صديقه نظرة تقول له بصمت ..
))و متى سنسلم من شرك ))

***************

استلم أمور الحكم و زمامها ، و تصدى للمعضلات بتصبر و تجلد ...
إلاَّ أنَّ هناك أمرا يؤرقه ..
اقترب سيتي منه ليرى تلك الوريقات التي جعلته يقطب حاجبيه بوضوح : ما هناك مينا ؟!..يبدوا ان هناك ما يعكِّر صفوك .
تنهد رافعا يده و ما تمسكه من صكِّ به عقد للخزينة الملكية : و متى سيبقى هؤلاء الحمقى يتلاعبون بعقولنا ، غذاء معبد ثلاثة أضعاف الناس الباقون ، هذه مهزلة .
نزع سيتي الثقل الذي على رأسه و هم بالجلوس بأريحية على بلاط الغرفة : استخدم سلطتك لردعهم .. أنت الفرعون الحاكم الآن .
أومأ مينا بالنفي : ذلك خارج عن سلطة و حكم عرش ، فهو مختلف ... لو تصديت لهم سيكون الشعب كله ضدي ، فكما تعلم إن للمعبد سلطته الخاصة و المستقلة التي هيمنت على عقول الناس و كل هذه الاموال و الأطعمة هي من أجل رع .

نهض مينا متنزلا عن مقامه بجلسة قرفصاء متواضعة مبدية تعبه من التظاهر بالشموخ متمًّا : يجب أن يأتي شخص يطغى مبادئهم كلها و يتسلط على مسيرة افكارهم ليتغير هذا المعتقد الفاسد .

ضحك سيتي بجهر رابتا على رأس مجاوره : حقا انتبه أن لا يسمعك شخص آخر عن هذا الكلام الذي يعد كفرا صريحا ....
قلب الوضع للسكون :...أتمنى أن أرى من تقول عنه ، شخص يمحوا هذا الفساد الذي يهيمن على عقولهم ، أعترف أنه محبوبٌ من قِبَلي قبل أن أراه .
ابتسم مينا قائلاً: يوما ما سيأتي و يكشف الستار عن هؤلاء الجهلة ، و الشخص الذي سوف يسطر على مجامع القلب و العقول سيرقى عرشاً و لو دون حطم ظاهر ، هذا أمرٌ أنا متيقن منه .. و إن لم أره فهو قد سيطر على مجامع قلبي أيضا .
لاحظ مينا نظرة توتر من صديقه و هو يومئ بإشاراتٍ مبهمة .. لكنه لم يفهم سر ذبك إلا ...
عندما سمع صوتاً خلفه يعلوه: و من سيطر على مجامع قبلك أيها الأحمق؟!

نطق بتلبك مما ينتظره : حسناً، من سيكون غيرك أميرتي ؟؟

نهض سيتي معتذراً بل هارباً من الموقف : حسناً ، سأدعكما لوحدكما الان .. أراكما تالياً .
خرج و هو بستمع لذلك الشجار الذي لا يزيد حياتهم إلاَّ استقرارا غريبا فنطق اخر ما يتمناه لرفيقه : آمل أن تبقى في ظلِّ السعادة يا من طغى الطغاة فطغيت بروية .



















__________________
















إخوتي
إني أغضب لأجلكم و منكم
و أحزن لأجلكم و بسببكم
و أبتهج لأفراحكم و تفائلكم

فتحملوا أخوتي هذه
هي كل ما لدي لكم


رد مع اقتباس