عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-25-2009, 11:23 PM
 
إكْسُ ألفاظَك أَحْسَنَها !

د. محمد بن إبراهيم الحمد

جاء في كتاب فتح المغيث للسخاوي -رحمه الله- 1/371 ما نصه: "روينا عن المزني قال: سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول: فلان كذاب.

فقال: يا أبا إبراهيم! اكْسُ ألفاظَك أَحْسَنَها، لا تقل: فلان كذاب، ولكن قل: حديثه ليس بشيء".

ففي هذا الخبر يرشد الإمامُ الحَبْر الشافعيُّ -رحمه الله- إلى مسألة في الذوق في الكلام، ويلفت الأنظار إلى أن يُلْبِس الإنسانُ ألفاظَه أحسنَ الألبسة، فيصوغَها بأسلوب رائع يجعلها خفيفةً على السمع، سهلة النفوذ إلى القلب؛ فقد يكون المعنى المراد إيصاله واحداً، ويكون ما بين تعبير وتعبير كما بين ذات الرَّجْع وذات الصدع.

فقد تكون المعاني حاضرةً في نفس المتكلم؛ فإذا عرضها في أسلوب بَاهِتٍ أو مُنَفِّرٍ لم تَلْقَ القبول، بخلاف ما إذا عرضها في أسلوب بارع؛ فإنها حينئذٍ تقع مَوْقع الإعجاب، حتى لكأنها معانٍ جديدةٌ لم يسبق للسامع لها سابقُ علمٍ بها.

ومن كان كذلك حاز المكانةَ العَلِيَّةَ، وصار له المحلُ الأرفعُ في القلوب.

جاء في كتب السير أن زبيدةَ لامت زوجها الرشيد على حُبِّه المأمونَ دون ولدها الأمين؛ فقال لها: الآن أريك عذري، فدعا ولدها الأمين -وكانت عند الرشيد مساويك- فقال له: يا محمد ما هذه؟ فقال: مساويك.

ودعا المأمون، وقال له: ما هذه يا عبدالله؟ فقال: ضد محاسنك يا أمير المؤمنين.

فقالت زبيدة: الآن بان لي عُذرك!

وتعني بذلك أنها عرفتُ سبب تفضيل الرشيد للمأمون على الأمين، وأن سبب ذلك ما كان عليه المأمون من ذوق، وحسن تلطف، وجمال عبارة، على حين أن الأمين لم يكن كذلك.

ثم إن نفراً من الناس يستهويهم رونق الألفاظ أكثر من حكمة معانيها، فلا ينبغي أن يُسْتخفَّ بهؤلاء، وأن يُتركوا لعصبة المضلين يَعْرِضُون عليهم الآراءَ المنحدرةَ في شقاء.

ومما يدخل في هذا القبيل نزاهةُ اللسانِ، وذلك بتجنيبه الفحشَ، والبذاءةَ، وساقط القول.

فعن ابن مسعود-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء".

قال النووي -رحمه الله-: "ومما ينهى عنه الفحش، وبذاءةُ اللسان، والأحاديث الصحيحة فيه كثيرة ومعروفة.

ومعناه: التعبير عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة، وإن كانت صحيحة، والمتكلم بها صادقاً.

وينبغي أن يُستعمل في ذلك الكناياتُ، ويعبرَ عنها بعبارة جميلة يفهم بها الغرض.

وبهذا جاء القرآن العزيز، والسنن الصحيحة المكرمة.

قال -تعالى-:[أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ]البقرة:187.

وقال -تعالى-: [وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ]النساء:21.

وقال -تعالى-: [وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ]البقرة:237.

والآيات، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة.

قال العلماء: فينبغي أن يُستعمل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يُستحيا من ذكرها بصريح اسمها - الكناياتُ المُفْهِمةُ؛ فيكنِّيَ عن جماع المرأة بالإفضاء، والدخول، والمعاشرة، والوقاع، ونحوها".

وقال النووي -رحمه الله-: "وكذلك يكنِّي عن البول والتغوط بقضاء الحاجة، والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرح بالخراءة، والبول، ونحوهما.

وكذلك ذكر العيوب، كالبرص، والبَخَر، والصنان، وغيرها يُعبَّر عنها بعبارات جميلة يفهم منها الغرض.

ويلحق بما ذكر من الأمثلة سواه".

قال القاسمي -رحمه الله-: "إياك، وما يستقبح من الكلام؛ فإنه ينفِّر عنك الكرام، ويؤثِّب عليك اللئام" أ.ه.

ومما يَدْخُل في ذلك ما كان مستنكر الظاهر، وإن كان معناه سليماً بعد تدقيق النظر فيه.

قال الماوردي -رحمه الله-: "وما يجري مجرى فحش القول، وهُجرْه، ولزوم تنكبِّه- ما كان شنيع البديهة، ومستنكر الظاهر، وإن كان عقبَ التأمل سليماً، وبعد الكشف، والرَّوية مستقيماً".

ومما تجدر الإشارة إليه أنه لا ينبغي التصريح بالعبارات المستكرهة صراحة مالم تدع الحاجة -كما مر-.

أما إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس به، بل هو المتعيِّن؛ فإن تحصيل الإفهام في هذا أولى من مراعاة الأدب.

ومما يحسن التنبيه عليه في هذا الصدد أنه لا يكفي أن تكون المعلومة صحيحةً، وأن يكون قائلها صادقاً صريحاً.

بل لابد -مع ذلك- أن تكون عبارته لطيفةً، خفيفةَ الوقع على القلوب؛ فليس من شرط الصراحةِ الصفاقةُ، ولا من شرط اللطافةِ النفاقُ؛ فقد يكون المرء صريحاً لطيفاً في حدود اللباقة واللياقة بعيداً عن الإسفاف، والنفاق، والصفاقة -كما في وصية الإمام الشافعي الآنفة لتلميذه المزني-.

ولهذا كانت عبارات الإمام البخاري في الجرح والتعديل على درجة عالية من الأدب، وسمو العبارة مع أن كتابه أصح كتاب بعد كتاب الله -عز وجل-.

فلقد كانت عباراته مضرب المثل في السمو والأدب، كقوله في المجروح: فيه نظر، تركوه، سكتوا عنه، ونحو ذلك.

وبهذا يتبين لنا أهميةُ جمال العبارة، وذوقِها، وخَطأُ مَنْ يتوهم أنه إذا كان صريحاً فلا بأس عليه أن يُلبِس عباراته أيَّ ثوب شاء.

__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04-26-2009, 01:46 AM
 
رد: إكْسُ ألفاظَك أَحْسَنَها !


مشكور اخي في الله على مواضيعك القيمة
وفعلا نحن بحاجة اليه كثيرا هذه الايام
بارك الله فيك
وجعله في موازين حسناتك
__________________

فداك ابي وامي وروحي يارسول الله
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04-26-2009, 01:57 AM
 
رد: إكْسُ ألفاظَك أَحْسَنَها !

مشكور
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-01-2009, 02:13 AM
 
رد: إكْسُ ألفاظَك أَحْسَنَها !

اللهم أمين
اللهم أمين

اللهم أمين
الله أكبر والحمدُ لله رب العالمين
والعزّة لله ورسوله والمؤمنين

وبارك الله فيكم على المرور والإضافات والدُعاء القيّم
أخوكم في الله
فارس السنّة
__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 05-01-2009, 11:05 AM
 
رد: إكْسُ ألفاظَك أَحْسَنَها !

* فعلا.. بعض الألفاظ تحتاج للإنتقاء,وأن تكسى احسن اللباس.

الموضوع رائع ..

جزاك الله خير على هذا الطرح
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:15 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011