07-08-2009, 11:52 PM
|
| |
 مطر الصيف .. وحرارة الشتاء- الجزء 2
هناك، خلف تلك الأسوار حقول من الحرية تبتسم نحو الشمس، تنظر إليها بفضول، تسألها الوعد الذي لم يتحقق بعد. هل تراه يعود يوماً؟ هل ستعود روحه لتزين عبق المكان الذي أسره في زنزانة الذكريات أم أنه اختار لنفسه طريق الهلاك دون أن يودعني بكسرة فرح، بلقمة سعادة، أو حتى بصيص نور وأمل.
نعم، إنني أتحدث عنك أيها الحاضر الغائب، القريب البعيد، أيها الحظ صعب المنال، لم هجرتني وأنا أناديك بدل أن تطل على فؤادي وتكسوه بالألق وتعيد له البريق الذي فقده منذ أن رحلت عنه. هل حسبت أنك ضيف ثقيل أم أنك لا تزور إلا من حجزوا لأنفسهم مقاعد بين سطورك حتى قبل أن يزوروا الدنيا قبل أن تزورهم أنت. أين من تبقوا من أهلك؟ أم أنك غدوت يتيماً وسط زحام ذلك الغموض الذي يخيم على أرصفة الشوارع، وسماء المدينة، ووجوه الناس؟. هل علمت بمدى حاجتي إليك فتقاعست أم أنك غدوت أًصماً حين تقطعت أوتاري وهي تناجيك، لا أراك إلا سراباً دفن بين مقبرة ظلام ورمي في مزبلة التاريخ. فكيف هي حياتك بين الموتى؟ وماذا تصنع بين أرواح لم تعد تحتاجك كما يحتاجك الباقون؟ أم أننا أموات لأنك حزمت حقائبك بعيداً عنا حتى وإن كان لنا دم يجري في عروقنا وقلوب تنبض داخل أجسادنا. لماذا تبخل على أولئك البشر بنصيب منك وتعطي في الوقت ذاته النصف الآخر من أولئك البشر كل جزء فيك؟ لماذا لا تطل إلا من بين الجحور ووسط اختناق الأيام؟ خانتني كلماتي لتسرق من بين حجرات جمجمتي ما خبأته لي، ولي وحدي. خنق الكلام عبراتي لتأبى أن تنهمر إلا لمن قدرها، كسر نظيرك شموخها فلم تسندها سوى كرامتها المزيفة في عيونك والكاملة في عيوني.
قررت أن أتحداك وأعلن حرباً بيني وبين كل سجن بنيته لتأسر حريتي، وكل خط رسمته لتحدد مملكتي، ولعلك ستتعجب إذا علمت بأن من قرر أن يساعدني في حربي هذه تمرد مستقل وجبروت عنيف.
فلتعط الآن جنودك القسط الأكبر من الراحة بعد صراع استمر لعقود طويلة وشهدته فئات عديدة و ساحات واسعة سجلت أساطير من القتال الضاري. الآن يتوجب عليك الانسحاب قبل أن تسجل لك المزيد من النقاط السوداء والخسائر الفادحة، فلست أنا من سأضيف لسجلك المزيد من الانتصارات بالحرمان، ولست أنا من سأتسمر خلف نافذتي وأنتظر وصول عربتك إلى حديقتي حياتي المتواضعة. أنا التي سأجعلك تعيد تشكيل خريطة العالم من جديد، لتجعل فيها آسيا الجمال وإفريقيا الروعة.
هل عرفت الآن من أكون؟ هل أعياك السفر الطويل أم أنك لا تمل اقتحام كل ما تود اقتحامه، أم أنك واثق بأن هذه هي حرية القائد، وعلامة النصر. عذراً يا سيدي، فمن تخاطبك الآن ليست فتاة في العاشرة تصف في طابور انتظار بائع الحلوى، وليست امرأة كاملة النضج رسم الزمن خطوطاً له على وجنتيها ولا تقوى حتى على نطق كلماتها. إنها فتاة في العشرين، تملك عقل حكيم في السبعين، ورجاحة مشيب في التسعين.
لن أطلب منك سعادة تأتيني بها كقنبلة موقوتة تنفجر في غضون لحظات ثم يتبعها سموم من الكآبة واليأس، ولن أرجوك فرصة تغير مسرى حياتي لتندرج تحت انجازاتك البسيطة تبعاً لقاموس البشرية، فقط سأدعو أن تجد لي مكاناً مع أولئك الذين وصلوا إلى ذاتهم وشقوا طريقهم بابتسامتهم بدل أن يشقوها بسيوفهم.
وإن خير الحديث ذلك الذي يرقى بمفرداته المنتقاة وحروفه التي يحمل كل حرف في طياته معنى عميق وعبرة أعمق، لذلك حرصت منذ نعومة أظافري أن أكون كالجاحظ حين أنتقي كلماتي وأرتبها. فكنت حسب هذا الوصف جاحظاً صغيراً.
كم أتمنى أن لا أتذكر من تلك الأيام سوى حلاوتها، وأن لا أعيش إلا من أجل النصف الأكثر تشويقاً في مستقبلي المليء بالأحداث على ما أعتقد. هل يصنع الأمل الأماني ؟ أن أنه يبقي قلقاً كبيراً في داخلي ؟ هل ستصنع الأحلام أمجادنا، أم أنها نرفع من رصيدنا في عالم الأوهام البالية. هل سترجع تلك اللحظات الدافئة يوماً ما؟ أم أن دفئها انتهى حين سقطت آخر حبة رمل في القسم الآخر من الساعة الرملية الدنيوية المجمدة؟.
أحن لتلك الساعات..الأيام..الشهور..أحن لتلك الذكرى التي تشدني للحياة من جديد كلما قررت أن أودعها، أحن أن يعود لي الماضي كما كتب ليس كما سيره من حولي، أحن أن تطلع الشمس لتبتسم لي لا لتبث الخوف في داخلي من يوم مليء بالمفاجئات، والمواقف، والأحداث. |
المواضيع المتشابهه 
العرض العادي
