عندما يبكي الرجال بينما نحن جالسون والكلمات تخرج من حناجرنا سكاكين تذبح ،،،، كحمم مقذوفه من براكين غاضبة , وإذا به يلتقط أنفاسه ويحبس دموعه التي تدحرجت على وجهه وكأنها تستنجد بنا بل تستأذن بالخروج لكنه حاول إخفائها ولن يستطع ,,, وفجأة قام وقد أتعبه الجلوس بل أتعبه السكوت ثم تنهد قليلا والتقط أنفاسه وقال : والله لم أملك في بيتي شيكلا واحدا ولا حتى رغيف خبز واحد وامرأتي الحامل سئمت من كثرة الذهاب بها إلى الطبيبة وأنتم تعرفون جيدا كيف يعيش زوجان في بيت مأجور والمصاريف ،، جدا كثيرة ولا أملك سوى أن أصبر و احتسب بل أصمت وأشكو لله قلة حيلتي وضعفي ،،،، فحياة التنكر والمطاردة قد تعودت عليها فبالأمس القريب كنا مطاردين لجيش الاحتلال واليوم لم يتغير علينا شيء وأصبحنا وبعون الله في ظل الاستقلال والتحرير مطاردون للبقال ,, للتجار ,, لصاحب البيت ,, للبلدية ,,, لشركة الكهرباء ,,, فالنعال ذابت من المشي وأصبحنا نشتهي ركوب السيارات كما الطائرات ,,, حتى راودتني بعض الأفكار المجنونة بأن أطلق زوجتي لعل الطعام الذي لم يزور بيت زوجها منذ أيام تجده في بيت أبيها ,,, لعنة الله على الشيطان ,,, وما ذنبها زوجتي المسكينة التي أحبها وتحبني ,,, لماذا تدفع فاتورة فشل كبيرة ،،، كتبته علينا هذه الظروف القذرة ,,, يا رب إذا كان هذا حالي فكيف حال الناس ,,فتذكرت أسرتي الكبيرة ،، أمي العجوز ,, وأبي المقعد ،،، أخوتي وأخواتي لعلي أجد هناك حلا .. اندفعت قدماي تسابق الريح وأنا أجر زوجتي خلفي،،، حتى وجدت نفسي أمام بيت أمي العجوز ،،، فأمي ربة بيت مدبرة لعل ظروفهم أحسن من ظروفي ,,,, طرقت الباب مترددا ،،،، فتح الباب وانقشع الظلام على صمت قاتل ،،، لوحة جدارية ،،، ثابتة لم تتزعزع منذ أن تركتهم الجمعة الماضية إخواني الخمسة وأخواتي الثمانية ،،، صمت رهيب ،، يجول في حنايا بيتنا في المخيم ،،، كلهم في البيت حتى أخي الأكبر وأولاده ،،،، والدهشة في وجه الجميع ،،، كأنهم لم يروني منذ سنين ,,, سلمت وجلست بينهم أسأل خجلا عن أحوالهم ،،، وأنا أعرفها جيدا ,,, نظرت إلى أخي الأكبر فكان وجهه مخطوفا وشاحبا وأولاده يحيطون به كحلقة الجمر التي تحيط بقطعة ثلج فتذيبها ،،، تجرأت قليلا ثم اقتربت منه وسألته : أين زوجتك أم محمد ؟؟ كانت الطامة الكبرى ،،، أخبرني بأنه طلقها ,,, كيف طلقها وأنا أعرفه جيدا كم يحبها وكم هي تحبه ,,,, تذكرت سريعا هذه الفكرة المجنونة عندما راودتني قبل المجئ إلى هنا ،،،، دارت في مخيلتي بعض الأسئلة ؟؟ كيف سأقنعه بأن يعدل عن قراره هذا ؟؟ كيف ؟؟ وأنا كنت قبل لحظات أعيش في الفكرة المجنونة حلا لهذه الظروف الصعبة ؟؟ تجرأت ورفعت رأسي قليلا وأنا أعتصر ألما ،،، انطلقت حنجرتي أطلقتها يا يوسف ؟ وأنت تعرف بأن ذلك لم يقدم شيئا ولا يؤخر ؟؟ ماذا ستفعل بدونها ؟؟ كيف ستكون حياتك الباقية أنت وأولادك بدون أم و بدون زوجة ؟؟ ألم تسعفك أفكار جديدة غير هذه الأفكار الهادمة ؟؟ رفع رأسه أخيرا وعيناه لا تزال في الأرض وكأنه يبحث عن شيء مفقود ؟؟ يداري دموعا يسترقها لم تجف بعد ،،، جهش بصوت خجول : أعطني حلا ؟ حين تسألك زوجتك عن مال ،، عن طعام ،،، وعن شراب ،، عن كسوة المدارس وعن هذا الضيف الذي اسمه رمضان وبعده ضيف آخر اسمه العيد ؟؟ وأنت لا تملك إجابة واحدة على كل هذه التساؤلات ؟؟ ماذا تفعل حين لم تر أطفالك الأربعة لأنك هارب من تساؤلات كثيرة ليس لها إجابات ؟؟ تنهدت حائرا أفكر في إجابات ،،، وهل هناك إجابات لم أجد ،، سوى أن هذا القرار خاطئ ،، لكن وما الحل ،،، لو كان باليد حيلة لم أتأخر أبدا فأنت تعرف جيدا ،، ظروفي وظروف البلد جميعا ،،، ماذا نملك سوى أن نصبر ،،، فاصبر واحتسب فلا أحد يموت جوعا ،،، سكت و أنا أسمع صوتا من داخلي يناديني ويقول : صوت المعدة يعلو على صوت الضمير ،،، صوت المعدة يعلو على صوت الضمير ،،،، فوجدت نفسي أدافع عن أشياء أنا لست مقتنعا بها ،،، أليس من حقه أن يعيش وأن يحيا في أسرة يغمرها الحب ويرى أطفاله كلما شاء أم أن هذا كفر ،،،، هل كفر أن نجوع هل كفر أن نتألم هل كفر أن نضرب ونطالب بالحقوق،، فعرفت بأن أخي قد هزمه الفقر،، وأذابه القهر،، قهر الرجال يفعل أكثر مما تتصورون ،،، فرجعت بزوجتي للبيت متخفيا في عتمة الليل وأزقة الشوارع على أطراف أقدامنا خشية أن يرانا صاحب البيت المسكين ،،، أنهى صديقنا حديثه والدموع تتدفق كالنار التي تشب في الهشيم وجلس ثانية ونحن لا نستطيع أن نقول له شيئا سوى أننا اتفقنا على عدم الحكي في السياسة وتجارها فهذا زمن الأجندة الخاصة فليس لنا مكان فيها ولا نحن في مرمى أنظارهم فطــز في هيــــك عيشــــة ،،، قول طزيــــن قــول ثلاثـــة . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته |