عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-19-2009, 03:30 AM
 
Thumbs up وادعوه خوفاً وطمعاً


فصل في قوله تعالى : وادعوه خوفاً وطمعاً وبيان حكمة تكرار الأمر بالدعاء
وقوله تعالى : وادعوه خوفاً وطمعاً [ الأعراف : 56 ] ، إنما كرر الأمر بالدعاء لما ذكره معه من الخوف والطمع . فأمر أولا بدعائه تضرعاً وخفية ، ثم أمر بأن يكون الدعاء أيضاً خوفاً وطمعاً ، وفصل بين الجملتين بجملتين إحداهما خبرية ومتضمنة للنهي ، وهي قوله : إنه لا يحب المعتدين والثانية طلبية وهي قوله : ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها [ الأعراف : 56 ، 85 ] ، والجملتان مقررتان مقويتان للجملة الأولى مؤكدتان لمضمونها ، ثم لما تم تقريرها وبيان ما يضادها ويناقضها أمر بدعائه خوفاً وطمعاً ، ثم قرر ذلك وأكد مضمونه بجملة خبرية وهي قوله : إن رحمة الله قريب من المحسنين [ الأعراف : 56 ] ، فتعلق هذه الجملة بقوله وادعوه خوفاً وطمعاً كتعلق قوله إنه لا يحب المعتدين بقوله : ادعوا ربكم تضرعاً وخفية [ الأعراف : 56 ] .
ولما كان قوله تعالى : وادعوه خوفاً وطمعاً [ الأعراف : 56 ] مشتملاً على جميع مقامات الإيمان والإحسان وهي الحب والخوف والرجاء عقبها بقوله : إن رحمة الله قريب من المحسنين [ الأعراف : 56 ] ، أي إنما ينال من دعاه خوفاً وطمعاً فهو المحسن ، والرحمة قريب منه لأن مدار الإحسان على هذه الأصول الثلاثة . ولما كان دعاء التضرع والخفية يقابله الاعتداء بعدم التضرع والخفية . عقب ذلك بقوله : إنه لا يحب المعتدين ، وانتصاب قوله تضرعاً وخفية وخوفاً وطمعاً قيل هو على الحال أي ادعوه متضرعين مخفين خائفين طامعين ، وهذا هو الذي رجحه السهيلي وغيره وقيل : هو نصب على المفعول له وهذا قول كثير من النحاة . وقيل : هو نصب على المصدر وفيه على هذا تقديران أحدهما أنه منصوب بفعل مقدر من لفظ المصدر والمعنى تضرعوا إليه تضرعاً وأخفوا خفية الثاني أنه منصوب بالفعل المذكور نفسه ، لأنه في معنى المصدر فإن الداعي متضرع طامع في حصول مطلوبه خائف من فواته ، فكأنه قال تضرعوا تضرعاً . والصحيح في هذا أنه منصوب على الحال والمعنى عليه فإن المعنى ادعوا ربكم متضرعين إليه خائفين طامعين ويكون وقوع المصدر موقع الاسم على حله قوله : ولكن البر من آمن بالله [ البقرة : 177 ] ، وقولهم : رجل عدل ورجل صوم قال الشاعر ، فإنما هي إقبال وأدبار ، وهو أحسن من أن يقال ادعوه متضرعين خائفين ، وأبلغ والذي حسنه أن المأمور به هنا شيئان الدعاء الموصوف المقيد بصفة معينة وهي صفة التضرع والخوف والطمع ، فالمقصود تقييد المأمور به بتلك الصفة وتقييد الموصوف الذي هو صاحبها بها . فأتى بالحال على لفظ المصدر لصلاحيته ، لأن يكون صفة للفاعل وصفة للفعل المأمور به . فتأمل هذه النكتة فإنك إذا قلت : اذكر ربك تضرعاً فإنك تريد اذكره متضرعاً إليه ، واذكره ذكر تضرع فأنت مريد للأمرين معاً ، ولذلك إذا قلت : ادعه طمعاً أي ادعه دعاء طمع وادعه طامعاً في فضله ، وكذلك إذا قلت : ادعه رغبة ورهبة كقوله تعالى : إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً [ الأنبياء : 9 ] ، كان المراد ادعه راغباً وراهباً وادعه دعاء رغبة ورهبة ، فتأمل هذا الباب تجده كذلك ، فأتى فيه بالمصدر الدال على وصف المأمور به بتلك الصفة ، وعلى تقييد الفاعل بها تقييد صاحب الحال بالحال ، ومما يدل على هذا . إنك تجد مثل هذا صالحاً وقوعه جواباً لكيف فإذا قيل : كيف أدعوه ؟ قيل : تضرعاً وخفية وتجد اقتضاء كيف لهذا أشد من اقتضاء لم ولو كان مفعولاً له لكان جواباً للم ولا تحسن هنا . ألا ترى أن المعنى ليس عليه فإنه لا يصح أن يقال: لم أدعوه فيقول تضرعاً وخفية، وهذا واضح . ولا هو انتصاب على المصدر المبين للنوع الذي لا يتقيد به الفاعل لما ذكرناه من صلاحيته جواباً لكيف.
وبالجملة فالمصدرية في هذا الباب لا تنافي الحال. بل الإتيان بالحال ههنا بلفظ المصدر يفيد ما يفيده المصدر مع زيادة فائدة الحال فهو أتم معنى ولا تنافي بينهما والله أعلم.
فصل في قوله تعالى : إن رحمة الله قريب من المحسنين وفيه تنبيه على أن مطلوب العبد الرحمة والمطلوب منه الإحسان
وقوله تعالى : إن رحمة الله قريب من المحسنين [ الأعراف : 56 ] ، فيه تنبيه ظاهر على أن فعل هذا المأمور به هو الإحسان المطلوب منكم ، مطلوبكم أنتم من الله هو رحمته ، ورحمته قريب من المحسنين الذين فعلوا ما أمروا به من دعائه خوفاً وطمعاً ، فقرب مطلوبكم منكم وهو الرحمة بحسب أدائكم لمطلوبه منكم وهو الإحسان الذي هو في الحقيقة إحسان إلى أنفسكم ، فإن الله هو الغني الحميد وإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وقوله : إن رحمة الله قريب من المحسنين [ الأعراف : 56 ] ، له دلالة بمنطوقه ودلالة بإيمائه وتعليله ودلالة بمفهومه ، فدلالته بمنطوقة على قرب الرحمة من أهل الإحسان ، ودلالته بتعليله وإيمائه على أن هذا القرب مستحق بالإحسان ، فهو السبب في قرب الرحمة منهم ، ودلالته بمفهومه عنى بعد الرحمة منهم ، ودلالته بمفهومه على بعد الرحمة من غير المحسنين ، فهذه ثلاث دلالات لهذه الجملة . وإنما اختص أهل الإحسان بقرب الرحمة منهم ، لأنها إحسان من الله أرحم الراحمين ، وإحسانه تعالى إنما يكون لأهل الإحسان لأن الجزاء من جنس العمل ، فكما أحسنوا بأعمالهم أحسن إليهم برحمته .
وأما من لم يكن من أهل الإحسان فإنه لما بعد عن الإحسان بعدت عنه الرحمة بعداً ببعد وقرباً بقرب فمن تقرب بالإحسان تقرب الله إليه برحمته ، ومن تباعد عن الإحسان تباعد الله عنه برحمته ، والله سبحانه يحب المحسنين ويبغض من ليس من المحسنين . ومن أحبه الله فرحمته أقرب شيء منه ، ومن أبغضه فرحمته أبعد شيء منه . والإحسان ههنا هو فعل المأمور به سواء كان إحساناً إلى الناس أو إلى نفسه . فأعظم الإحسان الإيمان والتوحيد والإنابة إلى الله والإقبال عليه والتوكل عليه . وأن يعبد الله كأنه يراه إجلالاً ومهابة وحياء ومحبة وخشية ، فهذا هو مقام الإحسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : وقد سأله جبريل عن الإحسان فقال : أن تعبد الله كأنك تراه ، وإذا كان هذا هو الإحسان فرحمة الله قريب من صاحبه ، فإن الله إنما يرحم أهل توحيده المؤمنين به وإنما كتب رحمته للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون والذين يتبعون رسوله فهؤلاء هم أهل الرحمة . كما أنهم هم المحسنون ، وكما أحسنوا جوزوا بالإحسان وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان . يعني هل جزاء من أحسن عبادة ربه إلا أن يحسن ربه إليه . قال ابن عباس هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم إلا الجنة .
وقد ذكر ابن أبي شيبة وغيره من حديث الزبير بن عدي عن أنس بن مالك قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ، ثم قال : هل تدرون ما قال ربكم ، قالوا : الله ورسوله أعلم قال : يقول هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة .
فصل : الإخبار عن الرحمة وهي مؤنثة بالتاء بقوله قريب وهو مذكر فيه اثنا عشر مسلكاً منها الصحيح وغيره وقد نبه على كل منهما
وأما الأخبار عن الرحمة وهي مؤنثة بالتاء بقوله قريب ، وهو مذكر ففيه اثنا عشر مسلكاً نذكرها ونبين ما فيها من صحيح وسقيم ومقارب . المسلك الأولى أن فعيلاً على ضربين . أحلاهما يأتي بمعنى فاعل كقدير وسميع وعليم . والثاني يأتي بمعنى مفعول كقتيل وجريح وكف خضيب وطرف كحيل وشعر دهين . كله بمعنى مفعول فإذا أتى بمعنى فاعل ، فقياسه أن يجري مجراه في إلحاق التاء به مع المؤنث دون المذكر كجميل وجميلة وشريف وشريفة وصبيح وصبيحة وصبي وصبية ومليح ومليحة وطويل وطويلة ونحوه . وإذا أتى بمعنى مفعول فلا يخلو أما أن يكون يصحب الموصوف كرجل قتيل وامرأة قتيل ، أو يفرد عنه ، فإن صحب الموصوف استوى فيه المذكر والمؤنث كرجل قتيل وامرأة قتيل ، وإن لم يصحب الموصوف فإنه يؤنث إذا جرى على المؤنث نحو قتيلة بني فلان . ومنه قوله تعالى : حرمت عليكم الميتة [ المائدة : 3 ] ، إلى قوله : والنطيحة [ المائدة : 3 ] ، هذا حكم فعيل وفعول قريب منه لفظاً ومعنى فإنهما مشتبهان في الوزن والدلالة على المبالغة وورودها بمعنى فاعل ومفعول .
ولما كان فعيل أخف استغني به عن فاعل في المضاعف كجليل وعزيز وذليل كراهية منهم لثقل التضيف إذا قالوا : جالل وعازز وذالل فأتوا بفعيل مفصولاً فيه بين المثلين بالياء الساكنة ، ولم يأتوا في هذا بفعول لأن فعيلاً أخف منه ولخفته أيضاً اطرد بناؤه من فعل كشريف وظريف وجميل ونبيل . وليس لفعول بناء يطرد منه ولخفته أيضاً كان في أسماء الله تعالى أكثر من فعول فإن الرحيم والقدير والحسيب والجليل والرقيب ونظائره أكثر من ألفاظ الرؤوف والغفور والشكور والصبور والودود والعفو . ولا يعرف إلا هذه الألفاظ الستة وإذا ثبت التشابه بين فعيل وفعول فيما ذكرنا وكانوا قد خصوا فعولاً الذي بمعنى فاعل بتجريده من التاء الفارقة بين المذكر والمؤنث وشركوا بينهما في لفظ المذكر فقالوا : رجل صبور وشكور وامرأة صبور وشكور ، ونظائرهما وأما عدو وعدوة فشاذ . فإن قصد بالتاء المبالغة لحقت المذكر والمؤنث كرجل ملولة وفروقة وامرأة كذلك ، وإن كان فعول في معنى مفعول لحقته التاء في المؤنث كحلوبة وركوبة فإذا تقرر ذلك فقريب في الآية هو فعيل بمعنى فاعل وليس المراد أنه بمعنى قارب ، بل بمعنى اسم الفاعل العام ، فكان حقه أن يكون بالتاء ، ولكنهم أجروه مجرى فعيل بمعنى مفعول فلم يلحقوه التاء كما جرى فعيل بمعنى مفعول مجرى فعيل بمعنى فاعل في إلحاقه التاء كما قالوا : خصلة حميدة وفعلة ذميمة بمعنى محمودة ومذمومة ، فحملا على جميلة وشريفة في لحاق التاء . فحملوا قريباً عى امرأة قتيل وكف خضيب وعين كحيل في عدم إلحاق التاء حملاً لكل من البابين على الآخر . ونظيره قوله تعالى : قال من يحيي العظام وهي رميم [ يس : 78 ] ، فحمل رميماً وهي بمعنى فاعل على امرأة قتيل وبابه فهذا المسلك هو من أقوى مسالك النحاة ، وعليه يعتمدون وقد اعترض عليه بثلاث اعتراضات .
أحدها : أن ذلك يستلزم التسوية بين اللازم والمتعدي ، فإن فعيلاً بمعنى مفعول بابه الفعل المتعدي وفعيلاً بمعنى فاعل بابه الفعل اللازم ، لأنه غالب ما يأتي من فعل المضموم العين فلو جرى على أحدهما حكم الآخر لكان ذلك تسوية بين اللازم والمتعدي وهو ممتنع .
الاعتراض الثاني أن هذا إن ادعى على وجه العموم فباطل . وإن ادعى على سبيل الخصوص فما الضابط وما الفرق بين ما يسوغ فيه هذا الاستعمال وما لا يسوغ .
الاعتراض الثالث : أن العرب قد نطقت في فعيل بالتاء وهو بمعنى مفعول وجردته من التاء وهو بمعنى فاعل قال جرير يرثي خالته :
نعم القرين وكنت علق مضنه وأرى بنعق بلية الأحجار
فجرد القرين من التاء وهو بمعنى فاعل وقال :
فسقاك حيث حللت غير فقيدة هزج الرواح وديمة لا تقلع
فقرن فقيدة بالتاء وهو فعيل بمعنى مفعول أي غير مفقودة . وقال الفرزدق :
فداويته عامين وهي قريبة أراها وتدنو لي مراراً وأرشف
ويقولون : امرأة فتين وسريح وهريت فجردوه عن التاء وهو بمعنى فاعل ، وقالوا : امرأة فروك وهلوك ورشوف وأنوف ورضوف ، فجردوه وهو بمعنى فاعل كصبور ، وقالوا : امرأة عروب فجردوه أيضاً ، ثم قالوا : امرأة ملولة وفروقة فقرنوه بالتاء وهو بمعنى فاعل أيضاً . ودعوى أن التاء ههنا للمبالغة لا دليل عليها فقد رأيت اشتراك فعول وفعيل في الاقتران بالتاء والتجرد منها .
فدعوى أصالة المجرد منهما وشذوذ المقرون مقابلة بمثلها ومع مقابلها قياس اللغة في اقتران المؤنث وتجريد المذكر وأما ما استشهدتم به من قوله تعالى : من يحيي العظام وهي رميم [ يس : 87 ] . فهو على وفق قياس العربية ، فإن العظام جمع عظم وهو مذكر ولكن جمعه جمع تكسير ، وجمع التكسير يجوز أن يراعى فيه تأنيث الجماعة . وباعتباره قال وهي ولم يقل وهو ويراعي فيه معنى الواحد ، وباعتباره قال رميم كما يقال عظم رميم مع أن رميماً يطلق على جمع المذكر مفرداً وجمعاً قال جرير :
إلى المهلب جذ الله دابرهم أمسوا رميماً فلا أصل ولا طرف
فهذا الاعتراض على هذا المسلك .
المسلك الثاني : أن قريباً في الآية من باب تأويل المؤنث بمذكر موافق له في المعنى
المسلك الثاني : أن قريباً في الآية من باب تأويل المؤنث بمذكر موافق له في المعنى كقول الشاعر :
أرى رجلاً منهم أسيفاً كأنما يضم إلى كشحيه كفاً مخضباً
فكف مؤنت ، ولكن تأويله بمعنى عضو وطرف فذكر صفته فكذلك تتأول الرحمة وهي مؤنثة بالإحسان ، فيذكر خبرها قالوا : وتأويل الرحمة بالإحسان أولى من تأويل الكف بعضو لوجهين :
أحدهما : أن الرحمة معنى قائم بالراحم والإحسان هو بر المرحوم ومعنى القرب في البر من المحسنين أظهر منه في الرحمة .
الثاني : أن ملاحظة الإحسان بالرحمة الموصوفة بالقرب من المحسنين هو مقابلة للإحسان الذي صدر منهم ، وباعتبار المقابلة ازداد المعنى قوة واللفظ جزالة ، حتى كأنه قال : إن إحسان الله قريب من أهل الإحسان كما قال تعالى : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان [ الرحمن :60 ] ، فذكر قريباً ليفهم منه أنه صفة لمذكر وهو الإحسان فيفهم المقابلة المطلوبة . قالوا : ومن تأويل المؤنث بمذكر ما أنشده الفراء :
وقائع في مضر تسعة وفي وائل كانت العاشرة
فتأول الوقائع وهو مؤنثة بأيام الحرب المذكرة فأنث العدد الجاري عليها فقال تسعة ولولا هذا التأويل لقال تسع لأن الوقائع مؤنثة قالوا : وإذا جاز تأويل المذكر بمؤنث في قول من قال جاءته كتابي أي صحيفتي وفي قول الشاعر :
يا أيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوت
أي ما هذه الصيحة ، مع أنه حمل أصل على فرع فلأن يجوز تأويل مؤنث بمذكر لكونه حمل فرع على أصل أولى وأحرى ، وهذا وجه جيد وقد اعترض عليه باعتراضين فاسدين غير لازمين .
أحدهما : أنه لو جاز تأويل المؤنث بمذكر يوافقه وعكسه لجاز أن يقال كلمتني زيد وأكرمتني عمرو وكلمني هغد وأكرمني زينب ، تأويلاً لزيد وعمرو بالنفس والجثة ، وتأويلاً لهند وزينب بالشخص والشبح ، وهذا باطل وهذا الاعتراض غير لازم ، فإنهم لم يدعوا إطراد ذلك ، وإنما ادعوا أنه مما يسوغ أن يستعمل وفرق بين ما يسوغ في بعض الأحيان وبين ما يطرد كرفع الفاعل ونصب المفعول ، وهم لم يدعوا أنه من القسم الثاني ، ثم إن هذا الاعتراض مردود بكل ما يسوغ استعماله بمسوغ ، وهو غير مطرد وهو أكثر من أن يذكر ههنا . ولا ينكره نحوي أصلاً وهل هذا إلا اعتراض على قواعد العربية بالتشكيكات والمناقضات ، وأهل العربية لا يلتفتون إلى شيء من ذلك ، فلو أنهم قالوا : يجوز تأويل كل مؤنث بمذكر يوافقه ، وبالعكس لصح النقض ، وإنما قالوا يسوغ أحياناً تأويل أحدهما بالآخر لفائدة يتضمنها التأويل كالفائدة التي ذكرناها من تأويل الرحمة بالإحسان .
الاعتراض الثاني : أن حمل الرحمة على الإحسان إما أن يكون حملاً على حقيقته أو مجازه ، وهما ممتنعان فإن الرحمة والإحسان متغايران لا يلزم من أحدهما وجود الآخر ، لأن الرحمة قد توجد وافرة في حق من لا يتمكن من الإحسان كالوالدة العاجزة ونحوها ، وقد يوجد الإحسان ممن لا رحمة في طباعه . كالملك القاسي فإنه قد يحسن إلى بعض أعدائه وغيرهم لمصلحة ملكه ، مع أنه لا رحمة عنده . وإذا تبين انفكاك أحدهما عن الآخر لم يجز إطلاقه عليه لا حقيقة ولا مجازاً . أما الحقيقة فظاهر وأما المجاز فإن شرطه خطور المعنى المجازى بالبال ليصح انتقال الذهن إليه ، فإذا كان منفكاً عن الحقيقة لم يخطر بالذهن ، وهذا الاعتراض أفسد من الذي قبله وهو من باب التعنت والمناكدة ، وأين هذا من قول أكثر المتكلمين ( ولعل هذا المعترض منهم ) ، أنه لا معنى للرحمة غائباً إلا الإحسان المحض ، وأما الرقة والحنة التي في الشاهد فلا يوصف الله بها ، وإنما رحمته مجرد إحسانه ومع أنا لا نرتضي هذا القول ، بل نثبت لله تعالى الرحمة حقيقة كما أثبتها لنفسه منزهة مبرأة عن خواص صفات المخلوقين كما نقوله قي سائر صفاته من إرادته وسمعه وبصره وعلمه وحياته وسائر صفات كماله . فلم نذكره إلا لنبين فساد اعتراض هذا المعترض على قول أئمته ، ومن قال بقوله من المتكلمين ثم نقول : الرحمة لا تنفك عن إرادة الإحسان فهي مستلزمة للإحسان أو إرادته استلزام الخاص للعام ، فكما يستحيل وجود الخاص بدون العام ، فكذلك الرحمة بدون الإحسان أو إرادته يستحيل وجودها .
وأما قضية الأم العاجزة فإنها وإن لم تكن تقدر على الإحسان بالفعل فهي محسنة بالإرادة فرحمتها لا تنفك عن إرادتها التامة للإحسان التي يقترن بها مقدورها إما بدعاء وإما بإيثار بما تقدر عليه ، ونحو ذلك فتخلف بعض الإحسان الذي لا تقدر عليه عن رحمتها . لا يخرج رحمتها عن استلزامها للإحسان المقدور وهذا واضح . وأما الملك القاسي إذا أحسن فإن إحسانه لا يكون رحمة ، فهذا لأن الإحسان أعم من الرحمة والأعم لا يستلزم الأخص وهم لم يدعوا ذلك فلا يلزمهم وأيضاً فإن الإحسان قد يقال إنه يستلزم الرحمة وما فعله الملك المذكور ، فليس بإحسان في الحقيقة وإن كانت صورته صورة الإحسان وبالجملة فالعنت والمناكدة على هذا الاعتراض أبين من أن يتكلف معه رده لم إبطاله
__________________
كيف ابدى باحرفى ما اريد ..... او بماذا تراه يحكى القصيد
كل يوم تدق بابى عظات........ ويهز الفؤاد خطب حديد
ويح نفسى الم تفق من هواها......او ما هز خافقها الوعيد :7b:


شبكة ومنتديات القمة
http://elqema.co.cc
http://elqema1.co.cc

نسعد بمشاركتكم معنـــا
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-19-2009, 12:49 PM
 
رد: وادعوه خوفاً وطمعاً

بارك الله فيكم


قصة الخلافة
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طريقة تحضير الخبز المغربي manouella أطباق شهية 9 04-15-2007 05:26 PM
المهلة الأخيرة (روايه مترجمه) ahmed decor أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 4 10-08-2006 12:57 AM
مراهق يضع الخبز في الحمام ليكشف اسرار عالم الجن فراس الحلو أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 25 06-09-2006 10:08 AM


الساعة الآن 12:45 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011