|
مواضيع عامة مواضيع عامة, مقتطفات, معلومات عامه, مواضيع ليس لها قسم معين. |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
أخلاقيات الخلاف سلمان بن فهد العودة للخلاف آداب وأخلاق يجمل الاتصاف بها والوقوف عليها للأخذ بها، من أبرزها : أولاً: عدم التثريب بين المختلفين؛ فلستَ بأصدق إيماناً بالضرورة، ولا أوسعَ علماً، ولا أرجحَ عقلاً ممن تختلف معه، ولهذا قال يحيى بن سعيد: ما برح المستفتون يسألون، فيجيب هذا بالتحريم، وهذا بالإباحة، فلا يعتقد الْمُبيحُ أن الْمُحَرِّمَ هلك، ولا يعتقد الْمُحَرِّمُ أن المبيحَ هلك. وكان الإمام أحمد يقول: ما عبر الجسر إلينا أفضل من إسحاق، وإن كنا نختلف معه في أشياء؛ فإنه لم يزل الناس يخالف بعضهم بعضا. كتب أحدهم رأياً في مسألة من المسائل الفقهية ونشرها؛ فقال له أحد المناقشين: لماذا تبحث هذه المسألة التي لم يبحثها العلماء من قبلك؟! قال له: لقد بحثوها وأوسعوها بحثاً. قال له: إذاً فلماذا تبحثها وقد بحثوها، ألا يكفيك بحثهم عما فعلت. إن أفهام الرجال ليست وحياً، والمدارس الفقهية، أو الدعوية ليست هي الإسلام، وإن كانت تنتسب إليه وترجع إليه. وفي صحيح مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ : ( وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِنِ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإِنَّكُمْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُخْفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ. وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فَلاَ تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِى أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لاَ). لاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم يوصي رجلاً من أصحابه اختاره لقيادة الجيش، والنبي صلى الله عليه وسلم حاضر بين أظهُرهم، ويقول له: لا تنزل الناس على ذمة الله وذمة رسوله، ولا على حكم الله وحكم رسوله؛ لأنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله وحكم رسوله أم لا ، ولقد سمعت بأذني غير مرة من يتكلم بمسألة قصارى ما يُقال فيها: إنها اجتهادية؛ فيقول: أنا لا أتكلم من قِبل نفسي أنا لا أقول برأي، وإنما هذا منهج الله، هذا حكم الله، و أقول: سبحان الله؛ فهل الآخرون يأخذون من التوراة، أو الإنجيل؟ كلا؛ بل الجميع يدورون على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن يكون المعنى قابلاً لأكثر من اجتهاد، وأكثر من محمل، وأكثر من رأي. يقول ابن القيم -رحمه الله-: لا يجوز أن يقول لما أداه إليه اجتهاده، ولم يظفر فيه بنص إن الله حرم هذا وأوجب هذا، أو هذا حكم الله. ويقول ابن تيميه -رحمه الله-:ولكن كَثِيرًا من النَّاسِ يَنْسُبُونَ ما يقولونه إلى الشَّرْعِ وليس من الشَّرْعِ ; بل يقولون ذلك إما جَهْلاً وَإما غَلَطًا وَإما عَمْدًا وَافْتِرَاءً. إنه لا وصاية على الناس ولا إلزام بمذهب معين، وقد عرض المنصور على إمام دار الهجرة مالك بن أنس أن يعمم كتاب الموطأ على الأمصار، وأن يُلزم الناس بالأخذ به، فنهاه عن ذلك، وقال: يا أمير المؤمنين! لا تفعل، فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديث، ورووا روايات، وعملوا بذلك، ودانوا به من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن ردهم عما اعتقدوه شديد فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم. وهذا من فقه هذا الإمام وتقواه؛ فإن كثيراً من المختلفين لو استطاع أحدهم أن يستميل إليه السلطان ليتقوى به على خصومه؛ لفعل. وقد وقع هذا كثيراً في التاريخ والواقع؛ فإن كثيراً من المختلفين من المذاهب الفقهية أو الاعتقادية، ربما استنصروا بالسلطان على خصومهم وأعدائهم؛ فأبعدوهم وآذوهم. ثانياً: الإنصاف كما قال عمار رضي الله عنه في صحيح البخاري: ( ثَلاَثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الإِيمَانَ : الإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ ، وَبَذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ ، وَالإِنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَارِ ). والإنصاف خلق عزيز يقتضي أن تنزل الآخرين منزلة نفسك في الموقف، والإنصاف ضرورة، وله قواعد منها: 1.أن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين؛ فمن ثبت له أصل الإسلام لا يخرج من الإسلام ويحكم بكفره إلا بيقين، ومن ثبتت له السنة لا يخرج منها إلا بيقين، وهكذا من ثبت له شيء؛ فإنه لا يُنزع منه إلا بيقين. 2.الخطأ في الحكم بالإيمان أهون من الخطأ في الحكم بالكفر؛ أي لو أنك حكمت لشخص بالإسلام بناءً على ظاهر الحال، حتى لو كان من المنافقين مثلاً أو ليس كذلك؛ فإن هذا أهون من أن تتسرع وتحكم على شخص بالكفر، ويكون ليس كذلك؛ فتقع في الوعيد ( وَمَنْ دَعَا رَجُلاً بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ : عَدُوَّ اللَّهِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلاَّ حَارَ عَلَيْهِ ). أي رجع عليه . 3.في مسائل الاجتهاد لا تأثيم ولا هجران، وهذا ذكره ابن تيمية -رحمه الله- وهذا مذهب أهل السنة: أنهم لا يرون تأثيماً لكل من اجتهد في المسائل كلها من غير تفريق بين الأصول والفروع، فمن استفرغ وسعه في معرفة مراد الله عز وجل ، وكان أهلاً لذلك، فإنه لا يأثم بهذا الاجتهاد بل هو بين أجر وأجرين، فلا تأثيم في مسائل الاجتهاد، ولا ينبغي أن يكون ثمت تهاجر بين المؤمنين. 4.التحفظ عن تكفير فرد بعينه أو لعنه، حتى لو كان من طائفة، أو كان من أصحاب قولٍ، يصح أن يوصف أنه كفر، وها هو الإمام أحمد -رحمه الله- كان يُكفّر الجهمية، ويكفر من يقول القرآن مخلوق، ومع ذلك لم يكفر أحداً منهم بعينه، لا المأمون ولا سواه، بل كان يدعو له، ويستغفر له، ويجعله في حِلٍ مما صنع فيه . 5.الأخذ بالظاهر، والله يتولى السرائر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إِنِّى لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) . 6.تسلط الجهال على تكفير علماء المسلمين من أعظم المنكرات، ولقد اتفق أهل السنة على أن علماء المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ، بل عامة المسلمين لا يجوز تكفيرهم بمجرد الخطأ، يقول ابن رجب -رحمه الله-: أكثر الأئمة غلطوا في مسائل يسيره، مما لا يقدح في إمامتهم وعلمهم فكان ماذا؟ لقد انغمر ذلك في بحر علمهم، وحُسن مقصدهم، ونصرهم للدين، والانتصاب للتنقيب عن زلاتهم ليس محموداً ولا مشكوراً، لاسيما في فضول المسائل التي لا يضر فيها الخطأ، ولا ينفع فيها كشفه وبيانه. والعجيب أن كثيراً من الناس قد يتحفظون ويتورعون عن أكل الحرام -مثلاً-، أو عن شرب الخمر، أو عن مشاهدة الصور العارية والمحرمة، ولكن يصعب عليه كف لسانه؛ فتجده يَفْرِي في أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي بما يقول، ولهذا قرر العلماء أن كلام الأقران بعضهم في بعض لا يُعبأ به، لاسيما إذا لاح أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله. قال الذهبي -رحمه الله-: ما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئتُ لسردت من ذلك كراريس. سأل أحمد بن حنبل -رحمه الله- بعض الطلبة من أين أقبلتم؟ قالوا: جئنا من عند أبي كُريب، وكان أبو كُريب ينالُ من الإمام أحمد، وينتقده في مسائل؛ فقال نِعم الرجل الصالح! خذوا عنه وتلقوا عنه العلم، قالوا: إنه ينال منك ويتكلم فيك! قال أيُّ شيء حيلتي فيه، إنه رجلٌ قد ابتُلي بي. وحدث الأعمش عن زِرّ بن حُبيش وأبي وائل، وكان زر بن حُبيش علوياً؛ يميل إلى علي بن أبي طالب، وكان أبو وائل عثمانياً، وكانوا أشد شيء تحاباً وتوادّاً في ذات الله عز وجل، وما تكلم أحدهما في الآخر قط حتى ماتا، ولم يُحدث أبو وائل بحضرة زر؛ لأنه كان أكبر منه سناً، ولهذا قال الذهبي -رحمه الله-: وهو يترجم لأبي محمد بن حزم صاحب الْمُحلى وشيخ الظاهرية، قال: ولي ميل لأبي محمد بن حزم؛ لمحبته للحديث الصحيح ومعرفته به، وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقول في الرجال والعلل، وفي المسائل البشعة في الفروع والأصول، وأقطع- لاحظ قوله: وأقطع- بخطئه في غير ما مسألة، ولكني لا أكفره ولا أضلله، وأرجو له العفو والمسامحة وللمسلمين، وأخضع لفرط ذكائه وسعة علومه. إن من الإنصاف أن تقبل ما لدى خصمك من الحق والصواب، حتى لو كان فاسقاً، بل حتى لو كان مبتدعاً، بل حتى لو كان كافراً. ولذلك استنكر ابن تيمية -رحمه الله- على بعض المنتسبين للسنة فرارهم من التصديق، أو الموافقة على حق يقوله بعض الفلاسفة، أو المتكلمين؛ بسبب النفرة والوحشة، أو إعراضهم عن بعض فضائل آل البيت، وقال -رحمه الله-: لا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني، فضلاً عن الرافضي قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق. ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله- في تفسيره: إذا تكلم العالم على مقالات أهل البدع؛ فالواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه، وأن يبين ما فيها من الحق والباطل، ويعتبر قربها من الحق وبعدها عنه. وهكذا تلوح لك في هذه النصوص؛ أمارات الإنصاف والعدل، حتى مع الخصوم المباعدين، فضلاً عن الإخوة المتحابين. ثالثاً : استعمال الصبر والرفق والمداراة، واحتمال الأذى ومقابلة السيئة بالحسنة، كما أمر الله –تبارك وتعالى- في ذلك في غير ما موضع من كتابه "وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"[فصلت:34]، وبهذا استمال النبي صلى الله عليه وسلم قلوب أعدائه، وعالج قسوتها وشماسها ونفارها، حتى لانت واستقادت وقبلت الحق؛ فالكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة الصافية، والإحسان إلى الآخرين بالقول والفعل؛ من أسباب زوال العداوة وتقارب القلوب "وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظيمٍ"[فصلت:35] . كُنَّا مِنَ الدِّينِ قَبْلَ اليَومِ فِي سِعَةٍ حَتَّى بُلِينَا بِأَصْحَابِ الْمَقَايِيسِ قَومٌ إِذَا اجْتَمَعُوا صاحوا كأنهم ثَعَالِبٌ ضَبَحَتْ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ فسمع أبو حنيفة بذلك؛ فأرسل له هدية، وكانت هذه الهدية رشوة، لكنها رشوة بطريقة شرعية صحيحة؛ فلما قبض الهدية قال: إِذَا مَا النَّاسُ يَوْماً قَايَسُونَا بِآبِدَةٍ مِنَ الفُتْيَا طَرِيفَهْ أَتَيْنَاهُمْ بِمِقْيَاسٍ صَحِيحٍ مُصِيبٍ مِنْ قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَهْ إِذَا سَمِعَ الفَقِيهُ بِهَا وَعَاهَا وَأَوْدَعَهَا بِحِبْرٍ فِي صَحِيفَهْ ومن ذلك: ألا تكثر العتاب والمحاسبة، وفي صحيح البخاري (باب من لم يواجه الناس بالعتاب) وذكر فيه حديث عائشة قَالَت صنع النبي صلى الله عليه وسلم شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ : ( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّىْءِ أَصْنَعُهُ ، فَوَاللَّهِ إِنِّى لأَعْلَمُهُمْ بِاللَّهِ وَأَشَدُّهُمْ لَهُ خَشْيَةً ). ومن ذلك عدم الانتقام والتشفي، والانتصار للنفس. رابعاً: عدم التعصب للمذهب أو الطريقة أو الشيخ أو الجماعة أو الطائفة أو الحزب؛ ولهذا قيل: " حُبكَ الشيء يعْمِي وَيُصِمُّ " ، إن المتعصب أعمى، لا يعرف أعلى الوادي من أسفله، ولا يستطيع أن يميز الحق من الباطل، وقد يتحول المتعصب بنفس الحرارة ونفس القوة من محب إلى مبغض؛ ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما في سنن الترمذي، ويروى مرفوعاً، والموقوف أصح: [ أَحبِب حَبِيبَكَ هَوْنًا ما عَسَى أَنْ يَكُونَ بغيضك يوماً ما وَأَبْغضْ بغيضك هَونا ما عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يوماً مَا]. وقد يكون الغلو أحياناً، أو المبالغة، أو التعصب لأقوام؛ هم أشد ما يكونون بعداً عن ذلك وكراهية له، ولكنهم قد يُبتلون بمن يتعصب لهم أو يغلو فيهم، فهذا الإمام محمد بن يحيى النيسابوري أخذه الحزن على الإمام أحمد لما مات في بغداد؛ فقال حقٌ على أهل كل بيت في بغداد أن يقيموا مناحة على موت الإمام أحمد؛ فقال الذهبي -رحمه الله-: إن النيسابوري تكلم بمقتضى الحزن، لا بمقتضى الشرع، وإلا فإن النياحة منهيٌ عنها في الشريعة. وقال بعضهم: في خُراسان يظنون أن الإمام أحمد من الملائكة، ليس من البشر. وقال آخر: نظرة عندنا من أحمد تعدل عبادة سنة. قال الذهبي: هذا غلو لا ينبغي. وقال محمد بن مصعب لسوط ضربه أحمد أكرم من أيام بشر الحافي كلها؛ فقال الذهبي -رحمه الله- بشر عظيم القدر كأحمد، ولا ندري وزن الأعمال، إنما هو عند الله تعالى والله أعلم بذلك. لقد كان الإمام أحمد -رحمه الله- رجلاً متواضعاً، بعيداً عن التكلف، ولكنَّ هذه الأشياء قد تخرج من أقوام في حالة انفعال في حزن أو غيره، وبكل حال فهي أقوال مرذولة ينبغي اطراحها والرد عليها وإنكارها، كما فعل الذهبي وغيره. وصلتني ورقة من الإنترنت مكتوب فيها: ابن باز هو الجماعة، وإن شئت فالألباني. نقول بملء أفواهنا: ابن باز -رحمة الله تعالى عليه- من أئمة المسلمين، ولكن من الصعب أن تُختصر الأمة في رجل لا في ابن باز، ولا الألباني، ولا ابن عثيمين، ولا في هذا ولا في ذاك؛ فإن هذه الأمة جعل الله فيها من الخير الكثير، وتنوع المواهب والقدرات والعلوم الكثير الطيب المبارك، واعتبار شخص واحد هو الجماعة، وأنه يتعين على الناس اتباعه، والأخذ عنه أمر مردود حتى بمقياس هؤلاء الأئمة؛ فإن الشيخ ابن باز -رحمه الله- لما كان مفتياً لهذه المملكة كان لا يرى رأيه ملزماً للناس، ويرى أن قوله مثل قول غيره من العلماء، يمكن أخذه بالدليل، ويمكن رده بالدليل، فلا تطلب من الناس أكثر مما يرى الشيخ نفسه، فمن الوفاء له أن تلتزم بهذا الأدب. والتعصب يورث أحياناً نقيض ذلك، يورث ازدراء الآخرين ممن لا يدخلون معه في عصبيته، كما يروى عن بعض فقهاء الكوفة مثلاً أنه حج ونزل بالحجاز ولقي علماءها: عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وغيرهم، فلما رجع إلى الكوفة قال: يا أهل الكوفة! أبشروا فوالله لأنتم أهل فقه الزمان كله، لفقهاء الحجاز كلهم عطاء وطاووس وسعيد مثل صبيانكم بل مثل صبيان صبيانكم. ولا أدري ما المراد بصبيان صبيانكم؛ يعني صبيانكم أفقه منهم. وقال أحدهم عن ابن الجوزي وهو يعدد مثالبه وأخطاءه فيما يزعم قال: ما رأيت أحداً يوثق بعلمه ودينه وعقله راضياً عنه. فعلق الذهبي –رحمه الله- بقوله: إذا رضي الله عنه فلا اعتبار بهؤلاء. إنك كثيراً ما تسمع التقليل من شأن فلان؛ لأنه ليس على مذهبنا, ليس على طريقتنا, ليس من جماعتنا، فلان لا علم عنده, فلان ليس بشيء. قال أبو نُعيم عن رجل بلغه أنه يدرس الحديث قال: ماله وللحديث هو بالتوراة أعلم. وهنا نقول: ربما يدرس المسلم التوراة ليعلم حقها من باطلها ومنسوخها وصحيحها ومُحرفها ويرد على أهل الكتاب، لكن لا ينبغي أن يُحال بين أحد وبين قراءة السنة النبوية، أو يُقال هو بالتوراة أعلم على سبيل الوقيعة به أو النيل منه، أو الازدراء والتنقص. إدارة الخلاف سلمان بن فهد العودة. لإدارة الخلاف ضوابط وهو علم أصبح يدرس اليوم , وتمتلئ رفوف المكتبات بالمطبوع والمترجم والقديم والجديد من مصنفاته ؛ وهذه رؤوس مسائله : أولاً: الاعتصام بالكتاب والسنة "وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّه"[الشورى:10]، " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ"[النساء:59]. أ- القرآن الكريم "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ"[الإسراء:9] . ب- السنة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً"[الأحزاب:21]. ثانياً: الحوار؛ والحوار لا يكون إلا بين مختلفين، والله سبحانه أمر بالمجادلة بالتي هي أحسن حتى مع أهل الكتاب "وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ "[العنكبوت:46] حتى المخالف في الأصول يهودياً أو نصرانياً أو بدعياً؛ فإنه يمكن محاورته بل يجب على القادرين محاورته بالتي هي أحسن، والله تعالى ذكر في القرآن الكريم ما دار بين ربنا -تبارك وتعالى- في خطابه لإبليس: "قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"[صّ:75-76]. وللحوار آداب يجب تعلمها وتلقينها. الحوار بين الجماعات الإسلامية والأحزاب. الحوار بين الدول. الحوار بين الشعوب، ومنح الناس فرصة التعبير عن آرائهم في الهواء الطلق؛ فإنه في الهواء الطلق تموت الأفكار المنحرفة، والشمس تقتل الجراثيم، و في النهاية لا يصح إلا الصحيح. وبالحوار يمكن تحويل المتوحشين والمتشاكسين إلى مجتمع هادئ آمن "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ"[آل عمران:159]. إن المناظرة الهادئة العلمية من أساليب الوصول إلى الحق، والتقريب بين المختلفين، أما هذه المناظرات التي تُعقد في القنوات الفضائية سواء دارت حول قضايا سياسية، أو قضايا عقدية، أو قضايا فكرية أو غيرها؛ فإن منها ما يتصف بالهدوء والليونة، وطول النفس، والواقعية والاعتدال، وهذه جيدة إذ تربي على الاستماع، وعلى النظر وتقبل الرأي الآخر، لكن ثمت ألوان من المناظرات يقصد بها حشد الأتباع، وتتميز بكثير من المغالطات والقفز فوق النتائج، وعدم الوصول إلى نقاط محددة، فتأخذه من أوقات الناس، وتستنزف من جهودهم الشيء الكثير، إضافة إلى أنها تزيد الناس لجاجة وتعصباً وبغضاً فيما بينهم، فلا هي تقرب بين المختلفين، ولا هي تكشف باطلاً، ولا تنصر حقاً، وربما يكون قصاراها في الغالب أن تكون لوناً من الإثارة الإعلامية. ثالثاً: الشورى؛ ثالثاً: الشورى؛ وهو مما أمر الله به " فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ"[آل عمران:159] "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ"[الشورى:38]، لقد شاور النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في بدر وفي أحد وفي الخندق وفي غيرها، وإن ترسيخ مبدأ الشورى في الأسرة وفي المدرسة وفي الدولة، ومشاركة الناس في رسم مصيرهم وحاضرهم ومستقبلهم هو من الضرورات التي لا مناص منها اليوم، وعلى الأخص ما يتعلق بالشباب؛ فإن ثمت ضرورة لاحتوائهم والقرب منهم، وتحسس آلامهم وآمالهم والاستماع إلى مشكلاتهم، وألا نحملهم على رأينا وعقلنا، وألا نستخف بهم. إن إشعارهم بالأهمية ضرورة قصوى في مثل هذه الظروف، والاستماع إليهم واجب أيضاً، وإسماعهم الحق مجرداً صريحاً بلا مواربة ولا مجاملة هو من الواجبات أيضاً . رابعاً: تفعيل دائرة المتفق عليه؛ وهذه قاعدة رشيد رضا الشهيرة (قاعدة المنار) كان يقول -رحمه الله-: نتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. وهذه الكلمة ينتقدها كثيرون ويجلبون حولها، لكن لو نظر إليها الإنسان باعتدال؛ لوجد أنها قاعدة صحيحة. إننا لا نتكلم بالضرورة الآن عن أعدائنا في الأصول، المخالفين لنا في قواعد الشريعة، وإنما نتكلم في داخل دائرة أتباع القرآن وأتباع السنة. وقد أشار ابن تيمية -رحمه الله- في غير ما موضع إلى أن إسلام الكفار حتى لو تحقق على أيدي بعض أهل البدع خير من بقائهم على الكفر، وأن توبة الفجار حتى لو كان بسبب حديث ضعيف خير من بقائهم على ما كانوا عليه من الفجور، وأن الصلاة خلف المبتدع؛ خير من ترك الجماعة. وهذه المسألة مسألة تفعيل دائرة المتفق عليه، تخضع للمصلحة والاجتهاد والنظر وتغير الأحوال، وما أجدر المسلمين اليوم وهم في حال ضعفهم، وتراجع دورهم العالمي، وتسلط أعدائهم عليهم، واحتلال كثير من بلادهم إلى العناية بهذه المسألة! خامساً: تشجيع الاجتهاد، وتوفير المناخ الملائم لخصوبة العقول ونموها وإبداعها. إن جو الحرية الشرعية؛ هو المكان الذي تزدهر فيه الأفكار الصحيحة، أما حين يكون على الإنسان أن يفكر ألف مرة ومرة قبل أن يقول ما يراه؛ لأنه سوف يواجه تهماً وتشنيعاً وأذى ومصادرة؛ فإن الإبداع حينئذ يموت، ونحن نتحدث عن الإبداع، لا عن الابتداع، هذا الإبداع في أمر الدنيا المسكوت عنه، وأما الابتداع فهو في أمر الدين المحض المنصوص، وما قصة ابن عباس عنا ببعيد لقد جلبه عمر رضي الله عنه وأجلسه مع كبار المهاجرين فاستغربوا ذلك، فسألهم عن سورة الفتح كما ذكر ذلك الإمام أحمد في فضائل الصحابة، فلم يجيبوا بشيء؛ فقال ابن عباس رضي الله عنه ما أراه إلا أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّنه له. سادساً:ومن ذلك -أيضاً- تشجيع النقد البناء والمراجعة الهادفة للأوضاع سواء كانت أوضاعاً سياسية تتعلق بالدول، أو أوضاعاً اجتماعية تتعلق بالموروثات عند الناس، أو أوضاعاً دعوية تتعلق بمقررات الدعاة وأنماط عملهم وأساليبهم. مراجعة هذه الأساليب والأوضاع بهدوء وتجرد وتدرج، فليس ما نحن فيه الآن أفضل الأوضاع على أي صعيد، بحيث نقول: إن ما نحن فيه شاف كاف وليس عليه مزيد، بل نحن جميعاً معترفون بأن أوضاعنا بحاجة إلى تصحيح، وأول خطوات التصحيح هو النقد العلمي الهادف البناء. إن الكثيرين قد يظنون أن التسلط وأن الديكتاتورية، سواء كانت سياسية بمصادرة آراء الناس وحجبها ومنعهم من الكلام، أو كانت علمية بفرض رأي واحد ومنع الناس من خلافه، يظنون أنها توحد الناس، والواقع أنها لا توحدهم، بل ربما خانتهم أحوج ما يكونون إليها؛ لأنك تجد أن الناس قد ينفتحون كما يقع اليوم انفتاحاً علمياً وسياسياً ضخماً هائلاً دون أن يكونوا تهيئوا لذلك واستعدوا له؛ فيصعب عليهم التكيف والتعامل مع هذه الأوضاع الجديدة بمسئولية . سابعاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وهو من سمات المؤمنين " بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر"[التوبة:71] وينبغي أن يكون مُدارًا بين العلماء وطلبة العلم والدعاة والخاصة والعامة، لكن هنا نقاط: - لا إنكار في مسائل الاجتهاد التي يختلف فيها العلماء؛ فهذه المسائل لا ينكر فيها أحد على أحد, الكل مجتهد، ولكل مجتهد منهم نصيب وإن كان المصيب واحداً، وفرق بين مسائل الاجتهاد ومسائل الخلاف. - كثير من مسائل الخلاف ربما يكون القول الراجح فيها واضحاً أو الدليل واضحاً؛ فهنا لا بأس بالتعليم والإرشاد أو شيء من الإنكار إذا اقتضاه الموقف . - لا ينكر مقلدٌ على مقلد، فإذا كان الإنسان مقلداً لغيره من العلماء أو المذاهب؛ فإنه لا يحق له أن ينكر على مقلد آخر. - عدم الإنكار لا يعني عدم النصيحة؛ والنصيحة لا تكون بطبيعة الحال في المسائل العلمية المحضة، كما كان الشافعي -رحمه الله- يقول في كتاب الأم وغيره: إنني لا أقول لرجل خالفني في مسألة علمية فقهيه تُب إلى الله تعالى من هذه المسألة؛ لأن التوبة إنما تكون من الذنوب، وهذا الإنسان هو بين أجر وأجرين. - مراعاة فقه المصالح في إنكار المنكر؛ فمدار الإنكار على تحقيق المصلحة ودرأ المفسدة. - مراعاة التدرج في الإنكار؛ فإن نقل الناس عما هم عليه شاق وصعب وشديد، ثم إذا لم يكن للأمر والنهي جدوى ولا مصلحة لم يكن واجباً على الإنسان أن يأمر وينهى؛ كما ذكر ذلك العز بن عبد السلام ورجحه، وذكره أيضاً الشيخ الشنقيطي في تفسيره، في تفسير قوله تعالى: "فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى"[الأعلى:9]، ورجحه غير واحد من أهل العلم. - الموادعة والمتاركة "وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا"[الأعراف:87]. وفي السيرة والفقه أبواب كثيرة كلها ينبغي استعمالها؛ فهناك أبواب للهدنة، وأبواب للصلح، وأبواب للموادعة، وأبواب للعهد وأبواب لغير ذلك مما ينبغي على الإنسان أن يتأمل ما يكون مناسباً للحال والمقام منه؛ فقد يحتاج الناس في كثير من الأحيان إلى أن يتعايشوا فيما بينهم بهدوء وموادعة ومتاركة بعيداً عن إدارة الحرب والصراع. - الوضوح والمكاشفة، وعدم التعتيم أو التقليل من شأن الخلاف؛ فإن البعض ربما بدوافع عاطفية يحاولون أن يتجاوزوا الخلاف أو يقللوا من شأنه، مع أنه موجود ولا أشبه هذا إلا بالمريض الذي يذهب إلى المستشفى؛ فيتم تزوير التقارير والبيانات ونتائج الفحوص والأشعة ليقولوا: إن هذا الإنسان صحيح، بينما الأمراض تفتك ببدنه. إن من الوضوح والمكاشفة أن نتصارح في الخلافات التي توجد بيننا، لكنّ هذه المصارحة تكون سبيلاً إلى تجاوزها وإلى القضاء على الجوانب السلبية فيها. - الفهم الصحيح وتجاوز مشكلات الاتصال؛ فإن كثيراً من الخلافات ربما تكون بسبب إشاعة مغرضة، أو بسبب قول لم يتثبت منه صاحبه، أو بسبب انطباع سيئ لم يكن مبنياً على علم صحيح إلى غير ذلك من الأشياء التي توغر صدور المؤمنين بعضهم على بعض، دون أن تكون مبنية على فهم صحيح للآخر، وقد تفهم هذا الإنسان من خلال كتاب أو موقف معين؛ بينما الحقيقة قد تكون أوسع وأبعد من ذلك. إن المختلفين أحوج ما يكونون إلى أن يفهم بعضهم بعضاً بشكل صحيح، بعيداً عن ردود الأفعال والظنون والتصورات التي لا رصيد لها من الأدلة والحجج والواقع. - وأخيراً الاستفادة من علم الإدارة الحديث ودراساته المتخصصة؛ فثمت كتب كثيرة في إدارة الخلاف بين الأفراد والجماعات والشركات وغيرها وهل يمكن الاستفادة منها، وبالمناسبة فثمت كتاب جميل ومفيد وجامع اسمه: فقه الاختلاف قواعد التعامل مع المخالفين بالإنصاف إعداد محمود محمد الخازندار؛ وهذا الكتاب جمع عدداً طيباً من الأخلاق والآداب التي ينبغي مراعاتها بين لمختلفين . أدب الاختلاف الشيخ / عبد الله بن بيه . الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ، وبعد فهذه ورقة عن أدب الاختلاف مقدمة إلى المؤتمر لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة جمادى الآخرة 1422ه. تشتمل هذه الورقة على مقدمة عن معنى الاختلاف والخلاف ،والباعث على تقديم هذه الورقة ، نتعرض فيها للعناوين التالية :- 1 – تأصيل الألفة والجماعة . 2- تأصيل الاختلاف بين أهل الحق وتسويغه . 3- أقوال العلماء في الاختلاف. 4- آداب الاختلاف . 5- أسباب الاختلاف . -خاتمة . مقدمة: الاختلاف هو التباين في الرأي والمغايرة في الطرح وقد ورد فعل الاختلاف كثيراً في القرآن الكريم قتا تعالى:{ فاختلف الأحزاب من بينهم } (مريم) ،وقال تعالى:{ يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون }(البقرة) ،وقال تعالى:{ و ما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جائتهم البينات }(البقرة) ،وقال تعالى:{ وما اختلفتم فيه من شيء... } (الجاثية). أما الخلاف فهو مصدر من خالف إذا عارضه ،قال تعالى:{ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه } (هود) ،وقال تعالى:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره }(النور). وجاء بصيغة المصدر قال تعالى{ لا يلبثون خلافك إلا قليلاً } (الإسراء) ،وقال تعالى{ وأرجلهم من خلاف} (المائدة). والاختلاف قد يوحي بشيء من التكامل والتناغم كما في قوله تعالى { فأخرجنا به ثمرات مختلفاً ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها } (فاطر). وأما الخلاف فإنه لا يوحي بذلك وينصب الاختلاف غالباً على الرأي اختلف فلان مع فلان في كذا والخلاف ينصب على الشخص. ثم إن الاختلاف لا يدل على القطيعة بل قد يدل على بداية الحوار فإن ابن مسعود اختلف مع أمير المؤمنين عثمان في مسألة إتمام الصلاة في سفر الحج ولكنه لم يخالف بل أتم معه وقال : الخلاف شر. قد يدل الخلاف على القطيعة. هذا الإيحاءات والظلال جعلتنا نفضل كلمة الاختلاف التي قد تكون مقدمة للتفاهم والتكامل على كلمة الخلاف وإن كان العلماء يستعملون كلتا الكلمتين لتأدية نفس المعنى باعتبارهما من المترادف فتتعاوران وتتعاقبان . الكلمات ذات العلاقة : هناك كلمات قوية في دلالتها على اشتداد الخلاف كالنزاع والشقاق وهو الوقوف في شق أي في جانب يقابل ويضاد الجانب الآخر. الاختلاف ظاهرة لا يمكن تحاشيها باعتبارها مظهراً من مظاهر الإرادة التي ركبت في الإنسان إذ الإرادة بالضرورة يؤديان إلى وقوع الاختلاف والتفاوت في الرأي. وقد انتبه لذلك العلامة ابن القيم عندما يقول : "وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بغضهم على بغض وعدوانه" ( إعلام الموقعين) فإن الشقاق يمكن تفاديه بالحوار الذي من شأنه أن يقدم البدائل العديدة لتجنب مأزق الاصطدام في زاوية الشقاق. ونحن في ورقتنا هذه إنما نبحث عن البدائل انطلاقاً من الشريعة الإسلامية نصوصاً ومقاصد وأصولاً وفروعاً وتطبيقات بنماذج تاريخية . الباعث : إن الباعث على هذه الورقة هو ملاحظة لا تعزب عن بال أحد بل لا تغرب عن حواسه تتمثل في اختلاف كثير تصديقا لقوله عليه الصلاة والسلام { وإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً } . وهو اختلاف انتشر في الأمة أفقيًا وعمودياً في كل الفئات وعلى مختلف المستويات. تعددت أسبابه وتنوعت ألوانه واستعلمت فيه كل الوسائل من تكفير وتفسيق وتبديع وتشويه وتسفيه وما شئت من مصدر على وزن تفعيل. وأستعمل فيه الخصوم كل أدوات الدفاع والهجوم وضاقت بالحياد فيه الأرض بما رحبت فالكل متهم والكل براء وأعجز داء الأمة الدواء فحضر الشهود إلا شاهد العقل واستحضرت الحجج إلا حجة الإنصاف ( وما أبرئ نفسي ). ونحن هنا لا نحاول إصدار فتاوى في مسائل الاختلاف ولا تحضير بلسم سحري يبرء الأوصاب لأن ذلك ليس في مقدورنا ولا في طاقتنا فقد نتكلف شططاً ونكلفكم عناء وعنتا لو حاولنا ذلك ، وقد يكون من المفارقات أن أطلب من الآخرين التواضع والنسبية في الحكم ، وفي الوقت نفسه أصدر أحكامه باتة في قضاياهم. إن محاولتنا تعنى بحثاً عن كيفية تعقيل أو عقلنة جدلنا وتنظيم اختلافاتنا وترتيب درجات سلم أولوياتنا وتحسين نياتنا وإرادتنا على ضوء ما يستخلص من نصوص شرعية حاكمة وآثار عن السلف شارحة وممارسات رشيدة هادية. إذ من شأن ذلك أن يقلل من الخلاف أو ينزع فتيل ناره لتصبح بردًا وسلاماً. يقول العلامة ابن القيم : " فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباس والتحري وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية لأنه إذا كان الأصل واحدا والغاية المطلوبة واحدة والطريقة المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف وإن وقع كان اختلافًا لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة ) (الصواعق المرسلة ج 2 ص 519 ) كيف نجعل اختلافنا من هذا النوع الذي أشار إليه ابن القيم ؟ فإذا ذلك غرضنا فلننتقل إلى تأصيل أهمية الألفة وإصلاح ذات البين. تأصيل الألفة والاعتصام بحبل الجماعة : إنه من المعلوم ضرورة من الذين قال تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}،{ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم }.قوتكم وجماعتكم ونصركم. {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البيانات}،{أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}. أوامر بالاعتصام بحبل الله تعالى وإقامة دينه مقرونة بنواه عن التفرق والنزاع مع التنبيه إلى النتائج الحتمية المتمثلة في الفشل الذي يعنى العجز عن الوصول إلى غاية معينة وهنا فشل الأمة وعجزها عن القيام بوظيفتها في هداية البشر والخلافة الراشدة في الأرض { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم }. وقد بين عليه الصلاة والسلام ذلك خير بيان ، وهو المبين للذكر المبلغ للوحي في نواه صريحة " لا تقاطعوا وتدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخواناً " إصلاح ذات البين : { فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم } ،{ لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا ذات بينهما } ، { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم } وحديث " ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله تعالى " أخرجه مسلم من حديث أنس وفي حديث أبي هريرة " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا " وخرج أحمد وأبوداود والترمذي من حديث أبي الدرداء عنه عليه السلام { ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة { والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا }. وفي ثاني خطبة له بالمدينة بعد الهجرة كما يروى ابن إسحاق دعا إلى حب الله تعالى قائلاً : أحبوا ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم " ثم دعا المسلمين إلى الحب فيما بينهم قائلاً : وتحابوا بروح الله بينكم " استخلص العلماء رحمهم الله تعالى من ذلك أن الجماعة والألفة أصل من أصول الدين يضحى في سبيله بالفروع. عبر عنه خير تعبير ابن تيمية حيث يقول : "الاعتصام بالجماعة والألفة أصل من أصول الدين والفرع المتنازع من الفروع الخفية فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع"( 22 ص 254 ).وهو كلام صحيح فيه فقه وبصر بأحكام الشرع ولقد اعتذر نبي الله هارون لأخيه موسى عليهما السلام- في عدم اتباعه له عندما عبد بنو إسرائيل العجل بالمحافظة على وحدة بني إسرائيل فلو تفرقوا لحملتني مسئولية ذلك:{ يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا أن لا تتبعني أفعصيت أمري قال يابنؤم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي }. تسويغ الاختلاف : إن الاختلاف بين أهل الحق سائغ وواقع ، وما دام في حدود الشريعة وضوابطها فإنه لا يكون مذموماً بل يكون ممدوحاً ومصدراً من مصادر الإثراء الفكري ووسيلة للوصول إلى القرار الصائب ، وما مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام إلا تشريعاً لهذا الاختلاف الحميد { وشاورهم في الأمر } فكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشيروا أصحابه ويستمع إلى آرائهم وتختلف وجهات نظرهم في تقرير المضي في حملة بدر ونتائج المعركة وكان الاختلاف من الموقف من الأسرى. فعندما استشار في المضي قدماً لنزال المشركين بعد أن تبين كثرة جيوشهم بالنسبة للمسلمين وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينصت إليهم وما ليم أحد على رأي أبداه أو موقف تبناه وما تعصب منهم أحد ولا تحزب بل كان الحق غايتهم والمصلحة رائدهم. وقد يقر النبي صلى الله عليه وسلم كلاً من المختلفين على رأيه الخاص ، وبدون أن يبدي أي اعتراض أو ترجيح. كما في مسألة أمره عليه الصلاة والسلام بصلاة العصر في بني قريظة فقد صلاها بعضهم بالمدينة ولم يصلها العض الآخر إلا وقت صلاة العشاء ، ولم يعنف أحداً منهم كما جاء في الصحيحين. وفي السفر كان منهم المفطر والصائم . وما عاب أحد على أحد كما جاء في الصحيح حتى في الاختلاف في القراءة في حديث ابن مسعود إنها التربية النبوية للصحابة ليتصرفوا داخل دائرة الشريعة حسب جهدهم طبقاً لاجتهادهم. وبعده عليه الصلاة والسلام كانت بينهم اختلافات حسمت أحيانا كثيرة بالاتفاق كما في اختلافهم حول الخليفة بعده صلى الله عليه وسلم. وكما في اختلافهم حول قتال مانعي الزكاة وحول جمع القرآن الكريم ورجوع عمر إلى قول علي مسألة المنكوحة في العدة وتارة يبقى الطرفان على موقفهما وهما في غاية الاحترام لبعضهما البعض. قصة عمر مع ربيعة بن عياش قصة الأرض الخراجية قصة عائشة وابن عباس في رؤيته عليه الصلاة والسلام للباري جل وعلا. وبين عائشة وبين الصحابة في سماع الموتى وبين عمر وبين فاطمة بنت قيس في مسألة سكنى المبتوتة ونفقتها وابن مسعود وأبي موسى الأشعري في مسألة إرضاع الكبير. وأبو هريرة وابن عباس في الوضوء مما مست النار. واختلاف عمر مع أبي عبيدة في دخول الأرض التي بها وباء. ويدخل التابعون في بعض الأحيان في حلبة الخلاف كأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مع ابن عباس في عدة الحامل المتوفى عنها. وتقف عائشة إلى جانب ابن عباس قائلة لأبي سلمة إنما أنت فروج – رأى الديكة تصيح فصاح – معتبرة أنه لم يبلغ بعد درجة الاجتهاد ولكن الأمر لا يتجاوز ذلك. وموضوعات الخلاف كثيرة جداً ولكنها تحسم بالتراضي إما بالرجوع إلى رأي البعض ، ويسجل لعمر رضي الله عنه كثرة رجوعه إلى آراء أخوته من الصحابة واعترافه أمام الملأ وتأصيله القاعدة الذهبية وهي : " أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد " وهي قاعدة تبناها العلماء فيما بعد فأمضوا أحكام القضاة التي تخالف رأيهم واجتهادهم حرصاً على مصلحة إنهاء الخصومات وحسم المنازعات وهي مصلحة مقدمة في سلم الأوليات على الرأي المخالف الذي قد يكون صاحبه مقتنعا به. أقوال العلماء في الاختلاف :- يقول الحافظ بن رجب : (ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم وكل منهم يظن أنه يبغض لله وقد يكون في نفس الأمر معذوراً وقد لا يكون معذوراً بل يكون متبعاً لهواه مقصراً في البحث عن معرفة ما يبغض فإن كثيراً كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق وهذا الظن قد يخطئ ويصيب وقد يكون الحامل على الميل إليه مجرد الهوى والألفة أو العادة وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله فالواجب على المسلم أن ينصح لنفسه ويتحرز في هذا غاية التحرز وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهى عنه من البغض المحرم. وها هنا أمر خفي ينبغي التفطن له وهو أن كثيراً من أئمة الدين قد يقول قولاً مرجوحاً ويكون فيه مجتهداً مأجوراً على اجتهاده فيه موضوعاً عنه خطؤه فيه ولا يكون المنتصر لمقاتلته تلك بمنزلته في هذه الدرجة لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله بحيث لو أنه قد قاله غيره من أئمة الدين لما قبله ولا انتصر له ولا والى من يوافقه ولا عادى من خالفه وهو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه وليس كذلك فإن متبوعه إنما كان قصد الانتصار للحق وإن أخطأ في اجتهاده. وأما هذا التابع فقد شاب انتصاره لما يظن أنه الحق إرادة علو متبوعه وظهور كلمته وأنه لا ينسب إلى الخطأ وهذه دسيسة تقدح في قصده الانتصار للحق فافهم هذا فإنه مهم عظيم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. ) انتهى كلام الحافظ وهم كلام في غاية الفضل. قال الشافعي : " ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة " وقال : "ما ناظرت أحداً إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه فإن كان الحق معي اتبعني وإذا كان الحق معه اتبعته" – قواعد الأحكام رفض مالك حمل الناس على الموطأ ! قال مالك للخليفة العباسي – حينما أرد حمل الناس على الموطأ وهو كتاب مالك وخلاصة اختياره في الحديث والفقه – لا تفعل يا أمير المؤمنين معتبراً أن لكل قطر علماءه وآراءه الفقهية فرجع الخليفة عن موقفه بسبب هذا الموقف الرفيع من مالك في احترام رأي المخالف وإفساح المجال له. قالت عائشة عن بعض الصحابة وقد اختلفت معه : أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ. كان الذهبي مثل العالم المتفتح المنصف . فقد قال الذهبي عن الشيخ عبد الستار المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى : "أنه قل من سمع منه لأنه كان فيه زعارة وكان فيه غلو في السنة " وقال عنه : "وعني بالسنة وجمع فيها وناظر الخصوم وكفرهم وكان صاحب حزبية وتحرق على الأشعرية فرموه بالتجسيم ثم كان منابذاً لأصحابه الحنابلة وفيه شراسة أخلاق مع صلاح ودين يابس." اعتبر الذهبي ذلك حزبية. وقال الذهبي عن القاضي أبي بكر بن العربي : "لم ينصف القاضي أبو بكر رحمه الله شيخ أبيه في العلم ولا تكلم فيه بالقسط وبالغ في الاستخفاف به وأبو بكر على عظمته في العلم لا يبلغ رتبة أبي محمد ولا يكاد فرحمهما الله وغفر لهما". وكان الذهبي يثني ثناء عاطراً على تقي الدين السبكي مع أنه شيخ الأشاعرة الذي كان بينه وبين شيخه الشيخ تقي الدين بن تيمية من الخلاف ما هو معروف. ثم يتعذر الذهبي عن الظاهرية قائلاً : " ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظني وتندر مخالفتهم الإجماع القطعي ". ثم ذكر أنهم ليسوا خارجين عن الدين. وقال عنهم : "وفي الجملة فداود بن علي بصير بالفقه عالم بالقرآن حافظ للأثر رأس المعرفة من أوعية العلم له ذكاء خارق وفيه دين متين وكذلك فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر وذكاء قوي فالكمال عزيز والله الموفق". ويقول الذهبي :"ونحن نحكي قول ابن عباس في المتعة وفي الصرف وفي إنكار العول وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج بغير إنزال وأشباه ذلك ولا يجوز تقليدهم في ذلك ". وقال : " كل فرقة تتعجب من الأخرى ونرجو لكل من بذل جهده في تطلب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة ". ويقول ابن تيمية : " وأمرنا بالعدل والقسط فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني فضلا علن الرافضي قولا فيه حق أن نتركه أو نرده كله ". وقال أيضاً : " الاعتصام بالجماعة والائتلاف من أصول الدين والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية فكيف يقدح في الأصل بحفظ الفرع ". ( الفتاوى 22 – 254 ) المعاداة بين المختلفين في الاجتهاد اتباع للهوى : يدخل الخلل في الموالاة والمعاداة حين يكون الاتباع للهوى وحيثما وجد التفرق كان مبعثه الهوى لأن أصل الاختلاف الاجتهادي لا يقتضي الفرقة والعداوة وقد جعل الشاطبي هذا الأصل مقياساً لضبط ما هو من أمر الدين وما ليس منه فقال : ( فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلفت الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في في شيء وأنها التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية وهي قوله تعالى { إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً } فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها.. فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك بحدث أحدثوه من اتباع الهوى وهو ظاهر في أن الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين ). ووصف الشيخ تقي الدين بن تيمية من يوالى موافقه ويعادي مخالفه ويكفر ويفسق مخالفه دون موافقة في مسائل الآراء والاجتهادات ويستحل قتال مخالفة بأنه من أهل التفرق والاختلاف ( الفتاوى 7- 349 ) ويرى ابن تيمية ترك بعض المستحبات تأليفاً قائلاً : " لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب ". وأنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متماً وقال الخلاف شر. ( الفتاوى 22 – 407 ) رأي النووي في الطائفة المتصورة : " ويحتمل أن هذه الطائفة تفرقت بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من أهل الخير ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض في أقطار الأرض ". ويقول الذهبي في ميزان الاعتدال من ترجمة الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به ولا سيما إذا لا ح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد لا ينجو منه إلا من عصم الله وما عملت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين". قال أحمد: "لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق وإن كان يخالفان في أشياء فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا ". آداب عامة ينبغي للمختلفين أن يراعوها ليعذر بعضهم بعضاً :- 1-العذر بالجهل ! يقول ابن تيمية : وكثير من المؤمنين قد يجهل هذا فلا يكون كافرا ( 11-411 ) وفي حديث ابن ماجة عن حذيفة " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها فيقول صلة بن زفر لحذيفة راوي الحديث ما تغنى عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ؟ فأعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه في الثالثة فقال يا صلة تنجيهم من النار. ثلاثاً " رواه الحاكم وقد وقع في الديار الشيوعية وأيام سقوط الأندلس أشياء من هذا القبيل والله المستعان. 2 – العذر بالاجتهاد : يقول ابن تيمية أعذار الأئمة في الاجتهاد فليس أحد منهم يخالف حديثاً صح عن النبي صلى الله عليه وسلم عمدا فلا بد له من عذر في تركه مضيفا : وجميع الأعذار ثلاثة أصناف أحدها : عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله والثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك والثالث : اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ ( 20- 232 ) وعذر المقلد من نوع عذر الجاهل يقول ابن عبد البر : ولم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها ( جامع بيان العلم وفضله ) ويقول ابن تيمية : وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور 19 – 262 ) ويقول ابن القيم : فالعامي لا مذهب له لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال. 3- العذر باختلاف العلماء : عدم الإنكار في مسائل الاختلاف ومسائل الاجتهاد يقول ابن القيم : إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل فيها مجتهداً أو مقلدا. ( إعلام الموقعين 3 – 365 ) ويقول العز بن عبد السلام : من أتى شيئاً مختلفاً في تحريمه إن اعتقد تحليله لم يجز الإنكار عليه إلا أن يكون مأخذ المحلل ضعيفا ( قواعد الأحكام 1-109 ) قال إمام الحرمين : ثم ليس للمجتهد أن يعترض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موقع الخلاف إذ كل مجتهد في الفروع مصيب عندنا ومن قال إن المصيب واحد فهو غير متعين عنده فيمتنع زجر أحد المجتهدين الآخر على المذهبين ( الإرشاد ص 312 ) 4- الرفق في التعامل :- والرفق أصل من أصول الدعوة ومبدأ من مبادئ الشريعة ففي حديث الرجل الذي بال في المسجد وزجره أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عليه الصلاة والسلام قائلاً : لا تزمروه – أي لا تقطعوا بوله – وأتبعوه ذنوبا من ماء وقال للرجل إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذه القاذورات. وحديث خوات بن جبير رضي الله عنه حين راءاه مع نسوة فقال ماذا تبغي هاهنا قال التمس بعيراً لي شاردا . ثم حسن إسلامه وخلصت توبته فمازحه عليه الصلاة والسلام قائلا : ماذا فعل بعيرك الشارد قال : قيده الإسلام يا رسول الله . وحديث الأعرابي الذي أعطاه فقال له أحسنت عليك فقال كلاما غير لائق فهم به الصحابة فنهاهم عليه الصلاة والسلام وأدخله في البيت فأعطاه ثم خرج به وقال هل أحسنت فقال أحسنت علي وفعلت وفعلت فضحك عليه الصلاة والسلام وضرب مثلاً بصاحب الراحلة الشاردة. 5- أن لا يتكلم بغير علم قال تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم } لا بد من الإحاطة بما في المسألة قبل أن تخالف . قل للذي يدعى علما ومعرفة علمت شيئا وغابت عنك أشياء فالعلم ذو كثرة في الصحف منتشر وأنت يا خل لم تستكمل الصحفا 6 أدب مراعاة المصالح الشرعية في الإنكار فإذا كان النهي سيؤدي إلى مفسدة أكبر أو سيضيع مصلحة أعظم فلا نهي ولا أمر ويفصل ابن تيمية ذلك في الفتاوى (20/58) ولو كان قوم على بدعة أو فجور ولو نهوا عن ذلك وقع بسبب ذلك شر أعظم مما هم عليه من ذلك ولم يمكن منعهم منه ولم يحصل بالنهي مصلحة راجحة لم ينهوا عنه ( 14/472) فحيث كانت المفسدة للأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به وإن كان قد ترك واجبا وفعل محرما إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباد الله وليس عليه هداهم . الاستقامة (2/211) وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان فقد يذنب الرجل أو الطائفة ويسكت آخرون فيكون ذلك من ذنوبهم وينكر عليه آخرون إنكاراً منهياً عنه فيكون ذلك من ذنوبهم فيحصل التفرق والاختلاف والشر وهذا من أعظم الفتن والشرور قديماً وحديثاً إذ الإنسان ظلوم جهول (26/142) ولكن ما هي أسباب هذا الاختلاف؟ إنها أسباب موضوعية ترجع إلى بلوغ الأخبار والآثار إلى العلماء والقواعد التي يلتزم بها العالم في تصحيح وتضعيف الأخبار وبالتالي مسألة اختيار معايير التعامل مع السنة وقرائن نسخ الأخبار وإحكامها. وإلى اللغة وضوحا وجلاء وغموضا وخفاء كما هو مفصل في كتب أصول الفقه في أبواب دلالات الألفاظ كعموم النصوص وخصوصها وظهورها وتأويلها ومجملها ومبينها . كما يرجع الاختلاف إلى الأدلة المتعلقة بمعقول النص ومقاصد الأحكام كأنواع القياس والمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب وسد الذرائع. كما يرجع الاختلاف إلى الأعراف المعتبرة وتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والموازنة بين المصالح والمفاسد. فهذه العناوين الأربعة يرجع إليها اختلاف العلماء. وفي الختام فإنه لا بد من إحياء روح التسامح في الأمة فتتجنب التباغض وبث روح الأخوة والمودة بين المسلمين في أنحاء العالم ولا بد من تأكيد أدب الاختلاف وتجنب سلبيات الخلاف . -لا بد من التأكيد على أن للاختلاف أسباباً موضوعية مشروعة ووجيهة يجب إبرازها واستثمارها لرأب الصدع وإصلاح ذات البين. والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.
__________________ كيف ابدى باحرفى ما اريد ..... او بماذا تراه يحكى القصيد كل يوم تدق بابى عظات........ ويهز الفؤاد خطب حديد ويح نفسى الم تفق من هواها......او ما هز خافقها الوعيد :7b: |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الخلاف بين العلماء ... للعلامه العثيمين رحمه الله | fares alsunna | نور الإسلام - | 0 | 06-06-2009 12:58 AM |
الفرقة الناجية ,,,من هم ؟؟؟ وكيف نكون منهم؟؟؟ | خديجه | نور الإسلام - | 723 | 02-09-2009 12:22 AM |
اداب الخلاف في الراي بين الاعضاء والمسلمين عموما | alassiya | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 10 | 05-15-2007 06:40 PM |
الخلافات الزوجية.طرح و حلول......و لا يلتام ما جرح اللسان.... | alassiya | مواضيع عامة | 2 | 05-08-2007 02:29 AM |