|
مواضيع عامة مواضيع عامة, مقتطفات, معلومات عامه, مواضيع ليس لها قسم معين. |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
إلى أرباب الفكر وحملة المنهج سلمان بن يحي المالكي معالم في تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أولاً : إطلاق اسم المعلم على نبينا صلى الله عليه وسلم . الأنبياء والمرسلون يمثلون الكمال البشري في أرقى صوره ، فهم أطهر البشر قلوبا ، وأزكاهم أخلاقا ، اختارهم الله تعالى واصطفاهم لنفسه " والله يصطفي من رسله ما يشاء " " والله أعلم حيث يجعل رسالته " فلم يكن بِدعا من الأنبياء أن يكون كلُ ما عليه نبينا صلى الله عليه وسلم من الخَلْقِ والخلُق مسْترعيا للأنظار ، في قمة الجمال والكمال صلى الله عليه وسلم ، وقد كان في هذا الأثر الكبير في استجابة الناس له ، فكم من رجل دخل الإسلام بمجرد النظرات الأولى التي يراها فيها صلى الله عليه وسلم . لا ريب أن مهمة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي تعليم أمته ودلالتهم إلى الخير قال تعالى " هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " وخرج يوماً على أصحابه فوجدهم يقرؤون القرآن ويتعلمون فكان مما قال لهم " وإنما بعثت معلما " [ رواه ابن ماجة برقم 229 في حديث عبد الله بن عمرو ، وفي سنده ضعف ] وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً ولكن بعثني معلماً وميسراً " [ رواه مسلم برقم 1478 من حديث جابر] يقول معاوية بن الحكم " ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه " [ رواه برقم 537 ] وفي رواية أبي داود " فما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم " [ رواه أبو داود برقم 931] ثانياً : النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معلم . ترى الدراسات التربوية أن أفضل طرق قياس مستوى المعلم تقييم طلابه ، ولو اعتمدنا هذه الدراسات لتوصلنا إلى أنه صلى الله عليه وسلم أعظم مربٍ ومعلم ، فعن طلابه وتلاميذه يقول الله " كنتم خير أمة أخرجت للناس " ثالثاً : شمائل النبي التي يحتاجها كل معلم . لا ريب أن شمائل النبي وأخلاقه العظيمة من الكثرة بمكان ، وسأعرض هنا الشمائل التي يحتاجها كل معلم يود أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء مهمته التعليمية والتربوية. أولا : الحرص . " لقد جاءكم رسول أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " وهاهو يوصي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه فقال : يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي " [ رواه مسلم برقم 1826 من حديث أبي ذر ] وقال عن نفسه صلى الله عليه وسلم " إنما مثلي ومثل أمتي كمثل رجل استوقد ناراً فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه ، فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون فيه " [ رواه مسلم برقم 2284 من حديث أبي هريرة ، ومثله في البخاري برقم 3427] ثانيا : الرفق واللطف في التوجيه . يقول عليه الصلاة والسلام " إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله " [ رواه البخاري برقم 6927 من حديث عائشة] وفي مسلم " إن الرفق لا يكون في شيء إلا شانه ولا ينزع من شيء إلا شانه" [ رواه مسلم برقم 2594] ومن رفقه ما ذكره أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له " يا بنيّ "[ رواه أحمد في المسند برقم 12648] ويقول أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن خُلقاً فأرسلني يوماً لحاجة ، فقلت : لا والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمرّ على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله قد قبض بقفاي من ورائي ، قال : فنظرت إليه وهو يضحك ، فقال : يا أُنيس أذهبت حيث أمرتك ؟ قال قلت : نعم ، أنا أذهب يا رسول الله " ومن رفقه صلى الله عليه وسلم ما ذكره عبد الله بن جعفر بن أبي طالب حيث قال " ثم مسح على رأسي ثلاثاً " [ رواه أحمد في المسند برقم 1763] ومن رفقه أيضا تحببه إلى أصحابه حتى يظن كل منهم أنه الأثير عنده ، يقول عمرو بن العاص " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك ، فكان يقبل بوجهه وحديثه عليّ حتى ظننت أني خير القوم ، فقلت : يا رسول الله : أنا خير أو أبو بكر ؟ قال : أبو بكر ، فقلت : يا رسول الله : أنا خير أو عمر... " [ رواه الترمذي في الشمائل برقم 295] ويقول جرير بن عبد الله البجلي " ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي " [ رواه البخاري برقم 5739] ويقول جابر بن عبد الله " ما سئل رسول الله شيئاً قط فقال: لا " [ رواه الترمذي في الشمائل برقم 302] وقال أنس رضي الله عنه " والله لقد خدمته تسع سنين ما علمته قال لشيء صنعته: لم فعلت كذا وكذا ، أو لشيء تركته : هلا فعلت كذا وكذا " [ رواه مسلم برقم 2310 من حديث أنس ] وفي رواية لأحمد " ما قال لي فيها أف " [ برقم 1609 ] وفي رواية أيضاً له " والله ما سبني سبة قط ، ولا قال لي أف " [ برقم 12622] وفي قصة معاوية بن الحكم وقد عطس أمامه رجل في صلاته فشمته معاوية وهو يصلي يقول : فحدقني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه ، مالكم تنظرون إليّ .؟ قال : فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يسكتونني لكني سكت فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني ، بأبي هووأمي ، فوالله ما ضربني ولا كهرني ولا سبني ، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه [ رواه النسائي برقم 1218 من حديث معاوية ، وأبو داود برقم 930ذ] وقام أعرابي فبال في المسجد " فتناوله الناس ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين " [ رواه البخاري برقم 220 ونحوه في مسلم برقم 284 في رواية أبي هريرة ] . ومن شمائله صلى الله عليه وسلم التي يحتاجها كل معلم ثالثا : التواضع . ينبغي على المعلم أن يتواضع لطلابه ، فيرعي حال ضعيفهم ، وقد يخصه بمزيد بيان وشرح ووقت ، قال أبو رفاعة انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب قال ، فقلت : يا رسول الله : رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه ، قال " فأقبل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك خطبته حتى انتهى إلي ، فأتي بكرسي حسبت قوائمه حديداً ، قال : فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل يعلمني مما علمه الله ، ثم أتى خطبته ، فأتم آخرها " [ رواه مسلم برقم 876 من حديث أبي رفاعة ] وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال " إن امرأة كان في عقلها شيء ، فقالت : يا رسول الله إن لي إليك حاجة ، فقال : يا أم فلان انظري أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك " بل كان يرضى صلى الله عليه وسلم من ضعيفهم ما لا يرضى من قويهم ، ولما وفد عليه ضمام بن ثعلبة دعاه وذكر له فرائض الإسلام فقال ضمام " والله لا أزيد على هذا ولا أنقص " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أفلح إن صدق " [ رواه البخاري برقم 46 من حديث طلمة بن عبد الله ] رابعا : الإجابة عما يترجح عنده جهل طلابه به . وذلك بذلاً منه للعلم عند أهله ، وقد يجيب عما يراه يجيش في صدورهم من المسائل وإن لم ينطقوا به "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء ، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " [ رواه البخاري برقم 69 من حديث أبي هرير ] وسأله رجل ما يلبس المحرم ؟ فقال " لا يلبس القميص ولا العمامة ولا السراويل ولا ثوباً مسّه الورس أو الزعفران ، فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين ، وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين " [ رواه البخاري برقم 134 من حديث ابن عمر ، ومسلم برقم 1177] وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أخبرنا عن سبأ ما هو ، أرض أم امرأة ؟ فقال " ليس بأرض ولا امرأة ، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن ستة ، وتشاءم أربعة " [ رواه أبو داود برقم 3988 ] وقال يوماً لأصحابه " يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ؟ من خلق كذا ؟ حتى يقول من خلق ربك ؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته " [ رواه البخاري برقم 3276 من حديث أبي هريرة ، ومسلم برقم 134] . خامسا : التريث في الإجابة عن السؤال ، وترك القول بلا علم . وكما قال الله " ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كان عنه مسؤولاً " وسأل جابر بن عبد الله يوما فقال يا رسول الله كيف أصنع في مالي ؟ كيف أقضي في مالي ؟ فلم يجبني بشيء حتى نزلت آية المواريث " [ رواه البخاري برقم 6723 من حديث جابر ، ونحوه في مسلم برقم 1616] . رابعاً: من معالم في تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه كيفية التعامل مع المخطئين والمقصرين . ولما كان القصور والخطأ والجهل أمراً معهوداً في الأبناء والطلاب فإننا نتساءل كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أمثال هذه الحالات ، وفي هذه الأمثلة نقرأ الإجابة وتستلهم المنهج ، تقول عائشة رضي الله عنه " ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ، ولا امرأة ولا خادماً إلا أن يجاهد في سبيل الله " [ رواه مسلم برقم 2328 من حديث عائشة رضي الله عنها ] ولما تخلف كعب بن مالك عن الجهاد في تبوك ، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوه جاءه كعب فيقول " فجئته فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب " [ رواه البخاري برقم 4156 من حديث كعب بن مالك] وبينما هو في المسجد دخل أعرابي فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تزرموه ، دعوه ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر ، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن.. " وفي رواية للترمذي أنه قال لأصحابه " إنما بعثتم ميسرين ، ولم تبعثوا معسرين " [ رواه الترمذي برقم 147] وما حصل للشاب الذي جاء يستأذن رسول الله بالزنا فزجره الصحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ادنه فدنا منه قريباً ، قال : فجلس قال : أتحبه لأمك ؟ قال : لا والله ، جعلني الله فداءك ، قال : ولا الناس يحبونهم لأمهاتهم ، قال : أفتحبه لابنتك ؟... اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه " [ رواه أحمد برقم 21708 من حديث أبي أمامة ] وهجر رسول الله كعب بن مالك في تخلفه عن تبوك ، وأمر أصحابه أن لا يكلموه [ ذكره البخاري في صحيحه برقم 4156 من حديث كعب بن مالك ] وكان عنده رجل به أثر صفرة قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يواجه أحداً بشيء يكرهه ، فلما قام قال للقوم " لو قلتم له : يدع هذه الصفرة " [ رواه الترمذي في الشمائل برقم 297 من حديث أنس ] وأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم التأديب بالضرب كما في قصة أبي بكر مع غلامه وقد أضاع بعيره قال : فطفق يضربه ، ورسول الله يتبسم ويقول " انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع " [ رواه أبو داود برقم 1818 من حديث أسماء ] ومن المعالم في تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه خامساً : سبق النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوسائل التي يتنادى إليها التربويون اليوم ومن ذلك. ضرْبه صلى الله عليه وسلم الأمثال وهو كثير ، ومن ذلك : تشبيه المؤمن بالنخلة [ في حديث البخاري برقم 61 من حديث ابن عمر ] والمجتمع بالسفينة [ في حديث البخاري برقم 2540 من حديث النعمان بن بشير ] الصاحب السيء بنافخ الكير [ في حديث البخاري برقم 5214 من حديث أبي موسى] ومن الوسائل في تعليمه : تحفيز الأذهان بالسؤال وهذا كثير فقد قال يوما لأصحابه " أتدرون من المفلس..." [ رواه مسلم برقم 2581 من حديث أبي هريرة ] وقال " أتدرون ما الغيبة..." [ رواه برقم 2589 من حديث أبي هريرة] وقال : أتدرون أي يوم هذا.." [ رواه البخاري برقم 1654 من حديث أبي بكرة] ومن الوسائل أيضا : تحفيز الأذهان بذكر معلومة أو خبر لم يذكر مقدمه أو أوله ، ومن ذلك أنه قال : رغم أنف ، ثم رغم أنف ، ثم رغم أنف ، قيل من يا رسول الله ؟ قال : من أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما ، فلم يدخل الجنة " [رواه مسلم في صحيحه برقم 3551 من حديث أبي هريرة] ومرّ بجنازة فأُثنى عليها خيراً فقال نبي الله " وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثنى عليها شراً فقال نبي الله : وجبت وجبت، قال عمر : فدىً لك أبي وأمي ، مر بجنازة. .) [ رواه مسلم برقم 949 من حديث أنس. ] وذات مرة قال صلى الله عليه وسلم " أُحضروا المنبر ، فحضرنا ، فلما ارتقى درجة قال : آمين ، فلما ارتقى الدرجة الثانية قال : آمين ، فلما ارتقى الدرجة الثالثة قال : آمين ، فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه.. " [رواه الحاكم من حديث كعب بن عجرة ] ومن الوسائل أيضا : قلة الكلام وإعادته ليتمكن في قلب السامع ، تقول عائشة رضي الله عنه " إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحدث الحديث لو شاء العد أن يحصيه أحصاه " [ رواه أبو داود برقم 3654 من حديث عائشة ] ويقول أنس رضي الله عنه " كان إذا سلم سلم ثلاثاً ، وإذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً " [ رواه البخاري برقم 94] وفي رواية أخرى للبخاري زاد " حتى تفهم منه " [ رواه البخاري برقم 95 ] ولهذا فإني على المعلم المثالي أن يكون أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعرف نهجه وكيف ربى أصحابه . سادسا : ومن المعالم أيضا في تعليمه صلى الله عليه وسلم : الصبر وطول النفس . يسهل على الإنسان أن يتعامل مع الآلة الصماء ، ويستطيع الباحث أن يصبر ويكافح في دراسة هذه الظاهرة المادية أو تلك ، لكن التعامل مع الإنسان له شأن آخر وبعد آخر ، ذلك أن الناس بشر لا يحكم تصرفاتهم ومواقفهم قانون مطرد ، فتراه تارة هنا وتارة هناك ، تارة يرضى وتارة يسخط ، ولهذا أجمع المختصون بأن الظاهرة الإنسانية ظاهرة معقدة ، وأن البحث فيها تكتنفه صعوبات عدة فكيف بالتعامل المباشر مع الإنسان والسعي لتقويمه وتوجيه سلوكه ، ومن يتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى كيف صبر وعانى حتى ربى هذا الجيل المبارك ، كم فترة من الزمن قضاها صلى الله عليه وسلم ؟ وكم هي المواقف التي واجهها صلى الله عليه وسلم ومع ذلك صبر واحتسب وكان طويل النفس بعيد النظر إن البشر مهما علا شأنهم فلن يصلوا إلى درجة العصمة ، وهل أعلى شأناً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فهاهم يتنزل فيهم في بدر [ لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ] وفي أحد [ منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ] وفي حنين [ ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ] وحين قسم صلى! الله عليه وسلم غنائم حنين وجد بعض أصحابه في نفوسهم ما وجدوا ، وكان صلى الله عليه وسلم يخطب فجاءت عير فتبعها الناس فنزل فيهم قرآن يتلى ، ومع ذلك يبقى هذا الجيل وهذا المجتمع هو القمة ، وهو المثل لأعلى للناس في هذه الدنيا فكيف بمن دونهم بل لا يسوغ أن يقارن بهم ، إن ذلك يفرض على المربي أن يكون طويل النفس صابراً عالي الهمة متفاءلاً . سابعا : الخطاب الخاص . فكما كان صلى الله عليه وسلم يوجه الخطاب لعامة أصحابه ، فقد كان يعتني بالخطاب الخاص لفئات خاصة من أصحابه ، فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم حين يصلي العيد أن يتجه إلى النساء ويخطب فيهن ، كما روى ذلك ابن عباس -رضي الله عنهما- قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد ، ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن ، فجعلت المرأة تلقي القلب والخرص [رواه البخاري (1431) ومسلم (884) ] بل تجاوز الأمر مجرد استثمار اللقاءات العابرة ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه- أن النساء قلن لرسول الله صلى الله عليه وسلم :غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يوماً من نفسك ، فواعدهن يوماً فلقيهن فيه فوعظهن وأمرهن ، فكان مما قال " ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار " فقالت امرأة : واثنين فقال " واثنين " [ رواه البخاري ( 101 ) ومسلم ( 2633 )] وقد يكون الخصوص لقوم أو فئة دون غيرهم ، كما فعل في غزوة حنين حين دعا الأنصار وأكد ألا يأتي غيرهم ، وكما بايع بعض أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئاً . ومن المعالم في تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ثامنا : المشاركة العملية . فقد اعتاد بعض المربين أن يكون دورهم قاصراً على إعطاء الأوامر ومراقبة التنفيذ ، وهو مسلك مخالف لمنهج المربي الأول صلى الله عليه وسلم ، الذي كان يعيش مع أصحابه ويشاركهم أعمالهم وهمومهم ولذلك تجد النبي صلى الله عليه وسلم شارك تلامذته في أمور ، فها هو يشاركهم في بناء المسجد ، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف ، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة... وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة " [ رواه البخاري (428) ومسلم (524)] وشاركهم في حفر الخندق ، فعن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق وهو يحفر ونحن ننقل التراب ويمر بنا فجعل يقول " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة " [رواه البخاري (6414) ومسلم (1804)] وكان يشاركهم في الفزع للصوت ، فعن أنس -رضي الله عنه- قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عُرْي وفي عنقه السيف وهو يقول : لم تراعوا لم تراعوا ، ثم قال: وجدناه بحراً أو قال إنه لبحر " [رواه البخاري (2908) ومسلم (2307)] وأما مشاركته لهم في الجهاد فحدث ولا حرج ، فقد خرج صلى الله عليه وسلم في (19) غزوة [رواه البخاري (3949) ومسلم (1254) ] بل قال عن نفسه " ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية " [رواه البخاري (36) ومسلم (1876) ] وهي مشاركة لا تلغي دورهم وتحولهم إلى مجرد آلات صماء ، بل هي تدفع للتوازن بين هذا وبين تعويدهم على العمل والمشاركة ، إن مجرد إصدار الأوامر والتوجيه أمر يجيده الجميع ، لكن الدخول مع الناس في الميدان ومشاركتهم يرفع قيمة المربي لديهم ويعلي شأنه ويشعرون أنه واحد منهم ، وذلك أيضاً يدفعهم لمزيد من البذل والهمة والحماس عكس أولئك الذين يدعون للعمل ويربيهم بعيد عنهم ، وقد عبر عن هذا المعنى ذاك الحداء الذي كان يردده أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل ثم إنه بتعامله هذا وتعليمه يشيع عليه الصلاة والسلام روح الود والإخاء ، ويسهم في بناء علاقة إنسانية وطيدة بين المربي ومن يربيهم . تاسعا : التربية بالأحداث . فمن السهل أن نحدث الناس كثيراً عن معاني عدة ، وأن ننظر لجوانب متعددة ، لكن ذلك وإن أثرَّ يبقى أثره باهتاً محدوداً ، أما النبي صلى الله عليه وسلم فمع توجيهه لأصحابه في كل موطن ، إلا أن تربيته كانت تتم من خلال الأحداث ، فكان يضع الناس في الموقع والميدان ويأتي التوجيه حينها ، فهاهو يشكوا إليه الحال أبو بكر رضي الله عنه وهما في الغار ، فيقول صلى الله عليه وسلم "ما ظنك باثنين الله ثالثهما " ويسأله رجل في الميدان والمعركة : أرأيت إن قُتلت ؟ فيجيبه إجابة تصل إلى شغاف قلبه فيتقدم حتى يستشهد ، فعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما- قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أرأيت إن قتلت فأين أنا ؟ قال :في الجنة ، فألقى تمرات في يده ثم قاتل حتى قتل [رواه البخاري (4046)] وأوصى علياً رضي الله عنه بالدعوة ويذكره بفضلها ، وقال : لأعطين الراية غدا رجلا يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها حتى أصبحوا فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطاها فقال: أين علي؟ فقيل : يشتكي عينيه ، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه ثم قال له : أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم " [رواه البخاري (3009) ومسلم ] أترى أن تلك التوجيهات لو تلقاها أصحابها وهم جالسون قاعدون في بيوتهم ستترك أثرها ؟ إن مثل هذه التربية هي التي خرّجت الجيل الجاد العملي ، لم يكن ذلك الجيل يتربى على مجرد التوجيه الجاف البارد ، إنما كان يعيش العلم والعمل معاً .
__________________ كيف ابدى باحرفى ما اريد ..... او بماذا تراه يحكى القصيد كل يوم تدق بابى عظات........ ويهز الفؤاد خطب حديد ويح نفسى الم تفق من هواها......او ما هز خافقها الوعيد :7b: |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
المنهج السلفي بين يديك : ... : سؤال وجواب ( منقول لأهميته ) | МŘ. ali afandi | نور الإسلام - | 191 | 12-17-2013 05:05 PM |
من أين نبدأ ؟؟ قواعد عامة في اصول المنهج | МŘ. ali afandi | نور الإسلام - | 6 | 07-15-2009 07:13 PM |
المنهج السلفي بين يديك : ... : سؤال وجواب ( منقول لأهميته ) | МŘ. ali afandi | نور الإسلام - | 7 | 05-05-2009 08:41 PM |
الفكر و التفكير | قتيبة الهيتي | ختامه مسك | 2 | 03-25-2007 11:30 PM |