|
نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
دلالة «جميع» في القرآن الكريم دلالة «جميع» في القرآن الكريم تأليف محمد وسيم رشيد البكري عمَّـان 2009 حقوق الطبع محفوظة للمؤلف الطبعة الأولى 1430 هـ ــ 2009 ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ فهذه رسالةٌ عَرَضْتُ فيها دلالةَ كلمة «جميع» في القرآن الكريم، وبيَّنتُ فيها أنَّ دلالةَ هذه الكلمة ذاتُ أَثـَـرٍ بالغٍ في آيةٍ من القرآن الكريم وحديثٍ من السُّنَّة الـنَّـبَويَّة الشـريفة، فجاءت بحثاً جامعاً بين الدلالة اللغوية والمناقشة العَقَدية. وأسألُه سبحانه وتعالى التوفيقَ والثوابَ، والنفعَ بها لأولي الألباب، إنه سميعٌ مُجيبٌ. المؤلف صفحة بيضاء ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ والسؤال هو:ما إعرابُكلمة «جميعاً» في هذه الآية،وما هي فائدتها العَقَدية؟ الجواب عن ذلك في وجوه: الأول: ورد الجذر «جمع» في القرآن الكريم مئةً وتسعاً وعشـرين مرَّةً،أربعُ مرات منها بلفظ «جميع» بالرفع،وتسعٌ وأربعون مرَّةبلفظ «جميعاً» بالنصبعلىالحالية،إلا في قوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ)[الحشر: 14]، فهي مفعول به ثانٍ للفعل «حَسِبَ». الثاني: فإعرابُ كلمة «جميعاً» في قوله تعالى: (ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)هو:حال منصوبة بالفتحةالظاهرة على آخره. الثالث: قال الزمخشريُّ: «والمرادُ بـ«الأرض»: الأرضون السبع،يشهدُ لذلك شاهدان:قوله: «جميعاً»، وقوله: «السمـاوات»، ولأنَّ الموضعَ موضعُ تفخيم وتعظيم، فهو مُقتَضٍ للمبالغة، ومع القَصْد إلى الجمع وتأكيده بالجميع أتبَعَ الجميع مُؤكَّدةً قبل مجيء الخبر، ليُعلم أول الأمر أنَّ الخبرَ الذي يَرِد، لايقعُ عن أرض واحدة، ولكن عن الأراضي كُلِّهن»([1])،والرازيفي جملة كلامهيُوافقُ الزمخشريَّ على هذا القول. أي أنَّ الزمخشريَّعَدَّ كلمة «جميعاً» إما توكيداً معنوياً بمعنى «كلهن»، وإما حالاً مُؤكِّدةً،وقد جاء قولُه مزجاً بين الاعتبارين بطريقة عجيبة تنمُّ عن عدم اهتدائه للصواب في هذه الكلمة، ولواتخذ نظائـرَ هذه الآية نبراساً له لَـمَـا وقع في التخليط، فيكونُ قولُه في الصفحة نفسِها مُفتَخِراً بسَعَة علمه اللغوي والبياني: «إذ لا يَـحُلُّ عُقَدَها المُؤرَّبة، ولا يَفُكُّ قُيودَها المُكرَّبة إلا هو»، جديراً به، لكن في غير هذا الموضع. الرابع:قال ابنُ عاشورفي «تفسيره» لقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[النور: 61]: «الجميعُ: المجتمعون على أمر»([2]). وقال أيضاً: «و(جميع): اسمٌ للجمـاعة الذين أمرُهم واحدٌ،وليس هو بمعنى الإحاطة،ونظيرُه ما وقع في خبر عمر مع علي وعباس رضي الله عنهم في قضية ما تركه النبيُّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم في أرض فَدَك،قاللهمـا:ثم جئتمـاني وأمرُكمـا جميعٌ، وكلَّمتُكمـا واحدة»([3])، أي: مُجمعين ومُجتَمعين على الأمر. وقال في تفسير قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ)[الأنعام: 22]، «وللتنبيه على أنَّ الضميرَ عائدٌإلى المشركين وأصنامهم، جيء بقوله «جميعاً»، ليدلَّ على قَصْد الشمول،فإنَّ شمولَ الضميرلجميع المشركين، لا يتردَّدُ فيه السامعُ حتى يحتاجَإلى تأكيده باسم الإحاطة والشمول،فتعيَّنَ أنَّذِكْرَ «جميعاً» قُصِدَ منه التنبيهُ على أنَّ الضميرعائدٌإلى المشركين وأصنامهم،فيكون نظيرقوله: (ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)[يونس: 28]، وقوله تعالى: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ)[الفرقان: 17]،وانتصب «جميعاً» هنا على الحال من الضمير»([4]). فكلمةُ «جميعاً» في الخبر عن عمرمع علي وعباس،وفي الآيات بعده لا تعني التأكيد، وإنمـا تعني الاجتمـاع والتجمُّع والإجماع على أمر أو هَدَف أو غَرَض ما . وقال في تفسير قوله تعالى: (ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ)[يس: 32]: «و(جميع): اسمٌ على وزن (فعيل)، أي:مجموع، وهو ضِدُّ التفرُّق، يُقالُ: جمع أشياء كذا وكذا، إذا جعلها متقاربة متصلة،بعد أن كانت مُشتَّتةً ومتباعدةً، والمعنى:أنَّ كُلَّ القرون مُحضَـرون لدينا مُجتَمعين،أي: ليس إحضارُهم في أوقات مختلفة،ولا في أمكنة مُتعدِّدة،فكلمة(كل) أفادت أنَّ الإحضارَ محيطٌ بهم،بحيثُ لا ينفلتُ فريقٌ منهم،وكلمة «جميع» أفادت أنهم مُحضَـرون مُجتَمعين،فليست إحدى الكلمتين بمُغْنية عن ذكر الأخرى،ألا ترى أنه لو قيل: «وإنأكثرهم لَـمَّـا جميعٌ لدينا مُحضَـرون» لَـمَـا كان تنافٍ بين (أكثرهم) وبين (جميعهم)، أي: أكثرهم يحضـرُ مُجتَمعين،فارتفع «جميع » على الخبرية في قراءات تخفيف (لَـمَـا)،وعلى الاستثناء على قراءات تشديد(لَـمَّـا)»([5]). وعليه فدلالةُ كلمة «جميع» على التجمُّع دلالةٌ ظاهرةٌ لا لَبْسَ فيها، وصريحةٌ لا مجال لدَفْعها، ولا لإهمالها، ولا لغَضِّ النَّظَر عنها. الخامس:قال الدكتور فاضل صالح السامرائي: «فهناك فَرْقٌ بين قولنا: (أقبَلَ الرجالُ جميعاً) و(أقبَلَ الرجالُ جميعُهم)،فـ(أقبَلَ الرجالُ جميعاً) تحتمل معنيين: الأول:أن يكونَ معناه:أقبلوا كلُّهم،وذلك نحو قوله تعالى: (ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ)[النور: 31] والمعنى:توبواكلكم،وليس معناه: توبوامجتمعين،وقوله: (ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ)[الأعراف: 158]، أي: كلكم،وليس معناه: مجتمعين. الثاني:أن يكونَ معناه:أقبِلوا مُجتَمعين،كقوله تعالى: (ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ)[النور: 61]، والخلاصةُ: أنَّ الفرقَ بين «جميع» إذا اتصلت بالضمير(جميعهم،جميعنا، ...)،و«جميع» المُفرَدة: أنَّ المتصلة به لا تكونُ إلا توكيداً بمعنى: «كل»،والمُفرَدةُ قد تكونُ بمعنى «كل»،وقد تكونُ بمعنى «مُجتَمِع»،وقد تحتملُ المعنيين معاً،وذلك نحو قوله تعالى: (ﮜ ﮝ ﮞ)[الأنعام: 22]،فهذا يحتملُ معنيين: الأول: أن يكونَ بمعنى «كل»،فيكونُ المعنى:ويوم نحشرُهم كلَّهم. الثاني: أن يكونَ بمعنى «مُجتَمِع»، فيكونُ المعنى:ويوم نحشـرُهم مُجتَمِعين. وقد يُرادُ المعنيان معاً، أي: يحشـرُهم كلَّهم مُجتَمِعين. فبِعُدولِهإلى المُفرَدة كَسَبَ المعنيين معاً، ولو قال: (ﮜ ﮝ )، لأفاد معنى واحداً فقط»([6]). وأنت ترى أنَّ كلمةَ «جميع» لا تقتصـرُ دلالتها على التوكيد،أو على تأكيد الإحاطة، وإنمـا تدلُّ على التجمُّع،وعلى الاجتمـاع، وعلى الإجماع على أمر أو ما شابه،وهي دلالةٌ سنجدها مِعْولاً هَدَّاماً لدخيل من الإسـرائيليات في عقيدتنا. وهذه الكلمة(جميعاً) تذكرني بطريفةٍ ذكرها السُّيوطيُّ، قال: «في «تفسير الثعلبي»: كان لهارون الرشيد غُلامٌ نصـرانيٌّ جامعاً لخِصالِ الأدب،وكان الرشيدُ يحاولُه ليُسْلِمَ، فيأبى،فألحَّ عليه يوماً، فقال: إنَّ في كتابكم حُجَّةً لِـمَـا انتَحَلْتُه، قولُه تعالى: (ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ)[النساء: 171]، أفغير هذا دين النصارى أنَّ عيسى جزٌء منه؟! فدعا الرشيدُ العلمـاء، وسألهم عن جوابها، فلم يجد فيهم من يُزيلُ الشُّبْهة، فقيلله: قَدِمَ حُجَّاج خُراسانَ، وفيهم عليُّ بنُ الحسين ابن واقد، إمام في علم القرآن،فدعاه، وذكر له النصرانيُّ الشُّبْهةَ، فاستَعجَمَ عليه الجواب، فقال: يا أمير المؤمنين، قد سبق في علم الله أنَّ هذا الخبيثَ يسألُني عن هذا، ولم يُـخْـلِ اللهُ كتابَه عن جوابه، ولم يَـحضُـرْني الآن، ولله عليَّ أن لا أَطعَمَ حتى آتي بجوابها، ثم أغلَقَ عليه بيتاً مُظلِمـاً، واندفَعَ يقرأ القرآن، فبلغ من سورة الجاثية: (ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ)[الجاثية: 13]، فصاح:افتحوا الباب،وقرأ الآيةَ على الغلام بين يدي الرشيد، وقال: إنْ كان قولُه(ﭩ ﭪ)يُوجِبُ كونَ عيسى بعضاً منه، فيُوجِبُأن يكونَ ما في السمـاوات وما في الأرض بعضاً منه، فانقطع النصـرانيُّوأسلم، وفرح الرشيدُ، وأعظَمَ جائزةَعلي بن واقد، رحمه الله تعالى»([7]). أقول: وقد سبق في علم الله تعالى أن يقومَ يهوديٌّ بتقسيم الأرض أجزاءً، في كلامٍ ظاهرُه تعظيمٌ لله تعالى،وينشـرذلك الكلامَ بين المسلمين لإفساد عقيدتهم، فأودَعَ اللهُ في آية الزمركلمة «جميعاً» بعد كلمة «الأرض» مُفرَدةً، للدلالة على عدم جواز تجزئة الأرض، وحَفَّ اللهُ هذه الكلمةَ بقرائنَ تحفظُها من تحريف دلالتها ــ كمـا سنرى قريباً ــ، وهاهي تخرج إلى المسلمين على وَرْدة من ورود أكاليل الاحتفال بنصـر أهل غزَّة على اليهود المفسدين في الأرض، ولله الفَضْلُ والـمِنَّـةُ على خروجها بيِّنةً واضحةً مُحكَمةً لا مجالَ لردِّها أو الـرَّدِّ عليها. السادس:الناظرُ المُتأمِّلُ في قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ)[الزمر: 67]يرى أنَّ كلمةَ «السمـاوات» أولى بدخول التوكيد عليها من كلمة «الأرض»؛لأنَّ السمـاواتِ جمعٌ،وهي سبعُ سمـاوات، فدخولُ كلمة «جميعاً» ــ التي بمعنى «كُلّ»عليها ــيُكسِبُها الشُّمُولَوالإحاطةَ لكُلِّ سمـاءٍ منها، أما كلمةُ «الأرض» فهي مُفرَدةٌ لا تحتاجُإلى شمول وإحاطة،لكنَّ حُصُولَ العكس ــ وهو دخولُ كلمة «جميعاً» على «الأرض» دون «السمـاوات» ــ لابدَّ أنَّ له إشارةً خاصةً، هي أكبرُ من أن يكونَ المقصودُ الجمعَ (الأرضين)، إذ لو كان المقصودُ بـ«الأرض»: الأرضين،لذكرت الآيةُ ذلك،إذْ لا وجودَ لمانعٍيمنعُ من ذلك، كمـا أنه لا وجودَ لداعٍ يدعو إلى تفضيل ذِكْرها ُمفرَدةً على ذِكْرها مجموعةً، وإجماعُ المُعرِبين على أنَّكلمة «جميعاً» هي حالٌ منصوبةٌ،يُشيرُإلى ذلك أيضاً، أي أنَّ المعنى هو: والأرضُ جُرْمٌ واحدٌ مُجتَمِعُ الاجزاء، لا فَصْلَ لها عن بعضها،وكلمة(ﯭ)قرينةٌ تُشيرُإلى عدم جواز التفريق لأجزاء الأرض عن بعضها، كأنْ تُجعَلَ الجبالُ جُزْءاً، ويُجعَلَ الثَّرى جُزْءاً، والماءُ جُزْءاً ... إلخ،فقولُه تعالى: ( ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ)يعني:والأرضُ مُجتَمِعةً على هيئة جُرْمٍ واحدٍ لا انفصالَ لأجزائه بعضِها عن بعض،تكونُــ وهي في هذه الحال ــ قبضةً واحدةً له تعالى يوم القيامة،فكلمةُ «جميعاً» في هذه الآية ليست توكيداً بمعنى «كُلّ»، وإنمـا هي: حالٌ مُؤسِّسَةٌ تُفيدُ التجمُّع والاجتمـاع للأرض، وتنفي التجزُّؤ إلى أجزاء. وعليه فإنَّ الناظر في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «جاء رجلٌإلى النبيِّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم،إنَّ اللهَ يُمسِكُ السمـاواتِ على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجرَ والثَّرى على إصبع، والخلائقَ على إصبع، ثم يقول: أنا الملكُ، أنا الملكُ،فرأيتُ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم يضحكُ حتى بَدَتْ نَواجِذُه، ثم قرأ: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)»([8])،الناظرُ في هذا الحديث يرى أن قولَ ذاك اليهودي يدلُّ على انقسام الأرض أجزاءً، أي: أنه يُخالفُ الآيةَ مُخالفةً صريحةً،وقد غفل الباحثون عن العلل التي فيه، أو تغافلوا عنها، لأنهم أحدُ فريقين: الفريق الأول: وهم المُجسِّمون والمُشبِّهون الذين ما أن يرى أحدُهم هذا الحديث إلا هَشَّ وبَشَّ وانتَفَش، وقام بتمرير أصابعه على شَعْر لحيته مُداعِباً إياها بنَشْوةٍوانبِساطِ نَفْس. أما الفريق الثاني: وهم المُنزِّهون اللهَ تعالى عن الأعضاء،فمـا أن يرى أحدُهم الأصابعَ إلا وينشغلُ بها عن النَّظَر إلى العلل التي تكتنفُقولَ اليهودي هذا،ولوأنه أجال بَصَـرَه في الآية الكريمة، لرأى المِعْوَلَ الذي سبقت الإشارةُ إليه، وهو كلمةُ «جميعاً»،إنها الفأسُ التي ستهدمُ بناءَ المُحَرِّفين لعقيدة المسلمين، وبيانُ ذلك: 1ــ «السمـاوات» ــ وهي جمع ــ على إصبع، و«الأرضين» ــ وهي جمع ــ على إصبع، والشَّجَر والثرى ــ وهما جزءان من الأرض ــ على إصبع،هذا تقسيم غير مستقيم، لأنَّ الشَّجَرَ والثرى أخفُّ وزنًا من السمـاوات، ويلزمُ منه أن يكونَ أحدُ أصابعه تعالى أقوى من الآخر، ولا وجودَ للشَّجَر على الأرض يوم القيامة، لقوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ)[الواقعة : 6]، والشَّجَرُ لاينبتُ ويثبتُ في الهباء. وفي رواية الترمذي: «إذا وضعَ اللهُ السمـاوات على ذه، والأرضين على ذه، والماء على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه» ، وأشار أبو جعفرــ أحد رواة الحديث ــ بخنصـره أولاً، ثم تابعحتى بلغ الإبهام([9]). فقد زاد في هذه الرواية: «الماء على ذه (إصبع)، والجبال على ذه (إصبع آخر)»، وإشارةُ الراوي بخنصـره أولاً تُفيدُ أنَّ الخنصـرَ هي موضع السمـاوات، والبنصـر هي موضع الأرض. 2ــالحديث في الروايتين لم يُجزِّئالسمـاوات، ولم يُجزِّئ الأرضين،بل نالت السمـاوات إصبعاً،ونالت الأرضون إصبعاً آخر،ثم انسَلَخَ الشَّجَرُ والثَّرى عن الأرضين في رواية البخاري، فنالا إصبعاً، أما في رواية الترمذي فقد انساب الماء عن الأرضين، فنال إصبعاً، وانسَلَخَت الجبالُ عن الأرضين، فنالت إصبعاً، أليس هذا التقسيمُ عجيباً وغريباً؟! ألا ينمُّ عن نفسه أنه ليس وَحْيا؟! 3ــ وَضْعُ السمـاوات على إصبع، والأرضين على إصبع، و... إلخ، يتعارضُ مع هيئة القبضة، أي: لا يحصلُ بتلك الأوضاعقبضة عليها، بل عند قبض اليد على تلك الأشياء وهي على الأصابع تسقطُ وتتناثر([10])، الأمرُ الذي نجزمُ معه أنَّ قولَه تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ)هو ردٌّ على ذلك اليهودي، وليس مُوافَقَةً له، وهوتعجُّبٌ من كذبه على الله، ولجهل اليهود بالله وبصفاته ضَحِكَ صَلَّى الله عليه وسَلَّم، فهو إبطالٌ للتجزئة ورَدٌّ عليها، بدليل قوله تعالى: (ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ)[إبراهيم: 48]، فقد قالت الآيةُ(ﮢ)، ولم تقل: (تُـجَـزَّأُ)، أما الجبالُ فقد قال تعالى في حَقِّها: (ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ)[طه: 105]فلا وجود للجبال يوم القيامة حتى يضعها اللهُ على إصبع، ولا وجود للشَّجَر، والهباءُ يُخالِفُ الثَّرى في الماهيَّة والصِّفات. 4ــ يقول اليهوديُّــ كمـا في الحديث في الروايتين ــ : إنَّ اللهَ يُمسِكُ أو يضعُ السمـاوات على إصبع، والآيةُ تقولُ: (ﯰ ﯱ ﯲ)، والطَّيُّ غيرُ الوَضْع وغير الإمساك، واليمينُ غيرُ الإصبع،فالتعارضُ ظاهرٌ بين الآية وبين الحديث، وهو تعارضٌ من المُحَال معه أن يكونَ الحديثُ مُفسِّـراً للآية، أو مُبيِّناً لمُجمَلٍ فيها، إذ لا علاقةَ بينهمـا ولا صِلَة. والزمخشـريُّ والرازيُّ وكُلُّ مَنْ حَذَا حَذْوَهما في اعتبار أنَّ كلمة «جميعاً» تدلُّ على التوكيد، قد وقعوا في سَبِخةٍ حمئةٍ، ولو أنهم أمعنوا النَّظَر وأحسَنوا التأمُّلَ في الآية لرأوا أن كلمة «جميعاً» هي حالٌ مُؤسِّسَةٌ تُبيِّنُ الهيئة، وأنَّ كلمةَ «قبضته» هي قرينةٌ ظاهرةٌ صـريحةُ الدلالة على عدم جواز تجزئة السمـاوات أو الأرض. وقد علمتَ أنَّ ذلك المُجَزِّئ لم يُتقِن عملية التجزئة كمـا يقتضي العقلُ السليمُ،وكأنَّالله أراد أن يُظهِرَ لنا كَذِبَه وتحريفَه لعقيدة المسلمين،فجاء كلامُه على الصورة غير السليمة. السابع: إذا علمتَ هذا ووَعَيتُه وعياً تاماً،فتعالَ معي نُمعِنُ النَّظَر ونُدقِّقُ ونتأملُ قولَ ابن تيمية في هذا الحديث، يقولُ ابنُ تيمية: «ومن المسلمين وأهل الكتاب مَنْ يقول بالتجسيد، فلو كان هذا تجسيمـاً وتجسيداً يجبُ إنكارُه، لكان الرسولُ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمعلى إنكار ذلك أسبَق، وهو به أحقّ، وإنْ كان الطريقُإلى نفي العيوب والنقائص ومماثلة الخالق لخلقه هو ما في ذلك من التجسيم والتجسيد،كان إنكارُ ذلك بهذا الطريق هو الصراطَ المستقيم،كمـا فعله من أنكر ذلك بهذا الطريق من القائلين بموجب ذلك من أهل الكلام، فلمـا لم ينطق النبيُّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم ولا أصحابُه والتابعون بحرف من ذلك، بل كان ما نطق به مُوافِقاً مُصَدِّقاً لذلك، وكان اليهودُ إذا ذكروا بين يديه أحاديثَ في ذلك يقرأُ من القرآن ما يُصَدِّقُها، كمـا في «الصحيحين» عن عبد الله بن مسعود: أنَّ يهودياً قال للنبيِّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم: إن الله يوم القيامة يُمسِكُ السمـاواتِ على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبالَ على إصبع، والشَّجَر والثَّرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، ثم يَـهُـزُّهُنَّ، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ فضحك رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم تعجُّباً وتصديقًا لقول الـحَبْـر،ثم قرأ قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ)[الزمر: 67]»([11]). ولإيضاح قول ابن تيمة هذاأقول: 1ــ يَدَّعي ابنُ تيمية أنَّ الرسولَ صَلَّى الله عليه وسَلَّم والصحابةَ والتابعين لم يَذُمُّوا التجسيمَ، ولم يُنكِرُوهُ،بل اطَّلَعَ عليه الرسولُ صَلَّى الله عليه وسَلَّم من اليهود الذين كانوا يأتون إليه بأحاديثَ فيها التجسيم، بل إنه صَلَّى الله عليه وسَلَّم وافق اليهود على ذلك وصَدَّقَهم ــ على حَدِّ قول ابن تيمية ــ : «بل كان ما نطق به الرسولُ مُوافِقاً مُصَدِّقاً لذلك». 2ــ ويقولُابنُ تيمية: «وكان اليهودُ إذا ذكروا بين يديه أحاديث...»، تأمَّلْ كلمةَ «أحاديث»، أي: أنها ثلاثة على أقَلَّ تقدير، ولا حَدَّ لأكثرها ،وضـرب مثالاً على ادعائه الحديثَ السابقَ الذي فيه الأصابع. وأما الـرَّدُّ على ذلك فنقول: 1ــ إنَّالرسولَ صَلَّى الله عليه وسَلَّم قد ذَمَّ التجسيم، وذَمَّ أصحابَ التجسيم من اليهود وغيرهم، عندما تلا الآيةَ بعد ضحكه من قول اليهودي،إذ من المعلوم القطعيِّ لدى كُلِّ مَنْ له عقل: أنَّ مَنْ قال قولاً فضحك المُخاطَبُ من قوله، مُردِفاً الضحكَ بآيةٍ أو بحديثٍ أو بمَثلٍأو ببيتٍ من الشعر، مَطلَعُها أو مُطلَعُهأو معناه أو مفهومُه نفيٌ لفحوى قول ذلك القائل، فإنه يكونُ رداً وذمّاً بليغَين على القائل، ونفياً قاطعاًللمقول، وهذا معلومٌ ومُتَدَاولٌ وجارٍ مجرى العُرْف بين الناس، ويكادُ يكونُ أمراً فِطْرياً، فَضْلاً عن كونه بَدَهياً، لكنَّ البَدَهيَّ مرفوضٌ لدى ابن تيمية إذا كان مُخالِفاً لمشـربه وميوله. 2ــ دعنا نفترضُجَدَلاًأنَّ كلمة «وتصديقاً» غير موجودة في جملة: «فضحك رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم تعجُّباً وتصديقاً لقول الـحَبْـر»، فكيف لنا أن نعرفَ عن ضحكه صَلَّى الله عليه وسَلَّم من اليهوديِّ:أكان مُوافقةً على قوله أم مُخالفةً له؟ لاسبيلَ إلى ذلك إلا بأحد أمرين أو بـهمـا معاً: الأول: صدورُ إشارة منه صَلَّى الله عليه وسَلَّم لليهوديِّأو للمسلمين تكونُ معروفةً لدى الناس أنها للموافقة. الثاني: عدمُ وجود ما يُخالِفُ عقيدتنا أوكلام ربنا في كلام اليهودي. أما عن الإشارة فلم تصدر عنه صَلَّى الله عليه وسَلَّم، لأنها لو صَدَرَتْ لنُقِلَت إلينا، ولحرص علىها المُجسِّمون حِرصاً شديداً، ألا تراهم يعضُّون عليها بالنواجذ، رغم ما يكتنفُها من ردود! أما عن المخالف لعقيدتنا فهو موجود في كلام ذلك اليهودي، وهو تجزئةُ جُرْم الأرض جبالاً وشجراً وثرىً،وهذه التجزئةُ تُخالفُ كلمة «جميعاً» التي تعني الاجتمـاع والتجمُّع، وكلمة «قبضته» قرينةٌ على وجود هذا الاجتمـاع، واستشهادُ الرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم بقوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ...)دليلٌ قاطعٌ في إبطال قول اليهودي، والعَجَبُ كُلُّ العَجَب ممن يقلبُ هذه الحقائق، ويُصَحِّحُ قولَ يهوديٍّمُعَادٍ للإسلام، ولرسول الإسلام، وللمسلمين، وحرصُه على هدم مفاهيم الإسلام معروفٌ لدى أطفال المسلمين، فَضْلاً عن رجالهم وعلمـائهم. وكان الرسولُ صَلَّى الله عليه وسَلَّم وصحابتُه أعلمَ الناس بالخطاب العربي وأساليبه،الذي استعمل القرآنُ الكريمُ النَّمَطَ الأعلى منه، أي أنَّ الرسولَ صَلَّى الله عليه وسَلَّم كان يعلمُ أنَّ كلمةَ «جميعاً» الواردةَ في الآية بعد كلمة «الأرض» تدلُّ على أنَّ الأرضَ جُرْمٌ أو جسمٌ واحدٌ غيرُ مُفرَّق الأجزاء، والصحابةُ كانوا يعلمون هذا، لكن هذا العلم لا يقبلُه يهوديٌّ أُشـرِبَ التجسيمَ إشـراباً جعله يصنعُ عِجْلاً جَسَداً من المعدن يعتقدُ أنه إله موسى. 3ــ عدمُ تصـريح الرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم بكلمة «تجسيم»، أو أن يقول لليهودي أو للصحابة: هذا تجسيمٌ لله لا يجوزُ في حقه تعالى، له أسبابٌ منها: أ ــ ضحكُ الرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم من اليهودي، والردُّ عليه بتلاوة الآية: هو من جوامع أساليب الخطاب التي أُوتِـيَها صَلَّى الله عليه وسَلَّم، وهذا مما لا يليقُ بمن يَدَّعي العلمَ أن يكونَ جاهلاً به،أو أن يتجاهَلَه عامداً، ليُضِلَّ الناسَ عن الحق في العقيدة. ب ــ ذِكْرُ التجسيم أو ما شابه: يفتحُ أبواباً أمام الصحابة في الكلام في الأمور العَقَديَّة، وقد سبق نهيُ الرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم عن ذلك بقوله: «أبـهذا أُمِرتُم؟»([12]). جـ ــ كلمة «جسد» ــ وتعني «جسم» ــ قد سبق ورودُها في القرآن الكريمــ في سورتي طه والأعراف المكيَّتين ــ في عِجْلِ بني إسـرائيل في مقام الذَّمِّ، فالصحابةُ يعرفون أنَّ التجسيمَ والتجسيدَ مذمومان، وهذا يُبطِلُ قولَ ابن تيمية من أوله إلى آخره، لأنَّ ابنَ تيمية أوهَمَ الناسَ أنَّ القرآن لم يَذُمَّ التجسيمَ، فَضْلاً عن أن يكونَ مُبطِلاً له، وكأنَّ سورتي الأعراف وطه غير موجودتين في القرآن، أو أنهمـا لم تذكرا عن عِجْلِ اليهود شيئاً، ولم تُصَـرِّحا بكلمة «جسد»، فالذي رَدَّه القرآنُ وأبطَلَه وأحرَقَ شِعارَه ونَسَفَه في اليم، يُعَدُّ غيرَ باطل لدى ابن تيمية، لأنَّ الرسولَصَلَّى الله عليه وسَلَّم لم يقل فيه ذماً، هاهي عبارةُ ابن تيمية: «فلو كان هذا تجسيماًوتجسيداً يجبُ إنكارُه، لكان الرسولُ على إنكار ذلك أسبق، وبه أحق»، نقولُ له ولمن تبعه: هل بعد إنكار الله قولٌ لأحد؟! أليست عبارةُ ابن تيمية سَفْسَطةٌ اكتَسَبَها من الفلاسفة؟ انظر إلى قوله: «فلمـا لم ينطق النبيُّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم ولا أصحابُه والتابعون بحرف من ذلك ...»، إنَّ القارئَ يرى أنَّ هذا القولَ دليلٌ صحيحٌ، لأنَّ الناسَ لا يعلمونَ أنَّ التجسيمَ لم يكن في عصـر الرسول، ولا في عصـر الصحابة، وإنمـا ظهر في عصـر التابعين، والذي ابتَدَعه هومقاتلُ بنُ سليمـان البَلْخيُّ، قال الإمامُ أبو حنيفة رضي الله عنه: «أتانا من المشـرق رأيان خبيثان: جَهْمٌ مُعَطِّلٌ، ومُقاتِلٌ مُشَبِّه»([13])، وهذا القولُ كان سبباً رئيساً في معاداة المُجسِّمين لأبي حنيفة رضي الله عنه، فالجملةُ السابقةُ التي قالها ابنُ تيمة غيرُ صحيحة، لعدم وجود موضوعها في عَصـرَي الرسول والصحابة، وهكذا هي أغاليطُ الفلاسفة ومُغالطات ابن تيمية. د ــ قولُه تعالى عن موسى عليه السلام: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ)[الأعراف: 143]، تدلُّ هذه الآيةُ على أنَّ الله تعالى ليس جسمـاً، ومُحالٌ عليه أن يكونَ جسمـاً، وبيانُ ذلك في وجوه: أولاَ: كان من الجائز لموسى أن يسأل ربه الرؤية، لأنَّ هذا السؤالَ لو كان غيرَ جائزلكان معصيةً، والأنبياءُ معصومون عن المعاصي بوجه عام، وعن المعاصي التي تتعلق بأفعال الله وصفاته بوجه خاص. ثانياً:اختار اللهُ الجبلَ لأمرين: أ ــ كون الجبل جسمـاً صالحاً للرؤية من كل ذي عينين. ب ــ كون الجسم لا بُدَّ أن يكونَ في جهة، كي يخضعَ للعين والبصر. جـ ــ كون الجبل كبيراً وقوياً يُمكِنُ ــ في ظَنِّالبشـر ــ أن يحتمل تَـجَـلِّي الله له. فأمرَ اللهُ موسى أن ينظرَ إلى الجبل، ووجودُ الجبل جائز حتى لحظةِ ما قَبْلَ التجلِّي، لكنَّ وجودَه بعد التجلِّي صار مستحيلاً، ولم يَعُدْ جائزا، أي أنَّ اللهَ تعالى أعلَمَ موسى أنَّ رؤيتَه مستحيلةٌ كمـا صار وجودُ الجبل مُستَحيلاً. ثالثاً: استحالةُ رؤية الله تعالى من قِبَلِ موسى ومن غيره من البشـر: آتيةٌ من كون رؤية البشـر لا تكونُ إلا للأجسام، وبقيودٍ وشـروط، كقدرة العين، ووجود الضوء الكافي، ووجود الجسم في جهة، وقُرْب المسافة أو بُعْدها، وبمـا أنَّ كُلَّ ذلك كان متوفراً لدى موسى، فلم يبقَ مانعٌ من الرؤية، إلا كون المراد رؤيتُه ليس جسمـاً، ولا يخضعُ لقوانين الأجسام. رابعاً: بعد الإفاقة من الصَّعْق عرف موسى أن الرؤيةَ لله تعالى مستحيلةٌ في الدنيا، لكونه تعالى ليس جسمـاً، وليس في جهة، فقال الكلمةَ التي تدلُّ على ذلك وهي: «سُبْحانك»، أي: أُنزِّهُك من أن تكون جسمـاً، ومن أن تكون في جهة، وأَعلَنَ التوبةَ عن العودة إلى سؤالٍ فيهإلحاقُ تجسيمٍ به تعالى، فقال: (ﯷ ﯸ)، فتوبةُ موسى لم تكن عن السُّؤال، لأنَّ السُّؤالَ لو كان معصيةً لـمَنَعَت العصمةُ موسى منه ابتداءً، لكن التوبة كانت عن سؤالِ ما يُخالِفُ صفات الله تعالى، وعمـا يُلحِقُ بها التجسيم والتَّحَيُّـزَ في المكان وما شابه، مما ليس مجالُ بَسْط الكلام فيه هنا. يُؤكِّدُماسبق قولُه تعالى عن بني إسـرائيل: (ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ)[البقرة: 55]، وقولُه تعالى: (ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[النساء: 153]، فلولا أنَّقولهم: (ﯗ ﯘ ﯙ)هو من مُستَشنَع القول وعظيمِه،لِـمَـا فيه من التجسيم، لَـمَـا نزلت بهمُ الصاعقة، وجاءت كلمة (ﯓ)في آية النساء صـريحةَ الدلالة على أنَّ طَلَبَهم رؤيةَ الله جَهْرةً هو كبيرةٌ من الكبائر، لِـمَـا في ذلك من التجسيم لله تعالى، وانظر إلى كلمة (ﯜ)التي تعني: بشـركهم، لأنَّ التجسيمَ إبطالٌ للتنزيه المنصوص عليه بـ(ﯶ)وأمثالها في طُول القرآن وعَرْضه، وأيُّ كبيرة أكبر من الشرك بالله؟! سبحانه وتعالى عمـا يشركون. فيكونُ هذا هَدمٌ للتجسيم من أصْله وإبطالٌ له، وليس مُجرَّدَ ذمٍّ له، فليَتُبِ المُجَسِّمون. 4ــ اكتفاء الرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم بتلاوة الآية رداً على اليهودي: هو تطبيقٌ للأصل المُؤَصَّلِ شـرعاً،المُنَظِّمِ للعلاقة العَقَديَّة بين المسلمين واليهود، وهو: أ ــ عدمُ جواز الاطلاع على شيء من التوراة، لقوله صَلَّى الله عليه وسَلَّم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما رآه يقرأُ صحيفةً من التوراة: «أمتهوِّكون فيها يا ابنَ الخطَّاب والذي نفسي بيده لقد جئتُكم بها بيضاءَ نقيَّةً، لا تسألوهم عن شيء فيُخبِرونكم بحقٍّ فتكذبوا به، أوبباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أنَّ موسى صَلَّى الله عليه وسَلَّم كان حياً ما وَسِعَه إلا أن يتَّبِعَني»([14]). ب ــ ويُؤكِّدُ هذا المفهومَ الأصلَ: ما رُوِيَ عن ابن عباس قال: «يا معشـر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابُكم الذي أُنزِلَ على نبيِّه صَلَّى الله عليه وسَلَّم أحدَثُ الأخبار بالله، تقرؤونه لم يُشَبْ، وقد حَدَّثكم اللهُ أنَّ أهلَ الكتاب بَدَّلوا ما كتب اللهُ،وغـيَّـروا بأيديهم الكتاب، فقالوا: «هومن عند الله» ليشتروا به ثمناً قليلاً، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟! ولا والله ما رأينا منهم رجلاً قطُّ يسألكم عن الذي أُنزِلَ عليكم«([15]). كلُّ ذلك مبنيٌّ على ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: كان أهلُ الكتاب يقرؤون التوراةَ بالعبرانية ويُفسِّـرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم: «لا تُصَدِّقوا أهلَ الكتاب ولا تُكذِّبوهم، وقولوا: آمنا بالله وما أُنزِلَ إلينا»([16]). ولو تأمَّلتَ تلاوتَه صَلَّى الله عليه وسَلَّم للرجل اليهوديِّ قولَه تعالى:(ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ...)لوجدتَ أنه يُشبِهُ قولَه للصحابة في هذا الحديث: «وقولوا: آمنا بالله وما أُنزِلَ إلينا»،بجامع أنَّ كِلا القولين ردٌّ على القائل، وهذا لا لَبْسَ فيه، ولا غموضَ، ولا إبهام. وعليه، فالأصلُ هو:عدمُ سؤال الرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم اليهودَ عن شيء من أمور عقيدتهم أوعقيدة المسلمين، وعدمُ سؤال المسلمين اليهودَ عن شيء من عقيدتهم أو عقيدة اليهود من باب أولى، وكُلُّ ما سبق يُخالِفُه ابنُ تيمية ويُقرِّرُ عكسَه لحاجةٍ في نفسه. 5ــ قولُ ابن تيمية: «وكان اليهودُ إذا ذكروا بين يديه أحاديثَ في ذلك يقرأُ من القرآن ما يُصَدِّقُها،كمـا في «الصحيحين» عن عبد الله ابن مسعود: أنَّ يهودياً ... إلخ«، قلنا عنه قبل قليل إنه يدل على تكرار حصول ذلك ثلاثَ مرَّات فأكثر،ولقد تتَّبعْنا هذه القضيَّة من كتب السُّنَّة، فمـا وجدنا إلا هذا الحديث، وحديثاً آخرَ سنُبيِّنُ ما فيه بعد قليل إن شاء الله تعالى، ونحن نجزمُ أنَّ ابنَ تيمية لم يجد غيرَ هذا الحديث(حديث الأصابع)،فأراد أن يُقوِّيَ رأيه ويُثبِتَ نظريَّته الباطلة بُطلاناً تاماً، بإيراده حديثاً آخرهو عبارةٌ عن مَـزْجٍ من ابن تيمية لحديثين معاً،وإليك ذلك فانظر وتأمل، ثم احكُم : قال ابنُ تيمية: «وأخبر هو صَلَّى الله عليه وسَلَّم ما يُوافقُ ذلك غيرَ مرَّة، كمـا في حديث ابن عمر الذي في «الصحيحين»: أنَّ النبيَّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم قرأ على المنبر هذه الآية، ثم قال: يقولُ اللهُ: أنا الجبار، أنا المُتكبِّر، أنا الملك، أنا المُتعال،يُمَجِّدُ نفسَه، قال: فجعل رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم يُردِّدُها، حتى رَجَفَ به المنبرُ، حتى ظننا أنه سيَخِرُّ به»([17]). أقول: هذا هو الحديثُ الثاني الذي أتى به ابنُ تيمية تقويةً للحديث الأول،وإثباتاً لنظريته أنَّ اليهودَ كانوا يذكرون للرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم أحاديثَ كثيرةً، ويُوافقُهم عليها، وأنت ترى أنها ليست كمـا يَدَّعي، بل هو حديثٌ واحدٌ ثبت لدينا أنه صَلَّى الله عليه وسَلَّم ما وافق عليه،بل رَدَّه رداً بليغاً وقاطعاً، أما هذا الحديثُ الذي فيه رجفان المنبر، فإنَّ جهتَه مُنفَكَّةٌ عن حديث الأصابع، ولا علاقةَ لأحدهما بالآخر، ولا صِلَةَ بينهمـا، لأنَّ هذا الحديثَ ليس فيه حَبْـرٌ يهوديٌّ، وليس فيه ذِكْـرٌ للأصابع، وليس فيه تصديقٌ أو تكذيبٌ لأحدٍ يهوديٍّ أو غـيـرِ يهودي،بلجملة «تعجُّباً وتصديقاً لقول الـحَبْـر» التي في الحديث الأولهي من ظنِّ الراوي، وهو ظنٌّ خطأ. فاستشهادُ ابن تيمية بهذا الحديث (الـمزج) لتقوية الحديث الأول لا يتمُّ له، ولا يجوزُ في قواعد العلم وقوانين الاستدلال. 6ــ إصـرارُ ابن تيمية على تكثير أحاديث اليهود للرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم بقوله في بداية الحديث الثاني: «ما يُوافِقُ ذلك غيرَ مرَّة»، أي: أكثر من مرَّة، ما هو إلا دعوى باطلة لا مُستَنَدَ لها، لأنَّ ذلك لم يقع إلامرَّةً واحدة ــ إن صَحَّ ذلك ــ على خَلَلٍ فيه قد تبيَّن لنا كثيرٌ منه، ولم يثبت فيها التصديقُ من الرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم لليهوديِّ على قوله. 7ــفي نهاية الحديث الثاني عبارة: «فجعل رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم يُردِّدُها، حتى رَجَفَ به المنبرُ، حتى ظننا أنه سيَخِرُّ به»، هذه العبارةُ تدفعُنا الى التساؤل: هل كان رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم يضـربُ المنبر برجْله عندما كان يخطبُ الناس؟! إنَّ اقترابَ المنبر من السُّقوط بمن عليه يكون بفِعْلِ القَفْز، فهل كان الرسولُ صَلَّى الله عليه وسَلَّم يقفزُ قفزاً يجعلُ المنبر آيلاً للسُّقوط بمَنْ عليه؟! هذاعجيب، والأعجبُ من ذلك أنَّ في رواية ابن ماجه عبارة: «ويتمايلُ رسولُ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم عن يمينه وعن شماله، حتى نظرتُإلى المنبر من أسفل شيء منه، حتى إني لأقول:أساقِطٌ هو برسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم؟»([18])،ولم يتمـايل الرسولُ صَلَّى الله عليه وسَلَّم في حياته قط، ولو فُرِضَ أنه تمايلَ على المنبر، فإنَّالتمـايلَ لا يُؤدِّي إلى اهتزاز المنبر وإشـرافه على السُّقُوط،أم أنَّ المنبر قد رَجَفَ من عبارات التمجيد لله التي أطلقها الرسولُ صَلَّى الله عليه وسَلَّم؟! إنَّ الرسولَ صَلَّى الله عليه وسَلَّم كان يُمَجِّدُ اللهَ كثيراً وكثيراً، ولم يَرجُف به المنبرُ، ولا سقفُ المسجد، ولا ما شابه، وقد تكون هذه العبارةُ: «حتى رَجَفَ ...» من دَسِّ أبي العوجاء ربيب حماد بن سلمة في كتب حماد([19])،واللهُ أعلمُ بمَنْ كان يَدُسُّ على ذلك الربيب، وابن تيمية يعلمُ عن هذا الربيب، ويعلمُ أنه كان يَدُسُّ على أبي العوجاء، لكنه لم يذكر ذلك، كي تسلمَ له نظريَّتُه في توجيهات اليهود للمسلمين. 8ــ ويقولُ ابن تيمية عن الحديث الثاني: إنه في «الصحيحين»،وعبارتُه هي: «كمـا في حديث ابن عمر الذي في «الصحيحين»،وهذا غير صحيح، لأنَّ هذا الحديثَ على هذه الهيئة التي أورده عليها ابنُ تيمية ليس كلُّه في «الصحيحين»، وإنمـا جزءٌ منه في «الصحيحين»، وذلكمن أوله حتى جملة « يُمَجِّدُنفسَه»، والجزءُ الآخر من جملة «قال: فجعلَ رسولُ الله ... » إلى نهاية الحديث، ليس فيهمـا، بل هوفي «مسند أحمد»([20])،أي أنَّ ابن تيمية قام بمزج الحديثين معاً، ليخرج منهمـا بحديثيُثبِتُ فيه نظريته، فتأملوا كيف يقوم ابنُ تيمية بختل الناس، والروغان عن الصواب، والعبث بالأحاديث، والحيد عن الحق. وعدمُإشارته الى أنهمـا حديثان ليس غفلةً منه ولا سهوة،بل تَعَمَّدَ ذلك ليكسيَ الباطل ثوبَ حق، وإلا فلِمَ لم يَغفَل عند قوله: «وكذلك سُنَّة رسول الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم تُوافقُ كتابَ الله،كالحديث المشهور الذي روى مسلمٌبعضَه عن عبد الله بن عمرو،وسائرُه معروفٌ في «مسند أحمد» وغيره، من حديث عمرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ رسولَ الله صَلَّى الله عليه وسَلَّم خرج على أصحابه، وهم يتناظرون في القَدَر، ورجلٌ يقولُ: ألم يقل اللهُ كذا؟ ورجلٌ يقولُ: ألم يقل اللهُ كذا؟ فكأنمـا فُقِئَ في وجهه حَبُّ الرُّمَّان، فقال: أبهذا أُمِرتُم؟ إنمـا هلك مَنْ كان قبلكم بهذا،ضـربوا كتابَ الله بعضَه ببعض ...»([21]). وقال الـمُحَقِّقُفي الـحاشية: [الحديثُ في مسلم 4 / 2053 ــ كتاب العلم ــ باب النهي عن اتباع متشابه القرآن] ،ثم أشار إلى بقية الحديث في «المسند»([22]). فابنُ تيمية يقول: «روى مسلمٌ بعضَه»، ويقولُ:«وسائرُه معروفٌ في «مسند أحمد» وغيره ...»، أما في حديث الأصابع فلا يُشيرُإلى أنهمـا حديثان اثنان، لأنَّ الإشارةَإلى ذلك تهدمُ نظريَّته. واعلم أنَّ عدمَ رواية البخاري للجزء الثاني من الحديث آتٍ من عِلَّةٍ اطَّلَعَ عليها البخاريُّ، وعَلِمَها في الحديث، وكفى بالبخاريِّ عالماً بالعلل، وأغلبُ الظَّنِّ أنه عَدَّها إما زيادةً من أحد الرواة،وإما موضوعةً وَضْعاًمُتعمَّدا، واللهُ أعلمُ. الثامن:أما الذي رواه النَّسائيُّ([23])من طريق عبد الله بن يسار، عن قَتيلة امرأة من جُهَينة: «أنَّ يهودياً أتى النبيَّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم فقال: إنكم تُنَدِّدونوتُشـرِكُون، تقولون: ما شاء اللهُ وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبيُّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورَبِّ الكعبة، ويقولون: ما شاء الله ثم شئت». والذي يهمُّنا من الحديث هو مجيءُ اليهوديِّ مُعلِّمـاً ومُرشِداً للرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم وللمسلمين، وهذا غيرُ معقول ولا مقبول، لأنَّ محمداً صَلَّى الله عليه وسَلَّم الذي عارض وحارب الشـركَ ثلاثَ عشـرةَ سنةً في مكَّة، والذي منع المسلمين من زيارة القبور ــ في المراحل الأولى للإسلام ــ حمايةً للعقيدة، والذي أتى بالشريعة بيضاءَ نقيةً غيرَ مَشُوبة، والذي كان يُقَوِّمُ كُلَّ فِعْلٍ وكُلَّ قول فيه مُخالفةٌ ما،غيرُ مُتَصَوَّر منه أن ينتظر يهودياً يُقَوِّمُ له وللمسلمين عبارةً فيها شـركٌ من نوع ما، وهل يغيبُ عن الرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم ــ وهو أعلم الناس بالله وأتقاهم له ــ مِثْلُ هذا؟! وعلى فرض أن ذلك قد غاب عنه ولم يَفطَنْ له، أكان اللهُ يتركُ المسلمين على ما هم عليه من شـرك في أقوالهم حتى يَفشُوَ ذلك وينتشـرَ فيَصِلَ لليهود، فيهبُّ أحدُهم لتقويم اعوجاجِ المسلمين بمَنْ فيهمُ الرسولُ صَلَّى الله عليه وسَلَّم ؟! هذا عجيبٌ غريبٌ، وغيرُ معقول ولا مقبول البتة. واعلم أنَّ ابنَ تيمية نفسَه لم يذكر كلمة «يهودي» ولا مرَّةً في كتبه عند ذكره لهذا الحديث،وقد ذكره خمساً وثلاثين مرَّةً،كان يقولُ فيها «رجل» أو «أعرابي»، الأمرُ الذي نجزمُمعه، أنه كان يعلمُ أنَّ كلمةَ «يهودي» مكذوبةٌ قد استُبدِلَت من كلمة «رجل» الواردة في رواية أخرى. التاسع:نعود إلى قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ...)[الزمر: 67]، فنقولُ: هذه الآيةُ من سورة الزمر، وهي مكية، فهي تردُّ على مشـركي قريش، وليست في اليهود، لعدم وجودهم في مكَّة، وعدم احتكاكهم العَقَدي مع المسلمين وقتَئذٍ، فهي تَـرُدُّ على كفَّار قريش في ادعائهم اتخاذ الله الولدَ، قال تعالى عنهم في بداية السُّورة:(ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ)[الزمر: 4]، وقد سبق ذِكْرُ ادعاء كفار قريش اتخاذ الله الولَدَ في أكثر من سورة قبل نزول سورة الزمر، قال تعالى: (ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)[مريم: 88]، وقال تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ)[الفرقان: 2]، وسورتا مريم والفرقان نزلتا قبل الزمر، فالصوابُ هوحَـمْلُآية الزمرعلى قضية نفي اتخاذ الولد، وليس حَـمْلَها على قضية إثبات قوَّة الله تعالى وعظيم قُدْرته،وسياقُ سورة الزمر يُؤكِّدُ هذا. وعليه، فقولُه تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ) [الزمر: 67]، ليس موضوعُها إثباتَ قوَّة الله بالأصالة ولا بالعبارة، وإنمـا هي في بيان أنَّ الله تعالى كبير،فهو الكبير، وهو الأكبر، فهي المعنى لقوله تعالى: ( ﯘ ﯙ)[الإسراء: 111]، ولقوله تعالى: (ﮎ ﮏ)[الرعد: 9]، ولا أدري سبب تغافُل الذين كتبوا في هذا الحديث عن هذا المعنى، وبيانُ ذلك: لَـمَّـا ادَّعَى كَفَّارُ قريش اتخاذَ الولد على الله، كانوا بذلك كالذي يَدَّعي أنَّ فَرْخَ القَمْلة ــ إنْ صَحَّت العبارة ــ هو وَلَدُ الحوت الأزرق، مَنْ يُصَدِّقُ هذا من حيث الحجم؟! أقول هذا لأنني ما علمتُ مخلوقاً حياً أكبرَ من الحوت الأزرق، بل إنَّ الأمرَ أعظمُ وأعظمُ من ذلك بكثير وكثير بالنسبة لله تعالى، فالآيةُ جاءت لتقول للمشـركين: زعمتُم مخلوقاً صغيراً حقيراً وَلَداً لله، وهذا الزعمُ مُخالِفٌ لِـمَـا ثبت في عقولكم من أنَّ الوَلَدَ يتناسبُ مع والده حجمـاً وشكلاً، فادعاؤُكم هذا فيه إهانةٌ وتصغيرٌ لشأن الله تعالى الكبير الكبير،فنسبتُكُمُ الوَلَدَ لله باطلةٌ من حيث الأحجام التي تراعون اتباعها في حياتكم ومشاهداتكم، هذا هو موضوعُ الآية ومدلولُها، أما قُدرةُ الله وقوَّتُه فلها آياتٌ أُخَرُ تدلُّ عليها، وتنزيهُه عن الولد من حيثُلحوقُالنقص به تعالى له آياتٌأُخَرُ غيرها. وعليه، فقولُه تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ)جاءت في الـرَّدِّ على كُفَّار قريش دعواهمُ اتخاذ الله الوَلَدَ من جهة عدم تناسُب الحجم، واستعملها الرسولُ صَلَّى الله عليه وسَلَّم رداً على اليهود في تجزئتهم الأرض، وجَعْلِها وأجزائها والسمـاواتِ على هيئةٍ لاتتمُّ معها عمليةُ القبض السليمة، وهي من جهة تتعلقُ بالحجم أيضاً. الخلاصة:كلمةُ «جميعاً» في قوله تعالى: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ)تدلُّ على عدم جواز تجزئة الأرض، لأنها حال مُؤسِّسَةٌ، ولو كانت مُؤكِّدةً لكان دخولُها على السمـاوات(الجمع) أولى من دخولها على الأرض (المفرد)، فهي تَـرُدُّ على اليهوديِّ الذي يُفرِّقُ الأرضَ أجزاءً، وهي جُرْمٌ مُجتَمِعٌ، ويكونُ ضحكُ الرسول صَلَّى الله عليه وسَلَّم تكذيباً لكلام اليهوديِّ لاتصديقاًله. فليُراجِع المُتنطِّعون أُسُسَ عقيدتهم، وليأتونا بأحسَنَ من هذا بلا تحريف ولا تزوير. وصفوةُ القول: أنَّ «جميع» تدلُّ على الاجتمـاع والتجمُّع وعدم التجزئة أوالتفرقة في الآية المذكورة. والـحمـدُلله ربِّالـعـالـمين. ([1]) «الكشاف» للزمخشري 3 : 409. ([2]) «التحرير والتنوير» لابن عاشور 18 : 302 ــ الدار التونسية للنشـر ــ 1984. ([3]) المرجع السابق 27 : 212، وهي في «صحيح البخاري» برقم (3809). ([4]) «التحرير والتنوير» لابن عاشور 7 : 174. ([5]) «التحرير والتنوير» لابن عاشور 23 : 12. ([6]) «معاني النحو» للدكتور فاضل السامرائي 4 : 123 ــ 124. ([7]) «الأشباه والنظائرفي النحو» للسيوطي 3 : 209 ــ 210،تحقيق: طه عبدالرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، 1975، وهي في «الكشف والبيان في تفسير القرآن» للثعلبي 4 : 93. ([8]) «صحيح البخاري»، كتاب التوحيد، باب19، حديث رقم (7415). ([9]) «سنن الترمذي» برقم (3240). ([10]) على فرض أنَّ القبضةَ حِسِّيَّةٌ حقيقةٌ، وهذا الكلام تنزُّل في مناقشة كلام اليهوديِّ، ثم المُجسِّمةِ الذين يوافقونه في حمل مثل هذه الألفاظ على ظواهرها. ([11]) «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية 7 : 96،تحقيق: محمد رشاد سالم، ط1، 1401هـــ 1981م، جامعة محمد بن سعود. ([12]) «المسند» للإمام أحمد برقم (6845). ([13]) «تهذيب التهذيب» لابن حجر العسقلاني 10 : 281، ط دائرة المعارف النظامية في الهند. ([14]) «مسند أحمد» 3 : 719 برقم (15195)، تحقيق شعيب الأرناؤوط. ([15]) «صحيح البخاري» برقم (2685). ([16]) «صحيح البخاري» برقم (4485). ([17]) «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية 7 : 95 ــ 96. ([18]) «سنن ابن ماجه» برقم (4275). ([19]) انظر: «تهذيب التهذيب» لابن حجر 3 : 15. ([20]) برقم (5157) و(5351) و(5414) و(5608). ([21]) «درء تعارض العقل والنقل» لابن تيمية 1 : 49. ([22]) هو في «المسند» برقم (6381) و(6550) و(6668) و(6845). ([23]) في كتاب الأيمـان والنذور من «سننه» برقم (3773). |
#2
| ||
| ||
رد: دلالة «جميع» في القرآن الكريم بارك الله فيك موضوع ذو قيمه شكرا ورمضان كريم
__________________ ,,, إلى جميعـ بناتـ عيونـ العربـ .. أدعوكمـ للإانضامـ لمجموعة ,, نعم للبنات ـلا للتماسيحـ ,, جروبـ خاصـ للصبايا ..:88: أعذروني عن تغيبي فالجامعه قد بدأت و انا ادرس أصعب المواضيع !!..فادعوا لي .. |
#3
| ||
| ||
رد: دلالة «جميع» في القرآن الكريم بارك الله فيك اختي الفاضلة دمت بود وكل عام وانتم بخير
|
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
كل شئ عن القرأن الكريم | special moon | نور الإسلام - | 19 | 12-21-2013 06:20 PM |
من فضائل سور القرآن الكريم | imbrator | نور الإسلام - | 16 | 04-26-2009 05:00 AM |
أسرار (الم) في القرآن الكريم | حمزه عمر | نور الإسلام - | 10 | 02-27-2009 02:15 PM |
انشر تؤجر | امل مجروح | نور الإسلام - | 6 | 08-08-2008 11:19 AM |
ظهور الإمام المهدي (عج) عام 2015م لازم كل واحد يقراه للأهمية أرجو التثبيت | الأحسائي 2 | نور الإسلام - | 66 | 03-25-2007 07:20 PM |