عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام العامة > مواضيع عامة

مواضيع عامة مواضيع عامة, مقتطفات, معلومات عامه, مواضيع ليس لها قسم معين.

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 09-25-2009, 09:55 AM
 
جارودي: الإسلام حي فلا تحنطوه

بسم الله الرحمن الرحيم


إن أقبح خطأ مميت بالنسبة إلى مستقبل الإسلام قد يكمن في الخلط بين الناموس الإلهي السرمدي، أي الشريعة، وبين الفقه، أي التشريع".

بهذه الحقيقة يؤكد المفكر الفرنسي المسلم روجيه جارودي اعتقاده فيما قالإنه سبب ما لحق بالعالم المسلم من تخلف وانحطاط، مشددا على أن "تطبيقالشريعة أمر معاكس لهذا الخلط واللبس".

جارودي في حواره مع "مدارك" مؤخرا علىهامش محاضراته بـ"مجمع الشيخ أحمد كفتارو" بدمشق حاول أن يقارب علل التقليد والبلادة العقلية التي تنفر من مجاراةالعصر، مؤكدا أن المتصفين بها هم "مشكلة الإسلام"؛ لأنهم يدخلون إلىالمستقبل رجوعا إلى الوراء، بأعين مثبتة على الماضي، معتمدين على تشدقاتالمفسرين بشأن المشكلات القانونية والفقهية التي كانت تطرح على عهدالأمويين والعباسيين.
ودعا جارودي المسلمين إلى ما نادى به محمدإقبال من قبل، وهو "عدم قراءة القرآن بعيون الموتى"، واصفا من يفعل ذلكبأنهم "أكلة الرماد، الذين بإصرارهم على تحنيط الإسلام الحي يقدمون أكبرالفائدة لأعداء العقيدة".
وفي الحوار أيضا تحدث جارودي عن مستقبلالإسلام ورؤيته له، وعن العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب، وعما يسمى "النظام العالمي الجديد".
* بداية كيف ترى مستقبل العلاقة بين الإسلام والغرب؟
- برأيي يجب أن يكون الدين بمنأى عن أي شكلمن أشكال الاستغلال والتعصب، خاصة الاستغلال السياسي، فمثلا إذا ذهبنا إلىالبلاد اليهودية أو المسيحية أو المسلمة، فالذي يلفت انتباهك أولا هوعقيدة السيطرة.
هذه السيطرة إما أن تكون سياسية أو دينية،وفي معظم الأحيان دينية سياسية مختلطة، بعيدة كل البعد عن أي شكل من أشكالالتسامح والتآخي والتصافي، مثال على ذلك إيهود أولمرت رئيس وزراء إسرائيلالسابق، إنه يؤمن بالله والتوراة، الله العادل الذي لا يظلم، والتوراة هيكتابه المرشد إلى هذه العدالة، لكنه بعقيدة السيطرة الدينية والسياسيةينظر إلى تعاليم الله والتوراة على أنه -وبسبب تعاليمها وتوجيهاتها- يتحتمعليه وعلى اليهود كافة طرد كل الفلسطينيين وإبعادهم، أي أنه وبحسب تعاليمهلا يريد أن يكون هناك كنعانيون.
وهذا أيضا ينسحب على الكنيسة الكاثوليكية،خاصة فيما يتعلق بالبابا الحالي في الفاتيكان، إنه يحمل الإنجيل ويؤمنبتعاليم المسيح الداعية إلى المحبة والتسامح والنقاء، في الوقت ذاته الذييكتب فيه ويلتزم بمعاهدة موقعة في أمريكا من نوع غريب وعجيب.
فقبل سنوات كنت أتلقى جائزة عن أعمالي فيإيطاليا، وكان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان زائرا هناك، وقد صرحريجان لصحيفة إيطالية بأن لديه عقدا ومعاهدة مكتوبة بينه وبين البابا،معاهدة يلتزم بمقتضاها ريجان كرئيس لأمريكا بمحاربة الشيوعية في بولونيا،مقابل أن يحارب البابا اللاهوتية التي تتزايد في جنوب إفريقيا، هذا النوعمن الاتفاقات يجري الآن بين الولايات المتحدة وأوروبا وبين بعض الدول التيتصف نفسها بالإسلامية.
الديموقراطية على الطريقة الغربية
* كيف تنظر إلى مسألة الديمقراطية في الغرب؟
- الديمقراطية تعني حكم الشعب بنفسه ولنفسه،وهذه الديمقراطية لم توجد أبدا حسب رأي "جان جاك روسو" المعتنق الرئيسيلنظرية الديمقراطية، والذي نادى بالثورة الفرنسية، ويرجع ذلك إلى التفاوتفي الثروات الذي يجعل من المستحيل "تكوُّن إرادة جماعية"، وغياب الإيمانبقيم مطلقة تجعل الإنسان يحب ما عليه من واجبات بدلا من سيادة قانون الغاب.
ولعل من مفارقات الديمقراطية الغربية أنإعلان استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عام 1776 اعتبر أن البشر يولدونسواسية، وأن خالقهم قد حباهم بحقوق معينة لا مناص عنها، كحق الحياة وحقالحرية، ولكننا نجد أن الدستور المنبثق عن هذا الإعلان قد أبقى علىالعبودية ما يقارب القرن من الزمان بعد صدوره.
كذلك فإن إعلان حقوق الإنسان والمواطنةالصادر عن الثورة الفرنسية عام 1789 يؤكد أن جميع البشر يولدون ويعيشونأحرارا ومتساوين في الحقوق، وفي البندين 14 و 15 من هذا الإعلان نجدتحديدا مفاده أنه لا يحق التصويت إلا لأصحاب الأملاك وحدهم، وفي عام 1846تم إقرار حق الانتخاب للجميع، ولكن فقط للرجال، أما نصف الأمة "وهنالنساء" فقد كن على الهامش.
ولدينا مثال نمطي معهود في "إسرائيل"؛ فهيتقدم لنا على أنها مثال للديمقراطية، ولكن في كتاب "الطابع اليهودي لدولةإسرائيل" لمؤلفه Claud Klen، مدير معهد القانون المقارن في جامعة القدسالعبرانية، يخبرنا أن القانون الذي أقره الكنيست عام 1970 حين تعرضهلتعريف اليهودي: "يعتبر يهوديا كل شخص مولود من أم يهودية، والذي يعتنقالملة اليهودية، أو الذي لا ينتمي إلى ديانة أخرى"، وهذا معيار عنصري،ومعيار ديني يقودنا بالتالي إلى عصر المحاكم الإسبانية التي كانت تلتزمحتما الدم والتحول إلى الكاثوليكية.
إن الديمقراطية على الطريقة الغربية ليستعلى الإطلاق حاجزا ضد الطغيان، فهتلر قد انتخب بصورة ديمقراطية من قِبَل 70% من الناخبين في واحدة من أعرق الديمقراطيات الغربية، وفي الولاياتالمتحدة الأمريكية نجد أن الديمقراطيين والجمهوريين ليسوا سوى شقيق لحزبأوحد هو حزب المال، ولا يقسمهم سوى الرغبة في تملك السلطة.. إن الخدعةالأساسية التي تبرر كل الجرائم باسم "الديمقراطية" إنما تقوم على أساس منمطابقة ثقافية "لحرية السوق" مع "حرية الإنسان".
* أشرت إلى النظام العالمي الجديد وضرورة التصدي له.. كيف يمكن ذلك؟
- إن تعبير "نظام عالمي جديد" ليس كلماتتقال، إنه خطر حقيقي محدق بنا جميعا، ويجب علينا أن نعي هذا الخطر جيدا،إنه ليس خطرا موجها للدول الفقيرة فحسب، بل حتى الدول الأوروبية تعاني مننتائجه، وحسب إحصائيات الأمم المتحدة نرى أن أكثر من 80% من مصادر الثرواتالطبيعية العالمية يسيطر عليها ما مجموعه أقل من 20%، هذا مؤشر أساسيللوضع الاقتصادي.
ثانيا وحسب ما تصدره "اليونيسيف" في نشراتهايلاحظ أن أكثر من أربعين مليون إنسان يموتون سنويا وغالبيتهم من الأطفال؛وذلك إما بسبب الجوع أو أمراض سوء التغذية، أو نتيجة لبعض الأمراض التييمكن أن تعالج ويشفى الإنسان منها بسهولة، وألفت إلى أن مجموع الأطفالالذين يموتون خلال يومين في الدول الفقيرة يعادل عدد ضحايا القنبلة الذريةالتي ألقيت على هيروشيما؛ وهذا يعني أن الدول المتقدمة إذا أرادتالاستمرار بتقدمها، فعلى الدول الفقيرة أن تدفع ثمن هذا التقدم من حياةأبنائها بمعدل 40 مليون نسمة سنويا.
وفي الحقيقة هذا أبشع وجه للتقدم عرفتهالإنسانية منذ فجرها الأول، بل إنه صورة ممسوخة مشوهة للحضارة في ظلالنظام العالمي الجديد، هذا في الدول الفقيرة ودول العالم الثالث، أما فيأوروبا وبقية الدول فالأمر يأخذ منحى آخر.
فالرئيس الأمريكي الأسبق "جورج بوش" قال عنالنظام العالمي الجديد: إنه الوجه الجديد للاستعمار، لكن الحقيقة تقول غيرذلك، ففي الاستعمار القديم كان المستعمرون متعددين: إنجليز وفرنسيونوإسبان وإيطاليون، وكل استعمار له مدرسته الخاصة به، ونمط يميزه عن غيره،لكن هذا الوجه الجديد للاستعمار تمثله قوة وحيدة واحدة في العالم أجمع،وأسلوب ونمط هذه القوة الوحيدة هو القوة العسكرية.
ففي فرنسا -وهي الدولة المستقلة المتقدمةالتي لا تعاني من الجوع أو سوء التغذية أو الأمراض- تأخذ المعاناة منالنظام العالمي الجديد شكلا آخر، ولا أذيع سرا إذا قلت إن هناك أكثر من 70% من القوانين الفرنسية الناظمة للاقتصاد أو المال أو النقل إنما هيصادرة من نيويورك، أو أنها تملى إملاء من بروكسل، وعلى الحكومة الفرنسيةقبولها، إن طوعا أو كرها.
والقطاع الزراعي في فرنسا مثال صارخ على حجمالتدخل الأمريكي؛ فلقد ازداد إنتاج المواد الغذائية في فرنسا، وخاصةالأساسية منها، بمعدل 16%، وهذا الازدياد لم يكن في صالح الولايات المتحدةالأمريكية، التي قامت بضغوطات هائلة على إدارات السوق الأوروبية المشتركة،وكانت النتيجة أن صدر من بروكسل، باعتبارها عاصمة الاتحاد الأوروبي، قراريقضي بأن تتوقف فرنسا عن إنتاج هذا الفائض الذي ازداد عن حده.
هذا ما أكده مؤتمر الدول الصناعية الثماني،وبإصرار وتهديد أمريكي شرس، فما كان على فرنسا سوى الانصياع إلى بنود هذاالقرار وإيقاف الإنتاج الفائض، في الوقت الذي تعاني فيه غالبية دول العالممن نقص حاد في موارد الغذاء يؤدي إلى وفاة أطفالها.
وهذا يعني ببساطة متناهية أن فرنسا ليستأكثر من مستعمرة، وأنها وإن حاولت أن تتحرر من هذا الاستعمار فإنها أيضاوببساطة لا تستطيع، وأنها إن أرادت أن تكون حرة في قرارها وقانونهاالاقتصادي وألا تكون مجرد مستعمرة فعليها -برأيي- اتباع خطوات مهمة جدا،وجريئة جدا.
أولها أن ترفض الاتفاقية التجارية العالمية "الجات"، وأن تنسحب من معاهدة "ماسترخت"، وعلينا كفرنسيين أن نوقف التعاملمع المؤسسات العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
لكن هل تستطيع فرنسا فعل كل ذلك؟ أعتقد أنهليس بإمكانها ذلك، هذا على الصعيد الاقتصادي، أما على الصعيد الثقافيوالفكري فالأمر أكثر جدية، وأكبر مثال على ذلك صناعة السينما.
بين الشريعة والتشريع
* رغم كل ما يقال حول الإسلام وعظمته فإن معظم أو جميع الدول الإسلامية تعاني من التخلف والفقر والجوع؟
- نحن معشر المسلمين نطالب وبحق عادل أنيوفر لنا القانون الإلهي الظروف لخلق مجتمع إنساني صادق وحقيقي في مواجهةهذه الغابة الحيوانية متضاربة المصالح، وفي مواجهة الحروب الناشئة عنعبادة وحدانية السوق وعبادة صنع المال.
لكن ما نجيب به هو أن البعض ينسب لنفسه الحقبأن هذا هو القانون الإلهي، كما لو كان الإنسان مالكا للعالم المطلق،ناطقا باسم الإله، سواء أكان بابا الفاتيكان، أو واحدا من علماء الأزهر،أو كبير حاخامات اليهود.
والحالة هذه فمتى نادينا بالشريعة (القانونالإلهي) -والتي هي الحقيقة الوحيدة التي تمثل جوهر أي مجتمع يتصفبالإنسانية، هذه الشريعة التي هي كلمة الله، وهي التي تجمع المبادئالخالدة والعالمية لكل البشرية- فليس علينا أن نجعلها تلتبس بالفقه، أيبالتشريع البشري الذي يكون في كل حقبة من الحقب، وعند كل شعب من الشعوب،تبذل الجهود لتطبيقه في إطار ظروف تاريخية في عالم دائم التغيير، لا يتوقفالله، كما يقول لنا في القرآن الكريم، عن خلقه ثم إعادة خلقه.
وكل منا مسئول عن عدم الخلط بين الشريعةالتي هي القانون الدائم وبين الفقه المتوارث عبر قرون خلت.. إن الإسلام لنيستطيع أن يخترق موقعا خارج العالم الإسلامي الحاضر إن نحن وقعنا في هذاالخلط، محاولين أن نفرض في القرن العشرين وعلى العالم أجمع تشريعا ينتميإلى ظروف تاريخية كانت سائدة في الجزيرة العربية إبان القرن السابع.
لكن بعكس ذلك لو تمسكنا بالتعريف القرآنيللشريعة، التي تحدد المبادئ الخالدة والعامة لكل المجتمعات، ونحن في مجتمعمتفتت، وفي غرب منحط، لأنه نزع عن الإنسان بعده الأخروي، بسبب انفراديتهالأخلاقية، ووضعية تقدمه العلمي، وهنا توجد إمكانية الاختراق بالضخامةعينها التي ظهرت أمام الإسلام في القرن الأول للهجرة.
الإسلام الأول الذي أعطى حياة جديدةالإنسانية من بحر الصين إلى المحيط الأطلسي عبر القوتين العظميين في تلكالحقبة، وهما الإمبراطورية الفارسية والبيزنطية، اللتان كانتا في غايةانحطاطهما السياسي والروحي.
وفي يومنا هذا انهدمت قوة عظمى في الشرق،وفي الوقت ذاته نجد الدلائل على أزمة القوة العظمى في الغرب؛ حيث نظامالتنمية الذي ترغب في فرضه على العالم أضحى غير قادر على أن يعطي الحياةمعنى، أو حتى يضمن استمرار البشرية بفرضه كذلك بعدما قتل في هيروشيما خلاليومين.
علينا إذن أن نتفكر كما يدعونا القرآنالكريم في عدة مواضع أن نذكِّر أنفسنا بأننا مسئولون عن أنفسنا.. إن أقبحخطأ مميت بالنسبة إلى مستقبل الإسلام قد يكمن في الخلط بين الناموس الإلهيالسرمدي، أي الشريعة، وبين الفقه، أي التشريع.
إن تطبيق الشريعة هو أمر معاكس لهذا الخلطواللبس، وانطلاقا من المبادئ المطلقة للشريعة التي تقضي بأن الله هوالمالك وحده، وأنه هو المهيمن وحده وهو العالم وحده، يمكننا أن نضع فقهاللقرن العشرين، وهذه مسئولية جماعية لا تقع فقط على المسلمين، وإنما كمايقول القرآن الكريم، على جميع بني آدم من المؤمنين الذين تلقوا رسالةالأنبياء وجميع الرسل الذين بعث بهم نفس الإله، وهو الله وحده الذي لاشريك له.
يجب ألا نخلط بين الشريعة وبين الفقه؛ فلكلوظيفته الخاصة به، فالشريعة هي قانون أبدي عالمي لكل الشعوب ولكل الأزمنة،وهي ثابتة لا تنالها أساليب التبديل والتعديل، أما الفقه فهو -ربما- الحلول المناسبة للمواقف الطارئة، إضافة إلى الشروح المقدمة للشريعة بحثاوتحليلا.
من ثوابت الشريعة أن الله أرسل جميع أنبيائهبرسالة واحدة وهدف واحد، هو أن الله هو الخالق البارئ، وهو الآمر الناهي،فأرجعوا الحكم لله والمعرفة لله، وهذا شيء ثابت أبدي عند جميع الأنبياءدون أي اختلاف، وفي جميع الكتب المقدسة.
ولو درسنا القرآن الكريم بآياته الستةالآلاف تقريبا لوجدنا أن حوالي 5800 آية تتحدث عن أمور ثابتة أبدية هيالشريعة، وأن ما يقرب من 200 آية هي في الفقه، والتي لا ينكر فيها التغييروالتعديل حسب المعطيات والحالة والزمن.
فكما أسلفت، فالشرائع متفقة على الثوابت منوحدانية وأزلية وخلق، لكن الأحكام تختلف، فحكم الملكية مثلا نراه في الكتبالمقدسة على الشكل التالي:
في التوراة آية مفادها أنه كل سبع سنوات يجبأن يكون هناك توزيع جديد للممتلكات، أما ما تحدث عنه السيد المسيح فهو علىالعكس تماما؛ إذ قال: إن كل الذي تملكه يجب عليك أن تهبه وتمنحه صدقة.
وفي القرآن نظام ثالث هو الزكاة التي تسعىلتوزيع عادل للثروات، فهي نظام معتمد شريعة وفقها، ولو رجعنا إلى القرآنالكريم بالذات لوجدنا أنه يخلو تماما من بعض الأمور المعاصرة والضروريةجدا، كالشركات المتعددة الجنسيات، والتعامل بالنقد، وما جرت عليه الأعرافالتجارية، ومؤشرات المال والاقتصاد والأسهم والسندات... إلخ.
فالقرآن لا يدخل في هذا الموضوع كشريعة،وهناك تفصيلات كثيرة ودقيقة لهذه الأمور الاقتصادية، والقرآن غير معنيبها، فهو ليس كتابا للاقتصاد.
لذلك أؤكد أن القانون الإلهي والمبادئالإلهية خالدة سامية وباقية وأزلية، لكن ما يستجد من أمور الحياة المعاصرةعلينا أن ننهض لإيجاد حلول تتناسب معها، ونعالجها بالطريقة التي نضمن بهاالاتساق ضمن مسيرة الشريعة وأهدافها الكبرى، ولنا في فقه كل من أبي حنيفةوالشافعي مثال يحتذى، هذان الفقيهان العبقريان أوجدا الكثير من الحلولوالأجوبة لما كان يعترض مسيرة حياة المسلمين اليومية.
واليوم نحن ملزمون بالقياس على فقههم إذاكان ذلك ممكنا؛ لوجود العلة الواحدة، فكلنا ملزمون أكثر باستعمال فكرنا فيحل مشاكلنا المعاصرة التي لم تكن موجودة في زمانهم، هؤلاء أعملوا الفكر،ونحن أيضا مأمورون باستعمال فكرنا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الشافعيقد أتى بفقه جديد في مصر يغاير فقهه في العراق لتغيّر الأحوال، لذا قيل: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان".
يجب علينا أن ندرس كما درسوا ونعمل فكرنا لإيجاد حلول متسقة مع الشريعة الإسلامية لما يعترضنا من مشكلات فقهية عصرية.
الإيمان ليس في جيبي
* أصدرتم كتابا بعنوان "الإسلام دين المستقبل".. هل ما زلتم تعتقدون هذا؟ وهل ترون أن الأمور تتجه بالشكل المطلوب حسبما كتبتم؟
- بالطبع أنا اليوم أكثر إيمانا بكل ما قلتهوما كتبته، وأصر على أنه يجب على المسلمين كافة أن يكافحوا ويناضلوابصلابة وقوة ومعرفة ووعي من أجل الوصول إلى تطبيق عميق وهادف للمبادئالإسلامية.
أنا لا أملك الإيمان في جيبي ولا أضعه فيمنديلي، إنه عملية تفاعل ومثابرة، ويجب على المرء ألا يدّعي الوصول إلىنهاية الطريق، عليه أن يسعى يوميا للوصول إلى الكمال فالأكمل، إلى الحدالذي تستطيع فيه أن تأتي بحضارة إسلامية عالمية إن شاء الله أو حضارةعالمية قائمة على الإسلام.
* كيف تنظر إلى مستقبل الإسلام؟
- إن مشكلة مستقبل الإسلام تكمن في كلماتبسيطة، فإما أن يدخل إلى المستقبل رجوعا إلى الوراء، بأعين مثبتة علىالماضي، معتمدا على تشدقات المفسرين، بشأن المشكلات القانونية والفقهيةالتي كانت تطرح على عهد الأمويين والعباسيين، وإما أن يثبت قدرته على حلمشكلة نموذج جديد في النمو، وأن يستأنف طيرانه المنتصر كما جرى في العهودالتي قدّم فيها الحلول في القرن الأول الهجري والمشكلات المطروحة من جراءانحطاط الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية.
وليس ثمة شيء أكثر مناقضة لرؤية ديناميكيةللعالم من الاعتقاد تماما بأن جميع مشكلات الحاضر والمستقبل قد حلت، وأنهيكفي أن يعرف المرء عن ظهر قلب صيغ الماضي ليكون بذلك قد أجاب على كل شيء.
إن الاكتفاء عكس الدين؛ فهو يمنع آلاف الناسمن أن يروا أن داخل الجاهلية الجديدة للحضارة الغربية المنحطة يمكن لشريعة "الله المالك وحده، والله هو المهيمن وحده، والله هو العالِم وحده" أنتعطي لهم هذا المعنى وتنتزعهم انتزاعا من قانون الغاب، ومن قانون الأقوى،ومن قانون الفوضى، وبعكس ذلك لو خلط المرء هذه الشريعة الجوهرية بالفقهالمتراكم من قرون ماضية لكان ذلك انفصاما لعزل الإسلام، وعن طريق تطبيقالشريعة في حقيقتها فقط يمكن للإسلام أن يجد في قرننا هذا ظروفا مناسبةلانتشاره بأكثر مما حدث في القرن الأول للهجرة.
أكلة الرماد
* أشرت إلى مسألة تجديد الإسلام.. هل يمكن إيضاح هذه النقطة؟
- برأيي موضوع تجديد الإسلام أو بالأحرى مستقبل الإسلام يتوقف على عدة نقاط، أهمها:
1- جهود المسلمين من أجل أن يعيدوا مرة أخرىنشر جميع الأبعاد التي صنعت في الأزمان الغابرة.. عظمة الإسلام وانتشاره،وبعده العالمي، وكونه لم يقتصر على هذا التقليد والعرف أو ذلك السائد فيالشرق الأدنى أو على ماضيه، بل إنه انفتح على جميع الثقافات وأقر التكافلالعظيم بين الشرق والغرب للديانات المنزلة، وحكمة بلدان نائية كبلاد فارسوالهند والصين.
2- بعده الداخلي وحب الآخرين، فنجد أن كبارالصوفيين الأندلسيين كابن مسرة وابن عربي قد دافعوا عن ذلك، ومثلهمالبيروني، والإمبراطور أكبر خلال عظمة الإسلام في الهند، ضد كل الشكلياتوالشعائر المتوارثة والحرفية المتجمدة.
3- بعده الاجتماعي، مستثنيا غابة المصالح المتناحرة وتراكم النزوات في بؤرة المجتمع، وعدم ترك البؤس للآخرين.
4- بعده الناقد ضد مجهودات "الفقهيين" المتناولين للترهات، والذين يجعلون من أنفسهم حرسا على التشددية، ويعتبرونأنفسهم موظفين للعالم المطلق.
* وكيف ترى تشبث البعض بالماضي ومحاربة كل محاولة للتجديد؟
- أثبت الشاعر محمد إقبال في مؤلفه "إعادةبناء الفكر الديني للإسلام" أنه بهذه الروح الناقدة أمكن حفظ الإسلام مندائه الأكبر، ألا وهو قراءة القرآن بعيون موتى، أي تكرار ما قاله الأسلافمن القرون الأولى للهجرة، والذين كانت لديهم الأفكار لحل المشكلات التيكانت تعترضهم في عصورهم، ولكنها ليست مشاكلنا الآن، وهذا بحد ذاته خيانةللقرآن نفسه.
الله الذي لا يتوقف عن الخلق، وهو الذي نفخفي الإنسان من روحه ليجعل منه خليفة له في الأرض، وهو من تدعوه بدون توقف،ويدعوننا للتفكير في آلائه المتجددة على الدوام في هذا الخلق الدائم، لايسعه إلا أن ينأى عن أولئك الناس الذين يطلبون منه، ولا يعرفون كيف يفكرونإلا بالعودة إلى الماضي.
هؤلاء أكلة الرماد، الذين بإصرارهم علىتحنيط الإسلام الحي يقدمون أكبر الفائدة لأعداء العقيدة، وهم العقبةالكئود أمام خلق حداثة ليست على نمط الحداثة الغربية التي وقعت في براثنالانحطاط، وتعوق أن يكون الإسلام متقدما جنبا إلى جنب مع أصحاب العقائدالمحبين للمستقبل، وخاصة أولئك الذين يحبون انبعاث العالم من جديد.
المصدر: إسلام أون لاين
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الديانات فى دول العالم أم يارا أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 3 04-28-2014 05:23 PM
مفاجأة “_” سلسلة شبهات حول الإسلام .. ش.د. محمد إسماعيل - يوتيوب :: حصريا :: النصر والتمكين خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية 1 06-13-2009 08:57 PM
حكم الاسلام في إعانة الصليبيين المحتلين والمحاربين لدين الله والمسلمين؟ osama ali نور الإسلام - 4 01-10-2009 01:56 AM
لماذا ينتشر الإسلام بين نساء ألمانيا؟ حمزه عمر نور الإسلام - 4 12-28-2008 09:17 AM
تاريخ و أسباب الهجمات الشرسة على رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم .... abdelwadoude نور الإسلام - 7 09-15-2007 09:00 PM


الساعة الآن 09:47 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011