|
نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
منهج اهل السنة والجماعة بسم الله الرحمن الرحيم المنهج: وهو الطريق الواضح البين المعالم الموضح للرؤية العامة والمهمة الرسالية التي تحكم العمل وتوصل إلي تحقيق نتائجه وأهدافه. ونعني به تأطيراً لمنهج الجماعة المحدد لمسارها المنضبط بمنهج أهل السنة والجماعة في شتي أصوله وجوانبه المتنوعة المتعلقة بأصول النقل والتلقي والاستدلال والبحث والاستقراء وأصول المعتقد والإيمان وطريقة التعامل مع الموافق والمخالف والمناقض وما يتعلق بالمنهج الدعوي ونحو ذلك مما هو تقرير لواقع الجماعة مما ارتضته والتقت عليه ببعث منهج أهل السنة والجماعة وإقامة دين الله بصورة مرتبة يسهل فهمها وتناولها في التعامل مع قضايا الواقع. ضوابط منهجية في التلقي والاستدلال: ^إن من ثوابت الجماعة الكلية التقيد بالكتاب و السنة الصحيحة على فهم السلف الصالح أهل السنة و الجماعة عليهم من الله الرضوان و حفظ الدين على أصوله المستقرة التي اجمعوا عليها: أ/ مصادر التلقي: يُتلقى منهج أهل السُّنة والجماعة من: 1- كتاب الله العزيز ، وهو وحيه المعجز ، المنزل ، وهو كلامه حقيقة بحروفه ومعناه ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته، المتحدى بأقصر سورة منه، حجة الله – المعصومة -علي العالمين ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وحكمه بين الناس أجمعين ] أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً [ الأنعام: من الآية114، فما أُجمل منه في موضع ؛ فُصِّل في موضع آخر أو فصلته السنة أو حُدد بالإجماع ، وبعض دلالته قطعية وبعضها محتمل لمعانٍ عدة ، ويحمل علي ظاهره الذي يفيد القطع ما لم يدل الدليل علي خلاف ذلك إجماعاً ، كما نقله القرطبي وغيره عن السلف يرحمهم الله . 2- وسنة النبيَّ r الصحيحة الشاملة لكل ما صدر عنه من قولٍ وفعل وتقرير أو صفات أو كتابات أو إشارات أو إهتمامات وكل هَدىٍ ظاهر وباطن . وهي مُفسرة للقرآن ومُبينة ، أو مؤكدة لأحكام فيه ، أو مؤسسة لأَحكامٍ لم ترد في القــرآن (( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه )) [1] وبعض السُنة متواتر وبعضها آحادي ، ومن ألآحادي ما هو مقبول وهي الأحاديث الصحاح والحسان وهي تفيد العلم اليقيني النظري ، فهي حجة في العقائد العلمية والأحكام العملية على الصحيح الموافق لطريقة السلف . ومنها ما هو مردود وهي الأحاديث الضعيفة بأنواعها المختلفة ، والسنة الصحيحة الثابتة حجة معصومة واجبة الإتباع وهي تشريع دائم ولازم إلا ما ثبتت خصوصيته أو نسخه منها . 3- والإجماع المعتبر من مجتهدي أهل الحق من المسلمين على حكم شرعي علمياً كان أو عملياً بعد وفاة النبيَّ r وهو حجة واجبة الإتباع وهو الأصل الثالث الذي يعتمد عليه في العلم والدين وهو معصوم كعصمة نصوص الكتاب والسنة [2]. ودين المسلمين مبني على كتاب الله تعالي وسنة النبيَّ r وما اتفقت عليه الأمة فهذه الثلاثة الأصول معصومة وما تنازعت فيه الأمة ردوه إلى الله والرسول[3].ونَزِنُ بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة وظاهرة ، فمن قال بها كان من أهل السنة ومن خرج عنها فهو من أهل الأهواء والبدع وفرق الضلال.[4] 4- والقياس الصحيح الذي يُلحق فيه الفرع بالأصل ويُسوَّى به في الحكم طرداً وعكساً هو الذي تتوافر فيه أركانه وشروطه ، وضوابطه ، وهو حجة معتبرة و تظهر من خلاله حكمة الشريعة في التسوية بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين ، وربط الأحكام بعللها نفياً وإثباتاً ووجوداً وعدماً كما هو مقرر في كتب الأصول .وغيرها من حجية المصادر المتفرعة من الكتاب والسنة والتي بنى عليها الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم أحكاماً كثيرةً. والأعراف التي لا تصادم الشريعة الإلهية المنزلة ، ينبغي مراعاتها حال الفتوى والاجتهاد والقضاء لأنها من فقه الواقع المُسمى بتحقيق المناط . وأما الأعراف الجاهلية الخاطئة فإنها لا تغير حقائق الألفاظ الشرعية وليست من مصادر التشريع في شيء . وكذلك الرؤى والإلهامات والمواجيد والمنامات والأذواق والهواتف والمكاشفات ليست من أدلة الأحكام الشرعية علي التحقيق . كما نحتجُّ بالقواعد الكلية الشرعية ومبادئ الشريعة العامة التي اتفق عليها الجمهور كسَدِّ الذرائع ، وقواعد المصالح والمفاسد وقواعد الاستصحاب والبراءة الأصلية عند إنعدام الدليل ، إذ الأصل في التشريع هو التوقيف على نصوص الكتاب والسنة الصحيحة كما هو مقرر . ب/ بيان الاجتهاد والإتباع والتقليد وكيفية التلقي : الأصل في نصوص الوحي الواضح الصريح من الكتاب والسنة وكذا الإجماعات الإتباع لعصمتها ، ولأن إتباع أي أصل من الأصول الثلاثة المعصومة واجب . أما غير الواضح من النصوص والإجماعات فالمسلمون إزاء تلقى الأحكام منها على ثلاثة أنواع كما ذكره ابن عبد البر رحمه الله في جامعه [5] وغير واحد من أهل العلم : 1) مجتهد : وهو المتأهل للاجتهاد والنظر في الأدلة فهو يعمل بما أدَّاه إليه إجتهاده بعد بذل وسعه أصاب حكم الله أم أخطأ ، وهو مأجور بأجرين إن أصاب وأجرٍ واحد إن أخطأ ومعذور في خطئه ، وقد ذكر ابن تيمية رحمه الله عدة معاذير للعلماء في حال اختلافهم وخطئهم في كتابه رفع الملام عن الأئمة الأعلام حتى لا يُساء بهم الظن رحمهم الله تعالى ، ولا يأثم المجتهد إن أفرغ وسعه في الإجتهاد عندهم ، ومن هنا فإن أهل السنة لا يعصمون أهل الإجتهاد ولا يُأثمونهم وكل واحد منهم يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم r ، ففي الصحيحين : (( إذا اجتهد الحاكم – أي المجتهد – فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد )) [6] وفي الحديث الآخر فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا .. ) [7] وفي الحديث الآخر : (( رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )) [8] . وليس لأحد كائناً من كان أن يلزم الناس باجتهاد إمام معين أو يمنعهم منه ولو كان حاكماً ومن أعلم أهل زمانه ، لأنه قد يوافق في المسائل الاجتهادية الخلافية حكم الله ورسوله r وقد يخالفه وإن كان معذوراً ومأجوراً في الخطأ لكن اجتهاده إن كان حاكماً بالشرع لا يلزم إلا من تحاكموا إليه وذلك بإجماع المسلمين ) [9][10] والاجتهاد قد يكون مطلقاً أو جزئياً وقد يكون الشخص مجتهدا في مسألة ومقلداً في أخري ، وكبار العلماء قد يقلدون غيرهم في تصحيح نقل أو تضعيفه أو معرفة حكم لسبب من الأسباب كما يروي عن الشافعي انه كان يقول للإمام احمد انتم اعلم بالحديث منا فان كان الحديث صحيحا فاخبرونا به حتى نذهب إليه أو كلام نحوه ، والتقليد ضرورة وهو تقليد العاجز عن إدراك وجه الدلالة ومناط الأحكام كما ستأتي الإشارة إليه إن شاء الله تعالي بل كان الشافعي يعتبر القياس والاستنباط ضرورة . 2) متبع : وهو من يعرف الحكم الشرعي بمستنده ودليله أو وجهه أو ما بُني عليه من الأدلة . 3) مقلد : وهو من يعرف الحكم من غير مستنده ودليله وهو مذموم إلا في حق العاجز . يقول ابن عباس رضي الله عنهما أقول قال رسول الله وتقول قال أبو بكر وعمر وقال كل احد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله r يقول الإمام أبو حنيفة إذا قلت قولا فلا تأخذوا به حتى تعلموا أن شريعة رسول الله ترتضيه ويقول إذا صح الحديث فهو مذهبي وبهذا قال الشافعي وسائر أئمة السنة رحمهم الله تعالى ويقول أبو عبد الله مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمه الله : ( كل راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر ويقول إنما نحن بشر نخطي ونصيب فإذا قلت قولا فلا تأخذوا به حتى تعرضوه علي الكتاب والسنة ) يقول الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى : ( اجمع المسلمون علي أن من استبانت له سنة لا يحل له أن يتركها لقول أحد ) وقال : ( إذا قلت قولاً وصح عن رسول اللهr خلافه فخذوا بقول رسول الله r وأضربوا بقولي عرض الحائط ، وفي رواية أعلموا أن عقلي قد ذهب ) ويقول الإمام أبو عبد الله أحمد ابن حنبل رحمه الله تعالىأوَ لأحدٍ قول مع قول رسول الله ويقول من رد حديث رسول الله فهو علي شفه هلكة ) ويقول الإمام مالك رحمه الله تعالى أيضاً لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها وفي رواية لا يكون آخر هذه الأمة أهدي مما كان عليه أولها أتري الناس أرغب في الخير ممن مضي ) ويقول : ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم وما صح عن نبيكم وما لم تعلموا فيه شيئاً فسلموا فيه لعلمائكم ولا تجادلوهم فإن الجدال من بقاء النفاق ) قال تعالى : ] اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ...[[11]] ... وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [[12]] فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [] وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [} وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {[13] راجع جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله لابن عبد البر النمري وإيقاظ همم أولي الأبصار لصالح الفلاني وقواعد التحديث للعلامة القاسمي والقول السديد في حكم الإجتهاد والتقليد لمحمد الأمين الشنقيطي ومقدمة صفة الصلاة للألباني ونحوها . قال ابن خويز منداد " والإتباع مسوغ والتقليد ممنوع " وساق ابن عبد البر في جامعه عليه نقولاً وحججاً ومن المقررات في أصول الإيمان رد ما تنازع فيه الناس إلى الكتاب والسنة والتحاكم إليها في الجليل والدقيق فما وافق الكتاب والسنة قُبل وهو أولى بالإتباع وما خالفهما رُد على قائله ، كائناً من كان ، بعيداً عن التعصب المذهبي والحزبية البغيضة . } ... فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً {[14] * و ينبغي التفريق بين مسائل الأصول العلمية والعملية المبنية على القواطع ومسائل الفروع التي مبناها على الظن الراجح حيث أن المسائل الجلية الواضحة الأصولية تبني فيها الأحكام علي القطع واليقين لا علي الظن ولا تقبل الشك والتردد و يضلل فيه المخالف وتبنى عليها معاقد الولاء والبراء بينما مسائل الفروع العلمية والعملية تقبل وجهات النظر المختلفة ولا يضلل فيها المخالف ولا يعقد عليها ولاء ولا براء . لكن يجب على المتلقي لها بذل الجهد والوسع في تحري الصواب والحق بطرقه المعروفة دون تعصب لقوله r : (زل مع الحق حيث زال ) [15] سواءً كان التحري والتحقق في صحة النقل وقبوله من عدمه أو في معرفة وجه الدلالة في المسائل الدقيقة فان عجز عن إدراك ذلك فلا يسعه إلا تقليد أهل النظر المعتبرين . ج/ أقسام الخلاف: والخلاف بأنواعه المختلفة علي قسمين: أ. خلاف تنوع وهو ما وسع فيه الشرع المنزل المطهر علي عباد الله كما في تعدد القراءات المتواترة وأوجه الإحرام ونحوها مما هو منصوص عليه وكذا الإقرار علي المسائل الاجتهادية المتقاربة أو المتكافئة الأدلة المتقاربة في دلالاتها مثل كثير من مسائل الفقه كما في حديث الصلاة في بني قريظة والقبض بعد الركوع ونحوها وكذا خلاف الأولي والأفضل الذي لا ينافي جواز المفضول وهو فرع الفرعيات وكل ذلك من قبيل خلاف التنوع المعتبر. ب. خلاف تضاد وهو إثبات الشيء وضده بان يقال أن هذا حلال وحرام أو طاهر ونجس أو حق وباطل أو كفر وإيمان في آن واحد ويدخل في ذلك الخلاف العقدي وهو ما خالف النص القاطع أو الإجماع المعلوم وكذا الخلاف الشاذ وهو الرأي مقابل النص أو الإجماع السكوتي مثل الخلاف في إباحة المعازف ونحو ذلك كما ينبغي مراعاة ما يميز المسلمين من غيرهم ومراعاة سد ذرائع الشرور كذرائع الشرك والكفر والبدع والنفاق وكل ما يؤدي إلي انزلاق أخلاقي أو انحراف سلوكي وكل ما هو من قبيل خلاف التضاد وجنسه أو الخلاف غير المعتبر ولما كان الخلاف بهذه المثابة كان الواجب ترك الخلاف الشاذ فضلاً عن العقدي والذي هو من قبيل الباطل قطعاً وكذا هنات العلماء وزلاتهم ورخصهم الاجتهادية والأقاويل المرجوحة لان الفقه مبناه علي الظن الراجح كما أن العقيدة مبناها علي القطع واليقين من اجل هذا كان لا اجتهاد في مورد النص ولا في مواضع الإجماع المعلوم المتحقق كما سيأتي أن شاء الله تعالي قال أهل العلم رحمة الله عليهم: وليس كل خلاف جاء معتبرا إلا خلاف له حظ من النظر * باب الاجتهاد في مسائل الدين الخلافية العلمية والعملية والوقائع المستجدة مفتوح على مصراعيه لمن تأهل له بتوافر شروطه وضوابطه وانتفاء موانعه حيث لا اجتهاد في مورد النص ومعاقد الإجماع. و للاجتهاد كما هو مقرر في الأصول أهلية وشروط منها المعرفة بعلوم القرآن والسنة ومنها القراءات والناسخ والمنسوخ وغريب الألفاظ وأسباب النزول والورود وأصول التفسير وأصول الفقه وقواعد الحديث ومبادئ الشريعة العامة ومقاصدها وقواعدها والقياس وعلل الأحكام ودلالات الألفاظ ووجوه الاستدلال والمعرفة بمواقع الإجماع والخلاف ووجوهه وأسبابه ومنشئه وممارسة الأحكام الشرعية والمعرفة باللغة العربية بفنونها وقواعدها بالقدر الذي يفهم به الخطاب العربي مع الاتصاف بالتقوى والورع وسلامة العقل ورجحانه والمعرفة بالواقع بعامه والواقع المراد معالجته بخاصة هذه خلاصتها فلتراجع في مظانها من كتب الأصول. * الأصل جمع الناس على المعين الصافي من الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين، وتعلم فقه الدليل بقدر المستطاع حتى يعلم المسلم أنه موصول بالله تعالى ورسوله r وهو أصل نافع عظيم والتهاون به يعصف بالجماعة الإسلامية ويحولها إلى مسخ مشوه ويضيع تضحياتها ومجاهداتها ويجعل أصحابها خدماً للباطل وسدنه أهله، فإن الإعتصام بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح أهل السنة و الجماعة عليهم من الله الرضا و القبول من أهم معالم الإعداد الإيماني التربوي للمسلمين على الإطلاق، وهو الذي يوجه سير الجماعة الإسلامية إلى غاياتها الشرعية ويعصمها من الزلل والانحراف الذي آلت إليه كثير من الحركات ذات الراية الإسلامية من كتاب: درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية: ( قد يتناول كل من النظر الشرعي والنظر العقلي ما لا يدخل في دائرة الأخر، لكنهما لن يختلفا في القطعي فلن تصطدم حقيقة علمية قاطعة مع نص وقاعدة شرعية ثابتة ويؤول الظني منها ليتفق مع القطعي، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالإتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار... ) وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب العقل والنقل واختصره الشيخ الأستاذ البنا رحمه الله في رسائله. . والله المستعان على العلم والعمل والإخلاص فاللهم أجعل أعمالنا نافعة صالحة لوجهك خالصة ولا تجعل فيها لأحد نصيباً. قواعد وأصول في المنهج العقدي عند أهل السنة: تعريف العقيدة لغةً وشرعاً المتضمن لمنهج البحث والاستقراء والتفريق بين الأصول والفروع والآثار المترتبة علي كلٍ منهما: أولا قاعدة في الحد والتعريف: العقيدة لغة: من العقد والتوثق والإحكام والربط بقوة فهي فعيلة بمعني مفعولة عقيدة بمعنى معقودة. وشرعاً: (هي اسم جامع لقواطع الإسلام العلمية والعملية المكتسبة من أدلتها الشرعية صحيحة النقل قطعية الدلالة بأصل وضعها أو بدلالة الإجماع عليها، والتي لا تقبل الشك ولا التردد والتي يضلل فيها المخالف وعليها تبني معاقد الولاء والبراء) ومعلوم أن العقيدة من الأمور التوقيفية التي لا تؤخذ إلا عن طريق الوقوف علي نصوص القران الكريم والسنة النبوية الصحيحة. شرح التعريف الشرعي: وإيضاح ذلك أن القواطع العلمية والعملية من عقائد الإسلام بلا خلاف، كما هو مقرر في الأصول، ومحكي عن السلف yقال العمريطي في نظم ورقات الجويني في أصول الفقه: والفقه علم كل حكم شرعي ***** جاء اجتهاداً دون حكم قطعي والقطعية في النقل قد تستفاد من نقل الكافة عن الكافة أي التواتر اللفظي وكذا التواتر المعنوي اللذان يفيدان القطع والعلم أي القطع واليقين الاضطراري كما تستفاد من خبر الآحاد المقبول من الصحاح والحسان الذي ينتزع القطعية واليقينية النظرية بتطبيق قواعد وأصول علم الحديث عليه كما تحصل القطعية للمتواتر اضطراراً، وأفادت الآحاد المقبول القطع محل إجماع عند السلف رحمهم الله كما نقله عنهم شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم وغيرهم وهذا رأي الإمام ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام و العلامة احمد محمد شاكر والألباني وغيرهم رحمة الله عليهم أجمعين قال العلامة احمد محمد شاكر في تعاليق الباعث الحثيث بعد أن حقق ذلك ( ودع عنك تفريق المتكلمين في اصطلاحاتهم بين العلم والظن... وهو كزعمهم في الأيمان... ) اهـ مختصراً، ومستند إجماعهم مفهوم مخالفة الصفة في قوله تعالي } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا { (الحجرات:6) أي إن جاءكم ثقة فاقبلوه دون تمييز بين العقائد العلمية والأحكام العملية والرسول r في سننه العملية يؤكد ذلك فانه كان يرسل آحاد الصحابة رضي الله عنهم إلي الأمصار ليعلّموا الناس الدين عقيدته وأحكامه وأصوله وفروعه كما أرسل أسيد بن حضير لأهل مكة ومعاذ لأهل اليمن.. وغيرهم إلى الأمصار المختلفة مما هو معروف، وعلي هذا مضت القرون الخيرة دون تفريق بين عقيدة وفروع، ولا نكير من احد، وهذا مذهب السلف المتقدمين كمالك والشافعي والاوزاعي والزهري ومكحول وداود والحسين بن علي الكرابيسي والحارث المحاسبي وعامة السلف، والمتقدمين من أهل الحديث قاطبة.أما القطعية في الدلالة فتستفاد من اصل الوضع اللغوي إن كان لا يفهم منه إلا معنى واضحاً محدداً أو بدلالة الإجماع علي احدي معاني اللفظ المحتمل تفيده القطعية، وعلي هذا جميع ظواهر القران والسنة التي تحتمل معانٍ أخري فأصل بقائها علي ما يظهر منها ثبت بالإجماع وإخراجها عن الظاهر بلا دليل أمر باطل اتفاقاً، وإذا قام الإجماع علي بقاء ظاهرها فهو يقين علي يقين وقطع علي قطع. يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالي في تفسيره ( وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول علي الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل، وإذا اجمعوا علي منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر وصارت هذه الظواهر نصوصاً ) ج7/165 إذ لا اعتبار للمعاني المحتملة لمنع التأويل فصارت المحتملات في حكم العدم وعاد الظاهر نصاً قاطعاً ، ويقول أبو عمر يوسف بن عبد البر النمري رحمه الله ( أهل السنة مجمعون علي الإقرار بالصفات الواردة كلها في القران والسنة والإيمان بها وحملها علي الحقيقة لا علي المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا ) فتاوى ابن تيميه ج3/191 وقال في جامع بيان العلم وفضله : ( ليس في الإعتقاد . كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له ولا يناظر فيه ثم نقله عن السلف الزهري ومكحول والاوزاعي ومالك والثوري وابن عيينة ومعمر بن راشد وغيرهم قال وقد بسطنا القول في ذلك من جهة النظر والأثر في كتاب التمهيد فمن أراد الوقوف عليه تأمله هنالك وبالله التوفيق ) و نقل ابن القيم عن ابن تيميه رحمهما الله تعالي ( فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد صلي الله عليه وسلم من الأولين والآخرين، أما السلف فلم يكن بينهم في ذلك نزاع ) و قال ابن قيم الجوزية رحمه الله ( هذا التفريق بين العلميات والعمليات باطل بإجماع الأمة فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات كما تحتج بها في الطلبيات العمليات..) الخ ما ذكره من الحجج في مختصر الصواعق. فمن القواطع العلمية الأركان الإيمانية العلمية الستة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ومن الإيمان بالله إثبات الأسماء والصفات والأفعال الإلهية للذات العلية إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل، ويدخل في القواطع العلمية الخبرية الإيمان بكل ما اخبر الله جل وعلا في كتابه وما اخبر به رسوله صلي الله عليه وسلم في السنة الصحيحة، ويدخل في ذلك اعتقاد وجوب الواجبات وتحريم المحرمات مما هو متعلق بالقواطع العملية، وكذلك أصول أعمال القلوب، وما يدخل في أعمال الجوارح من أصل الأيمان من إفراد الله في حقوقه الطلبية العملية كالدعاء والذبح والنذر والركوع والسجود والطواف والحكم والتحكيم والطاعة والتسليم والولاء والبراء ونحوه مما لا يقبل الشك و التردد، ويضلل فيه المخالف ويعادي عليه ويوالي؛ ومن أحسن ما يُقرأ في هذا، العقيدة الواسطية، وفتح المجيد، والقواعد المثلي لابن عثيمين، والكواشف الجلية للسلمان، ورسالة تحكيم القوانين لمحمد بن إبراهيم، والشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية د. عمر سليمان الأشقر، ونحوها. وهذا شرح وتحرير لتعريف العقيدة، ومختصر لأهم أصول أهل السنة في البحث والاستقراء والتلقي والاستدلال العلمي والعملي. عقيدة السلف في الأسماء والصفات والأفعال: ومن هنا فإننا نعتقد في الله ما يعتقده السلف الصالح أهل السنة و الجماعة رضي الله عنهم فنثبت في توحيد المعرفة والإثبات ما أثبته الله عز وجل في كتابه العزيز ورسوله صلي الله عليه وسلم في سنته الصحيحة الغراء من الأسماء والصفات والأفعال علي النحو الذي يليق بجلال الله وكماله وعظمته دون أن نصرف ظواهرها اللغوية فنحّرف ونأوِّل أو ننفي معانيها فنعطل أو نشبه الخالق بالمخلوق في الذات أو الصفات أو الأفعال فنمثل أو نسال عنها بكيف أو نحدد لها كيفيه معينه في أذهاننا فنكيّف إنما نثبتها إثباتاً بلا تمثيل وننزهها تنزيها بلا تعطيل علي ما ورد به النقل في قوله تعالي: } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ { (الشورى:11) وقوله تعالي: } وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً { (طـه:110) وقوله: } لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ { (الأنعام:103) سواءاً في ذلك الصفات الذاتية التي ليس لها تعلق بالمشيئة والإرادة والحكمة وارتباط بالقدرة كالحياة والسمع والبصر والوجه والعينين واليدين. والذاتية التي لها تعلق بالمشيئة والإرادة وهي أصول صفات الفعل الاختيارية كاستوائه تعالى على عرشه ونزوله إلى السماء الدنيا في كل ليلة، ومجيئه يوم القيامة للفصل بين العباد، وغيرها أي مطلق صفات الفعل الإلهية سواءً في ذلك الأفعال الاختيارية العامة التي لا تقبل المشابهة دون المشاركة مثل الكلام والضحك والعجب والقبض والبسط والرحمة والفرح والغضب والبغض والمقت والسخط والانتقام.أو الأفعال الخاصة التي لا تقبل المشاركة فضلاً عن المشابهة مثل الخالقية والرازقية والحاكمية والإحياء والإماتة ونحوها. آثار الصفات الإلهية: وللأسماء الحسنى والصفات العلى آثار تظهر من خلال تدبرها وثمار تستفاد من خلال العمل بها كما قال تعالي ( ولله الأسماء الحسني فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) والدعاء بها علي قسمين: - 1- دعاء مسالة : وهو أن ينتقي منها ما يناسب حال الداعي ويقتضي الإجابة توسلا بها إلي الله فيقول طالب الرحمة يا رحمن يا رحيم ارحمني وطالب التوبة يا تواب تب عليّ وطالب الغفران يا غفار اغفر وطالب الحفظ يا حفيظ احفظني .... وهكذا . 2- دعاء التعبد : وهو العمل بالعبوديات المتعلقة بها فما من اسم وصفة أو مجموعة متقاربة في المعاني أو بينها رابط من الأسماء والصفات و إلا متعلقة ومرتبطة بها عبوديات دعاء التعبد بها يعني العمل بمقتضاها ، وإيضاحاً لذلك فان العمل ببعضها يقتضي التحقق بالتوحيد والإفراد لله في ألوهيته وربوبيته بلا شريك كاسم الجلالة الله والأحد والواحد والوتر والرب والخالق والباري المصور والرازق والذي يدبر الأمر والإله والقريب والمجيب والمغيث والحكم ...الخ . وبعضها يقتضي تعظيم الله وإجلاله وتكبيره وتمجيده وتقديسه وذلك بالعمل بالكتاب والسنة والطاعة لله ورسوله مثل القدوس والكبير والجليل والمجيد والعظيم... وهو الذي يدل عليه أيضاً اسم الله الحفيظ من اتخاذ الله مشرعا والتصديق بإخباره وامتثال شرعه ودينه وذلك أن مَن حفظ الله في شرعه ودينه يحفظه الله في نفسه وذريته وماله كما في الحديث احفظ الله يحفظك وبعضها يقتضي الإخلاص والمراقبة والتحقق بمقام الإحسان كالعليم والخبير واللطيف والسميع والبصير والمحصي والحسيب والرقيب والشهيد وبعضها يثمر التوكل والاعتماد على الله وإعطاء الأمل الكبير الفسيح الواسع والثقة بالله مثل الوهاب والرزاق والغني والفتاح والوكيل والحسيب والقدير والمقتدر والصمد والنصير وانه يحي ويميت وينفع ويضر ولو اجتمع الخلق علي أن يسوقوا لك خيرا لم يكتبه الله لك ما استطاعوا أو يحبسوا عنك ما كتبه الله عليك ما قدروا ومنها ما يورث ويثمر الصيام والقيام والجهاد والدعاء والاجتهاد والاستغفار كالصمد والقريب والمجيب والمغيث والغفور والغفار والتواب وبعضها يقتضي الاتصاف والتخلق بها والصبر والشكر والحلم والعدل والحكمة والرشد والإحسان والبر والرحمة والرأفة والصدق والوفاء والكرم والطيبة والطهر ونحو ذلك كالشكور والصبور والحليم والحكيم والرشيد والمحسن البر الرحيم الرءوف ] وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [] وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [ والكريم والطيِّب والقدوس ونحوها ومنها ما يقتضي الاحتكام لحكم الله وحده وتحكيمه والتحاكم إليه والولاء الذي لا يصح إلا ببراء كالحكم والحكيم والولي وهكذا فان هذه الطريقة هي التي يتحقق بها الجانب العملي المطابق للجانب العلمي والذي يجلي أثار الأسماء الحسنى والصفات والأفعال العلى ويؤثر ويثمر في المؤمن خيراً ويقود إلى التحقق بالتوحيد العلمي الخبري والتوحيد العملي، ويقوم به توحيد الألوهية الطلبي الإرادي العملي المبني على التوحيد العلمي الخبري توحيد المعرفة والإثبات لان التوحيد قول وعمل واعتقاد إذا اختل منه شي لم يكن المرء مسلماً بلا خلاف راجع الجامع الفريد. ونعتقد إفراد الله تعالى وحده في توحيد القصد والإرادة والعمل والعبادة المتضمن لخصائص إلهيته من شعائر ونسك وشرائع ولا نصرف شيئاً من مفرداتها لغيره تعالى كالركوع والسجود والدعاء والذبح والنذر والطواف والحلف والحكم والتحكيم والطاعة والتسليم والولاء والبراء واشدية الحب والتعظيم والرجاء والخوف والتوكل ونحو ذلك. ونعتقد أن الحاكمية التي هي رد الأمور لحكم الله وحده من لب التوحيد وصميم العقيدة وأصل الإيمان وصريح مدلول الشهادتين ومن أعظم معاقد الولاء والبراء وأوضح أصول الديانة وإن كان منها ما يلتحق بفروعها كما نعتقد إلي جانب ذلك أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، قول القلب التصديق والاعتقاد وقول اللسان النطق بالشهادتين وعمل القلب والجوارح يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي وقول السلف أنه عمل شامل للأصل المتضمن لأصول الإيمان وللكمال المشتمل علي فروع الإيمان ونعتقد أن التوحيد الذي هو من أصل الإيمان يكون بالقلب واللسان والعمل وأنه إذا اختل شيء من الثلاثة لم يكن المرء مسلما بلا خلاف بين أهل العلم فأهل السنة مجمعون علي أن التوحيد قول وعمل، عملي وعلمي كما في سورتي الإخلاص" والكافرون " والتوحيد شرط في صحة الإيمان بما يعني أن الإيمان في أصله قول وعمل وقد نقل الشافعي إجماع الصحابة والتابعين وسائر السلف أن الإيمان قول وعمل.... لا يجزيء واحد منها دون الآخر ونقل ابن بطة وغير واحد من السلف الإجماع علي ذلك كما أنهم يقولون أن الإيمان في فروعه قول وعمل يكمل به الإيمان ويقوي ويزيد كما أنه ينقص ويضعف ويضمر بزوال شيء من كماله. أُصول جامعة وقواعد مهمة لمفهوم الحاكمية عند أهل السنة والجماعة ونعتقد أن الحاكمية التي هي: رد الأمور لحكم الله وحده مطلقاً بجميع أنواع الحكم الشرعي الديني والكوني القدري والجزائي، من لب التوحيد وخالصه لدخولها في التوحيد بجميع أقسامه، فالحاكمية من توحيد الأسماء والصفات لان الله جل وعلا قد تسمى بالحكم العدل الديان الرحمن الحكيم العليم الخبير الملك الحق المليك الرشيد الرحيم اللطيف... الخ الذي يُشرع ويحكم ويقضي بالحق والعدل والصدق والرحمة حكماً وقضاءاً مبني علي العلم والحق والرشد والرحمة وهو أحكم الحاكمين وخير الفاصلين وأرحم الراحمين وأصدق قيلاً وأحسن حديثاً وحكماً لقوم يوقنون القائل ] ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ وقد انزل كتابه مفصل الأحكام ليُحكم به فلا حُكم إلا له ولا حكم إلا إياه ولا طاعة ولا خضوع إلا للديان الواحد لا اله إلا هو ولا رب سواه كما قال تعالى : ] أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً [] إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ [] إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ [] فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [...الخ وهي أسماء تدل على اتصافه بالحاكمية، وان حاكميته مبنية على العلم والحكمة والحق والصدق والرشد والعدل والرحمة كما تقدم] وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً [ أي صدقا في الإخبار وهي الأحكام العلمية وعدلا في الأوامر والنواهي وهي الأحكام العملية. والحاكمية صفة ذاتٍ وفعل، صفة فعل باعتبار إفرادها كما دل عليه ذيل الآية الأولى من سورة المائدة ] إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [ وهي صفة ذات باعتبار أصلها ونوعها وجنسها إذ لا ابتداء لوجودها ولا انتهاء لبقائها فهي قديمة النوع متجددة الإفراد وما كان صفة ذات وصفة فعل فهو متمكن أمكن في باب الاسمية والوصفية فلا يمتري احد بعد ذلك في أن الحاكمية من توحيد الأسماء والصفات العلمي الخبري . ولما كانت الحاكمية من الأفعال الخاصة كانت من توحيد الربوبية توحيد الأفعال الخاصة بل هي أُسُه ومحوره الذي عليه مداره كما قال تعالى ] أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [] لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [] فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [] إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ[] أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً [ وفي الحديث الصحيح (إن الله هو الحكم واليه الحكم ) وقال تعالى ] اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [ الآية وفي حديث عدى بن حاتم ( أنهم احلوا لهم وحرموا عليهم ) وناهيك بتفسير رسول الله صلى الله عليه وسلم تفسيراً ، وهذا القول هو المروى عن حذيفة وأبي البحتري والربيع بن انس وأبي العالية والسُّدي وغيرهم من السلف رحمهم الله تعالي وحكي عليه ابن حزم الإجماع في الملل والنحل قال الشنقيطي وهو معنى اتخاذهم أربابا . راجع فتاوى بن تيمية ج7/67 وفتح المجيد وغيرها ، ونص علي دخول الحاكمية في توحيد الربوبية شيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد الأمين الشنقيطى وسيد قطب والفقي وابن باز وسائر اللجنة الدائمة وبن عثيمين وغيرهم. والحاكمية على هذا منتظمة للتوحيد العلمي الخبري - الدائر بين النفي الإثبات المقابل بالتصديق أو التكذيب حيث أن التصديق إيمان والتكذيب كفر – ( توحيد الأسماء والصفات والربوبية ) كما قال تعالى ( لا يشركُ في حكمة أحدا ) وقال جل وعلا (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (الأنعام:121) ثم إن الحاكمية من التوحيد الفعلى العملي توحيد الإلوهية وذلك من عدة وجوه نذكر منها :- الوجه الأول : معنى إله مألوه اى معبود فعال بمعنى مفعول فهو المعبود الذي لا يستحق العبادة سواه و ينحل معنى العبادة إلى أمر ونهي وتحليل وتحريم وتشريع ، وطاعة وفعل وامتثال فالمعبود هو الأمر الناهي الحكم المشرع المحلل والمحرم المطاع في أمره ونهيه وتحليله وتحريمه وحكمه كما هو معروف و دلائل ذلك ظاهرة لدى طلاب العلم . كما قال تعالى ] اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ [] اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ [ قال ابن القيم رحمه الله : فأمر بإتباع المنزل منه خاصة ، واعلم أن من اتبع غيره فقد اتبع من دونه أولياء وقال تعالي (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) كما قال تعالي ] اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً [ قال الإمام ابن كثير ج2/249 ( ولهذا قال تعالي ] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً [ أي الذي إذا حرم الشئ فهو الحرام وما حلله فهو الحلال وما شرعه أُُتّبع وما حكم به نُفّذ لا اله إلا هو سبحانه عما يشركون ) ] وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [ فبحكم ربوبيته يشرع ويحكم ويحلل ويحرم ويأمر وينهي وحده ، وبحكم إلوهيته يطاع طاعة مطلقة بحيث تكون الطاعات كلها تبعا له وبحكم عبوديتنا له نفرده بالربوبية والإلهية ونتخذه ولياً وحكماً ومطاعاً ، فالحكم له وحده ورسله مبلغون فأمرهم من أمره ونهيهم من نهيه وتحليلهم من تحليله وتحريمهم من تحريمه وحكمهم من حكمه وطاعتهم من طاعته ( ومن يطع الرسول فقد أطاع الله ) قال العلامة عبد الرحمن السعدي في القول السديد ( الرب والإله هو الذي له الحكم القدري والحكم الشرعي والحكم الجزائي وهو الذي يؤله ويعبد وحده لا شريك له ويطاع طاعة مطلقة قال فإذا أطاع العبد العلماء والأمراء على هذا الوجه وجعل طاعتهم هي الأصل وطاعة الله ورسوله تبعا لها فقد اتخذهم أرباباً من دون الله يتألههم ويحاكم إليهم ويقدم حكمهم على حكم الله ورسوله فهذا هو الكفر بعينه ... ) ويقول العلامة بن حزم رحمه الله في الملل والنحل ج2/266 عند قوله تعالى ] اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ [ الآية ( ولما كان اليهود والنصارى يحرمون ما حرم أحبارهم ورهبانهم ويحلون ما احلوا ، كانت هذه ربوبية صحيحة وعبادة صحيحة قد دانوا بها وسمى الله تعالى هذا العمل اتخاذ أرباب من دون الله عبادة وهذا هو الشرك بلا خلاف ) آه ولما كان معنى الإله هو الآمر والناهي المحلل والمحرم والمشرع والمطاع في أمره ونهيه وتحليله وتحريمه وتشريعه كان دخول الحاكمية و استيعابه لهذا المعنى اظهر من شمس النهار ومن هنا قال الإمام ابن القيم رحمه الله في تعريف توحيد الالوهيه في النونية والآمر والنهي الذي هو دينه **** جزاؤه يوم المعاد الثاني وهي ترجمة لقوله تعالي ] إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [ الآية ، ولما كانت الحاكمية من توحيد الربوبية والربوبية ضمن توحيد الالوهية فهي – إي الحاكمية – من توحيد الالوهية . الوجه الثاني : لدخول الحاكمية في توحيد الإلوهية دخولها في مفرادات توحيد الإلوهية قال فضيلة الشيخ أبو بكر الجزائري في رسائله في رسالة هل المسلمون اليوم مسلمون حقا وهو يتكلم عن معنى إفراد الله بالعبادة من خلال معنى لا اله إلا الله وذكر من ذلك الركوع والسجود والدعاء والذبح والنذر والحكم والتحكيم والطاعة والتسليم ) والنقول كثيرة . وما كان من إفراد توحيد الالوهيه فهو من توحيد الإلوهية إلى غيرها من الوجوه. وبهذه البرهنة يثبت ثبوتا قطعيا أن الحاكمية من التوحيد في أقسامه كلها العلمية الخبرية والعملية الطلبية ، وما كان كذلك فهو من صميم دعوة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم التي ينبغي أن تعمق وتجذر في العقول والقلوب وتنفعل معها النفوس وتتحرك لها الأركان وتختلط بالدم واللحم والعظم والجسد وتتربي عليها الأجيال وتصاغ عليها الحياة وتنعكس في الواقع وتغير مجري التاريخ وتكون هي المهيمنة علي الأرض جميعها والكون قاطبة ويسير الخلق كلهم في الاتجاه القاصد إلي الله تعالي كما قال تعالي : ] صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [ (البقرة:138) ] وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [ (النحل:36) ] فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [ (البقرة:256) ] فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدىً مُسْتَقِيمٍ [ (الحج:67) ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [ (يوسف:108). وكذلك من المقررات الشرعية التي ينبغي أن تُعلم وتبرز وتتركز أن الحاكمية من صميم العقيدة لدخولها في التوحيد الذي هو أشرف أبواب العقيدة ، ولدخولها في قواطع الإسلام وأصوله العلمية والعملية العقدية ، كما أن الحاكمية من أصل الإيمان وموجباته لدخول التوحيد والعقيدة في أصل الإيمان ، إذ التوحيد شرط في صحة الإيمان ، والعقيدة تتناول الأركان العلمية الإيمانية الستة والأركان العملية. وهل أصل الإيمان وموجباته إلا اسم جامع لأركان الإيمان العلمية والعملية وشروط صحته ولو لم يكن في ذلك إلا قول الله عز وجل ] فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً []فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ ...[ الآية ] فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [ لكفي في التدليل علي دخول الحاكمية في أصل الإيمان ، والشرع إذا علق حكما بشرط فانه ينتفي بانتفائه انتفاء الملزوم بانتفاء لازمه راجع أعلام الموقعين ج1 / 0 وكتاب الإيمان لابن تيمية ج 7 / ص 150 ويقول شيخ الإسلام أيضاً رحمه الله : ( فهذا موضع عظيم جداً ينبغي معرفته لما قد لبس علي طوائف من الناس أصل الإسلام حتي صاروا يدخلون في أمور عظيمة هي شرك ينافي الإسلام لا يحسبونها شركاً ، وأدخلوا في التوحيد والإسلام أموراً باطلة ظنوها من التوحيد وهي تنافيه ، وأخرجوا من الإسلام والتوحيد أموراً عظيمة لم يظنوها من التوحيد وهي أصله ) وما كان من أصل الدين والتوحيد والعقيدة فهو من القطعيات المعلومة من الدين بالاضطرار . وهي من أصرح منطوق الشهادتين وأوضح مدلولاتها كما قد وضح من دخولها في التوحيد ومن خلال معنى الإله من كونه أمرا ناهيا حكما مشرعا مطاعا في أمره ونهيه وتحليله وتحريمه وتشريعه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ( ففعل جميع المأمورات وترك جميع المحظورات يدخل في قول لا اله إلا الله ) ولهذا كان امتناع أي طائفة من طوائف المنعة عن فعل أي واجب مجمع عليه أو ترك أي محرم مجمع عليه ( المعبر عنه بأصول أو حقوق أو حدود أو قواعد الشرع أو حقوق لا اله إلا الله ) موجب للقتال والردة بإجماع الصحابة المستند إلي نصوص القرآن والسنة . كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها...) . وفي الحديث الذي يرويه الإمام احمد أيضا بإسناد جيد أن النبي r كان يقول أيها الناس قولوا لا اله ألا الله تفلحوا تملكوا بها العرب وتدين لكم بها العجم ). ودخولها في شطر الشهادة الثاني من اظهر ما يكون حيث أنها تعنى تصديقه فيما اخبر وطاعته فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر والنقول في هذا عن أهل العلم كثيرة. وما أحسن ما قاله أحد الدعاة الإسلاميين لو علم الحكام معني لا أله إلا الله لمنعوا الآذان من مكبرات الصوت. ولما كانت الحاكمية من خالص التوحيد ولب العقيدة وصميم أصل الدين والإيمان والعقيدة وصريح منطوق الشهادتين ومدلولها كان دخولها في معاقد الولاء والبراء دخولا أولياً لا ريب فيه كما قال تعالي ] اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ [ وقال ] وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [ وقال ] مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً [] قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ [ الآية يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ( كل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله فهي دوله جاهلية كافرة ظالمة فاسقة يجب علي أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله ويحرم عليهم مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده وتحكم شريعته كما قال الله عز وجل ] قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [ يقول العلامة محمد بن سليمان التميمي رحمه الله تعالي ( الله الله يا إخواني ، تمسكوا بأصل دينكم وأوله وأخره ورأسه شهادة أن لا اله إلا الله ، واعرفوا معناها وأحبوها وأحبوا أهلها واجعلوهم إخوانكم ولو كانوا بعيدين ، واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوا من أحبهم أو جادل عنهم أو لم يكفرهم أو قال ماعليّ منهم أو قال ما كلفني الله بهم فقد كذب هذا علي الله وافتري ، فقد كلفه الله تعالي بهم وافترض عليه الكفر بهم والبراءة منهم ولو كانوا إخوانهم وأولادهم ، فالله الله تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئاً اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين )آه الجامع الفريد 62 .فهذه أبعاد الحاكمية التعريفية التوحيدية والعقدية الإيمانية المتعلقة بمدلول الشهادتين ومعاقد الولاء والبراء التي تؤكد أن الحاكمية من أصول الديانة . فالحكم بشرع الله وحده والكفر بالطاغوت من أصل الإيمان ،والحكم بالقوانين والأوضاع والنظم الوضعية المخالفة للشرع من أصل الكفر، وذلك ما يسمى بالحكم بالتشريع المبدل العام وكذا الحكم الجزئي الطارئ في قضايا الأعيان إذا اقترن به جحود وإنكار أو رد أو استحلال أو تجويز أو تخيير أو اعتقاد مثلية أو تفضيل أو استخفاف أو إهانة أو احتقار وازدراء أو امتناع عن الحكم عما هو شرط في صحة الإيمان كالامتناع عن اعتقاد ما لا بد من اعتقاده أو غلب علي الحاكم حكمه في قضايا الأعيان بالحكم بالتشريع العام المبدل فضلاً من أن يعم حكمه جميع أفراد القضية المعينة أو في إي حكم من الأحكام فالحكم في قضايا الأعيان في هذه الحالة من الأمور الأصولية العقدية . أما الحكم الجزئي الطارئ بغير ما انزل الله في قضايا الأعيان من الملتزم للإسلام وشرائعه إذا تجرد من القرائن الكفرية المذكورة ونحوها سواء كان محاباة للمحكوم له أو انتقاما من المحكوم عليه فهو كفر دون كفر وهي قضية فرعية – وان كان في هذه الحالة من قسمي القضية المعينة نزاع فقهي فرعي كما ذكره الطبري وغيره ، أو اختلاف تنوع في تنزيل الحكم لاختلاف الصورة والواقع يجعل ما كان غير ناقل عن الملة في الواقعة من فروع الكفر لا من أصله وهو في الحالين نزاع فرعي إلا إذا غلب على الحاكم الحكم في إفراد القضية المعينة أو صار يحكم به مضطردا في جميع جزئيات الحكم العام . والقاعدة المعروفة (الحكم للغالب) قال في قرة عيون الموحدين ( وهذا كفر إذا استقر وغلب علي من تصدى لذلك ممن يرجع الناس إليه إذا اختلفوا ) 75 فهذا ضابط التفريق بين الحكم بالتشريع العام والجزئ الطارئ ، و قد نص علي ذلك أهل العلم فانظر إلى ذلك التفريق في منهاج السنة النبوية ج5 /131/132 وفتاوى ابن تيمية ج5/388 مثلا و شرح الطحاوية بتعاليق العلماء في موضعين صـ190وصـ258 وأبن القيم في أعلام الموقعين والنونية و في كتاب الصلاة و المدارج و كذا العلامة محمد بن إبراهيم في فتاويه ج12/80 و ج6/189 و تعليق الشيخ الفوزان عليه من الله حُسن الجزاء في كتابه عقيدة التوحيد ص 122وكذا ابن عثيمين رحمه الله تعالي وذكر ذلك في فتاويه ج2/145 و شرح رياض الصالحين ج1/459 . و ظاهر نصوص الحاكمية أنها في الحكم بالتشريع العام، يحقق ذلك ما جاء مضمنا في أسباب النزول المبين أن كل من شرّع تشريعاً مخالفاً لشرع الله أو حكم بالتشريع المبدل العام هو من الكافرين، كما هو ظاهر النص و حقيقة الكفر في الشرع هو الناقل من الملة وعليه يحمل ظاهر النصوص ، يؤيد ذلك الإجماع الذي نقله القرطبي في بقاء النصوص على ظاهرها، وأن ذلك قاطع، ما لم يأت صارف ،و قد دل الإجماع على عدم الصارف، و بقاء النصوص على ظاهرها، و هاك بعض حكايات الإجماع من كتب أهل العلم قال شيخ الإسلام ج3/267 والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء ) يقول الإمام أبو محمد بن حزم منجنيق الغرب وفخر الأندلس رحمه الله تعالى في مراتب الإجماع 5( اتفقوا انه مذ مات النبي r فقد انقطع الوحي وكمل الدين ، وانه لا يحل لأحد أن يزيد شيئا من رأيه بغير استدلال منه ، ولا أن ينقص منه شيئا ، ولا أن يبدل شيئا ، مكان شئ ولا أن يحدث شريعة وان من فعل ذلك فهو كافر ) وقال في الشرع المبدل العام في الملل والنحل ج 3/266 ( لما كان اليهود والنصارى يُحرمون ما حرم أحبارهم ورهبانهم ويُحلون ما احلوا كانت هذه ربوبية صحيحة قد دانوا بها وسمى الله تعالى هذا العمل اتخاذ أرباب من دون الله وعبادة وهذا هو الشرك بلا خلاف ) ونقل الإمام ابن كثير رحمة الله في البداية والنهاية ج 13/127 (من ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء والمرسلين وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة فقد كفر فكيف بمن تحاكم إلى الياسق وقدمها عليه لاشك أن هذا يكفر بإجماع المسلمين قال تعالى ] )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ..[ الآية وقال سبحانه ] أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ...[ الآية وهو كقوله في التفسير ( فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم بسواه في قليل أو كثير ) وفي الجامع الفريد نقل الشيخ محمد بن سليمان رحمة الله عليه 31 ( أن بني عبيد القداح الذين ملكوا مصر والشام والمغرب في عهد بني العباس - علي رأس المائة الثالثة - لما اظهروا مخالفة الشريعة في أشياء ... اجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما في أيديهم من بلدان المسلمين ) ونقل أيضاً في مختصر السيرة 3 عن التتار بعد إسلامهم أن العلماء قد حكموا بكفرهم وقتالهم وغزوهم حتى أزالهم الله عن بلدان المسلمين، ونقل شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى (أيّما طائفة من طوائف المنعة امتنعت عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهر من الواجبات أو المحرمات – المجمع عليها – أنها تقاتل عليها إذا قاتلت – وان كانت مقرة بها قتال كفر و ردة وخروج عن الإسلام وذلك باتفاق الصحابة رضي الله عنهم المستند إلى نصوص القران والسنة ) الفتاوى ج 28/506-519 والجامع الفريد 298-301 يشير إلي ما وقع في عهد الصديق رضي الله عنه لما امتنع بنو يربوع من بني حنيفة عن أداء الزكاة مع إقرارهم بوجوبها ، وصارت قاعدة متفق عليها في طوائف المنعة إذا امتنعوا عن أي شريعة من حقوق الإسلام الظاهرة، وكذلك اجمعوا على كفر الأوضاع الحالية التي تحكم بالنظم والقوانين الوضعية كما تقدم نقل الإجماع في ذلك عن الشنقيطي بأنها شرك اكبر مخرج عن الملة بإجماع المسلمين وقد نقل الشيخ محمود شاكر أيضاً اتفاق أهل القبلة على ذلك في توصيفه واقع الأمة التي ترزح تحت حكم القوانين الوضعية في الأموال والأعراض والدماء وإلزام أهل الإسلام بالاحتكام إليه قائلاً ( فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى . وهذا كفر لا يشك احد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه ) عمدة التفسير على بن كثير ج4/156/157 ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالي ( وقتال هذا الضرب واجب بإجماع المسلمين )، هذا ومن المعلوم أن النص الذي يدل على حقيقة ومقصد معين يتناول في دلالاته الوسائل والأسباب المؤدية إلى ما قصد منه وتأخذ تلك الوسائل والذرائع المفضية إلى مقصده وحقيقته حكم ذاك المقصد إلا أن الوسائل لا تبلغ رتبة المقاصد كما تقرر في القاعدة المتفق عليها ( للوسائل والذرائع ما للمقاصد من أحكام إلا أنها اخفض منها رتبة) راجع على سبيل المثال تنقيح الفصول للقرافي والاعتصام للشاطبي والقول السديد للسعدي ص 56 فوسائل الواجب واجبة لكنها دون واجب ووسائل المندوب مندوبة ولكنها دونها من الندب وذرائع الحرام محرمة ولكنها دونها في الرتبة وذرائع الشرك شرك ولكنها دون شرك وذرائع الكفر كفر ولكنها دون كفر وذرائع الزنا زنا ولكنها دون زنا الفرج فثبت بالإجماع بقاء ظواهر النصوص القرآنية الوارد في كفر محكمي القوانين ، المؤيدة بأسباب النزول وأنها تتناول الوسائل والذرائع المفضية إلي مقاصدها وحقائقها تناولا متفاوتا بحسب الحاكم والحكم كما تقدم وقد ضل في تفسيرها بعض الضالين فمنهم من أجراها علي ظاهرها في غير مناطها - الذي يشهد له أسباب النزول وهو الحكم العام - فأجروها فيمن وقع في وسائل وذرائع الحكم من أصحاب الحكم الجزئي الطارئ وفي كل من عصي الله تعالي كالخوارج ، ومنهم من أخرجها عن ظاهرها في مناطها وهو التشريع والحكم العام ، وهم المرجئة ، وهدى الله أهل السنة للمنهج الحق - كما تقدم - عن أهل العلم وهو منهج أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم الذين هم اعلم الناس بمسائل الكفر والإيمان والأحكام وهو سبيل الأمة الوسط كما أشار إليه الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الصلاة يقول الشاذلي : ( إن الخوارج أجروها علي ظاهرها في غير مناطها والمرجئة أولوها في مناطها والصحيح : إن الآية تجري علي ظواهرها في مناطها وتأول في غير مناطها) بخلاف استدلال الخوارج والمرجئة بهذه الآية والذي يعتبر ضرب من المتشابه. أما ذكر مناطات الوعيد المتعلق بالحاكمية فهو مما لايتسع له هذا الموجز وله موضع آخر إن شاء الله .ومن المعاني والمفاهيم التحى عدت عليها العوادي ووقع فيها التلبيس والتخليط الارجائى – والإرجاء من أكبر عوائق الإنطلاق في مسيرة أهل السنة -حتى غدت مسخا مشوها يحتاج إلى تصحيح وإيضاح مفاهيم كثيرة منها مفهوم أولى الأمر . مفهوم أولي الأمر: تقدم أن حركة أهل السنة لإصلاح المجتمع تفرز وتبرز بصورة تلقائية أمرين هما مجتمع مسلم وقادة صلحاء مصلحين يسمون بأهل الحل والعقد هم الذين يختارون الإمام أو أمير المسلمين وفق شروط وأسس محددة مذكورة في كتب الأحكام السلطانية وتنعقد للأمير الإمامة ببيعتهم له على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله r وعليه القيام بذلك و أن يختار من بينهم من يعينونه على أداء مهمته من الولاة والوزراء والقضاة وغيرهم من أولي الأمر وعلى الرعية وعلى رأسهم أهل الحل والعقد طاعته في غير معصية الله إن أقام الشرع المنزل ومناصحته وتقويمه إن حاد عن جادة الشرع وعزله إذا أتى بما هو كفر بواح . وأولوا الأمر هم ذووه وأصحابه والولاية تنقسم إلي قسمين : ولاية شرعية وولاية طاغوتية كما سيأتي إن شاء الله تعالى والولاية الشرعية قد تكون برة راشدة وقال شيخ الإسلام ابن تيمية كما إن الصالحين أرباب السياسة الكاملة ، هم الذين قاموا بالواجبات وتركوا المحرمات، وهم الذين يعطون ما يصلح الدين بعطائه ، ولا يأخذون إلا ما أبيح لهم ويغضبون لربهم إذا انتهكت محارمه ، ويعفون عن حقوقهم ، وهذه أخلاق رسول الله r في بذله ودفعه وهي أكمل الأمور ) .أه ففي صحيح الحديث عنهr ( من أمركم من الولاة بمعصية الله فلا تطيعوه ) يقول خليفة رسول الله r أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبته في سقيفة بني ساعدة ( أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فيكم فان عصيت فلا طاعة لي عليكم.. ). ويقول حينما امتنع بعض الناس عن أداء الزكاة (أينقص الدين وأنا حي ).روي الحافظ أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال بسنده إلي مصعب بن سعد بن أبي وقاص رحمه الله قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه كلمات أصاب فيهن الحق قال ( يحق علي الإمام – أي يجب – أن يحكم بما انزل الله وان يؤدي الأمانة فان فعل ذلك فحقٌ علي الناس –أي يجب عليهم - أن يسمعوا له ويطيعوا ويجيبوه إذا دعا ) قال محققه محمد خليل هرّاس ( فهذا واجب الإمام فان فعله وجب أن تطيع له الرعية وتسمع ) قال الشوكاني في السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار :ج4/507 (المقصود من نصب الأئمة هو تنفيذ أحكام الله عز وجل وجهاد أعداء الإسلام وحفظ البيضة الإسلامية – أي المجتمع المسلم - ودفع من أرادها بمكر والأخذ علي يد الظالم وإنصاف المظلوم واخذ الحقوق الواجبة علي ما اقتضاه الشرع ووضعها في مواضعها الشرعية فمن بايعه المسلمون و قام بهذه الأمور فقد تحمل أعباء الإمامة ومن قام بتلك الأمور ونهض بها فهو المراد من الإمامة والمراد من الإمام ) ج28/24/42/66 وقد تكون جائرة فاجرة يقع الإخلال فيها لفسق ولاتها أو وقوع الحكم الجزئي الطارئ منهم يقول : علي بن أبي طالب t ( لابد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة فقيل يا أمير المؤمنين ، هذه البرة قد عرفناها ، فما بال الفاجرة ؟ فقال يُقام بها الحدود وتأمن بها السبل ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيء ) أ ه ومن هنا تعلم أن الولاية الشرعية تتناول الراشدة البرة ، والفاجرة الجائرة لأن الجميع ملتزمون بأحكام الله تعالي .وفي الخروج على أئمة الجور والفجور خلاف بين أهل السنة معلوم فجمهورالمتقدمين يجيز الإنكار والخروج بالسيف عليهم وهو الذي ذهب إليه أبو حنيفة ومالك وداوود والشافعي في القديم كما حكاه عنه الزَّبيدي في شرح الإحياء وهو احد أقوال الإمام احمد ذكره إبن أبي يعلي في اعتقاد احمد في ذيل طبقات الحنابلة وغيرهم رحمهم الله تعالى أجمعين مستدلين بأدلة من الكتاب والسنة (راجع على سبيل المثال : الفصل في الملل والأهواء والنحل ، وكذا مراتب الإجماع لابن حزم ، وفتح الباري ، وشرح مسلم للنووي ) ، ومنهم من لا يري السيف وهو الصحيح إلا انه لم يُضلل فريق منهم الآخر لأن المسألة فرعية . أما إذا وصل الإخلال إلي إسقاط شيءٍ من الواجبات آو فعل محرم من المحرمات بصورة كليةً عامة فهذا هو الكفر البواح الذي أجمع أهل العلم عليه، واجمعوا علي عزل ولاته فان امتنعوا وجب قتالهم بإجماع المسلمين} وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ { (البقرة:193) كما تقدم نقل الأدلة والإجماع على كفر وقتال أصحاب هذه الولاية الطاغوتية في المبحث السابق . يقول الإمام الشوكانى في السيل الجرار : ج4/297 (فان الإمام لا يأمر إلا بما قضي به الشرع فان خالفه أو اسقط ما أوجبه فليس بإمام بل هو ضال مضل ) وأهل هذه الولاية الطاغوتية ليسوا من أولي الأمر المذكورين في آية النساء ] وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [، يقول الشوكاني رحمه الله تعالي عن أصحاب هذه الولاية الطاغوتية ممن يحكمون بالقوانين والأحكام الطاغوتية التي تحكم بها البلاد الخارجة عن أوامر الدولة الإسلامية إذ ذاك قال ( ولا شك ولا ريب أن هذا كفر بالله سبحانه وتعالي وبشريعته التي أمر بها علي لسان رسوله وأختارها لعباده في كتابه وعلي لسان رسوله بل كفروا بجميع الشرائع من عند آدم عليه السلام وإلي الآن . وهؤلاء جهادهم واجب وقتالهم متعين حتي يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها ويحكموا بينهم بالشريعة المطهرة ويخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية ، ومع هذا فهم مصرون علي أمور غير الحكم بالطاغوت والتحاكم إليه وكل واحد منها علي انفراده يوجب كفر فاعله وخروجه من الإسلام ثم ذكر تلك الأشياء والأسباب الموجبة للكفر السالبة للإيمان التي يتعين علي كل فرد من أفراد المسلمين إنكارها ويجب علي كل قادر أن يقاتل أهلها حتي يعودوا إلي دين الإسلام ثم أخذ يحرض علي قتالهم بالنصوص الدالة علي ذلك وراجع رسالة الدواء العاجل في دفع العدو الصائل من الرسائل السلفية للشوكاني 4/35 قال تعالى : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ { (النساء:59) قال الشوكانى في فتح القدير ج1/607 : [ امرالله سبحانه القضاة والولاة إذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالحق والعدل وأمر الناس بطاعتهم هاهنا ، وطاعة الله عز وجل وهى امتثال أوامره واجتناب نواهيه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم هي فيما أمر به ونهى عنه. وأولى الأمر هم الأئمة والسلاطين والقضاة وكل من كانت له ولاية شرعية لا ولاية طاغوتية ] اهـ ، مع قوله " وهولاء جهادهم واجب وقتالهم متعين " وقد حكي علي ذلك شيخ الإسلام الإجماع مما يدل علي أن الوصف بالخارجية يرجع إلي اعتقاد ومبادي الخوارج لا لمجرد الخروج وإلا فهناك خروج مشروع واجب ثابت بالنص والإجماع وهناك خروج مختلف فيه اختلافاً فرعياً بين أهل السنة لا يُبدع ولا يُضلل فيه المخالف كما أن هناك تكفير مجمع عليه وهناك تكفير فقهي مختلف فيه بينهم بخلاف التكفير ألبدعي الذي تمارسه طوائف الضلال وكذا الخروج ألبدعي . والمتغلب عند أهل السنة لا يُخرج عليه بخلاف المتغلب من الخوارج فلينتبه طالب الحق لهذه الفروق حتى لايرمي برئياً في عقيدته ودينه ولا يخلط بين الحق والباطل والهدي والضلال لان التكفير والخروج ألبدعي وعدم التكفير والخروج الشرعي أمران قد عظمت بهما الفتنة وقد بسط القول في مفهوم أولى الأمر وما يتعلق به في مواطن أخري فلتراجع . نعتقد إلي جانب ذلك أن الكفر بالطاغوت واجتنابه شرط في صحة الإيمان والطاغوت فعلوت كرهبوت من الطغيان وهو كما قال العلامة بن القيم رحمة الله تعالي ( كل من تجاوز حده من متبوع أو معبود أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله تعالي أو يتبعونه علي غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون انه طاعة لله فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم انتقل من عبادة الله إلي عبادة الطاغوت ومن التحاكم إلي الله ورسوله إلي التحاكم إلي الطاغوت) ويدخل فيها كل ما يصرف الناس عن دين الله وإتباع الأهواء كالقوانين الوضعية والتشريعات والنظم الجاهلية فالقانون طاغوت وزناً ومعني والحاكم به طاغوت ومشرعه أولي بالدخول في معناه والمطاع في إتباع غير الهدي ودين الحق سواء كان مقبولاً خبره المخالف لكتاب الله أو مطاعا أمره المخالف لأمر الله فهو طاغوت يقول الشيخ محمد حامد الفقي رحمه الله في حاشيته علي فتح المجيد 65 تعليقا علي أقوال العلماء في الطاغوت : ( الذي يستخلص من كلام السلف رضي الله عنهم إن الطاغوت كل ما يصرف العبد ويصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله . سواءاً في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الإنس والأشجار والأحجار وغيرها ، ويدخل في ذلك بلا شك الحكم بالقوانين الاجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال وليبطل بها شرائع الله ، من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها ، والقوانين نفسها طواغيت وواضعوها ومروجوها طواغيت . وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلي الله عليه وسلم إما قصداً أو عن غير قصدٍ من واضعه فهو طاغوت ) اهـ . أما صفة الكفر بالطاغوت كما قال صاحب كتاب الطاغوت ، وكذا الجامع الفريد: تكون باعتقاد بطلان الأحكام العلمية و العملية الطاغوتية ومن يحكم بها ، وعبادة غير الله أياً كانت ، بل العابدين ، وبتكفيرهم ودون تحرج في وصفهم بالكفر والكفر بهم والبراءة ] قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [ ، وكذا بمعاداتهم وبغضهم كما في آية الممتحنة السابقة ، يقول العلامة حمد بن عتيق في كتاب سبيل النجاة والفكاك في التعليق علي ذات الآية ( وهاهنا نكتة بديعة وهي أن الله قدم البراءة من العابدين علي البراءة من المعبودات من دون الله لان الأول اهمم من الثاني فكم ممن من يتبرأ من المعبودات ولا يتبرأ من العابدين فلا يكون آتيا بالواجب عليه ولان التبرؤ من العابدين تبرؤ من المعبودات ، وتأمل تقديم العداوة علي البغضاء فان الإنسان قد يبغض المشركين ولا يعاديهم فلا يكون آتيا بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء ، ولابد من أن تكون العداوة و البغضاء باديتين ظاهرتين بينتين . وأعلم انه وان كانت البغضاء متعلقة بالقلب فإنها لا تنفع حتى تظهر آثارها و تتبين علامتها ولا تكون كذلك حتى تقترن بالعداوة و المقاطعة ، فحينئذ تكون العداوة و البغضاء ظاهرتين ، أما إذا وجدت الموالاة و المواصلة _والصداقة والمودة _ فان ذلك يدل علي عدم البغضاء فعليك بتأمل هذا الموضع فانه يجلو عليك شبهات كثيرة وقال وهنا نكتة أخرى وهي أن اعتزال أعداء الله يفتح لك عبد الله بابا إلي عداوة أعداء الله ، فكم من إنسان لا يقع منه الشرك ولكنه لا يعادي أهله فلا يكون مسلما بذلك إذا ترك دين جميع المرسلين .) وكما يكون الكفر بالطواغيت باعتزالهم واجتنابهم يكون بعدم الركون إليهم قال تعالي :} وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ { (مريم:48) } فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً{ (مريم:49) } وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ { (الكهف:16) } وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ{ (الزمر:17) } وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ { (النحل:36) } وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ { (هود:113) لما كان الكفر بالطاغوت والإيمان بالله من أصل الإيمان قال تعالى : } فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ (البقرة:256) فهما ركنا لا إله إلا الله والركن ما توقف المركون على وجوده ويلزم من عدمه عدمه ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم كشرط الصحة تماماً ، كما أن الكفر بالطاغوت يكون بجهادهم وقتالهم عند توفر الاستطاعة } فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ{ (التوبة:12) ويكون بالإغلاظ عليهم } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ{ (التوبة:123) } مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ { (الفتح:29) } أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً { (الكهف:102) ويكون بالتحاكم إلى الكتاب والسنة دون حرج والانقياد لهما في الظاهر والباطن ويتحقق بعدم التحالف مع المرتدين والمنافقين وسد كل الذرائع الموصلة إلى موالاتهم ، كما قال } وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا{ أي لا تميلوا ، قال الثوري : ومن لاق لهم دواة أو برأ لهم قلماً أو ناولهم قرطاساً دخل في هذا ، هذه صفة الكفر بالطاغوت والله أعلم . الجاهلية : الجاهلية مصدر من جهل يجهل فهو جاهل وأضيفت إليه الياء الشبيهة بياء النسب وتاء النقل التي تنقل الاسم الوصفي من الوصفية للاسمية فهي من الجهل الذي يعني عدم معرفة الله و جهل مقامه الأعلى وهي حالة أو نفسية تعزف عن حكم الله تعالى فحيثما وجدت كانت الجاهلية وهي إذا أطلقت انصرفت إلى الكفر , وتأتي مقيدة كما في قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلمأربع في أمتي من أمر الجاهلية....) وكما في الصحيحين في قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه (انك امرؤ فيك جاهلية ) فهي كالكفر والشرك والنفاق متفاوتة بعضها دون بعض و كما يقول العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب الصلاة : (الجهل جهلان : 1- جهل كفر كقوله ] وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [ – وكقوله ] أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ... [ كما ذكره أهل التفسير ومر بنا في أكثر من موضع وحكم الجاهلية هنا مطابق تماما لحكم الطاغوت وهو رد الأمور لما يُخالف حكم الله مما أوحاه الشيطان علي ألسنة أوليائه من البشر مبرراً بفلسفات وزخرفات شيطانية ليُجادلوا به الذين آمنوا كما قال ] وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [] وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً [] أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً [ إلي قوله ] فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ فسلبت منهم الآيات الإيمان ودمغتهم بالضلال البعيد الذي هو الكفر والظلم والفسق الناقل عن الملة وهو غاية الجاهلية والطغيان . 2- وجهل غير كفر كما في قوله تعالى ] ... يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ... [ و نحو ذلك. الدور وأحكامها: أنواع الدور كما في كتب أهل العلم: 1- دار الإسلام وهي الدار التي تحكم بأحكام الإسلام وشرائعه وان كان أكثر أهلها كفاراً , كما هو الحال في ارض الهند ونحوها حينما فتحها المسلمون , لان الدار تأخذ مسماها بحسب الأحكام التي تحكمها عند جمهور علماء المسلمين كما نقله ابن القيم في أحكام أهل الذمة وغيره رحمة الله عليهم , والأجانب فيها هم الكفار وان كانوا أقرباء المسلمين , والعقيدة هي التي تحدد الجنسية , وقد وجد في خزانة دولة بني عثمان التركية جنسيات مكتوب عليها مسلم أو كافر , ولكل حكم , ورحم الله الشيخ جمعة سهل حينما قال : أنا مسلم وعقيدتي جنسيتي ورضاء ربي منتهى اوطاري الله ربـــي لا ولاء لـغيــــره عندي وذلك منطـق الأحـــرار 2- دار الحرب وهي الدار التي تحكم بأحكام الجاهلية ولو في بعض الأحكام الكلية العامة وان كان أكثر أهلها مسلمين وهي على قسمين : أ/ دار حرب أكثر أهلها مسلمون والتي يعامل فيها المسلم بما يستحقه فلا يجوز أن يعتدي على مسلم فيها لان دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا سواء في بلد يحكم بأحكام الإسلام آو لم يكن كذلك , والمقيم بها وجبت عليه الهجرة إن كان عاجزاً عن إقامة دينه وإلا استحبت ولم تجب وإعانة المسلمين للخارجين عن شريعة الإسلام ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم لا تجوز بل يجب عليهم الامتناع عن ذلك بأي طريق أمكنهم من تغيب أو تعريض أو مصانعة , فإذا لم يمكن إلا بالهجرة تعينت ولا يحل سبهم عموما ورميهم بالنفاق بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب والسنة فيدخل فيه بعضهم , ويعامل في هذه الدار أصحاب الولاية الطاغوتية الخارجين عن شريعة الإسلام بما يستحقونه من الكفر والقتال من اجل هذا يسمي شيخ الإسلام هذه الدار بالدار المركبة لأنها ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار بل هي قسم ثالث يعامل فيها المسلم بما يستحقه والخارجون عن شريعة الإسلام بما يستحقونه . ب/ دار حرب أكثر أهلها الكفار أو كلهم لايجوز للمسلم الإقامة فيها وهو قادر على الهجرة - إلا لأغراض تغلب فيها المصلحة - والتي للعاجز فيها عن الهجرة أحكام تختلف من الذي يقيم بأرض أكثرها مسلمون ويراجع في هذا فتوى شيخ الإسلام في أرض ماردين التي أقصي منها حكم الشرع ج 28/241،240 . أصول جامعة وقواعد مهمة في الإيمان والإسلام ومسائل الوعيد والأحكام مسائل في الإيمان:- * ونعتقد في مسائل الإيمان – ما يعتقده أهل السنة والجماعة عليهم من الله الرضا والقبول – من كونه يتركب من قول وعمل واعتقاد ولا يجزي واحد من الثلاثة عن الأخر وانه يزيد بالطاعات الفروعية وينقص بالمعاصي الفروعيه ، وينتقض بزوال شي من أصله معلوم أو إتيان شي من أصل الكفر معلوم قال القحطاني في نونيته : إيمـــــــــانــنا بالله بـيـن ثلاثــة عملٍ وقـولٍ واعتقاد جنـان ويزيد بالتقوى وينقص بالردى وكلاهما في القلب يعتلجان وهذا المعني الذي حكاه القحطاني آنفا قد أجمع عليه سلف هذه الأمة أهل السنه والجماعة وحكاه عنهم غير واحد كأبي عبيد القاسم بن سلام ووكيع والشافعي واحمد واسحق والبخاري وأبو عمر الطلمنكي واللالكائي وابن عبد البر النمري والبغوي والنووي وأبو الحسن علي بن خلف بن بطال وابن تيميه وابن كثير وابن حجر وغيرهم رحمة الله عليهم عن كل من يدور عليه الإجماع . * وينعقد الإيمان بالنطق بالشهادتين والإقرار بمضمونهما بإفراد الله جل وعلا بالعبادة والكفر بما يعبد من دون ذلك وبعبارة أخرى النطق بالشهادتين مع الانقياد والإذعان لأصل الإيمان واجتناب أصل الكفر، وينتقض الإيمان بانخرام شيء من أصله أو إتيان شي من أصل الكفر مع العلم كما انه ينتقص بفعل شي من المعاصي الفروعية أو ترك شي من الطاعات الفروعية. اطلاقات الإيمان في نصوص القران والسنة : * والإيمان يطلق في الشرع علي ما في الباطن مقابل الإسلام وهو الإطلاق المتعلق باقترانهما دون انفرادهما . ويطلق الإيمان علي فعل الواجبات وترك المحرمات وهي درجة الإيمان المسمي بإيمان الإبرار المقتصدين أهل اليمين والذي ما دونه إلا إيمان الظالمين لأنفسهم أهل درجة الإسلام واصل الإيمان ويطلق الإيمان علي جميع شرائع الدين كما في حديث شعب الإيمان الذي في الصحيحين فيتناول أصل الإيمان وكماله الواجب والمستحب وهو الغالب علي إطلاقه وكما سبق ذكره عند أهل السنة والجماعة ولان الاطلاقان الآخران يدخلان في الإيمان دخول الجزء في الكل وذكره بعده من باب ذكر الجزء بعد الكل للتنبيه علي أهمية الجزء ومكانته وجلالته وعناية الشرع به من اجل هذا كان للإيمان أصل وكمال واجب ومندوب وكانت مراتبه ثلاثاً وهي : (1) أصل الإيمان (2) كمال الإيمان الواجب (3) كمال الإيمان المندوب . فالأصل جامع لأصوله الاعتقادية القولية والعملية ، والكمال وهو فروع الإيمان الجامع لكماله الواجب والمندوب. تعريف الإيمان : قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله ( الإيمان اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه - وأمر به – ) وهو مفهوم من تعريف الكفر ج15/282 وقال شيخ الاسلام أيضاً ( وهو مركب من أصل لا يتم – أي لا يصح – بدونه ، ومن واجب ينقص بفواته يستحق صاحبه العقوبة ومن مستحب يفوت بفواته اعلي الدرجة ) ج 7/637 وقال الامام احمد رحمه الله : الايمان بعضه دون بعض قال ابن القيم رحمه الله تعالي في كتاب الصلاة : ( والطاعات كلها – مع تفاوتها - من شعب الايمان وقال : فشعب الايمان يتعلق بعضها ببعض تعلق المشروط بشرطه وقد لا يكون وقال فهذه الشعب منها ما يزول الايمان بزوالها كشعبة الشهادة ومنها ما لا يزول الايمان بزوالها كشعبة اماطة الاذي من الطريق وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً منها ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون اليها اقرب ومنها ما يلحق بشعبة اماطة الاذي ويكون اليها اقرب وكذلك الكفر ... ) فراجعه فانه مهم . تعريف أصل الإيمان الواجب: هو اسم جامع لأركان الإيمان العلمية الخبرية والعملية الطلبيه وشروط صحته، وهو مالا يصح الإيمان ولا ينعقد إلا به ، ويحد حداً جامعاً أو باهم جزء منه مستلزم لباقيه بحسب المقامات قال شيخ الإسلام ج12/474 ( وإما أصل الإيمان الذي هو الإقرار بما جاءت به الرسل عن الله تصديقاً به وانقياداً له فهذا أصل الإيمان الذي من لم يات به فليس بمؤمن ) ونقل في الإيمان ج 7/209 عن الشافعي رحمه الله في كتاب الأم أنه قال ( وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن ادركناهم أن الإيمان قول وعمل ونية لا يجزي واحد من الثلاثة إلا بالآخرَين وانه يزيد وينقص ) ويقول الآجري ( بل نقول والحمد لله قولاً يوافق الكتاب والسنة وعلماء المسلمين الذين لا يستوحش من ذكرهم وقد تقدم ذكرنا لهم أن الايمان معرفة بالقلب تصديقا يقينا ، وقول باللسان وعمل بالجوارح لا يكون مؤمنا الا بهذه الثلاثة لا يجزي بعضها عن بعض ) الشريعة 146 ويقول الشيخ محمد بن سليمان التميمي رحمه الله ( لا خلاف إن التوحيد لابد إن يكون بالقلب واللسان والعمل فان اختل شئ من هذا لم يكن المرء مسلماً ) الجامع الفريد 235 والتوحيد شرط في صحة الايمان وركن من اركانه فهو من اصل الايمان ويثبت أصل الإيمان الواجب بحسب دلالات الأدلة الشرعية المنصوبة لذلك في الكتاب والسنة . * ينعقد الايمان بالنطق بالشهادتين والاقرار بمضمونها بافراد الله بالعبادة والكفر بما يعبد من دون الله او الانقياد لاصل الايمان واجتناب اصل الكفر، وينتقض الايمان بانخرام شي من اصله او اتيان شي من اصل الكفر مع العلم . اصول وقواعد عامة مهمة في معرفة اصل الايمان الواجب: هناك قواعد وأصول عامة معينه لمعرفة أصل الإيمان منها : 1- كل عمل يكفر تاركه ففعله من أصل الإيمان كقول القلب وأصول إعمال القلوب وإفراد الله بحقوقه الخاصة وبعض إعمال الجوارح كإفراد الله بالحكم وتحكيم شريعته وحدها . 2- كل عمل يكفر فاعله فتركه امتثالاً من أصل الإيمان مثل الاستهزاء بالدين ودعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله وغيرها من نواقض الإيمان القولية والعملية وذلك لان ضد أصل الإيمان أصل الكفر . ضابط ومقياس لأصل الإيمان القلبي : 3- الدافع الذي يحمل العبد على القيام بأصل الإيمان الظاهري دليل على انتظام اصول اعمال القلب في القلب فتحقق العبد وقيامه بأصول اعمال الظاهر بافراد الله بحقوقه الخاصة االتي لا تقبل الشركة وعدم صرف شئ منها لغير الله تعالى ومن ذلك ان يتخذ الله حكما بان لا يحكم حكما عاما بغير ما انزل الله وكذا ان يقيم الصلاة على اصح اقوال اهل العلم فتحققه بأصول أعمال الظاهر الداخلة فى أصل الايمان دليل علىقيام أصل الايمان القولى والعملى الباطنى فى قلبه وتخلفه يعنى تخلف اصل الايمان عنده وهكذا القول فى الكمال الباطنى (واجبه ومندوبه) افاده بعض اهل العلم والعلم عند الله . وان كانت المراتب ثلاث إلا إن الإيمان الواجب قسمان : أصل واجب وكمال واجب وكذا الكمال قسمان كمال واجب وكمال مستحب مندوب فالكمال الواجب يدور في الفلكين . تعريف فروع الإيمان: فروع الإيمان اسم جامع لكماله الواجب والمندوب . تعريف كمال الإيمان الواجب: كمال الإيمان الواجب : أسم جامع لفعل الواجبات الفروعية وترك المحرمات الفروعية بشرط بقاء الأصل . أصول وقواعد عامة مهمة في معرفة كمال الإيمان الواجب: ومن القواعد والأصول الهامة النافعة في معرفة كمال الإيمان الواجب : * إن كل عمل ورد في تركه عقاب ولم يكفر تاركه ففعله من كمال الإيمان الواجب كالصدق والأمانة وبر الوالدين والجهاد الواجب ونحو ذلك. * وكل عمل ورد في فعله وعيد ولم يكفر فاعله فتركه من كمال الإيمان الواجب كالزنا والربا والرشا والسرقة والميسر ونحوها أعاذنا الله منها . * كل ما قام الدليل علي انه واجب ليس من اصل الإيمان فهو من كماله الواجب. تعريف كمال الإيمان المندوب: كمال الإيمان المندوب : هو اسم جامع لفعل المندوبات والمستحبات وترك المكروهات بشرط بقاء الأصل والكمال الواجب . أصول وقواعد عامة مهمة في معرفة كمال الإيمان المندوب: * فعل كل ما قام الدليل علي انه مندوب أو مستحب فهو من كمال الإيمان المندوب المستحب. * ترك كل ما قام الدليل علي انه مكروه كراهة تنزيه فهو من كمال الإيمان المندوب المستحب [2] فتاوى ابن تيمية ج3 / 157 . [3] الفتاوى ج 20/163-164 . [4] الفتاوى ج3 /157/346 و ج 19/117 . [5] جامع بيان العلم وفضله ج ص [6] صحيح البخاري حديث رقم 7352 . كتاب الإعتصام ولفظه : (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر )) [7] صحيح مسلم . [8] ابن حبان . [10] فتاوى ابن تيمية ج 35 . [11] سورة الأعراف الآية 3 . [12] سورة الأعراف الآية 158 . [13] سورة النحل الآية 43 . [14] سورة النساء الآية 59 . [15] رواه السيوطي رحمه الله في الصغير ورمز له بالصحة . |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
على مذاهب أهل السنة والجماعة | أحمد المحلاوى | نور الإسلام - | 13 | 06-23-2009 05:57 PM |
عقيدة أهل السنة والجماعة | fares alsunna | نور الإسلام - | 2 | 03-13-2009 12:49 PM |
تراجم علماء اهل السنة والجماعة | مصعب المصرى | نور الإسلام - | 5 | 09-11-2008 07:28 AM |
منهج أهل السنة والجماعة في باب العقيدة | قلب فلسطين النابض | نور الإسلام - | 19 | 12-17-2007 07:26 PM |