|
نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
وجوب العمل الجماعي ذو الامارة الأصل التعرف على دين الإسلام والاجتماع عليه والدعوة إليه والقتال عليه لإقامته ونصرته وإن ذلك واجب شرعي لقوله تعالى : ] وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [1][] وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [[2]] ... وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ... [[3]] وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [[4]] شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مـَن يُنِيبُ [[5]] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [[6] ولقوله r (( وأنا آمركم بخمس : الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد )) [7] وقوله : (( من أحب منكم أن ينال بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد )) [8] وقد نظم النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجماعة كما هو واضح في بيعة العقبة حيث قسمهم النبي r إلى مجموعات وأمر على كل واحدة أميراً سماه نقيباًواخذ عليهم بيعة ففي حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : (( بايعنا رسول الله صلي الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم وفي رواية وأن نقول بالحق أينما كُنَّا لا نخاف في الله لومة لائم )) [9] وفي الحديث الصحيح (( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة . قال فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم : تعال صلِّ لنا فيقول لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة )) [10] وهذه الإمارة واجبة بالكتاب والسنة وصحيح النظر في أقل الجماعات المكونة من ثلاثة فما فوق وأقصر الاجتماعات في حال السفر تنبيهاً لما هو أكثر عدداً وأكثر استقراراً حتى يصل الأمر إلى جماعة الإمام الأعظم وسائر الولايات كما بوب بذلك صاحب منتقى الأخبار ففي الحديث الذي رواه البزار بإسناد صحيح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t بلفظ (( إذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم عليكم ذاك أمير أمره رسول الله r )) [11] وفي الحديث الصحيح (( من أطاع أميري فقد أطاعني ومن أطاعني فقد أطاع الله )) [12] وقد ساق الشوكاني حديث السفر من عدة طرق من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وابن مسعود وعمر رضي الله عنهم بأسانيد صحيحة ثم قال بعد تصحيحها ( وهذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض وفيها دليل على أنه يشرع لكل عدد بلغ ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم فإذا فعلوا ذلك ابتعدوا من الخلاف الذي يؤدي إلى التلاف وفي عدم التأمير يستبد كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون ومع التأمير يقل الإختلاف وتجتمع الكلمة وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض أو يسافرون فشرعيته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار ... أولى وأحرى ) نيل الأوطار 9/157 والتولية أمانة سواء كانت من أهل الحل والعقد وهم أفاضل القوم وعلماؤهم للأمير كما سيأتي إن شاء الله تعالي أو كانت من الأمير لأعوانه ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد [13] وفي المسند والحاكم في المستدرك عن ابن عباس مرفوعا (( من ولى من أمر المسلمين شيئاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله ثم تلى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [[14])) ولا بد من طاعة آمرٍ ناهٍ كما في الحديث الصحيح (( على المرء المسلم السمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر ..))[15] الحديث وفي التنزيل ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [[16] واجتماع طائفة من المسلمين في حال غياب الإمامة العظمى، على أمير للقيام بما استطاعوا من واجبات الدين أمر واجب لأن هناك كثيراً من الشرائع كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والجهاد لا تتم إلا بالقوة والإمارة " وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب " [17] واختيار الأمير معهود إلى أهل الحل والعقد وهم أفاضل الناس ومقدموهم كما هو مقرر عند أهل السنة ومنقول في كتب الأحكام السلطانية ،وإذا لم يصادف الناس قواماً بأمورهم يسوس الناس بشرائع الإسلام فيستحيل أن يؤمروا بالقعود عما يقتدرون عليه من الدعوة إلى ذلك ونشر العلم ودفع الفساد ، فإنهم لو تقاعدوا عن الممكن عم الفساد البلاد والعباد [18] ) غياث الأمم في التباس الظلم الجويني . فنجتمع على ما دلت عليه لفظة كلمة الجماعة من الاعتصام بما كان عليه النبي r وأصحابه وأهل العلم والإتباع بعد الصحابة y والأخذ بإجماعهم . إذ واجب الجماعة حفظ الدين على أصوله الصحيحة الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة الصالح ودفع ما أحدثه المحدثون . وكل من كان مطاعاً من عالم أو أمير فإنه من أولى الأمر فعلى كل واحد من هؤلاء أن يأمر بما أمر الله به ورسوله صلي الله عليه وسلم وينهى عما نهى الله عنه ورسوله صلي الله عليه وسلم وعلى كل واحد ممن عليه طاعته أن يطيعه في طاعة الله ولا يطيعه في معصية الله والواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة نتقرب بها إلى الله وأن ذلك من أوجب الواجبات وأفضل القربات [19] مختصراً من فتاوى ابن تيمية ج28 وقد دلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف هذه الأمة أن ولي الأمر وإمام الصلاة والحاكم وأمير الحرب وعامل الصدقة يطاع في مواضع الاجتهاد وليس عليه أن يطيع اتباعه في موارد الاجتهاد بل عليهم طاعته في ذلك وترك رأيهم لرأيه فإن مصلحة الجماعة والائتلاف ومفسدة الفرقة والاختلاف أعظم من المسائل الجزئية [20] ) شرح الطحاوية . وبناء على ما تقدم من نقل فينبغي أن ينظر للأمير من كونه قائداً ومتبوعاً غير تابع وأنه أرفع مرتبة وصلاحية وسلطاناً من أهل الحل والعقد الذين هم أرفع مرتبة من سائر الرعية والأتباع بعكس ما تقرره الديمقراطية في دينها ونظامها الباطل فهذا أصل عظيم نافع يجب العمل والاعتناء به ، فإنه مزيل للالتباس واختلاط الحق بالباطل والله المستعان . الشورى و مكانتها وأهميتها : الشورى قيمة إسلامية رفيعة من عزائم الأحكام ومحاسن دين الإسلام وأخلاق أهله وسمات نظامه بل هي سنة ماضية فيمن سلف ومن أهل العلم من قال بوجوبها فقد نقل القرطبي [21] عن ابن خويز منداد رحمهم الله تعالي قوله : واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وفيما أشكل عليهم من أمور الدين ووجوه الجيش المتعلقة بالحرب ووجوه الناس المتعلقة بالمصالح ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها ، ومنهم من قال بندبيتها واستحبابها قال الشافعي رحمه الله تعالي في قوله تعالى : ] وَشَـاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [ هو كقوله (( والبكر تستأمر )) تطييباً لقلبها لأنه أوجب ، ومعلوم أن في المشاورة تطييباً للنفوس وتقديراً للمشاورين وإكراماً لهم واستخراجاً لوجه الرأي وتعرفاً لمصلحة يختص بعلمها بعضهم دون بعض ، ويشاور في كل شأن من الشئون أهل الاختصاص والرأي والخبرة والتجربة من العقلاء والأمناء الذين يخشون الله ويتقونه في ما يحزب عليهم من أمر عدوٍّ ونحوها من النوازل التي تنزل بهم وذلك أن الشورى في الأمور المباحة والمسائل الإجتهادية التي ليس فيها نص من كتاب أو سنه أو إجماع لتقليب أوجه المصلحة فإذا وضح الكتاب والسنة لا نتعداه إلى غيره.كما قال تعالى : ] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا [[22] واقتداء برسول الله r ففي حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r : (( ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه )) قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى [23](وكانت الأئمة بعد النبي r يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها)[24]والاستشارة تتطلب بذل النصح و توخى الأمانة من المستشار كما ورد في سنن أبي داود [25] عن أبي هريرة t قال : (( قال : رسول الله r المستشار مؤتمن )) قال الثوري رحمه الله : ليكن أهل مشورتك أهل التقوى والأمانة ومن يخشى الله تعالى يقول ابن جرير الطبري رحمه الله في كلام مفاده [26] : إنه ما من قوم يتشاورون مستنين بفعله - r - في ذلك على تصادق وتَأَخٍ للحق وإرادة جميعهم للصواب من غير ميل إلى هوى ولا حيد عن هدى فالله مسددهم وموفقهم ) فإذا استعرض الأمير آراء أصحابه في المسائل المباحة والإجتهادية واختار من بينها ما يراه حقاً وصواباً أو مصلحة فيعزم على إنفاذه غير متقيد برأي فريق معين ولا برأي عدد محدد ولا برأي أكثرية ولا برأي أقلية فإذا عزم توكل على الله وأنفذ العزم على ما أرتأه لأن الغاية من الشورى تمحيص الآرآء و استخراج الأنفع و الأصلح للناس فينبغى عليهم النزول عند قوله واختياره الذي يستخلصه ويعزم عليه متوكلاً علي الله تعالي فضلا عن أمره و قراره - فيما لا معصية فيه لله تعالى - و قد تقدم في قول ابن أبي العز رحمه الله تعالي في شرح الطحاوية انعقاد الإجماع بأن الأمير يطاع في مواضع الإجتهاد وليس عليه أن يطيع أتباعه في ذلك بل عليهم طاعته وترك رأيهم لرأيه بما يفيد أن رأيه و إختياره يرفع الخلاف الذي يؤدى للتلاف و عدم الائتلاف وحتى لا يستبد كل واحد برأيه ويفعل ما يطابق هواه فيهلكون و بطاعته يرتفع الخلاف و الشقاق و تجتمع الكلمة و كل ذلك فيما لا نص فيه و لا إجماع و في المسائل المشتركة فإن مصلحة الجماعة والائتلاف ومفسدة الفرقة والاختلاف أعظم من المسائل الجزئية ومن أجل هذا نُصب الأمير و أقيم , و قد دل على هذا الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة ، وقد مضى هذا المعنى عن الشوكاني رحمه الله تعالى وغيره , فهذه هي الحكمة و الغاية المبتغاة من التأمير و التي لا تتحقق إلا بطاعة الأمير – و الأحكام تدور مع عللها نفيا و إثباتا - فإذا لم تقع وقعت مخالفة النصوص و الإجماع و بطلت العلة و ذهبت الغاية و الحكمة المرجوة من التأمير و أصبح أمرا لا قيمة له و لاجدوى . يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره [27] : ( والشورى مبنية على اختلاف الآراء والمستشير ينظر في ذلك الخلاف وينظر أقربها قولاً إلى الكتاب والسنة إن أمكنه فإذا أرشده الله تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكلاً عليه إذ هذه غاية الاجتهاد المطلوب وبهذا أمر الله تعالى نبيه عليه السلام إذا عزم على أمر أن يمضي فيه ويتوكل على الله لا على مشاورتهم ، والعزم هو الأمر المُرَوَّى المنقح وليس ركوب الرأي دون روية عزماً ... ) أهـ . حكم التعاقد والتعاهد والشروط بين المسلمين على العمل بأمر الله ورسوله : يجوز التعاقد والتعاهد والاشتراط بين المسلمين على العمل بما أمر الله به ورسوله r ووجوب الوفاء بذلك فإذا اجتمعت طائفة من المسلمين لإقامة دين الله تعالى ، فلهم أن يتعاقدوا على ما استطاعوا مما أمر الله به ورسوله r ، كحفظ باب من أبواب العلم أو الدعوة إليه أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الجهاد في سبيل الله ، ولهم كذلك أن يشترطوا ما شاءوا ؛ إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ؛ لأن الأصل في الشروط والعقود الجواز والإباحة ، وذلك مبني على قاعدتين : القاعدة الأولى :الأصل في العقود أن العبد لا يلزمه شيء منها إلا بإلزام الشارع له أو بإلزام نفسه به وما ألزمه الشارع به فهو مما أوجبه الله عليه ، فيجب عليه وإن لم يلتزمه وما التزمه فهو ما عاهد عليه .. وما أوجبه الله تعالي على العبد أنواع: 1- ما أوجبه الله عليه إبتداء كإيجاب الإيمان والتوحيد على كل أحد ، وفعل الواجبات وترك المحرمات . 2- ما أوجبه الله على العبد ، لأنه إلتزمه وأوجبه على نفسه ، لولا ذلك لم يوجبه ، كالوفاء بالنذر للمتسحبات وما التزمه من العقود المباحة كالبيع والنكاح ونحو ذلك – إن لم يجب . 3- ما أوجبه للأمرين معاً – ما وجب ابتداء وما وجب التزاماً – وذلك كتعاقد الناس على العمل بما أمر الله به ورسوله r . أفاده شيخ الإسلام فتاوى 39. فالعمل بما أمر الله به ورسوله r وإقامة شرائعه وإظهار دينه ، واجب من جهتين ؛ الأولى لأن الله تعالى أوجب ذلك على العبد . والأخرى في حق من ينضوي تحت لواء الطائفة العاملة لذلك ، فيجب عليه من جهة التزامه مع تلك الجماعة الوفاء بما عاهد عليه . القاعدة الأخرى : الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلا ما دلَّ الدليل على خلافه ، فالشروط المشترطة بين الناس والجماعات ، وبين الأمراء والعلماء وأتباعهم ، الأصل فيها الصحة ، ويجب الوفاء بها ، ما لم يكن الشرط مخالفاً لكتاب الله وشرطه ، فإن كان مخالفاً كان الشرط باطلاً ، وهذا معنى قوله r : (( من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط ، فقضاء الله أحق وشرطه الله أوثق )) [28] فإن قوله من اشترط شرطاً أي مشروطاً وقوله ليس في كتاب الله ، أي ليس المشروط في كتاب الله ، فليس هو مما أباحه ... أما إذا كان نفس الشرط والمشروط لم ينص الله على حله في الكتاب و السنة بل سكت عنه ، فليس هو مناقضاً لكتاب الله وشرطه ، فقوله ليس في كتاب الله أي مخالفاً لكتاب الله والسنة يطلق عليها كتاب الله لأنها من وحيه وتقديره كما في الحديث الذي رواه البخاري في كتاب الحدود باب الاعتراف بالزنا وفي كتاب الاعتصام حديث برقم 7278 ( لاقضينَ بينكما بكتاب الله ) ثم قضي بينهما بسنة رسول الله ففيه تسميه الكتاب سنة كما قال الحافظ في فتح الباري ج14/100. وفي السنة عنه النبيَّ r (( المسلمون عند شروطهم إلاَّ شرطاً أحل حراماً أو حرَّم حلالا )) [29] [30] ،فإذا انعقد العقد ، والتُزِم الشرط فهو عهد وجب الوفاء به ، لعموم النصوص الدالة على الوفاء بالعقود والعهود ، وذلك من صفات المؤمنين الصادقين المتقين } وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {[31] وهي وصية الله لعباده } وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {[32] وهو أمر الله عز وجل للمؤمنين } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {[33] قال القرطبي : ( وقال الزجاج : المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم بعضكم على بعض ، وهذا كله راجع إلى القول بالعموم وهو الصحيح في الباب؛ قال النبيَّ r : المؤمنون عند شروطهم .. وقال كل شرط ليس في كتاب الله .. الحديث )) فبين أن الشرط الذي يجب الوفاء به ما وافق كتاب الله ؛ أي دين الله وحكمه المفصل في كتاب الله أو علي لسان رسولهr ، فإن ظهر أنه مخالف رُدَّ كما قال النبيَّ r : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردٌ ) أ.هـ قال الإمام ابن القيم : أن الأصل في العقود وجوب الوفاء إلا ما حرمه الله ورسوله ، فإن المسلمين على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً ، فلا يحرم من الشروط والعقود إلا ما حرمه الله ورسوله [34] وعليه فمن عاقد جماعة أو عاهدها والتزم شرطها فواجب عليه أن يُوفَّيِ بما عاهد عليه في حدود الاستطاعة والوسع - لكن لابد من صحة منهاج الجماعة وموافقتها للكتاب والسنة علي أصول أهل السنة واستعدادها لقبول ما يوافق الكتاب والسنة في مواضع النزاع وان يكون ولاؤهم علي الأصول حيث أن الفروع ليست من معاقد الولاء والبراء كما تقدم - والواجب على الطائفة المتعاقدة على العمل بما استطاعت مما أمر الله به ورسوله ، أن يكون ولاء أهلها لله وعداؤهم في الله تعالى ، فعليهم أن يوالوا من والى الله ورسوله r وإن لم يكن معهم في جماعتهم وعهدهم وشروطهم وأن يتبرؤا ممن عادى الله ورسوله ولو كان أقرب قريب ، قال شيخ الإسلام ، ومن حالف شخصاً على أن يوالي من والاه ويعادي من عاداه كان من جنس التتر المجاهدين في سبيل الشيطان ، ولكن يحسن أن يقول لتلميذه عليك عهد الله وميثاقه أن توالي من والى الله ورسوله وتعادي من عادى الله ورسوله ، وتعاون على البر والتقوى ولا تعاون على الإثم والعدوان ، وإذا كان الحق معي نصرت الحق ، وإن كنتُ على الباطل لم تنصر الباطل ، فمن التزم هذا كان من المجاهدين في سبيل الله تعالى الذين يريدون أن يكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هي العليا ... )) [35] قال ابن القيم : والشرط في حق المكلفين كالنذر في حقوق رب العالمين )) . [36] ولا بأس أن تختلف وظائف جماعات أهل السنة والجماعة وتخصصاتها ليخدم بعضها بعضاً ويكمل بعضها جهد بعض وان تسعي جميعها لإقامة الدين وتحكيم شرع الله المنزل وان تتعاون في ما بينها وتتناصر وتنأي عن التناحر والتباغض والمشاحنات وتسود بينها المحبة والألفة والمودة ومما يجب تقريره أن هذه الجماعة المجتمعة على إقامة الدين وتحكيم شرعه لا يجوز أن تخلع على نفسها صفة جماعة المسلمين حتى تتصف بالصفات المتقدم ذكرها وتضطلع بواجباتها ؛ من إقامة الدين بإنفاذ شرائعه ، وحفظه على أصوله المستقرة التي أجمع عليها سلف هذه الأمة الصالح ، وصيانته من الإبتداع ، وجهاد من امتنع عن قبوله ، وإلا فهي جماعة من طوائف المسلمين ، وإنما يعرف قربها وبعدها من النهج الحق ، بميزان الحق والعدل منهج أهل السنة والجماعة عليهم من الله الرضا والقبول نسأل الله تعالى الثبات عليه.والحمد لله رب العالمين. الطريق إلي جماعة المسلمين : والسبيل إلي التمكين... ونعني بجماعة المسلمين : المعاني التي دلت عليها نصوص الكتاب والسنة : من اجتماع على إمام ذي شوكة وسلطان ، واعتصام بما كان عليه النبي r وأصحابه وإجماع السلف رضي الله عنهم ، يتصدرها أهل العلم والأتباع ، إذ بها يقام الميزان والكتاب ، والقسط ، وتؤدى الحقوق وتنفذ الحدود وتحرس الثغور ويجاهد العدو . * غياب جماعة المسلمين بمعناها الشرعي : وغياب هذه الجماعة منذ أمد بعيد عن الشهود والوجود كان له أسوأ الآثار في واقع المسلمين من إقصاء لشريعة الله، وتحريف لدينه، وكسر شوكة المسلمين واستباحة بيضتهم وتمزيق شملهم حيث كانت خلافة بني عثمان – على ما كانت عليه من الضعف – قوة للمسلمين ترهب عدوهم وتحيط بهم وتلمم شعثهم وتجمع شملهم وترأب صدعهم ، فما أن سقطت حتى تكالبت عليهم الأمم وتناوشتهم من كل جانب فقسمت أرضهم وانتهكت أعراضهم ودنست مقدساتهم وصار الدين نهبا لكل منحرف زنديق وكل منافق فاجر ، فنكست أعلامه وقوضت خيامه ، وضاعت معالمه وبدلت أحكامه . * بقاء الطائفة المنصورة إلي قيام الساعة : إلا إن الله عز جنابه تكفل بحفظ هذا الدين حتى قيام الساعة وادخر له طائفة منصورة تظل قائمة بأمر الله وهي مؤيدة بعون الله وتسديده وهذه الطائفة الباقية على الحق المستمسكة به عند حلول الفتن وهي المنوطة بإعادة صرح الدين ونصب مناراته، وإظهار معالمه ورفع راياته، وقد دلت النصوص على بقاء هذه الطائفة على المنهج الحق ظاهرة على الحق قوامة به علماً وعملاً ودعوةً وجهاداً. ]هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[[37] ] هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [[38]] لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [[39] وفي الصحيحين عن معاوية رضي الله عنه عن النبي r قال: (( لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ))[40] وفي البيهقي عن أبي هريرة (( ولاتزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم ))[41] * إحياء جماعة المسلمين وتمكينهم من واجب الطائفة المنصورة وهي الفئة المجاهدة من الطائفة الناجية إن شاء الله تعالى ومن واجب الجماعة التي تسعى لإقامة هذا الدين فتكون من هذه الطائفة المنصورة أن تضرب بسهم وافر من صفاتها والاضطلاع بواجباتها. ففي قول الله تعالى ] لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [[42] إن قيام هذا الدين لا يكون إلا بالكتاب الهادي والحديد الناصر كما يقول شيخ الإسلام ( ولن يقوم الدين إلا بالكتاب والميزان والحديد ، كتاب يهدي وحديد ينصره كما قال تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) فالكتاب به يقوم العلم والدين، والميزان به تقوم الحقوق في العقود المالية والقبوض، والحديد به تقوم الحدود، وسيوف المسلمين تنصر هذا الشرع وهو الكتاب والسنة وكما قال جابر رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا – يعني السيف – من اعرض عن هذا – يعني الكتاب..)1 وفي قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيين عن معاوية رضي الله عنه: ( من يرد الله به خيرا يفقه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال طائفة من هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله )2 دليل على أن هذه الطائفة قائمة بأمر الله علماً وعملاً وجهاداً في سبيل الله، وفيه كذلك تقدم أهل العلم على الناس بفضل العلم. ويدل قوله صلى الله عليه وسلم (( لا تزال طائفةً من أمتي على الحق يقاتلون )) وهم أهل العلم ، ثم ساق حديث المغيرة رضي الله عنه : ( لا تزال طائفةً من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون )3 ثم ساق حديث معاوية رضي الله عنه المتقدم ، فإذا ضممنا إليه حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (( إن الله لا ينزع العلم بعد أن اعطاكموه انتزاعاً ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم ، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون ))4 أفادنا إن قول البخاري هم أهل العلم يعني هم الرؤساء والكبراء المتقدمون على غيرهم ، وبقاء طائفة منصورة على الحق يدل على ترؤس العلماء فيها . وقوله تعالى: ] وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً [ 5 دل على أن الذين يعملون بالاستنباط هم العلماء وهم أولوا الأمر. وفي قوله صلى الله عليه وسلم (( العلماء ورثة الأنبياء ))6 أمر للأمة بطاعتهم واحترامهم وتعذيرهم وتوقيرهم وإجلالهم فهم ورثة من هذه بعض حقوقه على الأمة. وفيه لزوم تصدر أهل العلم وترؤسهم وقيامهم بوراثة الأنبياء في الدعوة والبذل والجهاد، وفيه تنبيه للعلماء على سلوك هدى الأنبياء وطريقتهم في التبليغ من الصبر والاحتمال ومقابلة إساءة الناس أليهم بالإحسان والرفق بهم وبذل النصيحة لهم، وفيه حض وحث لأهل العلم على تربية الأمة كما يربي الوالد ولده فيربونهم بالتدريج والترقي من صغار العلم إلي كباره وتحميلهم منه ما يطيقون. وإذا كان الرسل والأنبياء أفضل الخلق عند الله، فورثتهم أفضل الخلق بعدهم فهم يقومون مقامهم في تبليغ ما أرسلوا به وهم الذين يسوسون العباد والبلاد والممالك، ففقدهم فساد لنظام العالم ولهذا لا يزال الله يغرس في هذا الدين منهم غرساً خالفاً عن سالفٍ يحفظ بهم دينه وعباده. وقد أخبر الله عز وجل عن أهل العلم بأنه جعلهم أئمة يهدون بأمره ويأتم بهم من بعدهم ] وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [[43]] وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [[44] أي أئمة يقتدي بنا من بعدنا فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين وهي أرفع مراتب الصديقين ، واليقين كمال العلم وغايته ، فبتكميل مرتبة العلم تحصل إقامة الدين وهي ولاية آلتها العلم يختص الله بها من يشاء من عباده . وقال الله عز وجل ] مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَـادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ[[45] قال ابن عباس : كونوا ربانيين : حُكماء فقهاء ، علماء ، ويقال : الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره [46]. فالتربية إنما تكون بالعلم قبل القول والعمل ، لهذا بوب البخاري بهذه العبارة باباً في صحيحه وقال : لقوله تعالى ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [[47] فبدأ بالعلم[48] .. ) والعلم كما قال شيخ الإسلام يطلق على ما في كتاب الله تعالى وسنة نبيه r والإجماع أو ما قيس على هذه الأصول عند فقد النص ، قال تعالى : ] هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [[49] فبالعلم زكى النبي r وربى ، " وهو تركة الأنبياء وتراثهم ، وأهله عصبتهم ووراثهم ، وهو حياة القلوب وزكاتها ، ونور البصائر ، وشفاء الصدور ولذة الأرواح ورياض العقول وأنس المستوحشين ودليل المتحيرين . وهو الميزان الذي توزن به الأقوال والأعمال والأحوال . وهو الحاكم المفرق بين الشك واليقين ، والغي والرشاد والهدى والضلال ، به يعرف الله ويعبد ويذكر ويوحَّد ، ويُحمد ويمجَّد . وبه اهتدى إليه السالكون ، به تعرف الشرائع والأحكام ويتميز الحلال من الحرام ، وبه تعرف مراضي الحبيب ، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من كل قريب ، وهو إمام ، والعمل مأموم . وهو قائد والعمل تابع ، وهو حجة الله في أرضه ونوره بين عباده وقائدهم ودليلهم إلى جنته ، ومدنيهم من كرامته ، الحاجة إليه أعظم من الشراب والطعام ، قال الإمام أحمد : الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب ، لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين ، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه [50] والعلم الشرعي منه ما هو متعين على كل أحد ، ومنه ما هو على سبيل الكفاية ، فالواجب العيني على كل مسلم علمه : ما أمر الله به من الإيمان به وتوحيده وما يناقض ذلك ، وعلم ما أمر الله به من الواجبات وما نهى عنه من المحرمات ونحو ذلك مما لا يسع المسلم جهله . ومنه ما هو كفائي وهو ما زاد على المتعين من العلوم في كل باب وفنٍ ، وذلك للوفاء بحاجة الجماعة في التعليم والفتيا والقضاء * واجب الجماعة في الاهتمام بالعلم وطلابه: وعلى الجماعة استيفاء النوعين من العلم، لا سيما ما يتعلق بفقه النوازل المعاصرة، ولسد ثغرة العلماء الربانيين الذين يضطلعون بتربية الأجيال الناشئة على العلم الصحيح. والعلم النافع هو ما كان ضبطا لنصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها، والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في معاني القران والحديث وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام والزهد والرقائق والمعارف وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولا ثم الاجتهاد على معرفة معانيه وتفهمه ثانياً. وهذا العلم النافع يدل على أمرين: * احدهما معرفة الله وما يستحقه من الأسماء والصفات الحسنى والأفعال الباهرة، وذلك يستلزم إجلاله وإعظامه، وخشيته ومهابته، ومحبته ورجاءه، والتوكل عليه والرضا بقضائه والصبر على بلائه. * * والأمر الثاني: المعرفة بما يحبه ويرضاه وما يكرهه ويسخطه من الاعتقادات والأعمال الظاهرة والباطنة والأقوال. أه [51] وواجب على الجماعة تشجيع النابهين وشحذ همم النابغين من أهل الهمم والعزائم، والجد والاجتهاد، لبلوغ الشأو البعيد في اخذ العلوم الشرعية لحمل أمانة العلم والبلاغ. يقول الإمام ألشاطبي في وسيلة التشجيع: ( أنها واجب على الكفاية فان قام بها البعض سقط الوجوب عن الآخرين، وان لم يقم بها احد أثموا جميعا، القادر لأنه قصر وغير القادر قصر فيما يستطيعه، وهو التفتيش عن القادر وحمله على العمل و وتشجيعه وإعانته على القيام به بل إجباره على ذلك ). ولا شك أن التشجيع يكون ماديا ومعنويا وهو المقصود من كلامه رحمه الله، ولا يخفى صنيع عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع ابن عباس وتشجيعه معنويا بإدخاله مع مشيخة المهاجرين والأنصار، حتى أراهم فضله وتقدمه بعلمه، رضي الله عنهم أجمعين. قال الله عز وجل: ] وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [[52] والأمر للوجوب فواجب على الجماعة حمل أمانة العلم والدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فبه يحصل الفلاح في الدنيا والآخرة. * مراتب الناس في تلقي العلم: ومراتب الناس في تلقي العلم والانتفاع به أربع مراتب وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله: إحداها: معرفة الحق، والثانية: العمل به. والثالثة: تعليمه من لا يحسنه. الرابعة : صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه ، وذلك ما اشتملته سورة العصر على وجازتها : ] وَالْعَصْرِ (1)إِنَّ الأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [[53]. * منهجنا الدعوى: الدعوة إلي الله تعالى من أحسن القول وأعظم العبادات واشرف المهمات التي أمر الله بها وجعل صلاح الدنيا وفوز الآخرة منوط بالقيام بها ، وهي الأصل في اجتماعنا والسبيل إلي تحقيق غايتنا والوفاء بتكليف ربنا تبارك وتعالى ] وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[[54] والدعوة إلي الله تعالى كشأن كل عبادة الأصل فيها الأتباع المطلق ] قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [[55] كما إن الدعوة إلي الله لازمة لإقامة الحجة على الناس فهي لازمة في الاعذار إلي الله تعالى ] وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [[56]. ] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [[57] والدعوة إلي الله هي الوسيلة لإعداد الشخصية الإسلامية الرسالية ولبعث الأمة وبناء الخلافة الراشدة(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)[58] وطريق ذلك كما أمر ربنا تبارك وتعالى ] ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [[59] كما هو ] يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[[60] ومن اولويات الدعوة إلي الله الصدع بالحق من غير غلظة ولا مداهنة ، كما هو البلاء المبين من غير رهبة ولا التواء – وبالدعوة إلي معرفة الله وتوحيده وطاعته ، توحيداً تتحقق به العبودية المطلقة لله رب العالمين ويخرج فيه المؤمن من حوله وقوته ويعلم به انه مملوك لخالقه ومدبر أمره ، فلا استقلال للإنسان بأمره أو حاكمية غير الله وألوهيته له . وهي دعوة إلي العلم حيث لا تصح العقيدة وتستقيم الدعوة إلا بالعلم الشرعي القائم على الكتاب والسنة إذ القاعدة قول الله تبارك وتعالى ] فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [[61]وكما كان شأن ابتداء الرسالة بطلب القراءة ] اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [[62]ومن ثم كان الأمر من بعد بالعبادة والتزكية والمجاهدة إعدادا وتهيئة لتحمل أعباء ومسئوليات وأثقال الدعوة إلي الله تبارك وتعالى .ومن وراء كل ذلك وفوقه هي دعوة إلي الجهاد في سبيل الله وهو أعلى سنام الدعوة كما هو أعلى سنام الإسلام وقد فصلنا كل ذلك في مواضعه من ميثاقنا هذا. * الدعوة إلي الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لازم للطائفة المنصورة : وباعتبار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جماع الدعوة إلي الله تعالى ولازمها فقد جعلناه شعار ميثاقنا ودثاره وجمعنا في ظلاله أركان دعوتنا إظهارا لأولويته وتنبيها لخطره وتبيانا لمكانته فبه يتم التمكين وبه يحفظ المجتمع الإسلامي من الانحراف والتبديل والزوال. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من اخص صفات المؤمنين وعكسه من صفات المنافقين ] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [[63]] الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [[64] فجعل تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقاً بين المؤمنين والمنافقين، فدل على أن اخص أوصاف المؤمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورأسها الدعوة إلي الإسلام والقتال عليه. أ ه ففي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دفع للعذاب، ونجاة من الفتن و أليم العقاب: ففي حديث الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه (( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )) [65] وهو سبب طهارة الأمة وسعادتها، وهو باب عظيم به قوام الأمر و ملاكه، وإذا كثر الخبث عم العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعقابه، )... ] فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [[66]. عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي r (( إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فانه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد ، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله على قلوب بعضهم ببعض ، ثم قال ] لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ[[67] ثم قال كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً ولتقصرنه على الحق قصراً ) [68]. ولما كان هذا الأمر من فضائل هذه الأمة ومكرماتها ، فإنها لا تزال مستمسكة به من يوم إخراجها : ] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [[69] ، وفي أثناء جهادها لتمكين دين الله تعالى فهو من اخص صفات المجاهدين في سبيل الله البائعين أنفسهم له سبحانه ] التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[[70] وهو من أوجب واجباتها يوم تٌمكن في الأرض : ] الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[[71]فهو من واجبات الطائفة المجاهدة قبل التمكين وبعده ، فلا حجة للجماعة المتصدرة للدعوة في تركه بسبب الاستضعاف وعدم السلطان ، فالواجب إقامته بغاية الامكان . بل هو السبيل إلي إقامة الدين وهو الغاية من التمكين ( فهو القطب الأعظم في الدين الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله لتعطلت النبوة واضمحلت الديانة وعمت الفترة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة، واستشري الفساد، وخربت البلاد وهلك العباد..) [72]. * وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثابت بالإجماع المستند على القران والسنة كما سلف فواجب الجماعة إحياء هذه الفريضة والقيام بأعبائها.( فمن سعى في تلافي هذه الفترة، وسد هذه الثلمة إما متكفلاً بعملها أو متقلداً لتنفيذها، مجدداً لهذه السنة الداثرة ناهضاً بأعبائها ومشمراً في أحيائها، كان مستأثراً من بين الخلق بإحياء سنة أفضى الزمان إلي إماتتها ومستبداً بقربة تتضاءل درجات القرب دون ذروتها )[73]. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: انتهيت إلي النبي r وهو في قبة من اُدم حمراء في نحو أربعين رجلاً، فقال: (( إنه مفتوح لكم ، وأنتم منصورون مصيبون ، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف وَلْيَنْهَ عن المنكر ، وَلْيَصل رحمه ، ومثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل البعير يتردى فهو يمد بذنبه )[74] قال الإمام النووي: ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم الكل ممن تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم انه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو ، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو كمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف، قال العلماء رحمهم الله لا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا القبول وكما قال الله عز وجل ] قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [[75]. * لا تشترط الولاية في الأمر والنهي. ولا يشترط فيه الولاية أو كمال العلم، قال النووي رحمه الله ( قال العلماء ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز لآحاد المسلمين، قال إمام الحرمين والدليل عليه إجماع المسلمين، فان غير الولاة في الصدر الأول، والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف وينهونهم عن المنكر مع تقرير المسلمين إياهم وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية..)[76]. * لا يشترط كمال العلم والحال في الأمر والنهي بل العلم بالمأثور به والمنهي عنه قال العلماء ولا يشترط في الأمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً ما ينهى عنه بل عليه الأمر وان كان مخلا بما يأمر به ، والناهي وان كان متلبساً بما ينهى عنه ، فانه يجب عليه شيئان : أن يأمر نفسه وينهاها ، ويأمر غيره وينهاه ، فإذا اخل باحدهما ، كيف يباح له الإخلال بالأخر ) ، ( ثم انه إنما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه ، وذلك يختلف باختلاف الشئ فان كان من الواجبات الظاهرة والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام ، والزنا والخمر ونحوهما ، فكل المسلمين علماء بها وان كان من دقائق الأفعال والأقوال ، ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ، ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء ، ثم العلماء ينكرون ما اجمع عليه ، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه ) [77] * عدم الإنكار في مسائل الخلاف ليس على إطلاقه : وليس ما ذكر من عدم الإنكار في مسائل الخلاف على إطلاقه ، إذ ليس كل خلاف معتبر اً شرعاً ، فيخرج عن ذلك : 1- ما وقع فيه الخلاف عن السلف في الصدر الأول ثم صح النقل في رجوع المخالفين إلي قول الجمهور، كحكم ربا الفضل وحكم نكاح المتعة ونحوه، فصار القائل فيه قائلاً بقول الشواذ، فالواجب في مثل هذا الإنكار بمراتبه وشروطه المعروفة. 2- ما كان مصادما لنص شرعي ثابت، وقال به قائله لشبهة و تأويل غير سائغ كإباحة آلات المعازف، وإباحة خروج المرأة للسفر بلا محرم، وإباحة السفور والتبرج والاختلاط... وتجويز النظر إلي النساء ومصافحتهن.. فذلك ونحوه مما يجب فيه الإنكار ولا عبرة بقول من عده خلافاً. (وليس كل خلاف جاء معتبر إلا خلافاً له حظ من النظر) [78] * مراتب إنكار المنكر: وإنكار المنكر أربع درجات، الأولى، أن يزول ويخلفه ضده. الثانية: أن يقل وان لم يزول بجملته، الثالثة: أن يخلفه ماهو مثله، الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه، فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة، فتارة يصلح الأمر وتارة يصلح النهي وتارة لا يصلح الأمر و لا النهي حيث كان المعروف والمنكر متلازمين وذلك في الأمور المعينة الواقعة . وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر مطلقاً تثبيتاً للحكم العام. ولابد في ذلك من اعتبار المصالح والمفاسد وذلك بميزان الشريعة ، فمتى قدر الإنسان على إتباع النصوص لم يعدل عنها ، والا اجتهد برأيه لمعرفة الأشباه والنظائر ، وقّل أن تعوز النصوص من يكون خبيراً بها وبدلالتها على الأحكام )[80] * أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنواع فمنه : 1 التعليم والنصح والإرشاد وقد تقدم . ومنه: الجرح والتعديل صيانة للشريعة وهو جائز بإجماع المسلمين بل واجب للحاجة إليه وقد قال صلى الله عليه وسلم في الجرح: يئس اخو العشيرة، وتكلم في الرجال جمع من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وقد قال أبو بكر بن خلاد ليحي بن سعيد: أما تخشى هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءك عند الله ؟ فقال : لان يكونوا خصمائي أحب ألي من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لِم لم تذب الكذب عن حديثي . وقال أبو تراب النخشبي لأحمد بن حنبل: لا تغتب العلماء فقال: ويحك هذه نصيحة ليس هذا غيبة. وقال بعض الصوفية لابن المبارك: تغتاب، قال: اسكت إذا لم نبين كيف نعرف الحق من الباطل، وهو باب يجب التثبت فيه قال ابن دقيق: أعراض المسلمين حفرة من النار وقف على شفيرها طائفتان من الناس: المحدثون والحكام. أ ه[81]. 3- ومنه القيام على أهل البدع وقد اجمع السلف على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخراجهم وإبعادهم وإقصائهم والتباعد عنهم قال البغوي وقد مضت الصحابة والتابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجتمعين متفقين على معادة أهل البد ع ومهاجرتهم..)[82] قال الإمام الشاطبي رحمه الله ( إن القيام عليهم بالتثريب والتنكيل أو الطرد والأبعاد أو الإنكار هو بحسب حال البدعة في نفسها من كونها عظيمة المفسدة في الدين أم لا ؟ وكون صاحبها مشتهراً بها أو لا ، وداعياً إليها أو لا ، ومستظهراً الأتباع وخارجاً عن الناس أو لا وكونه عاملاً بها على جهل أو لا ، وكل من هذه الأقسام له حكم – اجتهادي يخصه ، إذ لم يأت في الشرع في البدعة حدّ لا يزاد عليه ولا ينقص منه ...)[83]. 4- الإنكار على أهل الظلم: ومنه الإنكار على أهل الظلم : روى مسلم عن ابن مسعود عن النبي r قوله: ما من نبي بعثه الله في امة إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما لا يؤمرون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل ) [84]وقال الجويني : وقد اتفق المسلمون قاطبة على أن لآحاد المسلمين وأفراد المستقلين بأنفسهم من المؤمنين أن يأمروا بوجوه المعروف ويسعوا في إغاثة كل ملهوف ويشمروا في إنقاذ المشرفين على المهالك والمنايا والحتوف ، وكذلك اتفقوا على أن من رأى مضطراً مظلوماً ، مضطهداً مهضوماً ، وكان متمكناً من دفع من ظلمه ، ومنع من غشمه ، فله أن يدفع عنه بكنه وجهده وغاية أيده ، كما له أن يدفع عن نفسه )[85] ولقوله صلى الله عليه وسلم (( ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق اطرأ ولتقصرنه على الحق قصراً )) [86] وقد كان القيام على أهل الظلم والنكير عليهم دأب السلف الصالح من لدن الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم على مر العصور ، حتى أظل زمان كالح وجد أرباب الظلم فيه أعوانا على ظلمهم ممن ينسب إلي العلم والدين ، حتى هان العلم والشرع على العامة وصار من يتصدى للإنكار شاذاً وغريباً فيا لغربة الدين بين أهله!!!. 5- جهاد من أوجب الله تعالى جهاده : ومن الأمر المعروف والنهي عن المنكر : جهاد من أوجب الله تعالى جهاده من أهل الكفر والعناد سواء أكان كفراً اصلياً أو بالارتداد ، لدفع الفساد عن البلاد والعباد (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [87] قال الإمام الحليمي في شعب الإيمان : أبان سبحانه انه لو لا دفع الله المشركين بالمؤمنين وتسليط المؤمنين على دفعهم عن بيضة الإسلام وكسر شوكتهم ، وتفريق جمعهم لغلب الشرك على الأرض وارتفعت الديانة فثبت بهذا إن سبب بقاء الدين واتساع أهله للعبادة إنما هو الجهاد ، وما كان بهذه المنزلة فحقيق أن يكون من أركان الإيمان ، وان يكون المؤمنون من الحرص عليه في أقصى الحدود والنهايات ) [88] ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمامه بالجهاد هو من أعظم المعروف الذي امرنا به فبه يندفع العدو وتقوم الحجة على العباد : فما هو إلا الوحي أو حد مرهف تُميل ظباه اَخْدَعي كل مائل فهذا شفاء الداء من كل عاقل وهذا دواء الداء من كل جاهل ولا نعني بالجهاد هنا جهاد الحجة والبيان ، إذ قد تقدم الكلام فيه ، إنما نعني إعمال الحديد في أعداء الله تعالى ، وهو الأصل في كلمة الجهاد كما قرره أهل العلم بالنصوص الصريحة الصحيحة . وهو الفرض الذي " درست أثاره فلا ترى ، وطمست أنواره بين الورى ، وأعتم ليله بعد أن كان مقمراً ، وأظلم نهاره بعد أن كان نيرا ، وذوى غصنه بعد أن كان مورقا ، وانطفأ حسنه بعد أن كان مشرقاً ، وقفلت أبوابه فلا تطرق ، وأهملت أسبابه فلا ترمق ، وصفنت خيوله فلا تركض ، وصمتت طبوله فلا تنبض ، وربضت أسوده فلا تنهض ، وامتدت أيدي الكفرة الأذلاء إلي المسلمين فلا تقبض ، وأغمدت السيوف من أعداء الدين اخلاداً إلي حضيض الدعة والأمان وخرس لسان النفير إليهم فصاح نفيرهم في أهل الإيمان ... وأهمل الناس الجهاد كأنهم ليسوا به مخاطبين ) [89] . فواجب الطائفة العاملة لإعزاز هذا الدين ، إحياء هذا الركن الركين ، فبه تستقيم قناة الإسلام ، وينشر عزيزاً بين الأنام . وهو اخص صفات الطائفة المنصورة فهي التي تتجشم جلاد الأعداء حين يخذل الدين أهله (( ولا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلي يوم القيامة .. لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم ...)) [90]جعلنا الله تعالى منهم. [1] الآية 104 سورة آل عمران . [2] الآية 146 سورة آل عمران . [3] الآية 2 سورة المائدة [4] الآية 181 سورة الأعراف . [5] الآية 13 سورة الشورى . [6] الآية 55 سورة النور . [7] رواه الإمام أحمد 4/130 ، 202 ، 344 وللترمذي 2863 ، 2864 وابن خزيمة 1895 والنسائي في الكبرى في تحفة الأشراف 3/3 . [8] رواه الترمذي في كتاب الفتن – الباب السابع ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/114 وصححه الألباني . [9] البخاري حديث رقم 7199 كتاب الأحكام باب كيف يبائع الإمام الناس / ومالك في كتاب الجهاد . [10] مختصر صحيح مسلم للمنذري باب نزل عيسى عليه السلام حديث رقم 2061 . [11] انظر نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني ج9/157 . [12] نفس المصدر – أبو داود باب الجهاد ج8/26 . [13] [14] الآية 27 سورة الأنفال . [15] تقدم تخريجه . [16] الفتاوى – الغياث لأمام للجويني ص ....- الآية 59 سورة النساء . [17] مختصراً فتاوى ابن تيمية ج 28 . [18] شرح الطحاوية لأبن العز ص 105 ط 1993م ، أحمد شاكر . [19] فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج28/216 ط دار الوفاء 1412هـ . [20] شرح الطحاوية . [21] الجامع لأحكام القرآن ج4/161 ط5 فما بعد مختصراً . [22] الآية 36 سورة الأحزاب . [23] كتاب الإعتصام ج15/ باب 28 [24] البخاري 3560 [25] رواه أبو داود – باب المشاورة الحديث رقم 5106 وقال المنذري وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي – حديث حسن غريب – وله طرق – انظر عون المعبود [26] جامع البيان في تأويل القرآن ج4/192-193 [27] الجامع لأحكام القرآن ج4/162 . [28] البخاري كتاب الشروط الحديث 2729 . [29] الترمذي باب ما ذكر عن رسول الله r في الصلح بين الناس حديث رقم 1352 . [30] أنظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج 29/ ص 69 وما بعدها . [31] سورة البقرة الآية 177 . [32] سورة الأنعام الآية 152 . [33] سورة المائدة الآية 1 . [34] زاد المعاد ج5/826 . [35] ج 26/19-21 . [36] اعلام الموقعين ج3 /481 / عن القواعد الفقهية المستخرجة من كتاب اعلام الموقعين ص 559 عبد المجيد جمعة الجزائري . [37] سورة التوبة الآية 33. [38] سورة الجمعة الآية 2. [39] سورة الحديد الآية 25. [40] البخاري 7311. [41] سنن البيهقي – انظر السلسلة الصحيحة للألباني 1962. [42] سورة الحديد الآية 25 [43] سورة السجدة الآية 24 . [44] سورة الفرقان الآية 74 . [45] سورة آل عمران الآية 79 . [46] تفسير ابن كثير ج3/330 . [47] سورة محمد الآية 19 . [48] صحيح البخاري كتاب العلم [49] سورة الجمعة الآية 2 . [50] تهذيب مدارج السالكين –منزلة العلم ص 484-485 [51] عن فضل علم السلف .ابن رجب . [52] سورة آل عمران الآية 104. [53] سورة العصر . [54] سورة آل عمران الآية 104 [55] يوسف 108. [56] الأعراف 164. [57] المائدة 67. [58] آل عمران 110. [59] النحل 125. [60] التحريم 9. [61] محمد 19 . [62] سورة الطلاق. [63] التوبة 71 [64] التوبة 67 [65] الترمذي 2169 [66] سورة النور 63 [67] سورة المائدة الآيات من8-81 [68] احمد – الترمذي3048 [69] سورة آل عمران الآية 110. [70] سورة التوبة الآية 112. [71] سورة الحج الآية 41. [72] [73] عن أحياء علوم الدين للغزالي – بتصرف. [74] احمد والترمذي وقال حسن صحيح 2257 [75] سورة النور الآية 5410 [76]. مسلم بشرح النووي [77] 2 مسلم بشرح النووي [78] بتصرف من دراسات في الاختلافات للبياقوني. [79] العمدة في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله. عبد القادر عبد العزيز [80] الفتاوى ج 28/129. [81] تدريب الراوي للسيوطي [82] شرح السنة للبغوي 1/226-227. [83] الاعتصام 1/175-177 . وعن نواقض الأيمان للواهيبي. [84] رواه مسلم . [85] الغياثي ص 330. [86] احمد ، والترمذي 3048 [87] سورة البقرة الآية 250. [88] مشارع الأشواق 1/80. [89] تضمين من المشارع للديماطي [90] البخاري 7311 |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
المؤتمر التاسيسي لتشكيل ائتلاف العمل والانقاذ الوطني | استاذ باسم | مواضيع عامة | 0 | 09-11-2009 12:00 AM |
الزعل الجماعي .......... | ♥ βőΛ ♫ | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 4 | 08-27-2009 03:08 PM |
لا يجوز العمل بالأحاديث الضعيفة [مطلقًا] ولو في فضائل الأعمال أو الترغيب والترهيب | fares alsunna | نور الإسلام - | 5 | 09-29-2007 02:50 PM |
كيف تنشئ عملاً جماعياً في منظمتك | بــو راكـــــان | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 4 | 09-18-2006 07:06 AM |
كيف تكون قائدا ناجحا وفعالا في العمل ؟؟؟ | بــو راكـــــان | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 10 | 09-18-2006 07:05 AM |