عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-23-2009, 12:43 PM
 
المنهج التربوي

منهاجنا التربوي:*

] لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ[3 لقد كانت بعثة الرسول r منة عظيمة لا تعدلها منة أخرى أبدا – وظاهر في معنى الآية إن محور المنة كانت التزكية فالتلاوة والتعليم للكتاب والسنة وهي الحكمة هنا كان كل ذلك من أجل الحصول على التزكية ، وأعظم مقاصدها تزكية العقيدة بالتوحيد وتزكية النفوس بالعبادات والخلق والطاعات وتزكية الحياة بالاستقامة على الهدى ودين الحق – وعلى التزكية ، وبها يكون صلاح الحياة وفسادها وفلاح الآخرة والخيبة فيها ]قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهوَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[ ; وقد جاءت الآية جواباً لأقسام كثيرة هي الأكثر وروداً في القران تعظيماً لشئنها وتبياناً لخطرها و دعوة إلي العناية بأمرها والمجاهدة في سبيلها . وقد جعلها الله تبارك وتعالى وسيلة واجبة في سبيل تحقيق الهداية والرشد ] وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ[ 5 فلا نجاة إلا بالمجاهدة ولا فلاح إلا بالتزكية .. وكما يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعليقاً على الآيات ] وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا[ : (فهي حرية تقابلها تبعة ،وقدرة يقابلها تكليف ، ومنحة يقابلها واجب ). ] وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[ 6 فالله جل شأنه خلق الإنس لعبادته بتوحيده وطاعته ومقتضى هذا أن التزام جميع ما أمر الله به عباده من الطاعات والتجافي عن جميع ما نهى عنه من النواهي يمثل حقيقة الوظيفة التي خلق الإنسان من اجلها .

وعملية التزكية هذه ينبغي أن تغْطي كل حركة الإنسان و حتى تكون ناضجة ومؤثرة لابد أن تتبنى معالجة الأبعاد الثلاث الحاكمة للإنسان ( القلب العقل الجسد) حتى تؤتي ثمارها في تكامل وتوازن معافاة من الغلو والتفريط ] قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [7.

إن المتدبر لمنهاج الدعوة إلي الله تعالى يستيقن أن هنالك أصول ثلاثة متلازمة ومتصاحبة علماً بأن اولوياتها مقررة ومعلومة فقد اقترنت التزكية بالعلم يسبقها وبالدعوة إلي الله تتلوها وهكذا كانت دعوة النبي r فقد بعث ب(اٍقرأ ) وأمر بالتزكية (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) 8 ثم تلا ذلك التكليف بالبلاغ والإنذار (قُمْ فَأَنْذِرْ)9 . فالعلم والمعرفة أولا يلي ذلك الدعوة إلي العبادة والتزكية والمجاهدة تأهيلاً للأمر العظيم والمسؤولية الكبرى حيث الأمر بالدعوة والصدع بالحق والبلاغ المبين . وبهذا وعبر تحقيق العبودية الخالصة لله يتأهل الإنسان لأداء وظيفة الاستخلاف في الأرض على وجهها المنشود.

إن العصبة المؤمنة والتي تؤهل لريادة الأمة والقيام بوظيفة الاستخلاف كم هي حاجتهم إليها عظيمة بقدر حاجة الأمة إليها وأعظم. ففي الحديث القدسي الصحيح والذي اخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول اللهr ( أن الله قال (( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب ألي عبد بشئ أحب ألي مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب ألي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لاعيذنه ، وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن ، يكره الموت واكره مساءته ولابد له منه)) ).

فبمثل هذا وبنظائره يرتقي العبد وترفع درجته عند الله ويجعل الله له القبول في الأرض . والتزكية لازمة وواجبة في حق كل احد من المسلمين ولكنها للطائفة التي تمثل الطليعة المختارة المتطلعة لبعث الأمة وإخراج الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فهي في حق هؤلاء الزم و أوجب بل هي عدتهم وسلاحهم الأقوى وسبيلهم الاقوم لمرضاة الله وقبوله ونصره وتأييده ، ومع كونها واجبة فهي أيضاً شرط لأهليتهم لبلوغ الغاية وهم يحتاجونها على مستوى الأفراد تحقيقاً للعبودية لله وحده ومجاهدة النفوس بالطاعات وهجران المعاصي والأهواء والشيطان ] إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ [1 ويحتاجونها على مستوى جماعتهم بناءً لها ومحافظةً عليها ] فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[2

لان صلاح الأفراد على ضرورته لا يحقق الإصلاح والتغير إلا إذا اخذ شكلاً جماعياً في الطائفة المؤمنة فلابد من شرط الصلاح والجماعية ثم هم يحتاجونها كلازم من لوازم المجاهدة والتضحية الغالية والصبر الجميل كل ذلك يبدو في تعلق القلوب بالغاية والولع بها والحماسة لها.

تلخيص- السبيل إلي التمكين
هذا هو السبيل إلى تمكين جماعة المسلمين ، التي تحمي حوزة الدين وبيضة المسلمين القائمة على المحجة البيضاء والحُجة الغراء ، السالكة سبيل السابقين من السلف الصالحين .. بذل العلم الموروث بالنُصح والتعليم وتزكية الناس بذلك ، والاحتساب عليهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دفعاً للفساد ، وتطهيراً للعباد وجهاد من يستحق الجهاد .

فبالعلم تزكو النفوس وتنقاد إلى باريها وتنجو من نزغات الشيطان " وإن التزود من العلم النافع سبب رئيسٌ في دفع مكائد الشيطان وكلما ازداد العبد علماً نافعاً – مما يورث خشية الله وتقواه – ازداد سلامة من نزغات الشيطان ومكايدة ، والجهل من أعظم الأسباب التي يُحرم بها العبد من خَيْرَي الدنيا والآخرة ولذة النعيم في الدارين ، ويدخل عليه عدوه من الغفلة المضادة للعلم والكسل المضاد للعزيمة والإرادة ، فهما أصل بلاء العباد وحرمانهم ، فقد ذم الله أهل الغفلة } وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ {[1]} وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {[2] فمن علت همته وخشعت نفسه اتصف بكل جميل ومن دنت همته وطغت نفسه اتصف بكل رذيل .. ) [3]

وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : تزكو النفوس وتطهر القلوب بإنكار المنكرات ، وفعل الطاعات ، ويتربى الناس على تعظيم شعائر الله تعالى وحرماته .

وبالقيام على أهل الأهواء والبدع والمحدثات ، وبيان جرح المجروحين من الثقات في النقل والروايات ، يحفظ الدين على أصوله العتيقة ، وحصونه المنيعة ، وتحرس الشريعة ، وتنقمع كل بدعة شنيعة ، ويُعظَّم الدين ويُصان من عبث العابثين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين . وبدفع أهل الظلم والإعْراض ، عن الإنحراف والإفساد ، تُصان الأنفس والأموال والأعراض ، وبالنكير على المفسدين ونهيهم يندفع الفساد : } فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ {[4]

والأمر والنهي منجاة من العذاب : } فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ {[5]

وبه يحصل الإهتداء : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {[6] قال شيخ الإسلام ( والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره من الواجبات لم يضره ضلال الضالين ) [7] . أهـ

وفي نصب عَلَم الجهاد وقتال أهل الكفر والعناد : إعزاز للدين وتمحيص للمؤمنين ومحق الكافرين فهو الميدان الأعظم لتربية الأمة وتزكيتها ، وهو دليل على صدق الإيمان } إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ {[8] وسبيل إلى تقوى الرحمن : } ..وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {[9] والبراءة من النفاق .. } وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ {[10] والنجاة من العذاب في الدنيا والآخرة } إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {[11] (( من لم يغزُ أو يجهز غازياً أو يخلف غازياُ في أهله بخير أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة ))[12] وفيه تمام الهداية } وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {[13]

وبمراغمة عدوها تتربى الأمة على السماحة والشجاعة ، والزهد واليقين ، والكرامة والعزة ، والغيرة والنجدة ، واليقين بوعد الله ونصره لعباده .. فليت شعري كيف تتربى الأمة دون أن تبذل النفوس والأموال في ساحات النزال !! وكيف يرتفع عنها الذل والصغار وهي لا تلتفت إلى مجالدة الكفار .. وقد جاسوا خلال الديار ..؟! .
فقد كتب الله عز وجل الذل على الأمة إذا تركت الجهاد .. واشتغلت بغيره مهما كان ذلك الغير من الطاعات والقربات (( إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم )) [14]

فإذا كان القيام بنوافل العبادات بعد الفرائض يزيد في الإيمان ، فقد صح عنه r أنه قال : قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله خير من قيام ستين سنة )) [15]

قال ابن القيم : وأما الجهاد فناهيك به من عبادة هي سنام العبادات وذروتها وهو المحك والدليل المفرق بين المحب والمدعي ، فالمحب قد بذل مهجته وماله لربه وإلهه متقرباً إليه ببذل أعز ما بحضرته يود لو أن له بكل شعرة نفساً يبذلها في حبه ومرضاته ، ويودُّ لو قتل فيه ثم أحيى ثم قتل ثم أحيى ثم قتل .. فهو قد سلم نفسه وماله لمشتريها وعلم أنه لا سبيل إلى أخذ السلعة إلا ببذل ثمنها } إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {[16] وإذا كان من المعلوم أن المستقر عند الخلق أن علامة المحبة الصحيحة بذل الروح والمال في مرضات المحبوب ، فالمحبوب الحق الذي لا تنبغي المحبة إلا له وكل محبة سوى محبته - فالمحبة له باطلة – أولى بأن يشرع لعباده الجهاد الذي هو غاية ما يتقربون به إلى إلههم وربهم وكانت قرابين من قبلهم من الأمم في ذبائحهم ، وقرابينهم تقديم أنفسهم للذبح في الله مولاهم الحق فأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة ، ولهذا إدخرها الله لأكمل الأنبياء وأكمل الأمم عقلاً وتوحيداً ومحبة ) [17]

وقد بيَّن الله عزَّ وجلَّ أن القتال الذي أمر به المؤمنين وإن كان مكروهاً للنفوس شاقاً عليها ، فمصلحته راجحة ، وهو خير لهم وأحمد عاقبة وأعظم فائدة من التقاعد عنه وإيثار البقاء والراحة ، فالشر الذي فيه مغمور بالنسبة إلى ما تضمنه من الخير العميم ، إذْ به قيام الدين وحياة العالمين } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ {[18] ففيه الحياة الحقيقية في ظلال شريعته ، بل تطال هذه الحياة الكافرين إذا آمنوا واستجابوا لهذا الدين فيكون الجهاد سبباً في حياتهم في الدنيا والآخرة .

( ونفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا ومشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة ، فإنه مشتمل من محبة الله تعالى والإخلاص له والتوكل عليه ، وتسليم النفس والمال له والزهد والصبر وذكر الله وسائر أنواع الأعمال – على ما لا يشتمل عليه عمل آخر .

والقائم به من الأفراد والأمة بين إحدى الحسنيين دائماً إما النصر والظفر وإما الشهادة والجنة .فإن الخلق لا بد لهم من محيا وممات ، ففيه إستعمال محياهم ومماتهم في غاية سعادتهم في الدنيا والآخرة . وفي تركه ذهاب السعادتين أو نقصهما ، فإن من الناس من يرغب في الأعمال الشديدة في الدين أو الدنيا مع قلة منفعتها ، فالجهاد أنفع فيهما من كل عمل شديد ، وقد يرغب في ترفيه نفسه حتى يصادفه الموت ، فموت الشهيد أيسر من كل ميتة وهي أفضل الميتات ) [19]

وفي الخبر من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي r : (( يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، قيل يا رسول الله أمن قلة نحن يومئذ ؟ قال : لا ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، يجعل الوهن في قلوبكم ، وينزع الرعب من قلوب أعدائكم لحبكم الدنيا وكراهيتكم الموت وفي رواية قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حبكم للدنيا وكراهيتكم للقتال )) [20]

ففي هذا الحديث بيان لسبب تداعي الأمم ، والذل الضارب على الأمة ، وهو حب الدنيا وإيثارها على الآخرة والحرص على الحياة أياً كانت ، والخوف من الموت وبغض القتال ، وهذا ما أفضى بالأمة إلى ترك الجهاد المتعين ، فاستولى الكفار على الحريم والديار .. فواجب الجماعة الاتصاف بصفة الطائفة المنصورة المتميزة بها وهي قتال العدو .. وإن خذلها المسلمون وخالفها المخالفون .. فتقيم هذه الفريضة على ساق الجد والصدق ، لا سيما وقد تزاحمت دواعي الجهاد في عصرنا الحاضر ، من وطءِ الكفار أرضنا ، وهتك أعراضنا ، وإزهاق أرواحنا .. وأسر علمائنا ونسائنا ، وتبديل المرتدين من الحاكمين لشريعة الإسلام ، وإمضاء أحكام أهل الكفر في الدماء والأعراض والأموال ولا حول ولا قوة إلا بالله .

وحاجة الناس إلى شريعة ربهم ضرورية فوق حاجتهم إلى كل شيء ، ومبناها على الوحي المحض وتعريف الخلق مواقع رضي الله وسخطه في حركات العباد الاختيارية ، فليس الناس إلى شيء أحوج منهم إلى معرفة ما جاء به الرسول r والقيام به والدعوة إليه والصبر عليه وجهاد من خرج عنه حتى يرجع إليه ، وليس للعالم صلاح بدون ذلك البتة ولا سبيل إلى الوصول إلى السعادة والفوز الأكبر إلاّ بالعبور على هذا الجسر .

وقد أخبر سبحانه في كتابه برفع الدرجات في أربعة مواضع : } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {[21]} إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) {[22]} لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96) {[23]

ففي ثلاثة منها الرفعة بالدرجات لأهل الإيمان الذي هو العلم النافع والعمل الصالح ، والرابع الرفعة بالجهاد ، فعادت رفعة الدرجات كلها إلى العلم والجهاد الذَينِ بهما قِوام الدين ) [24]

* قواعد وأصول جامعة في الجهاد في سبيل الله:-
الجهاد في سبيل الله من الفرائض التي تعرضت لكثير من التحريف والتبديل لإفراغ لفظها من معناه ، لما للجهاد من أثر عظيم في تمكين الدين وإعزاز المسلمين ، فقد جُندت لهذا التحريف أبواق وأقلام ، وأنشئت لهذا الغرض طوائف وجماعات ومنظمات ومؤسسات بدءاً من طوائف التصوف والإرجاء والتشيع قديماً ، وانتهاءً بالطوائف المارقة من قاديانية وبابية وبهائية وغيرها مما ينتسب إلى الإسلام ، وكان أشدها روغاناً ، وتحريفاً الحركات العصرية التي تزيت بزِّي الإسلام وهي منه براء ، إنما هي مزيج ملفق من عقائد الإرجاء والاعتزال والتصوف والتشيع ، وأفكار المستشرقين ومسالك أهل الأهواء والبدع ، بما يتماشى مع مناهج الغرب النصراني ، وقوانينه الدولية ، فنادت تلك الحركات وأعظمها حركة الترابي والتي صارت لها صولة ودولة – نادت بإلغاء الفوارق بين المسلمين والكفار وإباحة الردة وإلغاء الجهاد وما يترتب عليه من آثاره ، ودعت إلى التآخي بين أهل الملل بوصفهم مؤمنين مما يؤكد انتساب دعاتها إلى المأسونية العالمية أو يكاد . فما بُِلىَ الإسلام في هذا القطر يمثل هذه الحركة ، وإلى الله المشتكى في كشف البلاء .

فلما تعطلت هذه الفريضة وكان لأعداء الله ما أرادوا من تمكين في بلاد المسلمين وتمزيق دولتهم وتفريق وحدتهم ، ختموا هذا الشأن وأحكموه بإنشاء ما سُمى بالأمم المتحدة للحيلولة بين المسلمين وبين التوحد وإعادة دولة الإسلام . وقد وظفت هذه المنظمة مؤسساتها التشريعية والعسكرية والثقافية والإقتصادية لهذا الهدف .

فقد شرعت من الشرائع الطاغوتية ما يصادم شريعة الإسلام ويلغي الجهاد لأجل هذه الشريعة .

وفي المجال العسكري أسست تلك الدول بعد خروج جيوشها من بلاد المسلمين مؤسسات عسكرية طاغوتية أشرِبت حب القوانين الكفرية ، فكانت خَلَفاً لجيوش الفرنجة ، حيث تكفلت هذه الجيوش بحراسة تلك العقائد التي سميت بالقانون الدولي ، وحرَّمت على المسلم حمل السلاح إلا إذا انتسب إليها ، حيث تغير عقيدته فيصيح بألوهية الوطن ويوالي ويعادي فيه ويموت من أجله ، ويُبَغَّضُ إليه القتال من أجل الدين ، بل يؤمر بالتصدي لمن يفعله حماية للقانون والوطن ، وبذلك كانت تلك المؤسسات أوسع أبواب الردة وتبديل الدين في ديار الإسلام . أما في المجال الثقافي فقد كانت منظمة اليونسكو تضع الخطط التي من شأنها أن تنشئَ أجيالاً لا تُمَتُّ إلى الإسلام بصلة ، فتولت حراسة مناهج التعليم والتربية ، والتي صيغت بعيداً عن دين الأمة ونهجها الرباني ، فنشأت أجيالٌ تُقدس القوانين الجاهلية الكفرية وتتنكر لشريعة رب البرية ، أجيال أسيرة لشهواتها ، مخدرة بلذاتها، أجيال لا تعرف العزة ولا الشجاعة ولا النجدة ولا الحماسة ، وأنى لها ذلك وقد تربت على تحريم حمل السلاح ، وإبطال القتال إلا للوطن وبقدر محدود ، وإبطال الرْق ، والجزية ، وتحريم قتل الأسرى وفتح البلاد ، فنشأت تلك الأجيال كما أراد لها أعداؤها ، بعيدة عن دينها ، متفلتة عن شريعة ربها ، يغلب عليها اللامبالاة والهروب من المسئولية ، وعدم الجدية في أخذ الأمور .
والمتأمل لمواد تلك القوانين يدرك بجلاء فظاعة كيدهم لإبقاء المسلمين على ما هم عليه من الذل والهوان .
وفي هذه الأصول والقواعد الجامعة نبِّين ما نعتقده تجاه هذه الفريضة التي هي سنام هذا الدين وحصنه الحصين :
* إنَّ الله تعالى خلق الخلق لأجل عبادته حنفاء على التوحيد ، وأمرهم بذلك على ألسنة رسله عليهم السلام فمنهم من آمن ومنهم من كفر } هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {[25] وفيما يرويه الإمام مسلم من حديث قدسي : إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وأنهم أتتهم الشياطين ، فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً .. ) [26]
* وإن الله عز وجل سلط الكافرين على المؤمنين قدراً ، ولم يأمرهم بذلك ولا يرضاه لهم .. } تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ {[27]
* إن الله تعالى بعدله وحكمته سلط المؤمنين شرعاً على الكافرين وأمرهم بقتالهم وأوجب عليهم إذلالهم بضرب الرق على رقابهم والجزية على أموالهم ، ووعدهم بالغلبة عليهم } وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {[28]} قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ {[29]} إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21) {[30]} وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) {[31]} أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا {[32]
* وفي أمر الله تعالى المؤمنين بقتال الكافرين تمحيص للمؤمنين ومحق للكافرين } وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ {[33] . } .. وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ {[34]} وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ {[35]
* وأمضى الله تعالى أمره الكوني بسُنة التدافع ؛ فلا الكفار يكفُّون عن المؤمنين قدراً } ... وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {[36] ولا المؤمنون مأمورون بتركهم شرعاً ولا قدراً (( لا تزال أمة من أمتي يقاتلون في سبيل الله ، لا يضرهم من خالفهم ، يزيغ الله لهم قلوب أقوام ليرزقهم منهم يقاتلون حتى تقوم الساعة )) [37] والمعنى يزيغ الله تعالى لهم قلوب أقوام عن الإيمان إلى الكفر ليقاتلوهم ويأخذوا ما لهم . } ...وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {[38] قال الإمام أبو عبد الله الحَليمي في شعب الإيمان : أبان سبحانه ، أنه لولا دفع الله المشركين بالمؤمنين ، وتسليط المؤمنين على دفعهم عن بيضة الإسلام وكسر شوكتهم ، وتفريق جمعهم لغلب الشرك على الأرض وارتفعت الديانة ، فثبت بهذا أن سبب بقاء الدين ، واتساع أهله للعبادة ، إنما هو الجهاد ، وما كان بهذه المنزلة فحقيق أن يكون من أركان الإيمان ، وأن يكون المؤمنون من الحرص عليه في أقصى الحدود والنهايات ) [39] أ.هـ فالجهاد فريضة ماضية قدراً وشرعاً ، وبعث النبي r به لإظهار الدين وآلته الحديد بعثت بين يدي الناس مع السيف حتى يعبد الله وحده وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم .. )) [40]

* معنى الجهاد الشرعي
ومعنى الجهاد الشرعي هو ما دلت عليه نصوص الوحي ، ففي مسند أحمد من حديث عمرو ابن عبسة رضي الله عنه : قال رجل يا رسول الله ما الإسلام ؟ قال : أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك ، قال : فأيُّ الإسلام أفضل ؟ قال : الإيمان ، قال وما الإيمان ؟ قال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت ، قال : فأي الإيمان أفضل ؟ قال : الهجرة . قال : فما الهجرة ؟ قال : أن تهجر السُّوء ، قال : فأيُّ الهجرة أفضل ؟ قال : الجهاد ، قال : وما الجهاد ؟ قال : أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم ... الحديث [41] فهذا نص في تعريف الجهاد .
قال ابن منظور : وجاهد العدو مجاهدة وجهاداً قاتله [42] ، وقال القسطلاني قتال الكفار لنصرة الإسلام ، وإعلاء كلمة الله

* لا تنصرف كلمة الجهاد عن القتال إلا بقرينة
وكلمة الجهاد إذا أطلقت لا تعني إلا قتال الكفار بالسيف ونحوه من آلة الحرب ، ولا يجوز صرفها عن هذا المعنى إلاَّ بقيد أو قرينة ، كجهاد النفس ، وجهاد الوالدين ، والعلم وغيرها من الطاعات : قال ابن رشد [43] ( إلاّ أنَّ الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلاَّ على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا الإسلام أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون )

* نماذج من التحريف العصري
ومن التحريف العصري : إطلاق كلمة الجهاد على كل عمل مع تعطيل الكلمة عما وردت بشأنه ، فللناس أن يجاهدوا عدوهم بالجهاد الثقافي ، والحضاري والإقتصادي والجهاد الفني والصناعي ، وترتبت على ذلك أن من يموت في أيٍّ من هذه الأعمال فهو شهيد ، فهنالك شهيد الثقافة والإعلام ، وشهيد الإقتصاد وشهيد الفن وشهيد السلام والكلام .. الخ . أما مجاهدة المسلم كافراً بالسلاح فهو عندهم عنف لا يقره الإسلام ولم يبعث به الرسول r ، بل يستبشعون ذلك ويُعادون أهله والقائمين به ، فمقاتلة الكفار على الدين أمرٌ قد انقصى زمانه وانطوت صفحاته وما عاد عصر القوانين الدولية ، والسلام العالمي ومجلس الأمن الدولي يحتمله .
وقد كان هذا الكيد الماكر موجهاً قبل عقود إلى جهاد الطلب لإبطاله بهذه الشرائع الكفرية ، وشاع بين الناس أن الجهاد إنما شرع للدفع عن النفس والوطن ، ثم ظهرت الجولة الثانية ، لإبطال جهاد الدفع أيضاً ، فصار من يدافع عن أهله وأمته ودينه إرهابياً تجب مقاتلته بالقانون ، فليس من حقه أن يدفع صائلاً أو يردَّ عادياً ، إنما عليه الاستسلام لتبديل عقيدته وانتهاك عرضه واحتلال أرضه .

ولأجل ذلك تسعى أمم الكفر لِسَنِّ قانون الإرهاب لنزع حق الدفع من المسلمين ليصبحوا كلأً مباحاً وحمىً مستباحاً .
* وقتال الكفار واجب على الأمة وجوباً لا يسعها تركه إما على الكفاية أو على الأعيان، فغزو الكفار في بلادهم والنفير إليهم في عقر دارهم واجب كفائي باتفاق العلماء ، ومعنى الكفاية أنه يتعلق وجوبه بجميع المكلفين فيقوم به القادر بنفسه ، والعاجز بتحريض غيره عليه ، فإن قام به البعض انفردوا بالأجر العظيم والثواب الجزيل ، وسقط الإثم عن الباقين وإلاّ أثم الجميع ، فالخطاب الكفائي موجَّه إلى الجميع مقصود به البعض أو مطلوب على العموم مراد به الخصوص .

قال الإمام الشافعي [44]: ( فدلَّ كتاب الله وسنة نبيه r أن فرض الجهاد إنما هو على أن يقوم به من فيه كفاية للقيام به حتى يجتمع أمران أحدهما :
ù أن يكون بإزاء العدو المخوف على المسلمين من يمنعه .
ù والآخر : أن يجاهد من المسلمين من في جهاده كفاية حتى يُسْلم أهل الأوثان أو يعطي أهل الكتاب الجزية .
* ويشترط لوجوبه : الإسلام ، والعقل والبلوغ ، الحرية ، الذكورية ، والسلامة من الضرر ، وجود النفقة ، وإذن الوالدين وإذن الدائن .
* ويَتَعَيَّنُ الجهاد لأسباب وتسقط معظم هذه الشروط فيتوجه التكليف إلى كل مكلف قادر.
* فإذا دَهَم العدو ديار المسلمين تعين عليهم قتاله ودفعه ، قال العلامة الكاساني : فأَما إذا عمَّ النفير بأن هجم العدو على البلد ، فهو فرض عين ، يفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه لقوله سبحانه وتعالى : } انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {[45] ) [46] وقال ابن قدامة المقدسي ( .. ومعناه أن النفير يعُمُّ جميع الناس ممن كان من أهل القتال حين الحاجة إلى نفيرهم لمجئ العدو إليهم .. ) [47]

وقال البغوي في شرح السُّنة : ( فإن لم تقع الكفاية بمن نزل بهم يجب على من بعد عنهم من المسلمين عونهم ) [48]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأما قتال الدفع فهو أشدُّ أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين ، واجب إجماعاً )[49]
متى يكون الجهاد فرض عين ؟
* إذا التقى الصفان وتقابل الزاحفان حَرُم على من حضر الإنصراف لقوله تعالى } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ {[50] .
* إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ {[51] .وقوله r (( ... فإذا استنفرتم فانفروا .. )) [52] .
* إذا أسر الكفار مسلماً وجب على المسلمين تخليصه بالمال أو القتال لقوله تعالى } وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَـا مِن لَّدُنكَ نَصِيـرًا {[53]وقوله r : (( أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكوا العاني..)) [54]
* وقد ترك المسلمون غزو الكفار وطلبهم في ديارهم منذ قرون عديدة وأزمان مديدة ، فطلبهم الكفار في بلادهم وسلطهم الله عليهم ، فساموهم الخسف ومنعوهم النصَف ، وأذاقوهم الحتف ، وحلوُّا بالعُقر ، ونشروا في ديارهم الكفر ، وتعين عليهم ردُّ عاديتهم ، والنهوض لمناجزتهم .. ( فكانوا عن الدين عاطلين ، وفي بذل أموالهم وأنفسهم مماطلين ، وكأنهم ليسوا بالجهاد مخاطبين !! ..
أسفي على الإسلام ينزف جرحه ... والمسلمون عن الجهاد نيـامُ
لم يغضبـوا لله غضبة مؤمـن ... رأوا العدوَ بأرضهم فتعاموا

حكم الجهاد في عصرنا الحاضر
فمنذ سقوط إمارات الأندلس الواحدة تلو الأخرى تعين الجهاد على الأمة ، فلم يزل المسلمون يتلكأون عن الجهاد ، ويؤثرون الدعة والإخلاد ، حتى نُهبت بلادهم ، ودُنست مقدساتهم وانتهكت أعراضهم ، فصاروا في ديارهم بعد العزِّ في الأذلِّين ، ورغم الكثرة من الأقلين ، وأُجريت عليهم أحكام الكافرين ، ونُحِّيَتْ شريعة رب العالمين ؛ فارتدت زرافات من المسلمين ، وتحكمت في الأمر شراذم من المرتدين المارقين ورويبضات من الفاسقين .. فعونك اللهم هذا بلاءٌ مبين ...
فهاهو ذا الجهاد قد انعقدت أسبابه ، وفُتِّحت على مصاريعها أبوابه ، وتوجب الدفع على الأعيان ، وحلَّ العدو في كل بقعة ومكان ، فوجب دفعهُ بغاية الطاقة والإمكان .

موجبات الجهاد في وقتنا الحاضر
وقد تزاحمت موجبات الجهاد في عصرنا الحاضر ، فصار واجب الوقت الذي لا يجوز تأخيره ، فمن ذلك
حلول الكفار بديار الإسلام .
ومنها وجود الطوائف والأحزاب المارقة الممتنعة عن شرائع الإسلام وتبديلها وموالاة الكافرين .
ومنها استضعاف المسلمين بالأسر والتعذيب والإذلال والتشريد والإغتيال .

* فأما حلول الكفار بديار الإسلام فأَمر مشاهد وواقع ملموس ، ولا ريب في أنَّ قتالهم وإخراجهم واجب على الأمة ، قال الإمام النووي في الروضة : لا يجوز تمكين الكفار من الاستيلاء على دار الإسلام ) [55]

فواجب على جميع المسلمين النهوض إلى العدو الغاشم وإن كان في أقصى بلاد الإسلام قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب ، إذ بلاد الإسلام بمنزلة البلدة الواحدة ، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والدٍ ولا غريم ... وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيراً لا طاقة للمسلمين به ، لكن يُخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين ، فهنا صرَّح أصحابنا ، أنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع )[56] ( فالعدو الصائل الذي يُفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه )
وتقدم قول البغوي : فإن لم تقع الكفاية بمن نزل بهم يجب على من بَعُد عنهم من المسلمين عونهم )
وقال الدسوقي في حاشيته : ( ويتعين الجهاد بفجيء العدو ، أيْ يتوجب الدفع بفجيء العدو على كل أحدٍ وإن امرأةً أو عبداً أو صبياً .. )
وقال نجم الدين ابن شاس في عقد الجواهر الثمينة : .. ولتعينه سببان ... الثاني أن يفجأ العدو قوماً لهم قوة على مدافعته فيتعين عليهم دفعه ومقاتلته ، فإن لم يستقلوا بدفعه ، لزم من قاربهم أن يخرج إليهم ، فإن لم يستقل الجميع وجب على كل من علم بضعفهم ، وطمع في إدراكهم وغوثهم المضىُّ إليهم حتى يندفع العدو عنهم ) فإن وطىء الكفار دار المسلمين تعين على كل أحد له مُنَّة قتالهم ) [57]
* وجود الطوائف والأحزاب المارقة الممتنعة عن شرائع الإسلام واستبدادها بالأمر في ديار الإسلام ، وتبدل الشرائع وموالاة الكافرين ، وحمل المسلمين على المروق من الدين ، فواحد من هذه الأمور كافٍ لقتال هذه الطوائف المرتدة ، فقد أجمع أهل السنة على قتال من امتنع عن بعض شرائع الإسلام وإن لم يجحدها وكان ناطقاً بالشهادتين . وقتال هذا النوع من الطواغيت الحاكمة بغير ما انزل الله من جنس قتال المرتدين ، كالذين قاتلهم أبوبكر وصحبه رضي الله عنهم وأجمعوا على ذلك وهو قتال اضطرار ودفع عن الدين والحرمة والأنفس ، قال شيخ الإسلام : فثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أنه يُقاتل من خرج عن شريعة الإسلام وإن تكلم بالشهادتين ) [58] وقد أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل ... فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك .. )[59] ( فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام ، أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم ، أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب ، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته – التي لا عذر لأحدٍ في جحودها أو تركها – التي يكفر الجاحد لوجوبها . فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء ) [60] فكل من خرج عن سنة رسول الله r وشريعته فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله r في جميع ما يشجر بينهم من أمور الدين والدنيا ، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه ، ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة قال تعالى ] فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [ 61، فمن امتنع من أهل الشوكة عن الدخول في طاعة الله ورسوله وسارع إلى ولاية الكافرين وإلتماس رضاهم ، فإن هذا الصنف لا يشك في كفره وردته من يشتم رائحة العلم ، فواجب على طوائف أهل السنة القيام والتشمير عن ساق الاجتهاد في جهاد أهل الردة والعِناد ، وأن مجالدة هؤلاء القوم وهتك أستارهم ، صارت في يومنا هذا من علائم أهل السنة والطائفة المنصورة القائمة بأمر هذا الدين علماً وعملاً ، فكم قد ضلت فيها من أفهام ، وزلت فيها من أقدام ، لضعف العلم وغربة الإسلام ، واختلاط مناهج أهل البدع واشتباهها بالحق .
وقتال هؤلاء القوم مقدم على قتال اليهود والنصارى ما لم يبدأونا وذلك :
- لأنه جهاد دفع متعين وهو مقدم على جهاد الطلب باتفاق المسلمين ، وإن كان قتال الكفار الأصليين من اليهود والنصارى قد صار دفعاً في يومنا هذا ، ولا يصير طلباً إلا إذا أخْلَوْا ديارنا ورجعوا إلى بلادهم ، ولعمر الحق دون ذلك أهوال ، فالله المستعان .
- والوجه الثاني : أن هؤلاء الطواغيت وأعوانهم مرتدين ، والمرتد لا يقرَّ على ردته بحال ، فلا يجوز أن يعقد له ذمة ولا هدنة ولا أمان ، ولا يطلق أسيرهم ولا يفادى بمال ولا رجال ولا تؤكل ذبائحهم ، ويقتل من قاتل منهم ومن لم يقاتل ، فالكافر المرتد أسوأ حالاً في الدين والدنيا من الكافر المستمر على كفره .[61]

* والواجب في حال العجز
والواجب في حال العجز عن القيام عليهم ، البراءة منهم وهتك أستارهم وتحذير المسلمين منهم ويجب على كل مسلم أن يقوم في ذلك بحسب ما يقدر عليه من الواجب فلا يحل أن يكتم ما يعرفه من أخبارهم ، بل يفشيها ويظهرها ليعرف المسلمون حقيقة حالهم ، فكم يمكرون لتمكين النصارى واليهود والتعاون معهم لإذلال المسلمين وتسويتهم بهم ، دون التفريق بينهم في الملة والدين ، وكم يهرعون إلى ذلك ويسارعون إلى إرضائهم بالتجسس على أهل الحق من المسلمين ، فالتعاون في ذلك تعاون في تمكين الكافرين وإضمحلال دين المسلمين .
والواجب إعداد العدة لقتالهم واستئصال شأفتهم ، وتمكين دين الله تعالى . وبالجملة فقتالهم واجب إبتداءً ودفعاً .
* ومما يجب تقريره أن قتال الكفار فرض واجب بالنص والإجماع ، فليس للمسلمين ترك قتال الكفار الذي أوجبه الله واستبداله بهدنة مؤبدة وسلم دائم وتعايش وتحاور وغير ذلك مما هو تعطيل لهذه الفريضة ، و اجتهاد في موارد النصوص .
فلا يخلو حال المسلمين مع هذه الفريضة من أمرين :
* إما أن يكونوا قادرين على قتال الكفار طلباً ، فواجب عليهم غزوهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون .. ولا يحل لهم تركهم أو التعايش معهم في سلم دائم فإن ذلك يُفضي إلى تعطيل الجهاد بالكلية ، قال الشوكاني : أما غزو الكفار ومناجزة أهل الكتاب وحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل فهو معلوم بالضرورة الدينية ... وما ورد في موادعتهم وتركهم إذا تركوا المقاتلة منسوخ بإجماع المسلمين ) [62]
* أو دفعاً لهم عن ديارنا وأعراضنا – كما هو الحال في وقتنا الحاضر – فواجب مقاتلتهم ولا يشترط لذلك شرط كما تقدم ، فلا يحل تمكينهم من المسلمين وديارهم ، وترك جهادهم واستبداله بغيره .
* وإما أن يكونوا عاجزين عن طلبهم بل دفعهم ، فيتوجه عليهم وجوب الإعداد من القوة ورباط الخيل ، فلا يحل مع العجز استبدال حكم قتالهم بغيره } وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ (59) وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (60) {[63] قال r : (( ألا إن القوة الرمي .. ألا إن القوة الرمي .. )) [64] وإهمال الإعداد في حال العجز والانشغال بغيره ، ومسالمة العدو ، تركٌ لواجب الإعداد الذي غايته إرهاب العدو .

وكذلك الشأن في نزع الحكام الكفرة ممن أرتدوا عن الإسلام بتعطيل شيء من الشرائع أو الامتناع عنه ، فلا يكون نزعهم إلا بالقتال الذي دلت عليه النصوص والإجماع ، ففي صحيح مسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : دعانا رسول الله r فبايعنا فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرةٍ علينا ، وألا ننازع الأمرَ أهله قال : إلا أن ترو كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان )) [65] ، قال الإمام النووي قال القاضي عياض أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل .. فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك ، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه ، فإن تحققوا العجز لم يجب القيام .. ) [66]

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ( وملخصه أنه ينعزل بالكفر إجماعاً ، فيجب على كل مسلم القيام في ذلك )[67]

ومن موجبات الجهاد في عصرنا الحاضر استضعاف المسلمين بالأسر والتعذيب والتشريد والاغتيال ، وقد ضجت زنازن المرتدين والطواغيت ، وكذا سجون اليهود والنصارى بصراخ النساء والأطفال والشباب بل علماء المسلمين وقادتهم ، فلا مجيب ولا مغيث ، وقد أوجب الله على المسلمين نصرتهم ، قال تعالى : } وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا {[68] قال الإمام القرطبي : حَضٌ على الجهاد وهو يتضمن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة والمشركين الذين يسومونهم سوء العذاب ويفتنونهم عن الدين ، فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته وإظهار دينه ، واستنقاذ المؤمنين الضعفاء من عبادة وإن كان في ذلك تلف النفوس) [69]
لو اسروا مسلماً وجب النهوض أليهم
* وقال ابن حجر الهيثمي : ولو أسروا مسلماً فالأصح وجوب النهوض إليهم فوراً على كل قادر ) [70] وقال القرطبيوتخليص الأسارى واجب على جميع المسلمين إما بالقتال أو بالأموال.) [71] وفي حاشية ابن عابدين : ( مُسلمة سُبِيتْ بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها من الأسر ) [72] وتقدم حديث البخاري ( أطعموا الجائع وعودوا المريض وفكُّوا العاني ) أي الأسير .
فالواجب نصرة المسلمين ويحرم خذلانهم لأنهم كالجسد الواحد . وفي صحيح الجامع (( ما من امرئٍ يخذل امرءً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمتـه إلا خـذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته ))[73] (( والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ))[74]

وقال ابن العربي المالكي في معرض الحديث عن الأسرى المستضعفين من المسلمين : ( إن الولاية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة بالبدن بألا يبقى منا عين تطرف نخرج إلى استنقاذهم ، إن كان عددنا يحتمل ذلك أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم حتى لا يبقى لإحد درهم كذلك قال مالك وجميع العلماء ، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون على ما حلَّ بالخلق في تركهم إخوتهم فـــي أمر العدو ، وبأيديهم خزائن الأموال وفضول الأحـوال ، والعدة والعدد ، والقوة والجلد ) [75]
* وجوب فداء الأسرى وان استغرق أموالهم
وكما يجب ويتعين تخليص أسرى المسلمين بالقتال يجب كذلك ببذل الأموال وهو واجب إن استعطنا تخليصهم به ، وهو واجب على الكفاية ، ففي المبسوط للسرخسي [76] : من وقع أسيراً في يد أهل الحرب من المؤمنين وقصدوا قتله يفترض على كل مسلم يعلم بحاله أن يفديه بماله إن قدر على ذلك وإلا أخبر به غيره ممن يقدر عليه ، وإذا قام به البعض سقط عن الباقين بحصول المقصود ) عن رسالة د. أحمد نجيب ، ونقل أيضاً الإجماع على ذلك عن ابن حزم في مراتبه : واتفقوا أنه إن لم يُقدر على فك المسلم إلا بمال يعطاه أهل الحرب ، إنَّ إعطاءهم ذلك المال حتى يُفك ذلك الأسير واجب ) [77] وقال شيخ الإسلام : ( فكاك الأسارى من أعظم الواجبات ، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات ) [78]

وكذلك تجب مفاداتهم بأسرى الكفار إذا كان مع المسلمين من أسروه منهم قال الحافظ ابن حجر [79] ( ولو كان عند المسلمين أسارى وعند المشركين أساري واتفقوا على المفاداة تعينت ) وفي المغني [80] أن رسول الله r قال : إن على المسلمين في فيئهم أن يفادوا أسيرهم ويؤدوا عن غارمهم ، وروى عن النبي r أنه كتب كتاباً بين المهاجرين والأنصار أن يعقلوا معاقلهم وأن يفكُّوا عانيهم بالمعروف ، وفادى النبي r رجلين من المسلمين بالرجل الذي أخذه من بني عقيل ، وفادى بالمرأة التي استوهبها من سلمة بن الأكوع رجلين ) .

وبذل الأموال في فك أسارى المسلمين من الجهاد الذي أمر الله به أهل الأموال وأوجبه عليهم قال القرطبي : قال مالك يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم وهذا إجماع ) [81]

ويقول الإمام الجويني في وجوب ذلك وأنه أهون من بذل المهج التي أمر الله أن تبذل إذا دهمت المسلمين جيوش الكفار : ( فأمَّا إذا وطئ الكفار ديار المسلمين فقد اتفق حملة الشريعة قاطبة على أنه يتعين على المسلمين أن يخفوا ويطيروا إلى مدافعتهم زرافات ووحداناً ، حتى انتهوا إلى أن العبيد ينسلَّون عن ربقة طاعة السادة ويبادرون الجهاد على الاستبداد ، وإذا كان هذا دين الله عز وجل دين الأمة ومذهب الأئمة ، فأىُّ مقدارٍ للأموال في هجوم أمثال هذه الاهوال لو مَسَّت إليها الحاجة ، وأموال الدنيا لو قوبلت بقطرة دم لم تعدلها ولم توازنها ، فإذا وجب تعريض المهج للتَّوى ، وتعين في محاولة المدافعة التهاوي إلى ورطات الردى ، ومصادمة العدا ومن أبدى في ذلك تمرداً ، فقد ظلم واعتدى ، فإذا كانت الدماء تسيل على حدود الظُّبات فالأموال في هذا المقام من المستحقرات ) [82]


[1] سورة الرعد الآية 11 .

[2] سورة المائدة الآية 54 .

[3] مفتاح دار السعادة لأبن القيم .

[4] سورة هود الآية 116 .

[5] سورة الأعراف الآية 165 .

[6] سورة المائدة الآية 105 .

[7] الفتاوى ج28 / 127 .

[8] سورة الحجرات الآية 15 .

[9] سورة البقرة الآية 177 .

[10] سورة التوبة الآية 46 .

[11] سورة التوبة الآية 39 .

[12] أبوداود والدارمي 2486 .

[13] سورة العنكبوت الآية 69 .

[14] أبو داود رقم 3445 .

[15] صحيح الجامع الصغير 4305 .

[16] سورة التوبة الآية 111 .

[17] مفتاح دار السعادة ، بتصرف .

[18] سورة الأنفال الآية 24 .

[19] الفتاوى ج28 / 253-254 .

[20] السلسلة الصحيحة 958 .

[21] سورة المجادلة الآية 11 .

[22] سورة الأنفال الآية 2-4 .

[23] سورة النساء الآيات 95 – 96 .

[24] عن مفتاح دار السعادة بتصرف كبير .

[25] سورة التغابن الآية 2 .

[26]

[27] سورة البقرة الآية 253 .

[28] سورة الحشر الآية 6 .

[29] سورة التوبة الآية 29 .

[30] سورة المجادلة الآيات 20 – 21 .

[31] سورة الصافات الآيات 171 – 173 .

[32] سورة محمد الآية 10 .

[33] سورة آل عمران الآيات 141 - 142 .

[34] سورة محمد الآية 4 .

[35] سورة محمد الآية 31 .

[36] سورة البقرة الآية 217 .

[37] رواه النسائي بنحوه بإسناد حسن ، كتاب الخيل 6/214 وفي لفظه اختلاف قليل ورواه الإمام أحمد بإسناد حسن ، المسند 4/104 ، وابن حبان من طريق جُبير بن نُفير عن النواس بن سمعان عن مشارع الأشواق ج1 ص 83 – 84 .

[38] سورة الحج الآية 40 .

رواه النسائي بنحوه بإسناد حسن ، كتاب الخليل 6/214 وفي لفظه اختلاف قليل ورواه الإمام احمد بإسناد حسن ، المسند 4/104 ، وابن حبان من طريق جبير بن نفير عن النواس بن سمعان عن مشارع الأشواق ج1 ص 83-84.
38 سورة الحج الآية 40
[39] عن المشارع .

[40] مسند الإمام احمد ج

[41] مسند الإمام احمد

[42] لسان العرب ج2 ص 397 .

[43] المقدمات ج3 ص 342 .

[44] كتاب الأم 4/167 .

[45] سورة التوبة الآية 41 .

[46] البدائع ج6 ص 58 .

[47] المغني .

[48] شرح السنة 522 الجهاد والسير .

[49] الفتاوى ج 28 .

[50] سورة الأنفال الآية 15 .

[51] سورة التوبة الآية 38 .

[52] البخاري كتاب الجهاد حديث رقم 2825 .

[53] سورة النساء الآية 75 .

[54] البخاري قال سفيان : والعاني : الأسير كتاب الجهاد 5373 .

[55] الروضة للنووي 10/216 .

[56] الفتاوي ج 28

[57] عقد الجواهر الثمينة ج1 ص 464 .

[58] الفتاوى 28 / 357 .

[59] القاضي عياض عن شرح مسلم ج1/229 .

[60] الفتاوى 503
61(النساء:65)

[61] فتاوى ابن تيمية ج 28 .

[62] السيل الجرار ج4 ص 1925 .

[63] سورة الأنفال الآيات 59 – 60 .

[64] مسلم باب قوله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة

[65] متفق عليه واللفظ لمسلم .

[66] مسلم ج12 ص 228

[67] الفتح 13 / 123 .

[68] سورة النساء الآية 75 .

[69] ج 5 ص 279 .

[70] تحفة المنهاج ج9 ص 237 .

[71] ج 5 ص 257 .

[72] ج 4 ص 126 .

[73] صحيح الجامع 5566 .

[74]

[75] أحكام القرآن ج2 ص 440.

[76] المبسوط 30 / 271 .

[77] عن رسالة في الأسرى للدكتور أحمد نجيب .

[78] الفتاوى 28 / 635 .

[79] ج 6 ص 167 .

[80] 9/228 .

[81] 2 ج 242 .

[82] 259 الغياثي .
. 83 معالم في الطريق – سيد قطب
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المنهج السلفي بين يديك : ... : سؤال وجواب ( منقول لأهميته ) МŘ. ali afandi نور الإسلام - 191 12-17-2013 05:05 PM
بحث اجرائي (( كيف تتحسن العلاقة بين المعلم والمشرف التربوي )) فوزية بني ملحم قصص قصيرة 1 04-13-2012 11:54 AM
من أين نبدأ ؟؟ قواعد عامة في اصول المنهج МŘ. ali afandi نور الإسلام - 6 07-15-2009 07:13 PM
المنهج السلفي بين يديك : ... : سؤال وجواب ( منقول لأهميته ) МŘ. ali afandi نور الإسلام - 7 05-05-2009 08:41 PM
إتباع المنهج osama ali نور الإسلام - 2 06-30-2008 07:50 PM


الساعة الآن 04:27 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011