عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-07-2010, 08:40 PM
 
(ولا تكن للخائنين خصيماً)؟

بسم الله الرحمن الرحيم


لماذا قال الله لنبيه (ولا تكن للخائنين خصيماً)؟




يُكثر الخطباء والوعاظ في سياق التذكير والوعظ من حثِّ الأمة على الرجوع إلى الدين, إلا أن مطالبتهم تبقى تحوم حول الكلمات العريضة الفضفاضة, التي فقدت مضامينها لكثرة تكرارها, ولم تَعدْ تُحدث في نفوس جمهور السامعين والمتلقين ذلك الأثر الحامل على مراجعة النفس, والإقلاع عما ألفته من العادات والقيم الموروثة, وفي الوقت ذاته يكاد مفهوم "الرجوع إلى الدين" في الخطاب الوعظي المسجدي أن ينحصر في العبادات الفردية, من صلاة وذكر وقراءة للقرآن, وزكاة, وحج.. الخ, ويغيب عنه أو يكاد الاعتناء بالقيم المجتمعية, التي تشكل بمجموعها الإطار الحافظ للمجتمع, فأيُّ دور يمكن أن يقوم به أفراد مجتمع حافظوا على الصلوات جماعة, واجتهدوا في دراسة القرآن وحفظه, إلا أنهم لا يملكون حرية التعبير, ولا يقوى الواحد منهم على الجهر برأيه, أو إسماع صوته؟, وأنّى لمن غلبت عليه الروح الفردية فقنع بغنائمها, أن يكون له شأن في صنع الحياة العامة, أو المشاركة في رسم السياسات الهامة؟

تكتسب هذه القضية أهميتها حينما نرتد بتفكيرنا إلى تاريخ الإسلام المبكر, حيث وقع الانحراف, بإخراج نظام الحكم من الخلافة على منهاج النبوة إلى الملك العضوض, ومع ذلك الإخراج والتحول أُجهضت قيم, وأميتت ممارسات, كانت راسخة في مجتمع الخلفاء الراشدين, فلم يعد سائغا في عصور الاستبداد موقفا كموقف ذلك الرجل الذي وقف من بين الناس معترضا على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه في لبسه لثوب سابغ, بل غيبت الحريات, وساد الاستبداد, واستشرى الظلم, ولم تعد الأمة تمارس دورها في السياسة العامة, بل غدت تملى عليها إملاءً, ومع ذلك الانحراف بقيت العبادات الفردية حية قائمة, والحركة العلمية نشطة مزدهرة إلا أن كثيرا من القيم المجتمعية داخلها الدخن, وشابتها الشوائب, حتى قال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز حينما آل الأمر إليه: "إني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله, قد فني عليه الكبير وكبر عليه الصغير, وفصح عليه الأعجمي, وهاجر عليه الأعرابي, حتى حسبوه ديناً لا يرون الحق غيره".

الآية وأسباب نزولها

من القيم التي ذبلت معانيها, وخمدت جذوتها, وتراجعت تطبيقاتها, قيمة العدل, والحكم بين الناس بالحق, ويأتي جزء الآية المضمن في عنوان هذا المقال, مع تمامها وما يلحقها من الآيات (105ـ113 من سورة النساء) ليرسم مشهدا, يقترن فيه تشريف النبي صلى الله عليه وسلم وتكريمه وتعظيمه وتفويض الأمر إليه, مع تقويم ـ كما يقول القرطبي ـ أيضا على الجادة في الحكم, وتأنيب على ما رفع إليه من أمر بني أُبيرق (وهي الحادثة التي سيأتي بيانها).

أورد ابن الجوزي في تفسيره (زاد المسير..) أقوالا ثلاثة في سبب نزول الآية:{إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما}(النساء:105).

أحدها: أن طعمة بن أبيرق سرق درعا لقتادة بن النعمان, وكان الدرع في جراب فيه دقيق, فجعل الدقيق ينتشر من خرق الجراب, حتى انتهى إلى الدار, ثم خبأها عند رجل من اليهود, فالتمست الدرع عند طعمة, فلم توجد عنده, وحلف: ما لي بها علم, فقال: أصحابها, بلى والله, لقد دخل علينا فأخذها, وطلبنا أثره حتى دخل داره, فرأينا أثر الدقيق, فلما حلف تركوه, واتبعوا أثر الدقيق حتى انتهوا إلى منزل اليهودي فأخذوه, فقال: دفعها إليَّ طعمة, فقال قوم طعمة: انطلقوا إلى رسول الله, وليجادل عن صاحبنا فانه بريء, فأتوه فكلموه في ذلك, فهم أن يفعل, وأن يعاقب اليهودي فنزلت هذه الآيات كلها, رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: أن رجلا من اليهود استودع طعمة بن أُبيرق درعا, فخانها فلما خاف اطلاعهم عليها ألقاها في دار أبي مليل الأنصاري, فجادل قوم طعمة عنه, وأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه أن يبرأه, ويكذب اليهودي, فنزلت الآيات, هذا قول السدي ومقاتل.

والثالث أن مشربة رفاعة بن زيد نُقبت, وأُخذ طعامه وسلاحه, فاتهم به بني أُبيرق, وكانوا ثلاثة بشير, ومبشر, وبشر, فذهب قتادة بن النعمان إلى النبي, فقال: يا رسول الله إن أهل بيت منا فيهم جفاء نقبوا مشربة لعمي رفاعة بن زيد, وأخذوا سلاحه وطعامه, فقال: انظر في ذلك, فذهب قوم من قوم بني أبيرق إلى النبي فقالوا: إن قتادة بن النعمان وعمه, عمدوا إلى أهل بيت منا يرمونهم بالسرقة وهم أهل بيت إسلام وصلاح, فقال النبي صلى الله عليه وسلم لقتادة: رميتهم بالسرقة على غير بينة فنزلت هذه الآيات, قاله قتادة بن النعمان.

يقول شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: "واختلف أهل التأويل في خيانته التي كانت منه فوصفه الله بها, فقال بعضهم: كانت سرقة سرقها, ثم ساق بأسانيده من قال بهذا, وقال آخرون: بل الخيانة التي وصف الله بها من وصفه بقوله: (ولا تكن للخائنين خصيما), جحوده وديعة كان أُودِعَها, ثم ساق بأسانيده من قال ذلك, ثم أتبع ذلك ذاكرا اختياره وترجيحه " وأولى التأويلين في ذلك ما دلّ عليه ظاهر الآية قول من قال, كانت خيانته التي وصفه الله بها في هذا الآية جحوده ما أُودع, لأن ذلك هو المعروف من معاني الخيانات في كلام العرب, وتوجيه تأويل القرآن إلى الأشهر من معاني كلام العرب ما وجد إليه سبيل أولى من غيره".

القصة: العبر والدلالات

أما صاحب الظلال فيجمل القصة مستجمعاً أطرافها من عدة مصادر, وهي تقارب ما أورده ابن الجوزي في القول الثالث غير أنه أضاف أن السارق وهو من بني أبيرق قد ألقى الدرع المسروقة في بيت رجل يهودي (اسمه زيد بن السمين), وقال لنفر من عشيرته: إني غيبت الدرع, وألقيتها في بيت فلان, وستوجد عنده, فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله: إن صاحبنا بريء, وإن الذي سرق الدرع فلان, وقد أحطنا بذلك علما, فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس, وجادل عنه, فانه إن لم يعصمه الله بك يهلك.. ولما عرف رسول الله أن الدرع وجدت في بيت اليهودي, قام فبرأ ابن أبيرق وعذره على رؤوس الناس...

يستخلص صاحب الظلال من هذه القصة جملة من العبر والدلالات فيما يلي إيراد لبعضها:

• إن المسألة لم تكن مجرد تبرئة بريء, تآمرت عليه عصبة لتوقعه في الاتهام، وإن كانت تبرئة بريء أمراً هائلا ثقيلا الوزن في ميزان الله، إنما كانت أكبر من ذلك. كانت هي إقامة الميزان الذي لا يميل مع الهوى, ولا مع العصبية, ولا يتأرجح مع المودة والشنآن أياً كانت الملابسات والأحوال.

• كانت المسألة هي تطهير هذا المجتمع الجديد, وعلاج عناصر الضعف البشري فيه مع علاج رواسب الجاهلية والعصبية، في كل صورها حتى في صورة العقيدة, إذا تعلق الأمر بإقامة العدل بين الناس، وإقامة هذا المجتمع الجديد, الفريد في تاريخ البشرية على القاعدة الطيبة النظيفة الصلبة المتينة التي لا تدنسها شوائب الهوى والمصلحة والعصبية, والتي لا تترجرج مع الأهواء والميول والشهوات.

• لقد كان هناك أكثر من سبب للإغضاء عن الحادث, أو عدم التشديد فيه والتنديد به وكشفه هكذا لجميع الأبصار, بل فضحه بين الناس على هذا النحو العنيف المكشوف. ثم يذكر من تلك الأسباب: أن هذا المتهم “يهودي".. من:"يهود" التي لا تدع سهما مسموما تملكه إلا أطلقته في حرب الإسلام وأهله, وثمة سبب ثان: وهو أن الأمر في الأنصار, الذين آووا ونصروا, والذين قد يوجد هذا الحادث بين بعض بيوتهم ما يوجد من الضغائن, بينما أن اتجاه الاتهام إلى يهودي, يبعد شبح الشقاق, وهنالك سبب ثالث: هو عدم إعطاء اليهود سهما جديدا يوجهونه إلى الأنصار, وهو أن بعضهم يسرق بعضا, ثم يتهمون اليهود, وهم لا يدعون هذه الفرصة تفلت للتشهير بهم والتغرير.

ما يجليه سيد قطب في هذه العبر والدلالات, وخصوصا فيما أشار إليه من وجود أسباب وجيهة تدفع باتجاه الإغضاء عن الحادث, وعدم تناوله هكذا على رؤوس الناس, يُعد دروسا منهجية بالغة القيمة, وهي التي ينبغي أن تؤسس لجيل إسلامي يتربى ويتدرب على الإعلاء من شأن القيم المجتمعية, ومن بينها إقامة العدل بين الناس.

إن المرء حينما يستعرض مشاهد الظلم والطغيان, ويسترجع صور التعدي والعدوان, يتساءل كيف يكون السبيل إلى إقامة الميزان الذي لا يميل مع الهوى والعصبية؟

بسام
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 02:03 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011