عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > ~¤¢§{(¯´°•. العيــون الساهره.•°`¯)}§¢¤~ > أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه

أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه هنا توضع المواضيع الغير مكتملة او المكرره في المنتدى او المنقوله من مواقع اخرى دون تصرف ناقلها او المواضيع المخالفه.

Like Tree10Likes
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #76  
قديم 07-30-2010, 09:42 PM
 
* الجزء التاسع عشر*
(ماذا تعني بكلماتها؟)


دلفت وعد الى القسم وهي تتنهد.. وتوجهت لتجلس خلف مكتبهابهدوء.. فتسائل أحمد قائلا:لم استدعاك المدير؟..
التفتت له وعد وقالت: لقد تحدث الي بشأن موضوعي وانه ربما يحدث بعض المشكلات.. واخبرني انه سيوافق عليه على ان اتحمل انا تلك المشكلات..
سألها طارق في هذه المرة قائلا: وبماذا اجبته؟..
هزت وعد كتفيها وقالت: بالتأكيد وافقت..هل ارفض فرصة نشر موضوع كهذا من اجل بضع مشكلات..
ابتسم طارق بهدوء وقال: جيد انك لم ترفضي..
وظل يتأملها لوهلة قبل ان يلتفت عنها ويعود لممارسة عمله وكلمات خاطرتها لا تكاد تبارح ذهنه.. (" برودك يغيظني..تجاهلك يثير حيرتي..أخبرني اي شخص هو أنت ..لا ..بل من أنت؟..لم اشعر بكل هذا الاهتمام؟ ..وأنت لا ترفع رأسك وتنظر الى الأمام ..إلي..انظر إلي ..حقاً أريد أن أراك..أريد أن اعلم أي شخص هو أنت ..برود وصمت..ام اهتمام خلف قناع من ثلج؟..أحقا تشعر كباقي البشر..أم بت صلبا كالصخر..بالله عليك كرهت هذا الصمت..تحدث واخبرني ...من أنت؟..")
كل كلمة من هذه الكلمات تعود لتدوي في ذهنه.. لتمنعه من مواصلة عمله.. ورمى بالقلم بهدوء ليتأمل ملامحها الجميلة ويهمس لنفسه قائلا: (ماذا فعلت بي يا وعد؟.. مجرد كلمات اجبرتني على التفكير بك طوال الوقت.. على ان تظل صورتك محفورة في ذهني..لقد بدأت اعتاد حياتي هذه ..فلم جئت الآن؟..لا اريد ان يعود قلبي للنبض مرة اخرى..لقد احطت مشاعري منذ سنين بجبال من الجليد.. فكيف في ايام فقط استطعت ان تذيبي منها الكثير.. اشعر اني قد بدأت اعود الى شخصي الاول..الى طارق الذي فارقته منذ ثمان سنين..طارق المتفاؤل.. المرح.. الذي ينظر الى الحياة بنظرة سعيدة..الذي كان يمنح الحياة كل شي دون ان يطلب منها سوى سعادته.. لم يرغب في حياته بشيء غير ان يشعر بأن احلامه ستتحقق في يوم.. احلامه التي عاش سنتين لأجلها.. ولكن ...
وكأن الحياة تبخل عليه مجرد الشعور بالسعادة.. حطمت احلامه.. قتلت أمنياته.. جرعته كأس المرارة لسنين طويلة..وكأن ليس من حقه ان يبتسم فقد ابتسم بما فيه الكفاية..
وعاد ليتطلع لوعد ويهمس لنفسه من جديد قائلا: ( ولكن هاهي ذي وعد أمامي..ربما ارسلها لي القدر لتعود السعادة الى حياتي الآن..لأطوي صفحة الآلام الى الابد.. وابدأ من جديد..ترى هل انا محق؟.. هل اترك قلبي لوعد؟.. ام اتجاهل مشاعري واقبل بالحياة التي اعتدت عليها منذ سنين.. لماذا دخلت الى حياتي الآن يا وعد؟.. ألتبعثي في نفسي كل هذه الحيرة وتعيدي الي آلام الماضي..ام لكي تمنحيني بصيص امل اكمل به طريقي.. لو تعلمين يا وعد..فقط لو تعلمين انني لم اعد استطيع الابتعاد عنك مطلقا.. ربما تندهشين.. تستغربين.. ولكنها الحقيقة.. لقد بات قلبي ينبض لأجلك.. اجل لأجلك انت.. هل بت تشعرين بي؟.. وب....
جاءه صوت وعد لتنتشله من افكاره وهي تقول: واخيرا حانت نصف ساعة الاستراحة..
رفع طارق حاجبيه للحظة وغمغم لنفسه قائلا: (هل غرقت في التفكير لكل هذا الوقت؟)
ووجد وعد تلتفت اليه وتقول بابتسامة عذبة: ألن ننهض؟..
أومأ لها طارق برأسه بهدوء وهو يقول : بلى..
نهضت من خلف مكتبها وقالت بحماس: لا زلت متشوقة لمغرفة تتمة حكايتك مع مايا..
قال طارق بهدوء: سأكملها لك اليوم اذا حصلت على الوقت الكافي..
وسارت برفقته الى حيث الكافتيريا .. وقال طارق بهدوء: اريد ان اخبرك انك ستواجهين الكثير من المصاعب في عملك هذا.. وخصوصا اذا كان الموضوع يتعلق بشخص ما مسئول في الدولة.. والصحفي الحقيقي فقط هو الذي يمكنه مواجهة مثل هذه الامور..
واردف وهو يلتفت لها: لا تستغربي ان قلت لك انه ربما تتعرضين للفصل من العمل بسبب مجرد موضوع قمت بكتابته .. او ربما يتم ايقافك عن العمل لمدة معينة.. هذا بالاضافة الى الخصم من الراتب.. ما اريده منك يا وعد.. ان لا تلتفتي لكل هذا.. مادمت تؤمنين بصدق ما تكتبين وبأثره على اصلاح وتقدم المجتمع.. تحلي بالجرأة والشجاعة .. وواجهي الجميع لتثبتي وتبيني لهم انك على حق.. وهم على باطل.. مادمت تعملين من اجل هدف نبيل..
تطلعت اليه وعد باعجاب ومن ثم سألته قائلة: أخبرني.. هل تعرضت انت لمثل هذا؟..
قا لطارق بهدوء: كثيرا.. فكثيرا ما تم الخصم من راتبي.. وكثيرا ما اوقفت عن العمل لفترة..
تطلعت اليه بحيرة: ولا زلت مستمرا فيما تكتب من موضوعات تنتقد المسئولين..
قال طارق بحزم: واكثر من هذا.. مادمت ارى الخطأ امام عيني.. فلم اصمت؟..هل انا اصم ام اخرس.. لم جئت للعمل في مجال الصحافة اذا.. ان كنت سأصمت عن الخطأ؟..

قالت وعد وهي تغمز بعينها: اخشى ان يتحول عملك يوما في الصحيفة الى عمل تطوعي اذا استمر الخصم من راتبك..
قال طارق مبتسما: لا تقلقي.. هناك حد معين لا يمكنه الخصم بما يفوقه..
قالت وعد وهي تتطلع الى طارق باعجاب: ولكنك على حق..فلا يهمني ان تم طردي من هذه الصحيفة يوما.. ما يهمني هو ان اعبر برأيي بكل حرية في هذا المجتمع وان استطيع توصيل هذه الاخطاء للناس..
قال طارق بابتسامة: تعجبني جرأتك..
خفق قلب وعد لاطراءه لها وابتسمت بدورها وقالت: وتعجبني انا طريقة تفكيرك..
واردفت بمرح: ولكن ليس دائما..
اتسعت ابتسامة طارق وهو يدلف برفقتها الى الكافتيريا ويذهب لشراء بعض الاعطمة له ولها.. قبل ان يعود ليجلس برفق وعد حول احدى الطاولات.. وقالت هي وهي ترتشف قليلا من كوب الشاي: هيا انا بشوق لسماعك ..كلي آذان صاغية..
صمت طارق قليلا ومن ثم قال: اظن انك لا تزالين تذكرين ان آخر ما رويته لك كان بخصوص تدريبها على ركوب الخيل .. اليس كذلك؟...
أومأت وعد برأسها ايجابيا فأردف طارق قائلا: حسنا.. لقد صعدت مايا آنذاك على ظهر الحصان وهي تشعر بالخوف والتوتر وتطلعت الي لفترة قبل ان تزدرد لعابها وتقول: ولكني اشعر بالخوف قليلا..
تطلعت اليها وقالت وانا امسك اللجام: لا تخشي شيئا وانا معك..
عادت لتزدرد لعابها وتقول: انها اول مرة اركب فيها حصانا.. اشعر انني ارتجف..
قلت بهدوء وانا التفت لها: لا تتوتري والا شعر الحصان بذلك..ورفض التحرك وربما تمرد ايضا..
قالت مايا بصوت مرتبك: انت تخيفني هكذا اكثر..
قلت وانا اشير بسبابتي: بل احاول تنبيهك الى بعض الامور قبل ان نبدأ..
وابتسمت لاقول مردفا: هل انت جاهزة الآن؟..
أومأت برأسها بتوتر..فأخذت أحرك الحصان بخطوات بطيئة.. واتطلع اليها بين الفينة والاخرى..والى القلق الذي يكتسي ملامحها ومن ثم قلت مبتسما وانا اسلمها اللجام: والآن حاولي قيادته وحدك..
تطلعت الي بدهشة وهتفت قائلة: ماذا تقول؟..هل تظنني قد جننت حتى اقود حصان لوحدي؟..
غمزت بعيني لها وقلت: هذا لايسمى جنونا بل تدريبا على ركوب الخيل..
واردفت بابتسامة مشجعة وانا اقدم لها اللجام: هيا حاولي لوحدك.. ستجدين الامر سهلا صدقيني..
ترددت وقالت بخوف: ولكن...
جذبت احدى كفيها لاناولها اللجام وقلت بابتسامة حانية: ستفعلينها يا مايا .. صدقيني.. انت قادرة على ذلك..
رأيت الارتباك يبدوا واضحا من ملامحها من مسكة يدي لكفها.. فتركت كفها وقلت: هيا يا مايا..
أومأ برأسها..والتقطت نفسا عميقا..قبل ان تحاول تحريك الحصان.. فقلت لها: اضربيه بحذائك بخفة..
قالت بشحوب: لن يتحرك.. فالأهبط من على ظهره افضل لي..
- بل ستكملين..هيا لا تستسلمي بهذه السرعة..
فعلت كما طلبت منها ولكن الحصان لم يتحرك فطلبت منها ان تفعل ذلك بقوة اكبر.. وهنا تحرك الجواد.. وشاهدتها تبتسم ابتسامة متوترة وتقول: لقد تحرك حقا..
اومأت برأسي وقلت مشجعا: هيا اكملي..
قالت بسعادة: لأول مرة اشعر بأناحدى امنياتي قد تحققت بالفعل .. اشعر ببشيء غريب وانا ارى فسي امتطي جوادا كما تمنيت دوما..انه لشعور رائع يا طارق.. اشعر وكأنني احلق بالهواء و....
وتوقفت بغتة عن مواصلة الحديث ..لا اعلم ما الذي اوقفها عن مواصلة كلماتها السعيدة المفعمة بالحياة والامل..والتفت لها لأعرف السبب.. وهنا فقط شاهدت الشحوب يكتسي وجهها فاسرعت اوقف الجواد وانا اسألها قائلا: ماذا بك؟؟..
عضت على شفتيها بألم وقالت مكابرة: لا شيء.. انا بخير..
قلت وانا اعقد حاجبي: اخبريني الصدق يا مايا..ما الذي حدث لك فجأة؟..
ازدادت علامات الألم على وجهها وقالت بصوت خفيض بالرغم منها: اريد ان اهبط من على ظهر الجواد..
تملكني الخوف بغتة.. انها اول مرة اراها فيها على مثل هذه الحالة من الشحوب والالم هل تعاني من شيء ما.. او من مرض ما.. او انه شعورها بالخوف ؟.. واتجهت اليها في سرعة لامد لها يدي واقول: سأساعدك..هيا اهبطي..
لم تعترض وهذا ما ادهشني.. هذا يعني انها لا تستطيع حتى الاعتراض.. امسكت بكفي وهبطت بمعاونتي من على ظهر الجواد.. ولمحت بوضوح اكبر في تلك اللحظة ملامح الالم البادية على وجهها فقلت بقلق وتوتر: مايا اخبريني ماذا بك؟؟
التقطت مايا نفسا عميقا.. شعرت معه انها تحاول ملء رئتيها بالهواء الذي اخذ ينفذ من رئتيها..وهذا يعني انها تشعر بالاختناق في هذه اللحظة او بالالم الشديد.. وقالت بصوت ضعيف: لا شيء يا طارق...لا شيء..
امسكت بكتفيها وصحت بحدة: لا تكذبي.. اخبريني الصدق.. انت تكادين تصيبيني بالجنون باخفائك مثل هذا الامر عني..
تطلعت الي بنظرة لم افهم معناها.. ومن ثم قالت بصوت خافت للغاية حتى انني بالكاد كنت اسمعه: طارق..دعك مني..انا لن احيا...طويلا..
اردت ان اسألها عن معنى ما قالته.. عن معنى هذه القنبلة التي فجرتها في وجهي بكلماتها.. عن معنى هذا الكلام الاحمق الذي نطقت به منذ ثوان.. ولكني لم استطع فلقد تهاوت بين ذراعي فاقدة للوعي....
لم اعلم ماذا افعل فقد تملكني الرعب والفزع الشديدين وشلاّ اطرافي وتفكيري.. مانعاني من فعل أي شيء للسيطرة على مثل هذا الموقف وانا أكاد اسمع ضربات قلبي التي أخذت تنبض بسرعة وخوف..ولكني وجدت نفسي اصرخ طالبا النجدة .. ووجدت عدد من زملاء النادي جاؤوا لمعاونتي..لا اعلم ماذا حدث لحظتها.. لقد كنت مشتت العقل تماما..لم أكن ارى أمامي سوى ضباب كثيف أخذ يحجب عني الرؤية تدريجيا ..وأخيرا تم نقل مايا الى قسم صغير للطوارئ بالنادي..
تستطعين القول ان هذا اصعب موقف مررت به في حياتي.. وأنا ارى مايا فاقدة الوعي تماما وبصعوبة اراها تتنفس..والتف حول فراشها في تلك الغرفة الصغيرة التي تم نقلها اليها بالقسم الطبي..عدد بسيط من الاطباء لا يتعدون ثلاثة..وعدد من الممرضات.. ومنعا الجميع من الدخول.. ووجدت نفسي اهتف بانفعال في وجه احدى الممرضات: ابتعدي عن طريقي اريد ان اراها..ليس من حقك منعي..
قالت الممرضة بحزم: ارجوك يا سيد..هذه هي اوامر الاطباء.. سيتم فحصها وبعدها يمكنك الدخول..
قلت بعصبية: فلتذهب اوامرهم الى الجحيم اتفهمين.. اريد رؤيتها الآن..
قالت الممرضة بهدوء: سيدي انك تعطلنا عن عملنا هكذا.. ارجوك انتظر قليلا..
كدت ان استمر في انفعالي لولا ان شعرت بأحد الزملاء يقترب مني ويقول وهو يضع كفه على كتفي: اهدئ يا طارق قليلا.. ودعهم يمارسون عملهم.. مايا عزيزة علينا جميعا .. والجميع يرغب في رؤيتها.. ولكن من أجلها سننتظر.. أليس كذلك يا طارق؟..
التفت نحوه وقلت بحدة: لن انتظر لحظة واحدة اكثر من هذا.. اعصابي تكاد تتحطم وأنا لا اعرف ماذا بها.. وما الذي اصابها فجأة.. لا افهم معنى تلك الكلمات الحمقاء التي نطقتها قبل ان تفقد الوعي..
تطلع الي زميلي بحيرة وقال: أي كلمات؟..
كدت ان أخبره.. لكن لساني ظل عاجزا عن اعادة نطقها .. وكأن قولها قد يصيب شيء من الحقيقة.. وهذا ما أخشاه ..وارفض تصديقه.. ووجدت نفسي ابتعد بخطوات بسيطة عن غرفتها.. وارمي نفسي على أحد المقاعد بانهيار.. ان ما يصيبني الآن اكبر من ان أتحمله.. ان اعصابي تكاد تتلف وانا انتظر في لهفة وقلق خروج أحد الاطباء ليخبرنا بما حدث لمايا...
توقف طارق عن السرد للحظة.. وبدا عليه ان عاد لتلك اللحظة وانه يراها الآن امام عينيه..والتقط نفسا عميقا محاولا السيطرة على مشاعره ومن ثم قال: وأخيرا خرج أحد الاطباء من تلك الغرفة.. ولم اكد المحه حتى اسرعت اليه وقلت بتوتر: طمئنا على مايا يا ايها الطبيب..
قال الطبيب بهدوء: هذه اعراض طبيعية واظن انه لا داعي لكل هذا الخوف.. فمرضى القلب يعانون من هذه الحالات بين فترة واخرى عند شعورهم بالخوف او التوتر الشديد واظن...
قاطعته كالمصعوق : مرضى القلب؟؟..اي هراء تتفوه به يا هذا.. ان مايا بخير وليست مصابة بأي شيء..
قال الطبيب بهدوء من اعتاد مثل هذه الأمور: انه مرض وراثي لديها على ما اظن.. وهي تتعالج منه منذ فترة.. واظن انها تدرك مثل هذه الاعراض التي تصيبها اثر مرض قلبها..
اتسعت عيناي عن آخرهما وانا احاول استيعاب أي كلمة مما نطق.. وانا احاول ان اقنع نفسي ان هذا ليس سوى كابوسا سأستيقظ منه بعد قليل.. اذا هذا ما كانت تعنيه بكلماتها .. انها مريضة بالقلب.. وشبح الموت سيظل يطاردها الى الابد .. سيكون الخوف من هذا المصير هو صاحبها في كل لحظة..
لم اشعر بنفسي الا وانا اندفع الى داخل غرفتها واسرع الى جوار فراشها لاتطلع اليها.. كانت تبدوا كالملاك وهي مغمضة العينين..بريئة الملامح.. ساكنة الاطراف..وشعرت بغصة مريرة تملأ حلقي .. وأنا اتخيل ان تكون مثل هذه الانسانة الرائعة مريضة بالقلب.. كيف يستطيع المرء تصديق ان هذا الجمال النائم سينتهي يوما ما..
حاولت تمالك نفسي لكن قدماي لم تعودا قادرتان على حملي فتهاويت على أحد المقاعد وأنا اتطلع الى وجهها بيأس كبير ..لماذا القدر لا يمنحني السعادة الذي تمنيت؟..اليس من حقي ان اكون سعيدا مثل بقية الناس؟.. هل عندما احببت وتملكت فتاة قلبي ارى هذا المصير المرعب ينتظرنا سويا.. ماذا فعلت لأشعر بكل هذا؟.. هل اخطأت عندما أحببت فتاة ما وتمنيتها لتكون شريكة لحياتي؟.. هل هذه جريمة ارتكبتها؟.. ام ان...
وتوقف عقلي عن التفكير.. لم استطع ان اتحمل المزيدمن هذه الآلام والا سأنهار..ان لم يكن الانهيار قد اصابني وقتها بالفعل .. رأيت عددا من الزملاءوالزميلات يدلفون الى الداخل ويتطلعون الى مايا بهدوء..يخفي احاسيسهم..ان الجميع يدفن بداخله حزن عميق لهذه الانسانة الرائعة التي كانت ولا تزال احدى اروع فتيات جامعتنا.. اسرت الجميع بطيبتها.. بمرحها ..باخلاقها.. برقتها وبغرورها احيانا.. اسرت قلبي ببرائتها..بشخصيتها وبأحلامها البسيطة.. وفي تلك اللحظة شاهدت احدى الزميلات تخفي فمها بكفها وهي تطلع الى مايا .. ولم تستطع الاحتمال اكثر.. فسالت دموعها على وجنتيها في الم وهي تحاول التماسك دون فائدة.. وقال احد الزملاء متحدثا لها: لا داعي للبكاء.. ان مايا بخير..
قالت وهي تتطلع اليه بعينان مغرورقتان بالدموع: لماذا لم تخبرنا مايا بهذا الامر؟..لماذا اخفته عنا؟..اريد ان اعلم..هل تظن انها لن تبقى عزيزة علينا لو اخبرتنا بحقيقة مرضها؟..
اجابها زميل آخر بهدوء: ان الامر اصعب مما تتصورين.. من الصعب على شخص ما ان يعبر عن مثل هذه الحقيقة للآخرين.. سيشعر وانهم سينظرون اليه دائما بشفقة وعطف.. وانه لا يربطه بهم سوى الشفقة لحاله لا شخصه هو..
لم تتوقف الدموع عن الانهمار من عيني تلك الزميلة.. وتبعتها زميلة اخرى .. وقال احد الزملاء لتدارك الموقف: انتن تزعجونها هكذا.. اما ان تصمتن او نخرجكن من الغرفة..
قالها بمرح مفتعل..في حين قالت احداهن: حتى التعبير عن المشاعر اصبح ممنوعا هذه الايام..
قال مبتسما بشحوب: اسمعوني جيدا.. سوف نبقى قليلا هنا ومن ثم نغادر جميعنا لندعها ترتاح.. اتفقنا..
كنت معهم بنصف عقل.. بنصف تفكير.. لم اكن استمع الى ما كانوا يقولونه بعدها الا لكلمات متفرقة.. لقد كانت انظاري معلقة بمايا طوال الوقت.. وجسدي هو الموجود بينهم فقط.. فعقلي وقلبي كانا مع مايا.. يرافقناها في كل لحظة في عالم احلامها.. تمنيت ان أخترق احلامها لأعلم بمن تفكر.. بمن تحلم في هذه اللحظة..
وايقظني من افكاري صوت أحد الزملاء وهو يقول لي: هيا يا طارق فلنغادر وندعها ترتاح.. سوف نأتي مرة اخرى لرؤيتها فيما بعد..
هززت رأسي نفيا وقلت: سأبقى معها ولن اغادر..
- وماذا سيفيد بقاءك معها؟..
- اريد ان اظل الى جوارها..
واردفت مبررا: فماذا لو نهضت ولم تجد أحد معها..ربما تحتاج الى شيء ما حينها ..
قال زميلي بهدوء: انها ليست طفلة.. ولابد انها قد اعتادت مثل هذه الامور..وكيف تتصرف لوحدها بالمشفى و..
رمقته بنظرة صارمة.. اصمتته وارغمته على عدم مواصلة حديثه.. فقال بارتباك: معذرة لم اقصد ما فهمته.. اعني انها تعرف كيف تتصرف لوحدها.. دعها لترتاح يا طارق وسنأتي جميعا لرؤيتها بعد قليل..
قال طارق باصرار: قلت لا.. ان كنتم تريدون المغادرة فغادروا لن امنع احدكم..
- لكن يا طارق س...
قاطعه زميل آخر قائلا: دعه وشأنه..ان كان يريد البقاء فليبقى معها..
واردف بخبث: فيبدوا انها غالية عليه بأكثر مما كنا نتصور..
تطلعت الى زميلي بصمت دون ان اعقب بشيء..لم اعترض؟.. لم ابرر؟.. لم افعل هذا؟..انني احب مايا حقا..احبها بكل مشاعري.. فهل افعل ما هو خطأ؟.. لست اخدعها او اكذب عليها .. انني مستعد للزواج بها اليوم قبل الغد ..لكن هل ستوافق هي؟.. هل ستوافق ان علمت انني قد علمت بأمر مرضها هذا؟.. ستظن انها شفقة او عطف مني.. لكن لا.. لن اسمح لها بأن تظن بي مثل هذا الظن.. انا احبها .. احبها ..ومستعد لفعل أي شيء لأجلها..لتعلم كم هي غالية بالنسبة لي..
لم اشعر بزملائي وهم يغادرون المكان..بصراحة لم اكن اشعر بشيء مما حولي مطلقا.. كانت ابصاري معلقة بمايا وهي ممدة على الفراش وشعرها الاسود الطويل يجيط بوجهها بنعومة.. بعكس بشرتها البيضاء الناصعة..ليخلق مشهد اجمل فتاة رأيتها في حياتي.. اكاد اسمع صوت ضربات قلبها.. والغرفة تخلوا من أي صوت أخر سوى صوت جهاز ضربات القلب الذي يستمر بالرنين في كل ثانية.. وانفاسها الهادئة تدل على نومها العميق..
وابتسمت بمرارة بالرغم مني.. كيف لي ان احتمل مثل هذه الفكرة .. ان مايا مريضة بالقلب.. وانها...
لكن لم اليأس.. لم؟..ان الله عز وجل قادر على كل شيء.. وقلت هامسا لتفسي: ( يا رب.. ابقي مايا لنا يا رب.. اشفها من مرضها..اسألك يارب العالمين.. اسألك وانت لا ترد سؤال الداعي اذا دعاك..ارحمنا برحمتك يا رب العالمين)..
لم اعلم كم مر من الوقت بعدها.. ساعة .. يوم.. اسبوع.. عام..لست اعلم.. كنت اشعر بكل ثانية تمر.. اشبه بالساعة.. لهذا لست اعلم كم قظيت في تلك الغرفة من الوقت..وتوقفت عقارب الساعة كلها فجأة .. اظن ان هذا ما حدث وقتها..وانا اسمع ذلك الصوت الخافت الذي همس: طارق..
تطلعت اليها بدهشة ومن ثم لم البث ان ابتسمت بحنان وانا اقترب منها قائلا: حمدلله على السلامة..
قالت بشحوب: اين انا؟..
جذبت مقعدا لي وجلست عليه وانا اقول: بقسم للرعاية الطبية بالنادي..
رأيت عيناها تتسعان بغتة.. وتمتمت بصوت مرتجف: اذا فقد عرفت..
امسكت بكفها لأقول بحب: عرفت ماذا؟..
تطلعت الى كفي الممسكة بكفها للحظة قبل ان تقول بمرارة: انني مريضة ولن احيا طويلا..
قلت مبتسما: وما ادراك؟.. هل تعرفين الغيب؟..
قالت وهي تشيح بوجهها بألم: لا.. ولكنه الواقع الذي علي ان اتقبله.. اعرف ان مرضي هذا لا شفاء منه.. وان نهايته هي الموت..
قلت محاولا تهدئتها: لا تقولي هذا .. من يدري .. هناك اشخاص اصحاء لا يعيشون لأكثر من عشرون عاما.. بينما يعيش اشخاص فقدوا الامل بالحياة لأكثر من ستون عاما..
لمحت الدموع تترقرق في عينيها وقالت: اتحاول ان تمنحني بعض الامل.. أعلم انني سأموت قريبا..
عقدت حاجبي وقلت: من يدري ربما اموت انا بعد لحظات من الآن..
قالت مايا باستنكار: لا تقل هذا..
قلت وانا اتطلع اليها بحنان: وانت ايضا لا تقولي مثل هذا الكلام التافه مرة اخرى.. لا تفقدي الامل يا مايا.. اتعدينني؟..
اومأت برأسها ومن ثم ضغطت على كفي الممسكة بكفها بحنان وقالت بصوت هامس ودافئ: اعدك..
************
تطلع عماد بابتسامة واسعة الى ليلى التي انتهت من عملها أخيرا.. وقال: وأخيرا.. لقد كدت ان انام..
قالت ليلى مبتسمة: لم يطلب احد منك انتظاري.. انت من فعل..
- الا ترين انه من الواجب عليك شكري بعد ساعة كاملة من الانتظار..
قالت ليلى مداعبة: ربما كان من الواجب علي لو انني انا من طلبت منك الانتظار معي..
قال عماد وهو ينهض من على مقعده: حسنا لا بأس في المرة القادمة انت من سيطلب بقائي معك..
قالت ليلى مبتسمة: من قال هذا؟..
غمز لها عماد بعينه وقال: سنرى.. والايام بيننا..
واردف بهدوء: هيا لنغادر الآن..
اومأت ليلى برأسها وهي تنهض من خلف مكتبها وتسير الى جواره.. الى ان وصلا الى مواقف السيارات.. وهناك سألته ليلى قائلة:الى أي مطعم سنذهب؟..
قال عماد مبتسما: انها مفاجآة ..
قالت ليلى بحيرة : ولكن هكذا لن استطيع ان اتبعك بسيارتي..
قال عماد وهو يفتح باب السيارة المجاور له: هل تسمحين اذا ان اوصلك انا الى هناك؟..
ظهر التردد جليا على وجهها فقال عماد بابتسامة حانية: الا تثقين بي؟..
تطلعت له ليلى ومن ثم قالت وهي تلمح ابتسامته الحانية: على العكس.. انت اكثر الشباب نبلا على وجه الارض بالنسبة لي..
ابتسم عماد وقال: اشكرك.. ان كلماتك هذه تسعدني..
ابتسمت ليلى واقتربت من سيارته بهدوء لتدلف اليها .. ويدلف عماد بدوره على مقعد القيادة وينطلق بالسيارة ...
************
  #77  
قديم 07-30-2010, 09:43 PM
 
*الجزء العشرون*
(هل هي النهاية؟)


قال طارق وهو يكمل سرده للحكاية: تستطيعين ان تقولي ان ماحدث بعدها اشياء عادية جدا.. لم يؤثر مرضها كثيرا على علاقتها بي او بالآخرين.. ولكني شعرت بأنها تحبني بحق ..لأول مرة اعلم بحقيقة مشاعرها وانها قد بادلتني المشاعر أخيرا.. لابد وانك تتسائلين كيف عرفت بحبها لي.. لقد بدأت اشعر باهتمامها الكبير تحوي.. بحنانها.. بلهفتها وشوقها كلما رأتني.. لم يكن هناك ما يفسر تصرفاتها.. الا انها قد بادلتني المشاعر أخيرا...
وجاء ذلك اليوم..كان يوما عاديا كأي يوم قد مر علينا جميعا.. نهضت صباحا لأذهب الى الجامعة ولم انس ان اتوجه الى زملائي لالقي التحية عليهم.. وعلى مايا خصوصا ..ورأيتهم جميعا جالسين حول احدى الطاولات بالكافتيرا ..فقلت بابتسامة مرحة: صباح الخير جميعا.. الا تكفون عن تناول الطعام ابدا؟..
قال أحدهم بخبث: ليس نحن.. انها مايا من اقترحت هذه الفكرة..
اشارت مايا الى نفسها وقالت باستنكار: انا؟؟..
اما انا فقلت: هذا يثبت لي انك انت صاحب هذه الفكرة..
ضحكنا جميعا في مرح..هذه هي حياتنا اليومية.. ابتسامة .. وفرح.. والم نخفيه في اعماقنا بعيدا عن انظار مايا..لم نستطع ان نتعايش مع مرضها بهذه البساطة ولكن مع هذا لم نحاول تغيير أي شيء.. على العكس لقد ازدادت لقاءاتنا.. وظننا اننا سنودع هذا المرض اللعين الى الابد.. وانه لا مكان له وسط كل هذه السعادة التي تعلوا وجوهنا..
ولكن..الواقع المرير كان اقوى منا جميعا.. ولا احد يستطيع منع القدر.. فبعد ان انتهت محاضرتي في ذلك اليوم رأيت احد الزملاء يسرع نحوي وهو يقول لي بصوت لاهث: طارق.. مايا..فقدت الوعي..
اتسعت عيناي برعب وقلت وقد سيطر التوتر على كياني بأكمله: وأين هي الآن؟..
- بالقسم الطبي..
اسرعت الى جواره هابطين السلالم الى الطابق الاول حيث القسم الطبي بالجامعة.. وسمعته يقول لي حينها: لقد اخبرتني احدى زميلاتها.. بأنها كانت تشعر بتعب بسيط ورفضت الذهاب الى القسم الطبي في حينها..وأصرت على مواصلة بقية المحاضرة.. الى ان شعرت بألم فجأة ليجدوها قد أخذت تأن معبرة عن الامها.. وتفقد الوعي بعدها مياشرة..
ازدردت لعابي محاولا السيطرة على خوفي..ان هذا يعني ان آلامها اكبر من ان تتحملها..يا الهي.. ابقي لي مايا ارجوك.. هذا ما اخذت اتمتم به طوال الطريق الى ان وصلت الى القسم الطبي وكدت ان افتح الباب لولا ان خرجت احدى زميلاتي من الداخل بغتة ودموعها تسيل على وجنتيها.. لم احتمل اكثر فهتفت بها في انفعال: ماذاحدث لمايا؟..ماذا حدث لها؟..
شهقت بألم ومن ثم قالت بصوت متحشرج: انها تطلب رؤيتك..وقد طلبت مني قائلة: استدعي لي طارق على الفور فهذه آخر مرة اراه فيها..
قلت وقلبي يخفق بعنف: أي هراء تتفوه به؟..
قالت زميلتي برجاء: اذهب لها ارجوك.. انني اشعر بأنها تعني ما تقول..
ابعدتها عن طريقي يخشونة وقلت: لا تتفوهي بمثل هذه الكلام مرة أخرى.. لا اريد سماعه مطلقا.. اتفهمين؟..
وتوجهت الى حيث ترقد مايا على ذلك الفراش الابيض.. ورأيتها تبتسم.. وهذا ما اذهلني.. كانت تجمع قواها كلها في هذه الابتسامة الشاحبة وتقول: وأخيرا حضرت يا طارق .. كنت انتظرك قبل ان ارحل ولا اراك مرة أخرى..
قلت وانا اجثوا على ركبتي بجوارها: ارجوك لا تتفوهي بمثل هذا.. انت ستعيشين وسنحقق امنياتنا معا..
قالت بشرود: وسوف تدربني مرة اخرى على ركوب الخيل.. اليس كذلك؟..
امسكت بكفها بحنان وقلت بصوت مختنق: بالتأكيد.. وسنظل معا الى الابد..
تطلعت الي وقالت بهمس: لا اعلم كيف اشكرك.. انت انسان رائع يا طارق واروع مما كنت اتصور..
قلت بشحوب: بل انت الرائعة يا مايا..انت كالملاك الرقيق في تصرفاته.. في كلماته.. انت كل شيء لي يا مايا ..كل شيء ..
قالت وهي تتطلع الى نقطة مبهمة في السقف: اتعلم؟.. لم اكن اتصور يوما ان يخفق قلبي لشخص ما.. او انني اشعر بالحب.. لقد كنت اظن ان هذه الامور لا توجد الا في الروايات ولا وجود لها على ارض الواقع..
واردفت وهي تتطلع الي بنظرة حالمة: ولكن ها انذا اشعر بها.. كل خلية من جسمي تشهد بهذا الحب الذي اخذ يسري في عروقي.. لقد نبض قلبي المريض يا طارق بالحب.. نبض لك انت..
شعرت بغصة مريرة تملأ حلقي.. وحاولت النطق بأي حرف.. فهذه الكلمات التي اردت سماعهامنها يوما..تنطقها في اصعب موقف تمر به.. تعترف بحبها لي.. وهي تكاد ترى شبح الموت امام ناظريها ينتظرها ليسلبها الروح.. وقلت بصوت مختنق طهرت منه الكلمات بصعوبة: مايا..هل تدركين؟..انني احببت انا ايضا..احببت فتاة رائعة.. جميلة ..بريئة.. رقيقة..كالملاك في اخلاقها وتصرفاتها..فتاة لا اتخيلها الا ان تكون شريكة حياتي الابدية.. انها فتاتي الرائعة... انها أنت يا مايا..احبك بكل قطرة في دمي.. واتمنى ان اكون قد استطعت منخك من الحب والامان والحنان ما يوفي حقك..
عادت مايا لتبتسم بشحوب وتقول بصوت متعب:كلماتك هذه تكفيني.. تشعني بأني في امان دائما ما دمت معي بقلبك وبروحك .. ستظل دائما معي يا طارق حتى ولو انتقلت الى العالم الآخر..
ترقرقت الدموع في عيني بالرغم مني..لم استطع الا ان ازدرد لعابي لامنعها من الهبوط على وجنتي.. وقلت لحظتها وانا امسح على شعرها الاسود الناعم بحب وحنان: انت دائما وابدا في قلبي يا مايا.. سنكون معا.. وسنتخرج سويا من الجامعة لنعمل في احدى الصحف ونكون افضل صحفيين في هذه الدولة دون منازع كما تمنيا دوما.. سنكون اروع ثنائي يا مايا.. سنحقق حلمنا هذا معا..
التفتت عني مايا وقالت بصوت هامس: اعذرني يا طارق فلن استطيع ان اكون معك.. ستواصل طريقك وحدك.. عدني بأن تكون صحفي لامع وذا قلم متميز ذات يوم..عدني بذلك..
قلت بخفوت وحنان: اعدك يا مايا.. اعدك يا مالكة قلبي وكياني..
ارتسمت ابتسامة على شفتيها وقالت: اذا فسأرحل عن هذه الدنيا وانا مطمأنة ان حلمي وحلمك ستحققهما بكل اصرار..
قلت في سرعة وخوف: لا تقولي مثل هذا الكلام.. اتوسل اليك.. مايا انك نبض قلبي.. مالكة مشاعري.. كيف ستذهبين وتتركيني.. لن استطيع الحياة من بعدك يا مايا.. لن استطيع..
ضغطت على كفي بخفوت وقالت وهي تغمض عينيها: بل ستواصل حياتك..ستصبح صحفي لامع بجريدة ما.. وستتزوج.. وتبدأ حياة جديدة..مليئة بالفرح.. دوني..
قلت وانا امسك بكفها الرقيقة بين اناملي واضغط عليها: مايا.. انت من احب انت من ستواصلين الحياة معي .. انت فقط.. لن اكون صحفي معروف حتى من دونك.. انت من سيمنحني القوة على المواصلة..انت من ستكونين برفقتي.. ستشجعيني دائما.. وسنكون معا دائما.. اليس كذلك يا مايا؟ ..اليس كذلك؟..
ولما لم اجد الرد منها.. التفتت بخوف الى جهاز ضربات القلب وهنا فقط سمحت لدمعتي بالهبوط من على وجنتي وانا اصرخ هاتفا باسمها الذي ظل دائما وابدا محفورا بذهني وقلبي: مايا....
وتردد صوت ندائي بالممكان بأكمله دون ادنى جواب...

التقط طارق نفسا عميقا وهو يتوقف عن السرد ويحاول ان يبعد ذلك المشهد الذي عاش لحظاته المؤلمة وشديدة الحزن ذات يوم .. وتنهد بمرارة وكاد ان يهم بنطق شيء ما وهو يلتفت الى وعد الجالسة امامه.. ولكنه رفع حاجبيه بغتة باشفاق وحنان شديدين وهو يقول: اتبكين يا وعد؟..
رفعت اليه وعد عينيها الدامعتين وقالت وهي تحاول السيطرة على انفعالاتها: معذرة.. ولكن دموعي قد سقطت بالرغم مني..
قال طارق بابتسامة هادئة وهو يناولها منديلا: خذي.. امسحي دموعك..
التقطت المنديل من كفه واسرعت تمسح دموعها .. في حين أخذ يراقبها هو بهدوء.. وتنهدت وعد بصمت قبل ان تتطلع الى طارق بنظرة طويلة.. اكان يعاني كل هذا؟.. ولم يشعر به أحد..أيدفن كل هذا الحزن بداخله حقا؟.. هل استطاع ان يتحمل ان يرى فتاته تغادر الدنيا امام نا ظريه؟..
وقاطع طارق افكارها وهو يلامس كفها بأنامله ويضغط عليها قائلا بابتسامة حانية: معذرة ان كنت قد تسببت في حزنك و بكاءك..
ارتجفت كف وعد بالرغم منها وهي تشعر بأنامل طارق وهي تمس كفها بحنان غريب.. تراه يوجهه لها لأول مرة منذ ان التقيا..وقالت بارتباك وخجل وهي تجذب كفها من بين انامله: دعك مني.. فأن حزني لا يساوي قطرة من بحر حزنك عليها..
زفر طارق زفرة حمل معها آلامه وقال: انت محقة تقريبا في هذا.. فحزني وقتها لم يكن يضاهيه أي حزن بالعالم.. وانا افقدها امام عيني .. وتحولت بعدها من طارق المرح والممتلئ بالحيوية والنشاط.. الى طارق الذي تعرفين الآن.. ولكن مع هذا اصررت ان احقق حلمها وان اصبح صحفي مشهور او لامع باحدى الجرائد.. وها انذا قد حققت حلمها أخيرا وانا ارى نفسي صحفي الكل يعترف بقدرته ومهارته..
قالت وعد متسائلة بتردد: اريد ان اسألك..بعد ثمان سنوات من فقدانك لمايا.. لم يتغير شيء..وهي لا تزال تحتل قلبك ..اليس كذلك؟..
اجابها طارق وهو يهز كتفيه: لا اسطيع انكار هذا.. فمايا لم تكن مجرد فتاة دخلت الى حياتي ومن ثم رحلت منها دون ان تترك أي أثر فيها.. لقد كانت الفتاة التي أحب.. ولقد وعدت نفسي يومها انني سأحيط قلبي باسوار من الجليد.. لاجعله بارد المشاعر..لا ينبض الا بحب مايا..
واردف وهو يبتسم ويتطلع لها : ولكن كان هذا قبل ان التقي بالصحفية التي اقتحمت مكتبي ذات يوم لتقول:من فضلك يا سيد.. لقد وظفت حديثا هنا وأريد أن أسأل اين هو المكتب الذي سأجلس عليه..
ابتسمت وعد ابتسامة واسعة وقالت: وانت اجبتني يومها قائلا: وما شأني أنا..
ضحك طارق ضحكة قصيرة ومن ثم قال: الا زلت تذكرين؟..
ابتسمت وقالت: لقد اغضبني ردك هذا يومها.. وكنت انعتك دوما بالمغرور في سري..
قال طارق مبتسما: وما رأيك الآن..هل انا مغرور كما ظننت؟..
قالت مصطنعة التفكير وهي تضع سبابتها اسفل ذقنها: ليس كثيرا..
قال طارق بسخرية: حقا؟..
صمتت وعد للحظات ومن ثم قالت وهي تتطلع اليه: اتعلم يا طارق انها المرة التي اراك فيها تضحك..
رفع طارق حاجبيه للحظة وكأنه انتبه لهذا الامر توا ومن ثم قال: الم اقل لك انك قد غيرت حياتي؟..
قالت وعد بدهشة: انا؟؟..
- اجل انت..وهل يوجد غيرك هنا؟..
ابتسمت بهدوء.. وشاهدته في تلك اللحظة يميل قليلا نحوها ومن ثم يقول: وهل تعلمين يا وعد..انها المرة الاولى التي اسمعك تناديني باسمي مجردا من دون (استاذ)..
قالت وعد بدهشة: هل فعلت؟.. لم اكن اقصد.. لقد كانت زلة لسان لا اكث...
قاطعها طارق قائلا بابتسامة جذابة: ماذا تقولين؟..على العكس لقد سعدت بهذا.. فهذا يعني على الاقل انك بت تعتبريني شخصا قريبا منك..
اعتلت حمرة الخجل خديها ومن ثم قالت بارتباك محاولة تغيير دفة الحديث: لم تخبرني الى الآن.. لم اخبرتني انا بالذات بحكايتك مع مايا..
اجابها قائلا: لانك قد سألتني ذات مرة عن سبب برودي معك وسبب تصرفاتي اللامبالية.. واردت ان اجيبك على سؤالك..
- هل منحتني ثقتك من اجل هذا السبب فقط؟؟
هز طارق رأسه نفيا ومن ثم قال: لا.. هناك سبب آخر بالتأكيد..
- وما هو؟..
قال وهو يبتسم بغموض: سأخبرك به في الوقت المناسب.. اعدك بهذا..
*********
توقفت سيارة عماد امام احد المطاعم الفخمة بالمنطقة.. وظهرت الدهشة جلية على ملامح ليلى التي ترافقه وهي تقول: انه افخم المناطق واغلاها تقريبا بهذه المدينة.. هل اخطأت الطريق باصطحابي الى هنا ام ماذا؟..
قال عماد مبتسما: لا لم اخطئ الطريق.. فما المشكلة ان نتناولنا طعام الغداء هنا؟..
التفتت له وقالت بحيرة: اتعلم ان وجباته مرتفعة الثمن؟..
هز كتفيه وقال : اعلم.. ثم انه يوم واحد فحسب.. دعينا نستمتع قليلا..
- اظن انه يتوجب عليك البحث عن مطعم آخر والا اشهرت افلاسك بسببي..
قال مبتسما وهو يغادر سيارته: فليكن وانا اقبل.. والآن هلاّ هبطتِ من السيارة لتناول غدائنا..فأنا اشعر بالجوع صراحة..
قالت ليلى بضيق وهي تهبط من السيارة: ما زلت ارى انه لم يكن هناك أي داع للذهاب الى مطعم كهذا..
هز كتفيه ودلف الى ذلك المطعم الراقي وتبعته ليلى لتسير الى جواره..واستوقفهم النادل ليقول: طاولة لشخصين؟..
اومأ طارق برأسه ايجابيا.. فصحبهما النادل الى احدى الطاولات المستديرة الشكل التي تجاور النافذة التي تحتل الجدار تقريبا.. وقال وهو يشير لهما بالجلوس: تفضلا..
ابتسم عماد بهدوء وهو يجلس على احد المقاعد في حين احتلت ليلى المقعد المواجه له..وقال النادل في تلك اللحظة: أي خدمة استطيع تقدميها لكما..
التفت له عماد وقال: غداء لشخصين من فضلك..
قالها ومن ثم املى عليه ما يتوجب عليه احضاره من انواع الوجبات والمشروبات المختلفة .. فقال النادل بهدوء: دقائق ويكون جاهزا..
وما ان انصرف النادل حتى قال عماد وهو يتطلع الى ليلى: اخبريني في أي مطعم غير هذا ستجدين هذه الخدمة الممتازة ..والوجبات الغاية في اللذة..
قالت ليلى متسائلة: وما ادراك ان وجباتهم على النحو الذي تصف؟.. هل حضرت الى هنا من قبل؟..
أومأ عماد برأسه ومن ثم قال: اجل مع والدي وعدد من...
بتر عبارته فجأة.. وتوقف عن مواصلة الكلام.. لقد كاد ان يشر الى ابيه وشركاءه بالشركة.. وهو لا يرغب بالاشارة ابدا الى انه ابن صاحب هذه الشركة.. لا يريد ان تبتعد المسافة بينه وبينها اكثر من ذلك؟.. لقد كانت تتجنب لقاءه في بادئ الامر لمجرد انها كانت تظن انه مدير للشركة.. فكيف اذا علمت انه صاحبها تقريبا.. ستبتعد عنه نهائيا.. او ستظل تنظر اليه من من خلال منظور الطبقات الاجتماعية..وهذا هو اكثر ما يبغضه..ان يراه شخص ما انه سيده وانه اعلى منه شئنا.. فكيف بليلى..تلك الفتاة الرقيقة التي استطاعت ان تحرك مشاعره..استطاعت ان تستحوذ على تفكيره.. كيف يبعدها عنه الآن بد ان وصل الى هذه المرحلة معها من العلاقة..كلا سيصمت ولن يخبرها بأي شيء.. لن يفعل.. اجل هذا ما يجب ان يفعله و...
قاطعت ليلى تفكيره وهي تقول: لم تخبرني مع من جئت؟..
قال بابتسامة: مع اسرتي وقد كانت مرة واحدة فقط لا غير..
كان يكذب.. فقد جاء الى هذا المطعم لمرات عديدة قبل الآن.. مع والده وشركائه وبعض رجال الاعمال للتناقش في الصفقات التجارية المختلفة.. ولكنه فضل الكذب على ان تتباعد المسافة بينه وبين ليلى..
قالت مايا لحظتها وهي تنزع النظارة الشمسية من على شعرها وتضعها امامها على الطاولة وهي تقول: اما انا..فهذه هي المرة الاولى التي آتي فيها الى هنا..
قال عماد مبتسما: واعدك انها لن تكون الأخيرة..
قالت ليلى بحيرة: هل تفضل تبذير اموالك هكذا دائمافي اشياء غير مهمة على هذا النحو؟..
صمت عماد ومن ثم قال: لا اعد هذا تبذيرا.. يمكنك ان تقولي انني احاول ان جرب كل شيء تقريبا..
زفرت ليلى وقالت: ولكن ليس على هذا النحو..
قال عماد مبتسما وهو يميل نحوها: هل انت مهتمة بميزانيتي الى هذه الدرجة..
قالت ليلى بارتباك: لا ولكني اقدم النصح لك لا اكثر..
قال وهو يعقد ذراعيه: ما رأيك ان نتحدث عن شيء غير هذا..
تسائلت قائلة: مثل ماذا؟..
فكر قليلا ومن ثم قال: طموحاتك في الحياة مثلا او امنياتك؟..
قالت بابتسامة باهتة: لست اتمنى سوى شيئا واحدا..ان يعود والدي الى والدتي..
قال عماد باهتمام: هل هما منفصلان؟..
اومأت ليلى برأسها وقالت: اجل.. لقد انفصلا قبل ما يقارب العشر سنوات؟..
سألها قائلا: واتعلمين ما هي الاسباب التي دعت الى ذلك؟..
- اتذكر ان المشاكل لم تكن لتختفي من حياتهما يوما واحدا فحسب.. كان دائمي الشجار لاتفه الاسباب.. حتى جاء اليوم الذي وجدت فيه والدتي تغادرنا..
قال عماد وهو يعقد حاجبيه: الم تذهبي معها حينها؟..
قالت ليلى بهدوء: بلى لقد ذهبت معها حينها.. ولا ازال احيا معها الى الآن.. ولكن لا ازال امتلك امل ان يعود والدي الى والدتي ذات يوم.. فأنا على اتصال بأبي وهو شخص ابيض القلب ولطيف للغاية.. وربما سلبيته الوحيدة انه عصبي جدا.. وربما كان هذا احد اسباب الانفصال..
صمت عماد للحظة ومن ثم قال متسائلا: بم شعرت يومها وانت ترين نفسك مشتتة بين اباك وامك؟..
- شعور اقرب الى الضياع.. ولم يكن يخفف عني هذا العبأ سوى انني كنت ارى والدي يوما واحدا بالاسبوع اقضيه معه كيفما اشاء..
قال عماد وهو يتطلع لها: بصراحة احزنني سماع مثل هذا.. ففتاة كانت في مرحلة المراهقة في ذلك الوقت..كانت في اشد الحاجة الى وجود والديها من حولها..
- معك حق ولكني ها انذا امامك لم يتغير شيء في حياتي سوى انني ازددت طموحا على ان احقق كل ما حلمت به..
قال عماد مبتسما: من يراك تتحدثين هكذا يعتقد بأنك صلبة الى ابعد الحدود.. على الرغم من رقتك ومشاعرك الصادقة والشفافة التي تصل الى أي شخص يعرفك جيدا..
قالت بابتسامة باهتة: معذرة ان كنت قد ازعجتك بمشاكلي..
اتسعت ابتسامته وقال: على العكس يسعدني مشاركتي لك مشاكلك..
تطلعت اليه للحظة بحيرة ومن ثم قالت: هل لي بسؤال؟..
اومأ عماد برأسه وقال : بالتأكيد.. سلي ما يحلوا لك..
قالت بتردد: لم تبدي كل هذا الاهتمام نحوي.. انا بالذات؟؟..
صمت عماد للحظات..وليلى تترقب ان ينطق بشيء يرضي مشاعرها نحوه وحبها له.. وتجعلها تتأكد من مشاعره نحوها وتعلم كونها على الاقل.. فهي لم تخبره بمشكلتها الا ليكون على علم بكل ظروفها.. فهي تكره ان تخفي عنه شيئا.. او ان يخفي عنها هو شيئا ما.. تشعر بأن ذلك سيكون خداعا له لو لم تخبره بالحقيقة كاملة..وانتظرت وهي تتطلع اليه حتى وجدته يقول اخيرا: اظن انني اجبت عن هذا السؤال من قبل..
ارتفعا حاجبا ليلى في دهشة فهي لا تذكر ابدا انها قد سألته مثل هذا السؤال قبل الآن .. ووجدته يقول وفي عينيه نظرة لم تتمكن من تفسيرها: الا تذكرين؟.. في تلك الرسالة.. لقد اخبرتك ان كل ما يهمني هو انك انت يا ليلى..انت ولست أي شخص آخر..
تطلعت اليه وقالت بلهفة وحيرة: ماذا تعني؟..
كانت تنتظر سماع كلمة منه تطفئ نار عذابها بحبها له والذي لا تعلم الى الآن ان كان يبادلها حبا بآخر ام لا.. تشعر انه مهتم لأمرها ولكن هل وصل هذا الاهتمام الى مرحلة الحب؟؟..
كاد عماد ان ينطق بقول شيء ما.. عندما جاء النادل ليقطع عليهما حديثهما ويبدد امنية ليلى في ان تسمع منه كلمة واحدة تشير الى انه يبادلها مشاعرها تلك.. ووضع امامهما اطباق الطعام.. قبل ان يقول : هل تأمران بأي خدمة اخرى؟..
قال عماد نافيا: لا شكرا لك..
وما ان غادر النادل حتى التفت عماد الى ليلى وقال: ماذا كنا نقول؟..
ابتسمت بمرارة ..هل غاب الامر عن ذهنه بهذه السرعة؟.. اهذا يعني انه يريد ان يتهرب من الموضوع؟.. وقالت بهدوء: دعك مما كنا نقوله.. ولنتناول طعام الغداء..
قال عماد مبتسما: ولم ترفضين القول؟.. الا تريدين معرفة اجابة سؤالك؟..
رفعت اليه رأسها في لهفة وتتطلعت اليه بعينان تشعان شوقا لسماع ما سيقوله.. فبهذا تستطيع ان تحدد ان كان عماد يبادلها حبها هذا .. ام انه اعجاب لا اكثر ولا اقل...
**********
  #78  
قديم 07-30-2010, 09:46 PM
 
* الجزء الواحد العشرون*
(أحقا يا ليلى ؟)


تطلعت ليلى بلهفة الى عماد وهي تنتظر سماع ما سيقوله بشوق وترقب ومن ثم وجدته يقول وهو يتطلع الى عينيها مباشرة ويحتضن كفها برقة: اعني.. انك انسانة غالية على قلبي..ولن ابالغ ان قلت انني قد اعجبت بك منذ اول مرة رأيتك فيها.. واهتمامي بك قد تضاعف وانا ارى مشاعر كثيرة تتحرك بداخلي نحوك..
توردت وجنتا ليلى بخجل شديد.. واحست بالحرارة في اطراف جسدها.. ارتجاف هو ما سيطر على اطرافها في تلك اللحظة.. وارتباك جعلها تتلعثم دون ان تعلم ما تقول.. ووجدت عماد يردف بحب: ولن ابالغ ايضا ان قلت انك قد بت احد احلامي التي اتمناها.. لقد اصبحت حلم حياتي الذي اطمح له..
ازداد ارتباك ليلى وهي تقول بتلعثم: اتراني حقا استحق كل هذا.. وانا...
قاطعها عماد قائلا: ان كنت ستتحدثين عن المناصب او الطبقات الاجتماعية فأرجوك لا تكملي.. اخبرتك بأنني لا اهتم لكل هذه التفاهات التي تملأ المجتمع.. كل ما يهمني هو انك الانسانة الذي كنت احلم بأن تكون شريكة حياتي..
قالت ليلى وابتسامة خجلى ترتسم على شفتيها: أحقا؟..
اومأ عماد برأسه ومن ثم قال: اجل..يا ليلى.. وسأثبت لك بأنك الوحيدة الذي استطاعت تحريك مشاعري نحوها واختطاف قلبي.. ولكن...
- ولكن..ماذا؟..
سألها عماد قائلا: هل تبادليني شعورا بآخر؟..
قالت ليلى بخجل: اتسأل؟..
ابتسم عماد بسعادة وقال بفرحة: أحقا يا ليلى ؟.. أحقا؟..
قالت ليلى وهي تطرق برأسها في ارتباك وخجل شديدين: أجل فقد أعجبت بك انا ايضا.. ومع الأيام وجدت انك قد اصبحت شخصا مهما في حياتي..
قال عماد بحنان شديد وهو يمسك بكلتا كفيها: اذا هل تسمحين لي ان اطلب منك طلبا أخيرا يا عزيزتي؟..
أومأت برأسها وهي تحاول منع ارتجافة كفيها.. فقال: هل تقبلين الزواج بي يا ليلى؟..
تطلعت له ليلى بعينان تمتلآن بالدهشة والفرح ولم تستطع نطق أي حرف.. أحست بقلبها يرقص بين ضلوعها فرحا.. أحست بنفسها تحلق في سماء الاحلام الوردية.. فهاهي ذي اكبر أمنياتها قد تحققت امام ناظريها.. لقد طلبها عماد للزواج.. هذا ليس حلما.. ان الاحلام ليست بهذا الوضوح والدقة..الاحلام لا تُحس؟..انها تشعر بكفيه وهما تمسكان بكفيها بحنان شديد..انها...
وظل الوضع على ما هو عليه بضع لحظات أخرى.. ليلى صامتة دون ان تستطيع ان تنطق بحرف وعماد يتطلع اليها بحب شديد ..قبل ان يردف عماد بصوت اقرب للهمس: لم تجيبيني يا عزيزتي .. هل تقبلين بي زوجا؟..
حاولت ليلى النطق بأي عبارة.. ولكن الخجل الجم لسانها .. وأخيرا ازدردت لعابها وتماسكت لتقول: ان هذا اسمى احلامي يا عماد..
خفق قلب عماد بقوة وهو يستمع لما قالته.. ومال نحوها ليقول بهمس وحب: أحبك يا ليلى.. احبك..
وارتجف قلب ليلى بسعادة كبيرة.. فهل تكون سعادتها الكبيرة هذه دائمة يا ترى ؟..ربما...
**********
توقفت سيارة وعد عند أحدالكبائن لبيع الجرائد والمجلات في الطريق لتهبط من سيارتها وتتوجه نحو البائع وتقول: صحيفة الشرق من فضلك؟..
قدم لها ما تريد ومن ثم قال: ثلاث قطع نقدية لو سمحت..
قدمت له وعد المبلغ قبل ان تتجه نحو سيارتها وتحتل مقعد القيادة..ومن ثم تتطلع الى الجريدة في لهفة والى موضوعها الذي احتل الصفحة الاولى.. ابتسمت بسعادة .. فهذا يعني انها قد قامت بالخطوة الاولى بنجاح.. وكما يقولون " مشوار الالف ميل..يبدأ بخطوة"..انها الخطوة الاولى لها لتصبح صحفية ناجحة..ومن يدري؟.. ربما يحصل موضوعها هذا على نجاح لم تتوقعه..
لم تستطع اخفاء تلك الابتسامة الواسعة التي ارتسمت على شفتيها طوال قيادتها لسيارتها الى المنزل..وما ان وصلت اليه حتى هبطت من السيارة والتقطت الصحيفة بفرح وتوجهت الى الداخل حيث يجلس والداها وهي تقول: امي..ابي.. لقد نشر موضوعي بالصفحة الاولى..
انشد انتباه والداها لها.. وقال والدها بابتسامة: دعيني ارى لاصدق بنفسي..
قالت باستنكار طفولي: ما هذا يا ابي؟.. الا تصدق بأن ابنتك صحفية ممتازة الى هذه الدرجة؟..
قال بابتسامة ابوية: البرهان اولا..
تقدمت وعد منه وقدمت له الصحيفة وقالت وهي تشير الى موضوعها: انظر بنفسك واخبرني برأيك بموضوعي..
قال والدها وهو يتطلع الى حيث تشير: "خلف ابواب مصنع ما".. بالنسبة للعنوان فهو جيد..
ابتسمت وعد وقالت وهي تجلس الى جوار والدها: جيد فقط؟..
قال والدها وهو يقرأ موضوعها باهتمام: دعيني أكمل القراءة ومن ثم أعطيك رأيي النهائي..
صمتت وعد وهي تتطلع الى والدها الذي أخذ يقرأ السطور في سرعة واهتمام ثم لم يلبث حاجباه ان انعقدا وهو يقول: ماذا تعنين بما كتبته؟..
هزت وعد كتفيها وقالت: الحقيقة لا اكثر..
التفت لها والدها ومن ثم قال: ولكن موضوعا كهذا قد يسبب لك المشاكل وخصوصا وانت تضعين صور ذلك المكتب بمثل هذا الوضوح..
قالت وعد بعناد: لا يهمني.. فلست اخشى امثاله..
قال والدها مؤنبا: الشجاعة احيانا تكون صفة سيئة وليست جيدة لدى الانسان..
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت : ومتى تكون الشجاعة صفة سيئة؟..
قال والدها وهو يتنهد: عندما يتحلى شخص واحد بالشجاعة وهو يقاتل عدد كبيرا من الناس.. في هذه الحالة ما يفعله يسمى تهورا.. فهو يدرك بأنه سيفشل ومع هذا يصر على التظاهر بالشجاعة..
واردف وهو يتطلع اليها بعينين قلقتين: وهذا ما تفعلينه الآن يا بنيتي.. فأنت وحدك تحاولين مجابهة امثال هؤلاء اصحاب النفوذ بالمجتمع.. واخشى عليك منهم..
ابتسمت وعد وقالت: لا تخشى على ابنتك يا ابي.. ان عملي هو اظهار الحقيقة للناس لا اخفاءها..
قالت والدتها فجأة: منذ البداية لم اكن اوافقك لأن تعملي في مثل هذا العمل..
التفتت وعد الى والدتها وقالت: لكنه العمل الذي طالما تمنيته..
ربت والدها على كتفها ومن ثم قال: دعيك الآن من هذا.. لقد افسدنا فرحتك بنشر موضوعك.. فاعذريني..
ابتسمت وعد ابتسامة واسعة وهي تتطلع الى والدها.. في حين اردف هو: واذهبي لاستبدال ملابسك لاننا مغادرون الآن..
تسائلت وعد قائلة: الى اين؟..
اجابتها والدتها قائلة: الى منزل عمك..
- ولم؟..
- لا يوجد سبب محدد سنذهب لزيارتهم لا اكثر..
أومأت وعد برأسها وهي تنهض من مكانها وتصعد الى الطابق الاعلى..استعدادا للذهاب الى منزل عمها..
*********
طرقت فرح باب غرفة هشام عدة طرقات قبل ان تقول: هل استطيع الدخول؟..
قال هشام من داخل غرفته: لا..فلتغادري..
ابتسمت فرح وقالت وهي تدلف الى الداخل: انها دعوة لي بالدخول اذا..
وتطلعت اليه وهو مستغرق في عمله امام احد الرسوم الهندسية ومن ثم قالت: هل لديك عمل كثير هذا اليوم؟..
اجابها هشام ببرود قائلا: اجل ولولا هذا لكنت قد غادرت المنزل.. حتى لا ارى وجهها..
كانت تعلم بأنه يعني وعد..وانه قد علم بأمر حضورها اليوم لمنزلهم.. فتقدمت منه قليلا ومن ثم قالت: هشام.. انت اخي الوحيد.. صدقني انا لا اتمنى وعد لسواك.. ولكنها لا تصلح لك..
- ومن انت حتى تحكمي بهذا؟..
قالت وكأنها لم تسمعه: انت عصبي المزاج وهي عنيدة الى اقصى درجة.. انت تسخر منها دائما.. وهي تكره ان يقلل شخصا ما من شأنها.. انتما هكذا تصبحان نقيضان تماما وكل منكما سيزيد المشكلة ولن يصلحها..
قال هشام وهو يلتفت عنها: يقول بعض علماء النفس ان زواج شخصين يختلفان عن بعضهما هو الافضل لان كلا منهما سيكمل نواقص الآخر..
قالت فرح مكملة: وربما كلا منهما سيفسد حياة الآخر بصفاته المختلفة.. فأنت مثلا ...
قاطعها هشام بسخرية مريرة: فأنا مثلا احمق لانني احببت فتاة لا تأبه بي.. اليس كذلك؟..
قالت فرح في سرعة: ليس هذا ما اعنيه يا هشام وانما...
فاطعها هذه المرة صوت والدتها وهو يرتفع بالنداء .. هاتفة باسمها.. فقال هشام بهدوء: دعي عنك هذا الموضوع السخيف .. واذهبي الى والدتي..
تنهدت فرح بيأس وهي تغادر غرفته وتهبط الدرجات الى الطابق الاسفل حيث والدتها وهناك قالت: اجل يا امي..ما الأمر؟..
قالت والدتها في سرعة: تعالي لتساعديني قليلا في المطبخ قبل ان يصل عمك واسرته..
قالت فرح بهدوء وهي تتبع والدتها: حاضر..
وما لبث ان ارتفع رنين جرس الباب.. فقالت لها والدتها : اذهبي لتري من بالباب..
اتجهت فرح للباب وفتحته لتسمع صوت وعد المرح وهي تقول: اهلا فرح كيف حالك؟..
قالت فرح ببرود متعمد: بخير..
قالت وعد وهي تبتسم: ما بالك؟.. تحدثينني وكأنني قد سرقت منك شيئا..
قالت فرح ببرود اكبر: بل انت من سرق منا ذاك الشيء..
تطلعت اليها وعد بغرابة وحيرة.. ثم لم تلبث ان فهمت ما تعنيه.. فقالت: تعالي ارغب في التحدث معك قليلا..
قالت فرح وهي تلتفت عنها: سأساعد امي بأعمال المطبخ..
التفتت وعد الى والدة فرح وقالت مبتسمة وهي تمسك بكف فرح: خالتي هل يمكن لي ان استعير منك فرح للحظات؟..
قالت والدة فرح مبتسمة: تستطيعين لو اكملنا عملنا سريعا..
التفتت وعد الى فرح وقالت بابتسامة عذبة: اذا سأساعدها..
صمتت فرح دون ان تنبس ببنت شفة في حين دلفت وعد الى الداخل وقالت وهي تشمر عن كم قميصها: ما المطلوب مني فعله؟..
قالت والدة فرح مبتسمة: اعدي طبق الخضراوات والفاكهة..
ومن ثم لم تلبث ان التفتت الى فرح وقالت: وانت يا فرح اعدي العصير..
قالت وعد بمرح: انا اعد اطباق الفاكهة والخضراوات.. وفرح العصير فقط ..ماهذا التمييز؟..
قالت والدة فرح بابتسامة: انت من عرض المساعدة..
ضحكت وعد وقالت: اجل انت محقة يا خالتي.. انه خطأي منذ البداية في ان اساعد فرح..
قالت فرح وهي تعقد ساعديها امام صدرها: يمكنك ان تتراجعي عن عرضك هذا..
ابتسمت وعد وقالت وهي تلتفت لها: عنداً فيك.. لن اتراجع..
قالتها وأخرجت لها لسانها بحركة طفولية.. وابتسمت فرح بالرغم منها.. لم هي متحاملة على وعد الى هذه الدرجة.. ما ذنبها هي؟؟..هل تريدها ان تدفن احلامها من اجل هشام؟.. ولكن ما ذنب هشام ايضا حتى يتعذب.. لم تعد تستطيع ان تدرك ايهما الذي على صواب وايهما الذي على خطأ.. انها تشعر ان كلاهما مصيب فيما يقوله ومخطأ في الوقت ذاته.. انها...
(ما هذا الكسل يا فرح؟..ألم تعدي العصير بعد؟.. لقد انتهيت انا من الفاكهة)
قالتها وعد بابتسامة مرحة.. فقالت فرح وهي تسرع باحضار علبة العصير : سأعده حالا..
قالت والدة فرح وهي تتطلع الى وعدفي تلك اللحظة: متى نفرح بك يا وعد؟.. ونراك عروساً لهشام..
تغيرت ملامح وعد فجأة..واطرقت برأسها بصمت دون ان تقوى على الاجابة.. وقالت بارتباك محاولة تغيير دفة الحديث: لقد انتهيت من اعداد الاطباق.. والآن هل نستطيع انا وفرح ان نغادر؟..
قالت والدة فرح وهي تهز كتفيها: يمكنكما ذلك..
امسكت وعد بمعصم فرح وقالت بابتسامة: هيا يا فرح..
واسرعت تجذب فرح الى حيث الردهة وهناك جلست وعد على احد الارائك.. واجلست فرح الى جوارها وهي تقول: والآن..اخبريني بكل ما حدث..
عقدت فرح حاجبيها ومن ثم قالت: بل انت التي اخبريني بكل ماحدث بينك وبين هشام..
قالت وعد بهدوء: لقد صارحني بمشاعره.. فصارحته انا الأخرى بمشاعري.. اخبرته بأني لو تظاهرت بالعكس فسيعد هذا خداعا له.. واخبرته ان يبحث عن فتاة اخرى تحبه بحق وعندها يستطيع ان ينساني.. ولهذا لم احاول الاتصال به مطلقا خلال الايام السابقة.. حتى امنحه الفرصة ليزيلني من حياته..
تنهدت فرح وقالت: انت لا تعلمين كيف اصبحت حال شقيقي في الايام السابقة.. انه صامت مكتئب اغلب الوقت بعد ان كان يملأ المنزل مرحا ويبتسم طوال الوقت.. وما ان يحادثه احد ما حتى ينفجر في وجهه.. ولولا ان لديه اليوم عمل هام لغادر المنزل ليحيل دون رؤياك..
ابتسمت وعد ابتسامة باهتة ومن ثم قالت: هل اصبحت مخيفة الى هذه الدرجة؟؟..
قالت فرح ببرود: ان اصعب شيء على الشاب ان تهان كرامته او تجرح مشاعره.. شيء قاس جدا ان يحب فتاة بكل صدق .. ويراها في النهاية تضرب بمشاعره هذه عرض الحائط دون ان تكترث..
عقدت وعد حاجباها بضيق وقالت: لم افعل.. لم احاول ان اهين كرامته او اجرح مشاعره.. على العكس لقد احترمت مشاعره واحترمت كل كلمة نطق بها.. ولكن من الصعب علي ان ابادل مشاعره هذه.. ان المشاعر تولد بداخلنا فجأة تجاه شخص ما ولسنا نحن من يصنعها..
قالت فرح بتحدي: هل تستطيعين انكار بأنك تحبين هشام وانك مستعدة بالتضحية بأي شيء لأجله؟..
- ومن قال خلاف ذلك.. انا بالفعل احبه ولكن كأخ لي وليس أكثر.. هل ارتكب جرما اذا لم احب شخصا قد احبني؟ .. اخبريني انت.. لو كنت مكاني هل ستخدعين شخصا ما بحب وهمي لمجرد ان هذا الشخص قد احبك..
ترددت فرح قليلا ومن ثم قالت: لا اظن انني سأفعل بل سأصارحه بحقيقة مشاعري نحوه واطلب منه ان يبحث عن فتاة تبادله مشاعره هذه و ...
صمتت فرح بغتة لا لشيء بل لأنها ادركت ان ما قالته الآن مطابقاً لما قالته وعد لشقيقها.. وادركت ان وعد محقة في كل ما قالته..وانه ليس من حقها هي ان تفرض على وعد قتل احلامها من اجل شقيقها.. على العكس.. فكما تتمنى فرح الزواج من شاب تربطها به عاطفة بريئة.. تتمنى وعد المثل..
ولم تمض لحظات حتى رفعت فرح رأسها الى وعد لتطالعها ابتسامة هذه الاخيرة.. وقالت فرح بابتسامة: انت على حق.. آسفة على كل ما قلته لك.. ولكنني احب شقيقي هشام كثيرا كما تدركين.. وما اصابه افقدني القدرة على التفكير الصحيح..
قالت وعد وهي تهز كتفيها: لا عليك.. كل ما كنت ارجوه ان تفهمي موقفي ولا تتحاملي علي..
قالت فرح وهي تتطلع الى وعد: على الاطلاق.. انت صديقتي واختي.. ولا يمكنني ان اتحامل عليك ابدا..
ابتسمت وعد وهي تقول: هذا يعني انك ستعودين للاتصال بي.. اليس كذلك؟..
قالت فرح بغتة بمرح: للاسف لن استطيع.. فقد انتهى الرصيد بالهاتف اليوم فقط..
قالت وعد بسخرية: هل اسمي هذا بخلا منك اذا؟.. وانك لا ترغبين باضافة رصيد جديد الى هاتفك..
كادت فرح ان تهم بقول شيء ما.. حين ارتفع صوت والدة وعد وهي تقول: هيا يا فتيات.. الغداء جاهز..
نهضت وعد من مكانها وامسكت بمعصم فرح وهي تقول ميتسمة: هيا اذا لنتناول طعام الغداء.. لو تعلمين فقط كم اشعر بالجوع.. فانا لم اتناول شيء منذ خمس ساعات تقريبا و...
بترت وعد عبارتها وهي تتطلع الى ملامح فرح الواجمة.. وكأنها تفكر بأمر ما.. فسألتها الاولى قائلة: ما الأمر يا فرح؟..
تنهدت فرح وقالت: هشام..
عقدت وعد حاجبيهاوسألتها قائلة: ماذا به؟..
- لن يحضر لتناول الغداء..
- وما ادراك؟..
- انا اعرفه جيدا.. فما دمت هنا لن يخرج من غرفته حتى لا يضطر لأن يراك..
قالت وعد وهي تضع سبابتها اسفل ذقنها: لماذا يعقد الامور الى هذه الدرجة؟..
- لو كنت مكانه لفعلت المثل..
قالت وعد بغتة: مكانه؟.. هذا جيد جدا..
قالت فرح بغرابة: ماذا تعنين؟..
قالت وعد وهي تغمز لفرح بعينها: سأخبرك بكل شيء.. وكيف سأجبر هشام على تناول طعام الغداء معنا..
قالت فرح في لهفة وهي تعتدل في جلستها: وكيف؟؟..
قالت وعد وهي تميل نحوها وتهمس لها بصوت منخفض: ستذهبين اليه في غرفته وتتحدثين اليه و....
وواصلت وعد حديثها لفرح .. وهذه الاخيرة تبتسم ابتسامة مرحة.. تتسع تدريجيا..
**********
سمع هشام طرقات هادئة على باب غرفته.. فقال بنفاذ صبر: لا اريد تناول طعام الغداء.. يمكنك الانصراف اياً كنت..
قالت فرح مبتسمة وهي تدلف الى الداخل: ما هي احوال شقيقي العزيز؟..
قال هشام بسخرية: اظن انك قد جئت لزيارتي منذ لحظات ولم يتغير في شيء الى الآن.. ولم اجن بعد ان كان هذا ما تتوقعينه..
قالت فرح وابتسامتها تتسع : من قال هذا؟.. لقد جئت لرؤية عملك.. ثم سنهبط نحن الاثنان لتناول طعام الغداء مع الاسرة جميعا..
- اظن انني قد اخبرتك بعدم رغبتي في تناول طعام الغداء..
عقدت فرح حاجبيها ومن ثم قالت: لكن الجميع سيلاحظ هكذا.. وسيظنون انك لا ترغب بالجلوس معهم..
قال هشام بلا مبالاة: فليظنوا ما يظنوه.. هل هذه هي المشكلة الآن؟..
واردف قائلا بحسم: اذهبي اليها.. فهي تنتظرك بالاسفل ولا داعي لأن تجعليها تنتظر اكثر من ذلك .. فلن اهبط..
- ولكن يا هشام...
قاطعها قائلا بحزم: قلت لا.. الا تفهمين..
قالت فرح وهي تتنهد: فليكن كما تريد.. ولكن ان اردت يمكنك النزول معي الآن و...
( فرح .. فرح)
بترت فرح عبارتها بالرغم منها وقالت بقلق: انه صوت وعد.. ما بها تصرخ هكذا؟..
قال هشام وهو يلوح بكفه: اذهبي لها لتعلمي بالأمر..
جاءهم هتاف وعد مرة أخرى وهي تهتف بصوت متألم: فرح تعالي وساعديني على النزول.. فقد التوى كاحلي وانا احاول الصعود اليك..
قالت فرح وهي تسرع الى خارج غرفة هشام: يا الهي..
ومن ثم قالت وهي تهبط الى مستوى وعد الجالسة على احدى درجات السلم: كيف حدث هذا؟..
قالت وعد وهي تعض على شفتيها بألم: لقد زلت قدمي وانا اصعد لندائكما للغداء..
جائهم صوت هشام من على الطرف الآخر لوعد وقال وهو يعقد ساعديه امام صدره: حمقاء كما عهدتك دوما يا وعد.. الا تنظرين امامك وانت تصعدين السلم؟..
التفتت له وقالت بحدة: لقد كنت انظر امامي بالفعل.. ثم ان هذا ليس وقت اللوم..
قال هشام وهو يميل نحوها ويمسك بذراعها قاصدا رفعها عن درجات السلم: دعيني اساعدك..
قالت وعد بابتسامة: اشكرك..
والتفتت الى فرح لتغمز لها بعينها علامة على الانتصار..وما ان اوصلها هشام الى اسفل الدرج حتى قال: هل تشعرين بألم؟.. هل ترغبين بالذهاب الى المشفى؟..
قالت وعد وهي تهز رأسها نفيا: لا.. فقط اوصلني الى طاولة الطعام.. سأتناول طعام الغداء وبعدها سأغادر الى المنزل..
- اانت متأكدة؟..
- اجل..
توجه هشام برفقتها الى طاولة الطعام ومن ثم قال وهو يجذب لها مقعدا لتجلس عليه: طفلتكم الصغيرة قد زلت قدمها على احدى درجات السلم.. يبدوا انها المرة الاولى التي تتعلم فيها صعوده..
قال والد وعد بابتسامة: اوافقك في هذا يا هشام.. فلن استغرب يوما اذا سقطت وهي تسير على قدميها..
قالت وعد وهي تلتفت الى والدها باستنكار: ابي.. ما هذا الكلام؟..
ضحك والدها وشاركته فرح الضحك.. فلكزتها وعد وهي تقول بحنق: حتى انت..
هز هشام كتفيه في تلك اللحظة ومن ثم قال: عن اذنكم..
قال والد وعد متسائلا: الى اين يا هشام؟.. الن تتناول طعام الغداء معنا؟..
قال هشام بهدوء: لدي الكثير من الاعمال يا عمي.. اعذروني جميعا انا مضطر للمغادرة ..
وكاد ان يبتعد لولا ان شعر بكف فرح وهي تمسك بذراعه وتقول باصرار: لا لن تغادر.. ستتناول طعام الغداء معنا..
التفت هشام اليها وقال: دعي عنك مثل هذه التصرفات يا فرح ودعيني اذهب لانجز اعمالي..
امسكت وعد بذراعه الأخرى ومن ثم قالت مبتسمة: لن يغادر العمل وحده المنزل.. اعدك بهذا..
قالت والدة هشام بخبث في تلك اللحظة: ماذا تريد اكثر من هذا.. فتاتان جميلتان يلحان عليك بالجلوس ثم لا تجلس..
قال هشام ساخرا: لا ارى اياً من هاتين اللتين تتحدثين عنهما..
قالت فرح بعناد: هيا يا هشام.. أجلس لاتكن سخيفا..
تنهد هشام ومن ثم قال: فليكن.. فليكن.. دعوني الآن.. حتى لا اظن انني مقتاد للسجن وليس لتناول طعام الغداء..
ابتسمت فرح وقالت وهي تترك ذراعه وتتجه لتجلس على احد المقاعد وتراه يجلس بدوره: أجل .. هكذا.. فبعد كل هذا الذي فعلناه تريد ان لا تتناول طعام الغداء معنا ايضا..
عقد هشام حاجبيه ومن ثم كرر ما قالته فرح: الذي فعلتموه؟؟..
والتفت الى وعد وهو يتطلع اليها بنظرة استنكار قبل ان يقول وهو يعقد حاجبيه بحنق: ايتها الممثلة البارعة.. لقد كدت اصدق بالفعل ما اصابك..
تطلعت وعد الى فرح بنظرة حانقة على كشف الامر لهشام ومن ثم التفتت اليه لتقول بابتسامة صغيرة: ما رأيك بي.. اصلح للتمثيل في احد المسلسلات.. اليس كذلك؟.. ثم انها كانت الوسيلة الوحيدة لننزلك من مخبأك..
قال هشام وهو يبتسم بسخرية: انظري امامك جيدا في المرة القادمة وانت تصعدين السلم.. حتى لا يتحول التمثيل الى حقيقة..
قالت وعد مبتسمة: سأفعل بالتأكيد..
لم يكن يهم وعد شيء في هذه اللحظة سوى انها قد رسمت الابتسامة على شفتي هشام أخيرا.. وانه قد يخرج من دائرة احزانه هذه التي لا تنتهي لو فعلت له القليل..لهذا قد قررت ان تتعامل معه باسلوب طفولي كما كانت تفعل في الماضي.. عله يزيح آلامه بعيدا ويفكر بمستقبله جيدا.. مطمئنا الى انها قد تكون له ذات يوم..
وارتجف قلب وعد.. هل من الممكن ان تكون لهشام ذات يوم؟.. الاسرة جميعها على ما يبدوا ترحب بهذه الفكرة.. ولكن.. ماذا عن طارق؟.. ماذا عنه؟؟...
**********
  #79  
قديم 07-30-2010, 09:47 PM
 
* الجزء الثاني والعشرون*
(هل سترحل؟)


تطلعت ليلى بشرود الى سقف غرفتها وهي تشعر برجفة لذيذة تسري في اطرافها كلما تذكرت آخر لقاء لها مع عماد.. ذلك اللقاء الذي اعترف لها بمشاعره فيه.. ذلك الللقاء الذي ادركت معه ان لاشيء مستحيل في هذا العالم.. وان الاحلام تتحقق وليست مجرد اوهام تختفي مع الزمن.. انها اليوم تشعر بالنشوه وهي تفكر بأمور كثيرة ..كثيرة جدا..بعماد.. بحياتها معه.. بحبها له.. بشخصيته المهذبة التي اسرتها منذ اول مرة رأته فيها..
اشيا ء كثيرة تلك التي دارت برأسها تختص بشخص واحد فحسب .. عماد.. ولم تستطع منع عيناها – كلما تذكرته - بالتحول الى زهرية الورود المركونة على الطاولة .. ووجدت نفسها لا اراديا تنهض من على فراشها وتتوجه الى تلك الزهور وتداعبها هامسة: أحبه.. كما لم احب احد في حياتي يوما.. أحبه بكل رجفة يرجف بها جسدي كلما تعانق كفانا.. احبه بكل همسة تهمس بها عيناه قبل شفتاه.. احبه بكل لحظة تتلاقى فيها عيناي بعينيه الدافئتين لتهمس له بما اعجز عن نطقه.. احبه بكل لحظة قضيتها الى جواره.. احبه .. احبه.. ولا املك الا ان انطق بهذا لمئات المرات.. حتى اصدق انني لست في حلم جديد وان ما حدث هذا الصباح كان واقعاً.. واقعاً عشت كل لحظة فيه.. واقعا أحسست فيه بكل شيء من حولي.. ولكني لم اكن اشعر الا به.. لم اكن ارى سواه في تلك اللحظات.. لم اكن استمع الا الى صوته.. على الرغم من اصوات الموسيقى الهادئة التي كانت تملأ الاركان..
لو سألني احدهم عن كنه ما اكلته على الغداء في ذلك الوقت.. فلن اتذكر.. لو سألني عن الوقت لحظتها.. فسأخبره بأنه لم يكن لدي الوقت لأنظر الى الساعة بدلا من النظر الى عينا عماد التي تأسراني بداخلها!..لو سألني شخص ما عن سبب صمتي وقتها بعد أن همس لي بكلمة احبك.. فسأخبره بأنه لو كان مكاني لفعل المثل.. وهو يرى ان حلمه بين ليلة وضحاها بات واقعاً يعيشه!..
وعادت لتهمس وهي تتطلع الى تلك الزهور الحمراء: اخبريني ايتها الزهور.. هل تدوم سعادة الانسان طويلا.. ام انها تتلاشى مع الزمن؟..
ولم تحرك الزهور ساكنا وكأنها تؤكد لها صعوبة سؤالها.. فعادت لتسألها: وماذا عن الحب؟.. هل يبقى الى الابد في قلوبنا.. ام لا يكون له اثرا مع الايام؟..
وظلت الزهور ساكنة على الرغم من تلك الانسام الباردة التي داعبت خصلات من شعر ليلى.. في حين زفرت ليلى بهدوء وقالت: اتمنى ان لا استيقظ من هذا الحلم الجميل الذي احياه.. لاجد نفسي في كابوس الواقع.. اتمنى ذلك..اتمناه..
ولكن هل كل ما نتمناه ندركه يا ترى؟..
*********
يوم جديد للجميع بالعمل.. كان يوما روتينيا واعتياديا على الجميع.. الجميع ما عدا البعض بالتأكيد..البعض مثل عماد مثلا الذي تطلع الى علبة القطيفة الحمراء التي بين يديه وغمغم بابتسامة: هل سيعجبها ذوقي؟؟..
وعاد ليتطلع الى العلبة مرة اخرى.. ربما كانت المرة العاشرة التي يتطلع فيها الى العلبة هذا اليوم..ومن ثم لم يلبث ان فتحها بهدوء .. لترتسم ابتسامة سعيدة على شفتيه وعيناه تتطلعان الى ذلك الخاتمين..الذين قد نقش على احديهما اسم ليلى والآخر اسم عماد..
كان الخاتم الذي يخص عماد فضيا وبسيطا.. اما خاتمها هي فقد بحث طويلا حتى اختار ما يناسبها ويناسب شخصيتها.. كان خاتما ذهبيا رائعا.. تعلوه ثلاث ماسات وتستقر اسفل كل ماسة زمردة بشكل وردة صغيرة وكل منها بلون مختلف.. شعر بأن مثل هذا الخاتم يناسبها فهو يعكس شخصيتها البسيطة والرقيقة والفريدة من نوعها..
وعاد ليغلق علبة القطيفة ويسند رأسه لمسند المقعد ويسبل جفتيه بهدوء.. وكأنه لم يغلق العلبة منذ لحظات فقد كان يشعر بأنه يرى الآن الخاتمين امام ناظريه.. وكيف تتلألأ الماسات بخاتم ليلى لتعكس الضوء الساقط عليها ليبدوا الخاتم في غاية الروعة..
وعاد عماد ليفتح عينيه ويقول بشرود: متى ينتهي وقت العمل هذا؟.. اريد ان اراك..ان اقدم لك هذا الخاتم بنفسي.. واضعه باناملي في اصبعك.. حتى اتأكد اخيرا بأنك قد بت لي يا ليلى.. وان حلم حياتي قد بات حقيقة..
وتطلع الى ساعة الحائط بشرود وابتسامة حامة ترتسم على شفتيه وهو يشعر بعقرب الثواني يسير ببطء شديد.. او هذا ما خُيل له..
********
(رئيس التحرير يطلبك يا آنسة وعد)
ما ان سمعت وعد هذه العبارة حتى التفتت الى صاحب العبارة الذي كان احد الموظفين بالصحيفة.. وقالت وهي تعقد حاجبيها: مجددا.. ياللغرابة.. ولم يطلبني يا ترى؟..
هز الموظف كتفيه وقال: لست اعلم يا آنسة.. يمكنك سؤال رئيس التحرير بنفسك..
قالت وعد وهي تلتفت عنه: حسنا سأحضر بعد قليل..
قال الموظف في سرعة: لقد اكد علي ان تحضري الآن وعلى وجه السرعة.. يبدوا ان الامر هام جدا.. فهو يبدوا عصبيا جدا..
عقدت وعد حاجبيها اكثر وقالت بحيرة وهي تنهض من خلف مكتبها: حسنا سآتي فورا..
قال لها طارق: ربما كان الامر يتعلق بموضوعك..
صمتت قليلا ومن ثم قالت: اجل ربما يكون لهذا السبب..
واردفت وهي تغادر القسم: عن اذنكم..
قالت لها نادية في تلك اللحظة: اخبرينا بما سيحصل معك..
قالت وعد وهي تبتعد عن المكان: سأفعل..
واسرعت تسير بخطوات متوترة بعض الشيء الى مكتب رئيس التحرير.. وما ان وصلت الى هناك حتى سألتها السكرتيرة قائلة: هل انت الآنسة وعد؟..
أومأت وعد برأسها وحيرتها تتضاعف.. فقالت لها السكرتيرة وهي تفتح لها باب المكتب: رئيس التحرير ينتظرك يا آنسة وعد بالداخل..
دلفت وعد الى الداخل.. وعشرات الآسألة تتفجر برأسها.. لم الاستدعاء على وجه السرعة؟.. ولم هي بالذات؟.. هل هو امر يخص موضوعها؟..ام ماذا؟.. وقالت وهي تتقدم حيث يجلس رئيس التحرير: هل طلبت استدعائي يا استاذ نادر؟..
قال وهو يشير لها بالجلوس: اجل .. تفضلي بالجلوس..
جلست على المقعد المواجه لمكتبه ومن ثم قالت: ما الامر يا استاذ نادر؟.. هل حدث امر يتعلق بالموضوع الذي نشرته؟..
قال نادر ببرود: جيد انك فتحت الموضوع بنفسك.. اجل انه يتعلق بالموضوع الذي قمت بنشره امس..
- وماذا به؟..
قال نادر بحدة فجأة: لقد سبب لنا العديد من المشاكل يا آنسة وعد.. بسبب موضوعك انهالت علينا مكالمات التهديد والاستنكاروالشتم ..ولم تخلوا من تعريض الصحيفة للمشاكل القانونية اذا لم يتم تصحيح مثل هذا الخطأ..
قالت وعد باستنكار: ومن قال ان ما كتبته كان خاطئا؟..
قال رئيس التحرير بلامبالاة: لا يهمني ان كان ما كتبته خاطئا ام لا.. ما يهمني هو ان لا تتعرض الصحيفة للمشكلات .. بسبب صحفية لا تزال تحت التمرين..
شعرت وعد بالغضب من كلماته واندفعت تقول: صحيح انني لا ازلا تحت التمرين ولكني افهم جيدا معنى ان يكون الفرد صحفيا.. ان هذا معناه ان يكشف الشخص منا أخطاء المجتمع للناس لا ان يستتر عليها..
- لسنا هنا من اجل تعليمي مهنة الصحفي يا آنسة.. كل ما اطلبه منك هو تصحيح ذلك الموضوع..
قالت وعد باصرار:لن اغير حرفا واحدا.. ثم انك وافقت على الموضوع بنفسك ووقعت عليه.. وانا لم اشر بأي شكل من اشكال الى هوية ذلك المصنع او الى المدير العام الذي تحدثت عنه بالموضوع..
هوى رئيس التحرير بقبضته على الطاولة وقال بانفعال: ولكنك اقرنتيها بالصور..وهذا هو الخطا الذي ارتكبتيه لقد اشرت الى ذلك المصنع بمنتهى الوضوح بسبب تلك الصور..فاما ان تكتبي موضوع اعتذار لمدير ذلك المصنع.. وتخبريه بأنك اقرنت تلك الصور سهوا بالموضوع او...
قالت وعد بعصبية: او ماذا يا استاذ نادر؟..
لوح الاستاذ نادر بكفه ومن ثم قال: او نتخذ معك الاجراء اللازم..
قالت وعد بتحدي: اتخذه اذا ماذا تنتظر..
تطلع اليها رئيس التحرير بمزيج من العصبية والانفعال ومن ثم قال صرامة: انت موقوفة عن العمل لثلاثة ايام يا آنسة وعد.. لا تأتي الى الصحيفة قبل هذا الوقت.. الا اذا قررت التراجع عن قرارك..
قالت وعد بحزم على الرغم من الغصة التي شعرت بها وهي تستمع الى مثل هذا الاجراء القاسي من رئيس التحرير: لن اتراجع عنه عنه مطلقا يا استاذ نادر .. ثق بهذا..
********
ساد الصمت بعد خروج وعد من القسم.. واستمر الصمت على المكان الى ما يقارب النصف ساعة.. حتى قال طارق بقلق قاطعا ذلك الصمت : لقد تأخرت .. ما الذي حدث معها يا ترى؟..
قال احمد وهو يهز كتفيه: لننتظر.. وسنعلم بعدها بما حدث..
قال طارق بصوت متوتر حاول اخفاءه: لماذا طلبهارئيس التحرير؟..أمن اجل موضوعها امن من اجل امر آخر..
قال احمد وهو يزفر بحدة: اذا جاءت يمكنك توجيه هذا السؤال لها..
صمت طارق وتفكيره مقتصر على وعد.. وسبب طلب رئيس التحرير لها..وبغتة سمع صوت خطواتها المسرعة وهي تقترب من القسم فقال في سرعة: لقد حضرت أخيرا..
التفت له أحمد وقال بغرابة: وما ادراك..
وبدل ان يجيبه طارق .. دلفت وعد الى القسم وهي تحاول تمالك نفسها والسيطرة على اعصابها واسرعت تتجه نحو مكتبها وهي تفتح الادراج وتخرج منهم عدد من الاوراق .. وسألتها نادية بهدوء: ماذا حدث يا وعد؟..
واسرع طارق يقول: ان الامر متعلق بموضوعك اليس كذلك؟..
قالت وعد بحدة بالرغم منها: اجل.. انه يطلب مني ان اكتب اعتذار لذلك المدير وان ابين انني قد اقرنت الصور بموضوعي عن طريق الخطأ..
سألها طارق باهتمام: وماذا فعلت؟..
قالت وعد بلهجة ساخرة ومريرة: لقد اوقفت عن العمل لثلاثة ايام..يمكنكم ان تقولوا انها اجازة مفروضة علي..
عقد طارق حاجبيه ومن ثم قال: ليس من حقه ان يوقفك عن العمل.. انت لديك الدليل على كل ما قلتيه.. وهذا يثبت صدق موضوعك..
قالت وعد وهي تتنهد: يقول انني اسبب له المشاكل مع ذلك المدير العام وغيرهم..
عقد طارق حاجبيه اكثر وصمت في تفكير وهو يشعر بالغضب يتضاعف بداخله.. في حين قال أحمد: ان رئيس تحرير هذه الجريدة شخص جبان يخشى مواجهة المسئولين ذوي النفوذ بحقيقتهم..
قالت وعد وهي تضع آخر الاوراق في حقيبتها: لقد ادركت هذا.. اليوم فقط.. بعد ان طلب مني ان اقوم بتعديل الموضوع الصحيح واكذبه.. وانشر بدلا منه موضوعا كاذبا ليصدقه الجميع!..
قال طارق بعتة بصرامة: ألم يوقع بنفسه على موضوعك؟..
التفتت له وعد وقالت بتوتر اثاره في نفسها صرامة عينيه: بلى.. لقد وافق عليه ووقعه على ان اتحمل انا المشكلات المترتبة..
قال طارق بصرامة أكبر: ليس له الحق بتوقيفك عن العمل اذا.. كل ما يستطيع فعله ان يطلب منك مناقشة الامر مع ذاك المدير العام..
قالت وعد وهي تزفر بحدة: لا فائدة.. لقد انتهى الامر وتم توقيفي عن العمل رسميا.. ولكن مع هذا لن اتوقف عن انتقاد مثل هؤلاء اللذين ينشرون بالبلدة الفساد.. سأظل اكتب ..دون خوف او جبن ..كما علمتني انت يا ..استاذ ..طارق..
قالتها ببحنان وهي تطلع اليه و تحاول ملء عينيها بوجهه قبل ان تغادر المكان..وكأنها تريد ان ترسخ صورته في ذهنها وتظل عالقة فيه.. ومن ثم نهضت بتثاقل من خلف المكتب وقالت وغصة مريرة تملأ حلقها وتعتصر حلقها: يحز في نفسي ان افراقكم.. لقد اعتدت وجودي بينكم كل يوم.. وسيكون من الصعب علي ان لا اراكم لمدة ثلاثة ايام كاملة..
قال أحمد محاولا اضفاء جو من المرح على المكان: ليس كل يوم.. لا تنسي عطلة نهاية الاسبوع.. فهي ما نحتاجه بشدة بعد تعب مضني طوال الاسبوع..
التفتت وعد اليه وقالت بابتسامة باهتة: الى اللقاء يا استاذ احمد.. اراك بخير.. وعلى فكرة انت مصور بارع..
والتفتت الى نادية لتقول: الى اللقاء يا استاذة نادية.. لقد علمتيني اشياء عديدة في عملي بالصحافة.. اشكرك..
قالت نادية بصوت غلب عليه التأثر: انت كأخت لي يا وعد.. لقد اعتبرناك اختنا جميعا هنا.. ولا داعي لشكري فهذا واجبي تجاه شقيقتي..
التفتت وعد الى طارق ولكنها لم تنطق بكلمة .. ظلت تتطلع اليه بلهفة وشوق وحنان..ظلت واقفة مكانها وعيناها جامدتان عليه وكأنها تأبى ان تفارقه وتبتعد عنه.. ولغة العيون هي من كانت تتكلم.. وتذكرت عبارته لحظتها.. "لا يفهمها الا من يهتم بصاحبها".. هي الآن تهتم بصاحب تلك العينان العسليتين .. تلك العينان التي تمتلآن بحزم وصرامة العالم كله.. تلك العينان الباردتان التي تحتويها بالدفء.. بالحنان.. بالطمأنينة .. ولا تلبث ان تجعل نبضات قلبها تخفق بقوة و سرعة لأجله..
ان لاامر ليس مقتصرا على الاهتمام بصاحب هاتين العينين فحسب .. بل ان الامر يفوق ذلك بكثير.. انها تحبه!! ..شعرت بالدهشة.. بالذهول من نفسها.. ومن تفكيرها هذا.. هل هي تحبه حقا؟؟.. اجل لم لا تعترف لنفسها؟.. لم تخف هذا الامر عن نفسها.. اتخشى ان تعرف بأنها تحمل لها هذا الحب في قلبها؟.. ام حكاية مايا لا تزال تذكرها بأن طارق قد احب ذات يوم وان محبوبته تلك لا تزال تسكن قلبه...
وادارت رأسها بغتة عنه.. حاولت ان تهمس له ولو بكلمة وداع ولكن لسانها قد انعقد فجأة وكأنه يأبى عليها ولو كلمة وداع تلقيها على مسامعه.. ووجدت نفسها تتحرك بخطوات متثاقلة عن المكان وهي تشعر بالمرارة .. بالالم.. ستغادر هذا المكان .. سترحل عنه لمدة ثلاثة ايام فحسب.. لكنها تشعر بها اشبه بالسنوات.. لانها لن تراه.. لن ترى طارق كما اعتادت يوميا.. لن يمكنها ذلك بعد الآن..
( وعد..)
منذ متى كان رنين اسمي جميل الى هذه الدرجة.. هل هما اذناي؟.. ام صوته الذي همس باسمي بأروع مافي الكون من معان.. والتفتت له في لهفة وهي تسير بالممرات بعد ان غادرت القسم .. فقال بعتاب: الن تسلمي علي حتى قبل رحيلك؟..
كادت ان تهتف بوجهه هاتفة: ( الم تفهم؟.. لقد كنت اخاطبك بلغة العيون تلك التي علمتتني اياها.. الم تفهم كلمات توديعي لك.. الم تفهمي نظرات الحب الذي ارسلتها لك.. الم تفهم بعد؟) ..
ولكنها لم تقل حرفا من هذا بل اطرقت برأسها ومن ثم قالت: الفراق صعب كما يقولون..
قال بابتسامة شاحبة: لم تتحدثين هكذا.. انها ثلاثة ايام لا اكثر..
ثلاثة ايام؟؟.. تقولها بهذه البساطة.. اية اعصاب فولاذية تملك؟.. احقا لم تعرف بعد معنى نظراتي لك ؟.. وقالت وهي تشيح بوجهها: معك حق.. انها ثلاثة ايام فحسب..
مد لها يده ومن ثم قال: الن تصافحيني حتى؟..
التفتت له وكادت الدموع ان تترقرق في عينيها.. أي رجل هو هذا؟.. الا يشعر بأني احبه؟.. اعشقه.. لم اعد ارى سواه في حياتي.. انه فارس احلامي الذي طالما كنت احلم به.. الا يحمل لي ولو ذرة من المشاعر.. الا يشعر بي؟..
ومدت له يد مرتجفة لتصافحه وهي تقول: الى اللقاء يا استاذ...
قاطعها قائلا وهو يتطلع اليها بحنان: طارق بدون استاذ.. لقد قلتيها مرة وسأكون سعيدا لو سمعتها منك مرة اخرى.. فهذا يعني انني قريب اليك..
كلماته تؤكد اهتمامه بامري..وتصرفاته تؤكد عكس ذلك احيانا!.. ولكنه لا يشعر بي.. ولا اظنه سيشعر ابدا.. فمايا.. حبه الوحيد.. ستظل تجري في عروقه كمجرى الدم.. سيظل يحبها ولن ينساها ابدا.. وهي -وعد- لن تكون سوى صفر على الشمال..
قالت وعد وهي تطرق برأسها وتقول بصوت مرتجف بالرغم منها: لقد كانت زلة لسان يومها لا اكثر..
تطلع لها بصمت وهو يبتسم فقالت وهي تزدرد لعابها محاولة السيطرة على مشاعرها: اراك بخير.. يا .. طارق..
قالتها وكادت ان تسحب كفها من يده حتى تغادر.. لكنها وجدته يحتضن كفها بكفه الاخرى ويربت عليها ليقول بابتسامة: سنكون بانتظارك..
اومأت برأسها فحرر يدها لتضعها الى جوارها ومن ثم سمعته يقول بهمس: اراك بخير يا وعد..
واردف وهو يكور قبضته بحزم: لكني اعدك بفعل أي شيء تجاه هذا القرار القاسي الذي تعرضت له..
قالت بشحوب وهي تهز رأسها نفيا: لا داعي..
ومن ثم لم تلبث ان لوحت له بكفها وهي تبتعد..وتابعها طارق بناظريه حتى اختفى طيفها من امام عينيه وهنا ردد بصرامة وحزم: اعدك يا وعد.. اعدك...
*********
من منا جرب الانتظار يوما؟.. من منا جرب ان ينتظر لساعات طويلة ظن انها لن تنتهي ابدا؟.. ساعات جعلته يشعر بالملل والتعب والرغبة في الخلاص من هذا الانتظار.. لو جرب احدا منكم مثل هذا الشعور فعندها فقط سيعرف شعور عماد الذي ان يجلس في سيارته بانتظار هبوط ليلى.. وعلى الرغم من ان تأخرها لم يدم الا ربع ساعة الا ان الترقب واللهفة اللذان يسيطران على كيانه جعلته يشعر بأن الوقت طويل ولن ينتهي..
ووجد نفسه يهبط من سيارته ويستند اليها بملل.. انه خطأه لأنه خرج من الشركة مبكرا.. ولكنه كان يخشى ان تغادر دون ان يراها.. دون ان يمنحها ذلك الخاتم الذي تمنى ان يزين اصابعها يوما.. والتمعت عيناه بغتة ببريق امل وهو يراها تخرج مغادرة الشركة.. وتابعتها عيناه بلهفة وشوق.. قبل ان يرى الحيرة قد ظهرت على ملامحها وهي تراه في وقفته هذه .. فاقتربت حيث يقف ومن ثم قالت: هل تنتظر احدا؟..
قالت مبتسما وهو يعقد ساعديه امام صدره: بلى انتظرك انت..
قالت مستفهمة: ولم؟..
جذبها من كفها ومن ثم قال: لدي ما اريد ان اريكِ اياه..
رأته يجذبها برفق الى حيث سيارته القابعة على القرب منهما ..وقال وهو يفتح باب سيارته بابتسامة واسعة: تفضلي بالدخول يا أميرتي..
تطلعت اليه بخجل ومن ثم قالت ووجنتاها متوردتان: عماد الجميع ينظر لنا..
غمز بعينه لها ومن ثم قال: وفيم يهموني؟..
ارتبكت أكثر ومن ثم لم تلبث ان دلفت الى داخل سيارته واغلق هو خلفها الباب.. ليدور حول مقدمة السيارة.. ومن ثم يحتل مقعد القيادة وينطلق بالسيارة مبتعدا عن الشركة والمكان بأكمله.. والتفتت ليلى لتتطلع من خلال النافذة الى الشوارع والسيارات والمباني ..ومن ثم تمتمت بخفوت: ما الامر؟..لم اصطحبتني معك..
قال مبتسما: أخبرتك انني اريد ان اريك شيئا ما..
التفتت له وقالت وهي تزيح بعض من خصلات شعرها خلف اذنها: وما هو هذا لشيء؟..
صمت ولم يجبها.. وكادت ان تكرر السؤال ولكنها آثرت الصمت.. وران الصمت على المكان لخمس دقائق اخرى قبل ان تتوقف السيارة بغتة على جانب الطريق.. مما جعل ليلى تعقد حاجبيها باستغراب ومن ثم تقول: لم توقفت هنا؟..
قال وهو يهمس بحنان: لانني اريد ان اتحدث اليك لوحدنا قليلا..
التفتت له وقالت بحيرة: وعن ماذا ستتحدث الي؟..
قال وهو يلتفت لها ومن ثم يخرج من كفه علبة القطيفة ويفتحها امام ناظريها وهو يقول بخفوت: هذا..
تطلعت الى الخاتم الذي انعكست عليه اشعة الشمس لتجعل ماساته تتلألأ بشكل رائع .. ورفعت عيناها عن الخاتم لتتطلع الى عماد وتقول بدهشة: خاتم زواج؟؟..
قال وهو يومئ برأسه بابتسامة واسعة: اجل حتى يعلم الجميع انك خطيبتي ولا يحق لاحد التفكير بك بعد الآن..
تطلعت الى الخاتم من جديد ومن ثم قالت متسائلة: يبدوا غالي الثمن.. اليس كذلك؟..
قال عماد وهو يهز رأسه: بم تفكرين يا ليلى؟.. حتى وان كان ثمنه ملايين من القطع النقدية فهو سيكون رخيصا في حقك..
توردت وجنتاها ومن ثم قالت بارتباك: ولكن الخطبة يجب ان تكون رسمية وامام الجميع..
امسك بكفها ومن ثم قال: دعينا نقيمها لوحدنا الآن.. ثم نقيمها مرة أخرى لاحقا..
- اتمزح؟؟..
قال مبتسما: ابدا.. لست امزح.. ولكن اتمنى ان اكون انا وانت فقط معا عندما البسك هذا الخاتم.. الذي سيظل يزين اصبعك الى ابد الدهر..
لم تستطع ان تتفوه بحرف.. الكلمات تعجز عن الخروج من حلقها.. وكأنها قد رفعت الراية البيضاء واعلنت الخضوع التام لما قال.. واتسعت ابتسامة عماد وهو يتطلع لها بحب ومن ثم يقول بهمس وهو يدخل الخاتم باصبع كفها اليمنى: سيذكرك بي دائما وانا بعيد عنك..
قالت بخجل: انا لا انساك حتى اتذكرك..
تطلع لها بحب وحنان شديدين.. ثم لم يلبث ان رفع كفها الرقيقة الى شفتيه ليقبل اناملها بحب.. ومن ثم قال: ستكونين حبيبتي وزوجتي الى الابد يا ليلى .. فأنت حلم حياتي قبل كل شيء.. الذي حلمت به طويلا.. طويلا جدا...
وظلا على حالهما هذا كلاهما يتطلع الى الآخر بحب وحنان شديدين.. وعيناهما تنطقان باسمى المعاني.. ومشاعرهما تبثها لمسة كفيهما..
وعاد السؤال ليتردد بذهن ليلى على الرغم منها.. ترى هل ستدوم هذه السعادة التي احياها طويلا؟؟..
وبات السؤال معلقا دون جواب.. فمن يعلم بما يحفيه لنا القدر.. من يعلم؟...
**********
  #80  
قديم 07-30-2010, 11:50 PM
 
رووووووووووووووعة
والله اني بكيت القصة مؤثرة مرررررة
يسلمووووووووووووووووو
في انتظار التكملة
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أستاذ كان له أثر في حياتي ... ( حياتي أنا ) راااجي رحمة ربه قصص قصيرة 6 04-29-2013 04:51 PM
هل انت رومانسى؟؟ هل تفهم فى الصور الرومانسية ؟؟ لو انت فعلا رومانسى .. فاضغط و خش . البرنسيسة نوسة أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 11 02-08-2009 07:59 PM
هل انت رومانسى؟؟ هل تفهم فى الصور الرومانسية ؟؟ لو انت فعلا رومانسى .. فاضغط و خش . البرنسيسة نوسة أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 5 01-09-2009 12:00 AM


الساعة الآن 01:47 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011