عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > ~¤¢§{(¯´°•. العيــون الساهره.•°`¯)}§¢¤~ > أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه

أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه هنا توضع المواضيع الغير مكتملة او المكرره في المنتدى او المنقوله من مواقع اخرى دون تصرف ناقلها او المواضيع المخالفه.

Like Tree10Likes
 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #111  
قديم 08-03-2010, 06:10 AM
 
مشكورة مشكورة مشكورة...
بس بدي اكملها قبل رمضان.....تعيديني بذلك يا احلى بنوتة في العالم؟؟
أما مازال الكثير
__________________
يخاطبني السفيه بكل قبح & فأرفض أن أكون له مجيباً
يزداد سفاهة فأزداد حلماً & كعود زاده الإحراق طيباً
إذا خاطبك السفيه فلا تجبه & فخير إجابته السكوت
فإن لاطمته فرجت عنه & وإن تركته كمداً يموت
  #112  
قديم 08-03-2010, 10:04 AM
 
كتير حلو كملي حياتي
__________________

Only A Vampire Can Lve U 4 Ever



THE Lion Fell In L
ve With The Lamb
  #113  
قديم 08-03-2010, 02:44 PM
 
*الجزء الثلاثون*
(أيكما اختار؟)


ما ان عادت وعد الى القسم مرة اخرى حتى اسرعت الى مكتبها لتجمع حاجياتها وقال احمد باستغراب: ستغادرين؟..
قالت دون ان تلتفت له وهي تواصل جمعها لحاجياتها: اجل..
سألتها احمد قائلا بهدوء: ولم؟؟..
ظلت صامتة دون ان تجيبه.. وكاد طارق ان يكرر سؤال احمد لولا ان سمع وعد تجيب: اشعر بالصداع ولا استطيع مواصلة العمل.. ولقد اخذت اذن بالخروج من العمل وقد اذن لي المدير بذلك..
قالت نادية بابتسامة هادئة: سلامتك..
ردت لها وعد ابتسامتها بابتسامة شاحبة وقالت وهي تستعد للمغادرة: اراكم بخير .. الى اللقاء..
قال طارق فجأة : اترغبين في ان اوصلك؟..تبدين متعبة..
هزت رأسها نفيا وقالت: كلا .. اشكرك..
ومن ثم لم تلبث ان غادرت القسم.. ووجهها يحمل بوضوح آثار الحزن والارهاق النفسي على ملامحها..ماذا تفعل في هذه المصيبة؟.. ومن اين جاءت لها؟..هشام.. آخر انسان توقعت ان يسبب لها هذا الحزن الذي تشعر به الآن.. لم هو اناني هكذا؟..لم لا يفكر بي وبمشاعري؟.. اشعر بالقهر.. بالغضب.. برغبة في البكاء..
ولكن الدموع قد جفت في مقلتيها بعد بكائها المتواصل .. شعرت بقلبها ينعصر الما..ماذا تفعل؟.. او ماذا سيفعل هشام الآن؟..لن استغرب ابدا لو انه ينتظرها في منزلها الآن..
وصلت في تلك اللحظة الى الطابق الارضي.. وتنهدت تنهيدة قوية.. تحمل معها كل ما تخفيه في نفسها من ضيق وحزن ..وتوجهت نحو سيارتها..وفتحت باب السيارة.. لتصعد اليها..وما ان استقر بها المقام داخل السيارة..حتى انطلق رنين هاتفها المحمول..استغربت لوهلة من ذا الذي يتصل بها الآن؟ ..ومن ثم التقطته وهي تتطلع الى شاشته.. وتجمدت يدها عليه .. فلم يكن المتصل سوى هشام.. ماذا يريد الآن؟ .. الم يكفيه ما قاله؟..شعرت بالغضب يتفاقم داخلها.. ولكنها آثرت تجاهل رنين هاتفها.. ولكنه ظل يرن باصرار غريب.. وأخيرا اجابته وعد وهي تقول بانفعال: نعم ماذا تريد؟.. سوف تأتي الآن وتختطفني لتتزوجني رغما عني..
وعلى الرغم من الحزن الذي كان يكسوا وجه هشام الا انه قد ابتسم بشحوب وقال: فكرة لا بأس بها..
قالت بحدة: قل ماذا تريد.. وخلصني..
قال هشام بهدوء: اريد ان اتحدث معك بهدوء.. هل هذا ممكن؟..
- الم يكفيك كل ما قلته لي قبل قليل؟.. الم يكفيك؟..
قال هشام وهو يزدرد لعابه: وعد.. قد ترين ان ما اقوله انانية.. ولكن من الصعب علي ان ارى من احب ترسل مشاعرها لشخص آخر غيري..دون ان تتولدفي اعماقي الغيرة وافعل أي شيء لمنعها من ذلك..
قالت بحنق: اقتلني حتى نرتاح نحن الاثنين.. لو كان هذا الحل يرضيك..
قال هشام بحدة: روحي فداك يا وعد.. اقتل من يمس شعرة واحدة من رأسك..كيف تقولين مثل هذا الكلام؟..
قالت وعد بعصبية: ارجوك يا هشام انا متعبة واريد المغادرة.. الى اللقاء..
قالتها واغلقت الهاتف دون ان تنتظر منه جوابا.. هل يريد ان يصيبها بالجنون..ماذا يريدها ان تفعل له.. تحبه بالرغم منها.. أي جنون هذا...اشعلت المحرك بعصبية و...
وفجأة...
سمعت صوت طرقات على نافذة سيارتها.. التفتت لترى ما الامر..ولم تلبث ان شهقت بقوة.. وهي تضع كفها على فمها..وقالت بصوت قد بح من اثر المفاجأة: هشام!!!..
اشار لها هشام ان تفتح نافذتها.. ولكن اثر المفاجأة جعل عقلها يتوقف عن الاستيعاب.. فقالت بارتباك: ماذا؟..
قال وهو يرفع صوته: افتحي لنافذة..
ضغطت على زر النافذة وبدأت تنفتح تدريجيا.. وقالت وهي تتطلع الى هشام: ما الذي جاء بك الى هنا؟..
قال هشام بهدوء: من قال اني غادرت مكاني اصلا..
عقدت حاجبيها بتساؤل وقالت: ماذا تعني؟..
ابتسم بسخرية لنفسه وقال: انا هنا من اول مكالمة اجريتها معك.. لقد جئت لاصطحابك معي او ربما للصعود اليك.. وتوقعت ان حديثي معك بالهاتف سيثمر بنتيجة.. ولكنه زاد الامور سوءا ليس الا.. وخصوصا بعد علمي ان هناك من احتل قلبك..ولهذا فضلت تركك لترتاحي قليلا لاني اعلم ان حديثي معك كان قاسيا بعض الشيء على ان انتظرك حتى ينتهي عملك في الصحيفة..
قالت باستغراب: امجنون انت؟.. تنتطرني لخمس ساعات كاملة..
مال نحوها هشام وقال: ربما اكون مجنونا يا وعد..ولكن لاني احببتك..هذا ما اسميه الجنون.. ان تحب وتضحي بكل شيء حتى بكرامتك دون ان يأبه بك الغير..
تنهدت بصمت ومن ثم قالت: والمطلوب مني الآن؟..
- لا شيء.. اردت ان اعتذر منك عن اسلوبي في الحديث معك هذا اليوم و...
بتر عبارته ومن ثم اردف بجدية: واردت ان اتحدث اليك في مكان ما على انفراد..
قالت بنفاذ صبر: اين مثلا؟..
صمت ومن ثم قال: ما رايك بشاطئ البحر؟..
قالت باستغراب: ولم البحر بالذات؟..
هز كتفيه ومن ثم قال: لا لشيء ولكن لدي ذكرى عزيزة فيه.. وذكراها يجلب على نفسي السرور..
قالت وهي تجاريه لتعرف الى اين يريد ان يصل: حسنا سأكون هناك.. هل يرضيك هذا؟..
لم يجبها وابتعد عنها ليدلف الى سيارته وينطلق بها عابرا الشوارع وهو يفكر في وعد..بينما انطلقت وعد خلفه وهي تشعر بالسخط.. لم علي ان افعل ما يريد؟..لم لا يستطيع ان يفهم اني احب شخص آخر؟..هل حبه لي وصل الى مرحلة الجنون واللا استيعاب؟..حتى انه لا يستطيع ان يفهم انه اخ لي لا اكثر .. يا الهي .. كيف استطيع ان افهمه؟..ليتركني وشأني.. هشام صدقني لا اقصد جرح مشاعرك.. ولكني سأضطر لأن اقول ما سأقوله لك..
رأت سيارة هشام امامها تتوقف امام عند شاطئ البحر.. فتوقفت بدورها.. وتنهدت بقوة وهي تهبط من سيارتها.. ورأت هشام يشير لها بأن تقترب من حيث يقف..زفرت بملل واقتربت منه وقالت: والآن ماذا؟..
تطلع الى الافق البعيد وقال وابتسامة شاردة ترتسم على شفتيه: اتذكرين متى جئتِ الى هنا آخر مرة؟..
عقدت وعد حاجبيها بتفكير عميق وهي تحاول التذكر ومن ثم قالت: اظن انه قبل خمس او ست سنوات..
قال هشام وهو مستمر في لهجته الشاردة: قبل ست سنوات ونصف تقريبا..جئنا جميعا الى هذا المكان.. كرحلة ليوم واحد للاستمتاع بالعطلة الصيفية..كان يوما لا ينسى ..اتذكرينه؟..
استغربت وعد سؤاله عن هذه الذكريات التي حصلت قبل فترة طويلة ولكنها قالت: اجل اذكره.. ولكن بعض المواقف التي حدثت فقط.. لا تنسى انه قد مر زمن طويل عليها..
قال وهو يلتفت لها ويبتسم: لقد كنا انا وانت وفرح نسير بجوار البحر ونتبادل الاحاديث حين سمعتك تقولين: يا لمياه البحر الرائعة.. اتمنى السباحة فيها..
اجبتك حينها بقولي: وما الذي يمنعك؟..
هززت كتفيك وقلت: لا اشعر بالرغبة بذلك الآن..
قاطعته وعد لسرده لما يقوله وقالت مبتسمة: بلى لقد تذكرت الآن..يومها باغتني بحركة مفاجئة لتحملني بين ذراعيك واسقط انا معك في البحر..وقد كانت المياه باردة جدا..
قال هشام وهو يبتسم : ولقد اخذتي تصرخين.. "انزلني يا ايها المجنون.. انزلني.."
ضحكت وعد بمرح وقالت : ولا زلت مجنونا الى يومنا هذا..
قال هشام وهو يلتفت عنها ويتطلع الى صخرة ما في عرض البحر: اعترف بهذا..
ران الصمت بعد عبارته.. ووعد مستغربة حديثه عن ذكريات الامس.. لم يخبرها الآن بمثل تلك الذكريات؟ .. هل يحاول ان يصل الى امر ما؟.. ام انه يريد ان يريها انه هو وهي معا منذ ان كان صغارا..وقبل أي شخص آخر..
هزت رأسها بقلة حيلة.. والتفتت له منتظرة منه ان يتكلم .. ولكنه ظل صامتا..وسألته وعد قائلة: الام تنظر؟..
قال بهدوء: الى تلك الصخرة.. اترينها؟..
واشار الى حيث هي.. واردف هو قائلا دون ان ينتظر جوابها: على الرغم من انها صخرة صلبة لا يمكن ان يحطمها شيء بسهولة.. الا انها تتفتت تدريجيا بمجرد ضربات بسيطة من امواج البحر..
استغربت وعد حديثه ورفعت حاجبيها بحيرة .. فقال هشام مستطردا وهو يلتفت لها ولهجته تملأها المرارة والألم: وهذا ما يحدث لقلبي الآن يا وعد.. على الرغم من صلابته الا اني اشعر به يتحطم ويتفتت تدريجيا من مجرد كلمات قد لا تكوني تقصديها احيانا..وتتعمدينها احيانا أخرى..
أخذت وعد نفسا عميقا ومن ثم قالت وهي تبعدخصلات شعرها المتطايرة عن جبينها: هشام.. الا تتمنى لي السعادة؟..
قال هشام في سرعة: ستكون سعادتك معي يا وعد..لن ابخل عليك بشيء .. كل ما تطلبينه سيكون لك.. ستجدين معي كل ما تريدين .. من حب وحنان..سأحاول قدر الامكان ان اسعدك..
قالت وعدبهدوء شديد: وما ادراك ان سعادتي ستكون معك؟.. هل السعادة ستكون لو لبيت لي ما اطلب؟.. هل ستكون سعادتي لو حصلت على ما اريد؟.. وحتى لو منحتني حبك وحنانك.. فأنا لا استحقهما.. اتعلم لم؟.. لأني لا ابادلك هذه المشاعر..
قال هشام وهو يتطلع الى عينيها بحب وكأنه لم يسمع حرفا من مما قالته: لو طلبت منك الزواج الآن.. ماذا سيكون ردك؟..
اتسعت عينا وعد بصدمة وقالت محاولة ان تغير الموضوع: هشام ارجوك..لا تت...
قاطعها قائلا بجدية: ما هو ردك يا وعد؟..
ظلت وعد صامتة دون ان تجيبه..ومر في هذه اللحظة في ذهنها..طيف طارق..هل تتخلى عنه بهذه السهولة من اجل هشام؟..ماذا تفعل؟..هشام اكثر من اخ لها ولا تريد ان تفقده.. وطارق فارس احلامها.. حلم حياتها الذي كانت تحلم به طويلا.. واخيرا وجدته ورأته..ربما يكون طارق لا يبادلها المشاعر.. وتضيع حب اعز انسان على قلبها.. برفضها لهشام..وربما يبادلها طارق المشاعر ..فتخسره الى الابد لو قبلت بهشام.. هشام يعرض عليها الأمر الآن بجدية ومنتظرا جوابها.. ولهذا عليها ان تفكر بالامر مليا..
ورفعت رأسها اخيرا الى هشام الذي يتلهف لسماعها وهو خائف في الوقت ذاته من جوابها.. وسمعها تقول في تلك اللحظة: امنحني وقتا للتفكير.. واعدك ان افكر بالامر بجدية..
ابتسم هشام بهدوء.. كونها تريد مهلة للتفكير هذا لا يعني انها ترفضه رفضا قاطعا بل انها تفكر فيه على الاقل.. وهناك امل في ان توافق على الارتباط به.. وقال مبتسما: خذي وقتك بالتفكير.. ولكن لا تطيلي في اعطائي ردك.. فأنا انتظره على نار..
ابتسمت ابتسامة باهتة وقالت: لم انت متلهف هكذا؟..
قال بمداعبة وهو يدفع جبينها بسبابته: لاني اهوى تعذيبك ولن يكون هذا افضل من ان اقيدك بقيد الزواج..
قالت بمرح مصطنع: فهمت الآن سر اصرارك على الزواج بي.. ليس لأجلي اذا..
قال هشام بحنان: بل لاجلك.. وهل يوجد من هي اغلى منك عندي في هذا العالم؟..
قالت وعدمازحة: اجل والدتك..
قال بابتسامة: لكل منكما محبة خاصة في قلبي..
سألته وعد بغتة بجدية: فرضا لو وافقت يا هشام على الارتباط بك.. ستسمح لي ان اواصل عملي..اليس كذلك؟..
قال هشام مبتسما: اعلم كيف انت متعلقة بالصحافة ولن امنعك ابدا عما تحبين.. ما يهمني هي سعادتك.. وسعادتك فقط يا وعد..
ترددت عبارة هشام في ذهنها (لن امنعك ابدا عما تحبين).. لو تعلم يا هشام انك الآن بطلبك هذا ستمنعني حقا عمن احب.. ستمنعني عمن نبض له قلبي..و من تتلهف عيناي لرؤيته.. لو تعلم ذلك يا هشام.. لو تعلم...
********
زفر طارق بحدة وهو يتطلع الى ساعة يده بملل.. فقال احمد مبتسما: ليس من عادتك انتظار وقت انتهاء العمل هكذا..
قال طارق ببرود: لقد مللت وارغب بالنغادرة..
قال احمد بخيث: وهذا الشعور لم لم يأتي لك عندما كانت وعد هنا؟.. لم شعرت به عندما غادرت فقط؟..
قال طارق بتلقائية: هي التي تضفي جو من المرح هنا طوال الوقت .. هذا القسم كان هادئا صامتا لا يكاد يسمع منه صوت قبل ان تنضم اليه وتبعث فيه المرح ..
قال احمد بخبث اكبر: ليس المكتب فحسب.. هناك اشخاص ايضا كانوا بالكاد يتحدثون.. انطلق لسانهم فجأة منذ ان رأوا وعد..
قال طارق متعمدا عدم الاهتمام وكأنه لا يعلم شيئا عن الامر: ومن هم؟..
قال احمد وهو يبتسم بمكر: موجودون وفي هذا المكتب ايضا..
التفت له طارق وقال وفي عيناه نظرة خبث: لا تقل لي انه انت.. ما الذي ستقوله خطيبتك عنك الآن؟.. لم تصدق وان ترى فتاة واحدة حتى تتغير حالك..
- انظر من منا الذي تغيرت احواله..
- عن نفسي لم تتغير احوالي مطلقا..
قال احمدبسخرية: اجل في هذا معك حق.. وخصوصا وانك قد بت تمزح.. والبرود الذي كان يلازمك اصبحنا لا نراه الا عندما تغادر وعد مكتب..
قال طارق ببرود متعمد: لم مصر على ان لي علاقة بها..
- لانها الحقيقة.. ولكن بصراحة لست اعلم الى الآن.. لماذا لم تعترف لها انت بالامر..
قال طارق بمكابرة: لان ليس هناك ما اعترف به اصلا..
قال احمد بتحدي: اتقسم على ذلك؟..
قال طارق متهربا من الموضوع: اخبرني كم الساعة الآن؟..
قال احمد مبتسما: يمكنك المغادرة الآن انها الساعة الثانية ظهرا..اخرج سريعا حتى تتصل بها وتعرف احوالها بعد حزنها ذاك.. مع انه كان لا بد لك ان تتصل من هنا.. فالجميع هنا يعرف بأمر ما تخفيه بقلبك..
"الجميع"..اظن انك مخطأ يا احمد.. مخطأ بشكل كبير.. لو كان الجميع يعلم بهذا الامر.. لعلمت وعد بالحب الذي احمله لها في قلبي وبنظرات الحنان الذي اخصها بها.. لعلمت بأنها قد سلبت تفكيري بأكمله .. لعلمت انها قد باتت نبض قلبي..وحلم حياتي.. لا اعرف احيانا لم اشعر بأنها تريد ان تتهرب من كلماتي ونظراتي لها.. ليس الامر بدافع الخجل.. هناك سبب اكبر بالتأكيد ..ليتني اعرفه..
نهض من خلف مكتبه وجمع حاجياته في سرعة.. ليغادر القسم.. وما ان هم بمغادرته حتى سمع احمد يهتف من خلفه: على الاقل ودعنا قبل ان تغادر.. ام ان وعد قد انستك وجودنا تماما..
التفت له طارق وقال ببرود: ان كنت تريد اليوم ان تعود الى منزلك يا احمد دون كسور.. فالافضل لك ان تصمت..
ضحك احمد بقوة وقال : كل هذا من اجلها..
التفت عنه طارق بنفاذ صبر وهو يعلم ان النقاش سيستمر لو واصل في الحديث مع احمد.. فقرر المغادرة ومن ثم مغادرة المبنى بأكمله..وما ان وصل الى سيارته حتى احتل مقعد القيادة.. ووضع حاجياته على المقعد المجاور..ومن ثم لم يلبث ان تراءت على شفتيه ابتسامة..وهو يتذكر كلمات احمد.. وكأنه يعلم بما افكر فيه.. وكأنه قد ادرك اني كنت اعد الدقائق والثواني حتى ينتهي وقت العمل واتصل بها..
اشعل محرك سيارته وانطلق بها وفي الوقت ذاته التقط هاتفه واتصل بوعد.. استمر الهاتف بالرنين لوقت طويل دون ان يجد جوابا له.. استغرب الامر.. ربما تكون نائمة او قد تركت هاتفها على الوضع الصامت..توقف عن الاتصال للحظات ومن ثم لم يلبث ان عاود ذلك.. ولكن ما من مجيب...
على الطرف لاآخر كانت وعد تفكر بجدية بالطلب الذي عرضه عليها هشام.. ليس الرفض امرا بهذه السهولة.. هشام رجل بكل معنى الكلمة.. يملك شخصية رائعة تحلم بها كل فتاة.. مرح .. طيب القلب..ساخر.. مرهف المشاعر..هشام هو ابن عمها وتعرفه قبل أي انسان آخر.. عاشت معه لسنين طوال..ويمكنها القول انها عاشت معه العمر كله.. ولكن.. ليس الامر بيدها.. ليته كان كذلك .. لوافقت عليه في الحال...
طيف طارق لا يزال يهاجمها بين فترة واخرى.. وكأن التفكير في هشام بات خيانة لمن تحب..اشعر احيانا ان طارق مهتم لأمري.. اشعر في كلماته احيانا الحنان.. ولكن هل هذا معناه انه يبادلني المشاعر.. لا تخدعي نفسك يا وعد.. انسيت من هي مايا.. حبه الاول الذي لن يبارح قلبه مطلقا.. هي التي تحتل قلبه وعقله وليس أي فتاة سواها..
كانت قد تركتت هاتفها على الوضع الصامت حتى تفكر بهدوء دون ازعاج من أي شخص.. تنهدت بقوة وهي تسند رأسها الى وسادتها وهي جالسة على فراشها والوسادة خلف ظهرها.. ضمت رجليها الى صدرها وهي تشعر بالحيرة.. بالتردد..بم تجيبه ؟..بم؟.. لو كانت تشعر بأن طارق يبادلها مشاعرها لما انتظرت لحظة واحدة حتى ترفض .. وايضا هشام يعلم بأنها تعتبره شقيق لها ومع هذا مصر على الزواج منها.. وهذا يعني انه متمسك بها.. يا الهي ماذا افعل.. ارشدني..
وكأن الله قد استجاب لدعائها.. فالتفتت في تلك اللحظة الى هاتفها لتلتقطه وتتصل على فرح.. ولكنها شاهدت 3 مكالمات لم يتم الرد عليها.. ضغطت على زر الفتح.. وشعرت بالدهشة الكبيرة التي تتغلغل في نفسها وهي ترى ان جميع تلك المكالمات كانت من طارق..ماذا يريد منها؟ ..لم يتصل؟.. ربما كان الامر يتعلق بطلبها في الصحيفة.. اجل ربما هذا.. والا لم سيتصل بي؟...
هزت كتفيها بلامبالاة.. ولكن الهاتف في اللحظة ذاتها عاود رنينه المُلح ولكن بصمت..رأت اسم طارق يضيء على شاشة هاتفها دون ان تقوى على الاجابة.. وازدردت لعابها بصعوبة.. ربما الصحيفة تطلبني.. سأجيبه..وارى ما يريد..ضغطت على زر قبول المكالمة وقبل ان تنطق بحرف سمعته يقول بلهفة: واخيرا!!..
قالت وعد بغرابة: ما الامر؟..هل تتحدث معي؟..
قال معاتبا: اجل.. ما هذا يا وعد؟..لم لا تجيبين؟.. لقد اتصلت بك قبل الآن ثلاث مرات ولم تجيبي..
قالت وعد وهي تلتقط نفسا عميقا: لقد تركت هاتفي على الوضع الصامت ولم انتبه له.. اخبرني..ما الامر وما سر اتصالك؟ ..بالتأكيد الصحيفة تطلبني الآن.. اليس كذلك؟..
قال طارق مبتسما: ليست الصحيفة هذه المرة بل انا..
لم تفهم ما يعنيه فظلت صامتة وعلامات الدهشة تغلف وجهها ..وكأنه قد قرأ افكارها فقال: في الحقيقة يا وعد لقد اتصلت بك لاتحدث اليك في امر يخصك..
خفقات قلبها عادت لتنبض بشكل عنيف.. والحرارة انتشرت في جسدها كله.. مالذي يحدث لي؟.. قالت بصوت مبحوح ومرتبك: يخصني انا؟؟..
ابتسم وقال: اجل يخصك انت..
واردف بصوت هادئ: هل ستعتبرين اني اتدخل في امورك الخاصة لو اني سألتك عن سبب ضيقك وحزنك هذا اليوم؟..
ارتبكت وعد بشدة.. آخر شيء كانت تفكر فيه ان يكون قد اتصل بها للسؤال عنها.. الا يعتبر هذا اهتماما زائدا منه؟..وقالت وعد بعد برهة من الصمت: هل سيضايقك ان اخبرتك اني لا استطيع اجابة سؤالك هذا؟..
شعر طارق بالدهشة وقال بألم وهو يظن انها لا تريد منه ان يتدخل في امورها الشخصية: ولم؟..
وعد لم تكن تريد اخباره عن الامر اولا لأن هذا الامر يخصها وحدها ويندرج تحت بند الخصوصية لديها ..وثانيا لان امرا كهذا لن يهمه كما كانت تظن.. ثم لم تخبره؟ ..هل سيغير ذلك في الامرشيئا؟.. لا تظن..
واجابته بهدوء: لا اريد ازعاجك بمشاكلي..
قال طارق بجدية: وعد.. في يوم سألتيني عن سبب برودي الزائد وانا اجبتك.. وفتحت لك قلبي لاقول لك كل ما اخفيه.. واليوم جاء دورك لتفتحي لي قلبك وتخبريني عما ضايقك..وتجيبي عن سؤالي..
ازدردت وعد لعابها وتوترت اطرافها.. لم لا اشعر بهذه الرجفة الا عندما اسمع صوتك انت بالذات؟..وقالت بصوت متوتر: انه أمر يخصني واخشى...
لم تعرف بم تكمل فصمتت عن مواصلة الحديث فقال طارق بسخرية مريرة: لقد فهمت.. الامر خاص بك وحدك ولا يحق لي معرفته..يبدوا انني قد تخطيت حدودي معك وسألتك عن امر لا يخصني.. معذرة ولكني ظننت اننا على الاقل اصدقاء .. يحق لكل منا معرفة مشاكل الآخر..
"اصدقاء".. اهذا ما استطعت ان تقوله.. اصدقاء فقط.. التقطت نفسا عميقا ومن ثم قالت : نعم نحن كذلك يا طارق .. وسنظل كذلك ..
قالت عبارتها الاخيرة بمرارة.. فقال طارق دون ان ينتبه الى المرارة التي غلفت صوتها:اذا هل يمكنني ان اعيد مطلبي؟..
تتنهدت وعد وقالت:فليكن سأخبرك بالامر.. واخبرني برأيك به..
قال طارق بتردد: انه يتعلق بأبن عمك اليس كذلك؟..
قالت وعد بذهول واستغراب: كيف عرفت؟؟..
قال بهدوء: لا يهم كيف عرفت..
رفعت حاجبيها باستغراب ومن ثم قالت وكأنها قد فهمت: انه احمد.. اليس كذلك؟..
صمت ولم يجبها فقالت بابتسامة باهتة: صمتك دليل على صحة ما قلته..
- دعي احمدوشأنه واخبريني بالامر..
تنهدت وعد بقوة ومن ثم قالت: ان اردت الصدق فهو يتعلق به بالفعل..
قال طارق بضيق لم يعرف سببه: ماذا عنه؟..
قالت وعد وهي تترقب ردة فعله: لقد اعترف لي قبل فترة من الوقت انه ..يحبني..
جاوبها صمت تام.. وانتظرت ردة فعل من طارق ولكنه لم يتحدث.. فقالت وهي تزدرد لعابها بتوتر: الا زلت على الخط يا طارق؟..
اجابها طارق ببرود: اجل..اكملي..
ظنت انها ستلمح في صوته ولو القليل من الغضب او الضيق ولكن بروده هذا لا يعني الا امرا واحدا هو غير مهتم بالامر تماما..شعرت بخيبة الامل..وقالت بعد برهة من الوقت وهي تتنهد: واليوم قد عرض علي الزواج بشكل جدي..
لم يتمكن طارق من اخفاء ضيقه هذه المرة وقال بضيق لا مبرر له: وبم اجبته؟..
تنهدت وعد مرة اخرى ومن ثم قالت: لقد طلبت منه وقت للتفكير بالامر.. فمهما كان الامر جدي ويجب ان افكر فيه باهتمام..
وايضا تفكرين بالامر يا وعد.. ماذا عني انا؟..هل سيكون علي ان اموت مرتين وانا ارى حبي يندفن للمرة الثانية امام عيني؟..وقال بسخرية مريرة: ما المحزن في الامر اذا؟ ..كان ينبغي عليك ان تحلقي من السعادة وانت تسمعين عرض ابن عمك..
قالت وعد بمرارة متحدثة الى نفسها: ( تريدني ان افرح يا طارق.. تريدني ان ابتسم.. وانا اوشك ان اقتل هذا الحب وهذا الحلم الذي كنت احلم به منذ فترة.. منذ ان وقعت عيناي عليك وانا اشعر بهذا الشعور الذي يوتر اطرافي.. لقد سلبت قلبي يا طارق في لحظة دون ان اشعر..اتريدني بعد كل هذا ان ابتسم لو قتلت نفسي يا طارق)..
وقالت بصوت مختنق: ليست المشكلة في عرضه.. بل في انا..
عقد طارق حاجبيه وقال: ماذا تعنين؟..
ماذا تريدني ان اقول لك؟.. اني احبك..ولهذا اشعر بالحيرة.. واشعر بالخوف من ان ارفض هشام.. واكتشف في النهاية ان احلامي لا اساس لها..واراها تتحطم امام ناظري ...التقطتت نفسا عميقا ومن ثم قالت ببطء: ان مشاعري نحو ابن عمي لا تتعدى الاخوة وعندما صارحني بحبه اخبرته بهذه الحقيقة .. ولكنه اليوم بما انه يعرض علي الزواج فأنا اجده قابل بفكرة أني لا ابادله المشاعر..وهي يرضى الارتباط بي على ذلك..
قال طارق ببرود: ولهذا انت الآن تفكرين بالامر بجدية.. ماذا تنتظرين؟.. لم لا توافقين وتحققين له رغبته؟..
قالت وعد بصوت يغلب عليه الالم: ولكنها ليست رغبتي انا..
تنهد طارق هذه المرة.. وحاول ان يجمع افكاره المشتتة.. وكلماته التي اخذت ترفض ان تعترف لوعد انه يحبها ولهذا هو يرفض بشدة ولو الحديث عن زواجها من شخص آخر..حاول قدر المكان ليخفي الاهتمام من صوته.. ربما لان كبريائه يمنعه من الاعتراف لفتاة لا يعلم حقيقة مشاعرها نحوه..
واخيرا تحدث ولكن هذه المرة باهتمام واضح: وعد استمعي الي..انت من سيتزوج لا الآخرين.. لا تفكري بغيرك.. هذا زواج يا وعد.. بمعنى حياة طوال العمر.. شراكة ابدية بين الزوجين.. فكري بالامر بجدية..انت من سيتزوج يا وعد..فكري بنفسك قبل غيرك.. قبل ان تندمي على اتخاذ خطوة ..تعيشين بعدها بألم الى ابد الدهر..فكري جيدا يا وعد..
ظلت وعد صامتة.. وكل كلمة يقولها تعود لتردد في ذهنها.. (افكر بنفسي..انا من سيتزوج..قد اندم لو اتخذت خطوة ما دون ان اقتنع بها.. انها حياة ابدية .. انا من سيتزوج لا الآخرين)..
ران الصمت لوهلة بعد ما قاله ..وارتسمت ابتسامة على شفتي وعد بغتة وقالت متحدثة الى طارق: شكرا لنصيحتك يا طارق.. لو تعلم ان كلامك هذا قد ازال الكثير من حيرتي..
قال طارق بترقب ولهفة: ماذا تعنين بالضبط؟؟..
- سأفكر في الامر بجدية واتخذ الخطوة المناسبة..
ولم تستطع منع نفسها من ان تقول: هل لي بسؤال؟..
قال باستغراب من سؤالها: اجل تفضلي..
قالت بتردد: لم انت مهتم بأمري الى هذه الدرجة؟..
ابتسم طارق ابتسامة باهتة ومن ثم قال: اتسألين يا وعد..لم انا مهتم بك..بفتاة قلبت كياني رأسا على عقب.. الم تهتمي انت بي ايضا في ذلك اليوم عندما جرحت ذراعي؟..
اسرعت تقول: صحيح كيف حال ذراعك الآن؟..
ضحك طارق من سؤالها الذي لم يكن في مكانه وقال: بخير وترسل تحياتها لك..
احست وعد بالاحراج وقالت محاولة تغيير دفة الحديث: لقد كنت مهتمة بذراعك يومها لاني انا كنت سبب في اصابتها اولا وثانيا لانك...
صمتت ولم تكمل فقال طارق بابتسامة هادئة: لاني ماذا؟..
آثرت الصمت وهي لا تعلم ما تقول.. لم تشأ ان تقول أي شيء يفضح مشاعرها لطارق.. وسمعت هذا الأخير يقول: سأخبرك يا وعد.. لم انا مهتم بك..ليس لمجرد انك زميلة وصديقة عزيزة علي الامر يفوق هذا..
دقات قلب وعد اخذت تتسارع بشكل كبير ولسانها اصابه الشلل عن الحديث .. لهفة الانتظار جعلتها تصمت دون ان تنطق بحرف.. وهي بشوق لسماع ما سيقول.. وقال اخيرا بصوت يملأه الحنان: وعد.. انا اشعر بأنك قريبة جدا مني..
اتسعت عينا وعد ولم تستطع الا ان تقول بذهول : انا؟؟؟..
وقبل ان يجيبها سمعت صوت طرقات على الباب تلاها صوت فرح وهي تقول: ايتها السخيفة.. لم تغلقين عليك الباب.. افتحي اريد الدخول... ام تريدين من الآنسة فرح ان تنتظر في الخارج..
هتفت وعد قائلة: لحظة واحدة يا فرح..
ثم عادت لتحادث طارق وقالت: معذرة يا طارق.. ولكن علي انهاء المكالمة الآن..
قال طارق بهدوء: كما تشائين.. اراك غدا..الى اللقاء..
قالت بابتسامة باهتة: الى اللقاء..
ونهضت من فوق فراشها وكلمات طارق الكثيرة تتردد في ذهنها متبعثرة.. وشعرت بالضيق من قدوم فرح في هذه اللحظة ..على الاقل كانت ستفهم سبب قوله انها قريبة منه .. ربما لسبب غير الذي تتصوره.. ربما يعني شيئا آخر تماما..
فتحت وعد الباب لها وهي تقول في حنق: ما الذي جاء بك الى هنا؟..
ضحكت فرح وقالت:اهكذا تستقبلين ابنة عمك الوحيدة؟..
قالت وعد بسخرية: وماذا احصل منك غير كل ضيق في حياتي..
قالت فرح بثقة: بل لولاي انا لعشت طوال عمرك في حالة من الملل..
ضحكت وعد وقالت: في هذا معك حق..
واردفت بخبث: والآن لم جئت الى هنا؟.. لا تقولي لزيارتي فليس من عادتك الزيارة في هذا الوقت من الظهيرة..
قالت فرح وهي تتنهد: في الحقيقة هناك سبب آخر..
واردفت بجدية: لقد حدثني هشام بالامس.. عن امر يفكر به وسيفعله حتى تكوني له.. هل حدث بينك وبينه أي شيء يا وعد.. ام انه لا يزال ينتظر ال...؟
قاطعتها وعد قائلة: شقيقك يطلب الزواج مني يا فرح..
اتسعت عينا فرح بصدمة وقالت: ماذا؟؟..
قالت وعد بهدوء: ما سمعته..انه يصر على الزواج بي..
قالت فرح بغرابة: ولكنه لم يخبر ايا منا بالموضوع.. والدي نفسه لا يعلم بالأمر..
- يريد معرفة رأيي اولا..حتى يمكنه التقدم رسميا لخطبتي وهو يشعر بالراحة من انني سأوافق ولن ارفضه..
قالت فرح بتردد: وقد رفضتي انت الامر.. اليس كذلك؟..
قالت وعد بهدوء: بل وعدته بالتفكير بالامر بجدية.. انه زواج يا فرح.. وعلي ان اتخذ خطوة حتى لا اندم في المستقبل..
قالت فرح بهدوء: مع اني اتمناك زوجة لاخي.. ولكني في الوقت ذاته اتمنى ان اراك سعيدة.. ايا ستختارين يا وعد.. سأكون معك في اختيارك..
قالت وعد بغموض وهي تتذكر كل ما حدث طوال هذا اليوم منذ اتصال هشام لها صباحا وحتى كلمات طارق الاخيرة : ويبدوا انني قد اتخذت قراري يا فرح..
*********
  #114  
قديم 08-03-2010, 02:46 PM
 
*الجزء الواحد والثلاثون*
(الحب ..ام الكبرياء؟)


القت الشمس اشعتها الذهبية على تلك المساحة الشاسعة من الارض.. وغمرت المدينة بأكملها بنورها الدافئ.. لتعلن صباح يوم جديد.. وتسلل ذلك الضوء الى نافذة تلك الغرفة ليزعج عيني تلك الفتاة ويجعلها تفتح جفنيها وتسدلهما مرة اخرى في ضيق وهي تقول: يا الهي لماذا انسى اغلاق الستائرجيدا في المساء؟..
نهضت من فراشها وتطلعت الى الساعة.. لديها نصف ساعة لتنامها .. ولكن من يأبه بالنوم الآن.. بعد ان استيقظت بالرغم منها ..وبعثرت خصلات شعرها بهدوء.. وهي تحاول ترتيبه.. وقبل ان تنهض من فراشها.. سمت صوت رنين بنغمة وصول رسالة قصيرة.. فالتقطته.. ولم تلبث ان ارتسمت على شفتيها ابتسامة سعيدة وهي تقرأها: ((صباح الخير يا اجمل من بالوجود.. صباح الخيريا نسمة بين الورود..صباح الخير والسرور..يا حبيبتي الغالية... يا مبعث الوجود..))
ابتسمت ليلى برفة وهي تتطلع الى رسالة عماد الرقيقة والحانية والتي تحمل بين طياتها ذلك الحب الكبير الذي يمنلأ به قلبه تجاهها..واخذت تكتب وترسل له رسالة قصيرة تقول: ((يكفيني انك ارسلت كلماتك.. واثبت لي اشواقك ..واني قد بت جزء من احلامك..يكفيني انك قد بعثت لي كلمات حبك وحنانك..والتي تزيد لهفتي للقياك وانتظارك..))
ونهضت من فراشها لتتوجه نحو دورة المياه وقد اختفى أي ملمح من ملامح النعاس والتعب على وجهها لتحل محله ابتسامة واسعة وسعيدة..
وعلى الطرف الآخر..ارتسمت ابتسامة حنان على شفتي عماد الذي كان يستعد لمغادرة غرفته في تلك اللحظة ..واعاد هاتفه الى جيب سترته بعد ان قرأ رسالتها له.. وهمس قائلا بحب: كم احبك..
وما ان غادر غرفته وهبط السلالم حتى استوقفه صوت والده وهو يقول: الى اين يا عماد؟..
التفت عماد الى والده وقال بابتسامة هادئة: الى الشركة..
قال والده بحيرة: لا يزال الوقت مبكرا يا بني..ان الشركة تبدأ اعمالها بعد النصف ساعة تقريبا..
قال عماد بابتسامة: لا بأس يا والدي..لقد استيقظت مبكرا واشعر بالنشاط.. لهذا سأذهب الى هناك على الفور..
قال والده بهدوء: كما تشاء يا بني..
ابتسم عماد بهدوء وغادر المنزل.. وهو يشعر بأن كل ما قاله لم يكن السبب الحقيقي لذهابه مبكرا..انما هي..ليلى.. شوقه للقياها.. وشوقه لرؤيتها.. واصطحابها معه الى الشركة او الى أي مكان آخر.. المهم اه منذ ان فتح عينيه هذا الصباح وهو يشعر بلهفة لرؤيتها على الرغم من ان آخر لقاء لهما كان بالامس فحسب.. والتقط هاتفه المحمول في نفس اللحظة التي دلف فيها الى السيارة.. واتصل بها وهو في شوق لسماع صوتها..وما ان اجابته قائلة: اهلا عماد..
حتى قال بحنان: اهلا بك..كيف حال حبيبتي الغالية اليوم؟..
قالت بابتسامة خجلة: في خير حال..ماذا عنك؟..
قال بابتسامة وهو يشعل المحرك وينطلق بالسيارة: بخير..واشتقت اليك كثيرا..
قالت مبتسمة: لم يمضي على آخر لقاء لنا حتى اربع وعشرون ساعة..
قال وهو يهز كتفيه: وماذا يهم.. انا اشتاق اليك حتى وانت معي..
توردت وجنتاها بحمرة الخجل وقالت مغيرة دفة الحديث: ما سر اتصالك يا ترى في هذا الصباح الباكر؟..
قال بخبث وقد ادرك رغبتها في تغيير دفة الحديث: لسماع صوتك الرائع..
ازدادت سرعة نبضات قلبها وقالت بارتباك: اخبرني حقا لم اتصلت؟..
قال بمرح: اخبرتك الصدق حقا.. لسماع صوتك.. وايضا لاصطحابك معي..
قالت بحيرة: تعني الى الشركة؟..
قال بابتسامة:الى الشركة او الى أي مكان آخر.. فقط كوني جاهزة..
قالت في سرعة: حسنا اذا .. سأكون جاهزة ريثما تصل..الى اللقاء..
قال عماد بحنان: الى اللقاء يا اميرتي..
واغلق الخط وهو يواصل طريقه..متجها الى منزل ليلى.. وشوقه لها يتضاعف..
*********
دلفت وعد الى القسم الرئيسي بالصحيفة وقالت بمرح يبدوا جليا على وجهها: صباح الخير جميعا..
ابتسم احمد وهو يتطلع اليها قائلا: صباح الخير.. من الغريب ان تغادرينا بالامس وانت حزينة.. وتحضري اليوم وانت تبدين في حالة من المرح والسعادة..
نقلت عينياها الى طارق على الفور وقالت مبتسمة: وما الغريب في الامر.. هذه هي الحياة.. يوم سعيد ويوم حزين..
منحها طارق ابتسامة تحمل في طياتها الكثير من الحنان وقال لها: صباح الخير يا وعد..
واردف بهدوء: وانا معك في ما قلته..
ومن طرف آخر قالت نادية وهي تراها تجلس خلف مكتبها: صباح الخير يا وعد.. لقد قلقت عليك حقا.. بسبب حزنك المفاجئ بالامس.. ماذا حدث؟..
لوحت وعد بكفها وقالت بابتسامة: لا شيء.. مجرد مشاكل اعتيادية..
اما احمد فقد قال بخبث متحدثا الى طارق: تقول انك معها في ما قالته.. وما الغريب في هذا؟..فمنذ متى كنت ضدها..
التفتت له وعد واجابته هذه المرة بابتسامة مرحة: كثيرا ما كان ضدي وخصوصا في الايام الاولى من استلام وظيفتي هنا..
قال احمد بمكر: هذا كان في السابق عندما لم يكن يعرفك جيدا .. اما الآن....
قاطعه طارق قائلا وهو يرفع حاجبيه: اما الآن.. فعليك ان تصمت وتعمل بجد اكثر..
التفتت وعد الى طارق.. وقد استغربت منعه احمد من اتمام عبارته.. ربما شعر مع عبارة احمد انه يسخر منه او شيئا من هذا القبيل.. لم تهتم وهي تجلس خلف مكتبها وتخرج من حقيبتها ورقة كانت عليها كلمات من الواضح انها كتبت بسرعة ودون ترتيب.. فاعادت كتابتها فوق احد الاوراق بشكل منظم..
اما طارق فقد التقط من درج مكتبه ورقة مجعدة قد بات من الواضح عليها ان من كتبها كان يرغب في التخلص منها.. وأخذت عينا طارق تلتهمان كلمات تلك الورقة وابتسامة هادئة ترتسم على شفتيه.. ومن ثم لم يلبث ان تطلع الى وعد وهو يعيدها الى درج مكتبه..
وران الهدوء على القسم كله.. قبل ان يقطعه صوت رنين هاتف القسم الذي ازعج الجميع وتركهم يتركون ما بيدهم..والتقط طارق سماعة الهاتف ليجيبها قائلا: قسم الصفحة الرئيسية .. من المتحدث؟..
استمع الى صوت محدثه باهتمام ومن ثم لم يلبث ان قال: حسنا في الحال يا استاذ نادر..
واغلق سماعة الهاتف .. ليتجه الى مكتبه ويجلس خلفه ومن ثم يلتقط عدة اوراق ونادى وعد قائلا: وعد احضري مقعدا وتعالي هنا..
رفعت حاجبيها وقالت: ولم؟..
قال بهدوء: تعالي وستعرفين كل شيء..
نهضت من خلف مكتبها وجذبت لها مقعدا لتجلس بجوار مكتب طارق ومن ثم قالت: ما الأمر؟..
التفت لها طارق وقال: لقد طلب الاستاذ نادر ان نجمع بعض المعلومات اللازمة عن احد المسئولين بالبلاد.. وبعدها سنذهب لعمل لقاء صحفي معه..
اومأت برأسها قائلة: حسنا.. امنحني الاسم فقط..
قال بهدوء: نبيل سالم..
ومن ثم اعتدل في جلسته ليواجه جهاز الحاسوب وقال: سأبحث عن أي معلومات تتعلق عنه في شبكة الانترنت.. اما انت سجلي كل ماامليه اليك..
سألته وهي تعقد حاجبيها بغرابة: ولم لا تقوم بطباعة ما نريد من معلومات؟..
- لسنا نحتاج الا لمجموعة من المعلومات البسيطة والمتفرقة..
اومأت برأسها مرة اخرى وقالت: فليكن..
اخذ يلقي على مسامعها عبارات متفرقة.. ما بين اعمال هذا المسئول..وما بين امور تتعلق بمنصبه وعلاقاته الخارجية.. واخيرا قال طارق بهدوء: اظن ان هذه المعلومات تكفي..
تطلعت وعد الى الورقة التي امتلأت تقريبا بمعلومات عن ذلك المسئول وتمتمت موافقة: اجل .. اظن ذلك..
استدار لها طارق وقال وهو يمد لها كفه: امنحيني الورقة اذا حتى ارى ما كتبته..
منحته اياها..واخذ يقرأها هو باهتمام.. ومن ثم لم يلبث ان وضعها بدرج مكتبه وقال: حسنا سأذهب لأتحدث الى الاستاذ نادر بشأن اللقاء وان كان قد اخذ لنا موعدا مع المسئول ام لا.. وبعدها سوف نغادر نحن لعمل اللقاء..
قالت وعد في لهفة لم تتمكن من اخفائها: تعني اننا سنكون معافي هذا اللقاء..
ارتسمت ابتسامة حانية وقال: اجل.. فيم كان عملنا سويا اذا؟..
قالت بتوتر بالرغم منها من ابتسامته الحانية: ظننت انك اردت مساعدتي لا اكثر..
تطلع اليها لبرهة من الوقت ومن ثم قال: انتظريني لدقائق.. سأعود لنغادر سويا..
ابتسمت وهي تراه يغادر واسرعت هي تعد اوراقها وآلة التصوير بالاضافة الى جهاز التسجيل..واستغرق منها هذا وقتا قبل ان تنتبه الى طارق الذي كان واقفا عند باب القسم وقال: هيا يا وعد سنذهب ..الم تقومي بتجهيز اشيائك بعد؟..
اسرعت تقول: في الحال..
قال وهو يخرج خارج القسم: اسرعي سأنتظرك في....
بتر عبارته وكأنه تنبه الى امر هام ومن ثم قال: لقد نسيت اخذ الورقة..احضريها يا وعد..
فهمت انه يعني الورقة التي قد جمعا فيها المعلومات عن المسئول.. فاتجهت الى مكتبه وقالت متسائلة: في أي درج وضعتها؟..
قال دون ان يلتفت لها وهو يتطلع الى ساعته: الاول..
اسرعت بفتح الدرج والتقاط الورقة المنشودة ...ولكن ...ورقة أخرى استرعت انتباهها..فتأملتها وهي تشعر بأنها مألوفة لها .. خصوصا وهي مجعدة بنحو غريب وكأنها مهملة .. ووجدت فضولها يجبرها على مد يدها والتقاط الورقة.. لمعرفة ما بها.. وعن سر احتفاظ طارق لورقة مجعدة مثلها.. فضت الورقة وسقطت عيناها على اول الحروف...
في اللحظة ذاتها رفع طارق رأسه اليها وقال بضجر: الى متى سأنتظر يا وعد؟.. كل هذا الوقت لاحضار تلك ال....
بتر طارق عبارته بغتة وهو يلمح عينا وعد التي تنظر اليه بصدمة وغضب..وادرك على الفور سر نظرتها هذه عندما وقع بصره على الورقة التي في يدها..ووجد نفسه يقول في توتر: سأشرح لك الامر..
اما وعد فلم تستمع الى عبارته..لقد ظلت تتطلع الى طارق بعينان تملأهما الصدمة..لقد كان يحتفظ بكلماتها طوال تلك المدة.. من اين حصل عليها؟.. وكيف يمنح لنفسه الحق التعدي على خصوصيتها وقراءة اوراقها الشخصية..لقد علم من هذه الورقة بمشاعرها التي تريد ان تخفيها منذ زمن عنه.. لهذا كان يخصها بذلك الحنان .. لهذا اخبرها بقصته مع مايا.. لم يفعل كل هذا الا عندما قرأ كلمات الاهتمام التي عبرت عنها الخاطرة..لقد تقصد بكل تأكيد الاطلاع عليها.. واحتفظ بها.. هل اهتمامه بي شفقة اذا على مشاعري نحوه؟..
لم يكن عقل وعد يستطيع التفكير في تلك اللحظة.. ويجعلها ترى الامر بوضوح اكبر..وان احتفاظ طارق بالورقة لا تعني الا انه ييريد ان تبقى كلماتها معه دائما.. لم تكن ترى انها فعلت مثل ما فعله طارق بالسماح لفضولها لالتقاط الورقة من درجه ..لم تكن ترى لحظتها سوى ان طارق قد اقتحم خصوصيتها ومشاعرها بغير حق.. وانه قد كان يشفق عليها باهتمامه ليس الا.. ووجدت نفسها تهتف بغضب: كيف تجرؤ على التدخل في خصوصياتي؟..
قال طارق في سرعة: سأشرح لك الامر كله يا وعد..
قالت في حدة دون ان تنتبه الى احمد ونادية الذي ادهشهما هذا الشجار بينهما والذي لم يعرفا سببه: لهذا كنت تهتم لأمري اذا ..لانك كنت تعلم انك قد جذبت انتباهي منذ البداية.. لقد كنت تشفق على مشاعر فتاة بلهاء مثلي ليس الا..
قال طارق بحزم: من قال هذا؟.. لا شيء يدعوني للشفقة.. لا شيء يدعوني لأن انافق في مشاعري.. لا شيء يدعوني للخداع.. ان كل ما افعله او انطق به انما هو الصدق.. ونتيجة لما احمله لك من مشاعر..
وعلى الرغم من رنة الصدق في صوته الا ان غضب وعد اعماها عن الانتباه لصدقه وهي تقول: كيف تسمح لنفسك بالتدخل في خصوصياتي؟.. لقد رفضت انت ان يتدخل أي احد بماضيك.. رفضت مجرد السؤال عنه.. فكيف تسمح لنفسك بالتدخل في خصوصيات غيرك؟..
قال طارق وهو يزفر بحدة: اعترف اني اخطأت بهذا الشأن.. ولكن انتابني الفضول لحظتها على ان اعرف سر هذه الورقة المهملة وظننتها موضوعا آخر تركتيه باهمال.. ولم اكن ادرك انها كلمات رائعة عبرت عن براعة اسلوبك في هذا المجال..
وعلى الرغم من رقته في قولها الا ان هذا لم يهدئ من غضب وعد وقالت بعصبية: هل كنت ستسمح لي بالتجسس على اوراقك واسرارك؟.. هل كنت ستسمح مجرد معرفة جزء من مشاعرك دون ان تقولها انت بنفسك؟..
تطلع اليها طارق بدهشة من انفعالها.. وخيل اليه انه يلمح مايا بعصبيتها وانفعالها الدائم.. لم يعلم لم تذكر مايا الآن؟.. ولكن عصبية وعد المبالغة جعلته يتذكرها وهي تختلق الشجارات معه.. وتصر دوما انها على حق.. وتذكر كيف كان يعالج الموقف وقتها..ولكن هذه المرة من تواجهه وعد وليست مايا.. وعد بعصبيتها ورقتها في آن واحد.. وعد بكبريائها الذي يجعلها ترفض ان يعلم احد بمشاعرها.. تظن الآن انه عندما علم بمشاعر الاهتمام التي تكنها نحوه بادلها هو المشاعر.. ستكون حمقاء لو فكرت هكذا.. وان مشاعره لها ليست سوى شفقة..
وقال اخيرا بصوت هادئ: لم كل هذه العصبية يا وعد؟.. سأشرح لك الامر بهدوء وبعدها يمكنك الحكم بنفسك..
قالت وفي عينيها نظرة لوم: لا احتاج الى شفقتك..
ومرت من جانبه في سرعة لتغادر القسم ولم تكد تفعل حتى فوجئت بطارق يمسك معصمها في قوة ويقول: استمعي الي اولا.. قبل ان تهربي..
قالت في انفعال وغصة تملأ حلقها: انا لا اهرب.. ووفر شفقتك لنفسك..
قالتها وجذبت معصمها من كفه في خشونة..لماذا؟.. لماذا الآن؟..لماذا بعد ان شعرت بالسعادة لأنه يهتم بي ويخصني بنظراته؟.. لماذا بعد ان علمت انه يشعر بقربي له؟..لماذا اكتشف الآن ان هذا ليس سوى مزيج من شفقته وعطفه علي؟..لماذا؟..
لم تعرف الى اين تتجه.. ولكن وجدت قدماها تقودانها الى الممر الذي تقع المصاعد في نهايته.. ووجدتها فرصة مناسبة لابعاد تلك المرارة والحزن من اعماقها..واخفاء دموعها التي تترقرق في عينيها عن الجميع.. ستخرج من الصحيفة لتختلي بنفسها ولو لدقائق او ربما تذهب الى الكفتيريا لترتاح قليلا .. اهم شيء ان تبعد عن نفسها هذا الاحساس بالحزن وتنسى طارق بمشاعر الشفقة التي يحملها لها..
واطلقت تنهيدة الم..لكنها لم تكتمل.. وهي تلمح طارق يقف امامها بجسده الممشوق القوام ليعترض طريقها ويحول عنها التقدم قائلا: قلت لا تهربي.. سنتفاهم اولا..
وضعت كفها على فمها لتمنع شهقة دهشة كادت ان تنطلق من بين شفتيها..وهي التي لم تكن تشعر به يتبعها على الاطلاق ..وقالت ببرود بعد ان تلاشت دهشتها: ابتعد عن طريقي..
قال بصرامة: ليس قبل ان نتفاهم..
قالت والدموع تعود لتترقرق في عينيها: شكرا لك لست احتاج لكلمات الشفقة منك..
قال طارق بعصبيه هذه المرة: عن أي شفقة تتحدثين؟.. هل كانت مشاعري نحوك بهذا القدر من الكذب الذي تصفين؟ ..انني لم افكر يوما حتى بالشفقة نحوك.. ومنذ اليوم الاول لقدومك للمكتب كنت تعلمين اني لم اكن اهتم بأي احد.. فهل كنت سأهتم بمشاعرك واشفق عليها؟..
تطلعت اليه وعد وقد شعرت بصدق منطقه.. ولكنها قالت ببرود: ولكن هذا لا يمنحك الحق بالتدخل في خصوصياتي ومشاعري الخاصة..
قال طارق بتحدي هذه المرة: الم تفعلي المثل؟..
قالت وعد باستنكار: انا؟؟..
- اجل انت.. كيف علمت بأمر هذه الورقة في درجي اذا..الم تلتقطيها من درجي وهي تخصني انا؟..
شعرت بالارتباك وقالت بعد برهة من الصمت: ولكنها تخصني انا..
قال طارق وهو يعقد ساعديه امام صدره: وكيف كنت لتعلمي بهذا لو لم تلتقطيها بنفسك وتقرأيها.. مايدريك وقتها ان الورقة لم تكن لتحمل امور تخصني او شيء من هذا القبيل..
سيطر عليها الحرج والتوتر.. ولقد علمت حقا انها قد فعلت ما ترفضه الآن وبشدة..وتمتمت مدافعة عن نفسها: لم اكن اقصد ذلك..لقد بدت مألوفة لدي .. ليس الا..
واردفت في حدة: والآن..هلا ابتعدت عن طريقي..
لم يتزحزح طارق من مكانه قيد انملة.. فقالت وعد بعناد: فليكن انا من ستبتعد عن المكان..
قالتها وهي تلتفت عنه وتسير مبتعدة.. لكن صوت طارق الصارم جعلها تتوقف في مكانها وهي تستمع اليه وهو يقول: لا تظني يا وعد اني سألحق بك مجددا.. مادمت نرفضين الاستماع الي الآن.. فلن احاول تبرير الامر لاحقا..اما انت فيمكنك الهرب الآن.. يمكنك ان تهربي من الحقيقة كما تشائين..
وجدت وعد نفسها تتوقف وتلتفت له قائلة بحدة: لقد شرحت لي الامر وانتهى الموضوع.. ماذا تريد الآن؟..
قال طارق بجدية: لا لم ينتهي الامر بعد .. فعيناك تقولان ان الشك لا يزال يراودك فيما قلته..
قالت وعد بسخرية وهي تعقد ساعديها امام صدرها: صحيح .. نسيت انك تستطيع قراءة لغة العيون..
قال طارق وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: ولا يفهمها الا من يهتم بصاحبها.. اليس كذلك؟..
توترت وعد بعبارته.. ووجدت يداها تسقطان الى جوارها وهي تتطلع الى اجمل عينان رأتهما في حياتها.. عينان تستطيع ان ترى بداخلها الصدق والحنان.. الصرامة والحزم..المرح وقوة الشخصية.. عينان هي اغرب ما تكون بكل ما تحمله من مشاعر.. وهمت بنطق شيء ما.. لولا ان ارتفع صوت رنين هاتف طارق.. وسمعته يجيبه قائلا:اجل يا استاذ نادر...في الحال.. سنذهب بعد دقائق..الى اللقاء..
ولم يلبث ان اغلق الهاتف ومن ثم قال وهو يتحدث اليها: هيا سنذهب الى اللقاء الصحفي الآن..
قالت بعناد: لا.. لن اذهب الى أي مكان..
قال طارق وهو يهز كتفيه: فليكن يا وعد.. افعلي ما بدا لك..سأذهب الى اللقاء الصحفي وحدي.. ولكن قبل هذا...
بتر عبارته ومن ثم اردف وهو يضغط على حروف كلماته: سأنتظرك لعشر دقائق في موقف السيارات بالاسفل.. عشر دقائق لا غير.. ان لم تحضري فسأغادر..
قالها والتفت عنها ليتوجه الى حيث المصاعد والقى عليها نظرة اخيرة قبل ان يستقل احدها الى الطابق الارضي.. اما وعد فقد توقفت في مكانها للحظات وهي غير عالمة لماتفعله..أتتبعه الى هناك.. ام تحتفظ بكبريائها وتجعله يذهب وحيدا..ولكن لم كل هذا؟..انه على حق في كل ما قاله.. لقد شعرت بصدقه في كل حرف نطق به.. ولكن مع هذا قد تدخل في شيء يخصها.. في مشاعرها التي جاهدت لتخفيها عنه وعن الجميع.. ان طارق هو الانسان الذي تحب..هل تضحي بكرماتها وتذهب اليه؟.. ام تحتفظ بها وتتركه يذهب وحيدا؟..انها تعلم انه جاد فيما يقوله.. وانه سيتركها ويرحل فعلا لو لم تتبعه.. ولهذا ازدادت الحيرة بداخلها اضعافا .. وهي غير عالمة لما تفعله...
وظلت في حيرة من امرها وهي تنقل بصرها بين ركن لمصاعد الذي كان يقف فيه طارق منذ لحظات وبين ساعة يدها التي اعلنت مضي دقيقتين حتى الآن...
**********
ارتفع حاجبا ليلى بحيرة وهي ترى ان سيارة عماد لم تصل بعد.. على الرغم من وقوفها بالخارج لخمس دقائق.. وقالت متمتمة: لقد فال لي انه سيحضر بعد دقائق فقط..ما الذي اخره؟..
واردفت بقلق: اتعشم ان يكون بخير..
اخرجت هاتفها من حقيبتها واتصلت به على الفور.. واستمعت اليه بعد وهلة يجيبها: هل اشتقت الي بهذه لسرعة؟..
تنهدت بارتياح..ومن ثم قالت متسائلة: اين انت يا عماد.. ولم تأخرت؟..
قال بابتسامة: حتى اثأر لنفسي ..ففي المرة السابقة انت من تأخر..اما اليوم فمن حقي انا ان اتأخر..
قالت ليلى بضيق: عماد.. قل الصدق..
قال بهدوء: معذرة يا ليلى ولكن الشوارع مزدحمة.. سأصل اليك بعد دقائق على الاكثر..
قالت بهدوء: سأنتظرك.. الى اللقاء..
وانهت الاتصال.. ولم تمض دقيقة واحدة حتى لمحت سيارة عماد تتقدم منها وتتوقف الى جوارها..فتنهدت براحة وهي تنطلق نحو السيارة وما ان فتحت بابها واستقرت بداخلها حتى قالت بابتسامة شاحبة وهي تتطلع الى عماد: لقد اقلقتني عليك..
قال عماد وهو يغمز لها بعينه: لا داعي لكل هذا القلق يا اميرتي.. ولكن الطرق كانت مزدحمة ليس الا..
قالت بهدوء: ولم لم تتصل بي لتبلغني بأنك ستتأخر لهذا الامر؟..
قال بمرح وهو يعاود انطلاقه بالسيارة:حتى اعرف مدى حبك لي وان كنت ستقلقين علي ام لا..
التفتت له وقالت وفي صوتها رنة خجل: الا زلت تشك في مقدار حبي لك؟..
قال بابتسامة: مطلقا..
واردف وهو يهمس لها: والآن الى اين نذهب.. الى الشركة .. ام الى آخر مكان في هذا العالم؟..
قالت هي بخبث هذه المرة: ليست لدي رغبة في العمل هذا اليوم .. ولكن .. مع هذا لا اريد ان اترك انجاز الاعمال ليوم آخر..
قال عماد بابتسامة واسعة: هذا يعني ان نذهب الى احدالمطاعم .. اليس كذلك؟..
- بل الى الشركة وفي الحال..لا اريد كسلا بعد الآن.. يا سيد عماد.. اتفهم؟..
قال عماد وهو يلتفت لها: افهم جيدا يا اميرتي.. الى الشركة وفي الحال..
قالت ليلى وهي تتطلع اليه: اياك ان تتخذ مسارا مختلفا .. فأنا اراقبك..
قال عماد وهو يضحك: يا الهي هل بت مراقبا الآن؟..
- يمكنك ان تعتبر نفسك كذلك..
قال بحنان: حسنا انا اوافق.. لاني سأكون مراقبا من اجمل فتاة رأيتها في حياتي.. واروع عينين ستظلان تتبعاني طوال الوقت .. ماذا اريد اكثر من ذلك؟..
توردت وجنتيها وقالت ليلى وهي مصطنعة العناد: لا تحاول التأثير علي بكلماتك.. لن نذهب الى أي مكان قبل انتهاء وقت العمل..
هز كتفيه وقال: فليكن.. ولكن انت احتملي ذنب شاب مسكين ..رفضت تحقيق مطلبه..
قالت وهي تعقد ساعديها امام صدرها بهدوء: لا عليك سأحتمله وبكل سرور..
قال وهو يتصنع الحزن: احتملي عذاب الضمير اذا..
قالت ليلى وقد ارتسمت ابتسامة على شفتيها: متى ستكف عن تمثيليتك هذه؟.. قلت لن نذهب الى مكان ما.. قبل ان تنهي اعمالك بالشركة..
- فليكن يا سيادة المديرة..لن اتحرك من مكاني خطوة واحدة قبل ان انهي اعمالي..
قالها بكل حب صادق وهو يتطلع الى ليلى..ليلى التي بادلته بنظرات تمتلأبالحنان والحب..وخفقات قلبها تزداد تسارعا...
*********
أسبل طارق جفنيه بهدوء وهو يسترخي بداخل سيارته الرياضية من نوعها.. وهو مستغرق بالتفكير في امر ما.. ثم ما لبث ان فتح عينيه وقال وهو يتطلع الى ساعته: يبدوا انها أعند مما توقعت..
قالها وهم بادارة المحرك.. لولا صوت تلك الخطوات التي اقتربت من سيارته.. فالتفت الى صاحبها.. او صاحبتها ان اردنا الدقة ..وابتسم بهدوء وهو يراها تتقدم منه وتفتح الباب المجاور له.. وتدلف الى الداخل بصمت.. ومن ثم تشيح بوجهها عنه.. فقال طارق وهو يدير المحرك بالفعل هذه المرة: لقد كدت امضي في طريقي لو تأخرت لدقيقة فقط..
قالت وعد بحدة: لم آتي لأجلك.. لقد جئت من اجل اللقاء الصحفي..
هز طارق كتفيه وقال: اعلم.. لم يطلب احد منك المجيء لأجلي..
تطلعت اليه وفي اعماقها شعرت بالحنق الشديد.. أي انسان هو هذا؟.. الا يفهم ان يقرأ ما بين السطور؟.. الا يفهم انها لم تقل هذا الا لتبين له انها قد جاءت من أجله؟.. ومن أجله فقط..فليذهب اللقاء الصحفي الى الجحيم.. المهم هذا الانسان الغريب بجاذبيته.. والفريد بشخصيته.. ما يهمها بالامر برمته هو ولا احد سواه..وعلى الرغم من ان الامر متوتر بينهما الا انها القت بكرامتها خلف ظهرها وتحطم عنادها كله امامه.. وهي ترى نفسها تجمع اشياءها وتهبط الى حيث هو.. هذا هو طارق..انسان يجعلها تتصرف عكس ما تريد.. يجعلها تتصرف بأشياء خارجة عن ارادتها..
وازدردت لعابها في توتر.. وهي تفكر..ما حدث بينهم كانت مشكلة وانتهت.. وادركت وعد ان كلاهما كان مخطئا.. فمن ناحية قراءة طارق لورقة تخصها.. ومن ناحية اخرى فعلها شيء مماثل عندما حاولت معرفة كنه تلك الورقة في درجه.. ولكن يبدوا ان ما حدث جعله متحامل عليها.. فها هو ذا يقود السيارة دون ان يتبادل معها حرف واحد ..هل هو غاضب من تصرفاتها يا ترى.. ايهما له الحق في الغضب.. هي ام هو؟..
وتوقف طارق اخيرا امام مبنى متوسط الحجم.. وقال وهو يلتفت لها: لم كنت تتطلعين الي طوال الطريق؟..
شعرت بالحتق منه.. وقالت متعمدة السخرية: ربما كنت معجبة بك..
وعلى الرغم من انه انتبه الى سخريتها الا انه قال بصدق: ليس الامر غريبا اذا .. فانا ايضا معجب بك..
شعرت بالصدق في كل كلمة ينطق بها وقالت بتردد: تظن اني سأصدق سخريتك هذه؟..
قال طارق بحزم: اولا انا لا اسخر منك.. وثانيا يمكنك تصديق ما تشائين..فلست مجبرا على ان اقسم لك..
ما هذا الذي فعلته؟.. يبدوا انها قد زادت الطين بلة.. ورأته يفتح باب السيارة ويهبط منها دون ان يضيف كلمة اخرى ..وهبطت من السيارة في سرعة وقالت وهي تناديه في سرعة: طارق..
كاد ان يلتفت لها ولكن صوت نداء آخر كان يهتف بأسمه جعله يلتفت الى صاحبته وقال وهو يرى تلك الفتاة وهي تقترب منه وعلى شفتيها ابتسامة مرحة: هل تعرفيني يا آنسة؟..
قالت الفتاة بابتسامة واسعة: لم تتغير كثيرا يا طارق.. سوى انك قد ازددت ضخامة..
تطلعت اليها وعد في غرابة.. هذه الفتاة تعرفه وتحدثه باسلوب مبسط وكأنه صديق قديم لها.. وكما انها تمزح معه .. ولكن هل يعرفها طارق؟..
تطلع اليها طارق في حيرة ومن ثم قال: هل التقينا من قبل يا آنسة؟..
ضحكت الفتاة بمرح ومن ثم قالت: لم اكن اظن ان ذاكرتك تمتاز بسرعة النسيان.. هل نسيتني بهذه السرعة؟..
قال طارق وهو يتطلع لها بتمعن: ملامحك ليست غريبة علي.. ولكني لا اتذكر اين رأيتك من قبل..
قالت الفتاة بلهجة ذات مغزى: هيا ايها القائد.. يمكنك التذكر.. انا واثفة..
حركت هذه العبارة بداخل طارق العديد من الذكريات القديمة والدفينة.. وثال بعد ان اتضحت له هوية محدثته: لقد مضى زمن طويل منذ التقينا آخر مرة يا (رنا)..
قالت رنا بمرح: سبع سنوات واربع شهور تقريبا..لم نرك بعدها ابدا وافترقنا جميعا..اخبرني ما هي احوالك؟..
على الجانب الآخر كانت وعد تشعر بالحنق.. اولها لتجاهل طارق لوجودها تماما.. وثانيها هذه الفتاة التي اخذت تتحدث اليه بتبسط كبير..يبدوا انها قد كانت صديقة او زميلة له يوما ..ولم تستطع كتم حنقها اكثر من ذلك.. فقالت والضيق يبدوا جليا على وجهها: اظن اننا قدتاخرنا على المقابلة الصحفية يا طارق..
تطلعت اليها رنا بخبث ومن ثم قالت: من هذه الآنسة؟.. صديقتك ام خطيبتك؟..فأنا لا ارى في اصبع أي منكما خاتم زواج..
توترت وعد لمجرد الفكرة وارتجف قلبها.. لمجرد ان تخيلت ان اسم طارق قد يزين اصبعها يوما.. وانها ستكون زوجته .. ولكن هل سيحدث هذا يوما حقا ويتحقق حلمها .. ام ان احلامها ستتلاشى كالظلام مع بزوغ فجرالواقع؟..
وسمعت طارق يقول في تلك اللحظة: نسيت ان اخبرك انا الآن صحفي في جريدة الشرق..اما هذه الآنسة فهي...
بتر عبارته واردف وهو يلتفت الى وعد ويتطلع لها وابتسامة ترتسم على شفتيه: فهي اعند فتاة رأيتها في حياتي..زميلتي بالعمل.. الآنسة وعد عادل..
قالت رنا بخبث: اعند من مايا؟..
لم تعلم رنا انها بكلماتها هذه كادت ان تنكأ جرح طارق الذي لم يلبث ان التأم مع الزمن..اما وعد فقد تطلعت الى تلك الفتاة بدهشة واستنكار شديدين.. لم ادخلت اسم مايا بالموضوع؟..الآن ستعود لطارق مشاعره القديمة..وحبه الاول.. ولن اكون انا سوى صفر على الشمال..
وقال طارق بهدوء: لكل منهما شخصيتها المتميزة..
قالت رنا بابتسامة: تتحدث عن مايا وكأنها لا تزال على قيد الحياة.. الا تزال تذكرها؟..
قال طارق وهو يطلق زفرة حارة: ومن ينساها..
شعرت وعد بالضيق يزداد في اعماقها..وهي تستمع الى كل حديثهم..مايا.. مايا.. لقد سأمت منها.. من هذه الفتاة التي احتلت قلبك يوما يا طارق.. لقد بت احقد عليها مع انها لم تعد في هذا العالم.. هل تعلم لم؟..صحيح انها فارقت الحياة ولكنها لا تزال تحيا في قلبك وعقلك..
وقالت بعصبية: اظن اننا قد تاخرنا اكثر مما ينبغي على اللقاء.. ان كنت تريد المكوث هنا فابقى.. اما انا فسأغادر..
قال طارق وهو يرفع حاجبيه ويلتفت لها: ولم كل هذه العصبية؟..
كادت ان تصرخ في وجهه: ( لأني احبك ولا احتمل وجودك مع سواي)..
ولكنها كتمت مشاعرها وهي تشيح بوجهها عنه بصمت .. فقال طارق متحدثا الى رنا: معذرة ولكن فعلا وقتي ضيق.. سعدت بالحديث معك..
قالت رنا بمرح: وانا كذلك ايها القائد.. اخبرني .. هل لديك مقابلة مع رئيسي بالعمل؟..
قال متسائلا: اتعملين هنا؟..
اومأت برأسها ايجابيا ومن ثم قالت وهي تتجه نحو المبنى: هيا سنذهب معا..
سار طارق الى جوارها .. في حين تطلعت اليه وعد بنظرة حانقة قبل ان تسير الى جواره من الجهة الأخرى..وعلى الرغم من ان طارق كان يختلس النظرات اليها الا انها لم تنتبه اليه وهي تشعر بالحنق الشديد.. دائما مايا هي من تقف حائلا بيني وبينه.. والآن هذه الفتاة من تكون؟..يبدوا انها كانت صديقته ايام الجامعة..تباً لكل شيء.. ولمشاعرها التي احبت انسانا قلبه ملكا لغيرها..
ودلفا ثلاثتهم الى المصعد في تلك اللحظة.. وضغطت رنا على زر الطابق الثاني.. في حين ضغط طارق على زر الطابق السابع ..وعادت رنا لتتحدث قائلة : اتذكر آخر مرة رأيتك فيها يا طارق كنت باردا.. هادئا الى اقصى حد.. حتى وداعك لنا لم يكن يحمل أي حياة..لقد كانت في عينيك نظرة حزن عميقة.. اما الآن فها انذا اراك وفي عينيك نظرة متفائلة مقبلة على الحياة من جديد.. واراك تبتسم بسعادة حقيقية.. يبدوا ان للزمن اكبر تأثير على ما حدث لك من تغيير..
قال طارق بابتسامة: ليس الزمن فحسب..بل الاشخاص ايضا..
قالها والقى على وعد نظرة مختلسة.. كان يتمنى ان يصل اليها ما يقصده..وانها السبب في اعادة البسمة والامل اليه.. ولكن يبدوا ان القدر كان يمنعهما من ان يوضح أي منهما للآخر مشاعره.. فقد كانت وعد شاردة في تلك اللحظة وهي تسند ظهرها الى احدى زوايا المصعد..وافكارا كثيرة في ذهنها.. تتقاذفها يمنة ويسرة وهي غير قادرة على التفكير السليم..
وما ان وصل المصعد الى الطابق الثاني حتى قالت رنا وهي تلتفت الى طارق: سعدت بلقائك يا طارق.. وارجو ان يتكرر لقائي بك..
قال طارق وهو يراها تغادر المصعد: وانا كذلك..
تطلعت رنا الى وعد ومن ثم قالت بابتسامة: الى اللقاء يا آنسة وعد.. واهتمي بطارق..
تطلعت اليها وعد بنظرة باردة ومن ثم قالت وشبح ابتسامة ساخرة يرتسم على شفتيها: اظن انه اكبر من ان يحتاج للاهتمام..
قالت رنا بخبث وهي تلقي عليهم نظرة اخيرة: ربما اهتمام من نوع خاص..
واغلق المصعد ابوابه قبل ان تسألها وعد عما تعنيه..واختلست نظرة الى طارق..هل يا ترى شعرت ان بيني وبينه علاقة ما؟.. او انني احمل له مشاعر خاصة.. لقد اسرفت في عصبيتي وانا اتحدث اليها ..ربما لهذا قد لاحظت انني قد تضايقت لحديثها ووقوفها معه..
ظلت صامتة دون ان تنبس ببنت شفة.. وهي تتطلع الى طارق الصامت بدوره.. والذي اكتفا بمراقبة تلك الارقام الضوئية التي كانت تظهر تصاعديا على شاشة المصعد..الى ان وصل المصعد اخيرا الى الطابق السابع فتوقف بحركة خافتة وانفتحت ابوابه..
وقال طارق وهو يخطوا الى خارج المصعد: اتبعيني..
عقدت حاجبيها بعصبية.. امر آخر يلقيه اليها.. من يظنها تابعة له.. سارت خارجة من المصعد..وهي تشعر بالحنق والسخط الشديد ..ترى لم يتصرف معها هكذا.. بسبب ما حدث بينهم قبل قليل..ام لسبب آخر؟..
وصل طارق في تلك اللحظة الى مكتب السكرتيرة وقال: انا صحفي من صحيفة الشرق وادعى طارق جلال..اتيت انا وزميلتي وعد عادل لاجراء مقابلة صحفية مع السيد نبيل سالم.. ولدينا موعد معه..
قالت السكرتيرة بهدوء: اعلم.. ولكن السيد نبيل منشغل بمكالمة هاتفية هامة.. انتظرا لدقائق فحسب ريثما ينهيها..
عقد طارق حاجبيه لوهلة ومن ثم قال: لا بأس..
اشارت السكرتيرة للاريكة التي كانت بنصف طول الجدار تقريبا..وقالت: تفضلا..
توجه طارق في بساطة ليجلس على الاريكة.. والتفت الى وعد التي كانت تتطلع اليه وقال بصوت هادئ: ما بالك لا تجلسين؟..
جلست على الاريكة بصمت دون ان تنطق ببنت شفة وقال هو في تلك اللحظة وهو يتطلع اليها بنظرة لم تفهمها: والآن ما الذي يضايقك؟..
كان السؤال غريبا ولم تتوقعه وعد ابدا.. ورفعت هذه الاخيرة حاجبيها وقالت بدهشة: يضايقني؟؟..
اومأ طارق برأسه ايجابيا ومن ثم قال: اجل هناك ما يضايقك منذ ان انطلقنا من الصحيفة ..فما هو؟..
على الرغم من ان وعد كانت تنوي اخباره بما يثير في نفسها كل هذا الضيق .. الا انها وجدت نفسها تشيح بوجهها بعناد وتقول: لا شيء ابدا..
التفت عنها ومن ثم لم يلبث ان قال بعد ان زفر بقوة: هذا بسبب تجاهلي لك في مبنى الصحيفة..اليس كذلك؟..
كانت تريد ان تجيبه بنعم.. ولكنها لم تفعل.. ربما كان عنادها او كبريائها اللذان وقفا حائلا دون ان تنطق بكلمة.. في حين قال طارق بهدوء وهو يلتفت لها: اتعلمين لما فعلت ذلك وتركتك خلفي في مبنى الصحيفة؟..
ظهرت الحيرة جليه في عينيها فقال مردفا: لانني اعلم كم انت عنيدة وانني لو اصررت على مجيئك معي لازدادت شدة عنادك.. ورفضت القدوم بشدة.. ولهذا لم اجد امامي حلا سوى ان اتركك تختارين احد الامرين بنفسك.. ودون ان يضغط عليك احد.. وكنت اشعر بانك سوف تحضرين .. ولم اخطأ في حدسي..
قال عبارته الاخيرة بابتسامة وهو يتطلع الى وعد التي كانت تعلم انه حق في هذه النقطة.. لو اصر على قدومها ما كانت لتحضر.. وكان عنادها هو من سينتصر عليها في النهاية.. ووجدت نفسها تقول في تلك اللحظة: وماذا عن تجاهلك لي طوال الطريق .. وحتى في هذه الشركة؟..
هز كتفيه ومن ثم قال: ذلك لاني كنت انتظر حتى تهدئي قليلا واتمكن من الحديث اليك بهدوء.. كنت اعلم اني لو ناقشتك في الامر لانفجرت في وجهي بكل غضب وعصبية..
هتفت وعد بحدة وسرعة: وحديثك مع تلك الفتاة .. كان قلقا من غضبي ايضا؟..
تطلع اليها طارق بدهشة..وارتفع حاجباه لعبارتها.. وتطلع اليها لفترة من الوقت باستغراب.. قبل ان يلتفت عنها وترتسم على شفتيه ابتسامة تحمل ما بين الغموض والسرور: هل تشعرين بالغيرة يا وعد؟..
تطلعت اليه وعد واتسعت عيناها بذهول.. فلم تدرك عندما نطقت عبارتها السابقة انها قد اعلنت مشاعر ضيقها من تلك الفتاة وبمنتهى الوضوح.. وهذا لا يعني سوى امرا واحدا..وشعورا واحدا تحمله بداخلها وتحاول ان تخفيه..شعور يسمى..
الغيرة...
***********
  #115  
قديم 08-03-2010, 03:26 PM
 
* الجزء الثاني والثلاثون*
(هل يجب ان اقولها؟)



ارتفع حاجبا ليلى باستغراب وهي ترى عماد يوقف سيارته في احد المواقف يهدوء بجوار عدد من المنازل .. هي لم تنتبه الى تغييره لمساره ابدا.. وربما تكون هذه المنازل في مثل خط سير الطريق المؤدي الى الشركة تقريبا.. وقالت اخيرا بدهشة وهي تلتفت له: لم توقفت هنا؟..
التفت عماد اليها وقال وهو يشير الى المنازل التي كانت على يمينه: ما رأيك بهذه المنازل.. اهي جيدة؟..
اومأت برأسها وقالت باستغراب:بل ممتازة .. ولكن لم؟..
ابتسم عماد وقال: لآخذ رأيك بها فحسب..
قالت ليلى باستغراب: هل قام صاحب هذا المنزل بعقد صفقة معك من اجل نوافذ هذا المنزل أو..؟
قاطعها عماد قائلا وهو يقتح باب سيارته: يمكنك ان تقولي انه قد عقد معي صفقة بالفعل..
هتفت به وهي تراه يغادر السيارة: الى اين؟..ماذا عن الشركة؟..
قال عماد بمرح: ستجد من يهتم بها.. ولنهتم نحن بشؤوننا..
قالت بحنق: عماد هل تريد ان تترك الشركة هكذا من دون شخص يشرف عليها ويديرها من اجل اخذ رأيي بمجموعة من المنازل فحسب..
قال عماد بابتسامة: وماادراك إن اخذ رأيك في هذه المنازل لن يكون بمقدار اهمية ادراة الشركة..
تطلعت اليه بحيرة فقال: اهبطي الآن من السيارة وسنتحدث بالامر لاحقا..
فتحت باب السيارة لتهبط منها.. ومن ثم تسير الى جواره الى تلك المنازل التي كانت قيد الانشاء..ولكن مع هذا فقد بدت رائعة بتصميمها الخارجي الانيق..وقالت ليلى وهما يعبران بابه الامامي ويدلفان الى الردهة: يبدوا المنزل جميل جدا وخصوصا مع طريقة بناءه هذا بالاضافة الى الردهة التي تبدوا واسعة جدا ومصممة بطريقة انيقة..
التفت لها عماد وقال: اذا فالمنزل يعجبك..
قالت في سرعة: بكل تأكيد.. انا لم اقل غير هذا أ...
بترت عبارتها بغتة وعقدت حاجبيها ومن ثم التفتت اليه لتقول: عماد لا تقل لي ان هذا المنزل ليس سوى....
بترت عبارتها ولم تكمل فضحك عماد وقال بمرح: ما يدور بذهنك صحيح.. انه منزلنا..
اتسعت عيناها بدهشة ومن ثم قالت: ولم لم تخبرني بالامر منذ البداية؟.. ومتى قمت بشرائه وكيف؟..
ابتسم وقال: لم اخبرك بالامر لأني كنت اريدها ان تكون مفاجأة لك..ومتى قمت بشرائه وكيف..فأنا قمت بذلك قبل يومين وليس شراءا بالمعنى المعروف..وانما دفعت مبلغ من المال كمقدم لثمن المنزل.. وسأدفع الباقي كأقساط شهرية الى ان يصبح المنزل ملكا لنا..
قالت وهي تزدرد لعابها من اثر المفاجأة: ولكن الا ترى ان الوقت لا يزال مبكرا على شراء منزل .. يمكنني ان اعيش في منزل والديك فيما بعد ..لن اعترض على هذا مطلقا..
التفت لها عماد وقال بحنان: اعلم يا ليلى .. ولكني ارغب في ان يكون لنا منزلنا الخاص.. وحياتنا الخاصة .. هذا المنزل الذي سنختار الوان جدرانه بانفسنا.. وسنختار اثاثه بمفردنا دون تدخل من أي احد.. انت تفهميني يا ليلى اليس كذلك؟..
ابتسمت ليلى وقالت : اجل افهم انك شخص مبذر للنقود..
ضحك بمرح وقال وهو يجذبها من كفها: تعالي سأريك الردهة من زاوية افضل..
وتوقف عندما اقترب من تلك الزاوية ومن ثم قال: ما رأيك؟.. هنا سنضع طقم الجلوس.. سيكون عبارة عن اريكة ومقعدين ومكتبة بالاضافة الى جهاز التلفاز..
قالت بابتسامة وهي تلوح بسبابتها: ولا تنسى ان تضيف التحف واللوحات التي ستجعل المكن اجمل بالتأكيد..
ابتسم وقال: هذه اشياء سنقرر شراءها فيما بعد.. المهم الآن هي الاشياء الرئيسية..
واضاف وهو يشير لها ان تتبعه: سأريك الآن غرفة اخرى..
تبعته الى حيث توجه ومن ثم قال وهو يقف عند باب تلك الغرفة: هذا هو اكثر الاماكن التي ستقضين فيها وقتك على ما اظن..
قالت مبتسمة: لقد فهمت.. انه المطبخ اذا..
واردفت وهي تلتفت اليه وتقول بضيق مصطنع:ولكن ليس انا من سيقضي فيه وقتا طويلا.. بل الخادمة..
قال عماد بدهشة مصطنعة: من قال انني سأحضر خادمة الى المنزل؟..
قالت وهي تصطنع الاسف: رباه.. لا تقل لي اني سأضطر لتنظيف جميع الاواني بيدي هاتين..
قالتها ورفعت كفيها في حركة تلقائية..وفوجئت بعماد وهو يمسك بكفيها ويقول بحنان: لا.. لن تفعلي شيئا في هذا المنزل سوى اصدار الاوامر..انت هنا اميرة هذا القصر.. اتسمعين؟.. اميرته فحسب..
رفعت عيناها اليه وقالت بابتسامة: عن أي قصر تتحدث؟..
قال وعلى ثغره ارتسمت ابتسامة مليئة بالحنان: هذا الذي تقفين على بساطه يا سمو الاميرة..
ضحكت ليلى برقة ومن ثم قالت: اتعلم..انت تجيد المثيل كثيرا..
قالتها وجذبت كفيها من كفيه فقال وهو يميل نحوها: لست كذلك يا سمو الاميرة..كل مشاعري انما ابثها لك من هذا القلب الذي اختطفته معك..
قالت ووجنتيها قد توردتا خجلا: كف عن حركاتك المسرحية هذه ولنكمل جولتنا..
قال وهو يشير نحو السلم: فلنصعد الى الطابق الثاني اذا..
اومأت برأسها وصعدت معه.. وهناك توقف امام احد الغرف وقال مبتسما: لو عرفت لمن هذه الغرفة سأمنحك ترقية استثنائية..
ضحكت وقالت: صحيح لقد نسيت انك المدير لوهلة..ولا اشك يوما لو انه حدث خلاف بيننا ان تقوم بفصلي من العمل..
هز كتفيه وقال بلامبالاة مصطنعة: هذا يتوقف على نوع الشجار..
ومن ثم اردف وهو يتطلع الى داخل الغرفة: والآن لمن تتوقعين ان تكون هذه الغرفة..
قالت مفكرة: اظن انها ستكون غرفتنا نحن.. اصحيح؟..
هز رأسه نفيا ببطء ومن ثم قال: لا..غير صحيح..
سألته في سرعة: اذا؟..
قال وهو يغمز بعينه: انها غرفة (حلا)..
تطلعت لها بدهشة كبيرة وقالت: من هي حلا؟؟..
تقدم منها ومن ثم قال مبتسما: ملاكنا الصغير يا ليلى..
توردت وجنتا ليلى ومن ثم قالت: لقد ظننت ان الرجال يفضلون الاولاد في العادة..
- ليس كل الرجال سواء.. ولكنني افضل ان تكون فتاة حتى تحمل ملامح والدتها ..
قالت ليلى بمرح بغتة: وما ادراك ربما لايرزقنا الله غير الاولاد..
قال مبتسما: اهم شيء انك والدتهم.. وانا متأكد انهم سيحملون ملامحك..
وقال وهو يتوجه نحو النافذة ويتطلع منها.. تلك النافذة التي كانت مجرد اطار في جدار الغرفة دون أي لوح زجاجي: لقد اخترت هذا المنزل بالذات لانه اولا سيكون في خط سيرنا باتجاه الشركة..
قالت مبتسمة وهي تقترب لتقف الى جواره: اجل لهذا لم اشعر انك قد غيرت مسارك طوال الطريق..
وواصل عماد قائلا وكأنه لم يسمعها: وثانيا لاني استطعت الحصول عليه بسعر مناسب وذلك بفضل مهندس من العائلة الذي يعمل في الشركة ذاتها..
قالت ليلى مبتسمة: اظن انه يتوجب علي ان اشكره..
قال مبتسما: لقد فعلت بالنيابة عنك..
واردف بحنان وهو يحيط كتفها بذراعه ويضمها اليه: متى سيأتي هذا اليوم يا ليلى.. اليوم الذي نجتمع في هذا المنزل بالفعل..ونتطلع الى اطفالنا الذين سيكبرون امام اعيننا ليبدأوا مسيرة حياتهم..
قالت ليلى بخفوت: وربما كان هناك عماد آخر منهم ..يحب فتاة التقى بها بعد عشرات الصدف الغريبة التي جمعت بينهم..
ضحك وقال: او ربما ليلى اخرى.. توجه لخطيبها النصائح على عدم تبذير النقود..
شاركته ليلى الضحك.. وهما يرسمان في ذهنيهما الكثير من الاحلام الوردية التي يتمنان تحقيقها يوما ما..
**********
الغيرة...
ترددت هذه الكلمة المكونة من ستة حروف في ذهن وعد..هل هي حقا تغار على طارق الى هذه الدرجة؟..هل هي الغيرة حقا.. واذا كانت كذلك.. فالغيرة هي الوجه الآخر للحب..فلو علم طارق انها تشعر بالغيرة عليه.. فهذا يعني انها تحبه.. لا تفسير آخر.. لهذا عليها ان تتهرب من الاجابة.. وبأي وسيلة كانت.. ولكن كيف؟..
وشاهدته يلتفت لها وهو يتطلع لها بابتسامة .. وازدردت لعابها بتوتر اثر ابتسامته.. شعرت ان ابتسامته هذه تحمل كل الثقة بما قاله..وانه يثق بحقيقة مشاعرها تجاهه..وقالت وعد في تلك اللحظة محاولة الدفاع عن نفسها: عن أي غيرة تتحدث يا...
(سيد طارق .. المدير ينتظرك في مكتبه)
زفرت وعد بحدة مع هذه النجدة التي جاءت لتنقذها من تبرير موقفها..وشاهدت طارق ينهض واقفا..فنهضت بدوره وسمعته يقول وهو يتوجه نحو باب المكتب: اشكرك يا آنسة..
تبعته وعد..وبداخلها تولد شعور بالارتياح..ان هذه المقابلة ستأخذ وقتا طويلا سينسى خلالها ما قاله لها..وعن موضوع الغيرة هذه...
ومضت ساعتين من الوقت استغرقاها في اللقاء الصحفي ..وبعدها سألها طارق : اتريدين توجيه أي اسئلة اخرى..
هزت رأسها نفيا فقال طارق متحدثا الى المدير: اشكرك يا سيد نبيل..و سعدنا بلقاءك..
ابتسم السيد نبيل وقال: وانا كذلك..
قال طارق وهو ينهض من مجلسه ويمد يده مصافحا:نراك بخير.. الى اللقاء..
صافحه المدير بهدوء.. في حين اكتفت وعد بهز رأسها وقالت: الى اللقاء يا سيد نبيل..
وغادرت مع طارق المكتب..وقال وهو يسير الى جوارها في ذلك الممر: انه من القلائل اللذين يتعاونون مع الصحافة..
قالت وعد بابتسامة: لاحظت ذلك انا ايضا..
وصلا في تلك اللحظة الى حيث المصاعد.. فضغط على الزر منتظرا احدها وقال: ربما يكون سبقا صحفيا افضل من سابقه هذه المرة..
سألته قائلة: ماذا تقترح اذا ليكون عنوان لمثل هذا اللقاء؟..
فكر قليلا ومن ثم قال: لا يزال الوقت مبكرا.. على اختيار العنوان.. ولكن بما ان اللقاء كان يحوي اغلبه على العلاقات الخارجية واثرها في التطور فأنا اقترح ان يكون العنوان هو...شمس التطور تطل من الخارج و...
صمت وعقد حاجبيه في تفكير ومن ثم هتف هو ووعد في آن واحد: وتتسلل الى نافذة الداخل!..
تطلعت اليه وعد لوهلة بدهشة ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تضحك بمرح: يبدوا وان افكارنا متقاربة..
قال طارق بابتسامة واسعة: بل استطعت قراءة ما بذهني قبل ان اقوله..
قالت وعد بمرح وهي تدلف الى المصعد الذي وصل لتوه وفتح ابوابه:ليست لدي القدرة على قراءة الافكار..
قال مبتسما وهو يدلف خلفها ويضغط على زر الطابق الارضي: ربما ليس قراءة الافكار..نستطيع القول تخمين ما يدور بذهن الشخص قبل ان ينطقه وذلك لمعرفتك بشخصيته وطريقة تفكيره..
ضحكت وعد وقالت: ها قد عدنا للفلسفة..
التفت لها وقال: ليس ما اقوله فلسفة.. وانما لمعرفتي بشخصيتك وانك قادرة على قراءة ملامح من امامك وقادرة على فهم ما يدور بذهنه لو عرفت شخصيته..
واردف وهو يضغط على حروف كلماته: وكثيرا ما تستخدمين هذا الاسلوب للهرب..
غمغمت بدهشة: الهرب؟؟..
التفت لها وقال وفي عينيه نظرة غامضة: اجل الهرب.. فغالبا ما تهربين من كلمات الاهتمام او الحنان التي اوجهها لك ولا زلت اجهل السبب الى الآن..
تطلعت اليه بدهشة ومن ثم لم تلبث ان قالت بتردد: انا لا اهرب وانما..وانما...
عقد حاجبيه وقال: وانما ماذا؟.. هناك شخص ما في حياتك .. وانت لا تريدين ان يكون لك أي علاقة بآخر..أليس كذلك؟..
قالت في سرعة: لا .. الامر ليس هكذا..وانما...
قال وهو يمسك بكتفيها بغتة ويتطلع الى عينيها مباشرة: وانما ماذا يا وعد.. اجيبيني ارجوك..
ازدردت لعابها وتحاشت نظراته وهي تقول: الحقيقة انني اخشى ان تكون...
قال بلهفة وهو يحثها على مواصلة حديثها: ان اكون ماذا؟.. تحدثي يا وعد ارجوك..
ترددت طويلا ولم تستطع ان تخبره ان سبب هذا الهروب هي مايا .. تخشى انها لا تزال في قلبه وما زال يحبها..الحب الاول لا يمكن ان ينسى بسهولة.. هو كالطفل الذي يكبر مع الانسان.. وكالجذور التي تتشبث به..
ووجدت طارق يترك كتفيها بغتة ويستدير عنها.. وفهمت السبب على الفور.. لقد وصل المصعد الى الطابق الأرضي ..وانفتحت بوابتاه على مصراعيها .. فسار بخطوات هادئة مغادرا المصعد.. وسارت وعد الى جواره دون ان يتبادلا كلمة واحدة.. تطلعت له وعد بتردد بطرف عينها.. اتخبره سبب هروبها من مشاعره.. وهروبها من اهتمامه وكلماته .. اتخبره انها تخشى ان لا تكون مشاعره نحوها سوى الاعجاب والاهتمام او ربما الميل على الاكثر ..وعندها سيتحطم قلبها وسيصبح فتاتا..لن تحتمل ان ... ولكن ربما يكون ما يحمله لها من مشاعر هو ...الحب... لا .. لا تكوني واهمة يا فتاة.. ان مايا قد تغلغلت بداخله من المستحيل ان ينساها او ان يبعدها عن تفكير لحظة واحدة .. الم يقل هذا بنفسه لتلك الفتاة..الم يقل انه لا يستطيع ان ينساها وانه...
(مصادفة..)
جاء هذا الهتاف من خلف كل من طارق ووعد ..واستدارت هذه الاخيرة الى مصدر الصوت ولم تلبث ان عقدت حاجبيها بضيق وهي تلمح رنا تقف خلفهما..وتلك الاخيرة تردف بابتسامة: مصادفة ان اراكما وانا قادمة الى المؤسسة .. واراكما وانا اغادرها ايضا..
قال طارق وهو يتطلع الى ساعته في سرعة: ولكن الوقت لا يزال مبكرا على المغادرة..
ضحكت رنا وقالت : لقد فهمتني بشكل خاطئ.. عملي لم ينته بعد.. ولكن مغادرة المؤسسة هي جزء من عملي ..حيث سألتقي بمدير شركة أخرى وافهم منه سبب اعتراضه على منتجاتنا.. واحاول ان اشرح له الامر.. انت تعلم هذه الامور المعقدة..
ابتسم طارق وقال: اجل .. اعرفها جيدا..ومن منا لا تواجهه هذه الصعوبات في عمله..
قالت وهي تتجاوزهما مبتسمة: عن اذنكما الآن.. واياك وان تنساني يا طارق مرة اخرى..
قال طارق وهو يضحك بمرح: اعدك ان احاول..
تطلعت اليه رنا وقالت بهمس هي تغادر المكان مبتعدة عنهما: لا يزال رائعا ووسيما كما عهدته دائما.. لقد عاد طارق القديم..يبدوا انه استطاع ان يتغلب على ما حدث له في الماضي اخيرا..
وعد وحدها لم تكن تبتسم.. او تشاركهما الحديث.. كانت تشعر بالحنق يتضاعف في اعماقها.. ما الذي تريده منه هذه الفتاة.. الآن تذكرته بعد مرور سبع سنوات.. الآن اصبحت تفكر فيه بعد ان نبض قلبها هي -وعد- بحبه..
سار طارق الى حيث سيارته دون ان ينتبه الى امارات الغضب التي علت وجه وعد.. ودار حول مقدمة السيارة ليحتل مقعد القيادة وينتظر من وعد الركوب..وصعدت وعد الى السيارة ولكن في هذه المرة لاحظ الغضب البادي على وجهها.. انطلق بالسيارة وهو في حيرة من امره.. لم تغضب ان شاهدته يتكلم مع فتاة خرى؟..انها الغيرة بالتأكيد.. والغيرة هي الوجه الآخر للحب.. ولكن تصرفاتها معه لا تثبت له ابدا انها تحبه.. انها تتهرب منه ومن كلماته وكأنها ترفضها.. انه حتى لم يسمع منها كلمة واحدة تبثه فيها حنانها او حتى اهتمامها.. ما عدا يوم اصابته.. وكان هذا شيء طبيعي يومها لانها كانت المسؤولة عما حدث له.. وايضا تلك الخاطرة..لم كتبتها اذا؟.. ان هذا يعني انها مهتمة به.. ولكن تصرفاتها تشير الى العكس.. احيانا يراها مهتمة به واحيانا اخرى لا مبالية..احيانا يرى في عينيها نظرة حنان واحيانا اخرى لا يرى سوى نظرة عابرة لا تحمل اية مشاعر ..احيانا يراها متلهفة لرؤيته واحيانا اخرى يشعر بالجفاء في تصرفاتها..او يستطيع ان يقول انها تتعمد الرسمية معه في احيان كثيرة..انه يشعر بالحيرة.. كأنه تائه لا يعلم ماذا يفعل ..هل وعد تبادله مشاعره؟.. ام انه مجرد اعجاب؟..
واخيرا تحدث وهو يحاول ان يجعل صوته هادئا قدر الامكان وهو يتسائل: ما الامر؟..ماذا بك؟..
اجابته بضيق واضح: لا شيء ابدا..لا تشغل نفسك بي فقط انتبه للطريق..
قال طارق وهو يزفر بحدة: هل بدر مني ما ضايقك؟..
عقدت وعد ساعديها امام صدرها وقالت بسخط: ابدا لم تفعل أي شيء..
قال بحيرة: انت لم تخبريني حتى الآن .. مم تخشين؟.. وما الذي يدفعك للهروب من كلماتي..
قالت وعد بعصبية: لا شيء يدعوني للهروب..ولم اهرب اساسا؟..
قال بضيق وهو يختلس النظرات اليها: هذا السؤال يجب ان توجهيه لنفسك..
قالت بعصبية اكبر: لست مهتمة لامرك اساسا حتى اهتم بالهروب من كلماتك..
قال طارق بعصبية هذه المرة: وماذا عن كلماتك التي كتبتها في تلك الخاطرة؟..
بهتت لوهلة ومن ثم لم تلبث ان اشاحت بوجهها وقالت بارتباك: لقد استغربت شخصيتك الغامضة والتي تتسم بالبرود ..لهذا كتبتها..
قبض طارق على مقود السيارة بكل قوته وكأنه يبث له انفعاله.. ومن ثم قال: وهذا الشخص البارد الاحاسيس قد تغير بسببك انت..
قالت وعد وهي تتطلع عبر النافذة بحنق: وما الذي فعلته انا حتى تتغير؟..لا شيء..لم افعل شيئا على الاطلاق..
كان كلاهما يشعر بانفعال يحاول تفريغه بأي وسيلة.. فمن ناحية وعد وغيرتها التي تكاد تنهش قلبها.. وتكاد تتيقن من ان طارق سيكون مخلصا للابد لحبه الاول.. ومن ناحية اخرى .. طارق ومشاعره المضطربة.. وهو غير عالم ان كانت وعد تهتم به..ام لا..غير مدرك ان كانت تبادله المشاعر.. ام انها كما قالت ..مجرد اهتمام بالشخصية ليس الا..حيرته تتضاعف.. وانفعاله يزداد.. ماذا يفعل ليعلم حقيقة مشاعرها؟.. ماذا يفعل؟..هل...
( انتبه يا طارق..!!)
اخترقت هذه العبارة- التي القتها وعد- اذنيه فجأة ..وجعلتاه يستيقظ من تأملاته.. ليكتشف بعتة..ان يكاد يصطدم بالسيارة التي امامه..لن يكون هناك مجال لضغط الفرامل.. لهذا ادار المقود بغتة على نحو مباغت وقال لوعد في حزم: تشبثي بمقعدك..
اغمضت وعد عينيها وقلبها ينبض بانفعال..وقبضت بكل قوتها على المقعد لتتشبث به.. في حين استطاع طارق السيطرة على الوضع بعد ان انحرف بغتة الى جانب الطريق وتوقف فيه متفاديا الاصطدام.. وقال وهو يسند رأسه بمسند المقعد: كل شيء على ما يرام الآن..
والتفت لها مستطردا: أأنت بخير؟..
وجدها تطرق برأسها لتخفي دموعها التي تترقرق في عينيها وتقول بصوت مختنق: فقط لأني اشبهها.. فقط لاني اذكرك بها.. لهذا تغيرت لانها عادت للظهور في حياتك من جديد.. حبك الاول الذي لا يمكنك انتزاعه من قلبك..اما انا فلاشيء .. دائما على الهامش.. مجرد خيال لمن تحب.. مجرد انعكاس لها..
اتسعت عينا طارق وقال بانفعال: انت لا تفهمين .. لا تفهمين ابدا..تظنين اني ارى مايا فيك انت لمجرد تصرفاتكما المشتركة .. ولكن هذا ليس صحيحا ابدا..انت وعد وهي مايا.. كلاكما فتاة مختلفة..ان كنت سأهتم بك فهذا لاني اهتم بوعد نفسها.. وان كنت سأبثك كلمات الحنان فهذا يعني انني اوجهها الى وعد.. ربما ما شد انتباهي بك في البداية فقط هو بعض الصفات المشتركة بينكما.. ولكنكما في النهاية شخصيتان مختلفتان تماما...
واردف وانفعاله يتضاعف: وعد لم لا يمكنك ان تفهميني؟.. لطالما قرأت ملامح وجهي.. هل يجب ان اقولها؟.. الا ترينها في نظرة عيني وانا اتطلع اليك؟..الا تسمعينها في نبرة صوتي وانا اتحدث اليك؟..الا تشعرين بها في لمسة كفي لك؟..
قالها وهو يمسك بكفها مما ارجف جسد وعد بأكمله وجعلها تلتفت له وقلبها ينبض بانفعال وطارق يتابع:الا تستطعين ان تشعري بها في كل هذا؟.. ايجب ان اصرخ واقولها؟.. حسنا سأفعل ان كان هذا ما تريدينه..سأقول اني احبك.. احبك ..احبك ..احب وعد.. وليس أي فتاة اخرى سواها .. احب تلك الفتاة العنيدة..تلك الصحفية الذكية والجريئة ..وعد الرقيقة الحانية.. المرحة والعصبية.. فهل هذا يرضيك الآن؟...
صمت تام اطبق على السيارة بعد عبارته تلك..هدوء خيم على سيارته لم يجرأ ايهما على قطعه..والدموع التي كانت تترقرق في عينا وعد قد جفت تماما.. وكلماته تتردد في ذهنها دونما توقف.. شعور هو اشبه بالذهول والصدمة وعدم التصديق..وكأنها لم تستوعب ما قاله بعد.. تحاول ادارته في ذهنها عشرات المرات لتجد السبيل لاستيعابه..لا يمكن ان تتحقق الاحلام بهذه البساطة.. لا بد وانها لم تستمع الى العبارة جيدا.. لابد انها تتخيل..
ومن طرف آخر كان طارق يلوم نفسه لفضحه لمشاعره على هذا النحو وفي لحظة انفعال..لم قالها الآن؟..لم اعترف بحبه لها؟..انه لا يرى منها أي شيء يدل على مبادلته هذه المشاعر..فلم قالها؟..لم؟..
وجد وعد تجذب كفها من يده بهدوء.. فابتسم لنفسه بمرارة وقال: يجب ان نعود الى الصحيفة الآن..
اسرعت وعد تقول وهي تلتفت له: طارق..
التفت لها وقال بهدوء: ماذا؟..
ابتسمت بخجل وارتباك وقالت: الا تريد ان تعلم مم اخشى؟ .. ولم كنت اهرب من كلماتك طوال الوقت..
التفت عنها وقال: لم يعد هذا مهما الآن..
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت: الا يهمك ان تعرف حقا؟..
وازدردت لعابها لتردف بتوتر: لقد كنت اخشى من ان تكون مايا لا تزال في قلبك.. لا تزال في عقلك.. تسيطر على كيانك ومشاعرك بأكملها..انت نفسك اثبت انها لا تزال في قلبك بسردك تلك الحكاية.. وحديثك عنها وكأنها لا تزال على قيد الحياة.. واخيرا قولك لزميلتك منذ ساعات انك لا تستطيع ان تنساها..
تطلع طارق اليها لفترة من الوقت ومن ثم قال: سأسألك سؤالا واجيبيني عليه بصراحة..
اومأت برأسها فاردف متسائلا: هل يمكنك نسيان اهلك؟.. نسيان اصدقائك او زملاء الدراسة..نسيان من كان لهم ولو لحظات بسيطة في حياتك؟.. هل يمكنك هذا؟.. ان النسيان معناه ان الشخص لم يعد في حياتك نهائيا.. وانك تقتلعينه بلا رحمة من ذاكرتك.. ليكون لا شيء..لا اظن ان أي شخص في هذا العالم باستطاعته نسيان اهله او حتى زملائه..لانه عندها سيكون قد اخفاهم من حياته نهائيا.. هل ادركت ما اعنيه جيدا؟..
تطلعت اليه بدهشة وعيناها متسعتان وهي تحاول ادارة ما قاله في ذهنها..ومن ثم لم تلبث ان ارتسمت ابتسامة على شفتيها وقالت: اجل لقد فهمت..
قالتها وهي تعتدل في جلستها وابتسامتها لا تفارق شفتيها.. ووجدت طارق يقول في تلك اللحظة بتردد: وعد.. انا اشعر ان مشاعري التي اشعر بها تجاهك من طرف واحد.. اصحيح؟..
تطلعت له وعد بطرف عينيها وقالت: ربما...
تطلع لها بدهشة ومن ثم لم يلبث ان قال وقد ارتسمت بتسامة على شفتيه وقد ادرك محاولتها في عدم منحه اجابة صريحة: ماذا تعنين؟..
التفتت له وقالت وهي تتطلع له بعينان يملأهما الحب والحنان: باستطاعتك قراءة لغة العيون.. دعها هي من تمنحك الاجابة..
اتسعت ابتسامة طارق وقال وهو يتطلع الى عينيها مباشرة: هل اعد هذا تحديا لي؟..
هزت وعد كتفيها وقالت: اعتبره ما تشاء..
وابعدت عينيها عنه بعد لحظة وقالت : والآن اخبرني هل فهمت شيئا من عيني؟..
اومأ طارق برأسه وقال وهو يلتفت عنها: اجل.. ادركت اني كنت مخطئا..
ارتسمت الدهشة على وجهها فاردف وهو يغمز بعينيه: في ان مشاعري من طرف واحد وحسب..
توردت وجنتيها بحمرة الخجل ورأته ينطلق بالسيارة وعلى شفتيه يحمل ابتسامة سعادة ورضا وحنان.. لقد استطاع ان يعلم اخيرا بمشاعرها نحوه من نظرة عينيها التي كانت تحمل له في هذه المرة كل الحب والحنان..
وعد ايضا استطاعت ان تعلم بمشاعر طارق لها.. تلك المشاعر التي جاهدت طويلا لتعرف كنهها وهاهو ذا القدر يمنحها الاجابة وبكل وضوح.. وهو ينتظرها لتتخذ قرارا فيما عرضه عليها هشام سيحدد مصيرها باكمله ..اما بالقبول او الرفض..
وانطلقت السيارة بهما لتبدأ مرحلة جديدة في حياة كل منهما..
*******
اخذ هشام يخط بقلمه الرصاص تلك الخطوط بشرود شديد على لوحة الرسم الهندسية في مكتبه بالعمل.. وعقله يسترجع ذلك الحوار الذي دار بينه وبين فرح بالامس..عندما طرق باب غرفتها وقال بشيء من الهدوء: فرح هل يمكنني الدخول؟..
جاءه صوتها وهي تقول: بكل تأكيد ادخل..
فتح باب الغرفة ليدلف الى الداخل وشاهدها جالسة خلف جهاز الحاسوب والتفتت له لتقول بمرح: هشام يستأذن قبل الدخول.. يالها من معجزة.. لابد وان في اذني خلل ما هذا اليوم..
قال هشام وهو يتجه ليجذب له مقعد ويجلس الى جوارها متجاهلا عبارتها: اخبريني ماذا تفعلين؟..
قالت وهي تهز كتفيها بملل: اقوم بعمل بحث للجامعة..
سألها قائلا: هل هذا سيستغرق منك الكثير؟..
التفتت له وقالت مبتسمة: هشام.. لم لا تدخل بالموضوع مباشرة؟..
زفر هشام بحدة ومن ثم قال: هل اخبرتك وعد بشيء؟..
كانت تعلم ما يعنيه ولكنها قالت متظاهرة بعدم معرفتها بطلبه من وعد: شيء مثل ماذا؟..
اشاح بنظراته بعيدا قبل ان يقول: لقد طلبت رأيها في موضوع وانا انتظر جابها.. فهل اخبرتك بشيء؟.. لقد علمت انك كنت اليوم في منزلها..
قالت فرح مبتسمة: وانا اقول لنفسي لم يطرق الباب؟.. ولم يبدوا مهذبا الى هذه الدرجة؟.. ان الامر يتعلق بوعد وبجوابها المنتظر على شيء ما..
واردفت وهي تميل نحوه: ولكن ما هو هذا الشيء؟..
تردد هشام طويلا قبل ان يحسم قوله ويقول: في الحقيقة لقد طلبت وعد للزواج..
اصطنعت على وجهها الدهشة وقالت: هكذا يا هشام.. تطلبها للزواج دون ان تأخذ رأي والدي على الأقل..
قال هشام بحزم: لا اظنهم سيعارضون الامر ابدا..
- على الاقل يكون لديهم علم بالموضوع..
قال وهو يلوح بكفه: دعينا من هذا الموضوع الآن واخبريني هل اجابتك بشيء ام لا؟..
قالت باقتضاب: لا.. لم تجب بشيء ابدا.. كل ما قالته انها ستفكر بالامر مليا وانها ستتخذ القرار قريبا..
تطلع لها هشام لوهلة ثم لم يلبث ان قال وهو يعقد حاجبيه: اذا فقد كنت تعلمين بالامر منذ البداية..
قالت فرح بلهجة مرحة: امر مهم كهذا لا يمكن ان يخفى على شقيقتك ابدا..
- لم تظاهرت بالعكس اذا؟..
- كنت اريدك ان تخبرني عن القرار التي اتخذته بنفسك..
واردفت بهدوء: اتعلم يا هشام.. مشكلتك انك لا تستمع لنصائح الغير ابدا.. تظن ان كل شيء من حقك ان تحصل عليه في هذا العالم.. مشكلتك ان اعجبك شيء ما فانك تصر على امتلاكه على الرغم من ان هناك العديد غيره في هذا العالم الكبير..هذا كله يعود الى طبيعتك الانانية المتملكة..
اشار الى نفسه باستنكار وقال: انا؟؟..
اومأت برأسها وقالت: اجل انت..لقد تربيت منذ ان كنت صغيرا على ان تحصل كل ما تريد ويبدوا ان هذه الخصلة قد كبرت معك مع مرور الزمن..
قال بحنق: اخبريني ما سر هذه المقدمة السخيفة؟..
قالت وهي تهز كتفيها: لانك لا ترى من حولك سوى وعد.. ووعد فقط.. اخبرني هل فكرت بجدية بأي فتاة اخرى سواها.. فقط لان وعد امام ناظريك عليك ان تختارها هي وتتزوجها هي.. هكذا تفكر.. ولكن اعلم ن الحب ليس هكذا.. مادامت وعد لا تبادلك المشاعر.. فابحث عن حب حقيقي..ابحث عن فتاة تحبها وتحبك.. ولا تضيع سنوات عمرك في انتظار وعد..
قال هشام بضيق: انت لا تعلمين من هي وعد بالنسبة لي.. ان وعد هي الهواء الذي اتنفسه.. هل تريدين بكل هذه البساطة ان ارمي مشاعري تجاهها خلف ظهري..انه امر مستحيل.. امر لن يمكنني فعله مطلقا..
قالت فرح بحدة: لا يوجد مستحيل في هذا الموضوع.. انت من تعلق نفسك بها.. وتراها كل شيء في هذا العالم.. وبامكانك ان تبعدها عن ذهنك وتبدأ حياة جديدة مع فتاة اخرى سواها لو اردت..
قال هشام بعصبية: لا تظني ان الامر بمثل هذه السهولة ابدا..
قالت فرح وهي تميل باتجاهه: وليس بمثل تلك الصعوبة ايضا.. اليس كذلك؟..

تراجع هشام برأسه عن تلك اللوحة الهندسية بعد ان افاق من ذكرياته..وهو يفكر في عبارة فرح السابقة.. احقا من السهل نسيان ذلك الحب؟..ذلك الحب الذي رافقه منذ سنوات عمره الاولى..هل يمكن له ان يلقي فجأة بكل شيء خلف ظهره ويبدأ من جديد؟.. يبدأ مع فتاة غير وعد..هل الامر بهذه البساطة التي يظنونها؟..صحيح ان حبه من طرف واحد.. ولكن هذا لا يعني ان يستسلم بهذه البساطة.. فربما تبادله وعد حبه هذا يوما و...
(استاذ هشام.. اريد رأيك في هذا المخطط الهندسي)
التفت هشام الى تلك الفتاة التي تطلعت اليه بتردد وهي منتظرة رده.. انها المهندسة الوحيدة هنا بين مجموعة من الهندسين الرجال.. وقد اثبتت قدرتها على انها اهلا لذلك وانها في مستوى مهارتهم.. بل انها تفوقهم احيانا..
اسمها (شذى)..فتاة بسيطة هي..في الخامسة والعشرين من عمرها..متواضعة.. ذكية..مخلصة ومجتهدة في عملها.. تفضل البساطة ولكن لها طموحاتها .. خيالها الواسع يجعلها تبتكر العديد من التصاميم..تمتلك ذلك النوع من الجمال الهادئ .. ولها عينين جميلتين تخفيهما تلك النظارة الطبية.. المهم ان شذى نشعر بالاعجاب الكبير تجاه هشام.. لم ينتبه هشام له مطلقا او ربما لم يعره أي انتباه..فقد كان يقتصر في معاملته لها على الرسمية وفي حدود العمل ..
ومد هشام يده لها وقال بهدوء: دعيني اراه..
منحته الرسم وقلبها يخفق.. تتمنى سماع كلمات الاطراء والمديح منه..تتمنى ان يعجب بعملها..وبالتالي ربما بها.. ووجدته يقول وهو يتطلع له بامعان: جيد..
تطلعت له بخيبة امل.. اهذا كل ما استطاع ان يقوله..جيد فقط..وقالت تستحثه على المواصلة: وماذا عن شكل النوافذ.. وشكل الغرف..
طوى التصميم وقال وهو يمنحها الرسم: لا بأس ابدا ..ولكن افضل ان تأخذي رأي رئيس القسم بهذا الشأن وليس رأيي انا..فأنا لن افيدك بشيء..
قالت شذى في سرعة: من يدري ربما يفيدني رأيك كثيرا..
قال وهو يعقد حاجبيه: من أي ناحية تعنين؟..
زفرت وقالت: لا اعني شيئا.. انس الامر..
التفت عنها.. وهو غير مهتم بما قالته.. في حين واصلت هي عملها وهي تشعر بخيبة الامل الحقيقية.. هذا الشاب لن ينتبه لها ابدا.. يعاملها برسمية تفوق الحدود.. انه حتى لا يتبادل معها سوى التحية على الاكثر..في حين تنهد هشام وهو يتطلع الى ساعته.. لم يبق شيئا وينتهي وقت العمل.. واختلس نظرة عابرة الى شذى.. ترى هل تعنين يا فرح ان اترك فرصة لنفسي بالتعرف على فتاة اخرى؟.. اني لا ارى من شذى الفتاة المناسبة لي ابدا.. فتاة طيبة وبسيطة .. هادئة وجادة احيانا.. وبصراحة لا اراهاتتفق مع فتاة احلامي التي حلمت بها..
وابتسم بسخرية لنفسه.. فتاة احلامه التي تخيلها واحبها لا تبادله المشاعر.. من يدري ربما من تخالف صورة فتاة احلامه ويبدأ معها حياة جديدة وتبادله المشاعر..ربما لو منح لقلبه فرصة اخرى.. ربما لو استطاع ابعاد وعد عن ذهنه..
هز رأسه محاولا نفض تلك الافكار عن ذهنه وهو يغادر مكتبه ويلتقط سترته قائلا: الى اللقاء جميعا..
ودعوه جميعا في حين تابعته عينا شذى وهو يغادر المكان ..اما هشام فقد غادر المبنى والعديد من الافكار لا تزال تراود ذهنه..وترفض الابتعاد عنه..وانطلق بسيارته.. وهو لا يزال حائرا.. ماذا لو رفضته وعد من جديد؟.. ما الذي سيفعله؟..هل سيستطيع ان ينساها وينسى الحب الذي جمعه بها بهذ البساطة؟.. لا ..بكل تأكيد لا.. وعد ليست مجرد فتاة في حياته.. وعد هي نبضات قلبه وكيانه كله.. بدونها يشعر بأنه لا قيمة له.. وانه يفتقر الى شيء شديد الاهمية.. ولكن... ماذا لو وافقت وعد على الزواج به؟..عندها ستنتهي أي مشكلة وسيعيش سعيدا ابد الدهر..و ستكبر معه الاحلام و...
انتزعه من افكاره بغتة ذلك الارتطام القوي الذي كان مبعثه تلك السيارة التي ارتطمت بسيارته من الخلف .. والذي جعله يرتد في مقعده بقوة..ورأسه يكاد يصطدم بالمقود ..وازاح دهشته وتوتره في سرعة وهو يفك حزام مقعده ويخرج من سيارته هاتفا بعصبية: أي حماقة تلك؟.. الا ترى امامك يا هذا حتى تحطم سيارتي على هذا النحو؟..
رأى باب السيارة يفتح وسمع صوت يقول: ولكن انت من توقف فجأة يا سيد..
عقد حاجبيه بشدة فالصوت كان لفتاة.. ورآها تغادر السيارة وعلى وجهها علامات التوترالشديد..كانت تبدوا مرتبكة وهي تقف بجوار سيارتها..كانت جميلة بحق بذلك الشعر الكستنائي القصير.. وتلك الخصلات المبعثرة على جبينها ووجنتيها..وعيناها الواسعتان..وبشرتها البيضاء التي تتخللها بعض الحمرة عند وجنتيها..
ولكن هشام لم يأبه بكل هذا وهو يقول بحدة: هذا ليس عذرا..
قالت الفتاة وهي تلوح بكفها بارتباك: كيف تريدني ان اتفادى الاصطدام وانت توقفت بسيارتك فجأة؟..
قال بعصبية: هذه مشكلتك وليست مشكلتي..
قالت الفتاة بهدوء:حسنا يمكنني تحمل تكاليف اصلاح السيارة..فقط سأتصل بادارة المرور حتى تعلم بالامر.. وبالتالي ستتولى شركة التأمين اصلاح سيارتك و...
قاطعها قائلا: وهل تظنين انني متفرغا لك او لادارة المرور التي لن تصل الا بعد مضي وقت طويل؟.. ان لدي موعدا مع شخص ما.. وعلي مقابلته بعد ربع ساعة فحسب..
قالت الفتاة بنفاذ صبر: وما الذي يمكنني عمله اذا؟..
صمت هشام قليلا ومن ثم قال: انت مستعدة لتحمل نفقات اصلاح السيارة وفي الوقت الذي اريد.. اليس كذلك؟..
اومأت برأسها ايجابيا.. فقال بلامبالاة: اذا امنحيني رقم هاتفك.. وسأقوم بالاتصال بك عندما...
قاطعته بدهشة وحدة: مستحيل..ماذا تقول يا هذا؟.. اتطلب بكل وقاحة رقم هاتفي و...
قاطعها بانفعال: لا تظني بنفسك الكثير يا آنسة.. فلست حتى افكر بالنظر اليك.. واذا كان هذا الامر يزعجك الى هذا الحد.. امنحيني رقم أي شخص آخر حتى اقوم بالاتصالى به واخبرك بأن هذا الوقت المناسب لاصلاح السيارة..
قالت ببرود: سأمنحك رقم المنزل اذا..
قال بملل: لا بأس..
همت بقول شيء ما.. ولكنها قالت وهي تلتفت لسيارتها: لم لا تسجل رقم سيارتي وتمنحه لادارة المرور .. وعندها سينصلون بي ويبلغوني عن الامر وسيحل الامر دون تعقيدات..
- ادارة المرور تطلب تواجدك او هويتك.. فمن سيصدقني لو منحتهم رقم سيارتك فحسب؟..
زفرت بحنق ومن ثم قالت: لا خيار اذا..
واخذت تمليه رقم هاتف المنزل..ومن ثم قالت: والآن يمكنني المغادرة اليس كذلك؟..
قال في سرعة: سأخبرك باسمي حتى تعلمي انني المتصل اذا ما اتصلت بك..انا ادعى هشام..
عقدت حاجبيها ومن ثم قالت: فليكن..والآن عن اذنك..
ابتعدت عنه بسيارتها اما هو فقد توجه نحو سيارته وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة.. ابتسامة غامضة الى ابعد الحدود...
************
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أستاذ كان له أثر في حياتي ... ( حياتي أنا ) راااجي رحمة ربه قصص قصيرة 6 04-29-2013 04:51 PM
هل انت رومانسى؟؟ هل تفهم فى الصور الرومانسية ؟؟ لو انت فعلا رومانسى .. فاضغط و خش . البرنسيسة نوسة أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 11 02-08-2009 07:59 PM
هل انت رومانسى؟؟ هل تفهم فى الصور الرومانسية ؟؟ لو انت فعلا رومانسى .. فاضغط و خش . البرنسيسة نوسة أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 5 01-09-2009 12:00 AM


الساعة الآن 01:39 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011