الحمد لله الأحدي الذات ،العلي الصفات ، جلي الآيات ، سامع الأصوات ، رافع السماوات ومحيي الأموات ، وناصر حزبه وهازم حزب اللات، قامع المعاندين والكائدين الطغاة ، جل عن الآباء والأمهات ، والبنين والبنات ، مثبت أهل الثبات وغافر الذنوب الموبقات ، {يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات } .
أحمده على جميع الحالات ، وأقر بوحدانيته كافرا بالطغاة ، وأشهد ألا إله إلا هو بان عن خلقه فلا تشبهه الذوات ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله تعالى بالأدلة الواضحات ، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار الثقات وعلى صاحبه أبي بكر الناهض على أقدام الثبات ، وعلى عمر العادل في القضيات ، وعلى عثمان المتهجد بالآيات في أسحار الظلمات ، وعلى علي ذي المناقب العاليات ، وعلى عمه العباس الذي استسقى به قومه فسالت السحب الماطرات :
وبعد :
هاهم المسلمون يستذكرون في هذه الأيام أعظم حدث في تاريخ الأمة المحمدية إنها معركة بدر الكبرى .
يخرج رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مع أصحابه البدور البدريون في طلب لأهل مكة راجعة من الشام في القافلة أبو سفيان ، قافلة بها ألف بعير محملة بأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي .
هذه الدنانير الذهبية هي الفرصة الذهبية البراقة لمن أُخرج من دياره وأمواله أن وحد الله .
ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إليها فقال : { هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها }.
لا تستمعوا لذكرى غزوة بدر على أنها حدث تاريخ مضى .
بدر حدث في صدر الأمة ودروس لباقي الأزمنة .
كلما ضعفت الأمة و قل بها الصالحون والمصلحون وتملكهم الخوف أتتهم ذكرى بدر لتُسري عنهم ما غمهم { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
ألقي السمع وأنت شهيد لتتعلم من بدر كل مفيد .
خرج المسلمون لطلب العير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصل الخبر إلى صناديد الكفر والقمع والإلحاد أن محمدا وأصحابه خرجوا للعير فاخرجوا لحمايتها .
وهنا نأتي لذكر العتاد والعدة :
خرج مع رسولنا ثلاثمائة وثلاثة عشر مقاتل معهم سبعون بعير وفرسان .
ويخرج أهل الطغيان في ألف وثلاث مائة مقاتل معهم مائة فرس وأما الجمال فلم تعد لكثرتها .
ما من قوامة تذكر لثلاثمائة وثلاثة عشر مقاتل قبالة ألف وثلاثمائة في نظر الحسابات العسكرية .
وليس عتادا أن يذكر فرسان وسبعين بعيرا بجانب مائة فرس وجمال لا تعد كثرة .
ولكنه درس يعلمنا الله به أن النصر بيد الله لمن آمن به واتقاه .
وفي الطريق نجت قافلة أبي سفيان فأرسل إلى أهله مكة أن عودوا فإن القافلة قد غيرت طريها ونجت .
فهمّ جيش مكة بالعودة غير أن أبا جهل قام مناديا : والله لا نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثلاثا فننحر الجزور ونشرب الخمر وتني لنا القيان .
إذا ما رأيت الطاغوت انتفش عظمة وجاهلية وازداد بطرا ورئاء وصدا عن سبيل الله فاعلم أن الله يملي له ليزداد إثما وأن أوشك هالكا .
فواصل الجيش سيره حتى وصل بدرا وأما جيش النبيء صلى الله عليه وسلم فقد وصل إليهم خبر إفلات العير وخروج المشركين إلى بدر وإصرارهم على المواجهة .
وقف المسلمون مع رسولهم صلى الله عليه وسلم وقفة اختبار وامتحان {ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب } .
امتحان يقف فيه ثلاثمائة فارس قبالة ألف وثلاثمائة مقاتل {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ }.
يقف النبيء صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه فيقوم المقداد فيقول : يا رسول الله امض لما أمرك الله والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ولكن نقاتل عن يمينك وشمالك وبين يديك ومن خلفك فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد .
الله أكبر ،،، نجح البدور البدريون في أول اختبار لهم ليكونوا مثلا للأمة من بعدهم .
سُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمع وقال :{سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين إما العير وإما النفير والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم } .
فساروا نحو بدر وباتوا بالقرب منها وبات النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه إلى جذع نخلة أن ينصر هذه الفئة المباركة وإذا بالنعاس ينزل على الصحابة فناموا بكامل الثقة والطمأنينة وإذا بالمطر يتنزل عليهم ليطهرهم وليلبد أرض المسلمين ويوحل أرض العدو إذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ
وفي الصباح يصطف المسلمون وأتت قوى الشر الجاهلية بجاهليتها وخمرها وقضها وقضيضها وطواغيتها وأصنامها وتبدأ المعركة بمبارزة يخسر فيها المشركون ثلاثة من خيرة فرسانهم وساداتهم فثار المشركون غضبا فكروا على المسلمين كرة حمر الوحش البرية وثبت المسلمون وتلقوا هجمات المشركين وهم في مواقعهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه {اللهم أنجز لي ما وعدتني اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك الذي وعدتني اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا } فدعا حتى سقط رداؤه من على كتيفيه والصديق يصبره .
اسمُ بروحك إلى سماء الوجدان ، وأطلق لبصرك العنان واسمح لجلدك أن يقشعر وهو يرى جيش الإسلام الأول يواجه أهل الطغيان .
استحضر في مثل هذه اللحضات ذكرى بدر الكبرى ، ها هو النبيء صلى الله عليه وسلم يخرج من عريشه بعد الدعاء وهو يثب ويقفز في درعه ويقول أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله {سيهزم الجمع ويولون الدبر } كيف بنا ونحن معهم النبيء صلى الله عليه وسلم ينادينا { شدوا عليهم والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا ادخله الله الجنة ، قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض }.
فانطلق التكبير وانطلق المسلمون يهاجمون ويقاتلون مقبلين على جنة الخلد والفردوس الأعلى فطارت رؤوس الكفر تتدحرج يمنة ويسرة ، وما يرى في الأفق إلا سيف يبرق ، ورمح منهو ونبل منطلق ،.
ها هم شباب الإسلام يقاتلون في بدر يتقدمهم عوف ابن عفراء فيقول يا رسول الله ، ما يعجب العبد من ربه ؟؟ فقال :{غمسه يده في العدو حاسرا من غير درع } فألقى بدرعه وقاتل حتى قتل .
ويرمي عمير بن الحمام بتمرات كانت معه زاهدا في قليل الدنيا فيقاتل حتى يقتل .
في وسط اصطكاك الأسنة والرماح يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله } . ماذا هنالك ؟؟؟؟ إنه جبريل ينزل من السماء راكبا فرسه آخذ بعنانها ينزل معه ألف من الملائكة مردفين ،، ينزلون لنصرة محمد صلى الله عليه وسلم ولنصرة دين الله .
ويأخذ النبيء صلى الله عليه وسلم من حصباء الوادي فيرمي بها المشركين {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى } فدخلت في حلوقهم وأنوفهم فأمكن المسلمين من أكتافهم .
وقتل الله الكفار بأيدي المسلمين وعذبهم بأيديهم وأما أبو جهل فكانت نهايته على أيدي الصغيرين معاذ ومعوذ حيث انطلقا عليه فبترا نصف ساقه فضرب أبو جهل معاذا ضربة بترت يده إلا جلدة أبقت يده معلقة بجسده فصار يقاتل ويسحبها خلفه قال معاذ : فلما آذتني تمطيت عليها فقطعتها .
وقتل باقي القوم فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين لنعلم أن الله أعلى وأكبر أن الله أقوى وأقدر ممن طغى وتجبر ممن بغى وتكبر حاشدا كل عسكر مستخدما كل منكر الله أعلى وأكبر .
بدر معركة في صدر الأمة ودروسا لباقي الأزمنة .
بدر معركة نستذكر بها نعمة الله عز وجل على هذه الأمة ونتعلم منها أنه مهما ضعفت الأمة فالغلبة لها { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ } واليوم نعاني قلة النوع لا قلة الكم .
{مستضعفون في الأرض }وها هم أهل الحق يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها .
{ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
بدر معركة تعلمنا أن النصر لا يأتي بغثة وإنما يكون بعد امتحان واختبار .
هؤلاء البدور البدريون الذين نصروا في بدر هم الذين قتّلوا واعتقلوا من قبل الطواغيت وهدمت منازلهم وسلبت أموالهم .
هم الذين عذبوا بأنواع العذاب ومشطوا بأمشاط الحديد .
هم الذين بطحوا في رمضاء البطحاء وجلدوا بالسياط .
هم الذين رأوا نبيهم ساجدا عند الكعبة فوضع عليه المشركون أمعاء بعير منتنة .
هم الذين شاهدوا سمية رضي الله عنها تقتل بحربة في قلبها ولم يستطيعوا أن يثأروا لها .
هم الذين حوصروا في شعب أبي طالب حصارا دفعهم إلى أكل أوراق الشجر والجلود .
هم الذين هجروا من ديارهم وأبعدوا عن أهلهم وأوطانهم في سيبل الله .
من بعد هذا كله أتاهم نصر الله عز وجل .
لنتعلم من معركة بدر في كل زمان ومكان أن النصر يأتي مع الصبر .
فليبشر من قُتِّل أو اعتقل أو هُجر بنصر الله .
بدر معركة تُعلمنا أن النصر أيضا يكون بالدعاء فمن منا اقتدى بنبيه فدعا بالنصر حتى سقط رداؤه من على كتفه .
بدر تعلمنا أن النصر في المعارك الخالدة للقلة القليلة الصابرة التي لا يضرها من خذلها {لقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة } .

*** قل لمن اقتدى بفرعون وثمود وعاد ،،، قل للطغاة أهل الكفر العناد ،،، قل للمشتغلين بالفساد والإفساد {إن ربك لبالمرصاد } .
*** قل لمن قَتل و اعتقل و هَجر ،، وهدم وكفر وفجر ،، وعتا على أمر ربه مبلسا وزمجر ،،، وتباهى بجنده وتبختر ،،، وسعى بالظلم بين العباد {إن ربك لبالمرصاد } .
قل لهم وعدا قطعه لنا ربنا في بدر بعدما نصر ،،، فقال لمن غلب من أهل الكفر {وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ }