عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام - > أرشيف القسم الإسلامي 2005-2016

أرشيف القسم الإسلامي 2005-2016 أرشيف مغلق للأستفادة من مواضيعه

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-31-2010, 10:52 PM
 
Thumbs up لماذا لا ننتفع بالقرآن ؟

لماذا لا ننتفع بالقرآن ؟
علمنافيما سبق أنالقرآن هو المنبع العظيم للإيمان والذي لا يوجد له مثيل ويكفي أنه ينادي على الجميع أن هلموا إلىَّ واستكملوا نقص إيمانكم فمنابعي ممتلئة وجاهزة
لإمدادكم جميعًا بما تحتاجونه من إيمان( رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ) (آل عمران 193).

يقول محمد بن كعب القرظي: (المنادي هو القرآن ليس كلهم رأي النبي عليه الصلاة والسلام)
فالقرآن له قوة تأثير ضخمة على القلوب لا يناظره فيها مصدر آخر وكيف لا وهو كلام رب العالمين الذي إذا استقبلته الجبال الرواسي لتصدعت واندكت من قوة تأثيره عليها (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) (الحش1) .
فإن كان الإيمان للقلب كالروح للبدن فإن القرآن يمثل العمود الفقري
لهذا الإيمان... لذلك ليس عجبا أن يُسمى القرآن بالروح
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا) (الشورى 52)

فإن كان القرآن كذلك فهل أدرك المسلمون قيمته وهل أحسنوا الانتفاع به؟!
هل تعاملوا معه على حقيقته كمصدر متفرد لزيادة الإيمان ومن ثمَّ التغيير؟!
للأسف لم يحدث هذا... بل حدث العكس.. فلقد انصب اهتمام الغالبية منهم إلا من رحم ربي على الناحية الشكلية للقرآن ولم يواكب ذلك اهتمام بتدبره والتأثر به والاغتراف من منابع الإيمان التي تتفجر من كل آية من آياته لتستمر الأمة في ضعفها وعجزها عن النهوض من كبوتها وكيف لا وقد هُجر أهم وأعظم مصدر للإمداد الإيماني.
ومما يزيد الأمر صعوبة أن الكثيرين لا يعترفون بذلك بل يعتبرون أن الاهتمام بالقرآن يعني الإكثار من قراءته بفهم أوبدون فهم ويعني كذلك تخريج أكبر قدر من حُفَّاظ ألفاظه في أقل وقت ممكن .. فازداد القرآن يُتما وأصبح حاضرًا وغائبًا.. موجودًا ومهجورًا.
صار حاضرًا بلفظه على ألسنة الُقَّراء والحفاظ لكنه غائب بروحه وأنواره عن القلوب وأثره الإيجابي في السلوك ....صار موجودا بشكله من خلال المطابع والإذاعات والمدارس والكليات والمسابقات لكنه مهجور في حقيقته وتأثيره على القلوب وتغييره للأخلاق والسلوك.
فإن قلت هلموا إلى القرآن ننتفع به.. قيل لك: وماذا علينا أن نفعل مع القرآن أكثر مما نفعل... فأغلب بيوت المسلمين إن لم تكن كلها تحتوي على نسخة أوعدة نسخ من المصحف والكثير من الأسر تجد فيها من يحفظ قدرًا من القرآن والإذاعات التي تبث آياته ليل نهار في ازدياد مستمر!!
فها هو القرآن يُتلى علينا ويُقرأ بين ظهرانينا... فهل تغيرت به نفوسنا وانطبعت عليه أخلاقنا وفعل في قلوبنا كما كان يفعل في قلوب أسلافنا؟
لا أيها الإخوان .. لقد صرنا نقرأ القرآن قراءة آلية صرفة .. كلمات تتردد ونغمات تتعدد ثم لا شيء إلا هذا ....أما فيض القرآن وروحانيته وهذا السيل الدافق من التأثير القوي الفعال فمن بيننا وبينه حجاب... ولهذا لم نكن صورة من النسخة الأولى التي تأثرت بالقرآن وتبدَّلت نفوسها به .
لذا وعبر هذه السطور نتعرف علي أهم العوائق والعقبات في طريق الإنتفاع بالقرآن :
1- الصورة الموروثة عن القرآن :
إن أكبر عقبة تواجهنا نحو الانتفاع بالقرآن هي تلك الصورة الموروثة عنه.
إن الصورة التي طُبعت في أذهاننا في مراحل الطفولة للقرآن أنه لا يُستدعى للحضور إلا في حالات الاحتضار والنزع والوفاة أوعند زيارة المقابر أونلجأ لقراءته عند أصحاب الأمراض المستعصية وهي قراءات لا تتجاوز الشفاة.
فإذا انتقلنا إلى مراكز ودروس تعليم القرآن الكريم رأينا أن الطريقة التي يُعلَّم بها يصعب معها استحضار واصطحاب التدبر والتذكر والنظر إن لم يكن مستحيلاً..
فالجهد كله ينصب إلى ضوابط الشكل من أحكام التجويد ومخارج الحروف وكأننا نعيش المنهج التربوي والتعليمي المعكوس... فالإنسان في الدنيا كلها يقرأ ليتعلم أما نحن فنتعلم لنقرأ لأن الهم كله ينصرف إلى حسن الأداء... وقد لا يجد الإنسان أثناء القراءة فرصة للانصراف إلى التدبر والتأمل... وغاية جهده إتقان الشكل وقد لا يعيب الناس عليه عدم إدراك المعنى قدر عيبهم عدم إتقان اللفظ ...ونحن هنا لا نهوّن من أهمية ضبط الشكل وحُسن الإخراج وسلامة المشافهة ولكننا ندعو إلى إعادة النظر بالطريقة حتى نصل إلى مرحلة التأمل والتفكر والتدبر التي تترافق مع القراءة .
من الأمور البديهية التي لا يختلف عليها اثنان أن الدافع للقراءة هو المعرفة فالذي يتناول بيده كتابًا أوجريدة ليقرأ فيها فإن الذي يدفعه لذلك هو المعرفة... معرفة ما وراء الخبر وما يحتويه من معارف ومعلومات وفي المقابل فلا يمكن لعاقل أن يقرأ أي شيء بلسانه أوبعينه دون أن يُعمل عقله فيما يقرؤه أويفكر في معانيه!!
تخيل لو أن شخصًا يفعل ذلك... ماذا تقول عنه؟ وكيف يكون
تقييمك له؟!
.... ألا توافقني في أنك ستعتبره إنسانًا غير سوي.

هذا المفهوم البدهي للقراءة قد تعارف عليه الناس في جميع الأزمان والأمصار على اختلاف مذاهبهم وأديانهم... فالذي يقرأ إنما يقرأ لأنه يريد أن يتعلم شيئًا من خلال هذه القراءةوالذي يطلب من غيره قراءة شيء ما فإنه يقينًا يريد من وراء هذا المطلب أن يفهم المقصود من الكلام المقروء.
هذه القاعدة التي لا تحتاج إلى برهان تنطبق على جميع الكتب والصحف والمجلات الموجودة على ظهر الأرض الآن... فقط كتاب واحد لا يتم التعامل معه بنفس الكيفية.. كتاب واحد يتعامل معه عدد كبير من الناس بطريقة عجيبة... إنهم يقرؤونه لمجرد القراءة!! ودون إعمال عقولهم لفهم معانيه ولو بصورة إجمالية بل ويتنافسون على ذلك ولا يجدون أي غضاضة في نفوسهم من قيامهم بهذا الفعل ولا يجدون حرجًا في إظهار ذلك أيضًا.
أتدري أخي القارئ ما هو هذا الكتاب؟!
إنه للأسف الشديد القرآن الكريم ... نعم أخي القارئ... القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يقرؤه غالبية المسلمين بألفاظه فقط دون أن يفكروا في معاني تلك الألفاظ ودون أن يُعملوا عقولهم في فهمها والعجيب أنهم بذلك يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا.
لقد أنزل الله القرآن ليقرأه الناس ويتدبروا معانيه ويفهموا المراد منه ثم يجتهدوا في العمل به.... فهل فعل المسلمون ما أمرهم الله به؟!!
للأسف لا... بل جعلوا عملهم مع القرآن هو القراءة ولم يجعلوا القراءة وسيلة لفهم المراد من الآيات والعمل بها ...وفي هذا المعنى يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (لقد أنزل الله القرآن ليُعمل به فاتَخَذوا تلاوته عملا) .

لقد اجتمع الضدان بالفعل مع القرآن.. فمن الناحية الشكلية اهتم المسلمون بالقرآن اهتمامًا كبيرًا فالإذاعات تبث آياته ليل نهاروالمصاحف في كل بيت وآيات القرآن تزين الجدران.... أما من الناحية الموضوعية فلقد هجر المسلمون القرآن هجرًا كاملاً... هجر يشمل رسالته الهادية ومعجزته التغييرية وانصب اهتمامهم على شكله ولفظه فقطوالدليل على ذلك الهجر هو الواقع... فكلما تذكرنا حجم التغيير الذي حدث للصحابة والذي ظهر في أعمالهم وآثارهم ثم قارنا حالهم بحالنا رأينا أن واقعنا وأعمالنا وما فيها من سلبيات كثيرة تكشف لنا أن القرآن لم يفعل معنا كما فعل معهم!!
فهل المشكلة في القرآن؟ ...هل توقفت معجزته عن العمل بعد الجيل الأول؟!
حاشاه أن يكون كذلك والله عزوجل قد تكفل بحفظه من كل جوانبه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر 9) ... المشكلة إذن فينا نحن عندما اتخذناه ترانيمًا وبابًا للأجر والثواب فقط وتعاملنا معه بحناجرنا دون عقولنا وقلوبنا... أحسنا التعامل مع لفظه وهجرنا معجزته فاجتمع فينا الضدان (اتخذنا القرآن وهجرناه) وهذا ما ينطبق مع شكوى الرسول عليه الصلاة والسلام لربه( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) ( الفرقان30) .
لقد عرف سلفنا الصالح رضوان الله عليهم فضل القرآن وتلاوته فجعلوه مصدر تشريعهم ودستورأحكامهم وربيع قلوبهم وورد عبادتهم وفتحوا له قلوبهم وتدبروه بأفئدتهم وتشربت معانيه السامية أرواحهم فأثابهم الله في الدنيا سيادة العالم ولهم في الآخرة عظيم الدرجات وأهملنا القرآن فوصلنا إلى ما وصلنا إليه من ضعف في الدنيا ورقة في الدين .
2- الاهتمام بالشكل فقط :
بالرغم من أن هذا السبب ناشيء عن الصورة الموروثة عن القرآن إلا إنني آثرت أن أفرده بعنوان خاص لأهميته... ويتمثل ذلك في :
· الإهتمام الشديد بإتقان أحكام التلاوة والتعمق فيها دون أن يصاحب ذلك اهتمام مماثل بالمعني .
· التركيز عند قراءة القرآن علي الإنتهاء من أكبر قدر من الآيات وبخاصة في شهر رمضان حيث التسابق في عدد الختمات دون أي إهتمام بالمعني .
وهذا راجع إلي جهلنا بالهدف الأساسي من نزول القرآن .
إن الهدف الأساسي من نزول القرآن هو هداية الناس إلي الله وإلي صراطه المستقيم والعيش علي الأرض بأمان والعودة إلي الجنة بسلام .
إخواني في الله ...ليست العبرة في التلاوة بمقدار ما يقرأ المرء وإنما العبرة بمقدار ما يستفيد...فالقرآن لم ينزل بركةً على النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظه مجردةً عن المعانيبل إن بركة القرآن في العمل به واتخاذه منهجًا في الحياة يضيء سبيل السالكين فيجب علينا حين نقرأ القرآن أن يكون قصدنا من التلاوة أن نحقق المعنى المراد منها وذلكبتدبر آياته وفهمها والعمل بها .
من هنا نقول إن من تبين له بوضوح الهدف الأساسي من نزول القرآن ستسهل عليه قراءة القرآن وتدبره وسيخرج منها بالكثير من جوانب الهداية .
3- نسيان الهدف الذي من أجله نزل القرآن :
إن الإنسان هو موضوع القرآن ...بمعنى أن الهدف الأسمى لنزول القرآن هو هداية الإنسان وإصلاحه والسير به في الطريق المؤدي إلى رضا الله وجنته..
ومن أجل تحقيق هذا الهدف جعلها الله رسالة موجزة مقارنة بما تحتويه من معان عظيمة ليسهل حملها وقراءتها وحفظها.
ولأن الإنسان من طبيعته النسيان وكذلك لتعرضه المستمر للمغريات والملهيات خلال يومه وليلته كان من الأهمية بمكان أن يداوم على قراءة القرآن لتحدث له دوام التذكرة والتبصرة وليُعَوِّض بالقرآن ما فقده من إيمان وليس ذلك فحسب بل وليمد قلبه بالروح التي تجعله دومًا في إقبال على الله ... من هنا كانت التوجيهات النبوية المتعددة بكثرة تلاوة القرآن وتعاهده كل يوم وحتى لا تمل النفس كان رصد الجوائز والأجر العظيم لكل من قرأ حرفًا من القرآن ليستمر الحافز والدافع لديها للقراءة... كل ذلك ليتحقق المقصود من اللقاء بالقرآن .
إذن فكثرة قراءة القرآن وتعلم أحكام تلاوته وترتيله وحفظ آياته وتدبره وقراءته بصوت مسموع وحزين.. كل هذه وسائل لتحقيق الهدف .
لكن ماذا يحدث لو نُسى الهدف؟!
إذا ما نُسى الهدف من نزول القرآن وبالتالي لم يحدث ربط الوسائل بهذا الهدف فمن المتوقع أن يتعامل الكثير مع النصوص الواردة في فضل وأهمية «الوسائل» (كفضل القراءة والترتيل والحفظ وقراءة الليل..) على أنها غايات وأهداف .
فيُصبح هم المرء حفظ القرآن كهدف ومن ثم لا يُعطي اهتمامًا يُذكر للقراءة المتأنية الواعية المدركة لمعاني الآيات فضلاً عن التأثر بها وينصرف الهم كذلك إلى تحصيل أكبر قدر من الحسنات من خلال القراءة السريعة وينصرف الهم أيضًا إلى استغراق الأوقات في تعلم أحكام الترتيل والتعمق فيها والتشديد على المتعلمين في أمور قد لا تكون أساسية في الترتيل.
كل ذلك وغيره من المتوقع أن يحدث لو نُسى الهدف من نزول القرآن .
وللشيخ محمد الغزالي رحمه الله كلام دقيق يؤكد هذا المعنى فيقول:(حال المسلمين مع القرآن الكريم تستدعى الدراسة المتعمقة ذلك أن المسلمين بعد القرون الأولى انصرف اهتمامهم بكتابهم إلى ناحية التلاوة وضبط مخارج الحروف واتقان الغُنن والمُدود وما إلى ذلك مما يتصل بلفظ القرآن والحفاظ على تواتره كما جاءنا أداءً وأحكامًا - أقصد أحكام التلاوة- لكنهم بالنسبة لتعاملهم مع كتابهم صنعوا شيئًا ربما لم تصنعه الأمم الأخرى .. فإن كلمة «قرأت» عندما يسمعها الإنسان العادي أويقولها تعني أن رسالة جاءته أو كتابًا وقع بين يديه فنظر فيه وفهم المقصود منه .. فمن حيث الدلالة لا أجد فكاكًا بين الفهم والقراءة أوبين السماع والوعيأما الأمة الإسلامية فلا أدري بأية طريقة فصلت بين التلاوة وبين التدبر فأصبح المسلم اليوم يقرأ القرآن لمجرد البركة كما يقولون وكأن ترديد الألفاظ دون حس بمعانيها ووعي لمغازيها يفيد أوهو المقصود وعندما أحاول أن أتبين الموقف في هذا التصرف أجد أنه مرفوض من الناحية الشرعية ذلك أن قوله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) (9) ... يعني: الوعي والإدراك والتذكر والتدبر.. فأين التدبر؟ وأين التذكر مع تلك التلاوة السطحية التي ليس فيها أي إحساس بالمعنى أوإدراك للمقصد) .
إن القرآن موعظة من الله ... وهل هناك أبلغ من الموعظة الربانية ؟
إن الموعظة القرآنية تولد الشفاء للصدور والقضاء علي مافي هذه الصدور من أمراض وأدناس ليعود لها نورها ...فالقرآن يشفي الصدور والقلوب من أمراض الشهوات والشبهات وأمراض الهوي والإنحراف وأمراض الشك والشرك وأمراض القلوب والنفوس والجوارح والحواس ...وصدق الله تعالي (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارا) (الإسراء82) .
وتأمل هذه الآية القرآنية وهي تبيّن نزول القرآن على مرضى القلوب والنفوس فإذا به كأنماهو غيثٌ أومطرٌ يصيب أرضاً قاحلة فيليّن قاسيها ويفجر الخيرات منها ويجعلها تورقوتخضر وتزهر بإذن الله سبحانه وتعالى) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (يونس 57)


4- قصر وظيفة القرآن علي تحصيل الأجروالثواب :
من المفاهيم التي ينبغي أن تُصحح عند المسلمين قصر وظيفة القرآن على تحصيل الأجر والثواب والتبرك... فالمفهوم السائد أنه إن كان لكل حرف يقرؤه المرء من القرآن له به عشر حسنات فليقرأ إذن أكبر قدر ممكن من الحروف ليزداد رصيده من الحسنات وفي الوقت نفسه فإن تدبر القرآن والوقوف عند معانيه سيعطل مسيرته عن قراءة أكبر قدر ممكن من الآيات ومن ثمَّ يفوته الكثير من الحسنات... إذن فلنترك التدبر جانبًا لتحقيق هدف الثواب والأجر!!
بمثل هذا الفهم ابتعد الكثيرعن تدبرالقرآن وتسابقوا فيما بينهم على ختمه في أقل وقت ممكن خاصة في شهر رمضان وبالرغم من أن آيات القرآن وأحاديث الرسول تحث على التدبر والتأثر وتذم من يقرأ القرآن ولا يجاوز حنجرته إلا أن حب النفس للراحة والشعور بالرضا بعد كل إنجاز (كَمِّي) ينجزه المرء مع القرآن جعلها تستريح لمفهوم أن الهدف من قراءة القرآن هو تحصيل الأجر والثواب وأن هذا الهدف يتحقق بمجرد قراءة الألفاظ دون تفهم ولا تأثر.
فمما لا شك فيه أن الأسهل على الإنسان القراءة السريعة للقرآن والتي قد يشرد معها العقل في أودية الدنيا فيشعرالمرء بعد القراءة براحة نفسية لمجرد إنجازه كمًا كبيرًا من الأرباع والأجزاء دون مجهود يُذكر فيصبح هذا الشعور دافعًا له للإكثار من القراءة خاصة في شهر رمضان فتحول بذلك مسار التعامل مع القرآن وبدلاً من أن تكون قراءته وسيلة لفهم المقصود منه أصبحت غاية يتنافس فيها المتنافسون.

5- أمراض القلوب والإصرار علي الذنوب :
إن مما يحول بين القلب وبين الإنتفاع بالقرآن كثرة الذنوب والمعاصي حتى يقسو بها القلب ويحـرم صاحبـه من لـذة الطاعـة والمناجاة لله سبحانه بذكره وكلامه... فكلما تخفَّف العبد من المعاصي وتقرب إلى الله عز وجل بالطاعات بدايةً بالفرائض ثم النوافل كان حظه من تدبر كلام الله عز وجل والتأثر به أكثر وأعظم.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى : (ومن عقوبات المعاصي أنهـا تعمـي القلـوب فـإن لـم تعمـه أضعفت بصيرتـه ولا بـد ... قال الله تعالى( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (الزخر6)... فأخبر سبحانه أن من عشا عن ذكره وهو كتابه الذي أنزله على رسوله فأعرض عنه وعمي عنه وعشت بصيرته عن فهمه وتدبره ومعرفة مراد الله منه قيض الله له شيطانًا عقوبة له بإعراضه عن كتابه) .
إن القلب لايمكنه أن يسمو إلي المعالي وعظيم الفضائل ويشتاق ويطمئن إلي كلام الله وهو يعيش مع الجيف والنتن وسفاسف الهمم التي تحوم عليها همم الفساق وأراذل الناس
إن القلب المشغول عن القرآن بغيره لايتأثر به لتشعبه في أودية الدنيا وغفلته عن تدبر كتاب الله... كما أن تأثير الذنوب في القلوب كتأثير الأمراض في الأبدان .. فالقلب المريض لاينتفع بالأغذية التي بها حياته وصلاحه( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (المطففين14) .
أخي الحبيب ... إن خلو القلب من هم الدنيا وعدم التعلق بما فيها من مال أو رئاسة أو صورة والتعلق بالآخرة من أهم وسائل الإنتفاع بالقرآن وفي ذلك يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : ( اعلم أن القلب إذا خلى من الاهتمام بالدنيا والتعلق بما فيها من مال أو رياسة أو صورة وتعلقَ بالآخرة والاهتمام بها من تحصيل العُدَّة والتأهب للقدوم على الله عز وجل فذلك أول فتوحه وتباشير فجره ..فعند ذلك يتحرك قلبه لمعرفة ما يرضى به ربه منه فيفعله ويتقرب به إليه وما يسخطه منه فيجتنبه... وهذا عنوان صدق إرادته.. فإن كل من أيقن بلقاء الله وأنه سائله عن كلمتين يُسأل عنهما الأولون والآخرون ماذا كنتم تعبدون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ لا بد أن يتنبه لطلب معرفة معبوده والطريق الموصلة إليه
فإذا تمكن في ذلك فتح له باب الأنس بالخلوة والوحدة والأماكن الخالية التي تهدأ فيها الأصوات والحركات فلا شيء أشوق إليه من ذلك فإنها تجمع عليه قوى قلبه وإرادته وتسد عليه الأبواب التي تفرق هَمَّه وتشتت قلبه فيأنس بها ويستوحش من الخلق.
ثم يفتح له باب حلاوة العبادة بحيث لا يكاد يشبع منها ويجد فيها من اللذة والراحة أضعاف ما كان يجده في لذة اللهو واللعب ونيل الشهوات بحيث إنه إذا دخل في الصلاة ودَّ أن لا يخرج منها ثم يفتح له باب حلاوة استماع كلام الله فلا يشبع منه وإذا سمعه هدأ قلبه به كما يهدأ الصبي إذا أعطي ما هو شديد المحبة له ثم يفتح له باب شهود عظمة الله المتكلم به وجلاله وكمال نعوته وصفاته وحكمته ومعاني خطابه بحيث يستغرق قلبه في ذلك حتى يغيب فيه ويحس بقلبه وقد دخل في عالم آخر غير ما الناس فيه ثم يفتح له باب الحياء من الله وهو أول شواهد المعرفة وهو نور يقع في القلب يُريه ذلك النور أنه واقف بين يدى ربه عز وجل فيستحيي منه في خلواته وجلواته ويرزق عند ذلك دوام المراقبة للرقيب ودوام التطلع إلى حضرة العلي الأعلى حتى كأنه يراه ويشاهده فوق سماواته مستويًا على عرشه ناظرًا إلى خلقه سامعًا لأصواتهم مشاهدًا لبواطنهم... فإذا استولى عليه هذا الشاهد غطى عليه كثيرًا من الهموم بالدنيا وما فيها فهو في وجود والناس في وجود آخر.. هو في وجود بين يدي ربه ووليه ناظرًا إليه بقلبه والناس في حجاب عالم الشهادة في الدنيا فهو يراهم وهم لا يرونه ولا يرون منه إلا ما يناسب عالمهم ووجودهم.
ثم يفتح له باب الشعور بمشهد القيومية فيرى سائر التقلبات الكونية وتصاريف الوجود بيده سبحانه وحده فيشهده مالكَ الضر والنفع والخلق والرزق والإحياء والإماتة فيتخذه وحده وكيلا ويرضى به ربًا ومدبرًا وكافيًا وعند ذلك إذا وقع نظره على شيء من المخلوقات دله على خالقه وبارئه وصفات كماله ونعوت جلاله فلا يحجبه خلقه عنه سبحانه بل يناديه كل من المخلوقات بلسان حاله: اسمع شهادتي لمن أحسن كل شيء خلقه فأنا صنع الله الذي أتقن كل شيء ) .

6- كيد الشيطان :
إن إبليس الذي أقسم بعزة الله بأن يعمل على غواية البشر وسوقهم معه إلى النار ما كان ليترك هذه الأمة ليلتقي أبناؤها بالقرآن فيتزودوا منه بالإيمان وبالتالي يتحصنون من كيده ويلتزمون صراط الله المستقيم فيدخلون الجنة.
وكيف يتركهم وقد رأى التأثير العظيم الفذ للقرآن على جيل الصحابة ومن ثَّم فإن استمرار وجود القرآن بين المسلمين من شأنه أن يُفسد مخططاته ويغلق الأبواب أمامه.
لقد استطاع الشيطان أن يستدرج المسلمين ويبعدهم شيئًا فشيئًا عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن وفي الوقت ذاته تركهم يتصلون بالقرآن ويتعاملون معه ولكن من الناحية الشكلية فيجتمع له بذلك أمران:
الأول: أن يصبح القرآن موجودًا بين المسلمين من الناحية الشكلية اللفظية.
الثاني: أن يكون غائبًا من الناحية الحقيقية الجوهرية.
فيخمد باجتماع هذين الأمرين أي تأنيب للضمير في نفوس المسلمين بهجر كتابهم ومن ثمَّ لا يمكن لأحد أن يفكر بأن القرآن بات غائبًا مهجورًا.
فعندما تنتشر المصاحف في كل مكان وتبث الإذاعات آياته ليل نهار وتُخرِّج المدارس والحلقات والكليات عشرات الآلاف من حفاظه وينكَبُّ المسلمون على قراءته في رمضان ويتنافسون على ختمه مرات ومرات بُغية تحصيل أكبر قدر من الحسنات..
عندما يكون هذا وغيره من مظاهر الاهتمام الشكلي بالقرآن هو السائد بيننا فإن الدعوة إلى العودة الحقيقية إليه والانتفاع بمعجزته وقدرته الفذة على إنشاء الإيمان والتغيير لن تجد آذانا مصغية بين المسلمين بل سيصبح من المتوقع أن يقال لصاحب هذه الدعوة : وماذا عسانا أن نفعل مع القرآن أكثر مما نفعل؟! ألا يكفي هذا الجهد المبذول معه؟!
إن هدف الشيطان هو إبعاد كل فرد في الأمة عن الانتفاع الحقيقي بالقرآن لذلك فهو في البداية يجتهد في الحيلولة دون قراءة المسلم للقرآن إما بالتسويف أوبإشغاله بأمر آخر.

فإن قرأ بالفعل دخل عليه من مداخل متعددة :
· مدخل التعب والنعاس.
· مدخل تحصيل أكبر قدر من الحسنات ليدفع القارئ للقراءة السريعة غير المتدبرة.
· مدخل شرود الذهن مع بعض الكلمات.
· مدخل تذكيره بأمر من أمور الدنيا التي ينبغي عليه القيام بها ليترك القراءة.
· مدخل الاهتمام الشديد بمخارج الحروف وإتقان التلاوة.
بهذه المداخل السابقة وغيرها استطاع الشيطان أن يحقق مراده ويُبعد الأمة عن جوهر القرآن وعن وظيفته المتفردة في إحداث التغيير المتكامل للشخصية المسلمة.
فمنذ أن نزل القرآن من السماء أصبحت أهم معركة للشيطان مع المسلمين هي إبعادهم عن دائرة تأثير هذا الكتاب ليسهل عليه إضلالهم وإبعادهم عن الصراط المستقيم
لذا فقد دعانا الله تعالي إلي أن نتهيأ لتلاوة القرآن وأن نستعد لها استعدادا خاصا بأن نتوجه إلي الله نستعيذ به من الشيطان لتكون هذه الإستعاذة وسيلة لتدبر كلام الله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) (النحل 98) .
والاستعاذة معناها الالتجاء إلى الله تعالى والابتعاد عن وسوسة الشيطان وقت القراءةذلك لأن قراءة القرآن ذكر لله واستماع لحديث الله وترداد له فهو إصلاح للقلوب وللنفوس... فالقراءة لا تجدى جدواها إلا إذا كانت معها الاستعاذة الحقيقية من الشيطان بإبعاد وساوسه فى تمنيات الإنسان إذ إن الأمانى ذريعة الشيطان .
إن الاستعاذةبالله من الشيطان الرجيم تمهيد للجو الذي يتلى فيه كتاب الله وتطهيرله من الوسوسة واتجاه بالمشاعر إلى الله خالصة لا يشغلها شاغل من عالم الرجسوالشرالذي يمثله الشيطان .
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كيف تحمي نفسك بالقرأن special moon نور الإسلام - 69 10-20-2013 03:03 AM
حكاية المتكلّمة بالقرآن درع الفيصل أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 04-11-2008 01:57 PM
أول صادح بالقرآن oays tamim شخصيات عربية و شخصيات عالمية 4 02-08-2008 11:39 PM
امرأه لا تتكلم الا بالقرآن ام بتول نور الإسلام - 6 02-08-2007 11:39 PM
امرأه تتكلم بالقرآن فقط حمزه عمر أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 4 01-23-2007 03:15 PM


الساعة الآن 01:35 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011