نحن شعب يعشق السهر كثيراً، مع أن ليلنا ليس فيه ما يغري للسهر... سيارات تدور خلف بعضها طوال الليل دورانا مليئا بالبحلقة خصوصاً عند إشارات المرور، ومطاعم وكافيهات محدودة ومتشابهة ومملة خصوصاً في المنطقة الشرقية، ناهيك عن التبطح في الاستراحات والقهاوي المليء بالضجر والشيشة والنميمة!
في الصيف قالوا لأن أجواءنا حارة فتستغل الناس تسامح الليل معهم لينسدحوا فيه حتى الصباح ليرحمهم من قيظ النهار، لكن في الشتاء ما عذرهم وخصوصاً أن شتاءنا هذه السنة أتى شديد البرودة وأطول من العادة ومع هذا لم تتغير طبائع الناس ولم يتركوا عنهم السهر.
هناك عار يتلبس الكثيرين لدينا حينما ينامون باكراً وهناك وصمات عار تلاحقهم من الجميع حتى يصل إلى نعتهم بالدجاج كناية عن نومهم باكراً!
صغارنا صاروا يسابقون كبارنا في السهر وأول غنيمة يقتنصها الصغار في الإجازات هي السهر! أي إجازة... ويك إند، أعياد، ربيع، صيفية، والحجة طبعاً «وش زودنا»!
أنا لا أدري ماذا يحبب الصغار في السهر هل ليشعروا أنهم كبروا ليكتشفوا بعد أن يكبروا انهم تخلوا عن أجمل أيام حياتهم! مع أن الليل المتأخريحرم الصغار من الخروج والتنزه! أوه هل لدينا منتزهات؟
لاشيء أجمل من نسمة صباح ندي بعد حصة نوم كافية خصوصاً إذا لم تكن عندك دراسة أوعمل، جربوها لن تندموا شيئاً، صدقوني شوارعنا جميلة أيام الإجازات في الصباح لأن السائقين المتهورين يغطون في سابع نومة! الأسواق خفيفة وجميلة ولكنها لا تفتح باكراً وهذه غلطة وزارة العمل المشغولة بترتيب أوضاع السائق الأجنبي، أعانها الله.
الله على الفطور في الصباح وليس بعد الظهر! الخليجيون في السفر اخترعوا طريقة جديدة للفطور، يفطرون ثم ينامون! أو يصحون للفطور ثم ينامون! لأن الفطور مدفوع مسبقاً مع إيجار الغرفة، اللي يقهرني ليش يرجعون ينامون، ما أحلى السفر في الصباح، كل الأخيار تجدهم في السفر في الصباح، في المساء يكثر ظهور الخبث والخبائث والإجرام وبيع المخدرات وكل الممنوعات.
في السعودية صار للعوائل السعودية رأي آخر في الفطور، كأنهم اكتشفوا للتو أن هناك وجبة اسمها الفطور! يفطرون خارج المنزل»طبعاً» ثم يعودون ينامون!
يقول رسولنا الأعظم صلوات الله وسلامه عليه «بورك لأمتي في بكورها»، ويفترض أننا أكثر أمة تحرص على البكور ولكن.... من أكثر الأشياء التي لفتت انتباهي أيام دراستي في أمريكا أنهم لا يسهرون، كلهم ..كبارهم وصغارهم، دشيرهم وعقالهم، لا أحد يسهر.. وأنا الذي أمضيت حيناً من الدهر أعتقد أن الليل هو الوقت الذي يتجلى فيه الفكر وتحلو فيه الكتابة أو هكذا أوهمني المثقفون العرب الذين أوهمونا في أيام مراهقتي الفكرية بأنه لكي تكون مثقفاً في العالم العربي يجب أن تحزن وتدخن بشراهة وتسهر!! بعدها أصبح يصيبني إحساس بالذنب كلما شارفت على السهر وخوف من العار يُطالني من هنا وهناك وهمز ولمز، كل هذا لا يضيرني لأني سأسعد بصباح جميل ينام فيه السائقون «المهبل» ,أغدوا في شوارعنا في مشوار بلا إزعاج ولا أحد يبحلق فيك! كل الموجودين في السوق في الصباح هم من الناس العمليين يأخذون أغراضهم ويهرولون إلى بيوتهم، هل تحلم بمثل هذا النعيم لدينا في الليل ! أشك في ذلك

مع تحيات محبكم
عاســ المهرة ف