|
نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
حلاوة الإيـــــــــــمان إنها حلاوة الإيمان بسم الله الرحمن الرحيم نعمة حلاوة الإيمان ولذة الطاعة والإحسان , نعمة لا يدركها ولا يعرف قيمتها إلا من ذاقها وأحس بها وعاش معها , ولذة لا يستشعر أثرها إلا من تذوق طعمها وأنس بوجودها . وحلاوة الإيمان تسري سريان الماء في العود، وتجري جريان الدماء في العروق , فيأنس بها القلب وتطمئن بها النفس , فلا يحس معها المرء بأرق ولا قلق ولا ضيق, قال تعالى : \" فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) سورة الأنعام . لذا حينما جاء خباب بن الأرت رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو ظلم قريش للمستضعفين من المسلمين , قال له في إيمان الواثق بربه الذي ذاق حلاوة الإيمان به والثقة بما عنده من عزة ونصر : \" قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ ، فَيُجْعَلُ فِيهَا ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ ، فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ ، وَيُمَشَّطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ ، فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللهِ ، لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللهَ ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. أخرجه \"أحمد\" 5/109(21371) و\"البُخَارِي\" 4/244(3612) . لذا فقد وجدنا بلال بن رباح رضي الله عنه يطبق حلاوة الإيمان تطبيقاً عملياً حينما كان يعذ ب من قبل قريش بعد إعلان كلمة التوحيد وكان يعذ ب في رمضاء مكة حيث إنه سئل كيف صبرت يا بلال؟ قال: مزجت حلاوة الإيمان بمرارة العذاب فطغت حلاوة الإيمان على مرارة العذاب فصبرت . قال الشاعر : ضع في يدي ّ القيد ألهب أضلعي * * * بالسوط ضع عنقي على السكّين لن تستطيع حصار فكري ساعةً * * * أو نزع إيماني ونور يقيني فالنور في قلبي وقلبي في يديْ * * * ربّي .. وربّي ناصري ومعيني سأعيش معتصماً بحبل عقيدتي * * * وأموت مبتسماً ليحيا ديني ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن للإيمان طعماً وحلاوة لا يحسها ولا يتذوقها إلا من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا , عنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً. أخرجه أحمد 1/208(1778) و\"مسلم\" 1/46(60). وأن هذه الحلاوة لا بد لها من أصول وشروط , عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يَكْرَهَ الْعَبْدُ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الإِسْلاَمِ ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ، وَأَنْ يُحِبَّ الْعَبْدُ الْعَبْدَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ. أخرجه أحمد 3/174(12814) و\"مسلم\" 76. قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَىَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ يَا بُنَىَّ إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى. أخرجه أبو داود (4700). ومن المشاهد التي رأها النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج مشهد مشاطة ابنة فرعون , تلك المرأة المؤمنة التي ذاقت حلاوة الإيمان فهانت في عينيها الدنيا بما فيها وبمن فيها , وتحملت التعذيب والقتل بنفس راضية مؤمنة , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:لَمَّا كَانَ اللَّيْلَةُ الَّتِى أُسْرِىَ بِى فِيهَا أَتَتْ عَلَىَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ فَقَالَ هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلاَدِهَا. قَالَ قُلْتُ وَمَا شَأْنُهَا قَالَ بَيْنَا هِىَ تَمْشُطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتِ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا فَقَالَتْ بِسْمِ اللَّهِ. فَقَالَتْ لَهَا ابْنَةُ فِرْعَوْنَ أَبِى قَالَتْ لاَ وَلَكِنْ رَبِّى وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ. قَالَتْ أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ. فَأَخْبَرَتْهُ فَدَعَاهَا فَقَالَ يَا فُلاَنَةُ وَإِنَّ لَكَ رَبًّا غَيْرِى قَالَتْ نَعَمْ رَبِّى وَرَبُّكَ اللَّهُ. فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِىَ وَأَوْلاَدُهَا فِيهَا قَالَتْ لَهُ إِنَّ لِى إِلَيْكَ حَاجَةً. قَالَ وَمَا حَاجَتُكِ قَالَتْ أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِى وَعِظَامَ وَلَدِى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَتَدْفِنَنَا. قَالَ ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ. قَالَ فَأَمَرَ بِأَوْلاَدِهَا فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِدًا وَاحِدًا إِلَى أَنِ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِىٍّ لَهَا مُرْضَعٍ وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ قَالَ يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِى فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ فَاقْتَحَمَتْ.قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ صِغَارٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَشَاهِدُ يُوسُفَ وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ. أخرجه أحمد 1/309(2822) . وحلاوة الإيمان لا يحسها ولا يعايشها أي أحد , كما أنها لا تباع ولا تستجدى , يقول أحدهم من شدة سروره بتلك النعمة : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه – يعني من النعيم – لجالدونا عليه بالسيوف. وقال بعض العارفين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبَّة الله تعالى ومعرفته وذكره .الوابل الصيب (70). وكان شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. وقال أيضاً : ليس للقلوب سرور ولا لذَّة تامة إلا في محبة الله والتقرُّب إليه بما يحبه، ولا يمكن محبَّة إلا بالإعراض عن كلِّ محبوبٍ سواه . مجموع الفتاوى (28/32). قال مُطرِّف بن عبدالله الشخير: أتيت عمران بن حصين يوماً، فقلت له: إني لأدع إتيانك لما أراك فيه، ولما أراك تلقى. قال: فلا تفعل، فو الله إن أحبه إليّ أحبه إلى الله .وكان عمران بن الحصين قد استسقى بطنه، فبقي ملقى على ظهره ثلاثين سنة، لا يقوم ولا يقعد، قد نقب له في سرير من جريد كان عليه موضع لقضاء حاجته.فدخل عليه مطرف وأخوه العلاء، فجعل يبكي لما يراه من حاله فقال: لم تبكي؟ قال: لأني أراك على هذه الحالة العظيمة. قال: لا تبك فإن أحبه إلى الله تعالى، أحبه إلي. ثم قال: أحدثك حديثاً لعل الله أن ينفع به، واكتم علي حتى أموت، إن الملائكة تزورني فآنس بها، وتسلم علي فأسمع تسليمها، فأعلم بذلك أن هذا البلاء ليس بعقوبة، إذ هو سبب هذه النعمة الجسيمة، فمن يشاهد هذا في بلائه، كيف لا يكون راضياً به؟!( إحياء علوم الدين 4/349). وهذا خالد بن الوليد فارس الإسلام وليث المَشَاهد -رضي الله عنه- يقول -حين ذاق طعم الإيمان وخالط بشاشة قلبه-: والله ما ليلة تهدى إليَّ فيها عروس، أنا لها محب، أبشَّر فيها بغلام، بأحب من ليلة شديدة البرد كثيرة الجليد، في سرية في المهاجرين أنتظر فيها الصبح لأغير على أعداء الله . كأنما الموت في أفواههم عسل *** من ريق نحل الشفا حدث ولا حرجًا حتى إذا ما حلَّت به السكرات، قال: لقد طلبت القتل مظانه، فلم يقدر لي أن أموت إلا على فراشي، ولا والله -الذي لا إله إلا هو- ما عملوا شيئًا أرجى عندي بعد التوحيد في ليلة بتُّها وأنا متترس، والسماء تهلني ننتظر الصبح حتى نغير على أعداء الله . لقد شهدت كذا وكذا مشهدًا وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، أو رمية سهم، وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير، لا نامت أعين الجبناء، عدتي وعتادي في سبيل الله، ثم لقي الله رضي الله عنه وأرضاه . الدم الذاكي جرى في عرقهم *** فاض مسكًا وتندى عنبرًا فاسألوا عن كل نصرٍ خالدًا *** واسألوا عن كل عدلٍ عمرَ المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه، والله لو بذلت ملء القلعة ذهبًا ما عدل ذلك عندي شكر نعمة الحبس، وما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، حاله: أنا لست إلا مؤمنًا *** بالله في سري وجهري أنا نبضة في صدر هذا *** الكون فهل يضيق صدري يذكر أن زوجاً قال لزوجته بغضب: لأشقينَّك . فقالت الزوجة في هدوء وإيمان وعزة : لا تستطيع أن تشقيني كما لا تستطيع أن تسعدني. فقال الزوج في حنق : وكيف لا أستطيع ؟ فقالت الزوجة في ثقة : لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني أو زينة من الحلي لحرمتني منها ، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون !فقال الزوج في دهشة: وما هو ؟ فقالت الزوجة في يقين : إني أجد سعادتي في إيماني ، وإيماني في قلبي ، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي . فحلاوة الإيمان تمنحك القوة والعزة وتيسر عليك كل يسير وتهون عليك كل صعب , وتجمل حياتك بالرضا الكامل عن الله , كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: \"ما أصبت بمصيبة إلا كان لله علي فيها أربع نعم: أنها لم تكن في ديني، وأنها لم تكن أكبر منها، وأنني لم أحرم الرضا عند نزولها، وأنني أرجو ثواب الله عليها\". قال أحدهم : رضيت بما قسمَ الله لي * * * وفوّضتُ أمري إلى خالقي كما أحسن الله فيما مضى * * * كذلك يُحسن فيما بَقِي قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : لَيْسَ غِنًى أَغْنَى مِنْ سُكُونِ الْقَلْبِ ، وَلَيْسَ فَقْرٌ أَفْقَرَ مِنَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ ، وَلَيْسَ عِزٌّ أَعَزَّ مِنَ الزُّهْدِ ، وَلَيْسَ ذُلٌّ أَذَلَّ مِنَ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالطَّمَعِ ، وَلَيْسَ شَرَفٌ أَشْرَفَ مِنَ الْيَقِينِ ، وَلَيْسَ دَرَجَةٌ أَعْلَى مِنَ الصَّبْرِ ، وَلَيْسَ حَلاوَةٌ أَحْلَى مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَيْسَ مَرَارَةٌ أَمَرَّ مِنْ سَخْطِهِ ، وَلَيْسَ زَيْنٌ أَزْيَنَ مِنَ التَّوَاضُعِ ، وَلَيْسَ جَهْلٌ أَجْهَلَ مِنَ الْكِبْرِ ، وَلَيْسَ قُوَّةٌ أَقْوَى مِنَ الْجُوعِ ، وَلَيْسَ دَاءٌ أَدْوَى مِنَ التَّعَرُّضِ لِسَخْطِ اللهِ ، وَلَيْسَ كَلامٌ أَحْسَنَ مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللهُ . ابن عبد البر المجالسة وجواهر العلم 4/515. وهذه اللذة وتلك الحلاوة تتفاوت من شخص إلى شخص حسب قوة الإيمان وضعفه، وتحصل هذه اللذة بحصول أسبابها، وتزول بزوال أسبابها، ويجدر بالمسلم أن يسعى جاهدًا إلى تحصيلها لينعم بالحياة السعيدة , ومن الأسباب المعينة على تحصيل حلاوة الإيمان ولذة العبادة والطاعة والإحسان : 1- مجاهدة النفس: وذلك بتعويدها ومجاهدتها على الطاعة والعبادة , قال تعالى: \" وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمعَ الْمُحسِنِينَ\". العنكبوت:96. فالنفس نزاعة إلى الشهوات , تميل إلى الملذات , فيا سعده من جاهدها وزكاها , قال تعالى :\"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) سورة الشمس. عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ , عن النبي , صلى الله عليه وسلم , قال: الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ , وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعُ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى الله.أخرجه أحمد 4/124(17253) و\"ابن ماجة\" 4260 والتِّرْمِذِيّ\" 2459 عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ ؛ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللهِ الرَّازِيُّ : إِنْ سَرَّكَ أَنْ تَجِدَ حَلاوَةَ الْعِبَادَةِ وَتَبْلُغَ ذُرْوَةَ سَنَامِهَا ؛ فَاجْعَلْ بَيْنَكَ وَبْيَنَ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا حَائِطًا مِنْ حَدِيدٍ .ابن عبد البر المجالسة وجواهر العلم 3/533. يقول الشاعر: ففي قمع أهواء النفوس اعتزازها * * * وفي نيلها ما تشتهي ذلُّ سرمدِ فلا تشتغل إلا بما يكسب العلا * * * ولا ترضَ للنفس النفيسة بالرَّدِي والنفس كالطفل إن تهمله شب على * * * حب الرضاع وإن تفطمْه ينفطمِ فجاهد النفس والشيطان واعصهما * * * وإن هما محَّضاك النصح فاتهمِ وقال سالم الخواص : أوحى الله إلى داود : لا تقرب الشهوات ، فإني خلقتها لضعفاء خلقي ، فإن أنت قربتها ، أهون ما أصنع بك أسلبك حلاوة مناجاتي ، يا داود ، قل لبنى إسرائيل ، لا تقربوا الشهوات ، فالقلب المحجوب بالشهوات حجبت صوته عنى .شرح صحيح البخاري لابن بطال 10/210. قال ابن القيم: \"السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف ومشقة العمل لعدم أنس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق فصارت قرة عين له وقوة ولذة\". فكم من شهوة ساعة أورثت ذلا طويلا، وكم من ذنب حرم قيام الليل سنين، وكم من نظرة حرمت صاحبها نور البصيرة، قيل لبعض السلف: ( أيجد لذة الطاعة من عصى؟ ) قال: ( ولا مَنْ هَمَّ ). فأعظم عقوبات المعاصي حرمان لذة الطاعات وإن غفل عنها المرء لقلة بصيرته وضعف إيمانه أو لفساد قلبه , قال ابن الجوزي : \"قال بعض أحبار بني إسرائيل : يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ فقيل له : كم أعاقبك وأنت لا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟. قال الشاعر : تعصي الإله وأنت تظهر حبه * * * هذا محال في القياس بديـع لو كان حبك صادقا لأطعتـه * * * إن المحب لمن يحب مطيـع في كل يوم يبتديك بنعمــة * * * منه وأنت لشكر ذلك مضيع قال أبو سليمان الدارني يقول ليس العجب ممن لم يجد لذة الطاعة إنما العجب ممن وجد لذتها ثم تركها كيف صبر عنها . حلية الأولياء 9/262. قال الشاعر : رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب * * * وقد يُورِثُ الذُلُّ إدمانُها وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوب * * * وخيرٌ لنفسكَ عِصيانُها وقال رجل للحسن البصري رحمه الله : يا أبا سعيد : إني أبيت معافى وأحب قيام الليل ، وأعد طهوري فما بالي لا أقوم ؟!! فقال الحسن : ذنوبك قيدتك !!. وقال رجل للحسن البصري : أعياني قيام الليل ؟!! فقال : قيدتك خطاياك . وقال أبو الدرداء : إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى ، فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر. وقد لخص الإمام \"ابن القيم\" في كتاب الفوائد آثار المعاصي تلخيصاً جميلاً ، حيث قال ـ معدداً آثار المعاصي : ( قلة التوفيق ، وفساد الرأي ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، وإضاعة الوقت ، ونَفْرة الخَلق ، والوحشة بين العبد وربه ، ومنع إجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق البركة في الرزق والعمر ، وحرمان العلم ، ولباس الذل ، وإهانة العدو ، وضيق الصدر والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ، ويضيعون الوقت ، وطول الهم والغم ، وضنك المعيشة ، وكسف البال .. تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله ، كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار .وأضداد هذه تتولد عن الطاعة )([ كتاب الفوائد لابن القيم : ص 43]) . يقول محمود الوراق: هاكّ الدَّليل لمن أراد * * * غنىً يدوم بغير مال وأراد عزَّاً لم توطِّـ* * * ـده العشائر بالقتال ومهابةً من غير سلـ * * * ـانٍ وجاهاً في الرِّجال فليعتصم بدخوله في * * * عزِّ طاعة ذي الجلال وخروجه من ذلة الـ * * * ـعاصي له في كلِّ حال وقال ثابت البناني: كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة. وقال بعضهم: سقت نفسي إلى الله وهي تبكي، فمازلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك. جاء في الإسرائيليات : أنّ رجلاً تزوّج امرأة من بلدة ، وكان بينهما مسيرة شهر ، فأرسل إلى غلام له من تلك البلدة ليحملها إليه فسار بها يوماً ، فلما جنّه الليل أتاه الشيطان فقال له : إنّ بينك وبين زوجها مسيرة شهر فلو تمتعت بها ليالي هذا الشهر إلى أن تصل إلى زوجها ، فإنها لا تكره ذلك وتثني عليك عند سيدك فتكون أحظى لك عنده ، فقام الغلام يصلي فقال : يا رب ، إنّ عدوك هذا جاءني فسوّل لي معصيتك ، وإنه لا طاقة لي به في مدة شهر وأنا أستعيذك عليه يا رب فأعذني عليه ، واكفني مؤونته ، فلم تزل نفسه تراوده ليلته أجمع وهو يجاهدها حتى أسحر فشّد على دابة المرأة وحملها وسار بها ، قال : فرحمه اللّه تعالى ، فطوى له مسيرة شهر فما برق الفجر حتى أشرف على مدينة مولاه ، قال : وشكر اللّه تعالى له هربه إليه من معصيته فنبأه ، فكان نبيّاً من أنبياء بني إسرائيل . قوت القلوب 2/335. فإذا أردت تحصيل حلاوة الإيمان فعليك بمجاهدة نفسك ضد وساوسها ووساوس الشيطان . 2- الصلاة والإكثار من النوافل : قال تعالى : \" وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115) سورة هود . فالصلاة مصدر للسعادة والسكينة ومعاينة حلاوة الإيمان ولذة الطاعة ,فإن فيها صلة وقربا من الله تعالى وفيها من الفوائد الدنيوية والأخروية ما لا يعد ولا يحصى , فالصلاة باب لتيسير الامور وتفريج الكروب ودفع البلاء , وفيها تكفير الخطايا والذنوب، قال تعالى: وَأَقِمِ الصلاةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيّئَاتِ ذالِكَ ذِكْرَى لِلذكِرِينَ [هود: 114]، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله يقول: أرأيتُم لو أنّ نهرًا بباب أحدِكم يغتسِل منه كلَّ يومٍ خمسَ مرّات، هل يبقى من درنِه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنِه شيء، قال: فذلك مثَل الصلوات الخمس، يمحو الله بهنّ الخطايا. والصلاةُ بابٌ للرزق، قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132]. والصلاةَ أوّل شروط النصرِ والتمكين، قال تعالى: \" الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ في الأرْضِ أَقَامُواْ الصلاةَ وَاتَوُاْ الزكاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ\" [الحج:41]. وإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فتطهِّر القلوبَ من درن الذنوب والمعاصي، \" إِنَّ الصلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ \" [العنكبوت:45]. والصلاة هي المفزَع عند الجزَع، وإليها الهرَب عند الهلَع واللجوء عند الخوف قال تعالى\" ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ\" [البقرة:153]؛ لذا كانت قرَّة عين النبيِّ ، فإذا حَزَبه أمرٌ أو نزل به كرب فزع إلى الصّلاة. والصلاة راحة النفس وطمأنينة القلب ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: \"وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلاة\". البخاري رقم 1969 970، ومسلم برقم 1156. وكان يقول : \"يا بلال أرحنا بالصلاة\" . الترمذي برقم 745، والنسائي 4/202 وغيرهما. وعَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ ، سَمِعَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَقُولُ:قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى وَرِمَتْ قَدَمَاهُ ، قَالُوا : قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ : أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. أخرجه \"أحمد\" 4/251(18384) و\"البُخَارِي\" 2/63(1130) و\"مسلم\"8/141(7226). وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه ، قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً ، فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا ، حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ . قُلْنَا : وَمَاهَمَمْتَ ؟ قَالَ : هَمَمْتُ أَنْ أَقْعُدَ وَأَذَرَ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم.أخرجه أحمد 1/385(3646) و\"البُخَارِي\" 2/64(1135) و\"مسلم\" 2/186(1765). وعَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ:صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ. فَقُلْتُ : يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِئَةِ ، ثُمَّ مَضَى. فَقُلْتُ : يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ ، فَمَضَى. فَقُلْتُ : يَرْكَعُ بِهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً ، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً ، قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ ، فَقَالَ : سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى ، فَكانَ سُجُودُه قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. أخرجه أحمد 5/382(23629) و\"الدارِمِي\" 1306 و\"مسلم\" 2/186(1764). قال ابن رواحة : وفينـا رسول الله يتـلو كتابه * * * إذا انشق معروف من الفجر ساطع أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا * * * به موقنـات أن ما قـال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه * * * إذا استثقلت بالمشركين المضاجع لذا نجده صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وربما صلى ثلاث عشرة ركعة، وكان يصلي الرواتب اثنتي عشرة ركعة , وربما صلاها عشر ركعات. راجع : البخاري برقم 1147، 1172ومسلم برقم 729 , 737 . وكان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله . مسلم برقم 719. وكان يطيل صلاة الليل فربما صلى ما يقرب من خمسة أجزاء في الركعة الواحدة. مسلم برقم 772. فكان ورده من الصلاة كل يوم وليلة أكثر من أربعين ركعة منها الفرائض سبع عشر ركعة. كتاب الصلاة لابن القيم ص 140. كما كان صلى الله عليه وسلم يكثر من النوافل الأخرى كالصوم والصدقة , فكان يصوم غير رمضان ثلاثة أيام من كل شهر. مسلم برقم 1160. ويتحرَّى صيام الاثنين والخميس ، وكان يصوم شعبان إلا قليلاً، بل كان يصومه كله ، ورغَّب في صيام ست من شوال، وكان صلّى الله عليه وسلّم يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم . البخاري برقم 1971، ومسلم 1156. وكان يواصل الصيام اليومين والثلاثة وينهى عن الوصال، وبيَّن أنه صلّى الله عليه وسلّم ليس كأمته؛ فإنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه مسلم برقم 1160. وكان يكثر الصدقة، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة حينما يلقاه جبريل عليه الصلاة والسلام . مسلم برقم 1164. فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة؛ ولهذا أعطى رجلاً غنماً بين جبلين فرجع الرجل إلى قومه وقال: يا قومي أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة .البخاري برقم 1971، ومسلم 1156. وعلى هذا سار السلف الصالح رضوان الله عليهم فضربوا أروع الأمثلة في تحقيق حلاوة الإيمان سلوكاً ومعايشة وتطبيقا , ولعلنا سمعنا قصة عروة بن الزبير رضي الله عنه الذي أصيب ساقه بالسرطان، فقال الأطباء له: لا علاج لها إلا قطعُها، فماذا يفعل؟ إنه أمام القضاء والقضاء، قضاء الله، ولا حيلة إلا الصبر، وأراد الأطباء أن يعطوه شيئاً يخدرونه حتى لا يشعر بألم القطع، فقال عروة: والله لا أتعاطى شيئاً يغيب عقلي عن ذكر الله تبارك وتعالى. ثم قال لهم: إذا دخلت في الصلاة وجلست لقراءة التشهد فاقطعوا ساقي فإني عندما أكون بين يدي الله، لا يكون في قلبي إلا الله تبارك وتعالى. ودخل عروة الصلاة، وكانت صلاته من نماذج فريدة.راجع القصة بتمامها في : ( مختصر تاريخ دمشق 5/275). وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه إذا هدأت العيون وأرخى الليل سدوله، سمع له دويّ كدوي النحل وهو قائم يصلي. وهذا عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من شدة الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع حائط. وعن جعفر بن زيد رحمه الله قال : خرجنا غزاة إلى [ كأبول ] وفي الجيش [ صلة بن أيشم العدوي ] رحمه ، قال : فترك الناس بعد العتمة ( أي بعد العشاء ) ثم اضطجع فالتمس غفلة الناس ، حتى إذا نام الجيش كله وثب صلة فدخل غيضة وهي الشجر الكثيف الملتف على بعضه ، فدخلت في أثره ، فتوضأ ثم قام يصلي فافتتح الصلاة ، وبينما هو يصلي إذا جاء أسد عظيم فدنا منه وهو يصلي !! ففزعت من زئير الأسد فصعدت إلى شجرة قريبة ، أما صلة فوالله ما التفت إلى الأسد !! ولا خاف من زئيره ولا بالى به !! ثم سجد صلة فاقترب الأسد منه فقلت : الآن يفترسه !! فأخذ الأسد يدور حوله ولم يصبه بأي سوء ، ثم لما فرغ صلة من صلاته وسلم ، التفت إلى الأسد وقال : أيها السبع اطلب رزقك في مكان آخر !! فولى الأسد وله زئير تتصدع منه الجبال !! فما زال صلة يصلي حتى إذا قرب الفجر !! جلس فحمد محامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله ، ثم قال : الله إني أسألك أن تجيرني من النار ، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة !!! ثم رجع رحمه الله إلى فراشه ( أي ليوهم الجيش أنه ظل طوال الليل نائماً ) فأصبح وكأنه بات على الحشايا ( وهي الفرش الوثيرة الناعمة والمراد هنا أنه كان في غاية النشاط والحيوية ) ورجعت إلى فراشي فأصبحت وبي من الكسل والخمول شيء الله به عليم . وكان العبد الصالح عمرو بن عتبة بن فرقد رحمه الله يخرج للغزو في سبيل الله ، فإذا جاء الليل صف قدميه يناجي ربه ويبكي بين يديه ، كان أهل الجيش الذين خرج معهم عمرو لا يكلفون أحداً من الجيش بالحراسة ؛ لأن عمرو قد كفاهم ذلك بصلاته طوال الليل ، وذات ليلة وبينما عمرو بن عتبة رحمه الله يصلي من الليل والجيش نائم ، إذ سمعوا زئير أسد مفزع ،فهربوا وبقي عمرو في مكانه يصلي وما قطع صلاته !! ولا التفت فيها !! فلما انصرف الأسد ذاهبا عنهم رجعوا لعمرو فقالوا له : أما خفت الأسد وأنت تصلي ؟!! فقال : إن لأستحي من الله أن أخاف شيئاً سواه !!. وزار يوما محمد بن جحادة فأتاه في المسجد فوجده يصلي فقام قيس في الجانب الآخر يصلي دون أن يشعر به ابن جحادة .. فما زالا يصليان حتى طلع الفجر. ودخلت إحدى النساء على زوجة الإمام الأوزاعي رحمه الله فرأت تلك المرأه بللاً في موضع سجود الأوزاعي ، فقالت لزوجة الأوزاعي : ثكلتك أمك !! أراك غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ ( أي مكان صلاته بالليل ) فقالت لها زوجة الأوزاعي : ويحك هذا يُصبح كل ليلة !! من أثر دموع الشيخ في سجوده . وكان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل فإذا أصابه فتور أو كسل قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه ، والله لأزاحمنهم عليه ، حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالا !! ثم يصلي إلى الفجر . وكان عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول : ما ألينك ولكن!!! فراش الجنة ألين منك ثم يقوم إلى صلاته . وقال بعض السلف: إني لأفرح بالليل حين يقبل لما يلتذ به عيشي، وتقر به عيني من مناجاة من أحب، وخلوتي بخدمته، والتذلل بين يديه، وأغتم للفجر إذا طلع لما اشتغل به. وكان ثابت البناني يقول: \" اللهم إن كنت أعطيت أحدًا الصلاة في قبره فأعطني الصلاة في قبري\". وقال سفيان الثوري: إني لأفرح بالليل إذا جاء، وإذا جاء النهار حزنت. راجع : علي نايف الشحود : موسوعة الخطب والدروس 24/243. قال الشاعر : غَلَبَ الشوقُ رَهْبَتي ، وصِرَاعٌ * * * في فُؤادِي يَغيبُ ثُمَّ يَعُودُ كُلَّما لَجَّ في فُؤادِيَ شَوْقٌ * * * دَفَعَ الشَّوْقُ رَهْبَتي فَتَزيدُ وإذا بالخُشُوعِ يَرْفَعُ أَشْوَا * * * قي فَتَصْفُو وتَرْتَقي فَتَجُودُ 3- تلاوة القرآن وتدبره : قال تعالى : \" وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (82) سورة الإسراء . في تلاوة القرآن الكريم وفي تدبره سعادة لا تعدلها سعادة وأنساً لا يحس به إلا من ذاقه , والمؤمن لو صح إيمانه وصلح قلبه ما شبع من كلام ربه سبحانه , قال بعضهم لعثمان بن عفان رضي الله عنه : نقرأ القران ولا نجد له طعما. قال: والله لو سلمت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم . قال الله عز وجل: \" إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) سورة فاطر. فالقرآن الكريم لمن يحسن التعامل معه يجد فيه حلاوة الإيمان , عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ ، رِيحُهَا طَيِّبٌ ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، كَمَثَلِ التَّمْرَةِ ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ ، وَلاَ رِيحَ لَهَا ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ ، رِيحُهَا طَيِّبٌ ، وَطَعْمُهَا مُرٌّ ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ ، طَعْمُهَا مُرٌّ ، وَلاَ رِيحَ لَهَا ، وَمَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ ، إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ ، أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ ، وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ ، إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ ، أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ.أخرجه أبو داود (4829) و\"النَّسائي\" في \"الكبرى\" 6700. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة! وغشيتهم الرحمة! وحفتهم الملائكة! وذكرهم الله فيمن عنده!!» رواه مسلم. قال الشاعر : قـرآننا مشـعل يهـدي إلى سبل * * * مـن حاد عن نهجها لا شكّ خسران قـد ارتـضيـناه حكمـاً لا نبـدّله* * * مـا دام ينـبض فينـا منه شـريانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ ، عَنْ جَدِّهِ عَبَّادِ بْنِ حَمْزَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى أَسْمَاءَ وَهِيَ تَقْرَأُ : {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} قَالَ : فَوَقَفَتْ عَلَيْهَا ، فَجَعَلَتْ تَسْتَعِيذُ وَتَدْعُو . قَالَ عَبَّادُ : فَذَهَبْتُ إِلَى السُّوقِ ، فَقَضَيْتُ حَاجَتِي ، ثُمَّ رَجَعْتُ ، وَهِيَ فِيهَا بَعْدُ تَسْتَعِيذُ وَتَدْعُو. مصنف ابن أبي شيبة 2/221. وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ:خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ ، مِنْ نَخْلٍ ، فَأَصَابَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَافِلاً ، أَتَى زَوْجُهَا ، وَكَانَ غَائِبًا ، فَلَمَّا أُخْبِرَ الْخَبَرَ ، حَلَفَ لاَ يَنْتَهِي حَتَّى يُهْرِيقَ فِي أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ دَمًا ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلاً ، فَقَالَ : مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ ؟ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَقَالاَ : نَحْنُ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : فَكُونَا بِفَمِ الشِّعْبِ ، قَالَ : وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ قَدْ نَزَلُوا إِلَى الشِّعْبِ مِنَ الْوَادِي ، فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ الرَّجُلاَنِ إِلَى فَمِ الشِّعْبِ ، قَالَ الأَنْصَارِيُّ لِلْمُهَاجِرِيِّ : أَيُّ اللَّيْلِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَنْ أَكْفِيَكَهُ ، أَوَّلَهُ ، أَوْ آخِرَهُ ؟ قَالَ : بَلِ اكْفِنِي أَوَّلَهُ ، قَالَ : فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيُّ فَنَامَ ، وَقَامَ الأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي ، قَالَ : وَأَتَى زَوْجُ الْمَرْأَةِ ، فَلَمَّا رَأَى شَخْصَ الرَّجُلِ عَرَفَ أَنَّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ ، قَالَ : فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ ، قَالَ : فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبُتَ قَائِمًا يُصَلِّي ، ثُمَّ رَمَاهُ بِسَهْمٍ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ ، قَالَ : فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبُتَ قَائِمًا يُصَلِّي ، ثُمَّ عَادَ لَهُ الثَّالِثَةَ فَوَضَعَهُ فِيهِ ، فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ، ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ ، ثُمَّ أَهَبَّ صَاحِبَهُ، فَقَالَ : اجْلِسْ فَقَدْ أُثْبِتُّ ، فَوَثَبَ ، فَلَمَّا رَآهُمَا الرَّجُلُ عَرَفَ أَنَّهُ قَدْ نُذِرَ بِهِ ، فَهَرَبَ، فَلَمَّا رَأَى الْمُهَاجِرِيُّ مَا بِالأْنْصَارِيِّ مِنَ الدِّمَاءِ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللهِ ، أَفَلاَ أَهْبَبْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَاكَ ؟ قَالَ : كُنْتُ فِي سُورَةٍ أَقْرَأُهَا ، فَلَمْ أُحِبَّ أَنْ أَقْطَعَهَا حَتَّى أُنْفِذَهَا ، فَلَمَّا تَابَعَ عَلَيَّ الرَّمْيَ رَكَعْتُ فَآذَنْتُكَ ، وَايْمُ اللهِ ، لَوْلاَ أَنْ أُضَيِّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِهِ ، لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا ، أَوْ أُنْفِذَهَا. أخرجه أحمد 3/343(14760) و\"أبو داود\" 198 و\"ابن خزيمة\" 36 . وكما أن المؤمن يحس بحلاوة التلاوة فإنه يجب عليه أن يستشعر حلاوة التطبيق فالأمر ليس بالكم إنما يكون بالكيف , عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ الأَنْصَارِيِّ , عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِى سَلِمَةَ , يُقَالُ لَهُ : سُلَيْمٌ ؛ ( أَتَى رَسُولَ الله , صلى الله عليه وسلم , فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله , إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا بَعْدَ مَا نَنَامُ , وَنَكُونُ في أَعْمَالِنَا بِالنَّهَارِ , فَيُنَادِي بِالصَّلاَةِ , فَنَخْرُجُ إِلَيْهِ , فَيُطَوِّلُ عَلَيْنَا. فَقَالَ رَسُولُ الله , صلى الله عليه وسلم: يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ , لاَ تَكُنْ فَتَّانًا , إِمَّا أَنْ تُصَلِّىَ مَعِي , وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ. ثُمَّ قَالَ : يَا سُلَيْمُ , مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ : إِنِّى أَسْأَلُ الله الْجَنَّةَ , وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ , وَالله مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ , وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ رَسُولُ الله , صلى الله عليه وسلم: وَهَلْ تَصِيرُ دَنْدَنَتِى وَدَنْدَنَةُ مُعَاذٍ إِلاَّ أَنْ نَسْأَلَ الله الْجَنَّةَ , وَنَعُوذَ بِهِ مِنَ النَّارِ؟!.ثُمَّ قَالَ سُلَيْمٌ : سَتَرَوْنَ غَدًا إِذَا الْتَقَى الْقَوْمُ إِنْ شَاءَ الله. قَالَ : وَالنَّاسُ يَتَجَهَّزُونَ إِلَى أُحُدٍ , فَخَرَجَ وَكَانَ في الشُّهَدَاءِ , رَحْمَةُ الله وَرِضْوَانُهُ عَلَيْهِ. أخرجه أحمد 5/74(20975). 4- الذكر والدعاء: في الذكر والدعاء سعادة وهناء ’ وفي تركهما بؤس وشقاء , قال تعالى : \" وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) سورة طه . وقال : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد. والمؤمن يعرف أن من خير الأعمال عند الله وأزكاها وأعلاها ذكر الله تعالى , عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ ، وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ ، وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : ذِكْرُ اللهِ.وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : مَا عَمِلَ امْرُؤٌ بِعَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مِنْ ذِكْرِ اللهِ . أخرجه أحمد 5/195(22045) و\"ابن ماجة\" 3790 و\"التِّرمِذي\"3377 . وعَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَرْوِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ « يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى فَإِنِّى سَأَغْفِرُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَوْ لَقِيتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا لَلَقِيتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً وَلَو عَمِلْتَ مِنَ الْخَطَايَا حَتَّى تَبْلُغَ عَنَانَ السَّمَاءِ مَا لَمْ تُشْرِكْ بِى شَيْئاً ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى لَغَفَرْتُ لَكَ ثُمَّ لاَ أُبَالِى » صحيح مسلم(6737 ) مطولا. قيل لبعض الصالحين لما أكثر الخلوة: ألا تستوحش؟ قال: وهل يستوحش مع الله أحد؟!!. وقال آخر: كيف أستوحش وهو يقول: وأنا معه إذا ذكرني؟!. فالذي يذكر ربه صاحب قلب حي يحس طعم الإيمان وحلاوته , عَنْ أَبِي مُوسَى ، قال : قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ ، وَالَّذِي لاَ يَذْكُرُ رَبَّهُ ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ. رواية مسلم : مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ الله فِيهِ ، وَالْبَيْتِ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ الله فيه ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ. أخرجه البخاري 8/107 ومسلم 2/188 . أروي َنَّ رَجُلًا قَالَ لِلْحَسَنِ: \" يَا أَبَا سَعِيدٍ، أَشْكُو إِلَيْكَ قَسَاوَةَ قَلْبِي قَالَ: أَدِّبْهُ مِنَ الذِّكْرِ \" وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ وَقَالَ: أَدِّبْهُ بِالذِّكْرِ . شعب الإيمان 2/180. قال ابن القيم رحمه الله :\" إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فأفرح أنت بالله، وإذا أنسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله، وإذا تعرفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة فتعرف أنت إلى الله وتودد إليه تنل بذلك غاية العز والرفعة، قال بعض الزهاد ما علمت أحداً سمع بالجنة والنار تأتي عليه ساعة لا يطيع الله فيها بذكر أو صلاة أو قراءة أو إحسان فقال له رجل إني أكثر البكاء فقال إنك وإن تضحك وأنت مقر بخطيئتك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك وأن المدل لا يصعد عمله فوق رأسه فقال أوصني فقال: دع الدنيا لأهلها كما تركوا هم الآخرة لأهلها ، وكن في الدنيا كالنحلة إن أكلت أكلت طيبا وإن أطعمت أطعمت طيبا وإن سقطت على شيء لم تكسره ولم تخدشه \". الفوائد 125. قال الشاعر: إليك وإلا لآ تشد الركائب * * * ومنك وإلا فالمؤمل خائب وفيك وإلا فالكلام مضيع * * * وعنك وإلا فالمحدث كاذب يقول الشاعر : فليتك تحلو والحياة مريــــــرة * * * وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر * * * وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين * * * وكل الذي فوق التراب تراب 5- صحبة أهل الطاعة والإيمان : فصحبة أهل الطاعة والإيمان أهل الصلاح والفلاح والنجاح تقتضي : الاقتداء بهم، والتأسي بحالهم، والانتفاع بكلامهم، والنظر إليهم , وفي ذلك كله حلاوة يجد المسلم أثرها في قلبه وفي سلوكه . قال تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم : \" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28) سورة الكهف . وقال : \" الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) سورة الزخرف. قال أمير المؤمنين عمر بين الخطاب رضي الله عنه لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لقيت الله : لولا أن أسير في سبيل الله عز وجل . ولولا أن أضع جبهتي لله أو أجالس أقواماً ينتقون أطايب الحديث كما ينتقون أطايب الثمر. وعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه أنه قال لولا ثلاث خلال لأحببت أن لا أبقى في الدنيا فقالت وما هن فقال لولا وضوع وجهي للسجود لخالقي في اختلاف الليل والنهار يكون تقدمه لحياتي وظمأ الهواجر ومقاعدة أقوام ينتقون الكلام كما تنتقى الفاكهة وتمام التقوى أن يتقى الله عز و جل العبد حتى يتقيه في مثل مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حاجزا بينه وبين الحرام إن الله تعالى قد بين لعباده الذي هو يصيرهم إليه قال تعالى من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فلا تحقرن شيئا من الشر أن تتقيه ولا شيئا من الخير أن تفعله .حلية الأولياء 1/212. قال الشاعر : إذا كنت في قومٍ فاصحب خيارهم * * * ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي عن المرء لا تسل وسل عن قرينه* * * فكل قرينٍ بالمقارن يقتدي لا تصحب الكسلان في حاجاته * * * كم صالحٍ بفساد آخر يفسد عدوي البليد إلى الجليد سريعةٌ * * * والجمر يوضع في الرماد فيخمد وكان ابن المبارك يقول: \"كنت إذا نظرت إلى وجه الفضيل بن عياض احتقرت نفسي\". وقد قالوا قديما من لم ينفعك لحظه لم ينفعك لفظه. قال شقيق البلخي: قيل لابن المبارك: إذا أنت صليت لم لا تجلس معنا، قال: أجلس مع الصحابة والتابعين وأنظر في كتبهم وآثارهم فما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون الناس. قال العابد أحمد بن حرب : عبدت الله خمسين سنة فما وجدت حلاوة العبادة حتى تركت ثلاثة أشياء :تركت رضي الناس حتى قـدرت أن أتكلم بالحق . وتركت صحبة الفاسقين حتى وجدت صحبة الصالحين وتركت حلاوة الدنيا حتى وجدت حلاوة الآخرة .( السير : 11 / 34 ). فمصاحبة من يحسون بحلاوة الإيمان تعديك وتنقل إليك تلك الحلاوة فتشاركهم أنسها وطعمها ولذتها . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:إن ِللهِ ، عَزَّ وَجَلَّ ، مَلاَئِكَةً سَيَّارَةً فُضُلاً يَبْتَغُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ ، فَحَضَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِأَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يَمْلَئُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سَمَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا تَفَرَّقُوا عَرَجُوا ، أَوْ صَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ ، قَالَ : فَيَسْأَلُهُمُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : جِئْنَاكَ مِنْ عِنْدِ عِبَادٍ لَكَ فِي الأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ ، قَالَ : وَمَاذَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالُوا : يَسْأَلُونَكَ جَنَّتَكَ ، قَالَ : وَهَل رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قَالُوا : لاَ ، أَيْ رَبِّ ، قَالَ : فَكَيْفَ لَوْ قَدْ رَأَوْا جَنَّتِي ؟ قَالُوا : وَيَسْتَجِيرُونَكَ ، قَالَ : وَمِمَّ يَسْتَجِيرُونِي ؟ قَالُوا : مِنْ نَارِكَ يَا رَبِّ ، قَالَ : وَهَلْ رَأَوْا نَارِي ؟ قَالُوا : لاَ ، قَالَ : وَيَسْتَغْفِرُونَكَ ؟ قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ وَأَعْطَيْتُهُمْ مَا سَأَلُوا وَأَجَرْتُهُمْ مِمَّا اسْتَجَارُوا ، قَالَ : فَيَقُولُونَ : رَبِّ فِيهِم فُلاَنٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ ، إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ ، قَالَ : فَيَقُولُ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، هُمُ الْقَوْمُ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ. أخرجه البخاري (6408) ، ومسلم (8/68) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ؛أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ , صلى الله عليه وسلم , سَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ : لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ , صلى الله عليه وسلم , مَنْ شُبْرُمَةُ ؟ قَالَ : قَرِيبٌ لِى. قَالَ : هَلْ حَجَجْتَ قَطُّ ؟ قَالَ : لاَ. قَالَ : فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ , ثُمَّ جُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ. اللفظ المثبت لابن ماجة , وفي رواية أبي داود , وابن خزيمة :قال : أخ لي , أو قريب لي. , وفي رواية أبي يعلى :قال : أخ لي , أو نسيت. أخرجه أبو داود (1811) و\"ابن ماجة\" 2903 و\"ابن خزيمة\" 3039,صحيح ، الإرواء ( 994 ) ، المشكاة ( 2529 ) ، الروض النضير ( 418 ) ، صحيح أبي داود ( 1589 ) عن عطاء بن أبي رباح عن أبي مسلم الخولاني قال أتيت مسجد أهل دمشق فإذا حلقة فيها كهول من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم وإذا شاب فيهم أكحل العين براق الثنايا كلما اختلفوا في شيء ردوه إلى الفتى فتى شاب قال قلت لجليس لي من هذا قال هذا معاذ بن جبل قال فجئت من العشي فلم يحضروا قال فغدوت من الغد قال فلم يجيئوا فرحت فإذا أنا بالشاب يصلي إلى سارية فركعت ثم تحولت إليه قال فسلم فدنوت منه فقلت إني لأحبك في الله قال فمدني إليه قال كيف قلت قلت إني لأحبك في الله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يحكى عن ربه يقول : المتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله قال فخرجت حتى لقيت عبادة بن الصامت فذكرت له حديث معاذ بن جبل فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يحكى عن ربه عز و جل يقول حقت محبتي للمتحابين في وحقت محبتي للمتباذلين في وحقت محبتي للمتزاورين في والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لأظل الا ظله .المسند 5/236, تعليق شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير حبيب بن أبي مرزوق فقد روى له الترمذي والنسائي وهو ثقة . وروى أن عمر رضي الله عنه صر أربعمائة دينار وقال للغلام اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تربص عنده في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع بها فذهب بها الغلام إليه وقال له يقول لك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب اجعل هذه في بعض حوائجك قال وصله الله ورحمه ثم دعا بجاريته وقال لها اذهبي بهذه السبعة إلى فلان وبهذه الخمسة إلى فلان حتى أنفدها فرجع الغلام إلى عمر وأخبره فوجده قد عد مثلها لمعاذ بن جبل فقال له انطلق بها إلى معاذ بن جبل وانظر ما يكون من أمره فمضي إليه وقال له كما قال لأبي عبيدة بن الجراح ففعل معاذ كما فعل أبو عبيدة فرجع الغلام فأخبره عمر فقال أنهم إخوة بعضهم من بعض .رواه الطبراني , صحيح الترغيب والترهيب 1/225. قال مخول جاءني بهيم يوما فقال لي : تعلم لي رجلا من جيرانك أو إخوانك يريد الحج ترضاه يرافقني ! قلت : نعم ،فذهبت إلى رجل من الحي له صلاح ودين ، فجمعت بينهما ، وتواطآ على المرافقة ، ثم انطلق بهيم إلى أهله فلما كان بعد أتاني الرجل فقال : يا هذا ! أحب أن تزوي عني صاحبك وتطلب رفيقا غيري .فقلت : ويحك ، فلم ؟! فوالله ما أعلم في الكوفة نظيرا له في حسن الخلق والاحتمال ، ولقد ركبت معه البحر فلم أر إلا خيرا .قال : ويحك ! حدثت أنه طويل البكاء لا يكاد يفتر ، فهذا ينغص علينا العيش سفرنا كله .قال : ويحك ! حدثت أنه طويل البكاء أحيانا عند التذكرة ، يرق القلب فيبكي الرجل ، أوما تبكي أحيانا ؟ قال بلى ، ولكنه قد بلغني عنه أمر عظيم جدا من كثرة بكائه ، قال : قلت : اصحبه فلعلك أن تنتفع به.قال : أستخير الله فلما كان اليوم الذي أراد أن يخرج فيه ، جيء بالإبل وطيء لهما فجلس بهيم في ظل حائط ، فوضع يده تحت لحيته ، وجعلت دموعه تسيل على خديه ، ثم على لحيته ، ثم على صدره ، حتى والله رأيت دموعه على الأرض .قال : فقال لي صاحبي : يا مخول قد ابتدأ صاحبك ، ليس هذا لي برفيق ، قال : قلت : ارفق لعله ذكر عياله ومفارقته إياهم فرق .وسمعها بهيم فقال : والله يا أخي ما هو ذاك ، وما هو إلا أني ذكرت بها الرحلة إلى الآخرة ، قال : وعلا صوته بالنحيب . قال لي صاحبي : والله ما هي بأول عداواتك لي أو بغضك إياي ، أنا مالي ولبهيم ؟! إنما كان ينبغي أن ترافق بين بهيم وبين ذواّذ بن علبة ، وداود الطائي ، وسلام أبي الأحوص ، حتى يبكي بعضهم إلى بعض ، حتى يشتفوا أو يموتوا جميعا .قال : فلم أزل أرفق به وقلت : ويحك ! لعلها خير سفرة سافرتها .قال : وكان رجلا صالحا ، إلا أنه كان رجلا تاجرا موسرا ، مقبلا على شأنه ، لم يكن صاحب حزن ولا بكاء .قال : فقال لي : قد وقعت مرتي هذه ، ولعلها تكون خيرا .قال : فخرجنا جميعا ، حتى حجا ورجعا ، ما يرى كل واحد منهما أن له أخا غير صاحبه ، فلما جئت أسلم على جاري قال : جزاك الله يا أخي عني خيرا ، ما ظننت أن في هذا الخلق مثل أبي بكر ، كان والله يتفضل علي في النفقة ، وهو معدم وأنا موسر ، ويتفضل علي في الخدمة وأنا شاب قوي وهو شيخ ضعيف ، ويطبخ لي وأنا مفطر وهو صائم .قال : قلت : فكيف كان أمرك معه في الذي كنت تكرهه من طول بكائه ؟قال : ألفت والله ذلك البكاء ، وسر قلبي حتى كنت أساعده عليه ، حتى تأذى بنا أهل الرفقة .قال : ثم والله ألفوا ذلك ، فجعلوا إذا سمعونا نبكي بكوا ، وجعل بعضهم يقول لبعض ، ماالذي جعلهم أولى بالبكاء منا والمصير واحد ؟قال : فجعلوا والله يبكون ونبكي .قال : ثم خرجت من عنده ، فأتيت بهيما ، فسلمت عليه ، فقلت كيف رأيت صاحبك ؟ قال : كخير صاحب ، كثير الذكر ، طويل التلاوة للقرآن ، سريع الدمعة ، محتملا لهفوات الرفيق ، فجزاك الله خيرا . 6- الإحسان إلى الناس . من أَجَلِّ العبادات التي تُرْفَعُ بها الدرجات: المسابقة إلى فعل الخيرات.. وهي خصلة من طرق أبوابها، ولازم طريقها منحت له النجاة، وطيبت له الحياة، وفتحت له أبواب الجنة بعد الممات. قال تعالى: \" مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ \" (النحل:97) . وقال - صلى الله عليه وسلم - : \"ألا أنبئكم بخيركم؟ قالوا: نعم. قال: خياركم أطولكم أعمارًا، وأحسنكم أعمالاً\". [صحيح الترغيب: 3361] والإحسان إلى خلق وسيلة من وسائل السعادة وطريق إلى الشعور بحلاوة الإيمان , وذلك يحتاج إلى قلب نقي تقي طاهر ونفس لا تحمل للناس الا كل خير , عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو . قال:قِيلَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ ، صَدُوقِ اللِّسَانِ . قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ؟ قَالَ : هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ ، لاَ إِثْمَ فِيهِ ، وَلاَ بَغْيَ ، وَلاَ غِلَّ ، وَلاَ حَسَدَ. أخرجه ابن ماجة (4216) الألباني في \"السلسلة الصحيحة\" 2 / 669 . ولكم يحس المؤمن بطعم الإيمان حينما تمتد يده لمساعدة الناس , حينما تمتد يده لتأخذ بيد مصاب أو منكوب , حينما تمد يده لمسح دمعة حزين أو تمسح على رأس يتيم . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ اللهَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا ابْنَ آدَمَ ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ، يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ، يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي. أخرجه البخاري في \"الأدب المفرد\" 517 و\"مسلم\" 6648 و\"ابن حِبَّان\" 269 44 ( صحيح ) انظر حديث رقم : 1916 في صحيح الجامع . والإحسان إلى الناس يقتضي الصبر على أذاهم وتحمل سوء الخلق منهم . وشتم رجل ابن عباس ، فقال له: إنك لتشتمني وفيّ ثلاث خصال: إني لآتي على الآية في كتاب الله – فلوددت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم ، وإني لأسمع بالحاكم من حكام المسلمين يعدل في حكمه فأفرح به – ولعلي لا أقاضي إليه أبداً ، وإني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلداً من بلدان المسلمين فأفرح به ، ومالي به سائمة . يقول إيليا أبو ماضي: فاعمل لإسعاد السِّوى وهنائهم * * * إن شئت تسعد في الحياة وتنعما أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا * * * لولا الشعور الناس كانوا كالدمى وروي أن أبا حنيفة رضي الله عنه كان له على بعض المجوس مال فذهب إلى داره ليطالبه به,فلما وصل إلى باب داره وقع على نعله نجاسة,فنفض نعله فارتفعت النجاسة عن نعله.ووقعت على حائط المجوسي ,فتحير أبو حنيفة , وقال :إن تركتها كان ذلك سببا لقبح جدار هذا المجوسي ,وإن حككتها انحدر التراب من الحائط , فدق الباب فخرجت الجارية فقال لها:قولي لمولاك إن أبا حنيفة بالباب, فخرج إليه وظن انه يطالبه بالمال فاخذ يعتذر.فقال أبو حنيفة:هاهنا ما هو أولى , و ذكر قصة الجدار ,و كيف السبيل إلى تطهيره.فقال المجوسي فأنا ابدأ بتطهير نفسي فأسلم في الحال. أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم * * * فطالما استعبد الإنسان إحسان اللهم ثبتنا على دين الإسلام وأحسن ختامنا وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين,اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى , ونسألك ربي العفو والعافية في الدنيا والآخرة, اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. |
#2
| ||
| ||
شكرا لكي اختي على الموضوع الرائع
__________________ كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتا ن الى الرحمن ((سبحان اللة وبحمدة )) ((سبحان اللة العظيم)) |
#3
| ||
| ||
تقبلي مروري
__________________ كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتا ن الى الرحمن ((سبحان اللة وبحمدة )) ((سبحان اللة العظيم)) |
#4
| ||
| ||
إن شاء الله |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
صور حلاوة | إماراتية وأفتخر | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 6 | 07-30-2009 11:23 PM |
حلاوة الإ يمان | امل مجروح | خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية | 3 | 12-28-2008 08:49 PM |
كيف أجد حلاوة الصلاه ؟ | اجمل حورية | مواضيع عامة | 0 | 09-17-2008 04:04 AM |
حلاوة السميد | سنيورة أمواج | أطباق شهية | 6 | 06-24-2008 10:17 PM |
حلاوة الجبن يم يم يم................ | أشواق وحنين | أطباق شهية | 4 | 10-26-2007 10:27 AM |