عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > قصص قصيرة

قصص قصيرة قصص قصيرة,قصه واقعيه قصيره,قصص رومانسية قصيرة.

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12-23-2010, 11:48 PM
 
من شرفة بيتي





من شرفة بيتي











اخترت مساء اليوم الاستعاضة عن جلسة مقهى الحي بين الأصدقاء ، بالانزواء في أحد أركان شرفة بيتي .

قصد التفرغ لإتمام قراءة الكتاب الذي شرعت في تصفحه منذ مدة ، ولا زلت لم أتمكن من ختمه .

ركنت إلى مقعد بجوار مزهرية ضخمة ، تتوسطها شجرة جميلة ناشئة .

تحكي بخضرة أغصانها بهجة الحياة الناعمة السعيدة .

تقاوم بصمود وتحد كل ألوان تقلبات الطبيعة وتحاكيها .


تمثل أدق تفاصيل الحياة في أجل معانيها وأوضح صورها .

عدت إلى كتابي ، قلبته يمنة ويسرة ، أعدت قراءة عنوانه :

" رواية عائد إلى حيفا "

رفعت الكتاب وجذبت دفته الأولى .

رميته بسهامي فتجاوزته إلى ما تفضي إليه شرفة بيتي .

شوارع ممتدة بعيدة النهاية .

صفوف مصابيح الإنارة مصطفة على جنبات المسالك.

بنايات شاهقة مترامية هنا وهناك . تتخللها حدائق وملاعب ومنتزهات .


انشغلت عن هذا وذاك ، بتتبع حركة السير بملتقى الشارعين المتقاطعين عند ركن المجمع السكني الذي أنتمي إليه .

وكأني أشاهدها لأول مرة في حياتي .


حركة منضبطة بإشارات مصابيح كهربائية .

ملتزمة بالاستجابة لوصول التيار ونوع اللون الذي يصدره .

قوافل السيارات وأفواج الراجلين تتناوب الحق وتنصاع بتلقائية وطواعية .

ناذرا ما يحدث خلل أو تجاوز .

وكلما حل الخلل صاحبه الجزاء بوقوع كوارث لا تحتمل.

عجيب أمر هذا الاضباط .

مساطير اقتبسها الإنسان على منوال نواميس الكون وقوانينه .

كل فيه يسير بقدر ...

ومتى اختل توازن أو حدث تجاوز ، حل العطب والاضطراب .

كما في :

السقم بعد سلامة ..

والراحة بعد تعب ..

والكسب بعد عمل ..

والخوف بعد أمان ..

والفشل بعد استسلام وهوان ..

وهي سنن قائمة على مقياس :

لا إفراط ولا تفريط . وإلا كان الجزاء على قدر التجاوز.



أخذت نفسا عميقا وتذكرت كتابي .

وضعت عليه يدي هاما بتناوله . فدنت إحدى خمائل شجرة المزهرية ، مستجيبة لترانيم النسيم فلامست بلطف ظهر يدي .

سرت شرارة ملمسها عبر عروقي ، فنبهتني وصبت سيلا من الاستفهامات عبر شرايين مخيلتي .

فرددت مع نفسي :

يالجمال وفتنة هذه الشجرة !

هل تدري بهاء رونقها وقوة جاذبيتها ؟

وهل تعي قدر ما تضفي على المكان من جمال وجلال ؟

أم أنها تعيش كغيرها - فقط - لتستهلك و تفنى ؟

ركزت اهتمامي عليها .

أغصانها الفتية تطل من نوافذ بالجدع ، بترتيب فسيفسائي بديع ، خطته وقدرته يد أمهر الصناع وأحذقهم .

لكل غصن حيزه وزاده ، ينطلق من مصدره شرارة قاصدة عنان الفضاء .

الأغصان تجاري نسيم أيامها ورياحها صباح مساء .

تنعم بسكون لياليها متزودة بما أغدق عليها الفضاء من بخار وغبار وماء .

تستقي منها كل حين زادها ودواءها

تصبح مشرقة متلألئة ، وتمسي منكسة الهامة مطأطأة الرأس .



لعلها تعاني بدورها كما نعاني .

ولا تبث شجونها كما نبث ، ولا تتبرم كما نتبرم .



أراها واجمة مصغية متأملة .

فهل هي الآن منشغلة بحل ألغاز أفكاري قبل النطق بها ؟

وهل بإمكانها صياغة ردود مقنعة ملائمة أفهمها ؟



أيتها الفاتنة الصغيرة ..



إذا عجز لسانك ..

فأفصحي بحال مقامك.

وعبري عما تتقاذفه الأمواج في أعماقك .



بعد هدوء مطبق ، ووجوم متبادل بيننا ، اهتزت كل أطرافها ، وكأنها أصغت لهمسي وبعثت إشارة تعجم عودي وتوجه قوسي .




انطلقت أقص الشجون .

أعد المراثي .

أصنف الأحداث وفق ما خلفت من رزايا وآلام .



اقتربت الخميلة التي صافحت يدي ، وأخذت تربت على كتفي .

تواسيني وتردد :



لو كنت حكيما لنظرت إلى السقيم المحروم مما أنت به تتمتع .




وتذكرت الجائع وقت ازدحام مائدتك بما لذ وطاب .

ولأشفقت على البائس حين اقتنائك وارتدائك أزهى وأثمن الأثواب .

ولأحسست بلوعة أهل المفقود لما تستقبل عائدا من ذويك بعد طول غياب .


إنك - في نظري - ترفل في حلل نعيم العافية الحقة .

وتزهو بالأنس والرخاء والهناء المقيمة ، دون شعور منك ولا اكتراث ....




الشمس تميل نحو الغروب ، تستعد لإرسال مراجلها فوق مدرج قمة الجبل هناك .تطرزمرمرا بمرثية الأشجان ، وترسل أهازيج مرتلة عبر أوراق الشجيرة المنتصبة هنا بجواري .



أدرت وجهي نحو مخاطبتي وقلت :

أفحمتني وختمت على لساني ...



وأنت ...



قبل البوح بما أطلب ، قال لسان حالها :

حالي يكفيك عن التساؤل عني .

ألا ترى أني مجرد أثاث آني ، وفرجة عابرة ؟

أحس بكوني صغيرة ضئيلة في موقعي وفي أعين الناس .

أعيش فقدانا ماحقا وغربة قاتلة .

أشعر بالضيق والحسرة تخنقني .

تمنيت لو أني على ضفاف نهر متدفق .

أو على عتبة سفوح جبل شاهق .

أشكل مع غيري الأدغال الكثيفة ، والغابات الموحشة .

أنطلق من منبتي شهابا صاعدا أخترق كتل المزن ، وأسهم بدوري في خدمات تنقية الفضاء ، وتوفير النقي الصالح من الهواء ، وتشكيل وجه الطبيعة الخلابة الفيحاء ،


وأنهل وأرتوي ، وأنأى بنفسي عن بصمات الوهن ، ونظرات الاستخفاف ، وعبث الكبار والصغار ...



الشمس تستعد للرحيل .

تبعث خيوطا ذهبية مودعة قبل الانغماس في ظلمة الشفق .



أقفل النسيم .



هدأت الأغصان .



غارت المناجاة .



أسمع دبيب صوتها يبتعد ويأفل رويدا رويدا ،


ممتطيا أشعة النور التي انسحبت مع ترجل قرص الشمس ، وحبوه نحو مستقره.

بعدهنيهة ...

مات النهار .

أشاهد الجنازة ترتفع أمامي في افق البحر الغارب .

غادرت بدوري ،

تابطت - كعادتي - كتابي

وانصرفت عبر مسالك الزمان في هدوء ...








بقلمي



موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
انشودة ألا ودع فكم زرفة عيوني دموعا ليس يخفيها الوقارو حزينه جدا ومؤثره بتول الشرق خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية 0 10-09-2010 07:51 PM
سويدي يلقي ابنه من شرفة مطار في إسرائيل ويقفز وراءه script أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 20 07-22-2007 10:54 PM
بيبي ............mk mk1990 أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 10 06-20-2007 05:51 PM


الساعة الآن 06:39 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011