البارت الاخير
استفاقت من اغماءتها القصيرة على صوت طفلاها التوامان يبكيان .. ولم تستطع ان تميز سبب بكاءهما .. ترى جوعا؟ .. ام خوفا كالذى يمزقها ؟.. يكاد عقلها يطير فزعا .. ذهبت اليهما والدموع ملىء عينيها .. مالت نحوهما تمسح على راسيهما .. وكانما شعرا بلمستها المرتجفة فازدادا بكاء كما فعلت هى .. حملتهما وضمتهما اليها بشوق بالغ .. تمدهما بالامان الذى فقدته هى .. او تستمد منهما مما اودع الله بهما من روح ابيهما .. كم هى بحاجة اليه .. وكم تشتاقه وتتلهف لوجوده .. تنبهت لمرور وقت طويل لم يطعما شىء خلاله .. احضرت الرضعات واخذت تطعمهما .. تذكرت حبيبها بتلك اللحظة والذى طالما كان يعجب منها وهى تفعل ذلك .
نام طفلاها بهدوء .. تذكرت المرة الاولى التى وقع نظرها عليهما .. كانت سعيدة انهما يشبهان خالدها .. هكذا اصبح لديها نسختان عن خالد .. كثيرا ما كانت تردد هذا القول امام خالد .. وكان دوما يمازحها بقوله " لا حاجة لك بى اذا" وكانت تسارع بالقول انه حبها اليهما لانهما منه .. وان لا شىء يغنيها عنه .
يوم ولادتهما تعرضت لنزيف حاد .. واضطر الاطباء لاستئصال الرحم .. كانت لحظات قاسية عليهما .. خالد قلق عليها وهى تكاد تنفطر خوفا على طفليهما الاوحدين .. كانت جزعة فزعة تتزلزل بشدة خوفا وحبا وامومة جياشة اودعها رب العباد بقلبها .. بعد ان استفاقت وادركت الامر بكت بشدة .. احتضنها خالد بشدة .. سالته عن طفلاها .. لم يكونا بحال جيدة .. لم ترهما .. اخذت تبكى وتبكى الى ان رضخوا اخيرا وحملوها اليهما .. دعت ربها طويلا ان يسلمهما لاجلها ولاجل خالد .. لم يكن خالد متاثرا لشىء سواها .. اخبرها مرارا انها كل ما يرجو من دنياه .. كانت لا تهدا وتساله ماذا ان حدث مكروه لطفليها .. كان يشد على يديها ويجذبها اليه يعصرها حبا وحنانا وكانما يقول لها الا اكفيك؟ ..
انتبهت مرة اخرى الى طفلاها فابتسمت برضى ورجت ربها ان يتم نعمته عليها ويحفظ احباؤها اليها ..
رن جرس الباب .. انها جليسة الاطفال .. طلبت وجودها كى تتمكن من الذهاب لشراء بعض الحاجيات .. انه عيد زواجهما الثانى .. ستنسى اى شىء الا خالدها .. ارتدت ملابسها على عجله .. اعطت تعليماتها الى السيدة .. قبلت طفلاها ثم غادرت .
قبل عدة ساعات استيقظت لتجد وردة حمراء وكلمة حب قصيرة الى جانبها .. هذا هو خالدها .. دائما ما يشعل حبه بداخلها اكثر وباستمرار .
كانت قد قررت الا تتصل به قبل وصوله للمنزل .. حتى تشتاقه اكثر .. وان كانت تشتاقه وهو الى جوارها .. احضرت كل شىء .. الزهور .. الطعام .. كعكة للاحتفال .. كل شىء.
وفى المساء كانت بانتظاره .. ترتدى ثوبها الوردى الجديد .. امضت فى اختياره ساعات .. كانت وحدها .. ارادت ان يكون كل شىء بذلك اليوم مميز ومبنى على ذوقها وحدها .. اطفات الانوار .. اشعلت الشموع .. ووضعت الزهور باركان المنزل .. "زياد" و"اياد" طفلاهما نائمان .. اسطوانة هادئه تعمل .. لطالما رقصا سويا على تلك الالحان .. الحان الحب العذب بينهما .. اخبرها انه سيصل بوقت متاخر تلك الليلة .. مر الوقت بطيئا بانتظاره .. لا بد انها لا تطيق الوقت رغبة برؤياه .. تاخر عن موعده قليلا .. ساعة مرت ثم .. رن الجرس اخيرا .. فتحت الباب .. ها هو امامها .. يحمل اليها زهورها المفضلة .. قدمها اليها فاخذتها برضى ..راته شاحبا بعض الشىء لكن لا بد وانها الاضاءة الخافتة .
ابتسمت بتالق .. كانت بقمة اناقتها وجمالها .. شعرها مرفوع للاعلى بشكل جميل ..
ولم يكن اقل منها اناقة .. على العكس .. كان يبدو اجمل من اى وقت مضى .. ارق من كل يوم .. واعذب من اى يوم .. مدت يدها اليه .. اجتذبها لافا خصرها بذراعه.. وارخى راسه على كتفها .. دخلا سويا اغلقت الباب بهدوء .. جلس قليلا على المائدة التى اعدتها لاجلهما .. كان نظره مركزا عليها بشكل غريب .. وكانما يخشى ان تغيب عن ناظريه .. اخرج شيئا من جيب بنطاله بهدوء شديد .. قلادة ذهبية فتحتها لتجد بها صورة لها ولخالد ولطفليهما .. اعجبتها بشدة .. قام اليها والبسها اياها .. وكانها بعالم اخر .. انها الجنة حتما.
كان يرتدى قميصا بيضاء وبنطالا اسودا .. كان يعرف انها تحبه هكذا اكثر من البذلة الرسمية .. قربت منها هديه مغلفة واعطته اياها .. ضغط على يدها ثم رفعها الى شفتيه وقبلها .. واجابها بصوت خفيض صادق "اغلى هدية تلقيتها طوال عمرى هو انتى "
سال عن الاطفال .. ثم اتجه نحو غرفتهما .. نظر نحو ملاكيه ثم اكمل " هما ايضا اغلى ما عرفت بعدك " لا تدرى لما انقبض قلبها بشدة حينها .. طردت الفكرة من راسها .. حملهما واحدا تلو الاخر .. طبع قبلة رقيقة على جبهتيهما .. نظر نحوها ثم دقت المقطوعة التى احباها كثيرا .. طوقها بذراعه .. واسند راسه براسها .. وارخت هى يداها باطمئنان على كتفيه .. عدة دقائق حلقت خلالهما بعيدا فوق السحاب .. لم يزد على تلك الكلمات التى تلقتها بصمت " احبك .. ولم احب ولن احب سواك .. كنت افضل ما حدث لى يوما"
اثناء رقصهما رفع يده الى كتفها .. ثم ثقلت يده كثيرا .. لم يكن يمسك بها .. بل كان يتمسك بها .. خانته قدماه وخارت .. تمسكت به وببطىء تحركا للاسفل .. وهى تهوى بداخلها بسرعة رهيبة .. امسكت به بلهفة وسالته اذا ما كان بخير .. اجابها بوهن " اخبرتك قبلا ان يوما واحدا بقربك جدير بان ادفع عمرى كله ثمنا له .. لقد عشت عمرا طويلا يا ديمة"
اكمل " كنت دائما الاجمل والانقى والاقوى .. عدينى ان تظلى قوية كما عهدتك"
دارت بها الدنيا .. واجابته بالم " بدونك انا لا شىء .. وعدتنى ان تظل الى جانبى .. هل نسيت ؟"
رفع يده الى وجهها " لا لم انس .. ستظل روحى معك حتى وان غادرت بجسدى ."
امسكت بيده لتبقيها على وجهها اطول ثم بردت انا مله فجاة ..وتوقف الزمن عند تلك اللحظة .. وعت معنى ان تفقد كل شىء متى ملكت كل شىء .. وكان احزان العالم تجمعت وتكاتلت واستقرت فوق قلبها .. تحجرت الدموع بعينيها .. فاى دموع تخفف من فجيعتها ؟.. لو قضت عمرها جله تبكيه لن تعبر عن لحظة فجيعتها بفقده .. ظلت ممسكة بيده تعصرها وتناديه .. بل تستجديه ان يبقى بقربها .. قربت يدها المرتعشة من وجهه .. تتحسسه .. تتامله .. تبكيه .. بل تبكى حالها .. ترثى سعادتها التى صارت ذرات غبار تطايرت بعيدا واختفت ولم تصمد امام الريح .. نادته مرارا دون اجابة .. وهنا سالت انهار لا تتوقف من الدموع الملتهبة .. انزلت يديهما .. وبيسراها اخذت تمرر يدها على شعره .. تبكى وتبكى وتناجى وتنادى دون توقف .. " لقد وعدتنى .. لم اعهدك ناقضا للوعد يا حبيب القلب .. لحظة واحدة بقربك جديرة بعمران فوق عمرى .. ابق الى جوارى لحظة واحدة وادفع جل عمرى .. لحظة واحدة يا خالد .. لم اخبرك بعد كم احبك .. انا بحاجة لاعمار عدة كى تعرف مقدار عشقى .. افق الان واخبرنى بانك تمزح معى .. خالد .. خالد .. خااااالد"
وتردد النداء مدويا دون صدى .. لا مجيب .. لا حياة .. لا خالد .. ارتمت على صدره تستعطفه .. باكية معذبة ممزقة .. خالية الا من الحزن والفجيعة .. غادرها خالد ..غادرها بجسده .. ولكنها كانت اكيدة انه وان لم يبق معها بروحه فان روحها ستغادرها وتظل معه .
يوم سعيد جدا .. ها هما طفلاها .. طفلى خالد .. طفلاهما .. يتزوجان سويا بليلة واحدة .. اقتربت منهما وقبلتهما وعروسيهما .. اصبحا ضابطان .. نسختان عن خالد .. تذكرت الخبر الذى اسعدها قبل عدة ايام .. (ضبط المجرم الهارب ورئيس مافيا ....... "عمر" اخيرا والذى كان متهما بسلسة من الجرائم الشنعاء.. تم القبض على المتهم بعد مقاومة عنيفة منه ومن اتباعه .. القى القبض عليه كلا من الضابطان اياد خالد وزياد خالد .. جدير بالذكر ان المتهم كان هو نفسه قاتل والد الضابطين الشابين منذ 24 عاما ).
انحدرت على وجنتاها دموع الفرح والذكرى .. تذكرت يوم وداعها هى وخالد .. علمت بعدها انه كان قد اصيب بطلق نارى نافذ .. وانه نقل للمشفى .. وبمجرد افاقته اصر على الذهاب الى البيت .. كان يعلم جيدا ان لا نجاة له من اصابته .. رفض ان يخبر ديمة بالامر .. تحامل على نفسه .. وبذل مجهودا جبارا كى يموت بقربها ..
تخيلت المه وهو يسابق الدقائق للقياها .. راته امامها يختار زهورها .. بل زهور وداعهما .. وكانها تراه متكئا على احمد يتالم وينزف ويموت .. فى طريق الشوق اليها فرشه بدمائه التى رخصت امام حبها .. وعلى جسر المحبه سار خطوة خطوة .. واحدة يفقد معها الحياة واخرى يستمد منها الحياه ..وكانها تراه يبتلع كل الامه امام باب عشهما الذى فقد ربه الان .. تراه وهو يراقصها وبكل خطوة يخطوها تتسرب منه الحياه ليصبها ذكرى غاليه باقية بقلبها الذى لم يتسع لسواه .. اه يا خالد .. برغم المى فى فراقك الا ان لحظة واحدة بقربك جديرة بعذاباتى واضعافها اضعافا .. لقد كنت كنزا غاليا بوجودك وذكرى اغلى بفراقك .
كانت مى الى جانبها .. ربتت على يدها ثم امسكتها بقوة .. اقبل نحوهما احمد وعادل بابتسامة عريضة .. قال احمد " ما بال ام العريسان البطلان .. هى دموع الفرح طبعا"
اجاب عادل مازحا" هكذا هم النساء .. يعشقون البكاء .. حزنا او فرحا تراهم يبكون .. يتحينون الفرص للدموع" لكمته مى بمزاح طفولى لم تفقده بمرور السنوات الطويلة " انى لكم انتم ايها الرجال القساة بتفهم تلك المشاعر"
ابتسمت ديمة .. خصل شعرها البيضاء تدلت من حجابها رغما عنها .. اعتذرت وذهب للغرفة المخصصة بالفندق لاصلاح حجابها .. شعرت بحاجة ماسة لتنشق الهواء .. ذهبت خارجا .. نظرت للسماء لترى وجه خالدها يبتسم برضا .. لم يغادرها ولم تغادرة .. كان بقلبها دوما .. وكانت روحاهما تجتمعان دوما .. بادلته الابتسام برضا .. ثم فوجئت بافواج تبحث عنها .. دخلت لقاعة العرس مرة اخرى تتلقى التهانى وترسم ابتسامة على شفتيها .. امسكت بقلادتها تحتضنها وتستمد منها الحياة .. وتركت روحها تناجى خالدها.
خاتمة
يقول ارسطو " ان الشىء الكامل ..هو الشىء الذى له بداية ووسط ونهاية ."
وربما لان حبهما كاملا كان لا بد له من نهاية
وقد قال ايضا " ان الحب الذى ينتهى ليس حبا حقيقيا "
وحبهما لم ينتهى مطلقا .. بل عاش طويلا تشاركاه.. وسيظل حيا يتوارثه ابناؤهما.
انتهت
الان انتهت روايتى الاولى.. اتمنى اعرف اراءكم بيها بصرحة وتقييمكم ليها ككل .. ونقدكم وكل شىء بصراحة
اتمنى بجد انكم قد استمتعتم بها كما استمتعت انا بمتابعتكم وتفاعلكم
تحيتى للجميع
:7b: :rose: :7b: :rose: :7b: :rose: :7b: :rose: :7b: