لا يزال البعض - إن لم يكن الكثير- يحتفظ بالمعنى الضيق للذكاء – Intelligence – بأنه القدرة على اكتساب المعرفة وتخزينها وفهمها، ومن ثم استخدامها في مختلف التفاعلات الاجتماعية ومواقف الحياة. وبهذه القدرة يتمكن المرء من التعامل “بذكاء” والخروج من مختلف المواقف غانما، فكريا ونفسيا.
وبهذا التعريف أصبحنا نطلق لقب “أذكى شخص” على الرجل الذي يحفظ ألف قطعة أدبية، وجدول العناصر الكيميائية، وجدول الضرب إلى حدود أعداد مكونة من 10 أرقام، وجدول باسكال والمكعب السحري، وكأننا نتعامل مع دماغ الإنسان كمجرد قرص صلب يخزن المعلومات لا غير، أو يحللها باستخدام خوارزميات مترابطة.
وإن أخذنا الجانب الآخر من تعريف الذكاء بهذا المفهوم (القدرة)، فإنه يظل هبة فطرية يمنحها الله عز وجل للبعض دون الآخرين، وبهذا لا يحق لنا محاسبة الأغبياء ولا تقريعهم، لأنهم لا يملكون مَلَكة الذكاء، غير أن الأبحاث وتجارب الإنسان في هذا المجال، والتفكير السليم أيضا يؤكد لنا العكس، فكل شخص يملك عددا متقاربا من الخلايا الدماغية، ذات القدرات الهائلة على التخزين، ويستخدم المرء من هذه القدرة التخزينية مجرد 2% بالمعدل، ويبقى دائما بإمكان كل شخص أن ينمي هذه القدرة إلى أبعد حد، الأذكياء منهم و “الأغبياء” على السواء.
يعجبني كثيرا مثال يضربه الباحثون في هذا المجال، فتصور معي أنك اقتنيت أفضل حاسوب متوفر في السوق، بأعلى قدرة تخزينية وتحليلية، ثم وضعته فوق مكتبك، ووصلته بالكهرباء وتركته على تلك الحال، وتبادلتما نظرات الحب والإعجاب لفترة، وجلست تحدثه عن أنه أجمل مخلوق رأيته، وعن قدراته الهائلة .. هل سيغير ذلك من كونه لم يفدك في شيء، وأنك لم تستغل شيئا من قدراته تلك، بل أن جارك صاحب الحاسب الضخم ذو القدرات المتواضعة، استطاع أن يستخدمه ليحصي ديونه.
كذلك عقلك نفسه، إنه أفضل بكثير من ذلك الحاسب، لكن إن استخدمت قدراته بالشكل المطلوب، ولأن العقل البشري بحر لجي تزخر أعماقه بمواهب وقدرات لا محدودة، فلا بد لك أن تقوم بمحاولات لاستخراج بعضها والاستفادة منها، لا أن تتركها كحاسوبك المثالي.