04-02-2011, 10:10 PM
|
|
أحياة بغير ألــــــــــــــــــــم؟!! أما أن الألم موجود في هذه الدنيا فمما لا يختلف فيه اثنان وأما أنه كثير فوق ما تقبل النفوس فمما لا يختلف فيه إلا القليل وأما إنه نافع أو غير نافع ومقدم للحياة أو مثبط لها فذلك ما يختلف فيه الكثيرون .
ورأيي في هذا الخلاف أن الألم ضرورة من ضرورات الحياة وحسنة من حسناتها في بعض الأحيان وحالة لا تتخيل الحياة بدونها على وجه من الوجوه ، أما تفصيل هذا الرأي فهو أن الشعور بالنفس يستلزم الشعور بغير النفس فهذه ال( أنا ) التي تقولها وتجمل فيها خصائص حياتك ومميزات وجودك وتعرف بها نفسك مستقلا عما حولك هى نصيبك من الحياة الذي لا نصيب لك غيره وهي تلك (الذات ) التي لا تشعر بها إلا إذا شعرت بشيء مخالف لها في هذا العالم الذي يحيط بها فأنت لا تكون شيئا له حياة ولذات وآلام ومحاب ومكاره إلا إذا كانت في هذا العالم أشياء أخرى غيرك ولا تكون هذه الأشياء الأخرى معك إلا إذا كان منها ما يلائمك وما لا يلائمك أو ما يسرك وما يؤلمك فإن أردت حياة لا ألم فيها فأنت تريد إحدى حياتين فإما أن تكون وحدك في هذا الوجود وهذه حياة لا يتخيل العقل كيف تكون ولو تخيلها لما أطاق احتمالها وإما أن يكون معك في الوجود غيرك على ألا تحس به أو على ألا يصدمك من هذه الأشياء صادم ولا يقابلك منها ما ترى أن بينه وبين حياتك اختلافا أو فرقا وهذه هي أشبه الحالات بالنيرفانا أو هي الموت بذاته في صورة غير صورته المعهودة ولست أفترض لهذه الحياتين حياة ثالثة إلا أن يتمنى المتمني أن تسره الأشياء الأخرى التي تصادمه في هذا الوجود وهذا كالجمع بين المتناقضات لأن من سره قرب شيء ساءه البعد عنه ومن أرضاه أن يدرك أملا أغضبه أن يحرمه وخلاصة هذه الفروض أن النازل عن الأم نازل عن ذاته أو حياته في هذا العالم وأن العقل الإنساني لن يستطيع أن يتخيل حياة مبرأة من الآلام وإن كان يتمناها أحيانا .
على أننا ندع ما نتخيله وننظر فيما نحن فيه ، ننظر في هذا العالم المشهود الذي قضي علينا أن نعيش بين ظواهره فهل يوافقنا أن يخلو من الألم وأن نتجرد نحن من كل ما للألم فضل فيه علينا وأثر باق في حياتنا ؟ وهل تعجبنا الحياة التي لا برد فيها ولا حر ولا جوع ولا مرض ولا خوف ولا رغبة ؟ أيعجبنا أن نخسر كل ما ربحناه من هذه العوارض التي تؤلمنا أحيانا فتقسرنا قسرا على تغيير ما نحن فيه ؟ أقول : لو أن الله شاء أن يعاقبنا على هذا التمرد منا على ألم الحياة فسلبنا كل ما جنيناه من خير لردنا إلى عالم الذر من حيث أتينا ولعاد بنا خشاشا من هوام الأرض لا نشتهي ولا نألم ولا نتمنى ولا نتوهم بل لا أخالنا نقف هنالك ولا محيص لنا من الهبوط إلى ما دون ذلك فإن أصغر الحشرات وأخسها أرفع من أن تعيش بغير حظ من الألم على قدر ما تتقي ما يضرها وتطلب ما يصلح لها وتتحول من مكان إلى مكان كلما ضاق بها موطنها ولو أنها عوفيت من نذير الألم لظلت حيث هي حتي تهلك فلا يطول انتظارها للهلاك الراصد من كل صوب .
ولو أننا رفعنا خوف الألم يوما واحدا من نفوس الأحياء لبادوا جميعا في ذلك اليوم الواحد ذلك أن أحدا منهم لا يبالي أن يختبط بجدار أو يسقط من عل ، فنحن إنما نحفظ حياتنا الحاضرة بذخيرة من الآلام السابقة التي عاناها أسلافنا وتعلموا منها ما تعلموا من حيطة ومقدرة ولا نكاد نضيف شيئا جديدا على ما ادخروا من كنوز الحياة حتى نسلك إليه من سراديب الألم وأنفاقه المظلمة .
وليس معنى هذا بالبداهة أنني أمنع الشكوى من الألم على المتألمين فإن اللم الذي لا يشكي صاحبه لا فائدة فيه ولا أنني آبي العطف عليهم فإن النفس التي تتسع للآلام تتسع للعطف عليها ولكنما أعني أن أجعل الحياة أكبر من ألمها أن أقول أن الحياة التي نألم في سبيلها جديرة أن تكون شيئا عظيما وأزيد على ذلك أن صبر النفوس على ما في الحياة من ألم دليل على ما في الحياة من خير وأن فداحة الثمن الذي نبذله في شيء دليل على مبلغه من الغلو والنفاسة فأعظم الناس صبرا على ألم الحياة أعظمهم اغتباطا بسرور الحياة وهو أفخرهم نفسا لأنه أوفاهم لنفسه ثمنا وأجلهم لها قدرا .
م ن ق و ل |