08-14-2011, 01:20 AM
|
|
الفصل الثالث .............. 3- امور تحدث سريعاً !!
لا شك في ان المكسيكيين اسوا من قاد السيارات في العالم .
رددت لورا هذا الكلام وهي تقود السيارة على طول الجادة الجميلة , التي تمتد بمحاذاة مجموعة من الفنادق الضخمة المطلة على الخليج .
ومرة خلال حفلة استقبال حضرتها قال لها رجل اعمال مكسيكي :
" الرجال هنا جبابرة اقوياء .. وأضاف :
" في بلادنا وفي كل المناسبات , على المكسيكي ان يفرض سيطرته وسواء حاول الحصول على امراة او كان يقود سيارته , فانه مضطر الى ان يفعل المستحيل ليؤكد سطوته وعلّو شانه .
وما على المراة إلا أن تطيع ".
استعادت هذه الكلمات , وهي تحاول عبثاً تغيير اتجاه سيرها لتستطيع سلوك طريق المرفأ .
فجأة توقف سائق تاكسي ورمقها بنظرة إعجاب , وتخلّى لها عن فسحة إستطاعت من خلالها عبور الطريق المطلوب .
وبعد دقائق صفّت سيارتها في مرآب نادي اليخوت .
اخرجت من سيارتها كيساً يحتوي على كل ما تحتاجه لإعداد عشاء اميريكي يحب والدها أن يتناوله ,
ثم سارت على رصيف الشاطئ..الى حيث يرسو يخت والدها .
صعدت الى سطح اليخت الخلفي فلم تجد احداً . فنادت وهي تقترب من السلم الذي يؤدي الى قاعة الجلوس و المطبخ :
" ابي !!أبي !! إنني هنا ".
لا جواب . هبطت لورا بحذر السلم الضيق , المطبخ الصغير كان فارغاً ,
وكذلك غرفة الجلوس التي تحتوي على طاولة في وسطها ومقاعد مغلّفة بالنسيج القطني ذي الألوان الزاهية .
اتكأت لورا على أحد الجوانب وغرقت في الذكريات ,
تعرّفت الى الرائحة العادية الممزوجة برائحة سجائر والدها .
وبدأت تنفعل . كم هي نادمة لاها لم تكن مثله شريدة البحار ,
غير ان دان فضّل العمل بنصائح الراهبات اللواتي أشرن عليه بادخال لورا المدرسة الداخلية اذا ارد ا ان يضمن مستقبلها .
ترعرعت لورا على ايدي الراهبات اللواتي كرّسن حياتهن للتربية والتعليم .
مرّة حدثتها الاخت كرميليتا ذات الوجه الملائكي , التي كانت تعلمها اللغة الاسبانية , عن مستقبلها كامراة وذلك عندما عبّرت لورا عن رغبتها في دخول سلك الرهبنة .
اذ قالت لها الراهبة في لطف وهي تبتسم :
"لا يا لورا . سيدخل حياتك يوماً ما رجل يغمركِ بحنانه و تنجبين منه اولاداً تسعدان بهم .
أعتقد يا ابنتي ان دخولك السلك سيكون غلطة ".
سرعان ما نسيت لورا هذه الرغبة , لكن كلمات الاخت كرميليتا ظلّت محفورة في ذهنها .
وعندما التقت برانت اعتقدت انه هو رجل حياتها . فهو يتمتع بمزايا خلقية رفيعة ,
اهمها انه لا يحاول ان يمارس الزواج قبل الاوان وهذا شئ نادر في هذا العصر
حيث لم تعد هناك أية حدود تمنع الرجل والمراة من الاستمتاع .
تناهت الى سمعها خطوات على متن السفينة , فانتفضت واسرعت الى تسلق السلالم ...
"أبي ..اين كنت ؟؟ أرجو ألاّ تكون قد اشتريت اغراضاً للعشاء لأنني .............""
سكتت فجأة وهي ترى شبح دييغو راميريز الممشوق و المفرط في الاناقة منتصباً امامها .
سألته في لهجة باردة :
" ماذا تفعل هنا ؟ بدأت أسأم رؤيتك وملاحقتك لي في كل مكان .
سيأتي والدي في أية لحظة الان , لذلك انصحك بالذهاب ".
قال متجاهلاً ملاحظتها :
" أيمكنني الهبوط إلى داخل اليخت ؟".
"والدي في طريقه الى هنا . ولن تسرّه رؤيتك على متن سفينته ".
لم يأبه لهذا التهديد , بل توجّه في هدوء الى غرفة الجلوس وقال :
" اجلسي يا لورا . لديّ أمر مهم أريد أن أحدثك فيه ".
فقالت في لهجة حاسمة :
"أرجو ان تقول ما عندك بسرعة , أريد إعداد العشاء لوالدي ".
هزّ رأسه في تعبير آسف جعل لورا تشعر بجفاف في حلقها و بقلق غامض ...
قال وهو يسمّر عينيه في عينيها :
" أخشى ألا يتمكن والدك من أن يتناول العشاء معكِ هذا المساء ".
" لماذا " ؟؟
" آسف أن ابلغكِ أن والدك محجوز لدى الشرطة المحلية ".
قالت لورا وقلبها ينبض بسرعة ....
" الشرطة .....إن هذا مستحيل "..
" كنت على الشاطئ القريب جداً من هنا ولاحظت زحمة وهياجاً على السفينة وعرفت الرجل الذي اصطحبته الشرطة : انه الرجل ذاته الذي كان يرافقك في مطعم الميرادور .......وقد كنت اعتبره خطيبك ....."
سألت وهي تنهض غاضبة من دون ان تعي ما قال :
" لكن لماذا اوقفت الشرطة والدي ؟ لم يقم بشئ غير قانوني طيلة حياته ..
لاشك أن ذلك خطأ ... يجب ان اذهب وارى ماذا يجري .... وساقول لهم ....."
وفي حركة نجح دييغو في تهدئتها ...
" ربما فيما بعد علمت من الشرطة التي اوقفته ان والدك متهم بالتورط في عملية تهريب مخدرات ..
وهنا في المكسيك تعتبر جريمة كبيرة ".
رددت لورا منذهلة ....
" تهريب مخدرات ؟؟ أبي ؟؟ لكن مستحيل ,,,, هل سمعت ما أقوله ... هذا مستحيل ".
قال دييغو في حزم ....
" اجلسي "
هبطت الفاته في المقعد ...أما دييغو فظل مستندً الى الطاولة ..
" يجب أن تدركي جيداً ان والدك متهم بجريمة بالغة الاهمية ..
وحسب الادلة التي اكتشفت على متن الباخرة فهو معرض لان يبقى في السجن طيلة الحياة
او لنقل مدة طويلة قبل افتتاح المحكمة "
همست لورا واضعه رأسها بين يديها .....
" محكمة؟؟ لا ... لا يمكنني ان اصدق شئيا كهذا "..
" لكن هذا هو الواقع ...ذهبت الى مركز الشرطة وتوصلت الى التحدث مع والدك ..
فاخبرني بان الرجلين اللذين استاجرا منه اليخت عادا في الصباح الباكر وما لبثا ان غادرا ..
وقالا له انهما سيعودان في المساء .. وكانا على استعداد للابحار فجر الغد ".
قالت لورا مستغربة وهي تقفز ...
" رجلان , هما اذاً المذنبان .. قال لي والدي انهما استاجرا السفينة وفي نيتهما الصيد ,,
لكنهما لم يكونا يعرفان شيئا عن الصيد .. ساخبر الشرطة بذلك "..
ارادت الاسراع نحو الممر لكن دييغو اقفل عليها الطريق وقال وهو يمسكها من كتفيها :
" لا تتصرفي تصرفا احمق! هل تتصورين ان الشرطة هنا ستصغي الى ما تقولينه ,, انتِ ابنته !!".
"لكن يجب ان افعل شيئا ما ".
قال لها بلطف :
" لا يمكنك ان تفعلي شيئا يا لورا امام السلطات ....."
سالته وقد احتلتها الكابة فجاة :
" الى من سالتجئ اذاً ؟ هل في اكابولكو قنصلية للولايات المتحدة ؟".
" كلا .. القنصليه مركزها في مكسيكو .. لكن في مثل هذه القضايا لا يستطيع القنصل ان يفعل اي شئ ".
" يبدو وكانك وجدت الحل ..ارجوك .. قل لي ماذا افعل ؟".
حدّق في عيني الفتاة الخضراوين ثم اخفض جفنيه وقال في صوت مبحوح :
" لديّ نفوذ في بعض الاوساط "
" يمكنك اذا ان تفعل شيئا ما لمساعدة والدي ".
وفي هذه اللحظة بالذات رفع راسه وانتفضت الفتاه امام حدّة نظراته القاتمة :
"لكن نفوذي يكون له صدى اقوى اذا ......."
عمّ صمت طويل راح فيه قلب لورا ينبض بسرعة ...
واضاف :
"اذا كنتِ زوجتي ".
كالبلهاء راحت لورا تحدّق فيه وهي تلاحظ برغم الصدمة القوية وجهه ذا
الملامح البارزة ورموش عينيه الطويلة وقساوة فمه ورددّت في صوت خفيض :
" زوجتك ؟ لكن الا تكفيك زوجة واحدة !".
هزّ راسه في تلهف :
" أنا لست متزوجاً والمرأة التي تعتقدين أنها زوجتي هي في الحقيقة أرملة أخي الصغير ..جيم .
. الذي قتل السنة الماضية في سباق القوارب الآلية ".
" لكنني كنت أعتقد ...."
توقفت ..... وكل شئ يغلي في ذهنها ..
" نعم .. اني اعترف انني جعلتك تعتقدين ان كونسويلو زوجتي لم يكن ذلك قصدي في بداية الامر ..
ولكن عندما وضعت في ذهنكِ انّ المراة التي
ترافقني في حفلة عرض الازياء هي زوجتي ,
لم اكن قادرا ان انكر ذلك .. كنت اريد ان اعرف ما اذا كنتِ قادرة على الصمود
مدة طويلة امام رجل تعتبرينه متزوجاً ".
ولان تعبيره بعض الشئ ...ثم قال ..:
" اني اعترف بانك تصرفتِ بعناد وتصلب "..
ما زالت لورا مضطربة لوضع والدها المؤسف ,, فلم تسجل هذا الاعتراف الجديد .
" لم افهم بعد .. هل كان ذلك امتحاناً ؟؟ أهذا ما تقصده ؟".
" نوعاً ما .. نعم ."
تناول من جيب سرواله علبة السيجار واخرج سيجاراً صغيراً واشعله بقداحة ذهبية ..
خارت قدما لورا وهبطت في المقعد ....
قال دييغو وهو ينظر من نافذة اليخت :
" يهمني جدا فيما يتعلق بهذه الامور ان تكون زوجتي مترفعة عن اية شبهة ".
تأملته لورا لحظة من غير ان تقول كلمة ...
فهي حزينة لما حصل لوالدها ثم صرخت وهي تستعيد وعيها ...
" لكنك مجنون حقاً ! لن استطيع ان اتزوجك ..
يبدو انك نسيت اني مخطوبة واني ساتزوج حين اعود الى لوس انجلوس ".
سأل دييغو وهو يتفحص وجه لورا الجميل المحمر خجلاً :
" هل تحبين ذلك الرجل ؟".
أكدّت له وهي تقف لتواجهه وعيناها تتوهجان غضباً :
" طبعاً .. ولماذا اتزوجه اذا لم اكن احبه ؟".
ما من احد يعرف ما الذي يدفع النساء الى الزواج ...
هل هو المال ام المركز ام الاستقرار .. ام الحب ,
خطيبك , هل هو غنيّ ؟".
" كلاّ . انه محام شاب ما زال في بداية الطريق .. يمكنك ان تلغي السببين الاولين ".
" اذاً لا شك أن السبب الثالث هو الذي ينطبق عليكِ , الاستقرار ...
اهذا ما يقدمّه لكِ ؟
منزل في حيّ جميل , وولد أو ولدان .. وسهرة نهاية الاسبوع في النادي ".
" وماذا عندك ضدّ هذا النوع من الحياة , في كل حال انه وضع معظم الناس في بلادنا ,
ولست اخجل من كوني جزءاً منهم ".
ثم اضافت في لهجة ساخرة :
"طبعاً , ليس بامكان الجميع ان يملكوا منزلا يقع في محطة الحمامات الاكثر شهرة في العالم ,
وربما ايضاً قصراً في مكسيكو ".
اخذ دييغو نفساً من سيجاره وقال في تمهل :
" ليس في هذا خطأ .. في كل حال ان المراه تحب بشغف الرجل الذي يؤمن لها كل هذه المتعه ..
هذا ما يوصلنا الى السبب الرابع الذي هو .... ".
قاطعته لورا قائلة:
" لماذا نتجادل في هذه الامور السخيفة بينما أبي يقبع في احد سجون بلادك التعيسة ؟
سوف أصبح مجنونة مثلك .... "
اجابها دييغو ...:
" اني لست مجنونا . لكني انتهازي .. واعترف بان سجوننا ليست كما يجب وخصوصاً اذا كان السجين متهماً بتهريب المخدرات ,
لكن يمكنني القول ان والدك لا يلقى معاملة سيئة ..
لقد حاولت اقناعهم بان يقدموا له الطعام المعقول وان يجعلوا زنزانته في وضع مريح ومقبول ".
فقالت في صوت مخنوق :
" شكراً .. المال يفعل كل شئ , اليس كذلك ؟".
" في مثل هذا الوضع , المال وحده لا يكفي ..."
ترددّ ثانية ثم أضاف :
" ان الموظفين الذين اتصلت بهم من اجل مساعدة والدك عطفوا عليه ,
ليس من اجل المال , بل بسبب قرابتي لوالدك ".
" لقرابتك بوالدي .....؟ لكنك لم ..... لم تقل لهم ان .........ان ........"
قال لها وهو ينظر اليها في جراة :
"قلت لهم انكِ ستصبحين زوجتي . وانني لا ارضى ان ارى عمي يلقى معاملة المجرمين ".
فهمست لورا وهي شاحبة الوجه :
" كيف تجرات وقلت ذلك ؟".
" هل تعارضين ان ينال والدك معاملة حسنة ؟"
اجابت في غضب :
" لا .. انما يزعجني انك كذبت من اجل ذلك ...
وماذا اخبرت والدي ؟ هل كذبت عليه ايضاً ؟".
" الحقيقة اخبرته عن رغبتي في الزواج منكِ ...
وان ذلك سيتم ابكر مما كنت اتوقع .. نظراً للاوضاع الحالية ...."
تقدم دييغو منها خطوة واخذها من ذراعيها وقال في صوت خفيض :
" لن اخفي عليكِ انني كنت افضل ان يتسنى لي الوقت لان اغازلكِ يا حبيبتي .. لكن ...."
وبحركة عنيفة تخلصت من قبضته وقالت بغضب :
" انني امنعك من ان تناديني هكذا ؟ انا لست حبيبتك ولن اصبح حبيبتك ابدا ".
فقال دييغو وهو يبتعد عنها :
" حسنا " .
توجّه نحو السلم ثم التفت ونظر اليها باشمئزاز واستخفاف وقال :
" اذا غيّرت رايك يا انسة , يمكنك ان تتصلي بي في فيلا جاسينتا ,
انه اسم منزلي ".
ثم اخرج من جيبه دفتراً صغيراً , وكتب بعض الارقام .. ثم اقتلع الورقة واعطاها اياها قائلاً :
" ان رقم هاتفي غير موجود في الدليل الهاتفي .. فلا تضيعي الرقم , الى اللقاء ".
ضغطت لورا على الورقة بين اصابعها الجامده وهي تنظر الى دييغو يصعد الى سطح السفينه .
وبعد ذهابه شعرت فجأة بضياع وحيرة .
.. الرجاء عدم الرد |