|
أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه هنا توضع المواضيع الغير مكتملة او المكرره في المنتدى او المنقوله من مواقع اخرى دون تصرف ناقلها او المواضيع المخالفه. |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#66
| ||
| ||
__________________ القدس تصرخ اين اصحاب الهمم سمعتموها ام اصابكم الصمم يا أمة الاسلام صاحت قدسنا هل من صلاح الدين هل من معتصم القدس اولى القبلتين اسيييييرة مسرى الرسول يهان يا ويح الذمم -------------------------- |
#67
| ||
| ||
البارررررررررررررررررررررررررررت
|
#68
| ||
| ||
بسم الله الرحمن الرحيم انا اسفة جدا جدا جدا اصدقائى على التاخير :looove::looove::looove: ما تزعلوا منى على التاخير لانى كنت منتظرة النتيجة والحمد لله نجحت وان شاء الله ححاول ان اعوضكم على ما مضى بترككم مع البارت ومتابعة شيقة:- الحلقةالخامسة******* أنهيت دراستي الثانوية أخيرا ! إنني أريد الالتحاق بالجامعة ، ألا أن القصف الجوي الذي تعرضنا له مؤخرا دمر مبنى الجامعة التي كنت أريدها كما دمّر جزءا من المصنع الذي يملكه والدي أوضاع بلدنا في تدهور ، و الحرب منذ أن اندلعت قبل عامين تقريبا لم تتوقف ... مستوانا المادي تراجع نتيجة لهذه الأحداث . الدراسة تعني لي الكثير الكثير ، خصوصا بعدما حدث ... إنها أحد أحلام حياتي ... ما أكثر الأحلام ! أتذكرون صندوق الأحلام الخاص برغد و الذي صنعته لها قبل ثلاث سنوات ؟ أضفت ُ إليه حلما جديدا يقول : ( أريد أن أصبح رجل أعمال ضخم ! ) ! اعتقد أن الأمور الإدارية تليق بي كثيرا ! وجدت فرصة هبطت علي ّ من السماء لأبتعث للدراسة في الخارج ، شرط أن أجتاز أحد امتحانات القبول ، و الذي سأجريه بعد الغد و ما أقرب بعد الغد ! إن مصيري و مستقبلي معلّق بذلك اليوم ... إنني قد عدت لقراءة بعض المواضيع من المواد الدراسية المختلفة استعداد له ادعوا لي بالتوفيق ! في الوقت الراهن أنا بدون شاغل ، أو لنقل ... عاطل عن المستقبل ! خلال السنوات الثلاث الماضية ازداد طولي وحجمي كثيرا و أصبحت عملاقا و ضخما ! تعديت طول والدي و أصبحت أشعر ببعض الخجل كلما وقفت إلى جانبه ! أما صغيرتي المدللة ، فلم تتغير كثيرا ! لا تزال نحيلة و صغيرة الحجم ، كثيرة المطالب ، و شديدة التدلل ! و المنافسة بينها و بين دانة حتى على الأشياء البسيطة لا تزال قائمة ! و اعتقد أنكم تتوقعون أنني ... لازلت مهووسا بها كما السابق ، بل و أكثر ... وصلت الآن إلى بوابة المدرسة الابتدائية ، و ها أنا أرى الفتاتين تقبلان نحو السيارة ! و راقبوا ما سيحصل ! تتسابق الاثنتان نحو الباب الأمامي ... تصل إحداهما قبل الأخرى بجزء من الثانية تحاول كل واحدة فتح الباب و الجلوس في المقعد المجاور لي تتنازعان تتشاجران تحتكمان إلي ! " وليد ! أنا وصلت قبلها " " بل أنا يا وليد ... أليس كذلك ؟ " " وليد قل لها أن تبتعد عني " " أنا من وصل أولا ! دعها تركب خلفك وليد " " كفى ! " كل يوم تتكرر نفس القصة ! و الآن علي ّ أن أضع جدولا مقسما فيما بينهما ! " حسنا ... من التي كانت تجلس قربي يوم أمس ؟ " أجابت دانة : " أنا " قلت : " إذن ، اليوم تجلس رغد و غدا دانة و هكذا ! اتفقنا ؟؟ " و بزهو و نشوة الانتصار ، ركبت السيدة رغد و جلست على الكرسي الأمامي بجانبي ! فيما ترمق دانة بنظرات ( التحسير ) ! كم سأفتقد هاتين المشاكستين ! " وليد تعلمنا درسا صعبا في ( الرياضيات ) أريدك أن تساعدني في حل التمارين " " حسنا رغد " " و أنا أيضا أريدك أن تساعدني في تمارين القواعد " " حسنا دانة ! " قالت رغد بسرعة : " لكن أنا أولا فأنا سألتك أولا " قالت دانة : " درسي أنا أصعب . أنا أولا يا وليد " أنا أولا ... أنا أولا ... أنا أولا ... ويلي من هاتين الفتاتين ! كلا ! لن أفتقدهما أبدا ! كنت معتادا على تعليم الفتاتين في أحيان كثيرة ، خصوصا بعد تخرجي من المدرسة ... مواقف كثيرة ، و كثيرة جدا ، هي التي حصلت خلال السنوات الماضية و لكنني اختصرت لكم قدر الإمكان ... حينما وصلنا إلى البيت ، بالتحديد عندما هممت بإدخال المفتاح في الباب لفتحه ، بدأت منافسة جديدة ... " أعطني المفتاح أنا سأفتحه " " لا لا ، أنا سأفتحه وليد " " لا تقلديني ! " " أنت لا تقلديني " و احتدم النزاع ! أوليت الباب ظهري و وقفت بين الفتاتين و عبست في وجهيهما ! قلت بحدة : " أنا من سيفتح الباب و إن سمعتكما تتجادلان على هذا المفتاح ثانية فتحت رأسيكما و أفرغت ما بهما " المفروض أن نبرتي كانت حادة و مهددة ، و تثير الخوف ! إلا أن رغد أخذت تضحك ببساطة ! التفت إليها و قلت : " لم الضحك ؟؟ " قالت و هي تقهقه : " لن تجد شيئا في رأس دانة من الداخل ! " قالت دانة : " بل أنت الجوفاء الرأس ! أتعلمين ماذا سيجد وليد في رأسك ؟ " رغد : " ماذا ؟ " دانة : " البطاطا المقلية التي تلتهمينها بشراهة كل يوم ! " رغد ـ و هي تضحك بمرح ـ " و أنت الفاصولياء التي أكلتها البارحة " و تبادلت الاثنتان مجموعة من الأكلات و الأطباق المفضلة في رأسي بعضهما البعض حتى أصابتاني بالصداع و التخمة !! قلت : " يكفي ! إنني من سيفتح رأسي أنا حتى ارمي بكما إلى الخارج منه " و استدرت ، و فتحت الباب ، فأسرعت دانة بالدخول لتسبق رغد ، بينما سارت رغد ببطء و انتظرتني حتى دخلت ، ثم أقفلت الباب ... " وليد ! " التفت إليها و أنا ممتلئ ما يكفي و يزيد من سخافاتهما ، و قلت بتنهد : " ماذا بعد ؟؟ " قالت : " أنا لا أريد أن أخرج من رأسك " اندهشت ! نظرت إليها باستغراب ، و قلت : " عفوا ؟؟ ! " رددت : " أنا لا أريد أن أخرج من رأسك " " و لماذا ؟؟ " ابتسمت بخبث و قالت : " لكي أستطيع رؤية الناس من الأعلى فأنت طويــــــــــــــــــــــــــــل " ابتسمت لها بهدوء ، ثم فجأة ، مددت يدي نحوها و رفعتها عن الأرض على حين غفلة منها إلى الأعلى عند رأسي و أنا أقول : " هكذا ؟؟ " رغد أخذت تضحك بسعادة و بهجة لا توصف ! أتذكرون كم كانت تعشق أن أحملها !؟ لا تزال كذلك ! دخلت المنزل ، ثم المطبخ و أنا لا أزال أحملها و هي تضحك بسرور ، ثم أجلستها على أحد المقاعد و ألقيت التحية على والدتي ، و التي كانت مشغولة بتجهيز أطباق المائدة قالت أمي : " رغد ، هيا اذهبي و أدي صلاتك ثم اجلسي عند مائدة الطعام " قامت رغد ، و هي تنزع الحقيبة المدرسية عن ظهرها و تنظر إلى أمي و تقول : " بطاطا مقلية ؟ " " نعم ! حضرتها لأجلك " و انطلقت رغد فرحة ، و غادرت المطبخ . للعلم ، فإن صغيرتي هذه تحب البطاطا المقلية كثيرا ! والدتي استمرت في عملها و حدثتني دون أن تنظر إلي : " لم تعد صغيرة ! " ركزت بصري عليها ، و قلت : " رغد ؟ لقد كبرت قليلا ! " " لم تعد صغيرة لتحملها على ذراعيك " غيرت كلمات والدتي هذه مجرى ما فهمت ... إذن ، فهي معترضة على حملي للصغيرة هكذا ...؟ " و لكن ... إنها مجرد طفلة صغيرة و خفيفة ! و هي تحب ذلك ... " " إنها في التاسعة من العمر يا وليد ... " جملة والدتي هذه ، جعلت شريط الذكريات يعرض فجأة في مخيلتي ... تذكرت كيف حضرت إلى منزلنا قبل ست أو سبع سنين ... ! آه ... ( المخلوقة البكاءة ) ! يا للأيام ... من كان ليصدق أنني ( ربيت ) رغد في جحري و أطعمتها بيدي و سرحت شعرها و نظفت أذنيها ! من جرّب أن يكون أما و أبا ليتيمة ، و هو طفل أو حتى مراهق لم يبلغ العشرين ! يا للذكريات ! في غرفتي لاحقا ، أخذت أقلب ألبوم الصور الذي يشمل أفراد عائلتي ... صحيح ... لقد كبرت الصغيرة ! مر الوقت سريعا ... و ها أنا مقدم على الجامعة ، و حين أسافر ... ... ... توقفت عند هذا الحد ... فأنا لا أستطيع التفكير فيما بعد ذلك كيف لي أن أبتعد عن أهلي و وطني ...؟ كيف لي أن أتحمل الغربة و الوحدة ؟ كيف لصباح أن يطلع علي ، دون أن أحتسي شاي والدتي العطر ، و كيف لشمس أن تغرب دون أن أقرأ أخبار الصحف لوالدي ؟ كيف لعيني أن تغمضا دون أن أتمنى لأخوتي نوما هانئا ... كيف لقلبي أن ينبض ... دون أن أحمل رغد على ذراعي ؟؟؟ إنني سأذهب لإجراء الامتحان بعد الغد و إذا ما اجتزته ، فسأغادر البلد خلال أسبوع أو أكثر بقليل إنها أفكار تجعلني أشعر بخوف و توجّس ... هل أقوى على ذلك ؟؟ لابد لي من ذلك ... فأحوالنا في تدهور و شهادتي الجامعية ستعني الكثير ... المرشحون لهذا الامتحان قليلون ، و كانت فرصة ذهبية أن أضيف اسمي إليهم و أنا واثق من قدرتي على اجتيازه ، بإذن الله ... قلبت الألبوم و أنا في حيرة ... أي صورة آخذها معي ؟؟ ثم وقع اختياري على صورة تضمنا جميعا ، تظهر فيها رغد متشبثة برجلي ! فيما ترتسم ابتسامة رائعة على وجهها الجميل ... " هذه هي ! " أخذت الصورة ، و صورة أخرى لرغد و هي تلوّن في أحد دفاترها ، و وضعتهما في محفظة جيبي . في المساء ، ذهبت مع أخي سامر لأحد المتاجر لاقتناء بعض الأشياء ، و وقفنا عند حقائب السفر رغبة في شراء بعضها فيما كنا هناك ، حضر مجموعة من الشبان ، كان عمّار فيما بينهم . عمّار نجح بصعوبة ، و تخرج ـ رغم إهماله ـ من المدرسة الثانوية ، و اعتقد أن والده ذا النفوذ الكبير قد استطاع تدبير مقعد دراسي له في إحدى الجامعات ... بطريقة ( غير قانونية ! ) عندما رآني عمّار ، أقبل نحوي تسبقه ضحكته البغيضة ، و قال : " يبدو أن وليد ينوي السفر أيها الأصحاب ! هل عثر والدك على كرسي جامعي شاغر لك !؟ أم أن حطام الجامعة قد حطّم قلبك يا مسكين ؟؟ " و بدأ مجموعة الشبان بالضحك و القهقهة أوليتهم ظهري فقال عمّار : " لا تقلق ! سأطلب من والدي أن يساعدك في البحث عن جامعة ! أو ... ما رأيك بالعمل عندنا ! فمصنعنا لم يحترق ! سأوصي بك خيرا ! " سامر لم يتحمّل هذه السخرية من ذلك اللئيم ، و ثار قائلا : " لم يبق إلا أن يعمل الأعزة عند الأذلة المنحرفين ! " صرخ عمّار قائلا : " اخرس أيها الأعور القبيح ! من سمح لك بالتحدث ! ألا تخجل من وجهك المفزع ؟ " و التفت إلى أصحابه و قال : " اهربوا يا شباب ! الأعور الدجال ! " سيل من اللكمات العنيفة وجهتها بلا توقف و لا شعور نحو كل ما وقعت قبضتي عليه من أجساد عمّار و أصحابه ... لحظتها ، شعرت برغبة في فقء عينيه و سلخ جلده ... أخي سامر نال منهم أيضا و احتدّ العراك و تدخّل من تدخل ، و فر من فر ، و انتهى الأمر بنا تدخل من قبل الشرطة ! في تلك الليلة و للمرة الأولى منذ الحادثة المشؤومة ، سمعت صوت بكاء أخي خلسة . عندما أصيب بالحرق ، كان لا يزال طفلا في الحادية عشرة من العمر ... ربما لم يكن شكله يشغل تفكيره و اهتمامه بمعنى الكلمة ، أما الآن ... و هو فتى بالغ أعمق تفكيرا ، فإن الأمر اختلف كثيرا ... ليلتها ، قال أنه يريد أن يخضع لعملية تجميل جديدة ... لكن أوضاعنا المادية في الوقت الحالي ، لا تسمح بذلك .... عندما أحصل على شهادتي الجامعية ... و أعمل و أكسب المال ، فسوف أعرضه على أمهر جراحي التجميل ، ليعيده كما كان ... فقط عندما أحصل على شهادتي ... في اليوم التالي ، وجدت سيارتي مليئة بالخدوش المشوهة ! " إنه عمّار الوغد ! تبا له ! " أوصلت أخوتي للمدرسة ، و شغلت نفسي ذلك الصباح بمزيد من الإعدادات للسفر المرتقب ! امتحاني سيكون يوم الغد ... لذا ، قضيت معظم الوقت في قراءة مواضيع شتى من كتبي الدراسية السابقة ... و كلما قلبت صفحة جديدة من الكتاب ، قلبت صفحة من ألبوم الصور ... كيف أستطيع فراق أهلي ...؟ كيف أبتعد عن رغد ؟ إنني أشعر بالضيق إذا ما مضت بضع ساعات دون أن أراها و أداعبها ... و أنزعج كلما باتت في بيت خالتها بعيدا عني ... فيما أنا منهمك في أفكاري و قراءتي ، جاءتني رغد ... ! طرقت الباب ، ثم دخلت الغرفة ببطء ، تاركة الباب نصف مفتوح ... " وليد ... لدي تمرين صعب ... ساعدني بحله " لم يكن هناك شيء أحب إلي من تعليم صغيرتي ، ألا أنني يومها كنت مشغولا ... لذا قلت : " اطلبي من والدتي أو سامر مساعدتك ، فأنا أريد أن أذاكر ! " لم تتحرك من مكانها ! نظرت إليها مستغربا و قلت : " هيا رغد ! أنا آسف لا أستطيع مساعدتك اليوم ! " و بقيت واقفة في مكانها ... إذن فهناك شيء ما ! حفظت هذا الأسلوب ! تركت الكتاب من بين يدي و نهضت ، و قدمت إليها و جثوت على ركبتي أمامها : " رغد ... ما بك ؟ " تقوس فمها للأسفل في حزن مفاجئ و قالت : " هل صحيح أنك ستسافر بعيدا ؟ " فاجأني سؤالها ، إنني لم أكن أتحدث عن أمر السفر معها ، فالحديث سابق لأوانه ... قلت مازحا : " نعم يا رغد ! إلى مكان بعيد لا يوجد فيه رغد و لا دانة و لا شجار ! و سأترك رأسي هنا ! " لم يبد ُ أنها فهمت مزاحي أو تقبلته ، إذ أن تقوس فمها الصغير قد ازداد و بدأت عيناها تحمرّان قالت : " و هل ستأخذني معك ؟ " هنا ... عضضت على شفتي و جاء دور فمي أنا ليتقوس حزنا ... طردت الموجة الحزينة التي اعترتني و قلت : " من أخبرك بأنني سأسافر ؟؟ " " سمعت والداي يتحدثان بهذا " مسحت على رأسها و قلت : " سأسافر فترة مؤقتة لأدرس ثم أعود " " و أنا ؟؟ " " ستبقين مع الجميع و حالما أنهي دراستي سأعود و آخذك إلى أي مكان في العالم ! " " لا أريدك أن تذهب وليد ! من الذي سيحبني كثيرا مثلك إذا ذهبت ؟ " شعرت بخنجر يغرس في صدري ... رغد ... أيتها الفتاة الصغيرة ... التي تربعت في كل خلايا جسمي ، ألا تعلمين ما يعنيه فراقك بالنسبة لي !؟؟ لا أعرف إن كانت قد أحست بالطعنة التي مزقت قلبي أم أنني أهوّل الأمر ، ألا أن دموعها سالت ببطء من مقلتيها ... دموع أميرتي التي تزلزل كياني ... مددت يدي و مسحت دموعها و أنا أحاول الابتسام : " رغد ! عزيزتي ... لا يزال معك دانة و سامر ... و أمي و أبي ... و نهلة و حسام و سارة ( و سارة هي الابنة الثانية لأم حسام ) مع أمهم ! و كل صديقاتك ! لن تكوني وحيدة ! أنا فقط من سيكون وحيدا ! " قالت بسرعة : " خذني معك ! " ضغطت على قبضتي ، و قلت : " يا ليت ! لا يمكنني ... صغيرتي ! لكنني عندما أعود ... " و لم أكمل جملتي ، رمت رغد بكتابها جانبا و قاطعتني بسيل من الضربات الخفيفة الموجهة إلى صدري ... إلى قلبي ... إلى روحي ... إلى كل عصب حي في جسدي ... و شريان نابض ... " لا تذهب ... لا تذهب ... لا تذهب ... " " رغد ... " " أنت قلت أنك ستعتني بي كل يوم و دائما ! لا تذهب ... لا ... لا ... لا .. " و أخذت تبكي بعمق ... و كلما حاولت المسح على رأسها أبعدت يدي و ضربت صدري استنكارا ... ضرباتها لم تكن موجعة ، لو أنني لم أكن مصابا ببعض الكدمات و الرضوض في صدري ، أثر عراكي الأخير مع عمّار و أصحابه ... شعرت بالألم ، و لكنني لم أحرك ساكنا ... تركت لها حرية التعبير عن مشاعرها قدر ما تشاء ... لم أوقفها ... لم أبعدها ... لم أنطق بكلمة بعد ... إنها رغد التي تربت في حضني ... و عانقت ذات الصدر الذي تضربه الآن ... ليتهم لم يحرقوا الجامعة ... ليتهم لم يحرقوا المصنع ... ليتهم أحرقوا شيئا آخر ... ليتهم أحرقوا عمّار ! و يبدو أن صوت رغد قد وصل إلى مسامع والدي فجاء إلى غرفتي و وقف عند فتحة الباب ... عندما رأى ولدي رغد تضربني ، غضب من تصرفها و بصوت حاد قال ، و هو واقف عند الباب : " رغد ... توقفي عن هذا " رغد رفعت رأسها و نظرت إلى والدي ، ثم قالت : " لا تدعه يذهب " إلا أن أبي قال بحدة : " خذي كتابك و عودي إلى أمك ، و دعي وليد يدرس " لم تتحرك رغد من مكانها ، فرفع والدي صوته بغضب و قال : " ألم تسمعي ؟ اذهبي إلى أمك و كوني فتاة عاقلة " رغد التقطت كتابها من على الأرض ، و خرجت من الغرفة أما قلبي أنا فكان يعتصر ألما ... بعدها ، قلت لأبي : " لماذا يا أبي ؟ إنها ستظل تبكي لساعات ! جاءت تطلب مني تعليمها " والدي قال بغضب : " لقد كانت والدتك تعلّمها ، و حين جيء بذكر سفرك ، حملت كتابها و أتت إليك ، نهيناها فلم تطع " قلت مستاءا : " لكنك صرفتها بقسوة يا أبي " لم تعجب جملتي والدي فقال : " أنت تدللها أكثر من اللازم يا وليد ... يجب أن تعلمها أن تحترمك لا أن ترفع يدها عليك هكذا ، تصرف سيئ " " لكني لا أستاء من ذلك يا أبي ... إنها مجرد طفلة ، كما أنني أتضايق كثيرا إذا أساء أحد إليها ، والدي ... أرجوكم لا تقسوا عليها بعد غيابي ... " من يدري ماذا يحدث ؟ بعد أن أغيب ...؟ هل سيسيء أحد إلى طفلتي ؟؟ إنني لا أقبل عليها كلمة واحدة ... ليتني أستطيع أخذها معي ! انتظرت حتى انصرف والدي من المنزل ، ثم فتشت عن رغد ، فوجدها في غرفتها ... و كما توقعت ، كانت غارقة في الدموع ... أقبلت إليها و ناديتها : " رغد يا صغيرتي ... " رفعت رأسها إلي ، فرأيت العالم المظلم من خلال عينيها البريئتين ... اقتربت منها و طوّقتها بذراعي ، و قلت ... " لا تبكي يا عزيزتي فدموعك غالية جدا ... " قالت : " لا تذهب ... وليد ... " قلت : " لا بد أن أذهب ... فسفري مهم جدا ... " " و أنا مهمة جدا " " طبعا أميرتي ! أهم من في الدنيا ! " أمسكت بيدي في رجاء و قالت : " إذا كنت تحبني مثلما أحبك فلا تسافر " في لحظة جنون ، كنت مستعدا للتخلي عن أي شيء ، في سبيل هذه الفتاة ... و بدأت أفكار التخلي عن حلم الدراسة تنمو في رأسي تلك اللحظة ... ليتني ... أيا ليتني استمعت إليها ... يا ليتني فقدت عقلي و جننت لحظتها بالفعل ... لكنني للأسف ... بقيت متشبثا بحلمي الجميل .... " عزيزتي ، سأكون قريبا ... اتصلي بي كل يوم و أخبريني عن كل أمورك ! و إذا تشاجرت معك دانة فأبلغيني حتى أعاقبها حين أعود ! " نظرت إلي نظرة سأضيفها إلى رصيد النظرات التي لن أنساها ما حييت ... ما حييت يا رغد لن أنسى هذه اللحظة ... " وليد ... خذلتني ... لم أعد أحبك " ]]]تتمة]]] ]]]تتمة]]] رغد لم تكلمني طوال الصباح التالي ، بل و لم تنظر إلي ... كانت حزينة و قد غابت ضحكتها الجميلة و مرحها الذي يملأ الأجواء حياة و حيوية ... الجميع لاحظ ذلك ، و استنتجوا أنه بسبب موضوع سفري و غضب والدي منها يوم الأمس ... و كالعادة ، أوصلت سامر إلى مدرسته ، ثم دانة و رغد .... وهي تسير مبتعدة عن السيارة و متجهة نحو مدخل المدرسة ، كانت رغد مطأطئة الرأس متباطئة الخطى جعلت أراقبها قليلا ، فألقت علي نظرة حزينة كئيبة لم أتحمل رؤيتها فابتعدت قاصدا المكان الذي سأجري فيه اختباري المصيري ... المشوار إلى هناك يستغرق قرابة الساعة ، و كنت ألقي بنظرة على الساعة بين الفينة و الأخرى خشية التأخر أعرف أنها فرصة العمر و أي تأخير مني قد يضيعها ... حينما أوشكت على الوصول ، وردتني مكاملة هاتفية عبر هاتفي المحمول من صديقي ( سيف ) يتأكد من وشوكي على الوصول . و سيف هذا هو أقرب أصحابي ، و هو مرشح معي أيضا لدخول الامتحان . بعد دقيقة ، عاد هاتفي يرن من جديد ... كان رقما مجهولا ! " مرحبا ! لابد أنك وليد ! " بدا صوتا غير معروف ، سألته : " من أنت ؟؟ " قال : " يا لذاكرتك الضعيفة يا مسكين ! يبدو أن الضرب الذي تلقيته من قبضتي قد أودى بقدراتك العقلية ! " الآن استطعت تمييز المتحدث ... إنه عمّار ! " عمّار ؟؟؟ !" " أحسنت ! هكذا تعجبني ! " استأت ، كيف حصل على رقم هاتفي الخاص و ما الذي يريده مني ؟ " ماذا تريد ؟ " " انتبه و أنت تقود ! أخشى أن تصاب بمكروه ! " " أجب ماذا تريد ؟؟ " ضحك ذات الضحكة الكريهة و قال : " لا شك أنك في طريقك للامتحان ! أليس كذلك ! إن الوقت سيستغرق منك أقل من ساعتين فيما لو قررت الذهاب إلى المطار ! " ضقت ذرعا به ، قلت : " هل لي أن أعرف سبب اتصالك ؟ فإما أن تقول ماذا أو أنه ِ المكالمة " " رويدك يا صديقي ! سأمهلك ساعتين فقط ، حتى تمثل أمامي و تعتذر قبل أن أسافر بهذه الصغيرة بأي طائرة ، إلى الجحيم ! " بعدها سمعت صرخة جعلت جسدي ينتفض فجأة و يدي ترتعشان ، و المقود يفلت من بينهما ، و السيارة تنحرف عن حط مسيرها ، حتى كدت أصطدم بما كان أمامي لو لم تتدخل العناية الربانية لإنقاذي .... " وليد ... تعال ... " لقد كان صوت رغد .... جن جنوني ... فقدت كل معنى للقدرة على السيطرة يمكن أن يمتلكه أي إنسان ... مهما ضعف صرخت : " رغد ! أهذه أنت رغد ؟؟ أجيبي " فجاء صوت صراخها و بكاؤها الذي أحفظه جيدا يؤكد أن أذني لا زالتا تعملان بشكل جيد ... " رغد أين أنت ؟ رغد ردي علي ّ " فرد عمّار قائلا : " تجدنا في طريق المطار ! لا تتأخر فطائرتي ستقلع بعد ساعتين ... إلا إن كنت لا تمانع في أن أصطحب شقيقتك معي !؟ " صرخت : " أيها الوغد أقسم إن أذيتها لأقتلنك ... لأقتلنك يا جبان " ضحك ، و قال : " لا تتأخر عزيزي و لا تثر غضبي ! تذكر ... طريق المطار " ثم أنهى المكالمة ... استدرت بسيارتي بجنون ، و انطلقت بالسرعة القصوى متجها نحو المطار ... لم أكن أرى الطريق أمامي ، الشوارع و السيارات و الإشارات ... اجتزتها كلها دون أن أرى شيئا منها لم أكن أرى سوى رغد و أتذكر كيف كانت تنظر إلي قبل ساعة ... ثم أتخيلها في مكان بين يدي عمّار لم أعرف كيف أربط بين الأحداث أو أفكر في كيفية حدوث أي شيء ... أريد أن أصل فقط إلى حيث رغد لا أعرف كم الوقت استغرقت ... شهر ؟ سنة ؟ قرن ؟ بدا طويلا جدا لا نهاية له ... و سرت كقارب تائه في قلب المحيط ... أو شهب منطلق في فضاء الكون ... لا يعرف إلى أين ... و متى و كيف سيصل ... و بم سيصطدم ... أخذت هاتفي و اتصلت برقم عمّار الظاهر لدي ، أجاب مباشرة : " لقد انقضت عشرون دقيقة ! أسرع فشقيقتك ترتجف خوفا ! " " إياك أن تؤذها ... و إلا ... " " سأفعل إن تأخرت ! " " أيها الـ ... ... ... دعني أتحدث إليها " جاءني صوتها الباكي المذعور : " وليد لا تتركني هنا " " رغد ... عزيزتي أنا قادم الآن ... لا تخافي صغيرتي أنا قادم " " أنا خائفة وليد تعال بسرعة أرجوك ... آه ... أرجوك ... " أي عقل تبقى لي ؟؟ لماذا لا تتحرك هذه السيارة اللعينة ؟ لماذا لم اشتر صاروخا لمثل هذه الظروف ؟ لماذا لم تحترق في الحرب يا عمّار ... ألف لعنة و لعنة عليك أيها الجبان ... ويل لك مني .. بعد ساعة و نصف ، و فيما أنا منطلق كالبرق على الشارع المؤدي إلى المطار ، إذا بي ألمح سيارة تقف جانبا ، و يقف عندها رجل و أنا أقترب توضح لي أنه عمّار بسرعة ، أوقفت سيارتي خلف سيارته مباشرة و نزلت منها كالقذيفة و ركضت نحوه ، في الوقت الذي فتح هو في الباب ، و أخرج رغد من السيارة ... جاءت رغد تركض نحوي فالتقطتها و رفعتها عن الأرض و أطبقت بذراعي حولها بقوة ... " رغد ... رغد صغيرتي ... أنا هنا ... أنا هنا عزيزتي " رغد كانت تحاول أن تتكلم لكنها لم تستطع من شدة الذعر ... كانت ترتجف بين يدي ارتجاف الزلزال المدمر ... كانت تحاول النطق باسمي لكن لم تستطع النطق بأكثر من " و ... و ... و " انهمرت دموعي كالشلال و أنا أضغط عليها و هي تضغط علي و تتشبث بي بقوة و أشعر بأصابعها تكاد تخترق جسدي فيما ترفع رجليها للأعلى كأنما تتسلقني خشية أن تلامس رجلها الأرض و تفقدها الأمان ... " أنا معك عزيزتي لا تخافي ... معك يا طفلتي معك ... " حاولت أن أبعد رأسها قليلا عني حتى أتمكن من رؤية عينيها و إشعارها بالأمان ، لكنها بدأت بالصراخ و تشبثت بي بقوة أكبر و أكبر كأنها تريد أن تدخل بداخلي ... " وليد ! لديك امتحان مهم ! هل ستضيّع الفرصة ؟ " قال هذا عمّار الوغد و أطلق ضحكة كبيرة ... انتابتني رغبة في تحطيمه ألا أن رغد عادت تصرخ حينما خطوت خطوة واحدة نحوه ... " خسارة يا وليد ! جرّب حظك في مصنع والدي ! " و ابتسم بخبث : " دفّعتك الثمن ... كما وعدت " ثم استدار و هم بركوب سيارته ... خطوت خطرة أخرى نحوه ، فأخذت رغد تصرخ بجنون : " لا .. لا .. لا .. لا .. لا " انثنى عمّار ليدخل السيارة ، ثم توقف ، و استقام ، و استدار نحوي و قال : " نسيت أن أعيد هذا ! " و من جيب بنطاله أخرج شريطا قماشيا طويلا ، و رماه في الهواء باتجاهي رقص الشريط كالحية في الهواء ، وأنا أراقبه ، في نفس اللحظة التي ظهرت فيها طائرة في السماء مخترقة قرص الشمس المعشية ، و دوت بصوتها في الأجواء ، فيما يتداخل صوتها مع صوت عمّار وهو يقول : " إلى الجحيم ! " ثم هبط الشريط المتراقص تدريجيا و بتمايل حتى استقر عند قدمي ّ ... ركزت نظري على الشريط ، لأكتشف أنه الحزام الذي تلفه رغد حول خصرها ، و التابع لزيها المدرسي الذي ترتديه الآن ... رفعت نظري ببطء و ذهول و صعق إلى وجه عمّار ، فحرك هذا الأخير زاوية فمه اليمنى بخبث إلى الأعلى في ابتسامة قضت علي ّ تماما ... و دمرتني تدميرا أبعدت وجه رغد عن كتفي و أجبرتها على النظر إلي ... فيما أنا عاجز عن رؤية شيء ... من عشي الشمس ... و هول ما أنا فيه ... لم أر إلا دمارا و حطاما و نارا و جحيما ... لهيبا ... و صراخا ... و دموعا تحترق ... و آمالا تتبعثر ... و أحلاما تظلم ... سوادا في سواد ... عند هذه اللحظة ، نزعت رغد عني عنوة ، و دفعت بها أرضا و نظرت من حولي فإذا بي أرى صخور كبيرة قربي ... التقطت واحدة منها ، و بسرعة لا تجعل مجالا للمح البصر بإدراكها ، و قوة لا تسمح لشيء بمعاكستها ، رميتها نحو عمار و هو يهم بركوب سيارته ، فارتطمت برأسه ... و صرخ ... و ترنح لثوان .. ثم هوى أرضا ... و انتفض جسده ... و انتزعت روحه ... و إلى الجحيم ...
__________________ ~~**!!كل عام وأنتم بخير!!**~~ أهديكم أجمل شعور ...وأحلى بخور...بحلول شهر رمضان المبارك رمضان يا كريم...إشفعلي عند رب رحيم...وقارىء الرسالة حميم...بلغه صيامك الفضيل أتمنى أكون...أول مفتون...يرسل تهنئة ويقول...مبروك الشهر يا أحلى عيون في أيامي لا تفوت صيام... ولا تهجر القرأن... ولا تغلط بالكلام قصة "انت لى"ادخلوا وما رح تندموا http://vb.arabseyes.com/t298053.html |
#69
| ||
| ||
الحلقة السادسة****** وقفت جامدا في مكاني ، و أنا أراقب عمّار يترنح ، ثم يهوي ، و تسكن حركاته ... كان دوي الطائرة يزلزل طلبتي أذني ... دققت النظر إليه ... لم يحرّك ساكنا رفعت قدمي بصعوبة و حثثتها على السير نحو عمّار بصعوبة وصلت قربه فرأيت عينيه مفتوحتين ، و الدماء تسيل من أنفه ، و صدره ساكنا عن أية أنفاس ... أدركت ... أنه مات ... و إنني أنا ... من قتله استدرت للخلف و عيناي تفتشان عن رغد ... صغيرتي الحبيبة ... مدللتي الغالية ... مهجة قلبي ... رأيتها تقف بذعر عند سيارتي ، و تنظر إلي و دموعها تنهمر بغزارة ، فيما يستلقي حزامها القماشي على الرمال الناعمة بكل هدوء ... بتثاقل و بطء ، بانهيار و ضعف شديدين ، سرت باتجاهها ... نفذ كل ما كان في جسدي من طاقة ، فكأنما كنت أعمل على بطارية انتزعت مني و تركتني بلا طاقة و لا حراك ... في منتصف الطريق ، انهرت ... خررت على الأرض كما تخر قطعة قماش كانت متدلية كالستار المثبت إلى الحائط و ارتطمت ركبتاي بالرمال ... و هبطت أنظاري برأسي نحو الأرض ... رفعت رأسي بصعوبة و نظرت إلى رغد ، و هي لا تزال واقفة في نفس الموضع و الوضع ... بصعوبة فتحت ذراعي قليلا ، و قلت بصوت مخنوق خرج من رئتي : " تعالي ... " رغد نظرت إلي دون أن تتحرك ، فعدت أقول : " تعالي ... رغد " الآن ، أقبلت نحوي بسرعة ، و بقوة ارتمت في حضني و كادت تلقيني أرضا ... طوّقتني بذراعيها بقوة ، و حين حاولت تطويقها أنا عجزت إلا عن رمي ذراعي المنهارتين حولها بضعف بكيت كثيرا ... و كثيرا جدا ... لما ضاع ... و لما انتهى .. و لما هو آت و محتوم ... بقينا على هذا الوضع بضع دقائق ، لا أقوى على قول أو فعل شيء ... و السكون التام يسيطر على الأجواء ... كان طريقا بريا موحشا ، و لم تمر بنا أية سيارة حتى الآن ... استعدت من القوة ما أمكنني من تحريك يدي قليلا ، فجعلت أمسح على رأس طفلتي و أنا أقول بحرقة و مرارة : " سامحيني يا رغد ... سامحيني ... " رغد استردت أنفاسها التائهة ، و قالت و وجهها لا يزال مغمورا في صدري : " دعنا نعود للبيت " أبعدت رأسها قليلا عني و سمحت لأعيينا باللقاء ... و أي لقاء ؟؟ لقاء مبلل بسيول عارمة من الدموع الدامية لم يجد لساني ما يستطيع النطق به ... حاولت النهوض أخيرا ، و ذراعاي تجاهدان من أجل حمل الصغيرة ، ففشلت أطلقت صيحة حسرة و ألم مريرة تمنيت لو أنها زلزلت الكون كله ، و حطمت كل الأجرام و الكواكب و من عليها ... و محت الدنيا من الوجود ... و طفلتي الصغيرة تبكي على صدري مذعورة فزعة ... و عدوّي الوغد جثة هامدة تقطر دما ... و حلمي الكبير قد ضاع و تلاشى كغبار عصفت به ريح غادرة ... و مصيري المجهول البعيد ... كما وراء الأفق ... و الساحة الخالية إلا من رغد وأنا ... و الشمس تشهد ما حدث و يحدث ... رفعت يدي إلى السماء ... و صرخت : " يا رب .... " استطعت أخيرا أن اشحن بالطاقة الكافية ، لأنهض و أحمل صغيرتي على ذراعي ، و أسير بها نحو السيارة ... لم أجلسها على المقعد المجاور لا ، بل أجلستها ملتصقة بي ، فأنا لا أريد لبضع بوصات أن تبعدها عني ... رن هاتفي المحمول ، و الذي كان في السيارة ، ألقيت نظرة لا مبالية على اسم المتصل الظاهر في الشاشة ، كان صديقي سيف ، أخذت الهاتف و أسكته ، و ألقيت به جانبا ... فكل شيء قد انتهى ... انطلقت بالسيارة ببطء ، و أنا لا أعرف إلى أين أتجه ... فكل شيء أمامي كان مبهما و مجهولا ... قطعت مسافة طويلة في اتجاهات متعددة ، و نار صدري تتأجج ، و دموعي عاجزة عن إطفاء شرارة واحدة منها ... صغيرتي ، ظلت متشبثة بي ، لا تتكلم ، و تنحدر دمعة من عينها تخترق صدري و تمزق قلمي قبل أن ينتهي بها المصير إلى ملابسها المتعطشة لمزيد من الدموع ... بعد فترة ، مررت في طريقي بحديقة عامة و تصورا أي تصرف لا يمت لوضعي بصلة ، هو الذي بدر مني دون تفكير ! " رغد عزيزتي ، ما رأيك باللعب هنا قليلا ؟ " رغد رفعت بصرها إلي ببراءة و شيء من الاستغراب ... فحتى على طفلة صغيرة محدودة المدارك ، لا يبدو هذا تصرفا طبيعيا .. " سأشتري بعض البوضا لنا أيضا ! هيا بنا " و أوقفت السيارة ، و فتحت الباب ، و نزلت و أنزلتها عبر الباب ذاته . أمسكت بيدها و حثثتها على السير معي نحو مدخل الحديقة هناك ، كان العدد القليل جدا من الناس يتنزهون ، مع أطفالهم الصغار ، فهو نهار يوم دراسي و حار ... إنني أعرف أن صغيرتي تحب الأراجيح كثيرا ، لذا ، أخذتها إلى الأرجوحة و بدأت أؤرجحها بخفة ... تخلخل الهواء ملابسها الغارقة في الدموع ، فجففها ، و صافحت وجهها الكئيب فأنعشته ... تصوروا أنها ابتسمت لي ! عندما كانت رغد تبتسم ، فإن الدنيا كلها ترقص بفرح في عيني ّ و البهجة تجتاح فؤادي و أي غبار لأي هموم يتبعثر و يتلاشى ... أما هذه الابتسامة ... فقد قتلتني ... لم أع لنفسي إلا و الدموع تقفز من عيني ّ قفزا ، و أوصالي ترتجف ارتجافا ، و قلبي يكاد يكسر ضلوعي من شدة و قوة نبضاته ... تبتسمين يا رغد ؟ بكل بساطة ... و كأن شيئا لم يكن !؟ ألا يا ليتني ... قتلتك يا عماّر يوم تعاركنا ... ليتني قضيت عليك منذ سنين ... ليتني أحرقتك قبل أن تحرق قلبي و تدمر ماضي و مستقبلي ... و تحطّم أغلى ما لدي ... " وليد " انتبهت على صوت رغد تناديني ، و أنا غارق في الحزن المرير ... مسحت دموعي بلا جدوى ، فالسيل منهمر و الدمعة تجر الدمعة ... " نعم غاليتي ؟ " " هل نشتري البوضا الآن ؟ " أغمضت عيني ... و أوقفت الأرجوحة شيئا فشيئا ، فنزلت و استدارت إلي ... فأخذتها في حضني و قلت باكيا و مبتسما : " نعم يا صغيرتي ، سنشتري البوضا و أي شيء تريدينه ... و كل شيء تتمنينه ... أي شيء أيتها الحبيبة ... أي شيء ... أي شيء ... " و انخرطت في بكاء قوي ... رغد ، تبدلت تعابير وجهها و قالت و هي تندفع للبكاء : " لا تبكي وليد أرجوك " و أجهشت بكاءا هي الأخرى ... جذبتها إلى صدري و طوقتها بحنان و عاطفة ممزقة ... و بكينا سوية بكاءا يعجز اللسان عن وصفه ... و القلب عن تحمله .. و الكون عن استيعاب فيض عبره و امتزجت دموعنا ... و لو مر أحد منا لبكى ... و لو شهدتم بكاءنا لخررتم باكيين ... ألا و حسبنا الله و نعم الوكيل .... بعد ذلك ، مسحت دموعها و دموعي ، و ابتسمت لها : " إلى البوضا الآن ! " حملت الطفلة الصغيرة الحجم الخفيفة الوزن الضئيلة الجسم البريئة الروح على ذراعي ، فهي تحب ذلك ... و أنا سأفعل كل ما تحبه و تريده ... و لو أملك الدنيا و ما عليها لقدمتها لها فورا ... قبل الرحيل ... و هل سيعوّض ذلك شيئا ...؟؟ اشترينا البوضا ، و جلسنا نتناولها قرب النافورة ، و حين فرغت من نصيبها اشتريت لها واحدا آخر ... و كذلك ، أطعمتها البطاطا المقلية فهي تحبها كثيرا ! أطعمتها بيدي هاتين ... نعم ... بهاتين اليدين اللتين كثيرا ما اعتنتا بها ... في كل شيء ... و اللتين قتلتا عمّار قبل قليل ... و اللتين ستكبلان بالقيود ، و تذهبان إلى حيث لا يمكنني التكهن ... جعلتها تلعب بجميع الألعاب التي تحبها ، دون قيود و دون حدود ، بل ركبت معها و للمرة الثانية في حياتها ذلك القطار السريع الذي جربنا ركوب مثيله قبل 3 سنوات ... و كم أسعدتها التجربة الثانية ! نعم ... ببساطة ... أسعدتها ! كأي طفلة صغيرة وجدت فرصة لتلهو ... دون أن تدرك حقائق الأمور ... لهونا كثيرا ... ، و حين اقترب الموعد الذي يفترض أن أكون فيه عند مدرسة رغد و دانة ، في انتظار خروجهما ... " عزيزتي ، سنذهب لأخذ دانة من المدرسة ، لا تخبريها عن أي شيء " نظرت رغد إلي باستفهام ، أمسكت بكتفيها و قلت مؤكدا : " لا تخبري أحدا عن أي شيء ، أنا سأخبرهم بأنك لم تشائي الذهاب للمدرسة فأخذتك معي ... اتفقنا رغد ؟ عديني بذلك ؟ " و ضغط على كتفيها و بدا الحزم في عيني ... فقالت : " حسنا " قلت مؤكدا : " أخبريهم فقط أنك ذهبت معي ، و نمت أثناء الطريق و لا تعلمين أي شيء آخر ... لا تأتي بذكر أي شيء آخر رغد ... فهمت ِ عزيزتي ؟ " " نعم " " عديني بذلك يا رغد ... عديني " " أعدك ... وليد " " إذا أخلفت وعدك ، فإنني سأرحل و لن أعود إليك ثانية " توجم وجهها ، ثم أمسكت بيدي و شدّت قبضتها بقوة و اغرورقت عيناها بالدموع و تعابيرها بالفزع و قالت : " لا لا ترحل وليد . أرجوك . لا تتركني . أعدك . أعدك " وصلنا إلى البيت أخيرا ، بدا الوضع شبه طبيعي ، إلا من سكون غريب من قبل رغد و التي يفترض بها أن تكون مرحة ... الكل عزا ذلك للحزن الذي يعتريها بسبب سفري المرتقب . سألتني أمي : " كيف كان الامتحان ؟ " قلت : " سأخبرك بعد الغذاء " و تركت العائلة تنعم بوجبة هنيئة أخيرة ... بعد ذلك ، ذهبت إلى غرفة والدي ّ في وقت قيلولتهما الصغيرة ... " والدي ... والدتي ... لدي ما أخبركما به " بدا القلق على وجهيهما ، و تلعثمت الكلمات على لساني... أمي ، حين لاحظت حالتي المقلقة قالت : " هل الامتحان .... ؟؟ " قلت : " لم أحضر الامتحان " اندهشا و تفاجأا ... قال والدي : " لم تحضره ؟ كيف ؟؟ لماذا ؟؟ ماذا حصل ؟؟ " نظرت إليهما ، و سالت دموعي ... و انهرت ... و طأطأت رأسي للأرض ... هتفت أمي بقلق و فزع : " وليد ؟؟ " أخذت نفسا عميقا ... و رفعت بصري إليهما و بلسان مرتجف و جسد يرتعش و شفتين مترددتين قلت : " لقد .... قتلت عمّار " ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ الهاتف المحمول الخاص بعمار، و الرقم الأخير الذي تم طلبه ، و الأخير الذي تم استقباله فيه ، و توقيت الاتصال ، و توقيت حدوث الوفاة ، و العراك الذي حصل مؤخرا بيني و بينه و تدخلت فيه الشرطة ، و عدم حضوري للامتحان ، كلها أمور قد قادت الشرطة إلي ّ بحيث لم يكن اعترافي ليزيدهم يقينا بأنني الفاعل ... بقي ... شيء حيّرهم ... تركته ساكنا في قلب الرمال ... حزام رغد ما سر وجوده هناك ... ؟؟ أنكرت أي صلة لرغد بالموضوع بتاتا ، و لدى استجوابها أخبرتهم أنها لا تعرف شيئا ، حسب اتفاقنا سيف أيضا تم التحقيق معه ، و أكد للشرطة أنه حين اتصل بي كنت على مقربة من المبنى حيث قاعة الامتحان و ظل السؤال الحائر : لماذا عدت أدراجي ؟ ما الذي دفعني للذهاب إلى شارع المطار ، و الشجار مع عمّار ، و من ثم قتله لماذا قتلت عمّار ؟؟ ما الذي أخفيه عن الجميع ؟؟ والد صديقي سيف كان محاميا تولى الدفاع عني في القضية ، باعتبار أنني قتلته دون قصد ... و أثناء شجار ... و بدافع كبير أصر على كتمانه ... و سأظل أكتمه في صدري ما حييت ... فإن هم حكموا بإعدامي ... أخبرت أمي قبل تنفيذ الحكم ... و إن عشت ، سأقتل السر في صدري إلى أن أعود ... من أجل صغيرتي ... تعقدت الأمور و تشابكت ... و ظلّ الغامض غامضا و المجهول مجهولا ، و حكم علي ّ بالسجن لأمد بعيد ... " أمي ... أرجوك ... لا تخبري رغد بأنني ذهبت للسجن ... اخبريها بأنني سافرت لأدرس ... و سأعود حالما أنتهي ... و قولي لها أن تنتظرني " " أبي ... أرجوك ... لا تقسو على رغد أبدا ... اعتنوا بها جيدا جميعكم ... فأنا لن أكون موجودا لأفعل ذلك " كان ذلك في لقائي الأخير بوالدي ّ ، قبل أن يتم ترحيلي إلى سجن العاصمة حيث سأقضي سنوات شبابي و زهرة عمري فيه ... بدلا من الدراسة في الجامعة ... و أعود إن قدرت لي العودة خريج سجون بدلا من خريج جامعات ... و بمستقبل أسود منته ، بدلا من بداية حياة جديدة و أمل ... هكذا ، انتهت بي الأحلام الجميلة ... هكذا ، أبعدت عن رغد ... محبوبتي الصغيرة ، و لم يبق لي منها إلا صورتين كنت قد وضعتهما في محفظتي قبل أيام ... و ذكريات لا تنسى أحملها في دماغي و أحلم بها كل ليلة ... و صورتها الأخيرة مطبوعة في مخيلتي و هي تقول : " لا لا ترحل وليد . أرجوك . لا تتركني "
__________________ ~~**!!كل عام وأنتم بخير!!**~~ أهديكم أجمل شعور ...وأحلى بخور...بحلول شهر رمضان المبارك رمضان يا كريم...إشفعلي عند رب رحيم...وقارىء الرسالة حميم...بلغه صيامك الفضيل أتمنى أكون...أول مفتون...يرسل تهنئة ويقول...مبروك الشهر يا أحلى عيون في أيامي لا تفوت صيام... ولا تهجر القرأن... ولا تغلط بالكلام قصة "انت لى"ادخلوا وما رح تندموا http://vb.arabseyes.com/t298053.html |
#70
| ||
| ||
الحلقة السابعة******* لأن أخي وليد لم يعد موجودا ، فسأخبركم أنا ببعض ما حدث في بيتنا بعد المصيبة العظمى . لم يكن تقبل أي منا لا أنا و لا والديّ أو دانة أو رغد لغياب وليد بالشيء السهل مطلقا و خصوصا رغد ، فهي متعلقة به كثيرا و رحيله أحدث كارثة بالنسبة لها مرضت رغد في بداية الأمر بشكل ينذر بالخطر . وليد قبل أن يخرج مع أبي من المنزل ذلك اليوم إلى حيث لم نكن نعلم ، مر بغرفة رغد و قد كانت مقيلة بعد الظهيرة . أظنه ظل ّ يبكي هناك لفترة طويلة ... فتش جيوبه ثم أخرج مجموعة من تذاكر ألعاب حديقة الملاهي ، و وضعها إلى جانبها كما وضع ساعة يده ... ثم قبل جبينها و غادر أتى إلينا واحدا واحدا و جعل يعانقنا بحرارة و دموع مستمرة ... عندما سألت دانة : " إلى أين تذهب يا وليد ؟؟ " أجاب أبي : " سيسافر ليدرس كما تعلمون " الذي نعلمه أن موعد السفر لم يكن في ذلك اليوم ... و لو يكن قد تحدد إنني لم أعرف أنه في السجن غير اليوم التالي ، و قد أجبرت على كتم السر هذا عن الصغيرتين . صحيح أنني تمنيت أن يهلك عمّار لحظة أن سحر مني و جعل الناس من حولي يضحكون علي ، إلا أنني لم أتمنى أن يكون شقيقي الأكبر و أخي الوحيد هو من يهلكه... خلال السنوات الماضية ، كثيرا ما كان الشجار ينشب بينهما و عراكنا الأخير لم يكن غير حلقة من السلسلة ... خاتمة السلسلة الحلقة الأخيرة ... فيما كنا جالسين في غرفة المعيشة بعد مغادرة أبي و وليد وصلنا صراخ غير طبيعي من غرفة رغد أسرعنا جميعا نحوها فوجدناها في حالة فظيعة من الذعر و الخوف ... و تصرخ " وليد ... وليد ..." تلت ذلك مرات و مرات و حالات و حالات من الذعر و الفزع و الانهيار التي أودت بصحة الصغيرة لأسابيع ... في كل يوم ، بل كل ساعة ، تقوم رغد بالاتصال بهاتف وليد لكن دون جدوى " لقد قال أنه سينتظر اتصالي كل يوم " لقد كانت تعتقد أنه سافر .. " أنا وفيت بوعدي ... يجب أن يفي بوعده " و الكثير من الهلاوس و الوساوس ... و التصرفات الغير طبيعية التي صدرت منها ... و بدلا من أن تكبر ... أظنها صغرت و عادت للوراء ست سنين ، أي كما جاءتنا أول مرة ... بكاء مستمر ، و خوف لا مبرر له ، تشبث جنوني بأمي ، حتى في النوم . رفضت الذهاب للمدرسة أول الأيام ، كثيرا ما كانت تدخل غرفة وليد و تستلقي على سريرة و تبدأ بالبكاء ثم الصراخ ، حتى اضطرت والدتي لقفل تلك الغرفة لحين إشعار آخر ... توالت الأيام ، و بدأت حالتها تهدأ شيئا فشيئا ، و تعتاد فكرة أن وليد لم يعد موجودا ، و أنه سيعود بعد زمن طويل ... أما تذاكر اللعب ، فحين أردت أخذها ذات مرة لتلهو في الحديقة ، رفضت ... و قالت : " سأذهب مع وليد حينما يعود " و أما الساعة ، فلا تزال تحتفظ بها بين أشيائها النفيسة ... " سأعيدها لوليد حين يعود " لأنه نقل إلى سجن العاصمة ، فإننا لاقينا بعض الصعوبات في زيارته ، خصوصا و أوضاع البلد تدهورت كثيرا و الحرب اشتدت و الدمار حل و انتشر و حطّم ما حطم من المباني و الأراضي و الشوارع ... و كل شيء ، و اضطررنا لترك منزلنا و الانتقال لمدينة أخرى ... ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ في كل يوم ، و بين الفينة و الأخرى يزج بشخص جديد إلى السجن . في الفترة الأخيرة ، كان معظم السجناء من مرتكبي الجرائم السياسية أو المتهمين بها ظلما . كنت أنا أصغر الموجودين سنا ، إذ أنني لم أبلغ العشرين بعد و كان وجودي بين السجناء مثيرا للاهتمام . تعرفت على ( زميل ) يدعى نديم . نديم هذا كان متهما بإحدى الجرائم السياسية و قد حكم عليه بسنوات طويلة من السجن و الحرمان من الحياة ... " و من يعتني بزوجتك و ابنتك الآن ؟ " سألته أثناء حديث لنا ، و هل كنا نملك غير الأحاديث ؟؟ أجابني : " ليس لدي الكثير من الأقارب ، إلا أنني اعتقد أنهما ستلجأان إلى أخي غير الشقيق ( عاطف ) فهو مقتدر ماديا و يستطيع مساعدتهما ـ إن قبل " و اكتشفت فيما بعد ، أن عاطف هذا لم يكن غير والد عمّار الذي قتلته ! الذي جعل الأمر يمر مرور الكرام هو أن نديم لم يكن على علاقة وطيدة بأخيه غير الشقيق عاطف او ابنه المتوفى عمّار ... و الذي حدث هو أننا مع الوقت أصبحنا صديقين حميمين رغم ذلك . لقد كان هو الداعم الوحيد لي و المشجع على عيشة السجن المريرة ... و أي مر ؟؟ أي عذاب ؟ أي ضياع ...؟؟ في كل ليلة ، اضطجع على السرير الضيق المهترىء المتسخ ، عوضا عن سريري الواسع المريح ، و أغطي جسدي المنهك بأغطية بالية ممزقة ، بدلا من البطانيات الناعمة النظيفة ... اغمض عيني ّ و أفكر ... و أتذكر ... و أبكي ... أخرج الصورتين من تحت الوسادة القديمة المسطحة، و أحدق بهما ... هنا ، يقف أفراد عائلتي جميعا ، هذا أبي ... هذه أمي ... هذا شقيقي سامر ، و هذه الندبة التي شوّهت وجهه منذ ذلك اليوم ... و هذه دانة ... بظفيرتيها المتدليتين على كتفيها ... و هذه ... هذه ... من هذه ؟؟ إنها دنياي ... حبيبتي الصغيرة المدللة ... طفلتي الغالية ... نبضة قلبي ... رغد تقف إلى جانبي ممسكة برجلي ... كانت تريد مني أن أحملها إلا أنني فضلت أن نلتقط الصورة و هي واقفة إلى جواري ... و في هذه الصورة ... مع دفتر تلوينها ... ما أجملها .. و ما أجمل شعرها الخفيف الناعم ... كم أحب أن أمسح على رأسها ... ما أنعم هذا الملمس ... مسحت بيدي ... شعرت بخشونة ... خشونة السرير الذي ألقي بجسدي عليه ... خشونة الواقع الذي أعيشه ... رفعت يدي و أخذت أحدق براحتي ... و أرى ما علق بها من غبار و حبات رمل تملأ السرير ... صرخت ... صرخت فجأة رغما عني ... " رغد ... أعيدوني إلى رغد ... أخرجوني من هنا ... " في الصباح ... أنهض عن سريري بكل كسل و كل ملل و إحباط فأنا سأنتظر دوري في طابور السجناء الذاهبين إلى دورات المياه ، ثم أخرج من ذلك المكان البغيض و أنا أشعر أنني كنت أكثر نظافة قبل دخولي إليه ، و أذهب إلى حيث يقدّم لنا فطور الصباح ... و أي فطور ... عوضا عن شاي أمي و أطباقها الشهية اللذيذة ، التي كنت أتناولها عن آخرها ، يقدم لنا مشروبا سيء الطعم ، لا أستطيع الحكم عليه بأنه شاي أو قهوة أو أي مشروب آخر ... و أجبر معدتي الجوفاء على هضم طعام رديء لا طعم له و لا رائحة ، حتى أنني أترفع عن مضغه و ازدرده ازدرادا ... و يبدأ يوم فارغ لا أحداث فيه ... تمر الساعة تلو الأخرى دون أن يكون هناك أي تغيير ... لا مدرسة أذهب إليها ... لا رفاق أتصل بهم ... لا أهل أتبادل الأحاديث معهم ... و لا أطفال أرعاهم و أعلمهم ... و لا رغد تظهر فجأة عند باب غرفتي و تقول : " وليــــــــــد ... لوّن معي ! " آه يا رغد ... ما الذي تفعلينه الآن ؟ ما الذي فعلته بعد غيابي ؟ هل يعتنون بك جيدا ؟؟ رغد ... أكاد أموت شوقا إليك ... ليتك تقفزين من مخيلتي و تظهرين أمامي ، كما كان يحدث سابقا .... " أخرجوني من هنا ... أخرجوني من هنا .. " لو لم يكن نديم موجودا ، أظن ... أنني كنت سأصاب بالجنون . ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ اليوم سيأتي أهلي لزيارتي حسب الاتفاق . في مثل هذا اليوم أكون أنا محلقا في السماء و في حالة توتر مستمرة ... أهلي بعد أن كانوا يزورونني 3 مرات في الأسبوع ، اقتصروا على واحدة بسبب صعوبة الحضور و مشقة المشوار ... أذرع الغرفة ذهابا و إيابا في توتر شديد ... منتظرا لحظة مجيئهم . " ما بك يا وليد ! اجلس ! ألم تتعب من المشي ذهابا و عودة ؟ لقد أصبتني بالدوار ! " " لا أستطيع التوقف يا نديم ... والداي و أخي سامر سيحضرون في أية لحظة ! أنا مشتاق لهم كثيرا جدا " " على الأقل ... أنت لديك من يزورك ! أما أنا فلا علم لي بحال زوجتي و ابنتي ... ربما أصابهما مكروه " التفت إلى نديم و أنا مندهش من صبر هذا الرجل و قدرته على التحمل ... من هذا الرجل العظيم ، تعلّمت أشياء كثيرة ... و أدين له بالكثير ... قلت : " لا بد أنهما لم تحصلا على تصريح لزيارتك ... خصوصا و أنت ( مجرم سياسي ) و يخشى منك ! " ابتسم نديم ، و قال مازحا : " نعم ! فأنا ألعب بمصير دولة و شعب كامل ، لا رجل واحد ! لم لا تعمل معي بعد خروجنا من هنا ؟ " " بعد خروجي من هنا ، فإن آخر شيء أفكر به هو العودة ! أبقني بعيدا عن السياسة و الدولة و الشعب ... إنني فقط أريد العودة إلى أهلي ... " نعم ، فمن يجرّب عيشة كهذه لا يمكن أن يسلك طريقا قد يعيده إليها . هنا ، فُتح الباب ، فاقشعر بدني و تأهبَت أذناي لسماع ما سيقوله الحارس ... ربما جاء دوري للزيارة ... وقفنا جميعا ، أنا و نديم و جميع من كان معنا لدى سماعنا جلبة و ضوضاء قادمة من ناحية الباب ، و من ثم رؤيتنا للحراس و الضباط يدخِلون ثلاثة من الرجال المكبلين بالحديد إلى داخل السجن ، و يدفعون بهم دفعا و ينهالون عليهم بالضرب العنيف ... لقد كان مشهدا مريعا هزّ قلوبنا جميعا ، و حين قاوم أحدهم رجال الشرطة و حاول مهاجمته ، رُمي بالرصاص ... و خر صريعا . حمل بعض الحراس الجثة و أبعدوها خارج الزنزانة ، فيما واصل بعضهم ضرب الرجلين الآخرين حتى أفقدوهما الوعي ... كان منظرا فظيعا جفلت أفئدتنا و اكفهرت وجوهنا لدى رؤيته ... ترك الضباط و الحراس السجينين الجديدين ، و غادروا . وقفت جامدا في مكاني لا أقوى على الحراك ، بعد أن كنت في قمة النشاط و الحركة ، أجول بالغرفة دون سكون .... اقترب بعض الزملاء من الرجلين و حملوهما إلى سريرين متجاورين ، و اعتنوا بهما حتى أفاق أحدهما ، و علمنا منه أنهم ـ أي الثلاثة ـ ( متهمون بجرائم سياسية ) و محكوم عليهم بالإعدام . أخبرنا المجرم الجديد هذا عن الأوضاع التي ازدادت تدهورا بشكل كبير جدا ، و أنه تم القبض على مجموعة كبيرة جدا من الشبان بتهم سياسية مختلفة و زج بهم في السجون ، في انتظار حكم الموت ، و أن عدد القتلى من جنود الحرب و كذلك من عامة الناس في ازدياد مطرد ، و أن الحرب حامية الوطيس و المقابر ممتلئة و الفوضى تعم البلاد ... بقيت واقفا عند الباب انتظر ... الوقت يمر و أهلي لم يحضروا ... فهل أعاقهم شيء ؟ أم هل أصابهم مكروه لا قدّر الله ؟ نديم كان يراقبني ، و كلما التفت إليه التقت نظراتنا ، أنا في قلق ، و هو يصبّر ... و كلما التفت إلى الناحية الأخرى ، وقع بصري على الدماء المراقة على الأرض ... فأرفع بصري في ذعر نحو السقف ، فأرى مجموعة من حشرات الجدران تتجوّل بلا رادع ... فأشعر باختناق في صدري ، و أحاول شهق نفس عميق ، فتنجذب إلى أنفي روائح كريهة مختلطة ، مزيج من روائح العرق ... و الدماء ... و الأنفاس ... و بقايا الطعام المتعفن في سلة المهملات ... و دخان السيجارة التي يدخنها الحارس خلف الباب ... " أين والداي ؟ لماذا لم يحضرا ؟ أخرجوني من هنا ... لم أعد أحتمل ... أخرجوني من هنا ... " انهرت و أنا أبكي كطفل أضاع والديه في متاهة ، فأقبل نديم نحوي يواسيني ، بينما أطلق مجموعة من السجناء هتافات الانزعاج و الاستياء أو السخرية مني و من بكائي و نحيبي المتكرر ... إنني ابن العز و النعمة و الرخاء ... و قد تربيت في بيت نظيف وسط عائلة راقية محترمة ... كيف لي أن أتحمّل عيشة كهذه ، و لدهر طويل ، لمجرد أنني قلت شخصا يستحق الموت ؟ لم يحضر والداي في ذلك اليوم ، و لا اليوم الذي يليه ، و لا الأسبوع الذي يليه ، و لا الشهر الذي يليه ، و لا السنين التي تلته واحدة تلو الأخرى .... أصبحت منقطعا بشكل نهائي عن أهلي و عن الدنيا بأسرها اعتقد أن مكروها قد ألم بهم ، و لا أستبعد أن يكونوا قتلوا في الحرب ... الشخص الوحيد الذي حضر لزيارتي بعد عامين كان صديقي القديم سيف . " لا أصدق أنك تذكرتني ! لا بد أنني أحلم ؟ " قلت ذلك ، و أنا مطبق بكل قوتي على صديقي ، كمن يمسك بخيال يخشى ذهابه ... " لم أنسك أيها العزيز ... إنني عدت للبلد بصعوبة قبل أيام ، فكما تعلم كنت مسافرا للدراسة في الخارج ... أوضاع البلد لم تسمح لي بالعودة قبل الآن " سألته بلهفة و خوف : " و أهلي ؟ عائلتي ؟ ما هي أخبارهم ؟؟ أما زالوا أحياء ؟ لماذا لا يزورونني ؟ " سيف طأطأ برأسه و تنهد بمرارة ، فأغمضت عيني ّ و وضعت يدي فوقهما لأتأكد من أن الخبر المفجع لن يصلني ... سيف ربت على كتفي و قال : " لا علم لي بأخبارهم يا وليد ... إذ يبدو أنهم اضطروا للرحيل عن المدينة و ربما سافروا لمكان بعيد ... و لم يتمكنوا من العودة ... " تأوهت ... و شعرت بشيء يخترق صدري فتألمت ... تهت بعيدا ... هل انتهى كل شيء ؟ أمي و أبي ... سامر و دانة ... و الحبيبة رغد ... حياتي كلها ... هل انتهى كل ذلك ..؟؟ شعر سيف بألمي فعانقني بعاطفة ملتهبة ... و قال : " سأحاول تقصي أخبارهم يا وليد ... الدنيا في الخارج مقلوبة رأسا على عقب ... ربما تكون أنت قد نجوت بدخولك هذا السجن ! " أبعدت سيف عني قليلا بما يسمح لأعيننا باللقاء ... قلت : " أريد أن أخرج من هنا ... " أمسك سيف بيدي و شدّ عليها ... عيناه تقولان أن الأمر ليس بيده ... قلت : " سيف ... سيف أنت لا تعلم كم الحياة هنا سيئة ! إنهم ... إنهم يا سيف يضعون الحشرات عمدا في طعامنا و يجبروننا على قضم أظافرنا ... و المشي حفاة في دورات المياه القذرة ! سيف ... إنهم لا يوفرون لنا الأشياء الضرورية كالمناديل و شفرات الحلاقة ! أنظر كيف أبدو ؟ ألست مزريا ؟ عدا عن ذلك ، فهم يضربون و بعنف كل من يبدي استياء ً أو يتذمر ! زنزانتي يا سيف ... لا يوجد فيها فتحة غير الباب المقفل ... لا هواء و لا نور إنني مشتاق إلى الشمس ... إلى الهواء النقي ... إلى أهلي ... إلى الحياة ... إلى كل شيء حرمت منه ... أبسط الأشياء التي تجعلني أحس بأنني بشر ... مخلوق كرّمه الله ! إلى ... فرشاة أسنان نظيفة أنظّف بها أسناني ! " و لو كنت استمررت في وصف حالي له ، لكان فقد وعيه من الذهول ... إلا أنني توقفت حين شعرت بيده ترتخي من قبضها على يدي و رأيت الدموع تتجمع في مقلتيه منذرة بالهطول ... أغمضت عيني ّ بحسرة و أنا أتخيل و أقارن بين حياتي في البيت ، و حياتي في هذه المقبرة ... و جاء طيف رغد و احتل مخيلتي ... الآن ... أراها و هي تقول في لقائنا الأخير : " لا ترحل ... لا تتركني " و تتلاشى هذه الصورة ، ثم تظهر صورتها و هي مذعورة و ترتجف بين ذراعي ، ذلك اليوم المشؤوم .... ثم تظهر صورة عمّار ، و ابتسامته الخبيثة لحظة رميه الحزام في الهواء ... " إلى الجحيم ... " قلت دون وعي مني : " كان يجب أن أقتله ... و لو يعود للحياة ... لقتلته ألف مرّة ... " انتبه صديقي سيف من شروده و تخيله لحالتي الفظيعة ، قال : " لماذا ؟ " نظرت إله ، بصمت موحش ... فعاد يقول : " لماذا يا وليد ؟... الذي دفعك لأن ترمي بنفسك في حياة كهذه لابد أنه ...؟؟ " و لم يتم جملته ، استدرت موليا إياه ظهري ... تماما كما استدرت حين سألني يوم الحادث . سيف لم يصبه اليأس مني ... قال : " أخبرني يا وليد ... فقد يكون أمرا يقلب الموازين و يخرجك من هنا بمدة أقصر ... والدي أكد لنا ذلك فيما مضى و قد يستطيع إعادة النظر في قضيتك بشكل ما ... " بدا و كأن قلبي قد تعلّق بأمل الخروج ... و البحث عن أهلي و العودة إليهم ... و لكن ... ألم يفت الأوان ...؟؟ " وليد ... " استدرت لأواجه سيف ... كانت نظرات الرجاء تملأ عينيه ... إنه الوحيد الذي أتى ليزورني من بين أصحابي و أهلي و الناس أجمعين ... " لماذا وليد ...؟ " " سيف ... " " كنتَ على وشك الوصول لقاعة الامتحان ... ما الذي أخبرك به ، ثم أجبرك على ترك الامتحان و الذهاب إلى تلك المنطقة ؟ و بالتالي ... قتله ؟؟ " " كان يجب أن أقتله ... " " لماذا قل ؟ أخبرني ... " " لأنه ... " " أجل ..؟؟ " " لأنه ... ... لأنه اختطف صغيرتي رغد ... و هددني بإيذائها ما لم أسرع بالحضور لتلك المنطقة ... " أصيب سيف بالذهول ... و اتسعت حدقتا عينيه و انفغر فاه مصعوقا ... قال ، دون أن تتلامس شفتاه : " و ... ؟ " " و انتهى كل شيء .... "
__________________ ~~**!!كل عام وأنتم بخير!!**~~ أهديكم أجمل شعور ...وأحلى بخور...بحلول شهر رمضان المبارك رمضان يا كريم...إشفعلي عند رب رحيم...وقارىء الرسالة حميم...بلغه صيامك الفضيل أتمنى أكون...أول مفتون...يرسل تهنئة ويقول...مبروك الشهر يا أحلى عيون في أيامي لا تفوت صيام... ولا تهجر القرأن... ولا تغلط بالكلام قصة "انت لى"ادخلوا وما رح تندموا http://vb.arabseyes.com/t298053.html |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |