#86
| ||
| ||
لأني أحبك أنت إلى طالبة غالية أحبها جدا في الله.. أرجو الدعاء لها بالثبات.. (كلنا سنحاسب عن أعمالنا.. أعمالنا فقط.. لا أحد سيغني عنك أو يساعدك يومها.. لا أمك.. ولا أبوك.. ولا صديقتك.. الكل سيهرب منك.. تخيلي.. كلهم سيتركونك ويفرون منك!! أحب الناس إليك سيتركونك ويهربون.. ولن ينفعك سوى عملك الصالح فقط.. عملك أنت..).. * * * كنت أستمع لأبلة حصة معلمة التفسير وهي تشرح لنا بطريقتها المبدعة قوله تعالى: (يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه. وفصيلته التي تؤويه) وأنا متأثرة بشدة حتى كادت الدموع تنساب من عيني.. فقد كنت أفكر في نفسي وحالي.. أشعر أن الآية تخاطبني أنا.. نعم.. إنني أجاملهم.. أسايرهم.. أو أخاف منهم.. أخجل كثيراً من تعليقاتهم.. رغم أنهم لن ينفعوني في ذلك اليوم العظيم.. إنهم يحيطون بي.. وهم أقرب الناس إلي.. أبحث جاهدة عمن يساندني.. يعينني.. يثبتني.. لكن دون جدوى.. بل على العكس تماماً.. يسحبوني بشدة نحو عالمهم.. يقنعوني.. يضغطون علي.. فأضعف.. وأتراجع.. والألم يقتلني.. لكن هذه المرة سأتخذ قراراً بإذن الله.. * * * حين أنظر لصوري مع أمي في الصغر.. أجد طفلة لا تحتوي شيئاً مني.. خصلات شقراء ناعمة مرتبة بتسريحة متقنة جداً.. معطف غاية في الأناقة من الفرو.. وضحكة تبدو ممتعة.. في معظم الصور لم تكن أمي تتركني على الأرض.. كانت دائماً تحملني رغم أن عمري تجاوز الخمس سنوات.. تحملني على كتفها.. تحضنني.. تقبلني.. تداعبني.. أنظر في ملامحها.. فأشعر بغصة.. دائماً تنظر إلي.. تنتظر مني أية كلمة أو ابتسامة لتفرح بها.. كم أحتاجها.. وأحتاج حبها وحنانها.. لكن شيئاً ما في داخلي.. يرفضها.. يبغضها على استحياء لأنها تركتني ولم تقاوم كثيراً من أجلي.. لماذا يا أمي؟ لماذا تركتيني بسهولة؟ لم نسيتيني كل هذه السنوات؟ ولم تسألي عني وتركتيني أكبر وأتجاوز أقسى سنوات الطفولة وأكثرها ألماً بعيداً عنك؟ * * * تناديني ماما نجوى من بعيد.. جوجو.. هيا.. العشاء ينتظرك.. لا أعرف لماذا شعرت فجأة بالنفور من صوتها!!.. أصبحت – لا أعرف كيف- أنفر منها بعد أن عشت معها سنوات طويلة.. أشعر أنهم كلهم يخنقونني.. يقتلون شخصيتي.. يفرضون علي حياة لا أريدها ولا أحبها.. سرت بتثاقل نحو طاولة الطعام.. لينا وتالا –ابنتاها- سبقتاني للمائدة.. نظرت إليهما.. يرتديان نفس ملابسهما التي تعودا عليها في البيت.. شورت وقميص بلا أكمام.. كل شيء يبدو عادياً للجميع.. أبي الهاديء دائماً يجلس بصمت.. لم أشعر برغبة في تناول الطعام.. أخذت أنظر لهم جميعاً دون أن يشعروا.. أنظر بتفحص.. ماما نجوى تبدو فعلاً كامرأة غريبة.. ملابسها.. شعرها المصبوغ.. كلامها.. والأدهى عاداتها وأفكارها.. تالا..! .... تالا!! ألا تسمعين؟! كم مرة ينبغي أن أخبرك أن تغلقي الـ Headphone أثناء تناول الطعام؟ ترد تالا بالانجليزية.. أوه ماما.. أرجوك.. إنها تشعرني بالسعادة.. ماذا يضر أن أسمع أثناء الأكل؟ يضر أنك لا تسمعيننا ولا تشاركيننا الحديث.. نريدك معنا يا تالا.. أوف!.. هاه.. وألقت سماعات جهاز التسجيل الموصلة بأذنيها على الطاولة بغضب وقلة احترام.. شعرت بغربة حقيقية في هذه البيئة.. لكني ابتلعت ألمي على مضض.. فكل شيء سيسير هكذا شئت أم أبيت.. * * * تزوج أبي أولاً بامرأة حين كان عمري ست سنوات.. لكنها لم تبقَ معنا سوى سنتين فقط.. كانت ترفض أن تبقى معي حين أخاف وأحتاجها في الليل.. وذات مرة ضربتني حين بللت سريري بعد ليلة كانت فيها حرارتي مرتفعة.. فغضب عليها أبي كثيراً.. وبعدها تركت البيت ولم أرها بعد ذلك.. وبعد سنتين تزوج أبي بماما نجوى.. وهي إنسانة طيبة.. ولديها ابنتان في سني تقريباً.. لكنها غريبة جداً.. فهي متحررة تماماً.. لباسها.. حديثها.. أفكارها.. كل شيء.. متحررة حد الانسلاخ من هويتها.. دينها.. أعرافها.. لكني لم أكن أكرهها.. ولا أحبها.. لا أكرهها لأنها لم تؤذني يوماً.. ولم تجرحني أو تقصّر قي معاملتي.. ولا أحبها لأني لا أشعر بأي حب لها، ولا لأسلوبها كله في الحياة.. كنت أشعر بالغربة معها.. أما ابنتاها فقد كانت علاقتي بهما سطحية جداً.. لم أكن أحب مشاركتهما احتفالات أعياد ميلادهما.. ولا أحاديثهما التافهة حول (أصدقائهما) في الإنترنت.. ولا سباقهما المحموم لجمع صور ريكي مارتن وتعليقها على جدران غرفتهما.. ورغم أن أمي (أجنبية).. إلا أني لا أتحدث بالانجليزية قدرهما في البيت.. ولا أشعر بانتماء لتلك الثقافة قدر ما يشعران به. وأحياناً أرحمهما.. لأنهما أبعد ما يكونان عن سعادة الروح الحقة.. * * * لم يكن أبي أبداً جزءاً هاماً من حياتي.. وهو خارج الصورة دائماً.. إنه إنسان طيب وهادئ.. ولا يمكن أن يؤذي نملة.. لكنه مشغول دائماً.. لا يتكلم إلا نادراً.. ولا يهتم بأي شيء في المنزل.. لا يهتم أبداً.. أحس أنه يرحمني ويعطف علي.. لكني لم أشعر يوماً بحبه.. وتنتابني أحياناً فكرة أنه يعتبرني من أخطاء حياته التي يكفر عنها.. إنني مثل ورم صغير مؤلم في حياته.. أشعره بالألم كلما نظر إلى عيني.. فيبتعد عن مواجهتي.. * * * أشد.. أشد ما يمكن أن يمر على الإنسان من لحظات ألم.. هي تلك التي يمر بها وهو يعلم أن لا أحد ممن حوله .. لا أحد تماماً.. يحس به أو يسانده فيها.. وأشدها على الإطلاق.. التي يشعر فيها أنه لا يعرف إلى أين يهرب من هؤلاء الأقرب إليه.. لا أستطيع أبداً أن أصف شعوري.. كلا.. لا أستطيع.. أن أصف كيف يمكن أن تستلقي في سريرك.. تبحثين عمن يمكن أن يسندك بكلمة.. فلا تجدين سوى الجدران الصماء.. وبرد الوحدة الأليم ينهش قلبك.. لا أب.. لا أم.. لا أحد حولك يدفعك نحو الخير.. أو حتى يساعدك عليه.. أفكر.. كيف.. كيف أستطيع أن أستمر في ارتداء عباءتي المحتشمة رغم غمزاتهم وضحكاتهم؟ كيف أرفض الجلوس معهم أمام قنوات الأغاني التي يفضلنها؟ كيف أرفض أن أجلس سافرة مع أخوالهم وأبناء أخوالهم؟ من أين لي بالثبات يا ربي؟ أبكي.. أريد أمي.. كلا.. أمي لن تنفعني.. أريد.. أريد عونك يا ربي.. يا حبيبي.. لأجلك أنت فقط.. لأني أحبك أنت سأقاوم.. ولأجل رضاك سأتألم.. لأني أعلم أنني على حق.. وهم على باطل.. وهم جميعاً لن ينفعوني يوم الفزع الأكبر.. فألهمني الثبات.. أقوم لأصلي الفجر.. أحاول أن أحصل على لحظة سكينة وخشوع.. وأدعو الله أن يثبت قلبي.. وأن يهديهم جميعاً.. رغم صوت موسيقى الروك القادمة من غرفة تالا..
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ فإن مهمة الرماة الذين يحفظون ظهور المسلمين لم تنته بعد..!! طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله، طوبى للقابضين على الجمر، كلما وهنوا قليلاً تعزوا بصوت النبيِّ صل الله عليه وسلم ينادي فيهم: " لا تبرحوا أماكنكم " ! |
#87
| ||
| ||
- 26 - وجه يلسع .. وورقة اختبار - خلاص يا بنات؟.. غداً الاختبار.. ادرسوا جيداً.. من لا تحصل على درجة عالية الآن لن تستطيع الحصول على معدل جيد فيما بعد.. عشرون درجة على هذا الاختبار.. انتبهوا!! بعد هذه التهديدات المرعبة من أبله حصة.. شعرت بقشعريرة تسري في جسدي وخوف بارد يشل أطرافي.. حتى معدتي انقبضت بقوة.. كم أكره الاختبارات.. كم أكرهها.. حين عدت للبيت.. كنت أشعر باكتئاب وضيق شديد.. توجهت نحو سريري بسرعة واستلقيت عليه قبل حتى أن أخلع عباءتي.. دفنت رأسي في الوسادة وأنا أكاد أبكي.. أريد أن أهرب.. بكل صدق.. أريد أن أهرب.. واختبئ بعيداً عن الاختبارات وما يتصل بها.. لا أريد أن أختبر.. لا أريد الخوف.. لا أريد قلق انتظار النتيجة.. كنت أشعر بالغثيان حين دخلت والدتي تدعوني للغداء.. لكن هذا كان آخر ما أفكر فيه.. - لا أريد شيئاً أرجوك يا أمي.. نظرت إلي أمي بحزن فقد عرفت أن هناك اختباراً في الأجواء.. - لا يصح هذا يا بنيتي.. إلى متى تشعرين بالرعب والخوف من الاختبارات.. لقد كبرت.. ليس هناك من يفهمني.. بكيت كثيراً وأنا أقول لهم.. أن خوفي من الاختبارات أمر خارج عن يدي.. شيء لا دخل لي فيه.. مرض قاتل أدعو الله أن يشفيني منه.. لكنهم يعتقدون أني أتحكم بحالتي ونفسيتي.. - أمي.. أرجوك.. أرجوك.. أريد أن أبقى لوحدي.. تنهدت أمي وأغلقت الباب ثم خرجت.. * * * تعود بي ذاكرة سرابية لمشهد قديم تفوح منه رائحة الطباشير.. فصل صغير.. مقاعد متراصة.. طاولات مهترئة امتلأت بالرسومات وببعض قطع العلكة المتيبسة.. - يا الله يا بنات.. نتائج الاختبار.. تصرخ أبله منيرة بحدة على هذه الكائنات الغضة التي خرجت للتو من أحضان أمهاتها.. ثم تبدأ في سرد الدرجات مع التعليقات المناسبة - في نظرها.. - ندى عبد المحسن.. وتنظر إلي نظرات أقرب ما تكون لنظرات النمر حين يلمح فريسته ويراقبها.. هكذا أتذكر.. ثم تهز فجأة رأسها باستهزاء.. - يا سلام يا ندى.. يا سلام على الدرجة الحلوة.. - تعالي هنا يا ندى.. من شدة خوفي منها مكثت في مكاني.. لم أملك القدرة على التحرك.. فزأرت بقوة.. - أقول تعالي ما تسمعين.. يا (حيوا..).. كنت أرتعش وأنا أقوم من مكاني.. وكأني أتجه لمصيري المحتوم.. أوقفتني قرب السبورة أمام التلميذات وهن ما بين المتهامسات والضاحكات أو الخائفات من مصير مشابه لمصيري.. في تلك اللحظة أتذكر أني كنت أريد أمي.. أريدها بأية وسيلة.. أريد أن أهرب من الفصل إليها.. أخرجت المعلمة معي ثلاث طالبات.. ثم أخذتنا أمامها كالخراف الصغيرة نحو العقاب.. وكان العقاب.. هو.. أن تدور بنا على كل فصول المدرسة.. لتريهم أكسل ثلاث طالبات في اختبار الإملاء.. كان مشهداً مخزياً.. ونحن ندور منكسي الرؤوس خلفها وهي تشرح لكل فصل خيبتنا وفشلنا وتستهزئ بنا.. مرت على فصل بنات جيراننا.. وعلى فصل ابنة خالتي مشاعل.. وعلى فصل معلمتي الحبيبة نورة.. وكنت في كل مرة أشعر بخجل عظيم يكاد يذيبني.. لكني لا أستطيع الفرار أو الهرب.. كانت دموعي تنساب بخجل على وجهي المحمر.. وأنا أشهق بصمت.. وحزام مريولي يسحب خلفي.. وفجأة شعرت بالحاجة للذهاب للحمام.. قلت ذلك بخوف لأبله منيرة.. لكنها غضبت ورفضت.. كانت تعتقد أني أريد الهرب من مواجهة بقية الفصول.. تحملت قليلاً.. رغم السير الطويل في المدرسة والصعود بالدرج ثم النزول منه.. لكن.. صغر سني.. لم يساعدني أن أتحمل أكثر.. بكيت.. أرجوك معلمة منيرة.. أرجوك.. أريد الحمام.. لكنها رفضت وهي تسحبني بقوة من يدي.. وفي لحظة لا أنساها.. لم أستطع التماسك فيها أكثر.. وأحسست بنفسي فيها صغيرة جداً.. ومهانة لأقصى حد.. ومحتاجة لأمي أكثر من أي وقت آخر.. أحسست بالخجل يبلل ملابسي.. ثم.. لا أتذكر سوى الصراخ.. و.. أني كنت أريد أن أهرب.. * * * أشعر بعطف شديد على تلك الطفلة البريئة التي لم تتجاوز السابعة.. التي تعتد بنفسها وبترتيب مريولها وبعطرها الطفولي كل صباح.. وتحرص على تسريحة مرتبة أمام زميلاتها.. أشفقت عليها بصدق من ذلك اليوم الذي غرقت فيها في أوحال الإهانة وتحطيم الذات أمام الجميع.. جميع من كانت تحبهم وتسعى لأن تكون الأفضل أمامهم.. قبل كل اختبار.. أصبحت أشعر بخوف برائحة الطباشير وطعم الدموع.. وأسمع أصوات صراخ من بعيد.. رعب قاتل يخنقني.. لا أعرف كيف أهرب منه.. ولا إلى أين.. ويزيد طيني بلة.. كلام أمي وأبي عن طموحهما بي.. تتباهى أمي أمام زوجة خالي.. - ندى.. ستدخل الطب بإذن الله.. - ما شاء الله.. - نعم.. وستصبح أول دكتورة في العائلة.. - لكن يا أمي.. أقاطعها بخجل.. - لكن ماذا؟ - المشكلة أن الطب يحتاج لمعدل عال جداً.. لا تتخيلي صعوبة ذلك.. - وما العائق أمامك.. أنت متفوقة ما شاء الله.. متفوقة جداً وذكية.. هل اللاتي دخلن الطب أفضل منك.. أبلع كلماتي بألم فمن المعيب أن نتناقش في ذلك أمام الحاضرات.. وتقطع أمي الحوار لتقول بثقة وصرامة.. - إنها ذكية.. لكنها تستحي أن تمدح نفسها..! ويسكت الجميع.. وأنا أشعر بالحمل على عاتقي يزداد.. والهم في قلبي يكبر.. والخوف يخنقني أكثر فأكثر.. * * * قبل الاختبارات النهائية أصبت بمغص شديد.. قيء.. فقدان شهية.. حرارة وهذيان.. كنت أبكي طوال الليل والنهار.. لم يبق أحد من أقاربي لم يتصل ويمنحني شيئاً من توجيهٍ ولوم كنت أشعر أنه يزيد مرضي ويثير غثياني أكثر.. كنت أشعر بأني كالغريقة.. في لجة لا قاع لها.. أريد أن أهرب.. أريد أن أبتعد عن الاختبار.. وعن رعبه المميت.. لكن.. حتى.. لو.. لو.. تركت الدراسة.. وقررت عدم الاختبار.. فإن الأمر الآخر الذي أغرق فيه ولا أستطيع الهروب منه.. هو طموح أهلي الذي أثقل ظهري وملأ قلبي هماً.. كيف أهرب من نظراتهم.. ومن طموحهم بي الذي سيتحطم تماماً.. تقول أمي أن أبي يفتخر كثيراً بي وبتفوقي – المزعوم- أمام زملائه.. وسيزداد فخراً إذا استطعت دخول كلية الطب.. وتقول.. أن علي أن أنجح بتفوق لكي ترفع رأسها أمام قريباتها.. - ستعرف موضي أن ابنتها ليست الأفضل لأنها دخلت الحاسب.. فأنتِ ستدخلين الطب بإذن الله! وحتى في أقصى حالات مرضي وانهياري قبل الاختبار الأول بيوم واحد.. لم ترحمني أمي.. فبينما كنت في المستشفى وأنبوب المغذي يدفع شيئاً من الطاقة في جسمي المنهك الخائر.. اقتربت الطبيبة الشابة ومسحت على رأسي بعطف.. (لماذا يا حبيبتي كل هذا الخوف من الاختبار؟ لماذا هذا الاهتمام؟ فلتحصلي على نسبة منخفضة!! نعم.. ماذا في ذلك؟ النجاح يكمن في داخلك أنت.. وليس مرتبطاً بأرقام المعدل.. لتحصلي على أقل نسبة وحتى لو لم تدخلي أي كلية.. فماذا في ذلك؟ كل هذا لأجل درجات الدنيا؟ إن الأهم يا حلوتي هو درجات الآخرة .. وليست درجات هذه الدنيا الفانية) كان كلامها مريحاً وكأنه دواء مسكن لنفسي الملتهبة.. لكن قبل أن تبدأ علامات السكينة والراحة بالظهور على وجهي قلبت أمي وجهها وقالت وهي تنظر للطبيبة بعتاب وضيق.. (لا داعي لهذا الكلام يا دكتورة.. فهي ذكية ومتفوقة وإن شاء الله تستطيع بقليل من الإرادة أن تحصل على أعلى النسب.. وتصبح طبيبة مثلك.. هي فقط مصابة بالعين حماها الله) تحطمت آمالي بأن يقتنع والداي بمحدودية قدراتي.. وبأني إنسان.. ضعيف.. له قدرات محدودة مهما فعل.. ودخلت الاختبار.. لكني خرجت من المدرسة بعد يومين إلى المستشفى مباشرة.. حيث مكثت أسبوعين أعالج من انهيار عصبي حاد.. لا زالت آثاره معي حتى اليوم.. ولازلت أشتم رائحة الطباشير.. وأشعر ببلل الخجل.. ووجها أمي وأبي يلسعانني بسياط الألم..
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ فإن مهمة الرماة الذين يحفظون ظهور المسلمين لم تنته بعد..!! طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله، طوبى للقابضين على الجمر، كلما وهنوا قليلاً تعزوا بصوت النبيِّ صل الله عليه وسلم ينادي فيهم: " لا تبرحوا أماكنكم " ! |
#88
| ||
| ||
يسلمووووووووووووووو جميلة جدا واصل في ابداعك الرائع
__________________ |
#89
| ||
| ||
وما زالت الاعترافات مستمره تابعوني...
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ فإن مهمة الرماة الذين يحفظون ظهور المسلمين لم تنته بعد..!! طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله، طوبى للقابضين على الجمر، كلما وهنوا قليلاً تعزوا بصوت النبيِّ صل الله عليه وسلم ينادي فيهم: " لا تبرحوا أماكنكم " ! |
#90
| ||
| ||
- 27 - شيء يشرق.. حملقت أمي بي وصرخت بقوة.. - بنت!! ألا تستحين؟ قومي.. بسرعة!.. ساعدي البنات في وضع العشاء.. شعرت بماء ساخن يصب على رأسي خاصة وأننا أمام زوجات أخوالي وخالاتي كما أن هناك بعض القريبات الأبعد.. قمت بسرعة وأنا أتعثر بطرف تنورتي من شدة الارتباك.. أسرعت للمطبخ وأنا أرتعش من شدة حرجي محاولة أن أخفي مشاعر كثيرة تتضارب داخلي.. كان المطبخ مزدحماً بالخادمات وببنات خالاتي.. أخذت أتساءل عما يمكن أن أفعله.. لكن أحداً لم يجبني.. تناولت طبق (السليق) الكبير من إحدى الخادمات لأحمله نحو السفرة.. كنت أجري بسرعة لأضعه على السفرة حين.. لا أعرف كيف – انزلقت قدمي.. و.. هووووب.. وجدت نفسي على الأرض.. وقد طار الصحن ليسقط على الأرضية عن يميني.. واندلق (السليق) على الأرض وتناثر في كل مكان.. تمنيت في تلك اللحظة أن تنشق الأرض وتبتلعني.. تعالى صراخ أمي.. - وجع!.. وجع! .. الله يفشلك يا (الرفلة)! كانت قدمي ملتفة وتؤلمني بشدة.. لكني تظاهرت بالابتسام وعرقي يتصبب.. وضغطت على نفسي بشدة لأقوم بسرعة رغم الألم الشديد وأقفز نحو المطبخ.. أحضرت المنشفة وبدأت أمسح وأنا في قمة الحرج.. بينما أطراف ملابسي متسخة بما تناثر عليها من طعام.. كان كل من في الغرفة ينظر إلي بشيء من شفقة.. أخيراً مسحت خالتي على ظهري بحنان.. وقالت.. - لا بأس يا حبيبتي اتركي الخادمة لتكمل عنك.. أهم شيء أنه لم ينسكب عليك أو يحرقك ولله الحمد.. سحبتني من يدي.. وأنا أرتعش من شدة الحرج.. × × × في طفولتي.. كنت أنظر طويلاً لخالتي.. وكيف تعامل بناتها بحنان وحب.. كنت أستلذ بإحضار أي شيء لها فقط لكي أسمع منها كلمة (حبيبتي).. يا سلاااام ما أجملها.. كنت أنتشي للحظات حين أسمعها غير مصدقة.. وكثيراً ما دعوت الله أن أصبح ابنتها بأية طريقة.. وحين كنت متأثرة بقصص أفلام الكرتون في طفولتي- مثل (ريمي) و(بشّار) وغيره- كنت أعتقد أنه سيأتي اليوم الذي أكتشف فيه أن أمي ليست أمي الحقيقية بل هي خالتي الحنونة أو أم حبيبة أخرى لا زالت تبحث عني!!.. كنت أعامل نفسي كغريبة يتيمة تعيش في هذا البيت.. فلا أحد يهتم بي أو يقول لي كلمة طيبة واحدة.. الكل يصرخ علي.. والكل يعاملني بدونية وبقسوة.. كنت أراقب تصرفات بعض الأمهات مع بناتهن فأشعر بالبون الشاسع.. زوجة عمي كانت تستشير بناتها حتى في اختيار ملابسها هي.. وفي اختيار أثاث بيتهم.. كانت تثق بهن.. وتمنحهن امتيازات نادراً ما أحظى بجزء منها.. كنت أغبطهن لأنها تعاملهن كنساء ناضجات.. وتناقشهن في شتى الأمور.. وحين كنت أرى كيف كانت خالتي تعامل بناتها كنت أعود لغرفتي في الليل وأبدأ في البكاء.. كانت تحنو عليهن.. وتدللهن بأجمل الألقاب.. تمدح مظهرهن.. وطبخهن.. وذوقهن.. وتتفنن في تعزيز ثقتهن في أنفسهن مقارنة بالآخرين.. وفي كل مجلس كانت تذكر بناتها بالخير.. على العكس من أمي التي ما فتأت تنشر الأخبار عن فشلي وإهمالي مهما فعلت ومهما حاولت إرضاءها.. لقد حطمت ثقتي بنفسي تماماً.. × × × حين مضت الأيام والسنون.. نظرت إلى نفسي.. فوجدت أني أصبحت حطام إنسان.. إنسانة ضعيفة الشخصية محطمة جبانة.. ترتجف كلما حادثها أحد.. ترتبك عند أبسط حوار.. حتى شكلي لم أعد أهتم به.. فكلما قمت بتعديل شكلي حسب ما أراه مناسباً.. كانت أمي لي بالمرصاد فهذا لا يناسبك.. وكان من الأفضل لو قمت بذاك.. البسي مثل ابنة فلان.. ومشطي شعرك مثل فلانة.. كنت أتمنى لو أمتلك الحرية لأهتم بنفسي كما أحب لكن لم أكن أستطيع.. فقد كنت أخاف انتقادها وسخريتها بي حين أقوم بأبسط تغيير.. تزايد ضعفي وخوفي بشكل كبير.. كنت أشعر أن الجميع يحتقرني.. حين أجيب على سؤال في المدرسة.. كانت يدي النحيلة ترتجف والعرق يتصبب من جبيني بشكل ملفت.. لم يكونوا يعرفون أني لم أتمن يوماً لنفسي أن أكون هكذا.. لكنه شيء أقوى مني يحطمني ويضغط علي بقوة.. × × × ذات يوم.. كنت أجلس في الفسحة وحدي كالعادة.. أستند لجدار أصفر مثل وجهي الشاحب وأتناول شطيرتي.. حين مرت من بعيد معلمتي الجديدة أسماء.. كنت أنظر إليها.. ما شاء الله.. إنها شعلة من حماس ونشاط.. هي فتاة لا تكبرني سوى بأعوام بسيطة.. لكنها تفور بالحيوية والنشاط والثقة بالنفس.. لديها خطط لتطوير المدرسة وللنهوض بأنشطتها.. كلامها ممتع ودرسها مسلٍ جداً.. في عينيها شعاع سحري .. مزيج من سعادة ومرح وقوة.. حين أنظر لعينيها أشعر بأن شيئاً من سعادة تتسلل إلى نفسي.. تجعلني أتمنى أكثر لو لم أكن أنا.. بل شخصية أخرى.. كانت تقفز بخفة بحذائها الرياضي حين مرت بقربي.. فمدت عنقها نحوي بطرافة وقالت بمرح.. (أهلاً يا جميلة..!) شعرت بصدمة.. وحرج.. من؟.. أنا؟.. جميلة؟.. التفت حولي.. واحمر وجهي خجلاً.. (ممكن مساعدة يا فجر؟.. إذا سمحت؟) كدت أطير من الفرح.. مساعدة؟ بالتأكيد.. على الأقل ستكون أمتع من الجلوس وحدي على الأرض المغبرة.. قمت من مكاني بخجل.. ومضيت معها نحو المعمل.. كانت تريد مساعدتها في تنسيقه وترتيبه.. صعدت على الكرسي وسحبت إحدى الكراتين فتطاير الغبار منه.. (يا الله!! لا أعرف كيف مر على هذا المعمل عشرات المعلمات في مدرستكم دون أن تفكر إحداهن في ترتيبه وتنظيفه وتنسيق شكله..؟!) لم يكن لدي ما أستطيع به تبادل الحوار معها.. فسكت بخجل.. أخذت تنزل المزيد من الكراتين وأنا أتناولها منها.. (الترتيب مهم جداً.. لا أستطيع أن أعمل إذا لم تكن غرفتي مرتبة.. كل إنسان يحتاج لترتيب أشيائه ما بين فترة وأخرى..) أمسكت فوطة مبللة وبدأت تمسح الأرفف.. (بل.. يحتاج.. حتى لإعادة ترتيب نفسه ما بين فترة وأخرى.. أليس كذلك؟) أشارت بيدها لأناولها منظف الزجاج.. (أليس كذلك؟) ارتبكت وقلت.. (م.. ماذا؟) (أليس كل إنسان بحاجة لإعادة ترتيب نفسه ما بين فترة وأخرى؟) (ما الذي تقصدينه يا أستاذة؟) (ألا تعتقدين أن كل منا بحاجة لأن ينفض الغبار عن نفسه ما بين فترة وأخرى يعيد بناء شخصيته وصقل أفكاره؟) احمر وجهي قليلاً.. وقلت مختصرة عليها الطريق.. (لا أستطيع..!) استمرت في التنظيف بنشاط، وقالت بهدوء وببساطة (لماذا؟).. (لو كانت ظروفك مثل ظروفي لقدرتني).. أخذت تعيد الكراتين لمكانها بترتيب وتناسق.. ثم جلست وقد أنهكها التعب.. ونظرت إلي بقوة.. وقالت.. (تعتقدين أني ولدت وفي فمي ملعقة من ذهب؟.. أو أنني كنت سعيدة في أسرة دافئة؟.. كلا.. إذا كنت تعقدين ذلك فأنت مخطئة!!.. انظري إلي.. لا تكوني ضعيفة وترمي السبب على الآخرين مثل أسرتك وبيئتك.. أنت تستطيعين أن تكوني قوية إذا أردت ذلك.. القوة.. هي شعار المؤمن ورمزه.. القوة التي أقصدها هي العزة.. والمؤمن دوماً مميز بعزته.. لا أحد يستطيع أن يحطمك أو يضعفك إذا اعتقدت أنك قوية بإذن الله وتوكلت على الله.. كوني قوية.. ولا تستسلمي لإغراء الضعف.. لا أحد سيأتي ويجعلك قوية.. أنت فقط من تستطيعين ذلك بإذن الله..) قلت بتأثر.. (أمي.. إنها أمي يا أستاذة.. إنها تحطمني.. صدقيني.. أنت لا تعرفين..) ردت بثقة وسرعة.. (مهما كانت شخصية أمك قاسية.. فهذا ليس سبباً للاستسلام.. إنها أمك أولاً وأخيراً.. عليك برها وإرضاؤها وتليين جانبك لها والصبر عليها.. لكن في نفس الوقت.. لا تجعلي قسوتها سبباً لتحطيمك.. كوني أقوى واصمدي وإلا لن تستطيعي العيش طويلاً في هذا العالم القاسي!! وتذكري دوماً أن ما لا يقتلني.. يتركني أقوى.. كل الآلام والجروح تستطيعين ترويضها وجعلها دافعاً لقوتك وتحملك بإذن الله).. كنت أسمع كلامها بتأثر عجيب وأنا أخفي دموعي بالنظر للأرض.. (فجر.. انظري إلي.. لا تنظري للأرض..! فجر!.. أنت إنسانة رائعة فيك الكثير من الصفات الطيبة.. لكنك تدفنين كل ذلك باستسلامك للضعف والخوف والانطواء!) رن صوت الجرس معلناً انتهاء الفسحة، فبدأت ترتب ما بقي وتجمع الأدوات بسرعة وهي تقول.. (حسناً سأقول لك شيئاً.. إذا كنت تعتقدين أن الأقوياء هم من لم يمروا بظروف قاسية.. فأنا عشت بين أبوين منفصلين.. عشت متنقلة ما بين بيت أبي وجدتي.. هل جربت يوماً شعور ألا تكوني مستقرة في بيت واحد؟ أنا عشت هكذا.. ولن أذكر المزيد من التفاصيل الحزينة.. ويكفي أن تعلمي أني حرمت من رؤية أمي خمسة عشر عاماً.. بل هي التي لم تكن ترغب برؤيتي أصلاً!!.. لكن فقط.. أنا .. لم أرد أن أكون ضعيفة.. لقد قررت أن أصبح قوية ودعوت الله أن أكون كذلك لأساعد غيري) خرجت معها من المعمل وأنا منبهرة تماماً.. قالت بمرحها المعتاد.. (سنعود لترتيبه مرة أخرى قريباً.. لا بد من إعادة الترتيب ما بين فترة وأخرى.. أليس كذلك) ابتسمت لها موافقة.. وفي أعماقي شيء رائع يشرق..
__________________ إن كانت غزوة أحد قد انتهتْ فإن مهمة الرماة الذين يحفظون ظهور المسلمين لم تنته بعد..!! طوبي للمدافعين عن هذا الدين كل في مجاله، طوبى للقابضين على الجمر، كلما وهنوا قليلاً تعزوا بصوت النبيِّ صل الله عليه وسلم ينادي فيهم: " لا تبرحوا أماكنكم " ! |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
سلسله اعترافات فتاه ( الجزء الخامس ) | مؤمن الرشيدي | روايات طويلة | 120 | 10-14-2013 05:16 PM |
حصريا تحميل جميع اجزاء افلام كرتون علاء الدين 3 اجزاء كاملين مدبلجة للعربية روابط مباشرة | abdo629 | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 1 | 05-02-2012 07:02 PM |
اربعة × اربعة | أحمد عبد العظيـم | خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية | 4 | 01-26-2010 09:18 AM |