عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-01-2007, 12:16 AM
 
Post الموت



إن الله خلق الثقلين لحكمة بالغة خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، خلقهم ليعبدوه وحده لا شريك له، ليخلصوا له العبادة، وخلق الليل والنهار وجعلهما خزائن للأعمال يحصي على العبد ما له وما عليه " ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " ، " وكل شيء أحصيناه في إمام مبين " ، واعلموا أيها الناس أن هذه الدنيا مزرعة للآخرة ، يفوز فيها المتقون ، ويخسر فيها الغافلون ، ومن حكمته سبحانه أنه لم يجعل هذه الدار للبقاء والاستمرار، وإنما جعلها دار ممر واعتبار ، فالرابح من صلح زرعه ، والخاسر من فسد ثمره ، وكل الناس يعلم أنما هذه الحياة الدنيا ليست لحي سكنا ، فهي سريعة الزوال، وشيكة الارتحال، ولقد قال الله لنبيه الكريم " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإئن مت فهم الخالدون " ، فالبقاء لله الواحد القهار ، قال تعالى : " يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار * اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب " ، أخرج مسلم في صحيحه من حديث عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَطْوِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ السَّمَاوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُهُنَّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟ ثُمَّ يَطْوِي الْأَرَضِينَ بِشِمَالِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ ؟ " .
تزود من التقوى فإنك لا تدري *** إذا جن ليل هل تعيش إلى الفجر
فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا *** وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وكم من صغار يرتجى لهم طول العمر *** وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر
وكم من عروس زينوها لعرسها *** وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر
وكم من صحيح مات من غير علة *** وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
فمن عاش ألفا وألفين إنه *** لابد من يوم يسير إلى القبر
إن الله كتب الفناء على كل شيء " كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون " ، وحكم بالموت على كل حي " كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام " ، كل نفس يا عباد الله لا بد أن تشرب المنون صغيرة أم كبيرة ، ملكة أم فقيرة ، وزيرة أم حقيرة ، " كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون " .

لا يدري الإنسان متى يفجؤه الأجل ولا أشد وأعظم على الميت وأهله من إتيان الموت له فجأة ، وهو في كامل صحته وعنفوان قوته ، وتمام نشاطه ، ومع تزايد النعم والعيش الرغيد ، لم يحسب للموت حسابه ولم يظن أهله أن ينزل عليه الموت ، فإذا هم به قد سقط ميتا لا حراك به فكم من صحيح مات من غير علة وكم من سقيم عاش حينا من الدهر ، ولهذا من الغفلة أن يلهو الإنسان عن الموت وعن الاستعداد له فيقصر في الواجبات ويقع في السيئات ويأخذ حقوق الناس بغير حق بل بالظلم والبهتان ويتعدى على الغير في مال أو عرض أو نفس ، يؤذي المسلمين والجيران ، يأكل حقوق الإجراء والخدم ، يظلم الزوجة والأولاد ، وربما وقع الظلم من الأجير لمن استأجره ، فكم من الناس من نسي الموت ولم يخطر له على بال ، بل وتراه في أكمل أحواله صحة ونشاطا وعافية ومالا ، فلا يلبث أن يأتيه الموت فجأة فلا يتمكن من تدارك نفسه ومن التوبة إلى الله والتحلل من المظالم ، فربما لقي ربه محملاً بالأوزار والآثام ، فلنكن عباد الله على حذر من هذا ، ولنتدارك النفس قبل فوات الأوان وإن كثيرا من الناس في هذا الزمان استولى عليهم حب المال والجاه والمناصب ، حتى ضيعوا حياتهم لهواً ولعباً ، وللمال جمعاً وحباً ، نسوا هادم اللذات ومفرق الجماعات ، وربما قصروا في كثير من الواجبات ووقعوا في كثير من المخالفات ، وارتكبوا كثيرا من المنهيات والمحرمات ، " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون " ، فلله در أقوام علموا قرب الرحيل فهيئوا الزاد للسفر الطويل ، قاموا بما أمر الله وتركوا ما نهى عنه ، هونوا الدنيا فقنعوا منها بما حضر ، واستوثقوا بقفل التقوى واستعدوا للسفر ، وحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا ، لما احتضر سليمان التيمي قيل له : أبشر فقد كنت مجتهداً في طاعة الله ، فقال : لا تقولوا هكذا ، فإني لا أدري ما يبدوا لي من الله عز وجل ، فإنه سبحانه يقول : { وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون } ، وكم من الناس اليوم من يعمل الموبقات ، ويجترح المهلكات ولا يعبأ بالسيئات ، وكل مسجل في صحيفته يوم الجزاء والحساب ، إذا نشرت الدواوين وتطايرت الصحف ، وفتحت السجلات للفصل والقضاء ، ألا فاعلموا عباد الله أن العاصي لو عصى مخلوقاً لجزع من لقائه ، فكيف بمن يعصي الخالق جل جلاله ، فكيف يلقى خالقه محملاً بأوزاره وآثامه ، بكى محمد بن المنكدر عند الوفاة ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته ، ولكن أخاف أني أتيت شيئاً حسبته هيناً وهو عند الله عظيم ، وكم من المسلمين اليوم من يجاهر بالمعاصي العظام والكبائر الجسام جهاراً نهاراً ، بلا خوف ولا حياء من جبار الأرض والسماء ، ربا وزنا ولواط ومخدرات ، دخان ومسكرات ، مشاهدة للقنوات ، سماع للأغاني الماجنات ، وتحلق حول المسلسلات الفاضحات ، والطامة العظمى ، والمصيبة الكبرى ، هجران كثير من المسلمين للصلوات ، وعقوق للوالدين ، وقطيعة للأرحام ، قال عبدالله بن عمر : كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه ، فقال : ضع رأسي على الأرض ؟ فقلت : ما عليك كان على الأرض أو كان على فخذي ؟!فقال : لا أم لك , ضعه على الأرض ، فقال عبدالله : فوضعته على الأرض ، فقال : ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز و جل ، هذا عمر الفاروق رضي الله عنه مبشر بالجنة ويقول ما قال ، فكيف بمن لم يبلغ شيئاً من منزلته ، لهو أعظم أن يخشى ربه ، ويراقبه في كل تصرفاته وحركاته ، قال معاوية رضي الله عنه عند موته لمن حوله : أجلسوني ، فأجلسوه ، فجلس يذكر الله , ثم بكى وقال : الآن يا معاوية ، جئت تذكر ربك بعد الانحطام والانهدام , أما كان هذا وغض الشباب نضير ريان ، ثم بكى وقال : يا رب , يا رب , ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي ، اللهم أقل العثرة واغفر الزلة ، وجد بحلمك على من لم يرج غيرك ولا وثق بأحد سواك ، ثم فاضت روحه رضي الله عنه ، ودخل المزني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه فقال له : كيف أصبحت يا أبا عبدالله ، فقال الشافعي : أصبحت من الدنيا راحلا, وللإخوان مفارقا , ولسوء عملي ملاقيا , ولكأس المنية شاربا , وعلى الله واردا , ولا أدري أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها , أم إلى النار فأعزيها , ثم أنشأ يقول :

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلت ذا عفو عن الذنب *** لم تزل تجود وتعفو منة وتكرما
ولما حضرة الوفاة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه قال لبنيه : يا بني , إني قد تركت لكم خيراً كثيراً ، لا تمرون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقاً ، يا بني ، إني قد خيرت بين أمرين , إما أن تستغنوا وأدخل النار , أو تفتقروا وأدخل الجنة ، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي , قوموا عصمكم الله ، قوموا رزقكم الله ، قوموا عني , فإني أرى خلقاً ما يزدادون إلا كثرة , ما هم بجن ولا إنس ، قال مسلمة : فقمنا وتركناه , وتنحينا عنه , وسمعنا قائلاً يقول : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين " ، ثم خفت الصوت , فقمنا فدخلنا , فإذا هو ميت مغمض مسجى ، فأين ملوك الأرض ، ورؤساء التراب ، وساسة العنصرية ، عن عدل عمر بن عبد العزيز ، ولي من أولياء الله تعالى ، ترك الدنيا واشترى الآخرة ، لم يهتم بجمع الأموال ، ونهب الخزائن ، لم يترك طبقة غنية ، وأخرى فقيرة ، بل أقبل على الله خائفاً وجلاً من يوم التلاق ، فأكرمه ربه بالثبات يوم الممات ، قال تعالى : " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم " ، وحينما حضر المأمون الموت قال : أنزلوني من على السرير ، فأنزلوه على الأرض ، فوضع خده على التراب وقال : يا من لا يزول ملكه ، ارحم من زال ملكه ، فأين أصحاب المعاصي ، ومقترفوا الذنوب ، ومرتكبوا الآثام عن تذكر الموت ، الذي قطع كل لذة في هذه الحياة الدنيا ، الموت الذي لا يفر منه مطلوب ، ولو أغلق الحواجز ، ووضع الجنود " ، قال تعالى : " أينما تكونوا يدركم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة " ،
فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيا وَزِينَتُها *** وانْظُرْ إلى فِعْلِها في الأَهْلِ والوَطَنِ
وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها *** هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ

: في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة ، كان المرض قد اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسرت أنباء مرضه بين أصحابه ، وبلغ منهم القلق مبلغه ، واشتد الوجع برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا فاطمة فسارها أنه سيقبض في وجعه هذا ، فبكت لذلك ، فأخبرها أنها أول من يتبعه من أهله ، فضحكت ، واشتد الكرب برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبلغ منه مبلغه ، فقالت فاطمة : واكرب أبتاه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا كرب على أبيك بعد اليوم ، وأوصى وصيته للمسلمين وهو على فراش موته فقال : الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم ، وكررها مراراً ، واشتد الألم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل يدخل يديه في ركوة فيها ماء ، فيمسح وجهه بالماء وهو يقول : لا إله إلا الله ، إن للموت لسكرات ، ثم شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحركت شفتاه قائلا : مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، اللهم اغفر لي و ارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى ، اللهم الرفيق الأعلى ، وفاضت روح خير خلق الله ، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مات من أرسله الله رحمة للعالمين مات من أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ، فإنا لله وإنا إليه رجعون ، إنه الموت يا عباد الله ، الذي لا مفر منه ولا مهرب ، لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ، ولا ذكراً ولا أنثى ، ولو نجى منه أحد لنجى منه أنبياء ورسله وصفوة خلقه ، ولكنه قدراً مقدوراً .
  #2  
قديم 06-01-2007, 01:01 AM
 
رد: الموت



وبارك الله فيكم على الموضوع والتذكير القيّم
أخوكم في الله
فارس السنّة
__________________
يقول شيخ الإسلام إبن تيميه (رحمه الله)
في طريق الجنّة لامكان للخائفين وللجُبناء
فتخويفُ أهل الباطل هو من عمل الشيطان
ولن يخافُ من الشيطان إلا أتباعه وأوليائه
ولايخاف من المخلوقين إلا من في قلبه مرض
(( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ))
الزمر : 36
ألا أن سلعة الله غالية ..
ألا ان سلعة الله الجنة !!
  #3  
قديم 06-02-2007, 11:44 AM
 
رد: الموت

بارك الله فيك أخي في الله

عثمان أبو الوليد


على هذا الطرح العاطر المبارك

فلك كل الشكر والتقدير أخي في الله
__________________

قول الشيخ أنباني فلان*****وكان من الأيمة عن فلان

إلى أن ينتهي الإسناد أحلى***لقلبي من محادثة الحسان

فإن كتابة الأخبار ترقى***بصاحبها إلى غرف الجنان
  #4  
قديم 06-03-2007, 05:17 PM
 
رد: الموت

[MARK="00FFFF"]جزاك الله خيرالجزاء[/MARK]
__________________
قال الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى :
عليك بطريق الحق و لا تستوحش لقلة السالكين و إياك و طريق الباطل و لا تغتر بكثرة الهالكين ....
  #5  
قديم 06-03-2007, 05:38 PM
 
رد: الموت



مشكور اخي الفاضل علي الموضوع الرائع
__________________
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ما احلي طعم الموت!!!!! fares alsunna قصص قصيرة 12 10-10-2007 01:37 AM
من علامات الموت الله يجيرنا غرور انثى أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 05-28-2007 10:49 PM
خطبة ذكر الموت الفيومى نور الإسلام - 2 05-11-2007 12:58 AM
الموت والطريقه العلميه والقرانيه نشات أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 1 03-07-2007 04:28 PM
سكرة الموت jihadnet نور الإسلام - 9 11-07-2006 04:00 PM


الساعة الآن 04:29 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011