|
أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه هنا توضع المواضيع الغير مكتملة او المكرره في المنتدى او المنقوله من مواقع اخرى دون تصرف ناقلها او المواضيع المخالفه. |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
رواية تحاكي الواقع (الفجر الازرق )منقولة+رعب انا نقلت لكم رواية مرة جنان لكن فيها شوية رعب تحاكي الوقع وهي منقولة اتمنى تعجبكم للبيت الصغير يهتم بشجرة الجاكاراندا ذات الأوراق الناصعة ويروي الزهور الحمراء الصغيرة التي تبزغ ؛ كالفجر الجديد ؛ من بين ظلمة الأوراق الخضراء الداكنة .. أما الأم فكانت في المطبخ تعد وجبة العائلة المفضلة من اللحم و البطاطس .. أما هو ، الطفل الغرير وبطل قصة من أعجب قصص الناس على الأرض ، فقد كان يمرح في جنبات البيت مرحاً صاخباً تحوطه عناية الأبوين الرشيدة و محبتهما التي لا تنتهي .. كان ذلك عندما وقعت المذبحة في المدينة !! لم يعرف أحد سر ما حدث بالضبط .. فكل من شهدوا الأحداث المروعة قد توارو ا في القبور قسراً و ظلماً .. و شاهدي الحادث الوحيدين تواريا أيضاً تحت الأرض .. و لكن أحياء يرزقون ! و كل ما يذكره الشاهدين ؛ الأم و طفلها ؛ أن المدينة التي كانت غارقة في صمت الصباح المبكر الندي فجأة اندلعت فيها الصرخات المفزوعة .. و راحت عشرات ؛ مئات ؛ آلاف الأقدام تهرول في شوارع المدينة .. بحثاً عن مهرب .. عن ملجأ آمن .. عن منفذ للنجاة .. تلاحقهم طلقات رصاص انهمرت كالمطر حاصدة أرواح الجميع .. الباعة في الشوارع ؛ الأطفال المتوجهين نحو مدارسهم ؛ الأمهات اللائي يودعن أطفالهن أمام الأبواب ؛ عمال النظافة في الزوايا ؛ أصحاب المحلات و التجار الصغار الذين لسوء حظهم اختاروا العمل مبكراً ليحصدوا المزيد من الربح فحصدهم الموت قبل أن يستفتحوا .. حتى النائمون الآمنين في مخادعهم اقتحمت بيوتهم و أفرغت رصاصات الغدر في رؤوسهم و صدورهم قبل أن يدركوا ما يحدث بالضبط .. الجميع .. الجميع حصدهم الموت قبل أن تكمل الشمس شروقها على وجه المدينة ! كل من درسوا الواقعة ؛ بعد افتضاحها بعدها بسنوات طويلة ؛ و قتلوها بحثاً و محصوها تمحيصاً لم يفعلوا أكثر من أن هزوا رؤوسهم بأسف قائلين في شفقة : - " مأساة مروعة ! " و لكن هؤلاء لم يدركوا أن المأساة لم تكن من نصيب من ماتوا غدراً فقط .. بل إن من قُدر لهم النجاة أيضاً قد عاشوا مأساة أكبر و أعجب !! ............................ لم تدرك الأم للحظة ؛ وهي واقفة وسط موقدها و أوانيها و مناضدها و خضرواتها ما الذي يجري بالضبط .. كل ما تذكره أنها سمعت فجأة ؛ بينما كانت تهم بوضع إناء الخضر والبطاطس على الموقد ؛ سمعت صوت طلقات رصاص بدت قريبة إلى حد مزعج .. ثم ما لبثت صرخات حادة مستغيثة أن تناهت إلى سمعها و باغتتها لحد جعلها تسقط الإناء من يدها وتهرع إلى الخارج لتطمئن على ولدها وزوجها .. و كان الولد ؛ والحمد لله ؛ يلعب في الصالة بعيداً عن الخطر فاختطفته الأم بطريقة غريزية من وسط ألعابه المتناثرة على الأرض وركضت به وهو يصرخ محتجاً إلى غرفة النوم ، ودفعته في خزانة الثياب و أمرته بألا يخرج منها .. ثم اندفعت نحو الحديقة لتطمئن على زوجها وهي تناديه باسمه بأعلى صوتها .. لم تكن هذه الأحداث جديدة على الأم ولا جديدة على المدينة .. في الحقيقة تعودت هذه البلاد البائسة على هذه الأحداث المؤسفة .. فمنذ أن صار الحكم دولاً بين جنرالات و عسكريين قساة لا يعرفون الرحمة و ليس لديهم أدنى قدر من الإنسانية ، و صار الحكم لا يستتب لأحدهم إلا ريثما يُعد آخرون للانقلاب عليه ، من لحظتها ولم تعرف البلاد معنى للراحة أو الاطمئنان .. و كم وقعت مذابح و مذابح في طول البلاد و عرضها .. و لكن و بالحقيقة أيضاً فإن البلاد ورغم كل تلك تاريخها المتقلب الدموي لم تشهد مذبحة بهذا الحجم ولا عدداً من الضحايا بهذه الضخامة .. و لم يتصور أحد أن هذا الجنرال المجنون الطامع في الحكم يمكن أن يبلغ به الجنون ولا الفجور حد أن يقدم ؛ هو و فرقته المسلحة ؛ على ذبح سكان مدينة بأكملها يتجاوز عددهم ستة آلاف نسمة لمجرد أن كبارها كانوا من المعارضين له و ساهموا في إفشال مخططه الانقلابي الأخير ! أما الحقيقة المرة فهي أن الزوجة لم تتوقع ولم تتخيل أن يكون زوجها المسكين ؛ الذي لا ناقة ل ه ولا جمل في أي شيء ؛ قد لقي حتفه و سقط بجوار شجرة الجاكاراندا ميتاً وقد لطخت دماؤه القانية جذوع الشجرة وملأت جذرها العريض !! أما أمر ما هناك أن هذه الزوجة المخلصة والأم الحنونة لم يكن من حقها الحصول على دقيقة .. مجرد دقيقة واحدة تأبن فيها زوجها بدموعها الحارة أو تحزن عليه .. فقد كان عليها أن تنقذ طفلها من الموت .. و لم يكن أمامها سوى السرداب الضيق الذي أعده الزوج أسفل المنزل من أجل طارئ كهذا .. و لكنه للأسف لم يتح له استخدامه !! ................................ بقوة الذعر و الخوف و بمشاعر الأمومة الجياشة اختطفت الزوجة ولدها الوحيد وهرعت به نحو غرفة نومها .. و هناك فتحت باباً سرياً خلف الدولاب دلفت منه لممر طويل معتم .. و هنا أخذ الطفل يتشبث بأمه بقوة و يصرخ و يصيح : - " ماما .. ماما " فقد كان يخاف الظلام جداً .. و لكن الأم اعتصرته في حضنها حتى تشعره بالأمان .. و هرعت تجري به مسافة ليست بالقصيرة حتى وجدت أمامها سلماً صغيراً يقود لأسفل ويفضي إلى مخبأ ضيق شديد الإظلام .. و هناك وضعت الأم صغيرها على الأرض بعد أن طمأنته وأخرجت من جيبها الشموع والثقاب الذي أحضرته معها وأشعلت شمعة طويلة ألقت بظل خافت من الضوء و أتاحت للأم أن ترى جدران المخبأ .. وهنا انهمرت دموعها و تمسكت بطفلها بقوة وأخذت تبكي بمرارة .. فقد تذكرت زوجها قدس الله روحه الذي بنى هذا المخبأ وأعده جيداً وتعب في ذلك أيما تعب .. يدفعه إلى ذلك حبه البالغ لأسرته الصغيرة .. و ها هي وطفلها في أمان هنا .. ولكنه هو بالخارج ملقى على الأرض جثة هامدة ! و أفحمت الأم في البكاء ساعات طويلة ! .............................. ومضت بضع ساعات و بدأ الطفل يضيق بالمكان الضيق المعتم .. و يبكي مطالباً بالخروج إلى الحديقة .. و لكن الأم كانت تريد أن تظل هي وطفلها أطول وقت ممكن مختبئين هنا لتضمن أن يكون القتلة قد غادروا المدينة عندما يخرجا من هنا .. و مضت بضع ساعات أخرى وبدأ الطفل يزن زناً متواصلاً ويخبط برجليه على الأرض و يأتي بحركات عصبية متشنجة ليحمل أمه على إخراجه من هنا إضافة إلى أن الجوع قد عضه .. وأدركت الأم أن طفلها يعاني جوعاً شديداً وفكرت في أن تتركه هنا وتخرج إلى البيت لتحضر له بعض الطعام من المطبخ .. و لكن الطفل أبى أن يظل هنا بمفرده و أخذ يصرخ ويبكي معلناً رفضه التام للاقتراح .. و هكذا اضطرت الأم إلى أن تحمله و تعود به إلى داخل البيت و لكن بعد أن أنصتت جيداً لتتأكد أن المدينة هادئة بالخارج ! و كانت المدينة هادئة بالفعل .. ولا صوت يتسرب عبر الستائر التي وقفت الأم وراءها بحرص تحاول أن تعرف ماذا حدث بالخارج بالضبط .. بينما كان طفلها يلتهم في سعادة الشطائر اللذيذة التي أعدتها له على عجل .. أرهفت الأم أذنيها جيداً محاولة التقاط أدنى صوت يقترب من البيت ، فقد كان أي صوت في مثل تلك الحالة يمكن أن يمثل خطراً محدقاً ، و لكن الأم لم تدرك سبب هدوء المدينة بالكامل .. لم تدرك أن هذا الهدوء أسوأ مائة مرة من أي صوت ممكن أن تسمعه .. لم تدرك أنه الهدوء الذي يلي المذبحة الكاملة و يسبق الإعصار المدمر ! فخلال أقل من ثلاث دقائق تعالت في المدينة أصوات عالية مزعجة منذرة بمصير أسود لما تبقى من المدينة .. و سمعت الأم الصوت يقترب من منزلها و لمحت ست من الجرافات الضخمة و البلدوزارت تظهر عند مقدمة الشارع .. و أخذت هذه الآلات الضخمة المزعجة تتقدم بسرعة ثم فجأة .. بدأت في هدم المنازل الصغيرة على جانبي الشارع و تسويتها بالأرض .. لقد قرر الجنرال ألا يترك وراءه أي أثر يدل على الجريمة التي ارتكبها .. و من ذا الذي سيحاسبه على أي حال !! وجدت الأم نفسها تصرخ بفزع بالرغم عنها وهرعت نحو طفلها وانتزعته من فوق المائدة و صرخ الطفل محتجاً و بقايا الشطيرة تتساقط من فمه ونصفها الآخر ما زال في يده .. و لكن الأم لم تأبه لصراخه هذه المرة بل جذبته معها قسراً نحو المطبخ و بصورة عصبية أخذت تفتح خزائن المطبخ الصغيرة وأخذت تختطف ما فيها من خبز و طعام طازج أو معلبات محفوظة و تلقي بها في كيس كبير التقطته من أحد الأدراج بصورة هستيرية .. و بمجرد أن فرغت من أخذ كل الأطعمة جذبت طفلها بمنتهى القوة و العصبية و هرعت به مرة أخرى نحو المخبأ .. و قد عزمت هذه المرة على أن تبقى حتى تتأكد تماماً من رحيل القتلة .. و لكنها في اضطرابها و ذعرها ولهفتها على النجاة لم تحسب حساباً لكل شيء ! ................................... وأوت الأم وصغيرها مرة أخرى إلى الملجأ الآمن .. و بقيت هناك مدة كافية لتطمئن تماماً على أنها ستكون بمأمن هي وطفلها عندما تخرج ثانية.. ومرت ساعة وساعتين وثلاثة والأم جالسة ساكنة في ركن ضيق وطفلها راقد بين ذراعيها في حالة أقرب للنوم .. كان الطفل هادئاً رزيناً و كانت الأم تمسد على رأسه بحنان والخوف و الألم و الحزن المرير على موت زوجها المفاجئ و قتله غدراً بهذه الصورة تعتصر قلبها و تدفع بالدموع الغزيرة لعينيها .. و لكنها كانت مجبرة على إخفاء كل هذه المشاعر المؤلمة من أجل طفلها المسكين الذي يتساءل بصورة مكررة عن والده وتجيبه الأم بنفس الإجابة : - " لقد ذهب لعمل ما و سوف يعود ! " حمداً لله إنها لم تسمح له برؤية والده قتيلاً في الحديقة وإلا ترتب على ذلك عواقب وخيمة ! كانت الأم مشغولة بأفكارها الكئيبة هذه عندما لفت نظرها فجأة صوت .. صوت غريب قادم من المخبأ التي لا تراها ! ............................ أرهفت الأم سمعها جيداً وهي ترتجف خوفاً .. وكان أكثر ما تخشاه هو أن يكون القتلة قد كشفوا مكان المخبأ ووصلوا إليه .. ساعتها ستصبح هي وطفلها في خبر كان وسيموتا مكانهما ميتة الكلاب .. دون حتى أن يُسمح لهما بالحصول على دفن لائق أو جنازة ! وبتأثير مشاعر الخوف والذعر وجدت الأم نفسها تعتصر طفلها بين ذراعيها وفي حضنها حتى كادت بالفعل تخنقه .. و صرخ الطفل محتجاً وركل بقدمه في عنف وعندئذ تكرر الصوت الذي سمعته منذ برهة .. تكرر مجدداً و لكنه كان هذه المرة أعلى و أوضح ! و ذعرت الأم حقاً هذه المرة .. ذعرت وفزعت حتى أنها اختطفت طفلها وكادت تهرع به نحو باب المخبأ لتخرج إلى المنزل وليكن ما يكون .. عندما وجدت أمامها فجأة مخلوقاً غريباً ظهر فجأة وكأنما انشقت الأرض عنه ! كان هذا المخلوق بين بين لا تعرف ولا تستطيع أن تحكم بأنه رجل أو امرأة .. بل مجرد كتلة لحمية بلا لون .. شاحبة شحوباً يزيد على شحوب الموتى ثلاثة أضعاف .. ولها ؛ أو له ؛ شعر أبيض منتفش و عيون حمراء واسعة مخيفة تبرق بحنان نحوها ونحو طفلها ! روعت الأم وصرخت صرخة مدوية قمينة بأن تجلب كل القتلة والسفاحين ليس من الخارج فقط بل من أدغال الأمازون أيضاً .. و همت بأن تغادر المخبأ فوراً فالقتلة لابد أرحم من هذا الشبح أو الروح الشريرة الموجودة داخل المخبأ ! و جرت الأم بسرعة نحو مخرج المخبأ حاملة طفلها وكادت تمرق للخارج بسرعة البرق .. و لكن المخلوق الغريب أستوقفها قائلاً في صوت بشري عادي : - " انتظري قليلاً لا تخرجي الآن و إلا سوف يقضون عليكِ وعلى الطفل ! " و تريثت الأم قليلاً ثم نظرت بشك نحو المخلوق الغريب فأردف هذا الأخير بصوت لا يفرق في شيء عن صوت البشر : - " أليس هذا طفلك ؟! " فأومأت الأم برأسها رغم أن الذعر ما زال مستولياً عليها .. أما الطفل فقد نظر بشجاعة نحو المخلوق الغريب .. ثم و يا للغرابةاأبتسم له فارتجت ملامح المخلوق .. ثم ما لبث أن أفتر ثغره عن ابتسامة خاصة و ظهرت أسنانه الحادة و لثته الحمراء المخيفة ! ................................... ظلت الأم وهذا المخلوق يتبادلان النظرات طويلاً في صمت ثم تشجعت الأم وسألت ببطء : - " من أنت يا سيدي ؟! " سألتها هكذا بصيغة المذكر فابتسم المخلوق وأجاب قائلاً : - " ألا أصلح أن أكون امرأة ؟! " فدهشت الأم قليلاً ثم واصلت محاولات التعرف على هذا الشيء الماثل أمامها : - " آسفة .. من أنتِ إذن .. من تكونين ؟! " فأجابت المرأة بثقة : - " ماريا .. اسمي ماريا .. أعتقد أنهم لا زالوا يستخدمون الأسماء عندكم في الأعلى ؟! " فازدادت دهشة الأم و حدقت بفزع في الوجه الشاحب الميت .. و لكن المخلوق أقدم على حركة غريبة .. فقد بادلها التحديق لثانية .. ثم فجأة دار على عقبيه و هم بمغادرة المكان والعودة من حيث آتي هكذا بدون أن يوضح أي شيء ! و وجدت الأم نفسها تصرخ وهي تتبعه ؛ أو تتبعها إذا صدقنا إنها امرأة اسمها ماريا ؛ بضع خطوات بحذر : - " إلى أين .. إلى أين يا سيدتي ؟! " فهتف المخلوق دون أن يكف عن المشي ودون حتى أن يستدير ليلتفت إليها : - " لقد عرفت اسمي .. أما إذا أردت أن تعرفي من أكون فاتبعيني ! " فسألت الأم بحذر : - " إلى أين ؟! " أجاب المخلوق الذي كاد يختفي في فجوة مظلمة في نهاية المخبأ : - " إلى حيث الأمان لك و لولدك مدى الحياة .. أو بإمكانك البقاء هنا و انتظار الرصاصة القادمة و التي لن تكون طائشة هذه المرة ! " و فكرت الأم قليلاً ..ثم وجدت نفسها كالمسحورة تسرع في نفس الاتجاه الذي اختفى فيه المخلوق الغريب الذي يحمل اسم " ماريا " .. دون أن تفكر في العواقب ! .................................. و مشت الأم بضع خطوات و تعمقت في ظلمة حالكة وظلام دامس وكان ما يثير دهشتها وعجبها هو طول الممر غير العادي .. فلم تتخيل أبداً أن زوجها يمكن أن ينشئ مخبأً بهذا الطول أو الحجم .. و لماذا ؟ ! إنها بالطبع قد رأت المخبأ أثناء قيام زوجها ؛ بمساعدة اثنين من العمال ؛ بالعمل فيه سراً و تحت جنح الظلام و بالطبع أيضاً رأته عندما فرغ منه وتم إعداده .. و تذكر جيداً إنه لم يكن سوى حجرة مربعة ضيقة أسفل منزلهما ذات مدخل خفي في حجرة النوم .. و لم يكن أبداً بهذا الطول ولا متعمق داخل هذه الأبعاد المجهولة ! فمتى زاد طوله هكذا .. وهل كان زوجها يعمل فيه سراً و دون أن يخبرها .. أم أن الأمر فيه سر غامض .. أم إنها ببساطة حمقاء تمضي بطفلها من مصيبة إلى كارثة أكبر ! و المصيبة الأكبر أن تلك المسماة " ماريا " قد اختفت تماماً .. و لم يعد يظهر لها أي أثر ! و هكذا أصاب الخوف الأم وانتابتها نوبة ذعر .. فحملت طفلها وهمت بالجري في الاتجاه المعاكس والعودة من حيث أتت .. كان ذلك عندما رأت النور فجأة ! لم يكن نوراً عادياً .. بل ضوء قوي وهاج يبدو كضوء الشمس في الظهيرة .. و لكنه في نفس الوقت مكتوم وكأنه يصدر عن مصباح مغلف بالورق ! و عندما لمحت الضوء وجدت الأم نفسها تسير في اتجاهه ؛ وكأنها تسير في حلم ؛ وطفلها بين ذراعيها مغمض العينيين من عنف الوهج .. و مشت الأم بضع خطوات ليس إلا .. و لكنها كانت بالنسبة لها و كأنها قطعت ميداناً فسيحاً خالياً .. و أخيراً وجدت نفسها تهوي من ارتفاع شاهق و صراخ طفلها المذعور بين يديها يصم آذانها ! ............................ فتحت الأم عينيها لتجد نفسها راقدة على فراش وثير في غرفة مربعة صغيرة مطلية باللون الأبيض الأشهب .. و كانت الغرفة خالية من أي شيء عدا الفراش الصغير .. أما الطفل فلم يكن له أي أثر حولها ! و يبدو أن السقطة التي سقطتها الأم أثرت على رأسها لأنها وجدت ضمادة موضوعة فوق رأسها ، كذلك فقد كان وعيها شبه غائب ؛ رغم إنها أفاقت من إغماءتها ؛ لذلك لم تدرك إلا بعد فترة اختفاء طفلها وعدم وجوده في أي مكان بالغرفة حولها .. و فتحت الأم فاها لتصرخ صرخة مذعورة مدوية ! و بمجرد أن أنفتح فمها وبدأت بالصراخ حتى هرع المخلوق المسمى " ماريا " إلى الأم و أخذت تهديء من روعها .. و لكن الأم التي أصابها الرعب على طفلها الصغير بدأت تصرخ و صدرها يعلو و يهبط بعنف و تتساءل عن طفلها .. و رغم كل محاولات " ماريا " لتهدئتها وتطمينها إلا أن الأم استمرت في الصراخ و الهستيريا بشكل ينذر بانفجار عصبي مدوي .. و لكن فجأة كان الطفل في الحجرة يركض نحو أمه و في يده لعبة كبيرة من القماش وعلى وجهه ابتسامة سرور شقية .. احتضنت الأم طفلها بقوة و أخذت تسأله بصوت متهدج عن المكان الذي كان فيه .. فأجابها الطفل سعيداً : - " كنت أركض و ألعب في المكان يا أمي .. ما أكبر هذه البلاد يا أمي .. إنها أكبر من العالم كله !" و دون كلمة أخرى أنزلق الطفل من حضن أمه وجرى مبتعداً .. فمدت أمه يدها لتستبقيه .. و لكن " ماريا " تدخلت و قالت للأم : - " دعيه يذهب .. و تعالي أريكي شيئاً هاماً ! " و ترددت الأم قليلاً .. ولكنها في النهاية حسمت أمرها وأعطت يدها لـ " ماريا " و سمحت لها بأن تقودها إلى العالم العجيب الرابض حولها ! ........................... لم تصدق الأم عينيها .. و هي معذروة في ذلك .. فمن كان مكانها و سيصدق كل ما يراه ! عالم كامل .. مدينة متكاملة .. شوارع ومحلات ومدرسة كبيرة ومعبدين صغيرين .. بل وميدان فسيح به نافورة .. والأكثر غرابة مسرح كامل مبني على الطراز الروماني .. كل شيء .. كل شيء تجده أو تتوقع أن تجده في مدينة كبيرة .. لا يوجد سوى اختلاف واحد .. أن المدن الأخرى تظللها السماء الزرقاء أما هذه فتظللها صخور رمادية صلبة ! ظلت الأم تجول بثوبها الأبيض القصير ؛ وخلفها " ماريا " ؛ تتأمل في ذهول و دهشة هذه المدينة الجبارة القائمة بالكامل تحت الصخور .. تحت الأرض الصلبة القاسية التي لا يتصور أحد أن تحتها توجد مدينة كهذه ! كادت الأم تجن .. شعرت بحمى تلتهم خلايا مخها ، آلاف الأسئلة تدافعت إلى رأسها كالطوفان فلم تعد تعرف بأي سؤال تبدأ .. و هكذا ظلت تتأمل ما حولها بدهشة ؛ و كثير من الرعب ؛ و هي شبه عاجزة عن الكلام .. و أخيراً جداً وجدت صوتها لتسأل : - " من أنتم ؟! و كيف بنيتم كل هذا .. و لماذا ؟! " .......................... و مرت عشرة أعوام طويلة ! أشرقت الشمس على المدينة فملأت الشوارع وغطت أسطح البيوت ونوافذ العمارات و واجهات المحلات .. و لمعت أشعتها الذهبية فوق الأبواب المعدنية و اللوحات البراقة والصلبان الفضية فوق قباب الكنيسة الحديثة البناء .. كانت هناك مدينة جديدة .. مدينة بُنيت على أنقاض المدينة القديمة التي شهدت مذبحة رهيبة وهُدمت بالكامل منذ نحو عشرة أعوام .. و من هذه المذبحة ومن ضحاياها الأبرياء أخذت المدينة أسمها ( مدينة الشهداء ) و توافد السكان على المدينة الجديدة فاكتظت بهم في سنوات قليلة .. و هكذا ولدت الحياة مكان الموت ! و عاش سكان مدينة ( الشهداء ) حياتهم طولاً وعرضاً كما يعيش غيرهم من البشر .. و لكن أحد منه ؛ حتى أكثرهم خيالاً و خبالاً ؛ لم يتصور أو يتخيل للحظة أن هناك و تحت أقدامهم مباشرة توجد مدينة أخرى .. أكبر من مدينتهم و أفخم و سكانها أفضل منهم و أكثر ! و كانت السنوات قد مرت أيضاً على من هم تحت الأرض .. مرت السنوات فشاب الشباب و كبر المراهقين و صاروا رجالاً و نساء ناضجين .. و شب الأطفال فصاروا شباباً صغار يخطون نحو أول مراحل الرجولة ! كان كل شيء يسير في المدينة المدفونة بشكل طبيعي .. و الناس هناك يجدون كل ما يتمنون عدا شيء واحد .. النجوم و القمر و الشمس .. لقد نسوا الشمس حتى أن بعض سكان المدينة كانوا لا يعرفون معنى لكلمة الشمس أصلاً ! ..................... كان " ريكاردو " شاباً يافعاً في عامه السادس عشر .. يعيش مثلما يعيش غيره من الشباب في المدينة المدفونة .. إلا إنه يختلف عنهم في شيء واحد .. لقد عاش من قبل على سطح الأرض حيث توجد النجوم والشمس والقمر و هو يعرف أشكالهم ؛ أو يظن أنه يعرف أشكالهم ؛ جيداً ! كان " ريكاردو " لا يذكر كيف جاء إلى هنا بالضبط و متى و كيف .. و لكنه كان يذكر شيئاً واحداً .. ضوء الفجر الشاحب و هو يتسرب من بين طيات ستارة رقيقة تعبث بها الريح في الصباح الباكر ! و كثيراً ما كان " ريكاردو " يسأل أمه و هو مستلق في حجرها عن الشمس التي يسمع عنها كثيراً .. فكانت أمه تجيبه باقتضاب و هي تغمره بحنانها المعهود : - " إنها قرص كبير .. قرص كبير مضيء ! " و لكن تساؤلات " ريكاردو " لم تكن تتوقف عند هذا الحد .. بل كان يسأل أساتذته في المدرسة وأصدقائه ولداته المراهقين .. و حتى حبيبته الصغيرة الفاتنة " مارا " كان يسألها أيضاً .. و دائماً هو نفس السؤال ! لم يكن " ريكاردو " سيء إلى هذا الحد .. بل هو شاب جريء طموح مجتهد .. و لولا شغفه بالأسئلة السخيفة التي تثير غضب أولياء الأمر في المدينة المدفونة لوجد أمامه مستقبلاً باهراً ! كان أصحاب الأمر و النهي في المدينة المدفونة قد وضعوا قانوناً يمنع سكان المدينة من الكلام بشأن العالم الموجود بالأعلى أو التفكير فيه .. و كانوا كذلك ينعون الآباء والأمهات من التحدث بشأنه أمام أطفالهم أو تعريفهم أنه يوجد عالم آخر .. عالم يقع فوق رؤوسهم بمئات الأمتار ! و كان الجميع يلتزمون بهذا القانون .. إما لأنهم يحملون أسوأ الذكريات للعالم العلوي و لا يريدون التحدث بشأنه .. أو لأنهم ولدوا في المدينة المدفونة ولا يعرفون شيئاً عن هذا العالم الآخر أساساً ! و لكن قدوم " ريكاردو " و أمه إلى المدينة كان بداية للمشاكل .. لقد عاش " ريكاردو " و أمه سنوات طويلة في العالم العلوي قبل أن تحدث مذبحة رهيبة في مدينتهم تجبرهما على اللجوء لملجأ تحت الأرض .. و هناك وجدتهم " ماريا " بالصدفة و أحضرتهما إلى المدينة بدافع الشفقة رغم أنها لم تستأذن أحداً قبل أن تفعل ذلك ! في البداية وجدت الأم و طفلها ترحيباً من سكان المدينة المدفونة .. الذين كانوا رغم حياتهم بعيداً عن التجمعات البشرية على قدر كبير من اللطف و اللياقة ولديهم من الخلق أكثر مما لدي سكان العالم العلوي لحسن الحظ ! و هكذا عاشت الأم و طفلها " ريكاردو " في المدينة و وسط أهلها على الرحب و السعة .. و عرفوا سر المدينة ووجودها بعد أن أقسمت الأم ؛ باعتبارها بالغة عاقلة ؛ على الولاء للمدينة المدفونة و البقاء فيها مدى الحياة و عدم محاولة الخروج منها و العودة للعالم العلوي ! و كان كل شيء متوفر في المدينة المدفونة .. فالطعام متوفر و موجود بكثرة .. فقد توصل سكان المدينة المدفونة لأساليب علمية تجعلهم يستطيعون زراعة كل و أي أنواع من النباتات و المحاصيل دون الحاجة إلى أشعة الشمس ! و بهذه الطريقة حصلوا على كافة أنواع المحاصيل و حتى الفاكهة و الخضراوات كانت مكدسة في المدينة .. و المياه كان يتم الحصول عليها عن طريق مسقط مائي عملاق تم أخذه عن طريق الحفر أسفل مجرى الأمازون ليصب في المدينة المدفونة و يرويها بالمياه دون أن يلاحظ مخلوق ذلك ! و لم يصب سكان المدينة بالعمى فهم يستخدمون أنواع من الضوء الصناعي المبهر .. ضوء يجعلك تشعر أنه ضوء الشمس الذاتي لولا أنه كان نور أخضر بارد و ليس أصفر حار كضوء الشمس ! و العلم والتعليم متوفران في المدينة .. و لكن بشرط .. عدم ذكر أي شيء عن العالم العلوي البغيض ! و هكذا كان طلاب المدارس في المدينة يعتقدون أن " فيثاغورث " و " ابن سينا " و " اينشتاين " و " شكسبير " و " هوميروس " كانوا يعيشون في مدن أخرى بعيدة .. فقط و دون أي اختلاف بين مدنهم و هذه المدينة ! حتى الكتب والتي كان هناك من يحصلون عليها و يبيعونها لمندوبي المدينة المدفونة سراً وبمبالغ باهظة كان هناك تشديد رقابي صارم عليها .. فالكتب التي تتحدث عن الشمس أو القمر أو علم الفلك أو الخرائط أو الجغرافيا أو القارات أو كوكب الأرض ممنوعة ممنوعة و دون نقاش ! و كانت حصيلة هذا الحظر الواعي الدقيق أن ثلاثة أرباع سكان المدينة المدفونة لم يكن يعرفون أن هناك عالم ضخم فوقهم .. و الربع الباقي يعرفون ذلك و يتكتمونه إما عن رغبة أو عن خوف ! و لكن المشكلة الكبرى بدأت عندما شب الغلام " ريكاردو " .. و بدأت تراوده الأحلام .. أحلام غريبة سخيفة عن الفجر الذي يتسرب من بين الستائر .. الفجر الأزرق ! .......................... كان " ريكاردو " يسير في الميدان الرئيسي للمدينة ممسكاً بيد صديقته و حبيبته " مارا " .. كان سعيدين جداً و يتجولان معاً بحرية و يتحدثان في كل أنواع الموضوعات .. و فجأة وقف " ريكاردو " مكانه للحظة ثم قال ل" مارا " : - " أنت ولدت هنا يا مارا .. أليس كذلك ؟! " فتعجبت مارا من السؤال فهو يعرف جيداً أنها ولدت هنا .. و هي أصلاً لا تعرف أن هناك مكان آخر سوى هنا ! أومأت مارا برأسها فهتف ريكاردو "بشفقة : - " مسكينة ! أنت إذن لم تشاهدي الفجر و لو مرة واحدة في حياتك ! " فسألته مارا بقلق : - " ريكاردو ... يجب أن تكف عن هذه الأحاديث ! إنهم تغضب حكام المدينة ! " و كانت هذه هي الإجابة التي يتلقاها ريكاردو في كل مرة يسأل أو يتحدث فيها عن العالم العلوي أو ما فيه .. و لكن في اليوم التالي وجدت أم ريكاردو نفسها في موقف حرج للغاية .. لقد استدعاها نائب حاكم المدينة إلى مكتبه .. و هناك انذرها بأنه إذا لم يكف ولدها عن إفساد شباب المدينة و التحدث معهم بشأن العالم العلوي .. فسيتم طردها هي وهو من المدينة ! .......................... كانت الستائر تتحرك .. هبت ريح رقيقة فعبث نسيمها الهفهاف بقماشها الحريري الأزرق فتحركت بلطف .. و من فرجة الستار ظهر قرص لامع .. قرص لامع أبيض كبير مضيء .. تسلل ضوءه النقي اللامع فطغى بريقه على ألوان أغطية الفراش و ملاءته .. و أخذ القرص يقترب ويقترب ويتضخم ويتضخم حتى شعر ريكاردو أنه مغمور تماماً في نبع من الضوء الأبيض الأزرق الجميل .. و شعر ريكاردو بالسعادة .. و أخذت سعادته تزداد وتزداد حتى شعر كأنه طائر صغير يفرد جناحيه و يحلق في اتجاه هذا القرص الأبيض الجميل ! و اخذ ريكاردو يسبح في نبع النور الصافي .. يسبح و يسبح و يسبح ! ........................ في اليوم التالي لتسلمها هذا الإنذار حدثت مشادة كلامية حامية بين ريكاردو وأمه .. انتهت بمخاصمة بينهما لأول مرة منذ أن ولد هذا الشاب المثير للمتاعب .. لكن المصيبة أن ريكاردو بدأ يفكر في شيء خطير للغاية .. و قرر أن ينفذه فعلاً مهما كانت العواقب ! خلال أسبوع بعد هذا الموقف بدأت المدينة المدفونة تتهيأ للاحتفال بعيد تأسيس المدينة الثامن والتسعين بعد التسعة آلاف ! و لذلك زينت البيوت والطرقات والمدارس والمعابد .. و حتى دار الحاكم تهيأت لاستقبال المهنئين والمحتفلين بهذه المناسبة السعيدة .. و ارتدى سكان المدينة أجمل ما لديهم من ثياب و منهم ريكاردو وأمه و صديقته مارا .. و تجمع شعب المدينة في الميدان الكبير والتفوا حول حاكم المدينة يستمعون لخطبته القصيرة البليغة .. ثم نزل الحاكم من فوق المنصة و أندمج وسط الناس وبدأ الجميع يرقصون و يضحكون و يتسامرون ! و في هذه اللحظة كان ريكاردو قد أنسل من وسط الجموع دون أن يلحظه أحد .. و لا حتى أمه .. كذلك اختفت مارا من وسط صديقاتها ! و بعد دقيقة واحدة كان ريكاردو يجري بسرعة عابراً ممر مظلم بالغ الطول ساحباً معه مارا التي لم تكن تفهم ماذا يريد بالضبط ! قالت " مارا " و هي تسحب يدها من يده بعنف : - " توقف .. أنتظر ! أين تريدنا أن نذهب بالضبط ؟! " فأجابها ريكاردو بصوت مبهور متقطع الأنفاس من فرط الإثارة : - " سنذهب .. سنذهب لنرى العالم العلوي .. سنخرج إلى الأرض ! " فصرخت مارا بفزع و قالت غير مصدقة : - " هل جننت يا ريكاردو .. ماذا دهاك ؟ّ هل نسيت أن سطح الأرض مليء بالديناصورات المتوحشة و الزواحف العملاقة المفترسة ؟! " فرد عليها ريكاردو باستخفاف : - " هراء يا فتاة .. كل ما قالوه لنا في المدرسة هراء .. إنهم يخيفونا ليمنعونا من محاولة الخروج إلى العالم العلوي .. ليس هناك ديناصورات و لا زواحف مفترسة .. لقد اندثرت كل هذه المخلوقات منذ ملايين السنين ! " فقالت مارا بخوف : - " ولكن كيف تعرف ذلك .. هل أنت أكثر علماً من أساتذتنا و حكام مدينتنا ؟! " فأحتد ريكاردو وصرخ في وجهها : - " أنسيت أنني كنت أعيش هناك يا مغفلة .. كنت أعيش هناك هل تفهمين ذلك ؟! " و لما وجد أنه أرعب الفتاة دون مبرر خفف ريكاردو من حدته و قال لها بصوت حنون متوسل : - " أرجوك يا مارا دعينا نخرج لهناك لبعض الوقت .. الأرض جميلة من الخارج .. جميلة جداً يا مارا .. فهناك الأرض المنبسطة و المروج الخضراء و هناك الفجر حيث يتسرب اللون الأزرق المذهل من بين فرجات الستائر .. الفجر الأزرق ! " و أذعنت مارا ووضعت يدها في يد ريكاردو ؛ الذي سيدفعها حبها له إلى حتفها فيما يبدو ؛ و بدآ يعبران هذا الممر المظلم المخيف .. كانت هناك أربع ممرات سرية في المدينة المدفونة تنتهي بفتحات التهوية التي تتيح للهواء الجوي التسرب للمدينة و السماح لأهلها و مخلوقاتها بالتنفس .. و كانت كل هذه الممرات الأربع سرية لا يعرف مكانها سوى حاكم المدينة وقليل من المتحكمين في شئون المدينة .. و لكن من سوء الحظ أن أحد هذه الممرات الأربع كان هو نفسه الممر الذي قطعه ريكاردو بصحبة ماريا منذ سنوات طويلة للدخول إلى المدينة المدفونة .. الممر الذي ينتهي في المخبأ الموجود تحت بيت ريكاردو القديم فوق الأرض .. الممر الذي تذكره أقدام ريكاردو أكثر مما يذكره عقله ! فجأة توقفت مارا مكانها و أبت أن تواصل المسير و قالت لـ ريكاردو متوسلة : - " هلم نعد يا ريكاردو ... أنا خائفة ! " فأخذ ريكاردو يحاول تطمينها وتهدئتها و إقناعها بمواصلة المسير معه .. كانا قد قطعا نصف الممر .. و هي لم يكن لديها نية لاستكمال الأمر أما هو فلم يكن لديه أي استعداد للتراجع عنه ! و هكذا افترقا عند منتصف الطريق .. مع وعد بان يتلاقيا قريباً في المدينة المدفونة .. و سار ريكاردو بمفرده خارجاً إلى العالم العلوي الذي لا يعرف عنه شيئاً ! ........................... أخذ ريكاردو يسير و يسير ويجد في السير .. لم يكن واثقاً من نفسه إلى هذا الحد .. فهو يخشى أن يضل الطرق أو يصل لنهاية مسدودة بعد أن أضطر لقطع ستة كيلومترات على قدميه .. كما عرف ذلك من ساعة قياس المسافات التي يرتديها . و لكن الجميل في الأمر أن هذا الممر اتجاه واحد و لا توجد به أي تفريعات أو قنوات فرعية و ذلك سهل له مهمته كثيراً ! و هكذا واصل ريكاردو السير و قطع نحو سبعة أميال عندما وصل إلى حائط مسدود أمامه ! صرخ ريكاردو في يأس .. هذه هي نهاية محاولته الفاشلة ! الحائط مسدود يا ريكاردو .. أتحسب أن حكام المدينة نائمون على آذانهم و سيتركون الممرات المفتوحة لكي يفاجئوا في كل يوم بوجه سمج من وجوه سكان العالم العلوي يتسلل لمدينتهم دون مناسبة ! و لإصرارهم على حماية مدينتهم وسكانها و سرها الخالد الذي يبلغ عمره آلاف السنيين قام حكام المدينة بسد كل ممرات التهوية القديمة و صنعوا فتحات جديدة لا يعرف مكانها أي أحد عدا حاكم المدينة و مسؤول الإنشاءات بها .. و حتى العمال الذين قاموا بعمل هذه الفتحات نسوا كل ما يعرفونه عنها بمجرد جرعة واحدة من أحد الأشربة السرية في المدينة ! و كن الإصرار في نفس ريكاردو كان أقوى من كل ما يدبرون .. وهو كان يتوقع شيئاً كهذا على العموم .. لذلك فقد مد يده إلى الحقيبة الصغيرة التي يحملها وأخرج منها بهدوء معول صغير .. و تقدم نحو الحائط السمج الذي يقف في سبيل رؤيته للقرص الأبي اللامع و بدأ في توجيه ضربات قوية مصممة له ! في البداية كان الحائط صامداً مصراً على المقاومة .. لكنه بدأ يذعن تحت وقع الضربات القوية المليئة بالغل التي يوجهها له ريكاردو .. والحقيقة أن حكام المدينة بذلوا جهدهم لإخفاء وغلق الممر من الخارج .. لكنهم لم يهتموا كثيراً بالطبقة الداخلية على اعتبار أنهم دائماً يتوقعون أن يأتيهم الدخيل من الخارج .. لكن من الصعب عليهم أن يتصوروا أن أحد سكان مدينتهم هو الذي سيحاول الخروج ! ......................... بعد ساعات كان ريكاردو قد انتهى من تحطيم الطبقة الداخلية من الحائط الذي يسد فتحة الممر و صنع فتحة كبيرة بإمكانه أن يقف فيها ليبدأ في تحطيم الطبقة الخارجية .. التي كانت لسوء الحظ أكثر قسوة و أبلغ مقاومة ! و هكذا مضى ريكاردو بكل العزم والغل داخله يضرب الحائط و يضربه حتى كلت يده و تقرح كفيه .. و لكنه واصل العمل رغم أن قروح يديه بدأت تدمى من فرط العمل الشاق المتواصل .. و لكن دون فائدة فالغلام كان مصراً على تحطيم الحائط .. حتى لو حطم نفسه معه ! و أخيراً .. أخيراً بدأ السد الخارجي يتفتت .. و بدأ فتحة صغيرة تظهر .. ثم أخذت تتسع و تتسع .. حتى أصبح بإمكان ريكاردو أن يخرج رأسه منها و يرى .. يرى العالم الخارجي يتألق في سمائه القرص الأبيض الكبير .. و يغمره نور أزرق بديع .. نور الفجر الأزرق ! ...................... و بدأ هواء العالم الخارجي يتسرب إلى رئتي ريكاردو الذي أحس بثقل يجثم على صدره فجأة و بدأ تنفسه يضيق بشكل ما .. و لكن شيء ما لم يكن ليمنعه من تحقيق حلمه الذي انتظر سنوات طويلة ليراه ! و هكذا وبضربة قوية ملهوفة سقط آخر جزء من السد الخارجي ..و خرج ريكاردو إلى العالم الخارجي ! تسرب من الفتحة بصعوبة .. و لكنه تمكن من إخراج جسده وسحبه للخارج .. و خرج تماماً ليجد حوله منطقة خالية ليس بها بيوت ولا أي نوع من المخلوقات الحية .. لقد كان هذا هو الجزء المهجور من ( مدينة الشهداء ) .. الجزء الذي كان فيه منزل أسرة ريكاردو قديماً و الذي أصبح فيما بعد مرتعاً للأشباح والمخلوقات الغريبة التي تطوف ليلاً .. مما جعل سكان المدينة يمتنعون عن سكنى هذا الجزء لأنهم يتشاءمون منه .. و لكن شيء من كل هذا لم يكن يشغل ريكاردو فضلاً عن أنه لا يعرفه .. بل ما كان يشغله هو أن يغمر نفسه في ضوء هذا القرص الأبيض اللامع المبهر .. و لكن المشكلة أنه لم يعد يستطيع التنفس .. فجأة ضاق تنفسه بشكل مخيف .. و أخذت آلام مخيفة تمزق صدره .. فهوى على الأرض و خلع سترته و قميصه ليتمكن من التنفس .. و لكن هيهات ! قبضة عاصرة شرسة تعتصر رئتيه و تفرم صدره .. و هكذا سقط ريكاردو عاجزاً عن التنفس على أرض حلمه .. و لم يستغرق الأمر فترة طويلة .. فبعد أقل من ربع ساعة كان قلبه قد توقف عن العمل بعد أن توقف تنفسه تماماً ! ............................ في الساعة الحادية عشرة مساء مرت سيارة الزوجين ( بلفور) والذين هما من سكان مدينة الشهداء في الناحية الجنوبية المهجورة من المدينة .. كانا يمضيان بسيارتهما بسرعة لا يلويان على شيء .. و لكن الزوجة (سامنتا ) لاحظت فجأة شيء مكوم في ركن قريب من الطريق .. فطلبت من زوجها النزول و لكنه تردد بسبب ما سمعه من إشاعات عن الأشباح و المخلوقات المخيفة التي تسكن هذا الجزء من المدينة .. و لكن ( سامنتا) قالت له متوسلة : - " هلم يا عزيزي .. ربما يكون إنسان مسكين بحاجة للمساعدة .. أرجوك ! " و أذعن الزوج ونزل من السيارة و معه زوجته .. و بدآ يقتربان بحذر و توتر من الشيء الراقد على جانب الطريق .. و لم يكن الأمر صعباً فالقمر بدر هذه الليلة والرؤية واضحة للغاية .. و على ضوء القمر الأزرق شاهدا مخلوق يشبه الرجل لكنه شاحب شحوب غير طبيعي إطلاقاً .. تفحصه الزوج بحذر فوجد تنفسه و نبضه منتهيان فأومأ لزوجته بنظرة ذات معنى فهمته على الفور .. و هكذا ركض الزوجان خائفين وكان شيطاناً يطاردهما وعادا إلى سيارتهما انطلقا بها بأقصى سرعة .. لابد أنه قتيل ولابد أن هناك جريمة في الأمر ، وهما لا يريدان التورط أكثر من ذلك .. و انطلقت عربة الزوجان تاركة المخلوق الشاحب ملقى على جانب الطريق .. بينما كان نور القمر يغمر الأرض .. النور الأزرق ! ............................................إنتهت |
#2
| ||
| ||
لوسمحتو وين الردود الحلوة
|
#3
| ||
| ||
ب..بس ؟! هذيْ آلنهآية ؟! آمل آنُهـ يشوفْ آلعآلم آلعلويّ .. وفيْ آلنهآيةة " يموتْ " ؟! هذيْ آلروآيةة فيهآ تحطيمْ مِن نوع مآ .. كآنهآ تقول آنُ آلشخص لآزمْ يفقد آلآملّ .. مآ يكملّ ! ! هيْ مُمكنّ تقول إنُ مُشكِلة آلتهورّ .. بسس آنُ فيهآ إنعدآم آلآمل آكثرّ ! ! آعذرينيّ على نقديّ .. آسلوبْ آلسردْ روعةة صرآحةة .. آنآ عشتْ جوّ وَآنسجمتْ بسس آلمُشكِلة هيْ في إنعدآم آلآملّ آللي تخفى بينّ آسطُر آلروآيةة ! ! ! ! وآكرر آعتذآريّ إذآ آزعجتك ! !
__________________ . . . " اللهُ لا إلهَ إلا هوَ الحيُّ القيوم لا تأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوم لهُ مَا فِي السَماوَاتِ وَمَا فِي الأرْض مَنْ ذا الذي يَشفعُ عِندهُ إلا بإذنِه يَعَلَمُ مَا بَينَ أيدِيهِم وَما خَلفَهُم وَلا يُحيطونَ بشيءٍ مِنْ عِلمِه إلا بِما شاء وسِعَ كُرسيهُ السماواتِ وَالأرض ولا يؤودهُ حِفظهُما وهوَ العليُّ العظيم " . . |
#4
| ||
| ||
لاعادي ولا يهمك مشكورة لمرورك
|
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
رواية انمي منقولة رومنسية جنان رااااائعة لن تندموا | محبة كانامي | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 62 | 10-15-2013 04:19 AM |
اليوم حبيت حط لكم رواية بحرانية تتحدث عن الواقع | jaroo7 | قصص قصيرة | 0 | 02-14-2012 01:52 PM |
لوحات زيتيه تحاكي الواقع | ديرتي نجد وانا قمرها | موسوعة الصور | 9 | 12-23-2011 11:18 AM |
اناقة اللون الازرق, احلى صور للديكورات باللون الازرق | FATIMA27 | إقتصاد منزلي | 1 | 03-05-2011 09:04 PM |
رواية ورود في مزبلة الواقع رومانتييييك كامله | ЯǒǑǒйĝ3ħ | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 4 | 05-05-2010 01:32 AM |