عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام العامة > مواضيع عامة

مواضيع عامة مواضيع عامة, مقتطفات, معلومات عامه, مواضيع ليس لها قسم معين.

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 04-10-2012, 12:04 PM
 
تعديل :

الحلقة السادسة ..

هذا غير صحيح ، كل رغبة مقترنة بالزمن الحاضر . من الجنون أن يموت الزمن ولا تموت الرغبة ! على كلام فرويد : قد يكون الشخص قد شعر بالبرد قبل عشرين سنة ! اذا رغبته بالتدفئة لا تزال قائمة حتى الان ! اذا عليه ان يشتري مدفأة كهربائية و ملابس شتوية حتى لو كان في الصيف ، ليقضي تلك (الرغبة-الدين) . و هو يقول ان الحلم تحقيق رغبات مدفونة لم تحقق في حينها في الطفولة ، و ذهبت الطفولة و بقيت الرغبات مكبوتة ! اذا كلامه غير منطقي ولا واقعي ، لأن كل مكبوت ينتظر التنفيس ..


اذا سقطت فكرة المدفونات في اللاشعور كلها ، و سقط معها اللاشعور كله ؛ لانه لا رغبة تتعلق بالماضي اصلا .. الرغبة مرتبطة بالحاضر و المستقبل .. فالماضي مات و لا يمكن ان يحقق فيه اي شيء من رغباته ، مثلما ماتت معه مخاوفه و مثلما مات واقعه واسعار عملته .. كل يوم يـُنقل الانسان الى واقع جديد و تجربة جديدة و اختبار جديد ، و يـُنقـَل معه العالم كله .. لا يبق من الماضي الا ما له علاقة بالمستقبل .. اما الباقي فلا قيمة له .. ولهذا ندرس التاريخ لاخذ العبرة للمستقبل و الحاضر - الذي هو مستقبل قريب - ..


اذا الماضي ليس مجالا للشعور .. و اذا ندّمك الشعور على اشياء في الماضي ، فهذا لأجل مراعاتها مستقبلا و لتصحيح مسارك .. فالشعور ليس مجنونا لكي يهتم برغبات مات زمانها .. و كل رغبة معلقة حتى ولو كانت بدايتها في الماضي ، لم تـُعلّق إلا لأجل إمكانية تحقيقها في المستقبل ..


اذا على تفسير فرويد : ينبغي ان يكون هذا الشخص الحالم يرغب في موت والده مستقبلا و ليس في الماضي ، لأنه لا رغبة تـُقسَم على الماضي . و طبعا هذا التفسير سيكون مجنونا ايضا .. فالشخص يبكي حرقة على والده الذي مات في الحلم ، ثم يكون يريد له ان يموت مستقبلا حتى يضحك فرحا بعد ان بكى حرقة ؟؟!! هل تجتمع رغبتان متضادتان في شخص واحد و في وقت واحد ؟ هذه هي النكتة بعينها ، فالنكتة مبنية على التناقض ..


لماذا لا يقول ببساطة : ان هذا الشخص خائف على ان يموت والده ، وان يكون مقصرا في حقه ؟ وان يندم بعد موته ، فيقدمه له على انه مات حتى ينتبه .. و هذا اكبر دليل على ان هذا الشخص يحب والده .. على عكس تفسير فرويد انه يكره والده في اعماقه ويتمنى موته ، و اراد ان يلطفها فرويد بان قال ان تلك الرغبة في موته كانت في الماضي فقط ، وجاء الحلم ليحققها مع ان رغبته الان تغيرت وصار لا يريد له ان يموت !! على هذا المنطق الغريب : اذا كنا نحب تناول الساندويتش ، ثم اصبحنا لا نحبه ابدا : هذا يعني عند فرويد ان الرغبتين كلاهما موجودتان في دواخلنا ، بالرغم من انهما متناقضتان !! وأأسف عن استعمال مثال الساندويتش ، فقد تكون ترمز رمزا جنسيا و انا لا ادري !!


اما الحالم الذي يرى ان عزيزا عليه مات وهو لا يكترث له في الحلم ، فقد تكون نقطة التركيز الشعوري ليست على هذا الموضوع ، و سيكون لها تركيز آخر, و تكون هذه الرؤية لذلك العزيز الميت من باب إحداث التناقضات في الحلم ، حتى لا يُشكل مع الواقع ، ومن الممكن ان أسميها : (عملية تشطيب الحلم) ، كي لا يختلط مع الواقع في الذاكرة ، أو قد يكون رسالة لأن يستعد الشخص لمثل هذه الحوادث و يتحملها ، فربما ان تكثيف الشعور متناسب عكسيا مع عدم اكتراثنا الواقعي , بحيث يهتم بما لا نهتم به في العادة ويقلل المشاعر لما أخذ حقه من مشاعرنا في اليقظة , فالحلم عملية إخراج معقدة تشبه اخراج الفيلم ، و كلها غير عبثية .


* الشقاق والشجار:


كل هذا كلام تعميمي , ولا يوجد أطفال لا يكفون عن الشجار فيما بينهم أبدا دون أن يمروا بلحظات صفاء وانسجام ولعب . ونحن نعرف متى يتم الشجار بينهم .. دائما الشجار له اسباب واضحة و منطقية عند الأطفال, و يذكرونها إذا سألناهم عن سبب الشجار , فلماذا الذهاب بعيدا ؟ كثير من هذه الشجارات بسبب الأنانية ، و اكثرها بسبب الخطأ وعدم معرفة الاعتذار وعدم معرفة قبوله ..


انظر إلى أطفال يلعبون بالرمل و يرفعون التراب و يلقونه على الارض ، فلأن حركاتهم غير دقيقة تجد أن أحدهم رمى التراب على وجه صديقه دون أن يقصد ، مثلما رماه على شعره هو ، فيلجأ الآخر إلى العنف على اعتبار النية ؛ فالأطفال يعرفون النية , و هي ليست أمراً مكتسباً . أو أطفال يركبون في سيارة مثلا , فأحدهم يبكي و يضرب أخاه لأن الآخر يدوس على رجله دون أن يدري , و لو لم تكن المحبة هي الاساس لما اجتمعوا . أي أن أكثر أسباب الشجار غير مقصودة عند الأطفال , لأن الأطفال لم تتكامل الخبرة عندهم و كذلك المنطق ، و لا كيفية معالجة المشاكل ، فيلجأون إلى العنف .. فطفل يبكي لأنه يريد الحليب ، مع أنه يرى أمه وهي تعد الحليب له ، فلا يعرف أن هناك زمن يجب احترامه حتى يتحقق له ما يريد , لأنه لا يعرف آلية إعداد الحليب . و لو كان يعرفها لانتظر دون أن يبكي . كذلك يفعل هذا الطفل مع طفل آخر يريد منه شيئا ، فيعتقد هذا الطفل أن الآخر يتعمد التأخير فيغضب عليه و يشاجره .


الطفل يعرف النية أكثر من معرفته بالآليات والكيفيات , حتى إذا ضربه الجدار و ضُرِب الجدار وعنّف يشعر بالراحة , مما يعني أن ربط العمل بالنية أمر أساسي يجب ان نتعلمه من الأطفال .. ومن الأخطاء التي تؤدي إلى ضعف الفهم هو تجريد العمل عن النية , أو القول عن النية ، كما تطالب الثقافة الغربية بإلحاح ؛ لأن فطرة الأطفال كشفت لنا أهمية هذا الأمر .. و الدين مع الفطرة ، لذلك تـُعتمد النية أساسا لقياس العمل في الدين الصحيح و ليس العكس ، فليس العمل هو المهم في الدين بل النية اهم منه .. و بسبب اعتماد الأطفال على النية فمن السهل خداع الأطفال عن طريق ادعاء إظهار النية الحسنة , و لو كانت طبيعة الإنسان شريرة لكان الأطفال أشرارا و لما كانوا مضرب المثل في البراءة .


إذا الطفل يراقب النية فقط و ما يدل عليها ، فإذا ضربته وأنت مكشر الوجه فإنه يبكي ، و إذا ضربته بنفس الضربة و أنت مبتسم فإنه يضحك .. إن الطفل ينظر إلى عينيك و أنت تتعامل معه .. فرويد يريد أن يجعل من الشذوذ قاعدة و من القاعدة شذوذ في كل الأمور , لهذا هو يدري أن أكثر القراء لن يتقبلوا فكرته ، لأن أكثر القراء عندهم منطق .


ليس صحيحا ان الشر هو الاساس والفطرة كما يريد فرويد .. لاحظ انه جعل الاصغر و الاكبر بمستوى عقلي واحد ! كثيرا ما يشعر الاصغر بأنه مظلوم ، في حين يكون الاخ الاكبر حريص على مصلحة الاصغر ويحبه ، لان الاكبر يعرف اكثر مما يعرف الاصغر .. هذا يشبه منظر الطفل الذي يصرخ في وجه امه وهي تعد الحليب ، لانه يراها قد اساءت اليه ، اذا : لماذا لا يقول فرويد ان صراخ هذا الرضيع يعني حقدا على الام و بغضا خفيا لها لانها اغضبته يوما من الايام؟


هو تناسى ان سوء الفهم يزول ، ومع الوقت نكتشف الحقيقة ، وأن آباءنا لم يكونوا يريدوا لنا الا الخير ، في حين كنا نحسبهم يعاملونا بشر .. اين دور المعرفة في حسابات فرويد ؟ فشخص كنت تظنه يهملك و يتصدد عنك ، ثم اكتشفت انه يحبك : هل شعورك قبل ان يعرف هذه الحقيقة سوف يستمر موجودا فيه ؟ ام ان معرفة الاسباب ستزيله ؟ واذا عرف السبب بطل العجب .. الحقيقة ان سيئاته ستنقلب الى حسنات ..


اذا : تعميمات فرويد بوجود الحقد اللازم بين افراد الاسرة وبقاؤه مكبوتا في اللاشعور تعميم غير حقيقي ، لأنه أهمل تغير النظرة بعد نماء العقل .. والإنسان يسحب كل مشاعره السلبية عن اي احد إذا اكتشف انه قد فهمه فهما خاطئا ، فذاكرة الانسان ليست مستودعا : كل ما وضع فيها يستمر كما تصور فرويد ! هذا التصور خاطئ وغير واقعي البتة .. والا لاستمرت مشاعرنا عن الاشخاص رغم تغيرهم ، مع اننا كنا نفهمهم بطريقة خاطئة ! واصبحنا نفهم بطريقة جيدة .. فهل تبقى المشاعر السيئة عنهم هي هي ؟؟ هذا كلام غير معقول يبني عليه فرويد كل نظرته للانسان ..


فرويد يتصور ان المشاعر لا تزول حتى بعد المعرفة التي تقتضي ان تغير المشاعر ، فكيف تتغير المعرفة ولا تتغير المشاعر ؟ هذا كلام غير علمي ولا منطقي و لا واقعي ، ومع ذلك يبني عليه فرويد كل نظرته التي يسميها علم نفس .. !! وما بني على خطأ فكله خطأ ..


ذلك المستودع الذي سيبقي مشاعرا بنيت على خطأ : ما الفائدة منه ؟ انه مستودع مجنون ! يجعلك تظلم احدا وهو لا يستحق الظلم بل يستحق الشكر بعد ان اكتشفت انه كان يحبك !.. في هذه الحالة ماذا تفعل ؟ هل تشكره تبعا لما اكتشفته فيه من خير مؤخرا ؟ ثم تضربه تبعا لشعورك المترسب من معرفة خاطئة سابقة ؟؟


لو انسقنا وراء فرويد ، اذا لكان في داخل كل انسان شخص مجنون آخر مختلف عنه تماما ، يحاول ان يخرج في اي فرصة .. هذا المجنون سيضر بالذات وليس يعمل لمصلحتها ، انه يريد ان يؤذي الاشخاص الذين يحبون الذات ويقفون معها ! اذا هو يعمل ضد بقاء الذات ! اذا لماذا يوجد في الذات ؟


لماذا يختزن الانسان مشاعر خاطئة لا فائدة منها ، وتبين ان الحقيقة هي عكسها ؟ المشاعر مرتبطة بالمعلومات في تعاملنا مع الاخرين, وإذا كانت المعلومات خاطئة قدمت مشاعر خاطئة ، واذا صُححت هذه المعلومات زالت تلك المشاعر الى غير رجعة .. بل تحل المحبة في مكانها ..


شعور الانسان حيوي وايجابي ، وليس مستودع نفايات منتهية الصلاحية من الماضي ولا فائدة منها كما تخيل فرويد .. وإذا كان فرويد لم يفهم هذه المعلومة البسيطة فكيف نثق به في الباقي؟ بل كيف نثق بسلامة منطقه أصلا كمفكر؟ إذا انطلقنا معه فسوف نصدق أن شخصا دفعنا بقوة ولم نكن نعرف السبب حينها ، ثم عرفنا بعد حين أنه انقذنا من السقوط , يريدنا فرويد ان نصدق أن مشاعر الكره له بعد أن دفعنا مباشرة ً باقية ٌ ومدفونة في نفوسنا وتنتظر فرصة للخروج حتى ونحن نقبل يده امتنانا لانقاذه لنا !! واذا لم نـُخرِج مشاعرنا المكبوتة اصبحنا مرضى عصابيين !! هذا جنون!


النتيجة الفرويدية : شخص أنقذ حياتي سأشكره ، ومع ذلك أكنّ له بعض الحقد في داخلي لأنه افزعني ودفعني بقوة ! هذا هو تفكير فرويد ! هل هو يتكلم عن البشر الذين نعرفهم أم بشر متخيلين لا يعرفون إلا إضمار الشر والحقد حتى لمن أحسن إليهم؟ الغضب كان بسبب هذه الدفعة القوية, و هذه الدفعة القوية سوف يحبها الشخص لأنها أنقذت حياته. هذا الشعور بالكراهية الذي ثبت لنا أنه غبي لأنه نتيجة معلومة خاطئة عند فرويد لا يذهب , بل يتراجع إلى صندوق أسود خفي يسميه فرويد العقل الباطن ، لا يجتمع فيه إلا الشر والموبقات ! ثم تخرج هذه المشاعر الشريرة الخاطئة من فلتات اللسان أو المنام أو السلوك بدون وعي !! والنتيجة: كل إنسان مجنون وشرير لأنه يتصرف بلا وعي ! هل هذا علم نفس؟! المشاعر تنقلب تبعا للمعرفة إلى ضدها ولا تبقى على حالها , فكل المشاعر المتعلقة بخارج الشخص مرتبطة بالمعرفة , مثل أحد تقول أنه كان يكرهني لأنه يتصدد عني وتشعر نحوه بالغضب والإهانة ، ثم تكتشف لاحقا أنه كان يحبك ولكنه كان خجلانا منك .. ومثله موقف الخضر عليه السلام حين أعاب سفينة المساكين حتى لا تـُغصب منهم ..


بناء على فرويد : حتى لو عرفوا الغاية من عمل الخضر فسيظلوا يحقدون عليه في عقلهم الباطن مع أنه أنقذ سفينتهم ! ويخرج ذلك الحقد على شكل أحلام أو فلتات !! فتخيل علم نفس كامل يبنى على فكرة مجنونة قد لا توجد حتى عند المجانين !! و هي بقاء المشاعر رغم تغير المعرفة !! فالأطفال عند فرويد سوف يبقى شيء من حقدهم الطفولي وغضبهم حتى و هم كبار , أي حقد الأصغر على الأكبر سيبقى , ويحاولون أن يخبئوا ذلك من خلال الإيثار عندما يكبرون حتى يواروا سؤءتهم .. و بموجب كلامه يجب عندما يكبرون أن يكون الإيثار أكثر عند الأصغر ، لأنه هو الذي يحمل الحقد الأكثر ، و هذا غير ظاهر .


الحقيقة أن المشاعر هي أهم شيء في الإنسان ، فلماذا تخبأ؟ وكيف تعمل المشاعر ونحن لا نحس بها؟ إنها تخرج وتتعبنا و مع ذلك لا نستطيع دائما أن نسايرها, فما بالك أن تؤثر فينا و هي خفية منسية؟ هذا كلام شاطح وغريب, لا يصلح أن يقام عليه ولا حتى نظرية, فما بالك بعلم كما يسمونه ؟؟


الرغبات الانتقامية السيئة :


ما الفائدة ؟ عدنا إلى الصندوق الاسود الذي يعمل أشياء لا فائدة منها إطلاقا , حيث يظهر حقدا طفوليا انتهى عهده و أحرقته المعرفة .. ليس العقل الباطن في حقيقته عند فرويد إلا صندوق باندورا الأسطوري الذي لا يخرج منه إلا الشرور .


نسي فرويد أن هناك مشاعر طيبة بين الأطفال أيضا, فاين موقعها من الاعراب ؟ أم أن العقل الباطن لا يجمع إلا المشاعر السيئة؟ ألم يضحك الطفل مع أخيه يوما من الأيام؟ و يتضايق إذا لم يجده ليمرح معه ؟ أليس الطفل الأصغر عادة يتاثر بأخيه الأكبر و يقلده ؟ هل هناك تقليد بدون محبة وإعجاب؟ أين هذا من حسابات فرويد ما دام أن المستودع (العقل الباطن) لا يغادر شعورا صغيرا ولا كبيرا إلا أحصاه ؟ لا يستطيع ان يقول أنه لم يبق تلك المشاعر الطيبة, إذا لماذا لا تخرج هذه المشاعر الطيبة في الاحلام أيضا ؟ أليست مشاعرا مثل مشاعر الكراهية ؟


فرويد ينظر بعين واحدة, ويفسر الأحلام من خلال المشاعر السيئة فقط, وكأن المشاعر الحسنة لا وجود لها, هذا مخالف لموضوعية العلم, فكيف يسمى ما كتبه علما وكيف يسمى هو عالما ؟ مع أنه يعتمد على نصف الحقيقة ، إذا سلمنا أنها حقيقة اصلا.


ما موقف فرويد من المشاعر الطيبة؟ هذا هو السؤال, ولا أظنه سيقول أن الطفل لا يعرف أن يحب إلا نفسه ، فهذا غير صحيح ولا مشاهد, فالأطفال عندهم مشاعر طيبة, ويختلفون مثل الكبار في اخلاقيتهم وطيبتهم, فكما أن الكبار ليسوا سواء في أخلاقهم ، كذلك الأطفال أيضا, هناك أطفال يفرحون لتعذيب حيوان وأطفال يبكون من هذا المنظر. إذا ليست الأخلاق مكتسبة من المجتمع كما يتوهم الماديون ، لأن تفاوتها موجود عند الصغار حتى في الطفولة المبكرة . إذا اساس الأخلاق فطري، وإلا ما الذي يجعل المجتمع يهتم بالأخلاق لو لم يكن لها اساس فطري؟ بل كيف يعرفها المجتمع و هي ليس لها أساس فطري؟ هل يعقل انه اختلقها من العدم؟ إذا لماذا لم يختلق غيرها و هي موجودة في كل المجتمعات ؟ لماذا لا يكون مجتمعا ما اختلق أخلاقا ومجتمع اختلق شيئا آخر ؟ من الذي دل المجتمعات كلها رغم اختلاف مواقعهم الجغرافية على الأخلاق؟


وإذا كانت الاخلاق إلى هذه الدرجة مهمة لحماية المصلحة ، فلماذا لم تتحول إلى قوانين رسمية مثل قوانين الحقوق و تدخل في المحاكم كما دخلت عند كل تلك المجتمعات ؟


كل هذا وغيره يثبت أن النظرة المادية للإنسان نظرة بعيدة عن الصواب و لا تلامس أرض الواقع الإنساني, و تعتمد على التعسفات البعيدة, والتي لا تسلم من النقد بحد ذاتها ، رغم بعدها الفاحش والملتوي .


حتى إيثار الكبار لا يعني هذا أن أنانيتهم قد ذهبت ، لكن تغير مجالها فقط من الحلوى إلى الوظيفة والتجارة ، أي توسعت دائرة المكاسب ليس إلا . الأطفال يحبون المنزل ويحبون الأسرة و يتألمون إذا أصيب إخوانهم , بل يبكي الطفل الصغير ويتضايق إذا رأى إخوانه يتشاجرون , ويتألم إذا أصيب أحد إخوته أو مرض ويحاول أن يساعده, و يخاف على إخوته و يحامي عنهم .. وهذا شيء مشاهد, لماذا لا تظهر هذه في الأحلام وتفسَّر تفسيرات إيجابية ؟ ام أن المخرِج فرويد لا يريد إلا المشاهد السيئة والمقاطع الجنسية ؟


المشكلة أن هذه المشاعر الطيبة سوف يترجمها فرويد و من على شاكلته من الماديين بأنها مشاعر سيئة تخرج على شكل مشاعر حسنة ! إذ كيف نثبت وجود المشاعر الحسنة إذا كانت ستترجم بمشاعر سيئة كلها ؟ المخرج يريدها سوداوية ! هل ستترجم على أنها أنانيات ؟ إذا أين مكان المحبة في الوجود ؟ أم أنها ليست موجودة ايضا ؟


الأطفال يعرفون الإيثار و ليست معرفته فقط خاصة بالكبار , بل حتى قبل أن يتعلموه من الكبار .. انظر إلى طفل رضيع يجد شيئا يمصه ثم يرفع يده و يقدمه لك : هل دافعه أناني أيضا هنا ؟ أم أنه يريدك ان تبتهج مثلما أنه يبتهج ؟ الأنانية ليست غريزة في الانسان كما يتخيل فرويد و الماديون ، إنها مكتسبة بسبب الشعور بالظلم والخوف من طمع و جشع الاخرين . الطمع هو سبب الأنانيات .. الماديون والمصحليون والراسماليون هو من اوجدوا الانانيات وغذوها بين الناس ، اي انهم يعلمون الناس الاخلاق السيئة ..


الإنسان ليس بطبعه أناني , حتى المُؤْثـِرون الذين يتكلم عنهم فرويد لو وجد بينهم شخص اكثر طمعا ، لاضطروا للتخلي عن الإيثار ، إلا النادر منهم .. فإذا كان مجموعة أصحاب تعودوا أن يحاسب أحدهم عن الآخر في المطعم , و أحدهم صار أنانيا و رفض أن يحاسب عن غيره ، فسوف يحولهم إلى الأنانية .. إذا الأنانية تُكتَسب و ليست أصيلة , ويمكن زيادتها و إنقاصها .. على عكس تفسير الماديين ان الانانية هي الاصل والايثار هو المكتسب . بدليل التجربة : وجود شخص شديد الايثار في المجموعة سوف يدفعهم للايثار بنسب متفاوتة محدودة ، وبعضهم سيبقى على حاله ، لكن وجود شخص طماع وجشع مستأثر بين مجموعة ، سوف يحولهم بسرعة الى الاحتراز وحماية مصالحهم خوفا منه ..


هذا يعني ان الجشع و المادية تغيـّر الناس الى الاسوأ وبسرعة ، بدافع الخوف وليس بدافع الغريزة .. اما الذي يعلمهم الخير فهو لن يؤثر في الجميع ، لكن تاثيره سيكون مبني على الغريزة . و كونه لا يغيّر الجميع دليل على عدم وجود الخوف ، واسرع المشاعر واقواها هو الخوف ، اذا المادي والطماع يفسد اخلاق الناس و يبعدهم عن الايثار ، والراسمالية تحول الناس الى طماعين و جشعين ، لانها تريد ان تستأثر بكل المال لها .


تخيل ان لك جار جشع و طماع ويتحين الفرص لياخذ ما لديك او يتكسب من وراءك .. هذا سيجعلك تحترز اكثر وتحافظ على اموالك وتطيل سورك وتغلق ابوابك وتظهر بمظهر الجشع مثله .. اذا سوء الاخلاق يمكن ان يـُفرض ، لكن حسن الخلق ياتي بالاختيار .. الماديون فرضوا على الناس المادية ، ثم قالوا : انهم ماديون مثلنا !


اذا الانانية والمادية والبخل والراسمالية هي الفيروس المعدي وليس الدين والاخلاق كما يصورون .. وهذا بالتجربة والدليل والعقل والمنطق .. الجشعون والطماعون جعلوا الناس يتهالكون على العملة و جمع المال ، خوفا من سيطرة اؤلئك الجشعين عليهم والذين لن يرحموه .. اذا الراسمالية عدوة المجتمع وعدوة الاخلاق وعدوة الكرم والايثار والانسان .. والاسلام الحقيقي صديق لكل هذه الاشياء ..


الغيرة عند الاطفال :


من وجهة نظره ، الاطفال صرحاء في الشر ، و لكن اذا بدا منهم خير فليسوا صرحاء فيه ، هذه قسمى ضيزى . مشاعر الغيرة التي عند الكبار هي نفسها التي عند الصغار ، سببها الخوف من الاهمال و ليس سببها عدواني ، بمعنى : الصغير او الكبير ، يحب ان ياخذ حقه من العناية والاحترام ، و يـُحِب ان ياخذ الاخرون حقهم ايضا و لكن ليس على حسابه .. تخيل طفلا يعطى كل الاهتمام ، بينما يهمل و يهان اخاه الاخر ، هنا لن تزداد سعادته بل سوف يتضايق ، و هذا الشيء حاصل في الواقع وتدور حوله الكثير من قصص الاطفال و كيف يتألم الطفل وهو يرى امه او ابوه يهينون ابن الخادمة الذي يلعب معه و يخصونه هو بالهدايا من دونه .. اذا الانسان ليس شريرا بطبعه كما يريد فرويد ، بل الشر مكتسب ..


لاحظ ان فرويد يستشهد بمواقف معينة من حياة الطفل ليثبت ان الطفل كله شر ! و من كان كله شر ينبغي ان يكون كل سلوكه شر ، خصوصا وهو طفل صغير قبل ان يقول ان المجتمع هو الذي لقنه هذا الخير وعلمه الاحتيال . ان براءة الاطفال مضرب المثل في حسن النية ، و الشر يبدأ بنية . يفترض ان تلك الطفلة المذكورة تحاول ان تفسد اي شيء يشغل اهتمام والديها عنها ، بما في ذلك الكتب او الجريدة او القطة ، و المفترض ان تحاول كل يوم ان تخنق اخاها ، و ليس مرة واحدة ، هذا ان صدقت القصة ، لانها بعيدة عن الواقع وليس لها شواهد معتادة . طفلة بهذا السن تحاول احيانا ان تحمل اخاها او تلعب معه بطريقة خشنة ، لانها لا تعرف مدى خطورة ذلك ، و لذلك تمنع الامهات الاطفال الكبار ان يلعبوا مع الرضيع ، لانهم يعاملونه و كأنه بمثل سنهم . و قد ياتي من يفسر هذا بأنه سلوك عدواني (محاولة اغتيال) مثل فرويد .


هل جرب فرويد ان يؤذي اخاها الصغير امامها لينظر هل تصفق له ام تغضب ؟ هل سألها على الاقل : هل تتمنين له ان يموت او يطرد من المنزل او يرمى في الشارع ؟ لا شك انها سوف تبكي .. هو اتهمها بدون تحقيق .. ولم يكلف نفسه البحث عن الحقيقة ، بل اكتفى بما يريده و يبحث عنه بطريقته الانتقائية .. لا شك انه مر على نماذج لا تناسب بحثه فاهملها .


فرويد يريد شيطنة البشر و اظهارهم كالابالسة المتخفين ، و الشر الذي يصدر منهم يسميه صراحة و وضوحا ، والخير الذي يظهر منهم في وعيهم او احلامهم ، يجتهد لتاويله بشرّ خفي .. فكيف يسمى عالما و اول شروط العلم هو الموضوعية ؟ يستطيع غير فرويد ان يقول عن المظاهر الخيّرة بانها هي الاصل ، ويجتهد لتبرير المظاهر الشريرة .. اذا فرويد اختار بين اتجاهين .. ليس بدافع علمي بل بدافع ايديولوجي و رغبة بتبرير الشر وتأصيله ، حتى لا يـُستـَنكر الشر على اعتبار انه هو الاصل فينا .. فهل نستطيع ان نقول عنه انه كان يريد خيرا بالبشرية وهو يجردها من الخير بدلا من تشجيعه ؟ و هل نستطيع ان نصفه بالموضوعية والعلمية والنزاهة والانسانية و نحن نراه يختار بين اتجاهين دون ان يحدّه العلم على ذلك ؟


المزاحم الفضولي :


هذا افتراض عريض وغير مشاهد . ثم نسي فرويد ان الطفل دائما بحاجة الى طفل يلعب معه . بل ان الطفل يؤثر الاطفال حتى على والديه احيانا كثيرة ، تخيل طفلا يجلس مع والديه ، ثم ياتي طفل مثل سنه او اصغر او اكبر ، فبلا شك انه سوف يتفلت عنهما و يذهب اليه ويخرج معه للحديقة تاركا والديه وعطفهما .


الاطفال يمضون اكثر الوقت مع بعضهم البعض ، لان اهتمامات الكبار ليست هي اهتمامات الصغار . في كل منزل ، نجد الاطفال يجلسون مع بعضهم اكثر من جلوسهم عند والديهم ، و توضع لهم غرف خاصة للعب . اي : ان الطفل محتاج لاخيه وقتاً اكثر من الوقت الذي يحتاجه مع والديه . بمعنى : اذا مات اخوه او اخته فسوف يفتقد شيئا مهما في حياته . هذا من ناحية المصلحة التي يؤمن بها فرويد ، و لم ناتي الى ناحية المشاعر الخيرة التي لا يؤمن بها . اذا ليس من مصلحة الطفل ان يموت من يلعب معه لكي يستاثر بحنان والديه . الطفل ليس محتاجا فقط للحنان ، بل للعب ايضا ، فهل نسي فرويد ذلك ؟ اذا مات الذي يلعب معه او سوف يلعب معه ، اذا هو يخسر ، وبالتالي يحزن .


فرويد يفكر من خلال الانانية ، لكنه ضيـّق حتى هذه الانانية ، و كأن الطفل يعيش ليكسب حنان والديه فقط ، بينما حاجات الطفل اكثر من هذا . فهو يمل من حنان والديه ويحتاج الى من هم في مثل مستواه العقلي ، حتى الاثرياء اذا كان لهم طفل وحيد ، يضطرون احيانا لتبني طفل كي يلعب مع ولدهم ، و ما اكثر الاسئلة التي يطرحها الطفل على امه الحامل : متى سياتي الطفل ؟ كيف سيكون شكله ؟ هل هو ولد ام بنت ؟ يقولها بلهفة و شوق ، و نجد الاولاد يريدون ان يكون ولدا ، و البنات يردن ان تكون بنتا . هذا يعني ان الجديد سوف يقوي الفريق ، لذلك يتنافسون عليه . فاين هي مشاعر العداء للقادم الجديد ؟


و في البيوت ، اكثر من يفرح بالمولود الجديد هم الاطفال . لا يوجد طفل يحب الوحدة . لو انطلقنا مع تفكير فرويد ، سيكون كل طفل محب للوحدة ، لانه يريد ان يقتل اي مولود و يبقى هو الوحيد في المنزل ، وهذا غير واقعي . الطفل يكره الوحدة . و الطفل محتاج للاطفال ، لهذا لا يحبذ الطفل ان يذهب مع والدته الى احد قبل ان يسأل : هل عندهم اطفال ام لا . فرويد لم ينظر الى المسألة من كل النواحي ، نظر فقط الى حنان الوالدين .. فرويد يفكر بعقلية سوق المال .


الطفل الجديد يعني للطفل القديم التفوق ، وهو الذي يؤكد للطفل الاقدم بأنه اصبح كبيرا ، و هذا شيء يحبه الطفل . و الطفل يتخيل و يفترض في اخيه الصغير مساعدا جديدا له ، و احداً يستطيع ان يسمع كلامه و ينفذ اوامره و يلعب معه ويقبل توجيهه . اذا الطفل الجديد مكسب للطفل الكبير في كل النواحي . انا احسبها مصلحيا لفرويد الآن ، اي لا زلنا في نطاق الانانية التي يفهمها هو ، اي انه فاشل حتى في حسبة الانانية .




كيف ادركوا "شناعتها" ؟ هل بفعل المجتمع ام بإحساسهم ؟ اذا كان من احساسهم ، فأين احساسهم حينها يوم كانوا صغارا ؟ هل الاحساس بالشناعة لا ياتي الا اذا كبر الانسان ؟


هل الاخلاق تتكون تكوناًُ ؟ و يغرسها المجتمع في الافراد ؟ المجتمع يقدم تعليمات : ينبغي ولا ينبغي . فهل من خلال التعليمات يحس الانسان بالجمال والشناعة ؟ ام ان احساسه مفطور على ذلك وهذا هو المناسب كي تستقيم الفكرة ؟


المجتمع ينبهنا و يفصّل لنا عن اشياء لم نكن نعرف انها تؤدي الى الشناعة ، او الى اللطف . إذا : الشعور موجود في الاساس ، و لكن المجتمع اعطاه تفصيلا و توسيعا على صور الحياة ليس الا . لأن الطفل قادم من حياة ضيقة الى حياة واسعة ، و يريد ان يكون وضعه حسنا ، فيحتاج إلى الاستفادة ممن سبقوه الى الحياة الواسعة .


لاحظ اننا نقول للطفل ان هذا الشيء مخزي و عيب ، ولا نحتاج الى شرح لهذه الكلمة ، بل نحتاج إلى شرح كيفية كون ذلك الفعل سيئا . اما كلمة "سيء" و "مشين" و "عيب" و "حرام" فهي تكفي بحد ذاتها . الطفل يريد ان يعرف ما هي الاشياء العيب ، و لكنه لا يريد ان يعرف لماذا العيب سمي عيبا ، و لماذا نتقيد بتاثير هذه الكلمة . هذا دليل على انها موجودة في داخله . فلا ياتي طفل ويتساءل : لماذا تتكلمون عن الاخلاق كثيرا و تريدونا ان نكون اخلاقيين ؟ ما الفائدة منها ؟ طبعا لا احد من الاطفال يسأل هكذا ، بل يسأل : ما هو العيب ؟ و ما هو العيب فيما فعلته انا ؟ اما العيب بحد ذاته فمتفق عليه و معروف بسبب معرفة الاشياء الحسنة ، و ان ضدها هو الاشياء السيئة ، مثلما يـُعرف الشر من الخير و الخير من الشر .



اذا سلمنا بالمقدمة الخاطئة بأن الاحلام كلها رغبات ، فهل يوجد طفل في الدنيا تسره حياة الوحدة ؟ فلا اطفال يلعب معهم ولا حتى يستعرض مواهبه امامهم ولا يتعلم منهم ؟ .. خصوصا وان اكثر الالعاب تحتاج الى اكثر من شخص ، فهل الوالدين سيلعبان مع الطفل كل الوقت ؟ اذا هذه الطفلة خاسرة ، بنفس التحليل الاناني النفعي الفرويدي المجرد من المشاعر ، اي بحسبة عقل مادي هي خاسرة ووضعها بئيس : طفلة بدون اطفال تلعب معهم .


ثم يقول انه تحرى وتقصى : هل تحرى عن شعورها حول : هل كان هذا الحلم كان بهيجا ام حزينا ؟ هذه من بديهيات التحري .. نستطيع ان نقول و بكل بساطة ، انه بعدما مات طفل من اقاربها ، خافت ان يموت البقية . فيكون الخوف هو دافع الحلم وليس الرغبة كما هو واقع في أكثر احلام البشر ، و تأثرت بهذه الحادثة وظهرت لها في الاحلام . ولو كانت ترغب فعلا في ان يموتوا ، لجاءها هذا الحلم قبل ان تقع الحادثة التي تحرى عنها فرويد – وهي موت طفل من اقاربها قريبا - و ليس بعدها .


دافع الخوف اكبر واكثر من بقية الدوافع الاخرى في الاحلام . بل حتى في الحياة العادية ، فلماذا نفرق بين الاحلام والواقع الى هذا الحد ؟ فالمخاوف تتحكم بنا اكثر من تحكم الرغبات ، حتى في الواقع واليقظة . فالشخص الذي يحلم هو نفسه الشخص المستيقظ ، والدوافع هي نفسها . اخبر شخصا عن شارع خطر فيه لصوص ، وعن شارع آخر فيه منتزهات واماكن للهو .. بايهما سيهتم اكثر ويحرص على عدم نسيانه ؟ اكيد انه الشارع الخطر . اذا دوافع الخوف اقوى عند الانسان من دوافع الرغبة ، والانسان هو الانسان ، مستيقظا او نائما .


حياة الانسان في الدنيا محوطة بالخوف ، بل حتى الرغبات يدخل فيها خوف فقدها و ينكـّدها . و بما ان الحالم يخاف وهو في الحلم ، اذا نفس شعوره وهو مستيقظ هو نفسه وهو يحلم . و ما دام الخوف يدخل حتى في الاحلام ، اذا كيف نقول ان الاحلام كلها رغبات ؟ اين العقل الباطن ليحتال على المخاوف و يزيلها من الحلم و يمنعها ؟ لو كانت احلامنا كلها رغبات ، لكانت كل احلامنا متعة ، لكن الواقع هو العكس ، فلا يكاد يخلو حلم من لحظة خوف او قلق . بل ان الكثير من الاحلام عبارة عن خوف مجسد (فزع او كوابيس) . حتى الرغبات التي نراها في الحلم سرعان ما يتسرب اليها الخوف . والخوف هو الذي ينهي الحلم في اكثر الاحيان .


مصدر ازعاج :


شعور الاطفال وقتي و في حينه ، فلا يعرفون كيف يكوّنوا احقادا ، والا لماذا وصفوا بالبراءة ؟ فرويد يريد ان يجعلهم حاقدين و يستحضرون ازعاج الطفل حتى في لحظات موت ذلك الطفل . و هذا التفسير غير منطقي . و ناسيا انه لا يوجد طفل ليس ياتي منه الا الازعاج فقط . هذا غير واقعي . و كثير من الاباء والامهات يتفهمون مشاعر الطفل بعد ان ياتي طفل جديد ، فيحاولون تعويضه و تطمينه وتفهيمه ، فتزداد سعادته بضمان الحنان و زيادة فرد يدخل البهجة على حياته . و كثير من الاطفال الاذكياء يتفهمون ان الاطفال الصغار بحاجة الى عناية اكثر منهم ، لانهم ضعفاء ، و ليس لانهم مفضلين عليهم . بل هم يبدأون بالحنان نحو الطفل الصغير و يستملحونه و تعجبهم حركاته و صغر جسمه . وهذا سـُخرة من الله ، فكل صغير له قبول واستملاح عند النفوس ، صغارا او كبارا .


في العادة ، كل شيء سوف يبتعد نهائيا لا نتذكر اساءاته بل نتذكر حسناته ، لهذا السبب نرى كل الناس يتالمون لموت اي احد . مع ان بينهم مشاحنات و عداوات . لهذا يقال : اذكروا محاسن موتاكم . فبمجرد ان تعرف ان شخصا قد مات او قتل ، تجد ان كراهيتك له تنسحب في تلك اللحظة ، او ابتداء من تلك اللحظة ، و تبحث له عن بعض الحسنات والميزات حتى لو لم تقلها ، بل قلت عكسها .. هذا الشيء ينطبق على الاشياء المادية التي تذهب عنا الى غير رجعة ، كل شيء يذهب الى غير رجعة يحدث شعورا بالالم . و هذا الشيء معروف عند الاطفال ايضا ، حتى عندما يموت حيوان في المنزل او يـُذهب به ليـُباع يتألم الاطفال ، حتى لو كان ذلك الحيوان مزعجا لهم ، فما بالك ان يموت احد افراد العائلة و يفرح الاطفال ؟ هذه محاولة ابلسة و شيطنة للشعور الانساني النبيل و لبراءة الاطفال واظهارهم بمظهر الشياطين ، ليس فقط الانانيين بل يحملون شعور القتل و الافناء للآخرين ، و هذا ظلم واضح لبراءة الطفولة ، اراد منه فرويد ان يبرر لظلم الكبار و امبريالية الغرب و راسماليته من خلاله .


واضح انه ينتصر للجانب الشرير في الحياة و ليس للجانب الخيّر ، و من يفعل هكذا لا يقال عنه انه يضمر الخير للبشرية . ولا يستحق ان يوصف بالانسانية ابدا .. فهي منه براء .. و يسمى من مثل فرويد من المفكرين بالمفكرين الغير انسانيين .. و ما دام هناك اناس يوصفون بالانسانية ، اذا يجب ان يكون هناك من يوصف بعدم الانسانية ، يجب ان يعرف كلا النوعين احتراما للمعرفة والتاريخ .. فرويد حصل على اعلى النقاط التي تؤهله ليصنف كمفكر غير انساني .. ومن يستنكر هذا عليه ان يخبرنا بمن هم اذا المفكرون غير الانسانيين ، او يطالب بشطب كلمة"انساني" من الاساس ما دام لا يوجد لها ضد . فلا يوجد شيء الا وله ضد .. ولا صفة الا ولها عكس ..


نعم فرويد و ماركس ونيتشه وسام هاريس وداوكينز (لتفضيله الحيوانية على الانسانية) مفكرون غير انسانيون ، واعلنوا هـُزْأهم بالانسانية ومقوماتها .. وليس من حقهم ان يوصفوا بما سخروا منه و حاربوه .. ومن وافق شيئا أخذ حكمه ..ومن قلدهم واحترم افكارهم فهو مثلهم ..


لم يـُبقِ البشرية الا التنحية الجزئية لبعض الشرور ، و إلا لفنيت منذ القدم . إذاً وجود الخير ولو نسبيا هو سر بقاء البشرية . و كلما زادت نية الخير و ابتعدت نية الشر ، كلما زادت حياة الناس سعادة . والماديون ينكرون وجود ما ابقى وجودهم (الخير) ، فلماذا يستغرب منهم ان ينكروا وجود من اوجد الخير الذي ابقاهم ؟

الرقيب :


قبل قليل يشير الى ان الطفل لا يكترث بغياب والديه او غياب اي احد ، و ان غياب امه مثل غياب الخادمة تماما . و الآن يشير إلى أنه يحمل حقدا و امنية بغيابهم !! فالولد يتمنى غياب والده ليحظى بحنان امه ، حسنا : و حنان والده الذي سيفقده : هل اصبح بلا قيمة ؟ الم يفرط باخيه الصغير و يتمنى موته لاجل حنان ذلك الوالد و تلك الوالدة ؟ الان نجده بدأ يفرط في ذلك الحنان و يوزعه على المقابر ! ماذا بقي من التناقض المثير للاشمئزاز عقليا قبل ان يكون اخلاقيا ؟


العجيب ان تلك الام التي لا يكترث لغيابها ، اصبح شعوره يقاتل لكي لا يبقى الا هي في العائلة (فكرة راسمالية لا تبقي الا على واحد) !! بعد ان يذهب اخوته و ابوه الى غير رجعة ! الم يقل قبل قليل ان مثلها مثل المربية ؟ فكيف صارت تستحق كل تلك التضحيات بالابرياء لاجلها ؟ اليس هذا تناقضا عقليا ؟


فرويد لم يبتعد عن الوصايا العشر فقط ، بل ابتعد عن العقل والمنطق وناقض نفسه بنفسه دون ان يدري .. فرويد و امثاله من الماديين يريدون القارئ المتلقي الذي يقرأ قراءة اللحظة ولا يخرج بفكره عن الصفحة التي امام عينيه الان ، لكنهم لا يريدونه ان يتجاوز هذا الخط بحيث يربط كلامهم السابق بكلامهم اللاحق . انهم يريدون القارئ للاستيعاب ولا يريدون القارئ للتفكير والنقد .


فرويد يحمـّل كلام الاطفال اكثر مما يحتمل ، فهل طفلة في الرابعة تعرف معنى الزواج ؟ فرويد يريد الادانة فقط .


اطفال في سن مبكرة ، يرون امهاتهم و اباءهم نظرة مثالية ، فكيف يفكرون بهم جنسيا ؟ و لو سرنا مع منطق فرويد لأحب الولد أخته التي اصغر منه بدافع جنسي و ليست امه . الم يتفرج فرويد على الاطفال وهم يلعبون ؟ الم يجد البنات يقلدن امهاتهن و الاولاد يقلدون اباءهم ؟ هذا اسمه اقتداء ، و ليس انتظارا للحظة زوالهم عن الحياة ليقعدوا في مقاعدهم في نفس الأسرّة (هذه فكرة راسمالية من سوق المال)!


هذا اليهودي يرسمل العلاقات الاجتماعية ولا يفرق بين دكان المرابي وحنان الأسرة .. !


الاب و الام بالنسبة للاطفال الصغار هم المستقبل ، هم النموذج الذي سوف نكون مثله ، فهل احد يقلد احد ويعجب به وهو يكرهه ويتمنى زواله ليحل محله ؟ هذا منطق مشروخ !! ثم زوال من ؟ هذه لا يفعلها ولا حتى الموظفون في عملهم ، لا يتمنى موظف ان يٌفصل المدير ليحل محله ، فما بالك باطفال لا امل لهم بالحياة الا من خلال هذين الوالدين ؟ بل لا يثقون بأي احد بمقدار ما يثقون بوالديهم ولا يشعرون بالامن الا بصحبتهم ، ومع هذا يتمنون زوالهم !


اللعب شيء والواقع شيء آخر . لعب الاطفال تدريب وليس بدافع الحقد وإعداد المؤامرة ، البنت لا تريد ان تقوم باعمال المنزل بدلا من والدتها لأنها تعرف أنه عمل شاق ، بل تريد ان تمرح و تلعب كما تشاء ، الاطفال لا يحبون الالتزام ، و دور امها مليء بالالتزامات . لكن يسرّ الطفل ان يظهر بمظهر الكبير ، لو كان الاطفال يعرفون الدافع الجنسي مثل الكبار لفعلوه ، ما الذي يمنعهم ؟ ولماذا يتمنونه فقط ؟ و ايضا لفكروا بمن في عمرهم ، بدلا من ان يفكروا بممارسة الجنس مع اباءهم وامهاتهم الذين يفوقونهم بالوزن والعمر أضعافاً . هذه شطحات خارجة عن افق المعقول . ولا تدل على ان فرويد يفهم حتى الدافع الجنسي و مُهيـّئاته . ترى ما الذي يفهمه فرويد غير سوق المال ؟


فرويد لا نستطيع ان نقول انه يعرف اي شيء عن الانسان ، بما في ذلك الجنس . كلنا مررنا بالطفولة وخطرت على بالنا افكار كثيرة و نعرف مشاعرنا عندما كنا صغارا .. كل شيء فيها الا الاشياء التي يقترحها فرويد . ايكتب عن الانسان والبشر الذين نعرفهم ، أم يتكلم عن سكان كوكب اخر ؟ منذ الثالثة من عمري وانا اتذكر كل مشاعري وافكاري ، بل اتذكر الاماكن التي ارتبطت بها تلك الافكار . لم تزرني عقدة اوديب يوما من الايام ، و لا اظن قارئا قد زارته ، ولم افكر واتمنى زوال اخوتي الصغار من الحياة ولم أتمنى يوم من الأيام زوال أبي / بل كنت أخاف من ذلك أشد الخوف لأنني أحبه وأتعلم منه منذ أن رأته عيني وإن كنت أغضب منه أحيانا لأسباب أعرفها بوضوح ، مع انني اذكر مشاعري منذ السنة الثالثة من عمري. فمتى تكون هذه المشاعر التي يتكلم عنها فرويد ؟ في اي شهر هي من عمر الانسان ؟


و متى يعرف الطفل ان اباه يمارس الجنس مع امه حتى يتمنى أن يكون هو بدلا من أبيه كما يزعم هذا الطرح الشاذ ؟ هل يتمنى شيء لا يعرفه ؟ كل الأطفال دون سن المدرسة لا يعرفون إلا أن المستشفى أخرج طفلا من بطن أمه ، و بعضهم لا يعرف ولا حتى هذه ، حيث يتصور أن المستشفى مثل السوق وذهبت أمه و اشترت طفلا جديدا ! ولا يدري كيف تكوّن هذا الطفل . و اسئلتهم تدل على أنهم لا يعرفون العملية الجنسية برمتها ، فكيف يحسدون أمهم واباهم على ممارسة الجنس و يتمنون زوالهم ليحتلوا أماكنهم في ممارسة الجنس الذي لا يعرفونه ؟


عقل فرويد يستطيع أن يستوعب تمني شيء غير معروف ، و لا يعرف الطفل عن ممارسة الجنس و أنه سبب الإنجاب الا في سن متاخرة ، في المراهقة ربما أو قبل ذلك بقليل . و كل الاباء يعرفون مدى تعلق الابناء الذكور بهم ، و مراقبة حركاتهم منذ السنوات الاولى . و يعرف غريزيا ان هذا هو قدوته ، و كذلك البنات يركزن على امهاتهن اكثر من التركيز على اباءهن ، على العكس تماما مما يذكر فرويد . فالطفل الولد يفرح ان يحمله ابوه اكثر من امه و العكس .


كما ان الحنان مختلف بين الاب والام ، فبعض الاسر تكون الام اكثر حنانا على الاطفال ، و بعض الاسر يكون العكس ، مع ان الاكثر هو حنان الاب من وجهة نظري بشكل عام . اما تضايق بعض الاطفال الذكور من اباءهم او البنات من امهاتهن احيانا ، و الذي فسره فرويد بكل عبقرية بالرغبة الجنسية و الاستحواذ ، فهذا كلام سخيف و غير منطقي ؛ لان الولد يركز على والده و يرى فيه مستقبل حياته ، و يكون حساسا من ناحيته كلما اهمله او منعه او صرخ في وجهه . و نحن نتأثر بقسوة ممن نحبهم اكثر من قسوة من لا نحبهم بشكل عام ، قال الشاعر :


و ظلم ذوي القربى اشد مضاضة .. على النفس من وقع الحسام المهند ..


لهذا فالبنت يبقى في نفسها شيء من معاملة والدتها لها ، تزول احيانا و ترجع وقد تنمحي نهائيا حسب المعرفة و تقدير ظروف الوالدة . وكذلك الابن مع ابيه . ليس لانهم يكرهونهم بل العكس تماما ، لانهم يحبونهم . و التأكد من اخلاص الوالدين عند الاطفال كفيل مع الزمن بازالة كل ما يعلق في النفس منهما و يعكر صفو المحبة . و كلما تقدم الانسان بالسن كلما التمس العذر لوالديه . حتى يكاد يطهّرهما من اي تقصير بعد ان يفقدهما . و دائما الابناء يعلقون اخطاء اباءهم على ظروف الحياة والاخرين .


الام بسبب الضغوط الكثيرة قد تنهر ابنتها وتكشف اخطائها ، لأنه و بتلقائية : تربية الاولاد تميل نحو الاب ، وتربية البنات تميل نحو الام . و لا توجد بنات يربيهن ابوهن بالكامل مع وجود امّهن ، و لا العكس . لا بد من تأثير النوع ، حتى الاب الذي يربي بناته ، يربيهن من خلال نماذج انثوية ، وكذلك الام عندما تربي اولادها الذكور ؛ فهي تربيهم من خلال اخوانها (اخوالهم) مثلا ، لان للذكر طبيعة حياة تختلف عن طبيعة حياة الانثى بكل مناحي الحياة .


والاطفال الصغار يريدون ان يتعرفوا على الحياة بشكل اسرع ، واقصر وآمن طريق هو من خلال الوالدين ، واذا كان الطفل ذكرا فالطريق الاقصر هو من خلال والده ، و للبنت فهو من خلال امها . اذا كل فكرة فرويد خاطئة . فالبنت تميل لامها اكثر ، و لكنها تغضب منها اذا لم تقدّر هذا الميل ، كذلك الولد يميل لابيه اكثر ، و لكنه يغضب من ابيه اذا لم يقدّر هذا الميل .


الطفل يتعقد اكثر بسبب الاب ، والطفلة تتعقد اكثر بسبب الام ، والعيادات النفسية تشهد بذلك . فرويد جيـّر هذا على انه نفور من البنت عن امها لانها تحتل فراش الزوجية عن ابيها ! فهل هناك اغرب و ابشع من هذا التفسير ؟ مع ان السبب واضح ، فالبنت تعرف انها ستعيش كل حياتها انثى ، لذلك تهمها امها الانثى ، لانها تضمن اخلاص هذه المراة لها ، و تضمن معرفتها اكثر منها . و من خلال تقليدها تستطيع ان تخرج الى الحياة الواسعة كأنثى ، و كذلك الولد مع ابيه . و ما اكثر ان تشاهد الاولاد الذكور يلاحقون اباءهم و يفرحون بخروجهم معهم ، و كذلك البنات يلاحقن امهاتهن ، فاين هو النفور الذي يزعمه فرويد ؟


الولد ينتقد اباه اكثر ، والبنت تنتقد امها اكثر ، و نلاحظ عند الاخوان والاخوات بعد موت الوالدين ، كثرة ذكر البنات لامهن ، وكثرة ذكر الاولاد لابيهم ، و هذا يظهر في احلامهم ايضا ، و كلا الجانبين ينظران نظرة قدسية الى الوالد ان كانوا ذكورا ، او الام ان كن اناثا . هذه القدسية هي التي كانت منذ الطفولة .


صورة نادرة جدا – و لها اسبابها - ان وجدتَ طفلا ذكرا يتعلق بامه ولا يتعلق بوالده . إلا أن تكون امه قد شوهت له صورة والده ، وهذا يحدث كثيرا في حالات الطلاق ، لكن مكان والده يبقى فارغا في نفسه .


تركيز فرويد على كلمة الحنان غير علمي ولا واقعي ، فالطفل ليس كالبيضة التي تحتاج للدفء والحنان فقط ، الطفل يريد من يوسع مداركه ، و يُؤخذ بيده الى الحياة بدون خطر . الطفل يفتخر بقوة والده ولا يحقد عليه كما يتصور فرويد ، والطفل يفتخر بثقافة والده و يتصور انه يعرف كل شيء و يعرف من خلال اي الوالدين يكون امتداده . لا توجد فكرة الحقد اصلا بين الوالدين و الابناء ، فالوالدين لا يحقدون على ابناءهم ولا العكس ، مهما كان الوضع . و بالتالي لا احد يتمنى الشر للاخر ، وكما قيل في المثل : عداوة الاحباب تدخن ولا تحترق .


لهذا يميل كل طفل الى من هو على جنسه . الولد يعرف انه لن يكون اما يوما من الايام و لا ربة منزل ولن يلبس مثل ملابس امه ولن يتكلم بنفس طريقتها ، فلماذا اذا يهتم بها و يهمل والده الذي سيكون مثله يوما ما ؟ الطفل لا يفكر انه سيكون في يوم ما مكان والده في الاسرة ، ولا البنت تفكر هكذا . الطفل يعرف انه سيكبر و تكون له اسرة جديدة غير اسرة والده ، و يكثر الطفل من كلمة : اذا كبرتُ ، وهو يعرف ان الجميع يكبر وليس فقط هو . فاذا كبر الطفل و صار في عمر والده ، يعرف ان الجميع سوف يكبرون مثله و لن يكون ابا عليهم ، لانه فرد من هذه الاسرة ، فهل يكون ابا على نفسه ايضا ؟ الطفل ليس احمقا الى هذه الدرجة حتى يتخيل زوال ابوه و يكون هو الاب لهذه الاسرة ، وزوج هذه المراة التي هي امه .


النوم مع الام :


هذا ليس صحيحا و لا مطردا ، بل اكثر الاولاد يحب ان ينام مع والده ، لان والده يشعره بالحماية اكثر ، و لانه يرى فيه افضل صديق . فرويد يحمـّل سلوك الاطفال معاني خبيثة لا يعرفها الاطفال . الحقيقة ان كل الاطفال و من كل الاعمار الطفولية يحبون ان يناموا مع والديهم ، لأن هذا يعطيهم احساسا بالامن و الوئام اكثر من ان يكون كل طفل في غرفة منفردة ، اذا لم يكن هذا ممكنا احبوا ان يناموا مع بعضهم . او مع اختهم الكبيرة او اخاهم الكبير ، كاقرب صورة للوالدين .. حتى البنت في غياب والدها يعجبها ان تنام مع والدتها ، و يعرف فرويد هذه الصورة ، و لكنه حذفها من الفيلم لانها لا تعجبه . وهل ذلك الطفل الذي ذكر ، ألن يفرح اذا نام بين والديه كليهما ؟ الحقيقة انه سوف تزود فرحته اكثر بحضور والديه اكثر من غياب احدهما ويشعر بالامان اكثر ، هو يقيس على نماذج مفردة و منتقاة دون استعراض حياة الطفولة باكملها .


الم يلاحظ فرويد ان الطفل يحب ان يلبس ملابسا مثل ملابس والده ؟ و يفرح عندما يجلس على مقود السيارة ؟ و كذلك عندما ينام في فراش والده ؟ كل هذه من ضمن تدريبات الاستعداد للمستقبل ، و مستقبل الطفل مهم عنده . فالاب عند الطفل يعني صورته و هو كبير ، و من ضمنها ان ينام على فراش والده ، فالنوم على فراش والده تماما مثل الجلوس على مكتب والده ، او الجلوس في مجلسه و شرب قهوته وربما غليونه او سيجارته .. هذه سلوكات بريئة . الطفل مشغول بمستقبله و تحقيق ذاته و ليس مشغولا بالجنس . ولو كان مشغولا بالجنس لتبين في اوضاع اخرى . بل ان الطفل الذكر و في كل المجتمعات يحب ان يصادق اطفالا ذكورا ، و كذلك تفعل البنات . مما يعني غياب الانجذاب الجنسي قبل بوادر البلوغ . و يتضايق الطفل الذكر اذا عومل او شبـّه بالبنت ، و كذلك تتضايق البنت اذا شبّهت بالاولاد . اذا كل افتراضات فرويد من مخيلته و ليست من الواقع . فاين هو البحث العلمي الواقعي الذي يدعيه ؟


عدم وجود الانجذاب الجنسي بين الاولاد والبنات و هم يقضون اوقاتا طويلة مع بعضهم ، الا يكفي دليلا لاسقاط فكرة فرويد من جذعها ؟ انهم مجموعة ذكور واناث يلعبون ويستطيعون ان يختفون عن الانظار ، فلماذا لا تظهر تلك النوازع الجنسية الجامحة فيهم واقعيا ؟ وعوضا عن ذلك تظهر في الاحلام والامنيات المكبوتة ؟ بمعنى : لا يقوم الطفل باي انجذاب جنسي لابنة الجيران وهو يلعب معها . بل يعاملها كما يعامل الولد ، بينما يحسد اباه على ممارسة الجنس مع امه !! اليس هذا جنونا ليس بعده جنون ؟


كل طفل يريد ان يكون كبيرا ، و هذا همه الاول ، حتى امنيات الاطفال فيما بينهم كلها مسبوقة عندهم بكلمة : عندما اكبر سوف اشتري سيارة من نوع كذا ، وسوف اصبح في المهنة الفلانية ، و غالبا يتمنى ان يكون مثل والده او قريبا منه ، وهكذا كلما كبر يعدل في هذه الامنيات بحيث تبتعد عن واقع والده بعض الشيء .. مما يعني ان الوالد هو مركز اهتمامه في البداية ، ثم يبدأ بزيادة هذه الاهتمامات من غير والده كلما كبر متاثرا بالاخرين .. اذا الوالد هو مركز اهتمام الطفل الاول و ليست الوالدة , والبنت عكس ذلك تماما .. قد يميل الطفل الى امه بسبب قسوة والده او اهماله ، وليس بسبب الجنس ، وقد تميل البنت الى والدها غالبا لانه لا يدقق عليها و يراقبها كما تفعل والدتها ..


الطفل يعرف - بسبب وجود الكبار - انه ليس في الوضع النموذجي ، و انه في فترة انتقالية ضعيفة و قاصرة ، لدرجة انه يكره ان يقال له : انت طفل . و يحب من يقول له : انت رجل أو امرأة . حتى اسم التدليع كلما كبر الطفل يبدا برفضه ، لانه يرمز لطفولته .


وهذا ليس محتما ، بل المحتم بان يرغب ان ينام مع امه و ابيه ايضا ، لانه اذا غابت امه رغب بان ينام مع والده ، و هي صورة واقعية حذفها المخرج . لماذا لا نقول بانه يرغب باستمرار غياب والدته حتى ينعم بوالده الذي يميل اليه فطريا ؟ و كل هذا غير وارد . فالطفل انسان و ليس وحشا صغيرا كما يتصور فرويد .

----------------------------------------

انتهت الحلقة السادسة ..


وتليها الحلقة السابعة بإذن الله ..
__________________
مدونة الورّاق

http://alwarraq0.blogspot.com/
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 04-11-2012, 07:15 PM
 
الحلقة السابعة :





قبل ان نخوض في هذا : لماذا لم تظهر الامراض في حينها ؟ انه يتكلم عن مرحلة بعيدة ، و هي ما بعد البلوغ ، اليست لتلك المرحلة ظروفها الصعبة و التي سمي المراهق لاجلها مراهقا ، من الرهق والصعوبة ؟ هل الامراض تختفي ثم تظهر ؟ حتى الفيروسات لا تفعل هذا .. الامراض اذا وُجـِدت ظهرت ، و اذا لم توجد لا تظهر .. اذا كل هذه الفكرة خاطئة اكلينيكيا . العاقل لا يصدق مثل هذا الكلام ، ان هذا يشبه ان يضربك احد ، ثم لا تتألم و لا تحس بالالم من تلك الضربة ولا تصرخ الا بعد خمس سنوات ! اما في حينها فلم تكن تشعر بشيء !


الالم موجود اصلا لكي ينبه على الخطر والضرر في حينه ، و ليس لكي يظهر بعد عشرات السنين . ما الفائدة من ظهور ذلك الألم متأخرا ؟ فرويد بنى كل تحليلاته النفسية لمرضاه على هذا الاساس الخاطئ والغير منطقي ولا العلمي ولا الواقعي . كل ضرر يتعرض له الشخص جسديا او نفسيا يكون اشد ايلامه في وقته . ثم يبدا الالم بالتلاشي تدريجيا .


فرويد يزعم ان مواقف طفولية بريئة و ساذجة ومنسية ، ظهرت بعد عشرات السنين لتكوّن مرضا عصبيا خطيرا ، و هذا كلام غير منطقي اطلاقا . انه يهمش كل مشاكل الحياة عندما يكبر الاطفال ، و يقطع دورها وتاثيرها الذي لا يخفى على احد . ثم يذهب لينبـّش عن اثار منسية في بواكير الطفولة و من خلال الاحلام – فما اضعف هذه الخيوط وابعدها عن العلمية : ذكريات طفولة منسية و يعرفها من خلال الاحلام ! يا للعلمية ويا لقوة المنهج العلمي !! - ليجعلها مسؤولة عن كل ما يحدث للشخص من مشاكل عصبية ونفسية ! كيف تثق بتشخيص طبي يعتمد على هذه الخيوط المتهالكة ؟


الجميع يلاحظ سرعة نسيان الطفل ، فتجده يبكي مثلا وينقلب الى الضحك عند ادنى مثير ، وبقايا دموع البكاء على خده وهو يضحك ، فكيف نصدق كلام فرويد و نحن نرى سرعة نسيان الطفل ؟ ما بالك ان يحتضن هذه الهنات الصغيرة لتظهر بعد عشرات السنين على شكل امراض عصبية وعقلية لا فكاك منها الا بالتفسخ الاخلاقي وتعويض ما فات جنسيا في الطفولة المبكرة ؟ هذا كلام يصلح لغير العقلاء .


ان هذا المنهج الخاطئ في التحليل يشبه شجرة كبرت و اثمرت ثم مرضت ، فياتي فرويد لينبش في جذعها عن اثار ضربات فاس قديمة ! ليجعلها هي المسؤولة عن ما اصاب الشجرة رغم انها عاشت سنينا و هي متعافية !


ان حجة فرويد واحالته على الماضي المنسي ، تشبه احالة الملاحدة المؤمنين بالصدفة المستمرة على ملايين السنين كمخرج آمن لتبرير عدم معقولية الفكرة . و كيف تؤثر فينا و تغير حياتنا النفسية والعصبية أحداثٌ لا نذكرها لضآلتها و نسيناها لتفاهتها ؟ بل لم تحدث اصلا ، و لكنه يحاول ان يحمّلنا اياها من خلال تفسيره للأحلام بعد ان فشل في التنويم المغناطيسي كما يعترف هو ، لكي يجعل المريض يتحدث عن ذكرياته المنسية من تلقاء نفسه .. و قفزه للاحلام ليس الا تعويضا عن فشله في التنويم المغناطيسي .


أيعقل ان تؤثر فينا احداث تافهة ومنسية في حين نذكر الاحداث الجسيمة حتى و نحن اطفال ؟ وهكذا غير العلمي يسير في المنطقة المظلمة دائما وفي ظل الحقيقة و ليس مع الحقيقة . بل و يختلقها اذا لم يجدها لكي يحيل على مجهول ، و مع هذا يتبجح بالعلمية وهو يسير في الظلام الذي لا يدركه حتى صاحب الشأن والقضية .


الامراض النفسية والعصبية تحتاج الى مشاكل بحجمها حتى تكون سببا معقولا لها ، و ليست مشاكل اطفال طواها النسيان . هذا الاحتجاج الغير منطقي يشبه ان تقول لشخص : ان كل مشاكلك النفسية والاجتماعية والعصبية كانت بسبب وقوعك من الدراجة عندما كنت طفلا ! فهل تستطيع ان تنفي كلامي ؟! هذا النوع من التفكير يسمى : الصيد في الماء العكر . لأن تلك الحالات المرضية غير معروفة السبب مباشرة ، فوجدها فرويد فرصة ليربطها بما يريد ، و يجعلها دليلا على تأصل الخبث في النفس البشرية . مما يعني ان فرويد لم يرد الشفاء لمرضاه والعافية بقدر ما ارادها لنظريته المريضة التي تهدف الى افساد المجتمع وابعاده عن الفضيلة والعفاف نتيجة حقد ماسوني نوراني على شعوب الجوييم . و لو انه بحث مع مرضاه في مشاكلهم الحاضرة فكريا و نفسيا واجتماعيا و اخلاقيا ، لكان اقرب لكي ينفعهم ويساعدهم كما يدعي .


شروط السفور :


متى ظهرت الرغبة السافرة في الاحلام بموت احد الوالدين ؟ و من هو الذي يحلم بهذا الشكل ؟ فرويد يتكلم عن رؤية عزيز علينا يموت ، ثم يسميها رغبة ! بدون ان يقول الحلم ذلك ! هي رغبة على مزاج فرويد ! مع انهم يقولون له أنهم يبكون و هم يرون الاعزة عليهم يموتون ، فيقول : بكاؤكم هذا هو من الفرح بموتهم ! و في اسوأ الأحوال يقولون انهم لم يكترثوا بموتهم ، و عدم الاكتراث لا يساوي الرغبة . فكيف يسد الفراغات بكلام من عنده ؟


لا اظن احدا من القراء ظهرت له تلك الرغبة السافرة بأن يموت شخص عزيز عليه ويفرح لذلك . و لا حتى المجنون ربما . و هذه الشروط متحققة مع الجميع ، و صولون لم يكن مجنونا عندما لم يضع عقوبة لقاتل ابيه ، فصولون يتفق معنا و ليس مع فرويد . بعد فرويد وتحليلاته يجب ان يوضع قانون لمن يقتل اباه ! و ليس الرومان فقط ، بل كل البشر يعرفون ذلك الا فرويد ومن يصفق له من المنتفعين بشذوذ افكاره المغرضة . ولو لم تتضح الغائية في افكار فرويد ، لجاز وصفه بالجنون ، و لكنه ليس مجنونا ما دامت غايته واضحة ، سيكون شيئا اخر .


الشرط الثاني :


شخص لا يخطر بباله ان يتمنى موت ذلك العزيز ، بل و يقلق حذاري ان يموت ذلك العزيز ! ثم تقول عنه انه يريد موته ؟!! اذا ما قيمة المشاعر ؟ وما قيمة معرفتنا وتأكدنا منها ؟ هذا يعني ان فرويد يفهمنا اكثر مما نفهم انفسنا . و بموجب هذا الاختراق السافر للنفس البشرية و مشاعرها و لعقول الناس ، يجوز لفرويد ان يقول لشخص يحب الموسيقى : انت لا تحب الموسيقي ! ولكنك تحب تكسير الحجارة او الشاي بالحليب ! يقول ذلك الشخص : انا اشعر بهذا الحب واتعامل مع الموسيقى كل يوم ! يقول له : انها حيلة من العقل الباطن للالتفاف على العقل الظاهر و مراقبته ليس الا !


وهكذا يستطيع ان يمر على كل شيء نقول راينا فيه و بنفس الطريقة ! ما قيمة علم يهمل العقل ؟ فرويد يقدم علم نفس لا يهتم بالنفس و لا باحاسيسها ولا بقلقها ، فاي علم نفس هذا ؟



نماذج الاحلام :


الاحلام ليس لها نماذج ، و كل حلم هو كيان مستقل بحد ذاته ، ولا يعيد الشعور نفسه . ولا تكرر الاحلام نفسها الا في حالات خاصة ونادرة ، وهو ما يمكن تسميته بالرؤيا الالهية ، اذا ثبت التكرر بنفس الوضع . و ما يسميه فرويد احلاما نموذجية ، هناك اشخاص لم تمر عليهم اطلاقا ، و ليس كل شخص حلم بالرسوب في الامتحان . و لا كل شخص حلم بموت عزيز ، هذا عدا ان طريقة الحلم بموت عزيز تختلف من شخص الى شخص ، وتختلف في تكررها مع الشخص نفسه . الاحلام صدى الشعور ، والشعور لا يتكرر بنفس الصيغة ابدا . اذا عنده خطأ منهجي وهو تصنيف الاحلام الى نماذج متكررة عند كل الناس .


ليس لنا شعور واحد تجاه اي شيء ، حتى لو كان ذلك الشيء يتكرر في حياتنا . فحبك لصديقك قبل اسبوع ليس هو نفسه حبك له اليوم ولا غد ، مع ان كلها يقال عنها محبة . حتى استماعك لنفس الاغنية ، في كل مرة تسمعها ، تسمعها بشعور مختلف . فالشعور لا يكرر نفسه والا لصارت الحياة عبثية . نحن في كل يوم و كل ساعة غيرنا في الساعات الماضية و غيرنا في الايام الماضية . لا يوجد في الحياة شيء ثابت ولا متكرر طبقا للاصل . اذا لا يوجد نماذج لمشاعرنا ولا لاحلامنا ولا توجد احلام نموذجية تتكرر عند كل البشر .


تحليل الحلم بالامتحان :



عبقرية و تحليل لا يستطيع المرء الا ان يضحك امامها !! انها صدمة الفكاهة ! و امتحان للقدرة على الضحك لاطول وقت ! هذا بالضبط هو الشعور الذي انتابني عندما قرأت هذا التحليل العجيب وليس تهجما مني .. امتحان مادة الكيمياء في حقيقته امتحان في القدرات الجنسية و استمرارها !


هذه الاحلام تزور اطفالا في الابتدائية لم يعرفوا الممارسة الجنسية حتى يخافوا من فقدان استمرارها وتفوقها !


اتيان الطفل لافعال جنسية :


وهنا فكاهة اخرى ..


الشعور لا يبدد طاقاته ، فرسوبه في مادة معينة ، اخذ حقه من الانتباه و اللوم . بقي ان ينبهنا الشعور للامور التي نأمن منها . و هنا يكون للحلم فائدة . لأن من مأمنه يؤتى الحذِر ، و كم مرة تتضرر درجاتنا او نرسب في مواد كنا واثقين من تفوقنا فيها . فما فائدة الحلم في ان يجعلك ترسب في الطب الشرعي وانت قد رسبت فيه ؟ و صرت تخاف من تكرر الرسوب فيه في اليقظة ؟ و هذا يؤيد كلامي بأن الأحلام من اهم وظائفها التنبيه والتحذير ، اي منطلقة من خوف وليس من رغبة . ما الفائدة من أن يخوفك الحلم من مادة خفت الرسوب فيها ، لانك قد رسبت فعلا ؟


و ما دخل الجنس في هذه الامور ؟ و هل انتهت مشاكل الانسان بحيث لا يهتم شعوره الا بالفزع من ضعف جنسي قد ياتي في اخر العمر ؟ بينما هو يخوض معارك الحياة والامتحانات الدراسية الصعبة وهو في اوج تأجج طاقاته الجنسية التي تزعجه حتى عن الدراسة ؟ كأن شعور الانسان لا يعنيه شيء الا الجنس ! مع ان الجنس له غاية محددة و هي بقاء النسل من خلال نطفة واحدة تكفي لتقوم بالغرض من بين مئات الملايين من النطف التي ينتجها جسمه في القذفة الواحدة ، فما بالك باعدادها طول الحياة ؟ فلماذا يخاف الشعور وهو يمتلك كل هذه الامكانات الجنسية ؟


ثم ان فرويد فسر هذا الحلم بالخوف ، مع انه قرر منذ بداية الكتاب ان كل الاحلام تنطلق من رغبة !! فهل نسي ما وعد به نفسه ؟ ام انه مضطر هذه المرة ليكسر القاعدة التي بنى عليها كتابه و فسر من خلالها الاحلام السابقة بالرغبة ، بما في ذلك موت عزيز نبكي عليه في الاحلام بأنها رغبة بموته !!؟؟ فلماذا فسر هذا الحلم بالخوف هذه المرة على قدراتنا الجنسية ؟ و لهذا نفزع من الامتحانات المدرسية في الاحلام ؟


كل ما في الامر انه بنى على قاعدة ليست صحيحة ، فنسيها و عاد الى الاصل ، أي ان اصل الاحلام خوف . فأثبت بنفسه هذا الاصل من دون ان يدري .


كلما ذاق الشعور الامن والرضا عن الذات ، كلما كان هناك فسحة لظهور الاحلام السعيدة ، ولا يعني هذا انها ستدوم ، فلا بد ان تاتي احلام تحمل الخوف ، لكن ذلك الخوف غالبا يكون لاسباب خارجية . أما من يحلم باحلام الخوف الذاتي الداخلي و ضياع الهدف من الحياة ستكون الاحلام السعيدة بعيدة عنه . الاحلام السعيدة هي معيار الصحة الداخلية ، حتى الاحلام التي تحمل خوفا من الاخرين و ظلمهم واخطاؤهم لم تخرج عن احلام الصحة النفسية . كما انه لا توجد احلام سعيدة بكاملها ، وهذا طبيعي ومنطقي؛ لان مشاعر الخوف هي اقوى المشاعر واخطرها ، وبالتالي تتسرب حتى الى الاحلام السعيدة . الانسان و هو مستيقظ اقوى مشاعره واكثرها حضورا هو الخوف بصور متعددة و مختلفة الدرجة ، والامر كذلك نفسه و هو يحلم في المنام .


بعبارة اخرى : اذا كانت احلامك تؤيد منهجك في الحياة ، فهذا دليل على الرضا الشعوري ، حتى لو كان فيها بعض التخويفات فهي تخوفات منطقية . لكنها تشير الى السلام الداخلي . إن مقياس الصحة النفسية والنفس المطمئنة هو ان تنطبق مشاعرك وافكارك وأنت تحلم على افكارك واخلاقياتك و أنت مستيقظ , بحيث لو ان هذا الحلم وقع في الواقع لكان تفكيرك و شعورك هو نفسه. حتى لو كان في الحلم مشاعر خطر او خوف ، سيكون الوضع نفسه لو حدث هذا في اليقظة .
كل شخص يسير في طريق خاطئ تجد أحلامه ضده وليست تؤيده.
التجارب الشعورية والاخلاقية التي نمر فيها في الاحلام بصور قد لا تقع في واقعنا ، هو تدريب واعداد لنا حتى نفكر بتلك الطريقة لو وقع ما يشبهها ، و تطابق الاحلام مع واقع الشخص النفسي و الفكري ، دليل على صدقه مع نفسه و وضوح منهجه ، و له ان يطمئن ويعتبر نفسه صحيحا نفسيا . كل الاحلام التي تحمل الضياع و عدم وضوح الرؤية وعدم القدرة على الحل لا تدل على ان الشخص يحمل افكارا ترضي شعوره و يثق بها . اما الاحلام التي تظهر ردود افعالنا على انها سليمة حتى لو كان الجو مليء بالمخاطر ، فانها تدل على الثقة الشعورية بافكارنا ، ولكنها تحذرنا من مخاطر قد تقع من الاخرين او من الظروف ، او تعدنا لامتحانات اصعب يجب ان نتجهز لها قبل وقوعها .


احلام الضياع واحلام السقوط في الهاوية و التي تنتهي بدخول منطقة مظلمة ، تدل على عدم وضوح الرؤية في الداخل . وهذه المنبهات على عدم الانسجام بين المشاعر والافكار تظهر عادة في اول النوم كومضة سريعة . تختلف هذه المنبهات من شخص الى اخر لكنها تتفق في الروح الواحدة حيث تحمل رسالة مفادها ان طريقك في الحياة غير واضح المعالم ، بمعنى آخر : ابحث عن طريق افضل . حتى تكون انت هو انت . في اليقظة او في الاحلام ، و بنفس ردود الافعال الواضحة و المجدية . و هذه الحالة لا تكون ابدا الا لمن عرف الله واسلم حياته كلها له ، حينها تكون احلامه مدرسة له و مؤيدة لافكاره . بل تحثه على التمسك بها .


وحينها يستطيع الانسان ان يعرف حتى نواقصه من خلال الاحلام . فالحلم مثل الرائد ، والرائد لا يكذب اهله . احلامنا لا تغشنا بل هي خير ناصح لنا . انها على عكس ما تخيل فرويد تماما ، انها تستغل رقابة العقل الواعي الذي صنعته اختياراتنا مما يقدم مجتمع المصلحة ، فتخرج لكي تبصّرنا بما نحن محتاجون له فعلا ، لماذا شخص ناجح في حياته المادية والعملية و يحلم احلاما تدل على الضياع والرعب ؟ مع انه في الواقع يقال عنه انه ناجح و ذو بصيرة ؟ اذا الحلم لا يغش صاحبه و يخبره بالحقيقة بدون نفاق وليس كما يفعل المجتمع في نفاقه للنجاحين ماديا واجتماعيا .


على قدر ما يظهرك الحلم بانك سيد الموقف و تعلم الطريق الصحيح ، على قدر ما هو يشجعك على طريقة تفكيرك . و يعرف الشخص حينها انه غير منافق و انه لم يلزم نفسه بشيء لم يقتنع به . حينها لن تقول عن نفسك انك لم تفهم نفسك و انك تتبنى افكارا ليست لك ، لان شعورك من خلال الاحلام ايدها و لم يعارضها ، وهذا يعني الانسجام بين الاختيار والشعور . وهذا من علامات النفس المطمئنة . فاطمئنانها معها حتى وهي في المنام (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية) .


الشخص المؤمن والمتبني للفضيلة يجد نفسه في الاحلام يمر بفتن واخطار ويخرج منها ناجيا هذا هو الحلم السعيد . لأن الدنيا ليست جنة ، و جنتها هي الافكار السليمة والصحيحة . احلامنا تتأثر بتغير افكارنا وتتغير معها ، و ليست وليدة ذكريات منسية كما يتخيل فرويد ، فالشخص الذي عرف منهجا سليما و مقنعا لحياته ، تصبح احلامه افضل فيما بعد ، اذا الاحلام من بنات الشعور و ليست من بنات الذكريات المنسية ، لانها تتغير مع تغير افكار الشخص و تغير مناهجه في الحياة . فالشخص الذي كان ماجنا ثم اصبح عفيفا ، ستكون العفة معه في الاحلام مع انها لم تكن معه من قبل ، ولا يستطيع ان يمارس الجنس المحرم في احلامه . اذا اين هي الرغبات ؟ بل اين هي الرقابة ؟


في هذه الحالة تكون مشكلة الشخص المستقيم في حياته هي مع الخارج و ليست مع داخله . فالاستبصار في اليقظة في الامور المعنوية و الاخلاق يعني استبصارا في الاحلام ايضا . ولو قال فرويد : هذا تدخل من العقل الواعي ، فسنقول له : اذا لماذا الشعور بالنفور والكراهة ؟ والناس لا يعطوننا شعورا بل افكارا . ولو كانت الرقابة تتدخل كما يقول فرويد ، لدخلت الرقابة و ناقضت الشعور القائم فجأة ، كأن يكون الشخص يحلم انه يقتل احدا ظلما و فجأة يصحو ضميره ، و كل هذا اثناء الحلم ، فمثل هذا لا يكون ، ما يثبت خطا فكرة تدخل العقل الواعي التي يعتمد عليها فرويد ، لان التدخل سيعني تناقضا في الحلم بين المشاعر والافكار مع نفسها ، وهذا لا يكون . اذا فكرة تدخل العقل الواعي افتراضية وليست واقعية ولا تشهد عليها الاحلام . اما ان يكون رفض هذا الشيء في البداية ، فكيف تكون الرقابة التي تدخلت ؟ الا ان كانت هي التي انتجت الحلم كله ؟ و مثال آخر : لا يمكن ان يحلم احد بأنه يسرق وهو يعرف انه يسرق ، ثم فجأة يندم على فعلته في حلم واحد ، و الا لكان تدخل الرقابة حقيقي . لان الشخص لا يستطيع ان يحوي نيتين في وقت واحد .


الاخطاء التي نخاف من وقوعها في الاحلام هي من سوء فهم الاخرين لقصدنا ، لا يمكن ان تكون لك شخصيتين او نيتين في الحلم ، فأول الحلم ترى انك مجرم ، و في اخر الحلم تكون ملاكا ! هذا لا يقع . ما يجري في الاحلام يجري تماما في الواقع ، لا يمكن ان تكون الدكتور جيكل والمستر هايد في الوقت نفسه ، فأحدهما خير و الثاني شرير في شخص رجل واحد . لو سلمنا بما يقول فرويد بتدخل الرقابة ، لكان علينا ان نصدق بان كل البشر عبارة عن دكتور جيكل و مستر هايد : شخصيتان متناقضتان في شخص واحد ، ومثل هذا لا يكون .


افكارك التي تتبناها وانت مستيقظ هي نفس افكارك وانت تحلم ، رغم اختلاف المكان والزمان . الشخص الذي يختار افكارا غير طبيعية كاسلوب في حياته و قائمة على الانانية والمصلحة (شر فقط) ، لا تصاحبه في احلامه . بل ستكون احلامه من النوع المزعج ، مما يدل على ان الاحلام تاتي من الشعور الرافض للافكار السيئة و ليس من الاختيار ، والشعور حقيقة مستقل عنا ، و لا يقبل الا ما هو حقيقي من افكارك و يتعامل معها . ومن اختار الحقيقة طريقا لحياته ، سيجد ان افكاره تلك مؤيـَّدَة من طرف احلامه.
من الملاحظ أن أحلامنا دائما تركز على نقاط الضعف عندنا لكي نحصنها أكثر. بعبارة اخرى: الأحلام معنية بالفضيلة وتركز على نقاط ضعفنا فيها أو بعدنا عنها, وهي تركز على المخاوف ، حتى الشخص الذي يشعر بالبرد لا يحلم بمكان دافئ ، بل يحلم أنه في العراء أو على ثلج , ثم يحدث في الحلم تخويف أو خطر بعدها يستيقظ الشخص, و لو كانت الأحلام مبنية على الرغبة لحلم بالدفء, فالحلم لا يضيع الوقت , إنه يؤدي هدفين في وقت واحد : يريد أن يوقظك من البرد وبنفس الوقت يريد أن ينبهك لخطر محتمل ليس له علاقة بالبرد . حتى النائم الجائع إذا حلم بالأكل ، لا نستطيع أن نقول أن الدافع هو الرغبة , يصلح أن نقول هو الخوف والاستحثاث الذي دفعه لكي يحلم بالطعام خوفا من عواقب الجوع حتى يستيقظ , و كثيرا ما يحلم الإنسان بالطعام وهو ليس جائع , فيكون مجيئه ليس لذات الطعام بل لهدف آخر.


الحلم خير دليل على واقعنا النفسي, وعلينا ان نحترم هذه الدلالة. الأحلام ليست لعبا, فالحلم هو أفضل مخرج افلام في العالم.

انتهت الحلقة السابعة


و تتبعها الحلقة الثامنة باذن الله ..
__________________
مدونة الورّاق

http://alwarraq0.blogspot.com/
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 04-14-2012, 09:25 AM
 
الحلقة الثامنة :



لماذا يعتمد على الرمزية اذا ؟ الاقدمون كانوا يعتمدون على الرمزية ، فما فرقه عنهم في منهجه ؟ هم ايضا يقولون : ننطلق من الرمز الى المعنى الباطن !


ولماذا لعبة القط و الفار يلعبها الشخص مع نفسه ؟ اليس نائما ؟ وبعيدا عن عالم الواقع ؟ واذا كان الانسان يفعلها في يقظته ، فما الذي يجبره على فعلها في منامه ؟ و ما الفائدة من ذلك ؟ كأن حال اليقظة والمنام شيء واحد عند فرويد ، مع ان عالم الاحلام عالم اخر غير عالم الواقع .. اذا هذه الرقابة لا فائدة منها .


وما جدوى المصادرة فالمجتمع غير موجود معنا في احلامنا حتى يسجل علينا مآخذا و عيوبا .. لماذا الخوف اذا من الناس و هم غير موجودين ؟ هذا كلام غير مقنع . لأنه يجعل الانسان يعمل عملا لا فائدة منه على الاطلاق . لنفترض ان الرقابة غير موجودة في الاحلام ، هل ستهتز صورة الانسان عند المجتمع ؟ طبعا لا ، لانهم لا يعرفون احلامه ما هي .. اذا ما فائدة عملية الرقابة ؟ فائدتها ان تؤمّن لفرويد مخرجا امنا حتى لا يعترف باصالة الفضيلة في شعور الانسان .


فرويد مؤمن ان الاخلاق يفرضها علينا المجتمع و نحن في عالم اليقظة، و يريد ان يطبق هذا حتى على عالم الاحلام ، حتى مع ان المجتمع غير موجود فيه وجودا حقيقيا . لان فرويد وجد ما لم يحب في تتبعه للاحلام ، و هو ان الاحلام ايضا تحترم الفضائل والقيم ، لهذا ادخل الرقابة الواقعية على عالم الاحلام ، لكي يبرئ الانسان من كل فضيلة ، و كانه يقول : المجتمع معك ، سواء استيقظت او نمت ، والا فانت شر خالص في حقيقتك .


فكرة واهنة تقوّى من خلال عكازات ، لانها ليست حقيقية في عالم اليقظة ، وعالم الاحلام كشف زيفها . اين هي الرقابة عن تناقض الصور في الاحلام ؟ وتداخل الازمنة ؟ والتحدث مع اناس ماتوا من زمان ؟ لماذا لم تصحح الرقابة هذه الاوضاع الغير منطقية ؟ اذا لا توجد رقابة على الاحلام اصلا ، لسبب بسيط وهو ان الرقابة مرتبطة باليقظة و الوعي ، ونحن امام شخص نائم لا يعي ما حوله .


الرقابة عرفها فرويد في عالم اليقظة ، اذا هي مرتبطة بذلك العالم فقط . فعلى اي اساس يربطها بالمنام والاحلام ؟ لا يوجد اساس واقعي و لا علمي لهذا الربط .


لا يوجد تنكر في الحلم ، و لماذا التنكر ؟ لا يوجد اشخاص ولا مجتمع هنا . الشعور يريد الا يختلط الحلم مع الذكريات الواقعية ، لهذا يحصل هذا التقطيع و الربط الذي نتصور انه عشوائي ، مع انه ليس كذلك . و اذا عرف السبب بطل العجب . ولو كانت الاحلام كلها تجري على نفس منطق الواقع ، لاختلط الواقع علينا بالاحلام . وهذا الامر كافي لان يجعل المرء مجنونا ، فيشهد بوقوع شيء لم يقع ، و لا يعلم أرآه في الحلم ام في الواقع ..


اذا لا بد من عملية التقطيع ، وهي اجراء صحي يقوم به الشعور حتى لا تضطرب الذاكرة . ومع هذا ايضا ، يعمل الشعور على مسح الحلم خوفا من بعض الاختلاطات في الواقع ولو كانت جزئية ، الا اذا اراد الشخص ان يثبّته في ذاكرته على انه حلم ، و الا فطريقه الى المسح سريع ، منذ ان يفتح عينيه على عالم اليقظة . لكن الشعور المصاحب للحلم يفعل فعله في اليقظة ، حتى ان احلامنا تؤثر في مشاعرنا في اليوم التالي . اذا الحلم ادى مهمته دون ان يضر بالذاكرة والعقل والمصداقية . و كما قلنا ان اساس الحلم هو مشاعر .


التيارين السطحي والخفي :


ما الفائدة اذا كان صاحب الحلم لم يفهم هذه اللغة ؟ ام ان من فعل الحلم يعلم بوجود محلل نفسي كبير اسمه فرويد سيحل هذه الالغاز عندما يعرض عليه الحلم ؟ و اذا لم يكن فرويد موجودا ، من سيحل هذه الشفرة الهيروغليفية ؟ اذا الاحلام عبارة عن عبث في هذه الحالة ولا فائدة منها .


ما فرقه هنا عن المحللين و المفسرين السابقين؟ هم يأخذون الصور كمفردات معزولة عن بقية صور الحلم و المشاعر السائدة فيه .. أراد ان يخالفهم ففعل مثلهم تماما . ونعلم ان اي رسالة يتم فهم مضمونها ليس من خلال حرف فيها او كلمة واحدة ، بل من منظومة الحروف التي تشكل كلمات و جمل . إذا هو يريد ان يفهم الرسالة من حرف واحد يختاره هو ، بحيث يكون متناسب مع فكرته المسبقة .


اخذ صورة واحدة وتعميمها على الحلم بل وعلى حياة الشخص كلها ، إن لم تكن هذه هي الانتقائية بعينها ، فماذا تكون ؟ وان لم تكن هي تعميم الجزء على الكل ، فماذا عساها ان تكون ؟ ان هذا خطأ منهجي في دراسة اي شيء .


الحلم لا ياتي عبارة عن صور مفككة ، بل ياتي على شكل رسالة ذات مونتاج واحد . نعم قد ياتي اكثر من حلم في الليلة الواحدة ، و هذا يدل على ان كل حلم مستقل عن الآخر ، أي انه رسالة او قضية مستقلة عن الاخرى . و اذا كان هذا منهجه ، فما اسهل ان يجعل كل الاحلام في صالح فكرته . لانه سيبحث عن جزئية مناسبة او صورة واحدة كما يقول ، ثم يبني عليها كل ما يريد ، فيحرّف الحلم عن هدفه الاساسي الى الهدف الذي وضعه مسبقا هذا المفسر ، ليستدل من خلال الاحلام على تأصل الشر و سيطرة الغرائز الحيوانية و نفي الغرائز الانسانية في الانسان .


حتى لو كان الحلم اخلاقيا فسوف يتحايل عليه ويقول انه من تاثير العقل الظاهر و يلتقط صورة او جزئية و ينطلق وراءها لما يريد . هذا الشيء تستطيع ان تفعله في الرسائل والخطابات العادية بين البشر ، و هذا ما اخذه النقاد على المدرسة النفسية في النقد الادبي المعتمد على فرويد ، و الذي اخرج كل الادباء بانهم عبارة عن مرضى نفسيين و يعانون من الكبت الجنسي و عقد النقص والامراض العصابية ، حتى لو كانوا يتغنون باماجد الاخلاق في شعرهم ، بحيث يبحث عن كلمة لها اكثر من ايحاء و يصرفها الى الايحاء الذي يريده هو ، ويقول ان الشاعر عبر عن غرائزه من حيث لا يدري .


فكرة تقويل الناس ما لم يقولوا هي ابعد ما يكون عن العلمية واقرب من الهوى و ما نريد ان يكون وليس ما هو كائن ، وتـُصنف من ضمن الاخلاق السيئة . اذا منهج فرويد اصلا غير علمي . لأنه يترك كل الحلم ويختار لقطة بسيطة فيه و يفسر من خلالها كل الحلم . هذا يشبه من يفتح صفحة واحدة من كتاب ، و يحكم من خلالها على كل الكتاب . هذا لا يعتبر من المنهجية العلمية ، المفترض ان يدرس كل الحلم دون انتقاء حتى تكون دراسة علمية . بل لا يكفي حلم واحد لاصدار حكم على نفسية الشخص .


التيار السطحي والتيار الخفي :


هنا ربط فرويد بين كل الاحلام و الذكريات ، فرويد يرى ان الاحلام ليست الا ترجمان الذكريات ، بل و الذكريات المنسية : على اي اساس علمي بنى هذا الربط ؟ لماذا الاحلام عنده فقط لذكريات ؟ وما فائدة تجرر الذكريات ؟ و ليته ربط الاحلام بكل الذكريات على الاقل ، انه يربط احلام البشر كلها بذكريات عن اشياء مرغوبة و مكبوتة ! هذا كله بلا دليل علمي ! حتى ان الشخص يحلم باشياء مستقبلية بعض الاحيان ، اي بعيدة عن ذكرياته و عالمه ، وفرويد سوف يعيده بالقوة الى ذكرياته الشهوانية المكبوتة .. هذا شخص يحلم في المستقبل !! ليس يحلم في ذكرياته ! ولو شاء الحلم لاحضر له ذكرياته !


لو حلم شخص بانه قتل فمات ، ثم قام من موته ، لفسرها فرويد برغبة جنسية مدفونة ! ثم صار يلف و يدور ، وسوف يفسر القتل بفقدان القدرة الجنسية ! و الموت بحالة كمون جنسي ! و البعث والوقوف من القبر بنهضة الشهوة الجنسية و ازدهارها ! وهكذا يستطيع كل شخص ان يفسر مثل فرويد ، لانه سهـّل عملية تفسير الاحلام ، لانه ربطها بالجنس ، فكلما عرض امامك حلم ، ما عليك الا ان تربطه بالجنس باي شكل من الاشكال ، و ستجده يعجب فرويد و اتباعه ! نستطيع ان نربط مثلما فعل فرويد كل الاحلام بشيء واحد ، فنقول مثلا : كل الاحلام تدور حول جمع الثروة و التملك ، فهذا الذي حلم انه مات ثم استيقظ من موته ، هذا اشارة الى رغبته في ان يكون ثروة من جديد بعد ان خسر ! و نستطيع ان نفسر كل الاحلام بالرغبة في الحياة ، فهذا الذي يحلم بانه قام بعد موته ، يشير الى رغبته بان لا يموت ! وهكذا ..


التفسير و الربط النظري لا حد له ، لدرجة انك تستطيع تفسير كل شيء بكراهية الجوع و طلب الشبعة . فهذا الذي يحلم انه مات ، اي يخاف من الجوع ، و يحلم انه قام من موته ، اي انه شبع !! الى ما لا نهاية من هذه التفسيرات السخيفة التي تحصر الانسان المتعدد في شيء واحد . و ما اسهل التأويل والتعسف والانتقال من المعنى الظاهر الى المعنى الباطن اذا لم يسعفنا المعنى الظاهر .


فرويد متاثر بالكابالا اليهودية التي تفسر النصوص بمعاني باطنية بعيدة جدا عن ظاهرها و يختلقها المفسر . والكابالا اساس فكرة التفسير الباطني للنصوص . و فرويد ادخل الكابالا من تراثه اليهودي الى الاحلام والمجتمع والنفس البشرية .


والتكثيف الذي يشير اليه هو اعتراف بالاختزال والانتقائية التي سيقوم بها ، وهذا ليس من المنهج العلمي .





هذه نتيجة وصل اليها بدون دليل ويريد ان يجعلها اساسا في البحث .. لماذا لا تنشط النفس الا لذكريات ؟ هذا حصر بدون سبب مقنع . ولو كانت الذكريات مهمة على النفس فلماذا تنساها ؟ الذكريات تعني الماضي ، والماضي لا قيمة له مقابل المستقبل . اذا المنطق يقول هدف الاحلام هو المستقبل و ليس الماضي وتجرير ذكرياته .. نحن لا نعرف انفسنا في الماضي ، بل نعرف انفسنا في الحاضر اكثر من ان نعرف انفسنا في الماضي . كل شخص سوف يتفاجأ عندما يرى نفسه على شريط فيديو او صور قد التقطت له في ماضيه البعيد دون ان يدري . سوف يرى شخصا مختلفا . ولو كانت الاحلام استجرارا للماضي ، لكنا نعرف انفسنا في الماضي بشكل جيد و كل ليلة . اذا لماذا نتفاجأ عندما نرى انفسنا على شرائط قديمة و لا نتذكر انفسنا ولا حتى و نحن في تلك الحالة ؟ بل و ننتقد انفسنا لماذا لبسنا هكذا او لماذا قلنا هكذا ..


اذا فرويد يبني على اساسات غير سليمة ، ليست الذكريات هي همّ الانسان بل المستقبل ودائما المستقبل ، بل ان المستقبل اهم عندنا من الحاضر . و نستطيع ان نضغط على انفسنا في الحاضر مقابل الازدهار في المستقبل . اذا فرويد جعل الاحلام و النفس البشرية تتحرك نحو الشيء القليل في قيمته والفاقد لاهميته وهو الماضي ، بل الماضي السحيق ! وتدور حوله ولا تفارقه ! مع انها تعلم ان الماضي لا يعود . فرويد يفسر بطريقة رجعية .. كل شخص يركز على الماضي ويعيش فيه ، يـُنتـَقد في عقله لان الماضي ولى وانتهى .


تفسير الاحلام عند فرويد ، هو نفس الوقوف على الاطلال عند امرؤ القيس و شعراء الجاهلية ، اي ان احلامنا هي وقوف على الاطلال في كل ليلة على مبدأ (قفا "كبت" من ذكرى حبيب و منزل .. بسقط اللوى بين الدخول فحومل) . و هذا ضد التجدد و الحيوية و ضد المنطق والعقل .. النفس عند فرويد تبذل مجهودات لا فائدة منها ، لانها تبكي على الماضي و تعيش ذكرياته !


و فرويد ليس بهذا الغباء ، انه عندما يربط الاحلام بالذكريات القديمة ذات الرغبات المكبوتة ، فكأنه يقول : عليك ان تصحح الوضع الذي كان في الماضي . بحيث تحرر ذلك الكبت حتى لا يلاحقك في احلامك وتفك العقد والامراض النفسية المرتبطة بذلك الكبت ، اي التحرر من الدين والاخلاق حتى تكون سليما نفسيا و تنام نوما خاليا من الاحلام .


و حتى نثبت خطأ فكرة فرويد عندما قال ان الاحلام صدى الذكريات المكبوتة : لنفترض ان شخصا نفذ كل تلك الرغبات المكبوتة : هذا يعني على منطق فرويد انه لن يحلم ! و سوف ترتاح النفس من تجرير الذكريات ! لا احد يصدق ان هذا سيكون ، مع ان كثيرين استجابوا واطلقوا العنان لشهواتهم بشكل اكبر مما طلبه فرويد ، فازدادت احلامهم سوءا و رعبا و نومهم نكدا . اذا منهج فرويد خاطئ من هذه الزاوية الضيقة التي حشر نفسه فيها .


بنية الحلم :


الحلم ينطلق من الذكريات القريبة و ليس من الذكريات البعيدة . الم يقل فرويد ان احداث اليوم السابق لها علاقة بالحلم ؟ الحلم ينطلق منها ، أي من شيء سمعناه او رايناه او قلناه حتى ، لكي يبني بحريـّة مشاهدا تلفها و تنتظمها المشاعر ، و دائما تحمل رسالة . و اغلب ما تكون رسالة تحذير ، حتى الرغبات تظهر في اطار التحذير من الاضرار التي قد تنجم عنها .


الحلم ليس وضعا مجنونا ، ولكن له منطقه المخالف للمنطق المعتاد ، حتى لا تلتبس على الذاكرة الاحلام مع الواقع . ترتيب المشاهد في الحلم مجنون ، ولكن الروح والفكرة والشعور والهدف عاقل جدا ، بل اعقل من الشخص وهو مستيقظ . و من هنا كانت الاحلام مفيدة لكي نعرف ما نخاف منه و ما لا نثق بانفسنا فيه وما يجب ان نكون وما يجب ان نفعل وما يجب ان نحتاط له .


النقطة الاساسية في الاحلام هي الخوف وليست الرغبة .


لاحظ ان الاطفال - بل حتى الكبار - عندما يرون فيلما او يسمعون قصة عن السحر او العفاريت ، او الحيوانات المفترسة ، غالبا ما تنطلق منها احلامهم . فرويد يعرف انه اذا تابع الحلم كله سيجد هدفا لا يناسبه ، لهذا قال ان الحلم يعتمد على التكثيف ، اي ياخذ جزئية و يقول ان الحلم كله تكثف من هذه الجزئية . انه مضطر لان يجعل منهجه بهذا الشكل . لان الاحلام سوف تفضح تفسيراته ، بل تفسيره الوحيد و الخبيث الذي يدور حوله .

-----------------


انتهت الحلقة الثامنة

وتتبعها الحلقة التاسعة بإذن الله ..
__________________
مدونة الورّاق

http://alwarraq0.blogspot.com/
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 04-29-2012, 11:59 AM
 
الحلقة التاسعة :




الشارع يشير الى العشيقة السابقة !! انظروا الى دقة الربط و وضوح العلاقة !! ما اسهل تفسير الاحلام بهذا الشكل ! فرويد لا تقف الشوارع ولا البنايات عثرة في طريق وصوله الى ما يريد . ما الذي يمنع الحلم ان ياتي بتلك العشيقة ؟ مع انك عندما كلمته عنها ، تكلم عن علاقته بها بدون تحفظ ، فهل عقله الظاهر يمنعه من ذكرها و هو نائم ولا يمنعه وهو مستيقظ و يشرح لك قصة حبه ؟ و لماذا الحلم عبر عنها بشارع فقط لانها مرت فيه او تسكن فيه ؟ هناك اشياء كثيرة تتعلق بها وليس فقط شارعها .. لماذا لم ياتي بها الحلم مباشرة مثلما اخبرك بها مباشرة ؟ ليته عبر عنها بمزهرية على الاقل ، او على الاقل رمزاً لها بشيء يشبه المرأة أو يتعلق بتلك المرأة كحقيبتها مثلا ! الشوارع لا تشبه النساء باي حال من الاحوال !


اذا على هذا الاساس ، البنايات هم الرجال او السيارات ، ما دامت النساء هي الشوارع ! و ماذا عساها ان تكون الانفاق والجسور ؟ اي تفسير علمي هذا ؟





و لماذا ملك ايطاليا بالذات ؟ هذا الحلم قلب للواقع و بطريقة واقعية ! هل من القراء احد حلم بهذه الطريقة ولو لمرة واحدة ؟ هذا فيلم و ليس حلم ، و اتحدى ان يكون احدا حصل له مثل هذا الحلم الذي يقلب الواقع بتفاصيله . مما يدل على فذلكة فرويد لهذه الاحلام التي يسوقها . و السبب ان هذا الحلم مرتبط بالواقع ، فيسير عليه و يقلبه . و عالم الاحلام اصلا عالم مفتعل وغير عالم الواقع ولا يتقيد به ولا يتقيد بمنطقه المادي الواقعي . والا لاختلط مع الذكريات ، و هذا الشخص كيف عرف ان ما رآه حلماً ، مع ان الشارع هو الشارع والاحداث كلها عادية ويحصل مثلها في الواقع ولكنها بالمقلوب؟


الم يتكلم فرويد عن سفينة تقع في سطح دار ، و عن شخص بلا راس ومع ذلك يمشي !؟ فلماذا في هذا الحلم نجده مرتبطا بالواقع ؟ انا اجزم ان هذا ليس حلما حقيقيا او ان المعلومات التي يسوقها باسم التحليل ليست حقيقية ولا اتوقع ان يكون احد قد حلم بهذه الطريقة . طبعا احلام اليقظة تصنع مثل هذا ، لكن احلام المنام لا تصنع مثل هذا ابدا . والا فلن تكون احلاما ، لان الاحلام لا تكون منطقية بالكامل ، وهو جعلها مرتبطة بالواقع و ان كانت تقلبه . هذا يعني ان الحالم يعي الواقع ويمشي على تفاصيله و يقلبها ، و هذا غير واقع في عالم الاحلام ، والا فما الفرق بين العالمين ؟ مع ملاحظة ان الحلم لا يعي الواقع ، والا لتعامل معه كما هو دون ان يقلبه او يعيد تركيبه ..


من نعمة الله ان منطق الوعي في اليقظة مختلف عن منطق الوعي في الحلم، والا لاختلطت الذاكرة و فسدت ، وهذا ما لم ينتبه اليه فرويد ، مما ادى الى اكتشاف تلاعبه في احلامه التي يسوقها ، وعندما يقول انه احد مرضاي او يسوق اسما ، فهو يعرف ان لن يحقق وراءه احد . المهم عنده ان تنتشر فكرته المحورية ، وهي الاصل الفاسد للانسان .


حلم المسنة :


ها هو يفضح نفسه : اخبرها بالنتيجة قبل ان يسمع الحلم كما يقول هو !







انتهت العقدة وبدأ الحل كالعادة عندما وجد مخرجا ليأول به الجنس ! و هو لا يفرق بين الغرام والجنس على كل حال .. انه ينبش وراء مرضاه عن اية علاقة غرامية ، لكي يبني عليها كل تفسيراته ، و لا يخلو احد ان يكون مر بشيء من هذا طيلة حياته ،. انها الانتقائية المفرطة . اي شخص تستطيع ان تنبش وراءه و انت تركز على شيء واحد ، سوف يقول لك : هذا صحيح . ومن هنا صدقه الكثيرون مع الاسف .


افضل مفسر للحلم هو صاحبه وليس شخص اخر ينبش وراء شيء معين يريد ان يصل اليه .


العلاقة بين الخنفساء والعشق :


ما اوضح هذه العلاقة بين الخنفساء والعشق ! لأول مرة توجد علاقة بين هذين الشيئين ، وهذا ابتكار يحسب لفرويد .


و ما شأن المسرحيات بالاحلام ؟ وهل كل الحالمين شاهدوا نفس المسرحيات التي شاهدها ؟ مجرد نص في رواية او مسرحية يكفي لتفسير الاحلام !!


والمرأة غاضبة على زوجها و تقول له اشنق نفسك ، و فرويد يفسر ذلك بانها راغبة جنسيا في هذا الزوج حتى لو كان مشنوقا ، لاجل نتيجة هذا الشنق ! لا يستطيع العقل ان يمشي اكثر من هذا مع هذه التاويلات الشاطحة والغير جميلة في خيالها .


فرويد الان خرج عن تفسير الاحلام و بدأ يفسر الواقع ، اي يفسر كلام الناس وهم مستيقظون تفسيرات جنسية ، و عسى ان يقول اي احد كلمة ، الا ويبحث عنها في القاموس و اصلها اللغوي ، و ان لم يجد بحث في مسرحية او رواية ، حتى يصل الى التفسير الذي يريده !! كم من شخص قالت له هذه المرأة اشنق نفسك ؟ و ماذا نفعل بالنساء التي قالت لهن نفس العبارة ؟ انها عبارة ملازمة في لسانها وقت الغضب . ثم لماذا تعترف ؟ لماذا لم تقل له انها قصدت هذا الشيء ، و لهذا قالت له اشنق نفسك لانها قرأت معناها قبل مدة ؟ اما ان تتصفح كل ما قرا الناس و كل ما فعلوا في حياتهم ، ستجد الكثير مما يناسب تأويلاتك .





كل هذه التأويلات من مجرد خنفساء سحقتها النافذة ؟ و خرجنا الى زوجها وعلاقاتها الجنسية من مجرد خنفساء ؟ اذا لو كان الحلم عن سرب من الطيور أو ديناصورات ، فماذا ستكون التفسيرات ؟ المراة في حالة صراع بين مشاعر الرحمة و التقزز ، هي رأت وهي مستيقظة خنفساء وقعت في اناء الماء ولم تستطع ان تنقذها ، اي ماتت رغما عنها ، فجاء الحلم لكي يحذرها انها قد تقع في القسوة من غير قصد ، فهي ارادت ان تطلق ذلك الزوج من الخنافس ، و فعلا انقذتها ، و لكن لما ارادت ان تغلق النافذة حتى لا تعودان ، قتلت احداهما خطأ ، فآلمها هذا الوضع . خصوصا و هي تشير الى مشاعر الرحمة بالحيوانات والحشرات ، ولم يكن يعجبها تقطيع اجنحة الحشرات و تعذيبها من قبل ابنتها ، ما دخل الشؤون الجنسية والمشاعر الانسانية في حلم ليس فيه الا حشرتان ؟


و الحلم اصلا لكي يفهمه صاحبه ، اذا كل شخص يجب ان يمشي معه احد الفرويديين ليترجم له احلامه و رسائلها !! لانه لا احد يستطيع ان يصل الى هذا التفسير الملتف والعجيب من تلقاء نفسه ! اذا لا فائدة للاحلام بدون وجود فرويد ، فرويد ليس مع الجميع في كل صباح لكي يفسر لهم ما رأوا في مناماتهم ، اذا هي عبث من الطبيعة قبل ان يوجد فرويد و بعد ان مات !


المضمون السري :


طالما جعل الجنس اساسا مشتركا في كل الاحلام ، و يقول عنه انه مضمون سري ، و السر شيء والعلم شيء آخر ، فالعلم لا يبنى على اسرار . اذا نحن امام "إصرار" من فرويد وليس اسرار غير علمية ، فالعلم لا يبنى على اسرار ولا إصرار . بل يبنى على الوضوح ، وفرويد يقدم اسرارا لا يعرفها الا هو ولا يقدم وضوحا ، حتى اصحاب الاحلام لا يعرفون هذه الاسرار ولا يحسون بها كدوافع ، بل هو وحده الذي يعرفها . وتتجلى الاسرار له وحده ، ويقدم لها روابطا سخيفة متعسفة ويسميها الادلة العلمية !! بامكان غيره ان يقدم روابطا اقرب منها واكثر معقولية .


الاهتمام الخفي للنفس :


كيف عرف هذا ؟ كيف عرف ان النفس تقوم بالابدال ؟ ام انه مخرج لكي تقبل فكرته التي يعارضها المنطق والاحساس بوقت واحد ؟ مثل هذه الفكرة لا توجد . عليه اذا تبنى فكرة ان يثبت وجودها ولو في شيء آخر ، ما هي الاحوال التي يقوم بها الانسان بالابدال و هو مع نفسه ؟ ينسى المهم ويهتم بغير المهم ؟ طبعا لا توجد ، المهم يفرض نفسه دائما ولا يـُنسى ، بل نحاول ان ننساه ولا نستطيع .. فرويد يتكلم عن بشر غير موجودين في الواقع الا في خياله .


من اخطاء الثقافة الغربية و ولعها بالجديد ، انها تستطيع ان تقبل الفكرة التي لا وجود مشابه لها . وهذا بحد ذاته دليل على ان الفكرة مصطنعة و ليست من ضمن تركيبة النفس البشرية . لا بد حتى تكون الفكرة صحيحة ان يوجد ما يشابهها ، فحتى نقبل فكرة التطور مثلا ، علينا ان نرى اشياء اخرى غير الاحياء تتطور ، وهذا غير موجود ! اذا كل فكرة تفسيرية لا مشابه لها هي فكرة لا علمية ولا منطقية . يجب ان يوضع هذا الشرط لقبول اي فكرة او نظرية تفسيرية ، في حالة عدم توفر التجريب .. فالتجربة المطردة للشيء نفسه هي اقوى ادلة العلم و اعلى درجات توثيقه (التوثيق العلمي) ، فاذا لم يمكن ، فعلى الاقل ان يوجد حالات مشابهة يظهر فيها تطبيق نفس الفكرة التفسيرية ، وهذه الدرجة الثانية .. اما الدرجة الثالثة فهي منطقية الفكرة من حيث قابلية الارتباط بالحقائق الاخرى و وضوح الغاية والمنطلق فيها .


يجب ان يوضع هذا الشرط لقبول اي فكرة او نظرية تفسيرية والا فكلٌ سوف يقترح ما يشاء عندما تصطدم نظريته باي حاجز ، وهذا ما يفعله فرويد تماما : كلما اصطدم بحاجز ، قفز بنفسه من خلال فكرة مصطنعة لا توجد لها مثائل في النفس البشرية ولا في الواقع ، و هذا بحد ذاته خطأ فلسفي كبير . تماما مثل فكرة العقل الباطن الذي تتحكم به الذكريات القديمة ، فهي فكرة مخالفة للواقع و للمنطق ، فالانسان لا يعيش في الماضي ، بل يعيش في الحاضر والمستقبل ، والذكريات المهمة هي الاولى بأن لا تنسى ، بينما فرويد يصر على ان الذكريات المهمة و الفعالة في حياتنا هي المنسية !! وهذا غير موجود في النفس ولا الذاكرة البشرية, ان تنسى المهم وتبقي على غير المهم . وتزداد الفكرة غرابة إذا عرفنا ان تلك الذكريات جنسية قبل البلوغ !! إذا ما فائدة البلوغ؟! فالأطفال عند فرويد يولدون وهم بالغين! ويبقون طول عمرهم يتعذبون من الكبت الجنسي قبل البلوغ الجنسي ! ومن لا يقف عند الثوابت يستطيع أن يقول ما يشاء, إلا أن ثبت أنها غير ثوابت, وفرويد قال ما يشاء دون أن ينفي الثوابت.


اذا فكرة العقل الباطن هي عبارة عن قفزة للهروب من مأزق . هذه الافكار نسميها الافكار القافزة : ليس لها اساس ولا تشابهُ شيئا ، و لكن تقدّم مخرجا لرؤية يريدها الانسان . هذا يشبه تماما ان تضيّع شيئا أنت مسؤول عن حفظه ، فتقول : ربما جاءت اجسام فضائية و خطفته !! و تتحدى من يثبت عدم امكانية حدوث هذا الشيء (فكرة قافزة) ..


ونظرية فرويد تتصادم مع نظرية الميمات ، التي تجعل الانسان ضحية لافكار جديدة كالفيروسات التي تنتشر ، بينما فرويد يرى انه ضحية لذكريات جنسية قديمة قدم الطفولة و منسية رغم اهميتها ، ولا يهتم بالافكار الجديدة ، فايهما نصدق وكلاهما من معطيات العقل الغربي ؟







الفيضان :


ما الذي يضره لو فسر الحلم على واقعه ؟ المراة تكره كسل الخادمات الذي الفته في امها ، و كثير من المشاكل تحدث بين ربات المنازل و الخادمات بسبب الكسل ، وهذا امر شائع ، و يسبب قلقا لربة المنزل بلا شك ، والاحلام تدور دائما حول القلق و توضحه ، مثل احلام الرسوب في الامتحان أو احلام السقوط من هاوية او احلام المرض الخ ..


هي تخشى ان تكون شخصيتها ضعيفة في ادارتهما ، هذا حلم يعبر عن قلق ، و لا شأن له بالحلم الآخر الذي يعبر عن قلق آخر ، و هو القلق من الفيضان ، لان بيتها قرب النهر ، وهاجس الفيضان موجود عند كل من يسكنون على ضفاف الانهار وشواطئ البحار . وهكذا تكون المراة فهمت قلقها وعليها الاحتياط .


اما ان تكون قلقة من والدها المتوفى على خادمتيها الكسولتين ! و ياتي شبق الوالد على شكل فيضان نهر جارف ! فهذا امر مضحك و مزعج بنفس الوقت .. ولو كان قلقها من تحرش والدها الميت بالخادمتين ، فلماذا تبدوان كسولتان ؟ ما علاقة الكسل بموضوع الجنس ؟ بينما للكسل علاقة قوية بكونهما خادمتين ؟ و كل رئيس يخشى من كسل مرؤوسيه وعدم القدرة على جعلهم نشيطين في عملهم .. هذا يثبت ما ذهبت انا اليه من ان الاحلام في اغلبها تعبر عن القلق والخوف ، لان تاثير الخوف اكبر من تاثير الرغبة في حياتنا ، حتى ان القلق هو الذي يسير حياتنا ، و كل شيء نريد ان نفعله ، يكون مسبوقا بوخزة قلق ، احيانا كثيرة نحس بها على شكل تقلصات في المعدة ، تقوى او تضعف على مدى قوة القلق .. وهذا يحدث بشكل يومي .. بينما فرويد يفسر الاحلام بالرغبة ، معاكسا واقع الطبيعة البشرية التي تهتم بالخوف اكثر من الرغبة . ولو اتجه علم النفس للاهتمام بدافع الخوف بدلا من وجهة الرغبة التي وجهها اليه فرويد لاقترب كثيرا من فهم الانسان ولعرف كيف تتكون الامراض النفسية والعقد ، و هذا ما سيكون عليه علم النفس الجديد كما أتنبأ والله اعلم ، وهو الذي سيساعد على فهم الامراض الجسدية الباطنة ذات البعد النفسي ، كالقولون العصبي و ضيق التنفس والقرحة إلخ .. و احسن تعريف للانسان هو المخلوق الخائف ..


وعلى قدر اهتمامنا بمخاوفنا يكون النجاح ، فالتلميذ الذي يخشى من الرسوب ينجح ، و الشخص الذي يخاف من الكارثة قبل وقوعها و يحتاط يسلم ، حتى الذين يهتمون بجمع المال ، لا نستطيع ان نقول ان الرغبة هي الدافع ، بل الخوف من الفقر او تفوق الاخرين ، والأذكى هو الأكثر مخاوفا وليس الاقوى مخاوفا .. والذي يحترم مخاوفه ان يكون على طريق خطأ ، فسوف يبحث عن الطريق الصحيح .. و الذي يحترم مخاوفه من ان يعاقبه خالق هذا الكون على اخطائه وظلمه ، فسوف يبحث عن الدين القويم .. لهذا القرآن يشير دائما الى موضوع الخشية والتقوى ، قبل و أكثر من موضوع الرغبة ( اما من جاءك يسعى وهو يخشى) ، ولم يقل : وهو يرغب الجنة .. و كلمة التقوى (واتقوا الله) تعني الخوف وليس الرغبة .. وهكذا القرآن هو السراج الذي يضيء لنا الظلمة حول النفس البشرية ..


و عودا الى الحلم السابق : يا ترى اين الرغبة في هذا الحلم ؟ هذا اذا كانت هذه الاحلام حقيقية .


الاصل العالي :


هذا تفسير بعيد و مصطنع ، وليس فيه ما يلامس الحالة ، فهل كل من نزل من فوق يدل على انه من اصل عالي ؟ واين هو الاصل العالي وهي تشتكي من والدها الذي يتصرف بسلوك منحط ؟ والوالد هو اهم ما في الاصل ، و هل كل محل يبيع ادوات رخيصة يكون العار و الشنار على من يسكن فوقه ؟ و ما شأننا بالباعة ؟ كل يبيع على حسب استطاعته ! و اذا كانت هذه هي العراقيل ، فهي لم تتجاوزها ، فأمها لا تزال كسولة ، و بائع الادوات الرخيصة لا زال في مكانه ! والاب قد مات ولكن شبقه بقي مترسبا في الاحلام !! كل هذه النظرات غير معقولة ، ويمجها العقل السليم والذوق السليم .. بقي ان يذكرنا انها فرحت بموت والدها ، ولكن يبدو انه نسي هذه المرة ! فالنهر الجاري بقوة يدل على قوة اندفاع الحياة الجنسية بعد موت والدها ، والذي ربما هو احد العثرات التي تجاوزتها عندما نزلت من فوق ! اي تخلت عن اصلها العالي !


اما ان يكون ابوها مات وقت فيضان النهر ، فهذا رابط بعيد و سخيف ، لا بد انه مات في وقت حدوث اشياء أخرى ، مثل تغير حكومة ، و مثل تساقط الثلج ، ومثل موسم او مناسبة اجتماعية ، فكيف يترك الاصل و ياتي للفرع ؟ لماذا لا ترى والدها في المنزل مع الخادمات ، بدلا من ان ياتي النهر الذي صادف ان فاض في الوقت الذي مات فيه والدها ؟


ولماذا صار النهر هو الرمز مع ان المرض هو من قتل والدها وليس النهر ؟ هذا رمز متعسف ليس الا ، هناك لوازم تشير بطريقة اوضح الى الوالد اكثر من نهر فاض في الوقت الذي مات فيه . و ما دام فرويد يفسر بهذه الطريقة المتوسعة اذا يستطيع ان يفسر اي حلم كما يشاء ، وقد فعل ، ومع الاسف ان هناك من يصدقه . مع ان هذا المصدق يستطيع ان يفسر احلام فرويد كما يشاء هو ايضا . لأن المسالة تبدو واسعة جدا وقابلة للاجتهاد كما يحلو للمفسر .


"وأما علاقة التنافي والتناقض... بقصد التمويه على الرقيب الشعوري":


لماذا لم يقل ان هذه التناقضات مع منطق اليقظة بقصد حماية الذاكرة ؟ سيكون التبرير أوجه من أن يتحايل إنسان على نفسه و هو نائم أيضا ! هو لم يفعلها وهو مستيقظ ، فلماذا يفعلها وهو نائم؟ و ليس من عادة الإنسان أن يتحايل على نفسه ، فهو مكشوف مع نفسه في اليقظة , فما بالك لو كان نائما ؟ سيكون مكشوفا أكثر .. إذا هي فكرة قافزة لا توجد مثيلات لها في الواقع النفسي للانسان .


لا يستطيع الإنسان أن يكذب ويخفي عن نفسه أنه يكذب, ولا يستطيع أن يسرق و يخفي عن نفسه أنه يسرق , لكنه يخفي عن غيره . إذا لماذا يخفي عن نفسه و هو نائم و منفصل عن عالم اليقظة أصلا الذي يحتاج للاحترازات ؟ الآخرون الذين نخفي عنهم هم في عالم اليقظة و ليسوا في عالم الأحلام . و الإنسان حر مع نفسه وهو مستيقظ ، ولا شك أن حريته تزداد أكثر و هو يحلم و ليس العكس , وإلا لماذا احتاج فرويد للتنويم المغناطيسي ؟ من اجل أن يفصل الشخص عن الواقع ليكون حرا مع نفسه . إذا النوم من باب أولى.


ولاحظ أنه يسمى تنويما لكي يفصح عما بداخله دون خوف من رقابة الآخرين , و كذلك الواقع تحت تأثير السُّـكر يكون صريحا لأنه مع نفسه أكثر من كونه تحت تاثير الآخرين , إذا ما بال الإنسان و هو نائم فقط يمارس الرقابة مع نفسه مع أن كل هذه الحالات و ما يشابهها تقرّب الإنسان من حالة الأحلام ؟ فالمنوَّم مغناطيسيا و من في حالة سكر شديد يعرف فيما بعد أنه كان منفصلا عن الواقع , أي قريب من حالة الحالم . إذا فرويد يناقض نفسه, لأنه يقربهم إلى حالة الاحلام حتى يكونوا صرحاء مع أنفسهم ، و لما رأى أن الأحلام توجد فيها اشياء بعيدة عن تفسيراته ادعى وجود الرقابة في عالم الأحلام مدعيا أنها هي التي أفسدت عليه طبخته غير الراقية .


المفترض منطقيا أن تكون الأحلام أكثر إفصاحا لا أن تكون هي الأكثر رقابة و سرية ! و هنا عاكس فرويد منهجه و ناقض نفسه . تُرى لو كانت الأحلام صريحة بما يريد فرويد أن تكون ، هل كان سيحتاج إلى فكرة الرقابة والذكريات المدفونة والعقل الباطن ؟ إذا هي ليست إلا حيل و مخارج لأزمة واجهها مع الأحلام ، وهي وجود الفضيلة ساطعة في الاحلام . إذا فرويد يسير بالاتجاه المعاكس دائما لواقع النفس البشرية. وكل ما قدمه كعلم نفس مجهود ليس له فائدة حقيقية ولا اساس حقيقي ، ومضلل للدراسات الحقيقية .. ولا اجد اي قيمة حقيقية لهذا المجهود ، إلا إن شئنا ان نجامله بسبب شهرته التي لا يستطيع احد ان ينكرها ، فهو مشهور و منظـّر ، لكنه غير مصيب بالكامل لأي حقيقة .. وإستبعاده هو اهم شرط لأي دراسة جادة و حقيقية للنفس البشرية ..



------------------------------
انتهت الحلقة التاسعة ..
وتليها الحلقة العاشرة بإذن الله ..
__________________
مدونة الورّاق

http://alwarraq0.blogspot.com/
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 04-30-2012, 09:30 AM
 
الحلقة العاشرة :



النقيضان :


ماذا يستطيع الانسان ان يقول غير ان فرويد يفسر كل شيء عبر الاعضاء التناسلية وما يتعلق بها ، وهذه ليست مبالغة ، بل هذا هو واقع الفرويدية كله . كل شيءٍ ما يحدث و كل هموم الانسان يحصرها فرويد في منطقة الفرج ليس الا ، فيا له من مفكر عظيم و راقي أو نازل بالاصح !


ثم هو يتناقض عندما يقول انها مسرورة لطهارتها ، و بنفس الوقت لديها رغبة خفية مسرورة منها بالحرية الجنسية !! و لا احد يسرّ في امرين متناقضين تمام التناقض ! تاويلات بعيدة جدا ً ! كيف تكون الزهور الحمراء الجميلة ترمز لقذارة الحيض الذي تتقزز منه حتى صاحبته ؟ هذا خطأ تأويلي بعيد ، فالاشياء المستقذرة لا يرمز لها باشياء محببة و نقية ، لا يكون مثل هذا ، والا لتشوهت صورة الورد في عينيها مثلما شوهها فرويد في عيوننا الان ، عندما ربط شيئا جميلا و ساميا بشيء مستقذر . لكن يبدو ان الامر سيان عنده ، فكلاهما لونه احمر ليس الا !







الرقيب الشعوري :


الكناية والترميز يستخدمها الناس ليس فقط في الامور الجنسية ، و دائما يبتعد الناس عن التصريح بكل ما هو قبيح او مزعج للشعور او مقزز ، و احيانا يلجأون للرمز و التكنية بسبب الخوف ، مثلما يرمز الموظفون لمديرهم برمز معين . نلاحظ ان هذا الترميز و هذه التكنية تحتاج لوجود اخرين ، اما ان يرمز الشخص ويكني لنفسه ، فهذه غير موجودة في النفس البشرية حتى نقيس عليها في الاحلام !


اذن استشهاد فرويد بالكنايات بين البشر استشهاد غير دقيق ، لاننا نكني للاخرين عما نعرف قبحه ، ولو كنا نكني لانفسنا فكيف عرفنا قبحه حتى نكني عنه لانفسنا ؟ و ما دمنا عرفنا قبحه ، اذن ما فائدة الكناية ؟ هل نخدع انفسنا بعد ان عرفنا ؟ اذن لا رمزية بين الشخص و ذاته ، و هذا يسقط فكرة الرقابة من جذورها ، فلا رقابة للانسان على نفسه ، لا في يقظته ومن باب اولى في منامه (بل الانسان على نفسه بصيرة) .. فشخص يكني عن شيء مستقذر ، فهو يعرف قذارته بينه و بين نفسه ، ولكنه يكني ليلطف الصورة عند الاخر . ولو كانت الصورة ملطفة عنده لما احتاج لان يعبر عنها بالكناية والرمز .


يريد فرويد ان يوهمنا ان التكنية في الرموز الجنسية بسبب الرقابة ، و هذا غير صحيح، حتى ذكر افرازات الجسم كلها تتم من خلال التلطيف و التكنية بين الناس . وهي ليست اموراً جنسية ، بل انهم يضطرون للكناية في مجال السياسة و الشخصيات الهامة في المجتمع . اما ان يرمز الانسان لنفسه فهذا شيء غير موجود ! لو ان الشخص يحلم مع الاخرين لكان قياسه سليما لانه يرمّز للاخرين ، ولكن لا يوجد احد يرمز لنفسه ، اذن لا وجود للترميز في الاحلام ، لان التكنية والترميز هي للاخرين ، حتى لا نجعلهم يتصورون نفس ما نتصوره . ولو كان الانسان يستطيع ان يرمز لنفسه لاستطاع ان يخدع نفسه بنفسه ! وهذا غير ممكن ، فالكذاب يكذب على الآخرين و ربما يصدقونه ، و لكنه لا يكذب على نفسه ثم يصدق الكذبة ، مثل ما أنه لا يجامل نفسه . كأن فرويد لا يفرّق بين ان يكون الانسان مع نفسه او يكون مع الاخرين . و هذا ترهل علمي مفرط يجعل تعامل الشخص مع نفسه مثل تعامله مع غيره بحسبة واحدة .


اما من يصف الناس شخصا بأنه قد خدع نفسه مثلا ، فهذا الوصف ليس دقيقا ، هو تصورَ تصورا خاطئا عن نفسه و صدَّقه ، ولكن الواقع كشف خطأ فكرته . فهو لم يقصد ان يخدع نفسه ، بل المعطيات التي عنده هي التي جعلته يبني هذا التصور الخاطئ .. مثل ان يكون احد الاولاد اطول من اخوانه و زملائه في الفصل ، فيتصور انه اطول الجميع دائما .. ثم يفاجأ بأن فكرته عن نفسه كانت خاطئة عندما يقابل ولدا اطول منه و اصغر منه . هذا لا نقول عنه انه خدع نفسه ، وان كان ظاهرها انه خدع نفسه . و هذا الكلام ينطبق على نظرية البرمجة اللغوية العصبية التي تطالب بان نقول عن انفسنا ما نشاء من الاشياء التي نحبها و نجد انفسنا تلقائيا نكون كذلك ! قل انك ثري و ستصبح ثريا ، من خلال قانون الجذب الذي يجذب الاشياء الينا ولسنا نحن الذين نسعى ونكدح لنصل اليها !! وقل انك شجاع و تصبح شجاع !! و قل انك سعيد وتصبح سعيدا !! توهيم ليس بعده توهيم ، وهي نظرية خاطئة اخرى ايضا . لان هذه النظرية لا تحترم قوانين الاشياء ، فلا شيء يصل اليه الانسان الا بحقه ، و ليس بكلمة . الله هو الذي يقول للشيء كن فيكون ، وليس الانسان . هذه نظريات توهيمية .


و اذا سايرنا فرويد ان العقل الباطن يتحايل على العقل الظاهر و يعرف كيف يتخلص منه ، فكيف يسمى عقلا لا واعيا ؟ هذه اعمال واعية ! و طالما يعرف العقل الظاهر اذا هو ظاهر .. و اذا تبنى شخص بعقله الظاهر افكار فرويد عن رغبات العقل الباطن و سمح بها ، فمن المفترض ان تزول الرمزيات في احلامه و تصبح احلامه جنسا صرفا و صريحا .. و هذا لا يوجد حتى في احلام فرويد نفسه .. ما دام ان العقل الواعي هو الذي يرفضها ، اذن اذا تغير العقل الواعي عن رفضه كما هو في حال الفرويديين المصدقين ، يجب ان تزول الرقابة ، فيصبحون بلا رقابة ويصبح بقية الناس برقابة ! و هذا الشيء لم يدّعيه احد من الفرويديين - بل ولا حتى الاباحيين الذين تجيز عقولهم الظاهرة كل صور الاباحية ولا يرون فيها اي عيب او خطأ - ان احلامهم تغيرت لانهم غيروا افكارهم وبنوا مجتمعا يشابههم في هذا التغيير .


وان قالوا ان فترة الرقابة تبقى مؤثرة بعد التغيبر ، فهناك من تبنى افكار فرويد منذ نشأته ، فلماذا لم يذكروا ان احلامهم تختلف عن بقية الناس والبشر و انها صارت بلا حيل ولا رمزيات ؟ هذا يثبت خطأ نظرية فرويد عن الاحلام بكاملها ..





سياق الحلم :


اذن لماذا لا يعتبر السياق مهما دائما في الاحلام مثلما في اللغة طالما شبه سياق الاحلام باللغة ؟ فاللغة لا تـُفهم الا من خلال السياقات ، مع انه من قبل لم يهتم بالسياق ، بل جعل حلما مختلفا ، مكملا لحلم اخر ضاربا بالسياق عرض الحائط عندما كان يتكلم عن التكثيف في الاحلام ، معتبرا ان صورة واحدة هي مركز الحلم وليس السياق . هو يسير بلا منهج ..


يلاحظ ان فرويد لا يقيد نفسه باي شيء حتى يتصرف بالتأويل كيفما شاء . ومن يقدم علما يقدم قيودا و ثوابتا . وهو لا يفعل ذلك ، اذا هو يفسر بالمزاج لا بالعلم .


الرموز الشائعة :


الان يعود لما تنصل منه في اول الكتاب ، عندما قال انه قدم تفسيرا مختلفا عن الطريقة التقليدية التي تعتمد على التفسير من خلال الرموز الشائعة و المتكررة و الجامدة عند المفسرين القدامى .. ها هو ذا يجعل اي ملك و اي ملكة عبارة عن الاب او الام ، وهكذا ..


فرويد يحتاج الى قارئ صفحة و ليس الى قارئ كتاب ، لانه سيكتشف التناقض بين صفحة وأخرى ..


من 3 إلى 6 :


ليس بعد هذا الجمود في الصورة جمود !! عاد من جديد للرموز الجامدة خلاف ما ادعاه .. بهذه الطريقة يستطيع ان يصنف كل ما في السوق من ادوات ومنتجات ..!! يا ترى ماذا سيصنف المطرقة والقنبلة من الاسلحة عندما تجتمع بين الاستطالة و التدوير ؟ هل ترمز القنابل و الالغام للعضو الذكري و هي مدورة ؟ و الغازات السامة و النيران ؟ هي من الاسلحة و لكن ليست مستطيلة ! ام ان لديه فصل عن الاشياء مختلة الشروط ؟


7 – 10 :


الصاروخ مجوف و مستطيل !! والبندقية مجوفة ومستطيلة ايضا !! وكذلك الطائرة الحربية !! مجوفة ومستطيلة !! بل حتى السفينة مجوفة ومستطيلة وتستعمل سلاحا !! (نحتاج الى عالم متخصص بالخزعبلات) ..


11 – هذه لا تحتاج الى عالم !!
12 – الا يمكن ان ياتي شيء اخر غير الجنس ؟؟!! لقد ضيقت واسعا !! لا يوجد فرق بين الدعارة والزواج ؟





16 – لماذا هذه المرة "أحيانا" ؟؟ قل دائما !! فهو اعدل


للحساب !! ولماذا الاستثناء فقط في المائدة ؟


17 – المشكلة ان القبعة مجوفة و تحتضن الراس !! الصورة هنا غير واضحة هذه المرة كوضوح القفل والمفتاح !! من المفترض على تفكيره ان ترمز القبعة لآلة المرأة ، و رأس المرأة لآلة الرجل !! لماذا غير الحسبة هذه المرة وشذ عن القاعدة ؟ ام ان هذا من التأدب مع المرأة ؟
19 – لماذا ؟ المعطف مجوف وحاضن ! ما ذنبه ؟
21 – الجبال واضحة ، و لكن الاشجار ؟ ..
22 – ما أوسع انتشار الاعضاء الجنسية ! في البر والبحر والجو ! كل الطبيعة ومظاهرها اختزلها في الاعضاء الجنسية .. حتى الاطفال صاروا رموزا لاعضاء جنسية ..


اين العقل ؟ ام انه رمز من رموز الاعضاء الجنسية هو الآخر ؟ ما اصغر العالم واقل تنوعه مع راسمالية فرويد الجنسية !! كل خرائط العالم و الطبيعة موجودة في الاعضاء الجنسية !! بما فيها الجبال والوديان والانهار والاسلحة والاطفال !! ماذا بقي من شيء لم يجعله رمزا جنسيا ؟؟


23 – اذا هو ينكر عاطفة الابوة والامومة عندما يلاعبون الاطفال ! فلا شيء غير الجنس في الوجود . ليست المشكلة في ان يكون عقل فرويد بهذا الشكل ، بل في ان يسوَّق ويقبله البعض على انه حقائق عقلانية ..


24 – الخصاء شيء وسقوط الاسنان شيء آخر وماذا سيقول عن الخصاء نفسه ؟ هل هو رمز لسقوط الاسنان ؟؟ الإنسان لا يملك من جسمه الا اعضاؤه الجنسية ، و كأنه لا يخاف على اسنانه بل يخاف على خصاؤه !! اذا لم يكن هذا تطرفا عقليا فماذا يكون التطرف ؟ الاسنان لها اهمية في حياة الانسان مثلما ان لاعضاؤه الجنسية فائدة ودور ..


هذا الجنون العبثي يشبه ان يحلم مريض يخاف على بصره بان نقول انك لا تهتم بعينيك و لكن اهتمامك كان باذنيك ورمزت لها بعينيك !! و كأن العينين بلا قيمة . لو ان احدا قال هذا الكلام لقيل انه مجنون . لكن فرويد يقال عنه انه عالم كبير ومؤسس علم النفس الحديث ، وحسبك بعلم هذا مؤسسه و باني لبناته الاساسية التي ما تزل قائمة.. هو يفسر الخوف من سقوط الاسنان بالخوف من سقوط الخصيتين !! مع انه لا خوف على سقوطها البتة .. اما الاسنان فما اكثر سقوطها و تلفها ..


28 – اذن هناك يمين جنسي متطرف ويسار جنسي متطرف ، ووسط ، بناء على تقسيمه للعالم جنسيا .


يا لسعة الافق والخيال !! مبدأ فرويد : لا اله و الحياة جنس ..


هذا النمط من التفكير الحصري تزخر به الثقافة الغربية خصوصا من مكونها اليهودي ، ففرويد كل شيء جنس ، وماركس كل شيء مال ، وداروين كل شيء تطور ، و نيتشه كل شيء قوة ، ودريدا كل شيء تفكيك ، واينشتين كل شيء نسبي .. التفكير بهذه الطريقة البسيطة جدا و البعيدة عن التعقيد والترابط ، لا شيء اسهل منها ، ولا تحتاج الى عقلية معقدة ، عندما تضع نظرية كل شيء يساوي شيء على الطريقة الغربية ، ستجد نماذج واضحة تساعدك ، و تجد نماذج غير واضحة تستطيع ان تلتف عليها وتدخلها في نفس قبعتك السحرية الضيقة او تهملها ..


العاقل لا يقبل - من الاساس - فكرة كل شيء يساوي شيء .. و المنطق لا يعرفها و يرفضها ، اذن هي نظرية غير منطقية ، وما كان اساسه غير منطقي فلا قيمة منطقية لتفريعاته حتى لو كان بعضها منطقيا .. مع انها متجذرة في الفكر الغربي ، و دائما يبحثون عن الاصل المشترك بين الاشياء ، متصورين ان هناك اصلا مشتركا ، سواء كانت مادية او نفسية ، مثل فكرة التطور التي يريدون تطبيقها على كل شيء .. وهي من الاخطاء الشائعة في العقلية الغربية ، والتي لا تستطيع عنها فكاكا ..


هذه الفكرة ملازمة لتفكيرهم ، سواء في الفيزياء او علم النفس او في الفلك او في الاجتماع او في الاقتصاد او في الاخلاق ، ثم تاتي نظرية اخرى من نفس النوع ونفس الطراز ولكنها تختلف في الشيء ولا تختلف في كل شيء .. ! محاولة ان تنقض كل ما بنته النظرية السابقة ! مجرد العاب سحرية يحاول بعضها ان يبتلع البعض وتكسب الوقت بتلهية الناس عن البحث عن الحقيقة . و نستطيع ان نسمي هذه الفكرة بالاصولية الفكرية ، مستمدة من الاصولية اليهودية الدينية .. والتي تحاول ارجاع الاديان السماوية الى اليهودية كونها هي الاصل كما تزعم .. و أن المسيحية والاسلام متطورة منها .. و من هنا جاءت فكرة التطور ، وهذا من اكبر روافد الفكرة ..


اذن فكرة التطور لها اساس قديم و لها اساس جديد .. اساسها القديم هو الهندوسية مرورا باليونان ، و اساسها الحديث من الفكر اليهودي المؤثر الى حد كبير في الثقافة الغربية الحديثة .


و منطقيا : كيف يكون كل شيء عبارة عن شيء واحد ؟ انها عقلية البوشار الصغير الذي ينتفخ ليملء الحيز الكبير متشعبا .. هذه عقلية نستطيع تسميتها بالعقلية البوشارية ..


31 – وايضا يمكن تسميته بعجز جنسي لا مرد له !!


32 – هل اصبح الضمير هو العضو الجنسي ايضا ؟ الضمير يرى فرويد انه خطايا فكيف تثخنه الخطايا ؟ اذن هو يعترف بالضمير وانه شيء منفصل عن الخطايا .. وهذا تناقض .. اما الحقائب الثقيلة والعضو الجنسي فما الرابط بينهما في الثقل ؟


كلما طلب منك ان تقدم كلاما غير معقول للفكاهة ، تذكر كتب فرويد .. فسوف تجد ما تريد ..



المراة تتمنى ان تكون رجلا :


لاحظ انه يخلط هنا بين الامور ، فيستغل ان كثير من الاناث يتمنين لو كن رجالا ، لاسباب اجتماعية ولما يتمتع به الرجل من حرية اكثر . يستغل فرويد هذا ليبرر انه رغبة جنسية عكسية ، لكنه لم يذكر نسبة الذكور الذين يتمنون ان يكونوا اناثا ما دامت عكسية ، لانها ليست في صالحه . اذن تسقط فكرة الرموز العكسية و رغبة كل جنس بان يكون من الجنس الاخر ..
نعم تحصل هذه الرغبة احيانا لاسباب و اعتبارات اخرى ، ففي وقت الحروب يتمنى بعض الرجال لو كانوا نساء حتى يعفوا من الخدمة العسكرية ، و في دخول البرلمان تتمنى الكثير من النساء لو كن رجالا ، لان نسبتهن هي الاقل دائما في مجال السياسة ، وهكذا ..


فرويد لا يتعبر للحياة وجود الا في جوانبها الجنسية فقط . و كلٌ يتحرك بدوافع جنسية و كل الاشياء رموز جنسية .. اذا لم يكن هذا هو التطرف والشذوذ العقلي فماذا يكون ؟ .. هذا اشبه بخيالات المجانين .. كيف مثل هذا الشخص يعالج المرضى العقليين ؟ هل سيسبقه مرضاه في التطرف العقلي ؟ لا اظنهم يستطيعوا مسابقته في هذا الجنون او التفوق عليه ! شخص يرى كل ما في الدنيا عبارة عن اعضاء جنسية !! ماذا تقول عنه ؟ هل ستثق بعقله اذا كان هذا العقل سيداويك ؟ هذا مثل مجنون يرى ان كل شيء في الدنيا ملوخية او اسباجيتي ، و ان كل ما يقال هو رمز يعود الى الملوخية ، سيقال عنه انه مجنون ، لكن لا يقال عن فرويد ذلك .. لماذا ؟ هل ستقول لان الجنس مهم ؟ ايضا الغذاء مهم .. لكنه ليس كل شيء ، فأنت تسير في الشارع لا ترى الا اعضاء جنسية ، كاعمدة النور التي ليست الا اعضاء جنسية ، و اشارات المرور التي تشبه دماء الحيض .. اشياء مستطيلة او مكورة او مجوفة ، كلها رموز جنسية ، وعليك ان تفهم الحياة من خلالها .. ثل ما يرى ذلك المجنون أن الاشارة الخضراء عبارة عن ملوخية ، وان اعمدة الانارة عبارة عن اسباجيتي .. لكن يبقى صاحبنا مجنونا ، و فرويد يسمى عبقري علم النفس ، والفاصل بينهما هو قوة الاعلام .


ازراء ليس بعده ازراء ، واحتقار لانسانية الانسان وعقله ليس بعده احتقار .. و اكتفاء بالجزء وانكار للكل .





القبعة :


تحليل سخيف لا يستطيع احد ان ياتي بتحليل اسخف منه على الاطلاق ، لانه وصل الدرك الاسفل ..


حلم الفتاة يعبر عن مشاعر الخوف التي تنتاب اي فتاة عفيفة تخاف من الاغتصاب . فرويد ترك السياق و توقف عند القبعة ! مع انه خالف تحليلاته السابقة ، فالقبعة مجوفة ، فلماذا صارت ترمز لعضو الذكر ؟ و كونها تلبس القبعة بتلك الوضعية ، هذا يوحي الى وضع التبرج الذي يجلب الغواية اليها ، وكانت عادة لبس القبعة و امالتها من احد جنبيها موضة البنات في زمن فرويد ..


لهذا شعرت بالخوف ، لان منظرها و هي تلبس قبعتها بهذا الشكل المغري سيجعل الشباب يلتفتون اليها ويفكرون فيها جنسيا ، خصوصا و هم ضباط بحرية عازبون في العادة ، وتقع فيما تخاف منه .


باختصار : تلك الفتاة تخاف من زينتها التي يجبرها المجتمع و الاعلام عليها ، و هذا يذكرنا بامر الله بالقران الكريم بان لا يبدين زينتهن ولا يتبرجن ، لانها لو كانت تمشي باحتشام و تلبس باحتشام لما خافت من اؤلئك الضباط او غيرهم ..


الحلم بيـّن لها ان زينتها مصدر قلق و معاناة ، و كثير من النساء يجبرهن المجتمع و الموضة على ان تضع نفسها في موضع لا يمثلها حقيقة . هذا اذا تركنا مشكلة المعاناة من ضيق اللباس والبرد وما الى ذلك .. اذن الموضة عدوة لنا و ليست صديقة ، والعاقل يتخلص من سيطرة اذواق الاخرين على حياته حتى لو كانوا اصحاب دور ازياء .. نعم ، ان زينة المراة من اكثر اسباب معاناة المراة .. والمراة الشجاعة المستقلة عليها ان تختار ما يناسبها ، و تبتكر ايضا ، لا ما يناسب المجتمع والموضة ..


وهل يحق لامراة تلبس ما لا يريحها و ما لا تريد ، أن تقول انها حرة ؟؟


كان على فرويد ان يقول لها : لا تجبري نفسك بتقليد الفتيات المغريات ، و انتي فتاة عفيفة ، حتى لو انتقدناك في ذلك ..البسي اللباس الذي يتناسب مع اخلاقك و نيتك وشخصيتك حتى لا تفتحي على نفسك مشاكلا كنتي في غنى عنها .. هذا هو التفسير المنطقي والمفيد .. ولا ادري لماذا تتزين وتتبرج المراة العفيفة التي لا تريد اغواء الرجال .. النظافة والتناسب والاناقة شيء ، والتبرج شيء آخر ، ينبغي عدم الخلط بينها بالنسبة للمرأة التي يهمها عفافها ، وما دام يهمها ، فيجب ان يظهر ذلك الاهتمام في لباسها ومظهرها وكلامها ايضا .







السقوط تحت العربة :


في الحلم السابق فسرها بانها مشبعة جنسيا للغاية ، و ليست بحاجة لاحد ، و الان يجعلها جائعة الى ابعد حد !! هذا تناقض ! مع ان المريضة هي نفسها في الحلمين . المريضة ام ، و كل ام ينتابها الخوف على ابنائها بشكل يومي ، خصوصا اذا كانوا صغارا ، و ما اكثر احلام الامهات والاباء في ابنائهم وتعرضهم للخطر، ولا بد انها تشعر بنفور امها من ابنتها لانها ربما تسكن مع والدتها ، وهذا امر يقلقها ، و لم يحب فرويد ان يسأل عنه ، بل احب ان ينبش في كل ذكرياتها لعله يجد صورة فيها جنس ليربط بها الحلم ، وهذا هو منهجه تماما ، فمنهجه ان يجعل المريض يسترخي و يتكلم عن كل ذكرياته ، و يمسك فرويد قلما و ورقة ، وينتقي منها ما له علاقة بالجنس ، و بهذه الانتقائية السيئة سمي رائد التحليل النفسي ، هذا هو ما يسمى بجلسات التحليل الفرويدية ، فتذكرها اذا ذكرت لك : بحثٌ عن اي مؤشر للجنس ، واعتساف كل شيء عليه ..


لاحظ انه ربط بين هذا القطار في الحلم والقطار الذي ركبته عندما قابلت الطبيب الذي اعجبها ، مع ان القطار هو وسيلة النقل عندها ، فهي لم تركب القطار فقط مرتين في حياتها حتى يجوز لنا الربط بينهما !! نعم ركبت القطار عندما قابلت الطبيب ، و ركبت القطار كل يوم لعملها و الى السوق وغيره ، فلا مبرر لهذا الربط .


فرويد لا يسجل كل شيء ، والا لتعبت يده من الكتابة .. من الطبيعي ان تجد في ذكريات اي انسان شيئا له علاقة بالحب او الزواج او رؤية شخص عاري او ما الى ذلك .


اذن منهج فرويد انتقائي مبني على فكرة مسبقة و نتيجة معروفة مقدما ، مع انه يسميه تحليلا نفسيا ، كان يكفيه عن كل هذا اللف والدوران ان يسألهم عن احلامهم الجنسية مباشرة ، و لاحظ انه لا يعرج على هذه النقطة ، لانه يريد ان يفسر الامور غير الجنسية بدوافع جنسية ، على طريقة : كل شيء يساوي شيء .


انه لا يتتبع المعطيات الى اين تذهب ، بل هو يوجهها الى اين تذهب ، و هذا المنهج ساقط علميا لانه يحذف ما يشاء و يبقي ما يشاء ، ويضخم ما يشاء ويهمش ما يشاء ، لان النتيجة معروفة مسبقا (جنس) . اذن فرويد لا يقدم لنا الحقيقة مع الاسف ، وقد غش الناس الذين وثقوا به ، بل قدم ما يريده هو ان يكون ، تماما كاسلوب المشعوذين . هو لم يسألها عن قلقها على بنتها ، و القلق على الابناء معروف لدى الجميع بانه اهم من القلق على التمتع الجنسي .. فهل من المعقول ان يـُجعل الاهم رمزا للمهم ؟ المفترض هو العكس .. ان هذه المراة ستضحي بكل رغبة جنسية مقابل سلامة ابنتها ، و هذا امر لا يحتاج الى استفتاء . و منطقيا : ما الجنس الا وسيلة لايجاد الابناء ، فهل نضحي بايجاد الابناء مقابل الوسيلة ؟ هذا هذيان علمي وليس طرحا علميا ..


احلامنا تعبر عن قلقنا ، وهو يريد ان يجعل كل قلقنا عبارة عن رغبات جنسية مكبوتة ، واذا ابعد عن الجنس قليلا ، ذهب الى الحقد وتمني موت الناس ، فما اجمل نيته و أعظم انسانيته !! اذن لو تحققت هذه الرغبة التي هي محور كل شيء عنده لما قام الناس من مخادع الجنس ، لانها هي الغاية الاساسية من الحياة كما يقدمها هذا الفيلسوف المأفون ..


لنتخيل اننا نحقق له ما يريد ، ماذا سيكون ؟ سوف يحبس الناس في دور الدعارة الى ان يموتوا ، لان الجنس هو هدف الحياة عنده . و هذا الامر لا يطيقه اي احد مهما بلغ من العهر و الرذيلة ، ولا بد له ان يتقزز .. اذن ليس الجنس هدف الحياة ، و بما انه ليس كذلك ، فلماذا فرويد يفسر كل شيء في الحياة على انه دافع جنسي ؟ من هنا سقط منهج فرويد ، ولا يجب اعتباره ابدً كاي دراسة نفسية ، ومن يعتمد على منهج فرويد وتحليلاته يكون قد فتح على نفسه باب الرفض والانتقاد ، لانه ارتكب خطا اساسيا في تبنيه لفكر فرويد المنحرف عن الحقيقة . والذي جعل هدف الحياة هو الجنس بينما الواقع هو غير ذلك . اذن نظرة فرويد خاطئة وبنى عليها كل نظرته عن الانسان ، ومن يتبع فرويد او يستشهد به فسيأخذ نفس حكم فرويد وسوف يخطئ مثلما اخطأ فرويد .

----------------------------------------------------
انتهت الحلقة العاشرة ..


وتليها الحلقة الحادية عشرة بإذن الله ..
__________________
مدونة الورّاق

http://alwarraq0.blogspot.com/
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
آراء في أشهر الآراء : سيجموند فرويد (تفسير الأحلام) -1- .. الورّاق مواضيع عامة 1 03-31-2012 01:30 PM
كتاب تفسير الأحلام ابن سيرين rar hmada zidan نور الإسلام - 2 12-06-2010 12:17 AM
تجربتي مع خدمة تفسير الأحلام lulu87 أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 3 07-04-2010 11:25 AM


الساعة الآن 01:51 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011