" ماذا .؟ رائحة المعقمات و العقاقير " فتحت عيني و أخذت أرمش عدة مرات لتتضح الرؤية
المشوشة قليلا , وكما توقعت كنت في المشفى , غرفة متوسطة ملأه بالطاولات التي تتخذ الأدوية
مكانا شاسعا فوقها , جدرانها طليت بالأبيض و زهور وردية , لتوحي للمريض بأنها غرفة للفتيات ,
شعرت بالاشمئزاز وأنا أبعد الملاءة الوردية عن جسدي , للغريب لم أشعر بالألم كثيرا , جلست و
نزعت المغذيات لتتناثر محتواها على السرير وملابسي , على الحظ دخلت تونسيا و صديقها نوا
والجبان الذي قابل وحش اللعنة زايدن , كان يرمقني بنظرات غريبة وكأنما يلومني على ما رآه
نهضت بسرعة من السرير وتوجهت ناحية وقوفه و دفعت نوا وتونسيا عن طريقي , أمسكت
بقميص زايدن القطني من الأعلى وأنا أشده ناحيتي , لقد كان خائفا للغاية ,نظراته توحي بذلك كززت
على أسناني وقلت له بكـل قسوة و الغضب يكاد يخرج من عيني " أنت أيها الجبان , لم ترى شيئا
ذلك اليوم أفهمت , ؟ لم تسمع " ودفعته ليسقط أرضا وجسده يرجف بشده , نهض من الأرض
البيضاء تلك , ليركض خارجا من الغرفة مبتعدا عنا , دفعني نوا لأسمعه يصرخ باسم " زايدن
"ويقوم باللحاق به خارجا , تلك النظرات الباردة ما مصدرها شعرت ببرودتها قبل أن أنظر لها حتى
,رفعت عيني لأرى مصدرها تونسيا تبسمت بسخرية و قلت بنبرة تحمل اللذعة بترابيلها " ماذا الآن
.؟ ستوبخني أمي .؟ " أخرجت تلك السكينة الصغيرة , شعرت بالرعب الشديد , رجعت خطوة للوراء
, وهي تتقدم خطوة للأمام , كاد قلبي الصغير يخرج من موقعه , رفعت يدي وأنا أشير بالسبابة على
السكين وأقول لها بصوت مرتجف " أ..أب..أبعد د يه " تنظر إلى يدها بكـل براءة لترفع السكين أكثر
وتقول بتساؤل " هذا ؟ " لم أستطع أن أجيبها أرغب بأن أقول لها أيتها الغبية كم أتمنى أن أرد
عليها رد لاذع , لكن لا شيء يخرج من حبالي الصوتية لا شيء , انتهت خطواتي بسقوطي على
الكرسي الجلدي الكبير , الذي تربع في آخر الغرفة , لا زلت أنتظر ضربتها القاضية التي سترديني
جثة هامدة , اقتربت أكثر و أكثر , استقرت أمامي تماما , انحنت , أغمضت عيني لم أستطع أن أنظر
أكثر , لم أشعر بشيء , لقد ابتعدت اصوات خطوات كعبها العالي , فتحت عيني اليمنى لتتبعها
اليسرى بدهشة , لقد كانت جالسة و تقطع التفاح الأحمر بتلك السكين , تراخيت على مقعدي بارتياح
وتنهدت بصوت مسموع , نقلت تونسيا نظراتها الخاطفة بيني وبين التفاح الذي بيدها , وقالت بصوت
هادئ تخللته بعض السخرية " هل ظننتِ بأنني سأقتلكِ .؟ " لم أعتد على هذه النبرة من الفتاة
المرحة واللطيفة , فأخذت أتفحصها باستغراب , لتسترسل بكلامها رادة على سؤالها " بالطبع لن
أفعل , " صمتت لبرهة لتردف بعد أن أخذت نفسا عميقا " شيلي لماذا لا تريدين مني أن أحتك بكِ ,
صدقيني لست كباقي الفتيات انني حقا سأعاملك جيداَ ..." قاطعتها بحده " لأنني أريد أن أضع حداَ
بيني وبينكم " تركت التفاح على الطاولة لتمسك بالمنديل وتمسح يدها برقة وهي تقول برجاء واضح
" كم أتمنى بأن أصبح صديقتك من كـل قلبي " حددت من نظرة عيني لأخيفها كآخر مرة , لكن
نظراتها لم تتزحزح قط , بل كانت تتقد إصرارا وعزيمة على صداقتي , ابتسمت بسخرية وسألتها "
ما مقدار رغبتكِ بمصادقتي .؟ " نهضت من الكرسي الحديدي وقالت وهي تدور حول نفسها وتفرد
ذراعيها " مقدار هذا العالم " كدت أضحك على تقاسيم وجهها ولكنني تمالكت نفسي قليلا , أخرجت
ابتسامة ظريفة مع احمرار طفيف على وجنتي و حدثت نفسي قائلة " إن هذه أول مرة ترغب
إحداهن بمصادقتي , عليكِ بأن لا تترددي شيلي " كدت بأن أجيبها بموافقتي , ولكنني رأيته , رأيت
الطفل الشاحب وهو يبتسم بخبث , ويختفي بعدها كالدخان المتلاشى تذكرت لعنتي , طأطأت رأسي ,
وتجاهلت وجودها تماما , شعرت بها تقترب مني وتمسح على شعري بحنية , اغمضت عيني , و
دفعتها بشدة لتسقط أرضا على ظهرها , " آه " لقد كانت تتأوه من شدة الم السقطة , لم احتمل
رؤيتها , أردت أن أقترب وأساعدها , زممت شفتي و أغمضت عيني ,ولكنني شعرت بأحدهم يدفعني
بشدة لأسقط على الأرضية الصلبة أنا الأخرى ،رفعت رأسي بسرعة لأرى من رد دين تونسيا , لقد
كان المدعو نوا وهو ينظر لي بحقد , بكره ، لم أعد أستطيع تحمل هذه النظرات إنها تأتيني من كـل
شخص ، كـل شـخص فـي هذا العـالم , نهضت من فوري وتركت غرفتي لهم , جلست على الممر
بهدوء بقيت أنظر للاشيء ,عدت إلى رشدي حين لاحظت انسكاب شيء دافئ أحمـر اللون على يدي
المتكئة بالأرض , رفعت رأسي إلى أعلى لأرى ما أرعبني , ما جعلني أقف ملجمة اللسان مكتوفة
الأيدي , لقد كان رجل يبدو في عقده السابع , يرتدي ملابس الأمن ,والزمن حفر آثاره على وجهه ,
كان الشيب قد احتل جزء كبير من شعيراته , كانت عينيه التي تحولت للبياض غائرة للغاية , كما
كان فمه مفتوحٌ عـلى مصرعه , لقد كان معلق على حبل يمتد من السقف وينتهي بعقدة على رقبته ,
لقد كانت الدماء تقطر من فاهه و عينه ومن كـل مكان بجسده ,أُنتزع قلبه ليمتد خارجاً متصلاً
بشريان طويل رفيع للغاية , بقيت أرتجف , لم أستطع أن أبعد عيني عنه , لقد كان منظرا شنيعا بـل
إجراميا , من هذا الذي لا قلب له , و كيف أستطاع تعليقها هنـاك ؟ , " هه , هـل ظننتني سأقف
مكتوف اليدين لا أفعـل شيء سوى إخافتكِ بنظراتي وظهوري اللامتوقع ؟ " أنزلت رأسي لأرى
الطفل ذاته , بعينيه الصفراويين و بشرته المتهيجة , لقد كانت الدماء تقطر من يديه هو الآخر ,
أردف بصوته الهامس والذي بالكاد سمعته لقربه الشديد مني " أتعرفين ما هي اللعنة ؟ , أتظنين
أنها فقط أمور تصيبكِ وحدكِ ؟ " ضحك بصوت خافت للغاية واستطرد بكلامه " كلا , بـل إنه يعذب
وربما يقتـل كـل من تقع عينكِ عليه " نهضت من الأرض بسرعة ليظهر قصره الشديد , بقيت أنظر
له منتظرة منه أن يكمل , ولكنه رفع رأسه و ابتسم تلـك الابتسامة المثيرة للقشعريرة والتي دائما
ما تظهر صف أسنانه الحادة كـلها , وأختفى من أمامي , واختفت معه الجثة المعلقة بالسقف ,
تنفست بعمق شديد , وأصبحت أمشي في الممرات ذهاباً وإياباً كالمجنونة , زايدن تونسيا وأيضا نوا ,
كانوا ينظرون لي ولم يملوا قط , واثقة بأن في عقولهم ألاف الأسئلة التي لا أعرف أي أجوبة لها ,
توقفت فجأة لم أستطع تحريك أقدامي وكأن العالم توقف عن الدوران , لم أستطع أن أرمش بعيني أو
أتنفس حتى , شعرت بالضيق الشديد في قلبي , ربما عروقي ستنفجر هذا ما خيل لي من الألم البادر
من كـل جسدي ,صرخت تونسيا بعدوانية شديدة " هيه أنت , مالذي تفعله هنا ؟ " , إنني أختنق ,
أريد هواء , هواء , لمحته فقط من بعيد لمحة خفيفة قبل أن أسقط فاقدة الوعي ,
....
" أهي بخير ؟ "
" ترى مالذي حدث معها ؟ "
فتحت عيني وأنا أريد أن أتيقن مما رأيته قبل أن يغشى علي , وكم أتمنى أن أكون مخطئة , لقد كانوا
ثلاث أشخاص من في نطاق رؤيتي , تونسيا زايدن نوا , كم سعدت لرؤيتهم فقط , " استيقظتٍ ؟ " لقد
كان واحد جالس على الأريكة , كما توقعت " جادين , كانت الابتسامة الخبيثة متمركزة على شفتيه ,
اقترب مني , وكعادته الصق شفتيه بإذني ليهمس لـي " ارأيتِ كـل مافي جسدكِ يتوقف عن العمـل
عند حضوري " ابتعد عنـي , وقال وهـو يضيق عينيه البنفسجيتين " أحضرت بعض الورود لكِ ,
كونـي بخير قريبا ", وخـرج من الغرفة بخطواته الواثقة تـلك , لم أعلق أو أهتم , بدا الأمر وكأنني
اعتدت على هذه الأمور , اقتربت مني تونسيا وبدأت بالسؤال والثرثرة فوق رأسي , وأنا كـل ما
يشغل بالي , هو الحـل والعلاج ,جلست على السرير , ونظرت نظرة عميقة لـ نوا , وبدأت أحدث
نفسي " أمم , إذا طلبت منه أن يحضر كتاب للعنات أو ما شابه من المكتبة هـل سيوافق ؟ " حولت
نظرتي إلى زايدن وأكملت الحديث في داخلي " ولكـن زايدن يعرف نص ما مررت منه , أعتقد بأنه
أنسب لهذه المهمة " أردفت بصوت خافت وأنا أنظر إلى الملاءة الوردية " عذرا , ولكننـي أحتاج
إلى كتابٍ ما " رفعت نظرتي لتونسيا " أيمكنكِ أن تحضريه لـي ؟ " , تونسيا برحابة صدر " بالطبع ,
ما هو طلبكِ ؟ " التفت يمنةَ ويسرةَ وقلت لها بلهجة السؤال " أتملكين ورقة وقـلم ؟ " بدأت
بالتفتيش في حقيبتها المتوسطة والتي اكتسحت أغلبها اللون التركوازي الفاتح " أظن أن لدي ورقة
ما هنا , " أخرجتها لـي , وكذلك القلم , كتبت لها طلبي طويت الورقة وأعطيتها إياها , همت بفتحها ,
ولكننـي قاطعتها مسرعة " لا تفتحيها , افعلي في المكتبة "بادلتني النظرات الحائرة ,تبسمت بوجهي
, وتوجهت للباب , وخرجت وذهب معها صوت حذائها المزعج , اسندت رأسي على الوسادة الوثيرة
وبقيت شاردة الذهن لفترة ....
" أين الكتاب ؟ أين الكتاب ؟ أين الكتاب ؟ " لقد كانت هذه تونسيا بشعرها الأشقر المرفوع
وملامحها الحائرة الجذابة , كان اصبعها المطلي أظافره بالتركوازي على ذقتها , والآخر تتنقل به
بين الكتب , توقفت أمام كتاب " آه , ها هو " سحبته ليظهر اسمه " علوم الأحياء البحرية " ,
أردفت بملل " ما لذي تجده ممتع في هذه الكتب ," خرجت من المكتبة والكتاب بيدها , عانقت نفسها
بشدة و نفخت على يدها ليظهر الدخان مسترسلا من فمها , نظرت إلى السماء الملبدة بالغيوم
السوداء , كشرت عن أنيابها وقالت وهي تضرب الأرض بقدمها " سحقا حين كنت في أستراليا كان
الجـو حارا دائمـا , مالذي يــحدث مع هذه البلدة الممـلة "
" إذا كـنتٍ تكرهينها لهذه الدرجـة لماذا تعيشين فيها " ابتسامة خبيثة , وعيونِ بنفسجية , طبعا لا
أحـد غيره يظهر فـي كـل مكـان من دون سابـق إنذار , تجاهلته تونسيا , و مـشت بعيدة عـنه , فاجأها
ظهوره أمامها بسرعة , قال وهو يمسك كتفيها بيده الباردة ," مهـلا , أريد أن أتحـدث معكٍ " أبعدت
يده بقسوة عـن كتفها وقـالت بعـصبية " لا يـوجد ما تتحدث مـعي به " , ابتعدت عـنه مجددا , ولكـنه
ظهر أمامها , وجـعل أصبعه السبابة عـلى جبهتها , وقـال و ذراعه الأخرى في جيبه " ستأتين ,
وستسمعينني , " حـركت تونسيا رأٍسهـا موافقة كـأنه سحرهــا أو مــا شابه , ابتعد عـنها وبدأ
بتحريك أقـدامه الممشوقة , تبعتـه تونسيا بانصياع تــام ...
....
للحقيقة لا أعرف ما لذي حصل معي ، كنت مذعنة له بشدة , دخلنا إلى مطعم كلاسيكي للغاية كانت
الموسيقى الهادئة تنبعث من أوتار الكمان , اغمضت عيني وانا مستمتعة بما أسمعه , لوث جهازي
السمعي , حين سمعت صوته وهو يقول لي بسخرية " عذرا ستقفين عند الباب طويلاً ؟ " كم أكره
هذا الجادين , توجهت نحوه مسرعة وأنظر الجميع متجهة لي , لقد كنت سريعة في مشيي و أنا أكاد
أهشم الأرضية السوداء بخطواتي الثقيلة , جلس على الكرسي الفاخر المزخرف بالنقوش الذهبية
كانت جميلة , منظرها مغريٍ للغاية , ولكنني بقيت أنظر إليه منتظرة النهاية , قال ببرود و تلك
الابتسامة المغرورة متمركزة على شفتيه " تفضلي " جلست بفوضوية ووضعت حقيبتي على
الطاولة البيضاوية , اقترب الخادم أو أياً كان ما يطلقون عليه من اسم , وأنحنى لجادين باحترام ,
نظر لي بقسوة أخرجت من فمي ما تبادر على ذهني بصوت تعمدت جعله عالياً ليسمعه الجميع " هـل
أنتً شاذ سيدي ؟ أتشعر بالغيرة لأنني مع حبيبك ؟ " توجهت أعين الزبائن نحو الخادم ذاك , وكذلك
نظرات جادين المشمئزة , تراخيت على مقعدي بأريحية تامة , وأنا أوزع الابتسامات المنتصرة ,
ولكن " لماذا تبتسمين كالبلهاء ؟ " سحقا لهذا الجادين , أخبروني أأقتله ؟ أم ماذا ؟ , أبعدت ظهري
عن المقعد واتكأت على الطاولة ووضعت كلتا يدي على ذقني ابتسامة مصطنعة رسمتها على شفتي
, وقلت بنفاذ صبر من هذا الشريك الأخرق " أيمكنكَ أن تتشرف وتخبرني لماذا طلبتَ مني أن أتي
معك إلى هذا المكان الغريب ؟ " رشف كوب المياه المثلجة وقال ببرود " أتستخدمين دائما جملاً
طويلة للسؤال ؟ " تجاهلت سؤاله ذاك , وانتظرت جوابه على سؤالي المطروح اولا , كتجاهلي
لسؤاله تجاهل وجودي تماماً ...
.............
كان الصمت مغدق بهذا المكان الكئيب , نظرت إلى نوا و زايدن , لم يكونا يفعلا شيئا يذكر سوى
قراءة هذه الكتب المملة , كنت أعد الثواني والدقائق , " لم تأخرت هكذا ؟ " , نظر نوا لي ببرود
وأعاد النظر إلى كتابه مجدداً وقال لي بعجرفة " لم يطلب منكِ أحد بأن تأمريها كأنما تعمل خادمة
لديكِ , يا لها من مجنونة لكي تسمع طلبا من أمثالكٍ " شعرت بأنني سأبكي من رده اللاذع , لماذا
..., " هاه " أطفئت الأضواء بأكملها عن المبنى , ظلام حالك لا يُرى سوى تلك الأضواء من
الخارج بشكل طفيفٍ أيضا , بسبب بُعد المشفى عن داخل المدينة , يد باردة شعرتها تلامس أعلى
كتفي , الرعب الشديد اجتاح قلبي , وقلت بتردد " أ هذا أنتَ زايدن ؟ " سمعت صوته والذي كان
بعيداً وهو يقول بنبرة تخللتها الاستغراب " عذراً " , زاد الرعب في قلبي وتلك اليد ما زالت
متمركزة في كتفي , لم أفقد الأمل و أردفت بصوت هامس " نوا أليس كذلك ؟ " مهلا الرائحة هذه
شممتها من قبل , والأنفاس المتعالية ليست أول مرة , رفعت يدي المرتجفة كي أبعد الشيء
المتمسك بي بشدة , ولكن الأضواء عادت لتغير يدي مسارها وتغطي عيني , سمعت صوت صراخ
عالٍ تبعتها غرغرة ما لقد كان فتى , وليس أي فتى بل كان إحدى اللذان معي في الغرفة , كشفت
الغطاء عن عيني , ليتني لم أفعل , أنزلت رأسي بعيداً عن السرير لأبدأ بالقيء الحاد , منظرُ لن
أنساه ما حييت , كان نوا جثة هامدة على الأرضية البيضاء كانت الدماء قد غطت نصف مساحة
الغرفة , لقد قتل وليس أي قاتل بل يبدو بأنه شيطانٌ , كانت حبال أمعائه منتشرة حول جسده , معدته
نصف مأكولة , عروقه ربطت مع بعضها البعض , والأسوأ بأن عينيه ليستا موجودة بتاتاً , ما هذا ؟
, تباً , رفعت رأسي أشعر بأنه ثقيل للغاية , رأيته الطفـل اللعين وفمه مغطى بالدماء أسنانه الحادة
تلك مصبوغة بالمادة الحمراء كذلك , كانت ابتسامته العريضة شاحبة للغاية , صرخت كالمجنونة
وأنا أردد " أبتعد عني أيها المعتوه , أيها الشبح , ألا تجيد الرحيل , إنك شيطان , وليس أي شيطان
بل شيطانٌ متخلف وأخرق و أ ...آه " أمسكت رقبتي , شعرت و كأن أحداً يخنقني , كان الرعب يتدفق
من عيني زايدن و هو ينقل نظراته بيني وبين جسد نوا , بل ما تبقى من جسده , دخلت ممرضتان ,
لم تبديا أي انزعاجٍ من رؤية القتيل , بل وللغريب استقرتا أمام ناظري تماماً أمسكت إحداهن ذراعي
اليمنى , والأخرى أمسكت اليسرى وبشدة , عجزت عن الحركة تماماً , حركت قدماي ولكن , رفعت
رأسي لأجد رجلين ممسكين بها كذلك , -" ابتعدوا عني , أتركوني " لم أخف , إلا حين دخـل الطبيب
بكمامة تغطي نصف وجهه , وبالمقص الكبير وبعض المعدات , أول ما بحثت عنه في هذه المعدات
كلها هي آلة المخدر , ولم أجدها إذا هم فعلا يودون تعذيبي , أمرهم غريب , جميعهم أعينهم لامعة
للغاية وحمراء جداً , بشرة مائلة للسواد و كأن جلدهم حرق بالنار , أكاد أجزم بأنني إن لمست
بشرتهم تلك ستتحول إلى فتات , هـل هذا كــله يــحدث للملعـون ؟ ...
............
لا زال مصراً على تجاهله , نهضت من كرسيي بحزم , وقلت له بنبرة غاضبة للغاية كحالي " أيها
السيد أظن بأنك تلعب فقط , لا وقت لي للعبك , إلى اللقاء " ابتعدت عنه دون أن ألتفت للخلف حتى ,
فتح النادل الباب لي منتظراً خروجي بفارغ الصبر ,خرجت وأنا كـلي غضب من حـالي المثير للشفقة
, كان علي أن أستمر بالتجاهل , تبا لي ولغضبي , توجهت نـحو الشارع منتظرة سيارة أجرة كـي
تقلني عند كارهتي تلك , ...
................
قلبي ينبض مليون نبضة عـندما يقوم الطبيب اللعين بخطوة واحدة فقط , زايدن كان يقف من دون أي
ردة فعل تذكر , كنت مستعدة تماماً , اقترب مني بمقصه لا أعلم ماذا يريد أن يقص , ولا أريد أن أعلم
, أمسك بفكي السفلي و فتحه , شعرت بأنه سيخلع تبا له , أغمضت عيني لم تحتمل أن تبقى مفتوحة
هكذا , فملامح وجههم وحدهـا تكفي لتثير هلعك الشديد , شعرت بيده الملبسة بالقفازات الكريهة تلك
وهي تلامس لساني وتخرجه بخفة , حتى أصبح ربعه خارج للعيان , أقرب المقص من لساني , تبا
شعرت بالمعدن البارد يحيط بلساني من الجانبين , شددت من إغماض عيني وبدأت الدموع بالانهمار
الشديد , لم أرد أن أعرف المزيد , طال الانتظار و الطبيب لم يقم بفعل حركته , فتحت عيني لأصدم
من رؤية أن كـل شيءٍ اختفى تماماً , لم أعد أرى سوى ملابس التمريض التي كانوا يلبسونها ملقاة
على الأرض , لا شيء غيرها , ضممت نفسي بين ذراعي , ولمحت شبح الطفل مجدداً , اقترب زايدن
مني , وقال لي باستغراب " شيلا أأنتي بخير ؟ " كنت شاردة الذهن تماماً لم أعد أرى شيئاً سوى
شريط حياتي , ماذا فعلت لتحدث اللعنة تلك لي , شعرت بيد دافئة تلامس ذراعي , ارتعت و قفزت من
مكاني , لم تكن سوى يد زايدن , استغرب من ردة فعلي هذه , وقال لي بتساؤل شديد " شيلا مـاذا
حـدث معـكٍ ؟ لم أنتِ مرتاعة هكذا ؟ " , حركت بؤبؤ عيني نحـو نوا مباشرة , رأيته يجـلس بهدوء
علـى الكرسي الجلدي ذاك ولا زال يقرأ الكـتاب , دهشت و اقتربت منـه و أنـا أوجه أصبعي السبابة
نحوه وكـل ما كنـت أنـطق بـه , هـو لمـاذا وكــيف ,؟ ! , دخـلت تونسيا من الــباب وهـي تحمـل ذلك
الكيس الصغير بيدهـا , اقتربت مـنها وأنـا أقـول " لـقد كـان ميتاً قـبل قـليل , كـان كان على الأرض
ملقـى والدماء حـوله " اشرت نحـو الأرضية التي كـانت ملأه بالدمـاء " هنـا بالضبط هـنا , كـانت
مليئة بالدمـاء , ألا تصدقينني ؟ " لـقد كـانت أقسـم لـقد كـانت , خرجت من الـغرفة راكضة لأتوجه
نـحو دورة المـياه بحركة تلقائية , نظرت لـوجهـي بالمرآة لا زلـت أردد وأنـا أرتجف بالكـامل , " لـقد
كانـوا لقـد كـانوا رجـالا يـحاولون تعـذيبي أقســم , كــان ميتـًا نـوا ميتًا " جثيت أرضـا الدموع تأبى
النـزول , فقــط رجـفة ورجـفة شديـدة أيضــاً اجتاحت جسدي الواهن الضـعيف ....
..............
:7b: