دخـلت تونسيا وجثت بجانبي , شعرت بيدها الدافئة تلامس ظهري بحنية , رفعت نظري إلى وجهها ,
وجدت تلك الابتسامة الخالية من شوائب الحقد والكره متمركزة عـلى شفتيها , بطريقة تبعث
الاطمئنان عـلى القـلب , نزلت أول دمعة لتترك المجال للدمعات الباقية للنزول , لم تسمح لها
بالجفاف عـلى وجهي , بدأت تمسح دموعي من دون كـلل أو مـلل , لم أحتمل الأمر مؤلم , ارتميت
في حضنها و دفنت رأسي بين صدريها بقوة , وأنا أرجـو أن أرى الراحة هنا , أمسكت برأسي
وبدأت بتهدئتي , دخـل زايدن ونوا كـان المنظر حنين للغاية , كــانت تونسيا سعيدة جـداً لأنها وأخيرا ,
وجدت التقبل من شيلا , بينما مشاعر شيلا مختلفة تماما , فكـل ما كـان يهمها هو أن تجد ما يؤويها
, حتـى وإن كـان حضن السفاح لا يهمها , بعد مدة دامت لأكثر من عشر دقائق , نهضت شيلا وكـان
وجهها في غاية الاحمرار والحرارة , كانا الفتيان لا زالا يقفان عـلى الباب , أنهضتها تونسيا ,
وفتحت صنبور المياه وبدأت بغـسل وجـه شيلا , كـانت شيلا كالآلة لا يهمها , سـوى أن تضع رأسها
عـلى الوسـادة وتتوسد وسط أحلامها الهنيئة – كما تعتقد - ..اتكأت علـى تونسيا , وأنـا كـلي وهن
وتعب , ربما من البكاء المتواصل أو الرجفة الجنونية تلك , تبعانا نوا وزايدن بخطوات باردة وأنـا
أسمع أصوات همساتهم حول أذني , وصلت إلى غرفتي المثيرة للاشمئزاز , وجلست عـلى سريري
, كادت أن تخرج تونسيا ولكـن لابد لي من قـول شيء لابـد " آه " ألتفت لي باستغراب وقالت لي
بلطف " ماذا ؟ " , ترددت فليس من عادتي قول شيء لطيف لأحـدٍ قبلا , تبسمت وقـلت لها بصوتي
الهامس " شكرا لكٍ " ظهر احمرار خفيف عـلى وجنتها وقـد لحظتها بشدة , ابتسمت وقالت " العـفو
" وأغلقت الباب خلفها , أسندت رأسي عـلى الوسادة ونمـت من غير تفكير يذكر ,,
أصـوات همسات وضحكات عـالية , يبدو أن الجمـيع يعلم بأنني ملعونة , كيف ولماذا يعرفون ذلك ,
بدخـولي من باب الصف الكبير رأيت نوا وزايدن وتونسيا , يقفون بجانب بعضهم ويتبادلون الكلمات
ويضحكون بشدة , اقتربت منها راكضة , عانقت تونسيا من الخلف و قلت لها بصوت خافت مطمئن
" تونسيا جميعهم يكرهونني لا تبتعدي عني " صدمت بها حـين دفعتني للخلف بقسوة , ومشت بكـل
غرور وهـي ترمقني بتلك النظرات الحاقدة الحاسدة , قهقه نوا , وابتعد زايدن ببرود عني , تركوني
وحيدة في الصف , بوحدتي الحانقة , سمعت أحدهم يستنجد بي , رفعت رأسي ولا زالت الدموع عـلى
خدي منسابة , اقتربت من الصوت , لأصدم برين وهـو يطعن في كـل مكـان , والسكين يخرق جسده
ويخرج بقسوة ويعيد الكره مرة أخرى , من يمسك السكين لا أحـد فقط يرفع وحده تتناثر الدماء في
الصف , أصبح المكان بركة من الدماء الدافئة ، كان المكان باردا للغاية , برودة فضيعة جدا , لم
أستطع فعـل شي سوى الوقوف بجمود , اقترب وحش اللعنات الضخم , رفع رأسي بأظافره الطويلة
السوداء , وقـال لـي بصوته المتحجرش " شيلا كروس , 15 عاما , من كـأس البؤس , لعنتي للأبد ,
لعنة هانئة " وأختفى بعيداً عنـي ...
" مـــاذا " نهضت من السرير بسرعة , وضعت يدي المرتجفة عـلى قلبي الذي أسمع ضرباته
الشديدة , جبيني متعرق للغاية وكذلك كـل جسدي , تبا كـان كابوسا مفزعا , مفزعا جدا , نهضت
عـلى قدماي , لكنني سقطت أرضا , رفعت رأسي إلى النافذة كـان القمـر مكتملاً ولونه سـاطع للغاية
,قلت محدثة البدر بكـلامي " أتعتقد بأنني سأتخلص من اللعنة ؟ أم سأبقى متجنبة لبنوا البشر , إذا
أصبحت أبدية أريد العيش في العالم السفلي مـع وحوش اللعنات , هـل الملعـــــون كمـصاص
الدمــاء يبقى للأبد أم أن المـوت محتملا ؟ " ضممت قدمي نحو صدري , وبقيت أبكـي بصمت ...
كنت متشوقة لأراها كنت أركض بشدة في الممرات , لم أصدق أنها تنتظرني هناك , أمرها غريب
وسأكتشفه قريباً , فتحت الباب باندفاع والابتسامة العريضة المشرقة مرتسمة عـلى شفتي " صباح
الخـير شيلا ...أوه " لم أجدها لم تكن عـلى سريرها , تقدمت من النافذة بحركة لا إرادية , بقيت
واقفة أمامها وأنـا أنظر إلى المنظر كـان مملاً وبارداً كـانت الأشجـار التي قبالتها مـجردة من
الأوراق , وتبعث الرعب في قـلب الشخص , نظرت إلى شيء ما يتحرك بجانب السرير , لقد كانت
بشعرها الأحمـر المتناثر وعينيها القرمزيتين الظريفتين , تنظر لي باستغراب وعـدم استيعاب أعتقد
بأنها نهضت من نومها تواً , احمرت وجنتي وأنـا أردد في قلبي " ظريفة , ظريفة , ظريفة " ,
اقتربت منها , ولكـن شيئاً مـا أبعدني عنهـا , شعرت بالرعب من ملامستي إليها , اقشعر جسدي و
ارتجفت أطرافي , نظرت لي بتساؤل وقـالت باستغراب " تونسيا , " , لم أستطع فعـل أي شيء , بـل
بقيت أنـظر نحوها باستغراب تـــام مـن حالتي الغريبة هذه ...
......
كـانت تونسيا تحدق بـي بشدة , نبضات قـلبي في ازدياد كبير , لم أعـرف ما يجب عـلي فعله ,
فـاجأتني بسؤالها " مـا أنتِ بالضبط ؟ " , لم أستطع أن أرفع نظري عنهـا , كنت مندهشة ومستغربة
, كـيف أخرجت هذا السؤال من فمها , كـيف ظنت بأنني غريبة عنها وعـن عالمها , أو أصبحت ,
نهضت من الأرض بـعد أن جعلت الجـدية هـي ملامـحي الوحيدة حاليـاً " تونسيا , لم أحبذ أن أضعكِ
في هذا الموقف بهـذا الشكـل , يبدو بأن الطـفل الصـغير لمّـح لكِ بأننـي لستُ طبيعية .." قاطعتني
بقولها " طــفل ؟ " , رمـشت قليـلا , وابتسمت تـلك الابتسامة الـشاحـبة , جـلست عـلى السرير
بثوبي الأبيض الطويل , نـظرت إلى السقف وقـلت لها بنبرة هـادئة " ربمـا لن تصدقينني , ولكنـني
.." أنزلت نـظري من السقف ووجهته إلـى عينيها مباشرة , تمركزت البسمة الخبيثة شفتي الجـافة ,
و أردفت بحده " مـلعونة " لاحظت بأن نظراتها لم تتحـول سوى للاستغراب الأكـثر , تنهدت بشـدة ,
وشـرحت لهـا كـل ما يحـدث معـي وحـتى عـن محادثاتي مع وحش اللعنات , وكذلك رين الملعون ,
وكـل شيء حـصل معي بغضون هذا الأسبوع فقط , لم أجـد أي رعــب يذكـر فيهـا بـل كـانت ردة
فعـلها , شيء لا يــصدق , نـظرت لـي بعينيها العشبية العميقة , كـانت نظرتها لا تٌفسر , ولكـن
سرعـان ما تغيرت لتنهض عـلى السرير و تقـول بحمـاس زائـد للغاية " واو . واو . واو , يعنـي
بأنني أصبحت صديقة لفتاة ملعونة " نظرت نحـوها باستغراب شديد وسألتها وأنـا مقطبة حـاجبي "
بـل ما أنتِ بالضبط ؟ " رمت جسدهـا عـلى السرير بجانبي وقـالت وهـي تبدو سعيدة مـن كـل قلبها "
أتمزحيـن أنها أفـضل مغامرة قـد يمر بها أحدهم في حيـاته , بأن تكون مختلفاً عـن الناس , لك حياة
مختلفة , مخاوف مختلفة , شؤون مختلفة , بـل وحتـى تفكيرٌ مختلف , إنـه أجمــل شيء في الدنيا أن
تـكون مختلفاً عـن العـالم أجمـع , أوليس كــلامي صحيح ؟ " نظرت لها وكـلي دهشة من تفكيرها
الغـريب هذا , عـاودت سؤالي بملل أكثـر " فعـلا ما أنتِ بالضبط ؟" ضحكت مـن كـل قلبها , ولكنها
تحولت للجدية بلمح البصـر , اقتربت منـي ووضعت يدها عـلى كتفي " شيل أريدكِ أن تعلمي , بأنني
ومهمـا حـدث يستحيل بأن أبتعد عـنك إلا إذا .." وابتعدت عـني ,قليلا ,وأنزلت رأسها بأكمله ليتساقط
شعرها عـلى وجهها , وقـالت وهـي تحاول أن تبدو مرعبة " تلـبسني شبحٌ مـا " قهقهت بشدة وأنـأ
أضحك عـلى شكلها المضحك , سحقاً لها أضحكتني كثيراً لدرجـة الإدمـاع , عـلى صوت ضحكاتنا
المتتالية , دخـل الجادين الذي لطالما كـرهته من كـل قلبي , مشى بخطواته الواثقة والمتعجرفة
وبنظراته المخيفة والخبيثة تـلك , جلس عـلى السرير بكـل وقاحة بجـانبي , واقترب منـي , أمسك
بذقني وألحم كـلتا شفتينا ببعضها البعض , تباً له , حـاولت إبعاده , ولكنني أدركت بأنـها لم تكـن قبلةٌ
قـط , حين شعرت بـه يغرز أنـيابه فـي شفتي السفلى , تبـا إنه يمص , يمص دمـي , أهـو مصاص
دمـاء , سحقا أيريد قتـلي ؟ , حـاولت إبعاده مراراً ولكـن لا فائدة جسده لا يتزحزح , ثبت يدي عـلى
صدره , كـان صدره مليئا بالجروح , أدركت ذلك من الضمادات التي تحسستها أسفـل ملابسه ,
أحمرت وجنتي بشكـل ملحوظ ليس لخجل بـل اشتعال شديد من الحرارة الكبيرة , استسلمت وكدت
أسقط أرضـا من الإرهاق الشديد الذي نزل بي فجأة , ولكنه أبعـد يده عـن ذقني وثبتها عـلى ظهري ,
ليحتضنني أكثـر , وهـو يتلذذ بطـعم الدمـاء التي أشعر بأنها تخرج مـن عروق عروقي , متعبة أشعر
بالتعب , إنـه كسحب الدماء عبر إبرة دقيقة ولكنهـا تؤلم أكثـر وأضعاف أضعاف الدمـاء تخرج من
جسدي , مؤلم , دمعت عيني , نظرت آخـر نظرة لتونسيا قبـل أن أفقد وعيي بالكـامل ...
................
دهشت للغاية حين أتى هكذا وبكـل وقاحة ويقبلها , وأمـامي أيضا , كدت أمسـك قميصه من أعـلى
وأبعدها عنه , ولكن شرارات من اللهب تدفقت مـن حـوله لتبعد يدي , وكأنها تضع حاجز حمـاية لـه
من الأذى , أمسكت بيدي تبا , مؤلم , ولكـن ما صدمني أكثر هـو أن شيلا لم تكـن تمنعه من فعـل
شيء , بدأت ملامحها بالخمود أكـثر والخمول , لم أستطع فعـل شيء سوى النظر ,ليس وأن الأمـر
بيدي ولـكن فعلا كأن لا بد لي أن أفعـل شيئا ولكـن ألجمت عـن الحركة بـل المتابعة وفقط , لاحظت
بأنها أغمضت عينيها بـعد نظرة فعلا حركت مشاعري في هذه اللحظة كثيرا , نهضت من السرير ,
رأيته فتح عين واحد نظر لـي و تجاهلني وأرجع بإغماضها , وضع جسدها عـلى السرير وهـو لا
زال عـلى وضعه القذر , جعـل جسدها مسندا لجسده ليضع بكـامل حمله عليها , تبـا له منحرف معتوه
, " آ ..آ " هذا كـان جوابي حـين شاهدت الدماء تنزل من فمهما لا أعرف فم من بالضبط ولكنها
انسابت عـلى ذقن شيلا , صرخت بوجهه , وللغريب نهض هو أيضا , وابتعد عنها , عينيه أخذت
مجرى غريب , فقط ما لاحظته بشدة بأنه كـان يترنح يمينا ويسارا ويخبط بكـل ما هـو أمامه , حتـى
أختفى عـن أنظاري , اقتربت من شيلا رأيت فمها , كـانت فجرتان خفيفتان تتوسطـا فمها الجمـيل ,
وضعت يدي عـلى شفتها وقلت بأسى " مسكينة شفاهكِ عزيزتي " ...
.......
بـعد يومـان آخران من دون أحداث تذكـر , عدت إلى الجـامع المدرسي مرة أخـرى لم أرى جادين في
هذان اليومان , حقيقة خائفة مـنه ولا أريد أن أقابله , كـنت أضع ضمادة صغيرة عـلى شفتي , حتـى
لا يلحظون علامات الأنياب اللعينة تلـك , دخـلت إلى غرفتي وتونسيا تثرثر خـلفي من دون مـلل أو
كـلل ,أقفلت مجرى تنفسي , وخـرجت مـن الغرفة مسرعة , دمعت عيني وقـلت بحنق " مـا هذه
الرائحة سحقا بحجم السماء " قالت تونسيا بنفس غيضي وحنـقي " وكأنمـا ثمة أمـر متعفن هنـا ,
أنسيتِ شيئا هنـا , أوضعتِ أمـراً في الخزانة ونسيته ؟ " , استبعدت هذا الشيء , ولكن لا بد من
التأكـد , اقتربت من الغرفة أكثر , وتبعتني تونسيا , كتمت أنفاسي , ودخـلت إلى الغرفة أشغلت
الضوء الخـافت , واقتربت من الخزانة ونبضات قـلبي تزداد مـع كـل خطوة أخطوها , تمنيت من كـل
قـلبي بأن أكـون مخطئة , مـن كـل قلبي , رأيت بأن القفـل لا زال فـي مكانه , ازدردت ريقي بصعوبة
, أغمضت عيني , و حـركت مفتاح الخزانة مرتين متتاليتين لتصدر صوتا يدل عـلى فتحها , الرائحة
ازدادت عفناً , فتحت الخزانة , توقفت جوارحي عـن العـمل , لم أمـلك ســوى الصـــــراخ بكـل ما
أوتيت من قـوة في جسدي , تملك الرعب جسدي .بشدة , كـان ريـن و جسده أصبح رمادي متعفن
والديدان تخرج مـن جمجمته التي أصبحت هشة للغاية , شعراته لم تبقى بها شيئا ,كـانت عينيه
غائرتان كـانت حالته مشابه لحالة رجـل الأمن الذي
رأيت جسده في المستشفى , لم أستطع النظر إليه , أمسكت بي تونسيا وأخرجتني من الـغرفة بعيدا
عـن المـكان فـي الحديقة تحديدا , " تونسيـا أنـأ من قتلته , تونسيا لـقد حبسته في الخزانة لم أجـعله
يتنفس لـقد توفي بسببي تونسيا بسببي " أمسكت تونسيا بكتفي وقــالت بجدية بالغة " شيل توقفي
عـن لوم نفسكِ لم تفعلي شيئا , إنـه يبدو بأنه مـات بشيء آخـر , ألم تقولي لي بأنه ملعـون ؟ "
حركت رأسي موافقة لكلماتها ولكنني لم أهدأ بتاتا بـل بقيت بتوتري , نهضت تونسيا , وبدأت
بالاتصال برقم مـا , انتظرت الرد ثواني معدودة , لتبدأ الـقول بجدية عـن أمـر الجثة و العنوان وما
إلى ذلك عرفت بأنها تقصد الشرطة بحديثها , إنني مجرمة , ومجرمة كبــيرة أيضــاً ...
..
..
..
هــل شيلا مجرمة كمـا تدعي . أم أن كلام تونسيـا هو المنطق ؟
..
..