يمنع وضع روابط لمواقع اخرى لؤلؤة بالقران



سأل "محمد سلماوي" أديبنا الكبير نجيب محفوظ وهو يهنئه بعيد ميلاده التسعين عن احساسه وقد وصل إلي هذا العمر؟
أجابه: أنا الآن في محطة سيدي جابر. لم يبق سوي محطة واحدة لأغادر القطار.
جيلي يقف اليوم عند "سيدي جابر" حيث ينزل عادة معظم الركاب ولا يبقي سوي من ينتظر دوره. فنهايته قريبة "محطة مصر".
مات "سلامة أحمد سلامة" وودعه الجميع بحب واحترام. فقد كان شريفا شجاعا حارب اغراء السلطة بالزهد في المناصب. أبي إلا أن يكون صادقا مع نفسه ومع قرائه.
وكان سؤالي في مداخلة مع الزميل "جابر القرموطي" في برنامجه "مانشيت" هو: لماذا لم يصل سلامة إلي رئاسة تحرير الأهرام وهو يستحق والأحق؟
أما السؤال الثاني فكان لماذا خرج من "الأهرام" بطريقة غير كريمة ومضايقات صغيرة؟
وكان السؤال الثالث: هل حقق "سلامة" طموحه المهني في جريدته الجديدة "الشروق"؟
ولقد تولي مدير تحرير الشروق "عماد الدين" و"وائل قنديل" وكانا ضيفا البرنامج عن جريدتهم وأستاذهم.. وهم يعرفون أكثر. ولكن سلامة في آخر لقاء خاص معه كان يضيق بالتدهور المهني في صحافة مصر كلها.
عرفه الناس رحمه الله كاتبا ولم يعرفوا انه مثال للصحفي المتكامل. قضي سنوات في قلب الأحداث الدولية وكان مديرا لتحرير أكبر صحيفة يومية. فترك بصماته معلما لأجيال من جميع الأعمار وفي جميع المؤسسات الصحفية.
كانت حلقة "مانشيت" عن سلامة أحمد سلامة عملا تليفزيونيا متكاملا اجتهد فيه وأجاد من وقفوا وراء الاعداد. وانطلق جابر بتلقائيته وحماسه. وكان مشهد حيرة ابنه كريم أمام غابة الميكروفونات والكاميرات ورفضه الحديث علي الهواء "وليس هذا وقته"!.
وان كان هذا أيضا ليس وقته - ولكنه علي طريقة جابر - سرقوا الإعلامي الشهير بعد جولة من مديح ونفاق المعجبين وسيل من القبلات ليكتشف ان المسائل راحت!.. نشلوه في مسجد "الكواكبي" بالمهندسين وفي عز النهار.
كشف وائل قنديل في نفس الحلقة عن اعتراض "حسني مبارك" علي اختيار سلامة رئيسا لتحرير الشروق.. لم يكفوا عن مطاردته حتي بعد أن ترفع وتركهم.
في نفس الأسبوع ودعنا "حُسن شاه" بتاريخها المهني الطويل وطموحها الذي حققته نموذجا لنجاح الصحفية. وان عرفتها الجماهير أكثر بقصة فيلمها "أريد حلا".
والمصور الفنان "انطون ألبير" الذي استقبلته يوم وصوله من دمنهور ليعمل معنا في مجلة "التحرير" قبل أن ينطلق من "الأهرام" ويكفي لتخليد ذكراه صورة رفع العلم المصري فوق سيناء بعد الانسحاب الإسرائيلي.
ولم ينس الزميل جمال الشرقاوي رحيل بطل معركة الإسماعيلية اللواء "اليوزباشي وقتها" مصطفي رفعت الذي قاد مقاومة جنود الشرطة ببنادقهم القليلة في مواجهة أسلحة الاحتلال البريطاني ورفضه التسليم لجنود الانجليز قائلا لن تستلمونا إلا جثثا هامدة فكان يوم عيد الشرطة كل عام.
ومات المخرج هشام أبوالنصر وحيدا في شقته وكان صاحب موقف سياسي وتميز فني علي الأقل بفيلمه "الأقمر".
وأخيرا. وليس آخرا. بلدياتي الأديب "محمد البساطي" من الجمالية دقهلية مات في هدوء صاحب رواية "صخب البحيرة" و"أحلام رجال قصار العمر".
ويتحرك القطار من "سيدي جابر" ونحن قلة مازلنا في عرباته. لن يلبث أن يصل ونصل.. ويبقي وجه ربك ذو الجلال والاكرام.

نقلا عن الجمهورية