( زقزقـةُ العصافيرِ المتكرّرة .. )
( صـوتُ منبّـهٍ مـزعج يـنبّهُ عـن الـوقت ! )
( صـراخُ أختي عـلى خـادمتهـا لأسـبابٍ تافـهه ! )
( حفيـف الأشجـار المتـكرر الـتي يمكننـي رؤيتهـا من الـشرفـة )
( بكـاءُ أخي ذو الخمسِ سنواتٍ لسببٍ أجهلـهُ..! )
( هـاتفــي الـذي يـصدر صوتـاً معلنـاً وصولَ مكـالمةٍ ورسـالة )
( مـواء قـطتي الـصغيـرة " لـونـا " و التّـي تـلعق وجنتـي كي أصحـوا )
تـباً لم أسـتطع يومـاً أن أنـامَ جيـداً بسـببِ هـذهِ الأصـواتَ الــمزعجــة ! , بـاللّـهِ مـا هذهِ الـحياةُ البائـسة ؟ , فتـاةٌ غـنيّةٌ مثـلي لا يـجب أن تعيـشَ هكذا !
وقفـت بمـلل وذهـبت لأغـسل وجهـي وآخـذ حماماً دافئـاً , خـرجت وأنـا ألفّ على جسـدي منشـفةٌ كبيـرة و منشـفة آخرى فوقَ شـعري المـبلول.
نـظرت لغـرفتـي التي اكتـست غالبيـّة اللـون الأحمر والوردي , و المـزينة بالـنقوشِ الملفتـة , الأرائـك حمراء , وأمامهـا طاولـةٌ دائريـةٌ من الـخشبِ الفـاخر باللّـونِ الأبيض , وفوقـها جـرةٌ فـضيةٌ فيـها ورودٌ حمراء وقليـلٌ من الأصـفر.
و سـريري الأبيض ذا الـغطاءِ الأحمر و الوسـادةِ الحمـراء المـزينة ببـعضِ خيـوطِ الوردية ! , وحـذاءُ النّوم الـذي كانَ بـجوارِ السّـرير وهـوَ عبارةٌ عـن قطـة بيضاء و الـباقي أحمر.
والـجدرانُ الحمـراءِ المائلـةُ للورديّ , و المـزيّنـةُ ببـعضِ النـقوشِ البيضاء المـلفتة , و اللّـوحاتُ الـفنية الـرائعة ذاتَ الـمناظر الطبيـعية , و طـاولاتٌ أسفـل كلّ لـوحةٍ باللـونِ الأبيض وفيـها جـرةٌ فـضية فيـها أنـواعُ الأزهـار والورود.
و نـافذة كبيـرةٌ جـداً وشـرفةٌ خارجيّـة مطلّـةٌ على الحديقـةِ الخلفيـة , كانت واسعـةٌ وكبيـرةٌ وفيها أربـعةُ كراسـيٍ و طـاولةٌ مستديـرة , جميعهـا باللـونِ البنـي , فقـد كانَ من ذوقِ أمـي , كانت الـورودُ في الشـرفةِ هنا وهنـاك؛
ومن جميـع الأنواعِ والألوان والأشكـال , و أعشـابٌ أيضاً , وشـجرتا ليـمونٍ متوسطتـا الحجم , كلمـا فقـدت أعصـابي آخـذ ليـمونةً منهـا كي تـهدئ أعصـابي .. فـهوَ الـرفيقَ المـفضل لي فـي ذلكَ الـوقت.
أستـطيعُ أن أقـولَ لكـم إني أعشـقُ الألـوانَ الـدّاكنةَ , وخـاصةً الأسودَ والأحـمر , صديـقتي تقـولُ لي دائـماً أنّنـي سأبـدواْ لطيـفةً إن ارتديـتُ الألـوانَ الزّاهيـة , وأنـا أرفضُ ذلك , أنـا أكرهُ تلـكَ الألوانَ الـغبية !
وأيضاً .. أكرهُ غرفتي ! , فهيَ من ذوقِ صديقتي , فكما كنتُ أقول إنها تحبّ تلكَ الألوانَ المزعجة , وأمّـي توافقها الرّأي ! , هذا يـزعجني فعلاً.
الـكل يـقولُ لي أنّنـي غير مبـاليةٍ لـ شـيءٍ أبداً , وأنّـي باردةٌ وهادئـة , وصريحـةٌ لدرجـةِ الإحباط ! , و جريـئةٌ كذلـكَ , وأيـضاً غريبـةُ الأطوار , أنا فعلاُ لا أهتمّ لمـا يقـولهُ الـكلّ عني , فأنـا سأبقى على ما أنا.
بـدلتُ ثيـابي لـ ثيابِ الـمدرسة , الّـتي تتـكوّن مـن تـنّورةٍ رماديّـة مائلة للأسود تصلُ لـنصفِ الـفخذيـن , وقميـصاً أبيـض و صوفٌ فوقهُ لبـرودةِ الجوّ, وفيهِ ربطـةُ عنقٍ حمراء , و جـوارب رمادية تصـل لمـا فوق الفخذين , و حـذاءَ أسودَ رسمي خاصّ بالمدرسة.
إنّـي أحبُّ هـذا الرّداء , ألوانـهُ رائعةٌ , سوى الأبـيضِ الـمزعج ! , جـعلتُ شـعري الأسـودَ الـفحميّ الـطويل الّذي يصـل لآخـر ظهري .. منسـدلاً بحـريّة , نـظرتُ نـظرةً خاطـفةً إلى الـمرآءةِ الفـضية بعينـاي الـخضـراوتـان المدموجةُ بالأزرق , إنّـي أكرهُ لونَ عينـاي المزعج والملفـت !
كانـت بشـرتي بيضاء جــداً كالثـلج , إنّـي انزعج من هـذا , فالكـل عندما يرانـي يـقولُ أنّني أبـدواْ جميلةً , وملفـتة , لا أحبّ أن أكـونَ ملفتـةً للنّـظر .. أبداً , لأنّـي سأصبـح مثل أختـي الحمقاء الـمغرورة.
سمعـتُ طـررقَ الباب , أذنـتُ لهذا الـشخص بالـدّخولُ , الذي لم يكـن سوى خادمتـي الخاصة " كلوفي " , انحنـت لي باحتـرام وقالت :
- آنسـة " كاتيانا " , سيّـدتي تقولُ فـل تتنـاولي فـطوركِ الآن !
آوه صحيـح .. لقـد نسيتُ إخبـاركم .. أنا آدعى " كاتيـانا لانكاستر " وأملـكُ من العمرِ السّادسةَ عشرة , فرنسيّـة الأصل , أحبّ الهـدوء ومشاهدة الأفلامِ المرعبة , أعيـشُ في قصـرٍ كبيـر , لـديّ أخت مغـرورةٌ و أخٌ أصـغرٌ مـزعج , وأمٌ حنـونة وأبٌ طيّب.
قـلت لخادمتـي " كلوفي " بهـدوء :
- يمكنكِ الـخروجُ الآن.
- أمـركِ
أخـذتُ حقيبـةَ الـمدرسةِ خاصّتـي والتّي كـانت باللّـونِ الأحـمر , خرجـتُ من غـرفتي وجنـاحي كاملاً , وصـلتُ لـ غرفةِ الطّعامِ الكـبيرة التـي كانت تتـوصطهـا طاولـةٌ خشبيـةٌ كبيـرة وطويـلة , وفيهـا 18 مقـعداً خشبيـاً.
وفيهـا ثلاثُ جـرّاتٍ ذهبيّةٌ باهضـةُ الثّمن فـي المنتصـف , وفيهـا خـزانةٌ فيـها أنـواعٌ من الـجراتِ الفاخـرةِ , و لوحـاتٌ ثمينـةٌ ورائـعة , زينـت تلـكَ الـغرفة الواسـعة , و فيـها أيضاً نـافذتانِ بجـوارِ بعضيهمـا , تطـل على حديـقةٍ متـوسطةِ الحـجم في القصر.
جـلستُ على المـقعد الثاني , الذي بجـوارِ والدتي , وأختـي " سلستيا " أمـامي مباشـرةً , أمّـا أخي " تـوماس " لم يكـنُ في الغرفـةِ , بل معَ مربّيـتهِ التي تعتنـي بهِ في الحديقةِ الخلفيّة.
أختـي تملكُ شعـراً أسوداً فحمياً أيضاً يـصلُ لأسفلِ أذنيهـا , وعينـاها زرقاوانِ , عمـرها 23 سنةً , إنّهـا مغـرورةٌ جداً , لكنّ أستـطيعُ أنّ أقولَ لكـم أنّ لها جـانب جيّد كذلكَ , لديهـا حبيـب بنفسِ عمرها ويدعـى " كين " , وهوَ أيـضاً خطيبها.
انتهيـت من الطّعامِ ووقفتُ وأنـا أمسحُ شفتاي بمنـديلي الأزرق الخاصّ , حملتُ حقيبتـي وخرجـتُ من القصـر قاصـدةً سيّارةَ سائقـي السّوداء , فتحَ لي البابَ الـخلفيّ فتـرجّلت للدّاخـل , وضعتُ حقيبتـي فوقي وبدأتُ أتأمّـلُ النّافذةَ بملل.
كانت الـسّيارةُ فخمـةٌ جداً ورائعـة , كانَ في الأمامِ مقعـدانِ للسّائق و الأمامـيّ , وبينَ الأمام والخلف ستـارةٌ رماديـة مائلةٌ للّونِ الكحلي , و أربـعةُ مقاعـد مقابلةٌ لأربـع آخرى , و آلـةٌ للـقهوةِ والشّاي والماء , و طاولةٌ صغيـرةٌ لكـل مقعد.
كانتِ المقاعـد من الـجلدِ الفاخـر ! , ولونـها كحـلي فاحـم , و الطّاولاتُ كانـت رماديـةٌ , وأيضاً يوجـد هاتـف خاصٌ بالسّـيّارةِ لونـهُ أسود , والأرقامُ باللّـونِ اللأبيض اللّامع.
وصلتُ أخيراً لتلكَ المدرسةِ الكـبيرة , والّتـي تخصّ العائلاتِ الرّاقيةِ والنّبيلة , فتحَ لي السّائق بـابَ السّيارةِ , لأخرج منها وأزيل نـظارتي الشّمسيّة كي آرى المدرسة , اعدتها لمكانها وبدأتُ أسـيرُ بثـقةٍ وشمـوخ وسطَ أنظارِ الطّلبة.
( إنّها " كاتيانـا لانكاستـر " .. إبنةُ رئيسِ الأعمـالِ المشـهور " سكـار لانكاستر " )
( أنـظرواْ أنـظرواْ , إنّـها تبدو غيـر مباليـةً للّـذينَ حولهـا ! وكأنمـا لا تسمعنا أيـضاً ! )
( إنّـها باردةٌ كجـبلٍ منَ الثّلـج , وتسـيرُ بخـطىً واثقةً أيضاً ! , غريبـةٌ هذهِ الفتاة جداً )
( ولكنّـها جميلةٌ رغـمَ ذلكَ كلّـهِ .. فعلاً , الـجذّابونَ عادةً مـغرورونَ .. هل هيَ كذلك !؟ )
كـانَ كلّ ذلـكَ وما شـابههُ أسمـعهُ , إنّـهم مزعجونَ ولا يكـفّونَ عنِ الثّرثـرةِ ! , دخلتُ لفـصلي والسّاعةُ الآن السّادسةُ إلّا الـرّبع , أي الـوقتُ مبكّـراً بعضَ الـشّيء , جلستُ على مقعـدي الّذي بجـوارِ النّافـذةِ.
سمعتُ صـوتَ فتـاةٍ مرحٌ جداً تقـول :
- مرحبـــــــــــاً " كاتـيانا "
نظـرتُ للفتـاةٍ التي تقـف أمـامي .. ذاتَ الـشعرِ الأشـقر الّـذي يـصلُ لأسفلِ كتفيها , وعينـاها الـسماويّـتانِ كلونِ الـسّماء , وبشرتـها الـبيضاء الملفتـة.
والّتي لم تـكُن سوى " ناتالي " صـديقتي المقـرّبةُ .. على ما أظنّ , قلتُ بـهدوء بعدمـا أنزلتُ بـؤبـؤة عينـاي للكـتابِ الذي أمامي :
- مرحـباً " ناتالي "..
جلـست بالمقـعدِ الّذي بجـواري بسـرعةٍ وقالت بمـرحها الّـذي يزعـجني أحياناً :
- هل يمـكنني الجــلووس؟
نـظرتُ لها بطـرفِ عينٍ وقلـتُ وقـطرةٌ فـوقَ رأســي :
- لكنّـكِ جلستِ بالفـعل قبـلَ أن تقـولي ذلك !
ضـحكت بـصوتهـا المرح الّـذي فعلاً في هـذهِ اللَـحظةِ أزعجنـي وبـشدّة , قـال وهـي تضـربُ ظهـري بمـرح لدرجـةٍ أنّي شـعرتُ بأنّـهُ كسر :
- آووه " كاتيـانا " ! , أنـتِ مرحة !
{ منِ الـمرِحـةُ بيننـا بجـدّيـةٍ ؟ , تتحـدّثُ وهيَ لا تعـني ذلكَ ! }
سمعنـا صوتَ فتحِ الـبابِ ليظهر لنـا المديـر و خلـفهُ معلّـم جـديد ؟ , قال بصـوتٍ جـهوريّ عـالٍ قليلاً :
- صباحُ الخير , الـيوم تغيّـب المعلّـم لسببٍ خـاصٍّ , وآتـى بدلاً عـنهُ معـلّمٌ احتـياطيّ , فل تـرحّبـوا بهِ رجـاءاً!
صـرخنَ الفتيـاتُ لشـدّةِ وسامتـهِ الّـتي لا آراهـا فعلاً ! , ابتسـم لهم تلـكَ الإبتسامـةُ الّتـي جعلت جـسدي يقـشعرّ إشمـئزازاً منهـا.
رحّـبَ الجميـعُ بـهِ سـواي , نـظرَ لي الـمعلّمُ ذاكَ وابتسـمَ ابتسـامةً كـادت تقتلـني من الـقرف ! , لا زالَ يـنظر لي لـدرجةِ أنّـي أريـدُ أن أضـعَ إصبـعاي في عينيـهِ لكنّي قلقـةٌ على أنّ تتّـسخَ يـدايَ بعدهـا , قال للـجميع وهوَ لم يزحـزح نـاظريهِ عنّـي :
- أتـوقُ للـبقاءٍ معكـم يا أعزّائي
خـرجَ المـدير , أمّـا أنـا أغمـضتُ عينـاي إنـزعاجــاً وقـلتُ بـصوتٍ مسـموعٌ منزعـج :
- وأنـا لا أتـوقُ لذلـكَ .. هذا مقـرف !
نـظرَ الـكلّ لي بـصدمةٍ , وحتّـى هذا الـمعلّـم ذا العيـنينِ البارزتيـن , مع أنّـي لم أقل شـيئاً خاطئـاً .. كمـا أظنّ ! , هنـالكَ شخصٌ واحـد لم تـظهر على محيّـاهُ الـصّدمة , وهيَ " ناتـالي " , قالـت بخفـوت :
- " كاتيـانا " , أرجـوكِ .. تـوقفي عن هذا.
لم أعـلّق عليهـا , فأنـا فعلاً لا أريـدُ قولَ شيءٍ .. لكنّ لا يـهمّ ! , حـاول المعّلـم تناسـيَ ما سمعـهُ منّـي .. وقـالَ وهـوَ يبـعد ناظـريهِ عنّي أخيـراً :
- آآ.. حسنـاً الآن , الـيوم وبمـا أنّـي جديـدٌ هنا ... لن تـدرسواْ من هذهِ الحـصّةَ شـيئاً , مـوافقون ؟
صـرخَ الـكلّ بسعـادةٍ وفـرح :
- هيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه !
فجـأة أحسسـتُ بألـم قـوّي في معـدتي ! , ألـمٌ لم أستـطع مقـاومتـهُ , لاحـظت " ناتـالي " فقلقـت كثيـرا ووقـفت وأمسـكت بي وقـالت بسـرعةٍ وبصوتٍ عالٍ قليلاً :
- تمـاسكي " كـاتيـانا " , أرجـوكِ فـقط قليلاً ..!
إنّـها الـوحيدةُ الّـتي تعلم عـن مـرضي الخطـير , والّـذي لم أقـلهُ لأحدٍ حـتّى والـدايَ ! , لم أستـطع تحمّـل الألـم فوضـعت ظهر يدي الـيسرى على شـفتاي , كـانَ الـطّلابُ ينـظرونَ لنا بـدهشةٍ ؟ , والمـعلم أيضاً !
ركـضتُ جـرياً خـارجَ الـصّف فلحقت بـي " نـاتالي " , دخـلتُ دورةَ الـمياهِ وذهـبتُ لأيّ مغسـلةٍ أمـامي و / ....( × ).... / , ثّـم فتحـتُ الصّنـبور وغـسلتُ وجـهي , وأخرجتُ منديلـي الأزرق ومسحت فمي.
قـالت " ناتــالي " بقلـق وحـزنٍ عـليّ :
- " كاتيانا " , إلى متـى ستخفينَ الأمر ؟
نـظرتُ لهـا , ابتـسمتُ بهـدوءٍ لهـا وقـلت :
- إلى الأبـد !
لاحـظتُ دمعـةً كـادت تسقـط على وجنتيـها الموردتيـن , لكنّـي سارعتهـا ومسحتهـا لهـا وقلت بهـدوء :
- لا تقـلقي ... أنـا بخيرٍ , فقـط لا تبكي .. إتّفقنـا ؟
قـالت بصـوتٍ فيـهِ نبـرةُ بكـاءٍ :
- إتّفقـنا ..
فجـأةً .. نـظرت حـولي ..... تغيّـر المكـانُ قليلاً , بجــــــــــدّيــــــــــــــــــــــــــــــة أيـنَ نحنُ ؟!!! , لاحـظت " ناتـالي " أنّـهُ هنالـكَ خطبٌ , أدارت رأسـها يميناً وشمـالاً كي تـرى أننّـا في ...
( لافـتة / دوراتُ مياهِ الفتيان ) !
آآآآآه ! , تباً لـم ألحـظ ذلكَ أبـداً ! , هـذا محـرج على مـا أظـن .. وكثيراً , رأيـتُ " ناتالي " .. ! لقـد تجمّـدت وأصـبحت حمـراء اللّـون ! , آآه يا إلـهي كيفَ أصبـحتُ هنا ؟
أمسـكتُ بيدهـا وبدأتُ أجـرّها للـخارج , كـدتُ أفتـحُ البـابَ ولـكنّـهُ أديـرَ من نفـسهِ .. وفتـحَ و ظهرَ أمامي فتىً ذو شعرٍ أشـقر وعينـانِ عسليّتانِ وأبيض البشـرة.
ويرتـدي نفـسَ الزّي الذي أرتديـهِ .. سوى أنّـهُ بنطـالٌ رمـادي قـريبٌ جداً إلى الأسود , وأيضا وشاحاً أحمر اللّـون , عندمـا رآني مـع " ناتالي " ... فتحَ عينيـهِ بوسعهمـا وقال بصـدمة :
- مـ.. ماذا تفعـلانِ هنا ؟
أحـمرّ وجهي بـسرعةٍ لـدرجةِ أنّنـي انفجرتُ إحـراجاً , لأوّلِ مـرّةٍ يحصلُ لي ما يـشابهُ هذا ! , كنـتُ أريدُ أن أقولَ لهُ بأنّ ما فـهمهُ خاطئ .. لكـنّي لم أستطـع ! تلعثـم لسـاني ! , لا أستطيـعُ أن أقولَ شيـئاً ..!
عضضـتُ شفتي السّـفلا وشددتُ على يـدِ ناتـالي الّتـي كانت مطأطـئةً رأسهـا إحراجاً من الموقـف , مشيـتُ خـارجَ الـدّوراتِ بخـطىً سريـعةٌ بعض الشـيء ووجهي مصـبوغٌ بالأحـمر.
سمعتُ صوتَ ذاكَ الفتـى يقول وهو يـدخل إلى دوراتِ الميـاه :
- غـريب !
أسرعـتُ كثيـراً حتّـى وصـلنا إلى الـفصل .. الّـذي كانَ فارغـاً , لأنّ ذاكّ المعـلّم الفاشل قـالَ ذلكَ مسبـقاً ( لن تـدرسواْ من هذهِ الحـصّةَ شـيئاً , مـوافقون ؟ ) , إنّـهُ مقـرفٌ هذا الـمعلّم .. لم يعجبني البتّـة!
جلسـتُ على مِقعدي و أجلـستُ " ناتالي " بجـواري , قالـت بارتبـاك :
- يا إلَـهي ؟ , كيـفَ دخلنـا إلى هنـاكَ ؟!!
نـظرتُ لهـا ثم قـلت :
- آسفـة .. لقد أحـرجتكِ معي !
ابتسـمت لي ابتسـامةً مرحـة مختلفـةٌ جداً عن ما قبـلَ قليل :
- لكنّ ألا تعتـقديـن أنّـها كانت شبـهُ مغامـرة ؟
ظهـرت قطـرةٌ كبيـرةٌ على رأسي , وقلـتُ :
- مـ.. مغـامرة ؟
ضحكـت وأمسكـت بكلـتا يـدايّ وقالـت بمرحٍ :
- نـعم !
قـلتُ ببـرودي وأنـا أنظر لكلتا يدينـا :
- لا أظـنُّ فعلاً .. لكـنّ
أعـدتُ النّـظرَ لها وأردفـتُ قائـلةً :
- هل رأيـتي ذاكَ الفتـى الّـذي رآنـا هنـاكَ ؟
أقـولُ لكم وبـصراحــةٍ , سؤالـي ذاكَ غريـبٌ بعضَ الشّـيء ؟ , لمـاذا سألتـها عنهُ ؟ , قاطـعت أفكـاري بقولهـا لي بتسـاؤل :
- لم آرهُ , فـقط سمعتُ صـوتهُ .. لِـمَ ؟
تركـتُ يديهـا ووضعتُ رأسـي على الطّـاولة وقـلت ببرود :
- لا أعلم
ضحكت لي بمرح , ووضـعت كفّهـا على رأسـي وبدأت تمـسحهُ كأنّني طفلـه وقالت :
- آيــه ! , هذا يـفسّر الكثيييـر , أعني .. لمـاذا سألتي عـنهُ !
نظرتُ لها باهتمـامٍ وقلتُ بـهدوئي محـاولةً إخفـاءهُ بِأيّ طـريقـةٍ , وقلت :
- لمـاذا ؟
رفعـت رأسهـا وأغمضت عينـاها السّمـاويّتان , وقـالت بمرحٍ :
- لن أخبـركِ !
عقـدتُ حاجـبــاي بإنزعـاجٍ , تحـبّ هذهِ الفـتاةُ إغاضـتي كثيـراً .. هذا يزعجـني فعلاً , لأنّـها وكما تقـول إنّنـي أبدواْ جميلةً بتلكَ الـملامح المنزعجة !
أسنـدتُ ظهري على الـكرسيّ وبدأتُ أنـظرُ للحديقـةِ الّتي يوجد بهـا صفّنا , قـالت "ناتالي " وهي تنـظر لي بتسـاؤل :
- إلى مـا تنظرين ؟ , و بـماذا تفـكّرين ؟ , أتريديـن الخـروج ؟
- إهـدئي قليلاً , لا تسأليني دفعـةً واحـدة ..
- حسناً حسناً , لكن أجيبي الآن ؟
- أنـظر للحـديقةِ طبعاً ! , لا أفكّـر بـشيءٍ حـقاً , لا .. لا أريـدُ
وقفـت " ناتالي " وبـدأت بالتّـمدّد بتعـبٍ , لكنّـها سرعـانَ ما ابتسـمت بمرح وقالت وهي تضـع يديها على خاصرتهـا :
- إذاً فـ أنا سأخـرج لأحضـر لكلينـا بعضَ العصيـر , ماذا تـريدين ؟
- فراولـة..
- حسنـاً كما تـريدين
خرجـت لكي تحـضر لـكلينا بعض العصيـر , وضعـتُ رأسي على الطّـاولة بمـلل , أفاقنـي صـوتُ صـراخِ فتىً مـزعج وهوَ يؤشّـر لي :
- أنــتِ تلكَ الّـتي رأيتـها ! , وفــــــــــــــــــــــي صفّــــــــــــــــي !
أحسستُ بأنّـي سمعتُ هـذا الصّـوتُ , رفعتُ رأسـي كي آرى ذاك الفتـى الأشـقر المنـدهش , تذكّـرت المـوقف الّـذي حـدث ~
فجـأةً .. نـظرت حـولي ..... تغيّـر المكـانُ قليلاً , بجــــــــــديــــــــــــــــــــــــــــــة أيـنَ نحنُ ؟!!! , لاحـظت " ناتـالي " أنّـهُ هنالـكَ خطبٌ , أدارت رأسـها يميناً وشمـالاً كي تـرى أننّـا في ...
( لافـتة / دوراتُ مياهِ الفتيان ) !
آآآآآه ! , تباً لـم ألحـظ ذلكَ أبـداً ! , هـذا محـرج على مـا أظـن .. وكثيراً , رأيـتُ " ناتالي " .. ! لقـد تجمّـدت وأصـبحت حمـراء اللّـون ! , آآه يا إلـهي كيفَ أصبـحتُ هنا ؟
أمسـكتُ بيدهـا وبدأتُ أجـرّها للـخارج , كـدتُ أفتـحُ البـابَ ولـكنّـهُ أديـرَ من نفـسهِ .. وفتـحَ و ظهرَ أمامي فتىً ذو شعرٍ أشـقر وعينـانِ بنّـيتانِ وأبيض البشـرة.
ويرتـدي نفـسَ الزّي الذي أرتديـهِ .. سوى أنّـهُ بنطـالٌ رمـادي قـريبٌ جداً إلى الأسود , وأيضا وشاحاً أحمر اللّـون , عندمـا رآني مـع " ناتالي " ... فتحَ عينيـهِ بوسعهمـا وقال بصـدمة :
- مـ.. ماذا تفعـلانِ هنا ؟
أحـمرّ وجهي بـسرعةٍ لـدرجةِ أنّنـي انفجرتُ إحـراجاً , لأوّلِ مـرّةٍ يحصلُ لي ما يـشابهُ هذا ! , كنـتُ أريدُ أن أقولَ لهُ بأنّ ما فـهمهُ خاطئ .. لكـنّي لم أستطـع ! تلعثـم لسـاني ! , لا أستطيـعُ أن أقولَ شيـئاً ..!
عضضـتُ شفتي السّـفلا وشددتُ على يـدِ ناتـالي الّتـي كانت مطأطـئةً رأسهـا خجـلاً من الموقـف , مشيـتُ خـارجَ الـدّوراتِ بخـطىً سريـعةٌ بعض الشـيء ووجهي مصـبوغٌ بالأحـمر.
سمعتُ صوتَ ذاكَ الفتـى يقول وهو يـدخل إلى دوراتِ الميـاه :
- غـريب !
~ أردفَ ذاكَ الـفتى الأشـقر قـائلاً بتـساؤل :
- مالّـذي فعلتمـاهُ هنـاكَ .. أنتِ وتلكَ الفتـاة ؟
بلعتُ ريقي , وقـلتُ بـهدوء محـاولةً إخفاء ارتبـاكي :
- أنتَ فهمتَ الأمـرَ بشكلٍ خــاطئ!
عقدَ حـاجبيهِ وهو يتقـدّم نحوَ كـرسيّهِ وقال بتساؤل :
- مالّـذي أخـطأتُ فهمـهُ .. هـاه ؟
- كلّ شيء , أنا فـقط خرجت من الفصلِ إلى دوراتِ المياهِ وكنتُ مسـتعجلة ودخـلتُ بعشوائيـّة , ثمّ تبعتني صديقتي " لينالي " إلى المكانِ الّـذي دخلتهُ .. ولاحقاً علمنا أنّنـا في المـكانِ الخطأ , هذا كلّ شـيءّ.
إرتمى على كـرسيّـهِ وتكتفّ ووضعَ قدمـاً على قدم , وقال :
- آسفٌ على سوءِ الـظّن
- لا بأس .. فأنا غيرُ مهتمّـةٍ فعلاً
- حقاً ؟
- نعم .. حقاً
- ما أسمـكِ يا فتاةٍ ؟
- " كاتيانا " , " كاتيانا لانكاستر "
ابتسـمَ لي وهو يعتـدلُ بجلستـهِ وقال :
- أدعـى " آندرسون ماكيل "
- " ماكيل " ؟ إنّهـا عائلةٌ مشـهورةٌ كثيراً
- كمـا هيَ " لانكاستر " , أوَليـسَ صحيحاً ؟
- بلا , صحيحٌ
- ألن تخـرجي للّعب ؟ , أشعرُ بالمـللِ هنا
- كلّا
نظرتُ لهُ وأنا مقطبةٌ حاجباي وأردفت :
- لماذا ؟ هلِ تقولُ " المكانُ مملٌّ هنا " لكلّ شخصٍ تتـعرّفُ عليهِ للـمرّةِ الأولى ؟ , هذا فـظٌ جداً !
وقفَ وحرّكَ كلتا يديهِ يميناً وشمالاً دلالةً على أنّني مخطئـة , وقال بابتسـامةٍ مربتكة :
- كـ.. كلا ! , سوى أنّ برودةَ المكـانِ حـارةٌ هنا !
أقطبتُ حـاجبايَ أكثر وقلت :
- آوه , صحيح .. لقد صـدّقتك يا أيّـها الأصلع !
خرجت قطـرةٌ كبيـرةٌ فوقَ رأسـهِ وهالـةٌ زرقاء غريبـةٌ وقال :
- أ.. أنـا لستُ أصلعاً يا أيّتهـا العجوز !
- إنّـي لا آرى شعرةً واحـدة !
- لأنّـكِ تحتـاجينَ لنـظّاراتٍ يا جدّتي !
- لستُ جدّتـكَ يا طفـلُ !
- ولستُ أصلعاً يا عميـاء !
آتى صـوتٌ ثالثٌ متعجّـبٌ يقول بتساؤل :
- همممم .. مالّـذي يجري هنا ؟
كانَ ذلكَ صوتَ " ناتالي " الّتي بيديهـا كأسـانِ من العصير , قلتُ بهدوء :
- " ناتالي " ؟
نظرت لي " ناتالي " بتساؤل وقالت :
- مالّـذي حدثَ في غيابـي .. " كاتي " ؟
قـالَ الأصلـع " آندي " بضحكـةٍ :
- كاتي ؟ أهيَ قـطّةٌ ؟ تلكَ العجـوزُ ؟
غضبتُ وتـقدّمتُ منهُ , ومـن شـدّةِ غضـبي دستُ على قـدمهِ , وقلتُ بصـراخٍ أخافـهُ :
- لسـتُ قطّـةً أو عجـوزٌ !
ضحكـت " ناتالي " ثمّ ابتسمت ابتـسامةً جانبيّـةً , قالَ ذاكَ الأصلع بألـم :
- آوتــــــــــــــــــــــــش ! , ما كـانَ ذلكَ ؟
- دستُ على قـدمكَ يا أصلع !
- لستُ أصلعاً ! .. يا عجوزٌ
- أصلع!
- عجووز!
- كفـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى !
كانَ ذلكَ صـراخُ " ناتالي " المنزعج , قـالت بغضبٍ عـارم :
- أنتمـا في مـدرسةٍ ! , مدرسةً ! , لا حلبـةُ مصارعـةٍ بينَ " أصلع " × " عجوز "! , إختـارا الـوقتُ بشكلٍ منـاسب ! , طفلانٍ !
صحيحٌ .. كيفَ أمكنني إخـراجُ ما بداخـلي ؟ , ألم أكـن في السّابـق أتجـاهل ما يكونُ بداخلي وأكتمهُ ؟ , مالّـذي حدث ؟ , تباً للأصلع ذاك , ألم أعتد على هذا الوضع حتّى مع أقاربي.
أفاقـني من شـرودي صـراخُ " ناتالي " الّتي قـالت :
- " كــــــــــــــــــاتي " ! , أيـنَ ذهبتي ؟!
- مـعكِ مـعكِ ..
آتـى صـوتٌ بجـوارِ البـاب , فـدخلَ فـتىً ذو شعـرٍ بنّـي وعينـانِ بنّيّـتانِ كذلـكَ , وهـوَ يـضرب كـتفهُ بيـدهِ الآخـرى , وإحـدى عينيـهِ مغلقـةٌ , وقـال :
- " آنـدي " ..
ابتسـمَ " آندي " لـهُ وقـالَ بمـرحٍ وهوَ يقف :
- مــرحباً يا صـاح ! , أينَ كـنت ؟
- فـي الحقيقـةِ كنتُ مـعَ المـراقب
ظهـرت على مـلامحِ ذاكَ الأصـلع التّـساؤل وقال :
- ماذا كـنتَ تعمـلُ معهُ ؟
اقـتربَ ذاكَ الفـتى وجلسَ بجـوارهِ وهوَ يـضعُ قدمـاً على الآخـرى ويداهُ في جيبيـهِ وابتسـم وقـالَ بمرحٍ :
- الـواقعُ أنّ الـمراقبَ يـكونُ عمّـي ! , لذلـكَ ذهبتُ لـهُ لألقيَ الـتّحيةَ ..!
صـرخَ " آندي " المـزعج قائـلاً :
- المــــــراقب ! ... عمّـــــــــــــــــــــكَ !
- نـعم نـعم..
نـظرَ الفتـى لـ " ناتالي " فابتـسمَ لها وقـال :
- أنـتِ تلكَ الفتـاةُ الّتي اصطدمـت بي قبلَ قـليل .. أليسَ كذلـكَ ؟
احمّـرت وجنتـى " ناتالي " , فانحنـت بـسرعةٍ وقـالت :
- آســـــفة !! , آسـفة ! آسـفة ! آسـفة !
ضـحكَ لهـا ووقفَ وتقـدم منهـا ووضـعَ يدهُ اليمـنى على رأسـها وربّت فيـهِ وقال :
- لا بــأس .. لا بـأس
كـنتُ أريـدُ أنّ أقتلـهُ لإقتـرابــهِ منهـا فهيَ رغـمَ مرحـها إلى إنّـها خجـولةٌ أيضاً .. لكن عندمـا لمحتُ شبح إبتسـامةٍ على شفتيهـا وهيَ منحنيـةٍ فضّـلتُ الصّمـت ..
قـالَ آنـدي بمـللٍ وهـوَ يـنظرُ لصـاحبهِ :
- تبـاً يا " جيـمس " ! بحـقٍ .. ماذا حـدثَ لكَ ؟ , كيفَ أصطدمـتَ بها ؟
- لقـد كنـتُ أسيرُ في أحـدِ الممـرّاتِ وفجـأةً إصطمـدت بي وسكـبَ كـأسانِ من العصير .. ولذا عـادت لكي تشتـري آخـراً ولكنّنـي سبقتهـا لأشتـريَ لها فذلكَ بـسببي في النّهاية
أخـذتُ العصيرَ من نـاتالي وشـربتُ منهُ عـدةً رشفـاتٍ حتّى انتهـى , وضعتهُ في سلّـةِ المهمـلات .. وقـد أعـلنت في ذاكَ الـوقت إنتهـاء الحصـةِ الأولـى. |
__________________
الحمَد للهِ حبّا , الحمدُ للهِ شكرّآ , الحَمد للهِ يومًآ وشهرًآ وعمرًآ ,
الحمد للهِ في السرّاء والضراءِ , الحمد للهِ دآئمَآ ’ وآبدَآ !*.
- اللهُم إني أسْالكَ إيمانًا دائمًا وأسْألكَ قلبًا خاشِعًا وأسْألكَ علمًا نْافعًا
وأسْألكَ يقينْا صَادقْا وأسْألكَ دِينًا قيْمًا وأسْألكَ العافيَة مِن كلّ بليةٍ -
ربّ اجعل الجنة نصيبي ونصيبَ أحبّتي
+ اعتزال - أي أحد يبغى يقول لي شي بالملاحظات .
- الحياههء فانيههء ") |
|