البارت الثالث ...
...................
قد تتلاشى انفسنا في عواصف الحياة القاهرة ... و تضمحل قوانا شيئاً فشيئاً
و نتقهقر الى الهزيمة المُرة حيث نتذوق جميع انواع العذاب ...
و يأسرنا ذلك الوحش القاتل ... يدبدب بحوافره في فؤادنا و يشعل بسوطه نارً
و ها هنا تحترق روحنا ... و تنتشر خلايا مُفجرة في اجسادنا ...
و يتخاذل جوفنا في صد هجمات ذلك الوحش ..
فقط يعترينا و يسيطر على عقولنا و نحن نذهب مع الرياح حيث تكون
هي التي تحدد مسارنا .. و نأمل بأن تعود الروح لبدننا مرة اخرى
و لا تتركنا في وحشة قاتلة ...
او لربما يستيقظ شعور ما بداخلنا يجعل قلوبنا طيورً تُحلق في أعالي السماء
لكل انتقام حرب .... و لك حرب تضحيات
خاضت معركة حتى تستطيع فتح عينيها ... فتحتهما بتثاقل شديد ..
شعرت بإلتهاب في حلقها ..و الصداع يكاد يفتك بخلايا دماغها
أصابها أعياء عام ... فقط ما أستطاعت رؤيته جدار اسود كبير
كان المكان مُظلم ... و شعرت بألم في عضلاتها من ذلك الشيء اليابس
الجامد النائمة عليه .. و ما يداعب جسدها هو هزيز تلك الرياح القوية
خالطه غمغمة صوتً عميقاً يمتزج معه نبرات الغضب فيه الكثير من البرود القاسي
تزاوجت عيونها الزرقاء مع تلك الهالة السوداء المحيطة بالمكان
و أرتخت عضلاتها أكثر و غرقت في نوم عميق ...
في مكان آخر بعيد عن ساوباولو و ذئاب لياليها ...
فتاة ذات شعر بني قصير و عيون تمتلك لون اوراق الشجيرات النقية و بشرة تتميز ببعض السمرة نبشت بفزع في أدراج المكتب ثم صرخت قائلة " تباً .. لايعقل ان تكون أخذته .."
أمسكت بهاتفها بيدين مرتجفتين هاتفها المحمول ...و اتصلت لكن ما من مجيب
دخلت عليها فتاة في أواسط العشرينات .. ذات ملامح عادية
و عيون بنية و شعر مربوط كذيل فرس للخلف مُرتدية ثوب خادمات اسود قائلة بنبرة احترام " هل يمكنني مساعدتك يا آنسة أميلي ؟.."
أقفلت الادراج بعصبية و تراجعت للخلف بتوتر خفيف ثم قالت ".. متى رأيتي أريا آخر مرة ..؟ "
وضعت الخادمة يدها على ذقنها و ضاقت عيناها قليلا و قالت بعد تفكير " تقريباً منذ يومين "
تقدمت نحوها و قالت "هل لاحظتي اي شيء غريب عليها ؟ "
نظرت الفتاة للأرض و قالت بنبرة حزن " تعلمين يا أنسة أنها منذ وفاة السيد ويليام و هي بحالة نفسية سيئة ..لكن ما جذب انتباهي انه منذ يومين كنت أريد الاطمئنان على السيد الكبير سكوفيلد فهو الآخر منذ وفاة ابنه بحالة صحية متدهورة جداً.. قبل ان أطرق الباب سمعت شهقات بكائها و هي تتأسف له
بدت و كأنما تريد توديعه و منذ ذلك اليوم لم أرها .."
نظرت أميلي لها بغضب و قالت " قصر طويل عريض يملؤه الخدم و الحشم ولم يلاحظ احد اختفائها "
صمتت الخادمة قليلا و قالت " لكن انا كنت اعتقد انها أخبرت السيد ادوارد الى اين ستذهب .؟"
تنفست الصعداء ثم قالت بنبرة آمرة " يمكنكِ الذهاب "
أغلقت الخادمة الباب ... و سارت أميلي في أتجاه ذلك المكتب و جلست على ذلك الكرسي المصنوع من الجلد الاسود ... أراحت رأسها للخلف و طرقت بأظافر يدها الوردية على المكتب ... تأملت فخامة تلك الجدران البيضاء و تنظيم الغرفة الاسود
مع لون يشبه في درجته لون دم الغزال الاحمر ...غرقت في آمال و شردت في أمنيات و أفكار لم تعرفها من قبل
ضحكت كأنما انفتح لها باب من ابواب الجنة ... و تنفست بارتياح كأن ذلك الجبل الذي على صدرها قد أنقشع مع تلك الموجة العنيفة التي تلاطمت مع قلبها
و تركت لروحها العنان في البحث و التفكير العميق ...
شعرت بجفاف فمها ..كجفاف الصحراء الجرداء الخالية من الحياة
أيقظها ذلك الأحساس المؤلم و فتحت عينيها بفتور و مشقة ..
لمحت طيف شخص طويل عريض ... لم تستطع التعرف على ملامحه
من ذلك الظلام الدامس ... سمعت صوته قائلاً بتهكم " الآنسة سكوفيلد في ضيافتنا ..يا لسعدي "
تأوهت ألماً و حاولت ان تستوعب ما تراه أو حتى ما تسمعه ...بدت كطفلة حمقاء تائهة من أمها لا تعلم أين و كيف وصلت لهذا المكان ..
وضعت يدها اليمنى على رأسها و قالت بوهن " من انت.؟ اين انا ؟"
ضحك بإستهزاء و قال " الاسئلة التافهة ... و كأنك لا تعلمين الجواب "
أرعبها بنبرته .. أهتز قلبها خوفاً ... شُلت خلايا دماغها لم تستطع التفكير
شعرت بكل نفس تأخذه ..كأنه خنجر مسموم قد غُرِز بقلبها
اردف قائلاً بنبرة سخرية " اوه ..هل الجميلة متعبة ؟..أم انها تفكر اي من اعضائها قد سُرِقت "
هل جُنت ... أم انها تحلم ... اعضاء ... سرقة ...ما هذا بحق الجحيم
كان صوتها ضعيفاً ... شعرت بروحها و هي تضيع مع احاسيس قد اجتاحتها
شبراً بشبر ... خذلتها نفسها بالصمود ...فأحست بحجاب اسود قد خيم على عيناها ... فقدت الاحساس بالمكان و الزمان و من ثم اقفلت عيناها و ارخت عضلاتها ... مستسلمة لكل ما يحدث ...
.........................
كان كل شيء مختلف هذه المرة ... فراش ناعم كأنه صُنع من ريش النعام
دفء قد غلف جسدها ... و تعمقت رائحة زهرة الماغنوليا البيضاء في ذرات الهواء التي باتت تستنشقه بهدوء ...
و عندما فتحت عيناها نظرت لكل شيء حولها ... جدران ترابية و نوافذ كبيرة
تخترقها اشعة الشمس الذهبية ... تلك المزهريات الرائعة في جوانب الغرفة كل شيء اجبرها على ان تشعر بالراحة ... و أيقنت ان كل ما رأته
كان مجرد كابوس ... دخلت عليها فتاة مرتدية بنطال قماش ابيض و قميص ابيض فوقه ... تاركة شعرها الاسود بحرية على كتفيها ..
تفوهت ببعض كلمات لم تفهمها ...
تعجبت لتلك الفتاة .. اتسعت عيناها ... و وضعت يدها على شعرها ثم قالت " انا لا افهم ما تقولين ..؟"
لم تسنح لها الفرصة حتى للتحدث معها فقد خرجت الفتاة بسرعة من الغرفة
زاد ذلك من اندهاشها ... ألتفت يمينها و يسارها لتستوعب ماذا يحدث لها
وجدت هاتف بجانبها حملته و أخذت تضرب بالارقام لم يستوقفها شيء
الا .... تلك الرائحة القوية الهادئة النفاذة انها الاوركيدا البرازيلية
ارتجفت يداها ووقع الهاتف منها ... شعرت بتلك الرائحة تتعمق في ثنايا قلبها
تباً هي لم تلتفت برأسها بعد ... شعرت بأن تلك الرائحة قد أحتوت على كل ذرة
في الهواء الطلق ....كملك فرض سيطرته على حشمه ...
و ما زاد من وضعها سوءاً ذلك الصوت العميق المنبعث من ذلك الجسد قائلاً
".. للمرة الثانية ... اهلا. "
لوهلة كان كل شيء مرتص أمام عيناها ... تذكرت كل لحظة مرت بها
نظرت لجسدها وجدته كما هو لم تكن هناك آثار لمشرط او جراحة
شعرت بتصلب عنقها ... تلاشت الدماء من وجهها و ابتلعت ريقها بصعوبة
و أحست شجاعتها تذوب كذوبان الثليج ...
نطق ذلك الصوت مجددا " هل تجمدتي .؟... أم انك تحاولين استيعاب ما يحدث "
استفزها بكلامه ... فسرت الدماء في اوردتها و بحركة سريعة
نظرت للوراء ... و بعض لحظات من الصمت
اجل هو ... ذلك الانف المستقيم الارستقراطي ... تلك العينان السوداوتان التي بها حلقة كلون العسل الذائب ... الرموش الكثيفة و الوجنتين الجامدتين القاسيتين
ذلك الطول الفارع و الجسد الرياضي ... تلك البشرة التي تمتزج بين الابيض و السمار معاً جعلتها كحبيبات الذهب المتناثرة ... ذلك الشعر اللامع الذي يتزاوج لونه بين البني و الاشقر الزيتوني ... تماما كتمثال منحوت بدقة .. اجل انه هو ..
خطى نحوها كالفهد و قال بتهكم " اجل ... فرناندو "
برق في عينيها الزرقاوتين بريق الغضب و البغض معاً ... نهضت من السرير
بالكاد استطاعت ركبتاها الوقوف ...كان هو بعيداً عنها بعض الشيء
نظراته سيطرت على المكان ... رائحته كادت تخنقها .. سمعت دوي انفجارات قلبها ... انهارت كل دعائمها ... هربت منها خلايا دماغها .. تباً هو لم يقترب منها بعد ...
أمسك هو بزمام الامور و قال " لم تقولي ...ماذا تريدين ؟ فعل ما فعله اخاكِ"
كانت هذه اول ضربة له ... ضغطت على أسنانها و قالت " بل جئت لأدفعك الثمن غالياً يا فرناندو .."
نظر لها من رأسها لأخمض قدماها ثم قال " هنا ... الآن ...و انتي ملكي "
ارتجف قلبها و أهتز كيانها و ترددت في اسماعها جملته الاخيرة
تعرقت راحة يدها بشدة ... بات توترها كأوتار الآلة التي يلعب بها قلبها
تلذذ عندما شاهد منظرها و تقوست شفتاه ضاحكاً بإستهزاء
ضحكته تلك دفعتها لقول " لست ملك انسان حقير مثلك ... عديم الضمير
رأت الشرر يخرج من عينيه و قد ضاقت حدقتها ...أشتدت عضلاته أكثر
و بحركة سريعة تقدم نحوها و غرز بأصابعه في كتفيها
هزها بعنف عدة مرات ثم قال " أتعلمين ... سأستمتع كثيراً بترويضك "
تجمعت الدموع في عينيها ... تمالكت نفسها ... شعرت بوخز في صدرها
قالت بصوت مخنوق " أتعلم ..سأستمتع كثيراً بقتلك "
أمسك بيده اليمنى ثغرها و قال " هذا الفم يجب ان يتم تنظيفه "
ردت عليه قائلة بغضب " ليس قبل ان يتم تنظيف افعالك "
شد قبضة يده على فمها و حركه يمينا و يسارا ثم تركها
بقوة و قال " ستكونين خادمة بين يداي "
التمعت في عيناها دموعها و قالت متوعدة و هي ممسكة بثغرها من الألم
" هذا اذا لم تكن انت قبلي هشائم صفراء تحت قدماي "
ضحك بتهكم و اقترب منها مجدداً و أمسكها ثم قال " سأكون خير معلم لكِ "
ثم ساق بها الى تلك الغرفة المظلمة مجدداً بعد ان اجتاز السلالم بسرعة
ثم رماها بقوة فيها و صاح قائلاً لخدمه " أجعلوها أسيرة هنا بدون طعام او شراب "
ثم خرج و أغلق ذلك الباب بالمفتاح
ركضت هي ناحية الباب و هي تصرخ قائلة " ستندم ... أفتح الباب "
جلست على الارض و غلبتها دموعها و شعورها بالعجز
أمسكت بقلادتها و قالت بألم " ويليام ..اين انت ؟ ... أخي "
قد يمتلك البشر قلوب حاقدة مظلمة تماما كظلمة الليل
و مهما حاولنا في ان نبعث بها النور ...نفشل
قلوب قد جُردت من المشاعر ...
تكون مملكة للقسوة و يتربع على عرشها الشيطان ...
آسفة اذا كنت قد كررت بعض الاحداث لكن ذلك للاهمية
او ان كنتم شعرتم بالملل .. اوحتى ان لم يكن بالمستوى المطلوب
أميلي الشخصية الجديدة ما دورها ..؟
هل اعجبكم وصف فرناندو ..؟
بلييز لو عجبكم البارت لا تنسوا اللايك و التقييم