سمعت حفيف الاشجار ... هزيم الرعد المرعب ... و الغيث الذي يروي الارض
بتكتكاته التي بدت كأنها حوافر فرس يمشي برشاقة مختالاً معجباً بنفسه ...
ضمت نفسها أكثر ... و سمحت لدموعها بالانهمار
و أسترجعت ذكريات قد لذعت في جوفها
كان المطر وحده من أرجع تلك الذكريات
و كان لرائحته أنين موجع لزمان ذاهب
صوت حنون زلزل قلبها عندما تذكرته ....
و عبر ذلك اليوم الممطر على خيالها...
لم يكن المطر قاسياً ... بل كان ينزل بهدوء كأنه يتمايل على انغام
موسيقى السعادة التي تغمر قلبها أنذاك ...
و تراقصت هي كالطفلة على تلك النغمة ....
و كان يُنشد معها شخص كان من الصعب فراقه ...
أكبر من النسيان ... مشرق الوجه بضحكته ...
وسيماً بشعره الأشقر الغامق ... و عيناه العسلية الهادئة ...
قوياً بجسده الرياضي المتناسق ... مُخلصا في حبه لها
نظرت له و نادته بغبطة "...هيا ويليام تعال .."
بادلها النظرات و خطى نحوها خطوات واسعة ثم حملها بين يديه و قال ".. لا ايتها الشقية ..الصقيع لا يُحتمل و الظلام سيعمي بصيرتنا في طريق العودة .."
نظرت له و قالت "..اذا أنزلني .."
قال معارضاً "... بل اجعلي ادوارد يُنزلك .."
نظرت له باستغراب و قالت "..ما شأن ادوارد .."
نظر لها بعتاب و قال " لا شيء يا سمو الاميرة فقط ..انه يتعذب لسماع كلمة منكِ "
ردت عليه قائلة "...و الاميرة الآن تأمرك بأن تنزلها .."
ويليام " لم يعجبك الموضوع ... "
ردت عليه بمرح و قالت " بل أخاف على ان اتأخر على موكبي .."
ضحك و قال " كم انتي بارعة في تغيير المواضيع .."
نظرت بنظرات حنونة و قالت "...لا يا أخي .ان ادوارد ماهو الا اخي الثاني فقط .."
ثم اردفت قائلة "... هل تريد البقاء هنا .و التخلي عن حياتك ؟"
ردد مستغرباً من كلماتها " التخلي عن حياتي ؟"
اقتربت و همست في اذنه قائلة " اجل . فأبي لن يرحمك اذا انا مرضت "
رد عليها و قال " بل انا لن ارحم نفسي اذا أصابك مكروه .. "
حينها نظر لها بواقعية أكثر و حنان أكبر و ضمها لصدره ليغمرها الدفء في جميع أنحاء جسدها كانما كان يحاول ان يتفوه بشيء أخفاه عنها ... شعرت بالحماية و الإطمئنان و نطق بنبرة حب و حنان
" لن أترك اي شيء يصيبك ... سأظل معكي لأحميكي دائماً ... تماما كالملاك الحارس لكي "
هنا أهترت كل دعائمها القوية المزيفة ... فقد أرجعت الذكريات لها الأشواق و الحنان الذاهب ...
أخذه الردى منها و قصد بأن يغرز خنجر الألم في صدرها ... و هي لا تزال متمسكة بمخاوفها الطفولية
لا زال هذا الشعور يتملكها ... حاولت ان تستطرده من أفكارها و المضي قدماً في طريق الانتقام
طريق لم تجرب أشواكه من قبل ...
لا زالت في البداية ... و لا زالت بكتيريا اليأس تتلجلج في صدرها ... و جراثيم الحزن كامن في قلبها
فمن سييقظ روح التمرد و يساعدها على الوقوف من جديد ... و تكون كالشجرة القوية الراسخة
مهما مرت عليها من رياح عاتية ...
أو قد تتحول الى مستذئبة ماكرة ... غلف قلبها اللؤم و الخبث ... و الخداع بات طريقها للحياة من جديد
ابواب الجحيم لم تُفتح بعد .. بل هي البداية فقط ..
قد نكون في قمة أحتياجنا الى من نحب ..من نثق ..من يهتم بنا ... و هو لا يشعر
بل قد يكون بكامل فرحته و سروره لمجرد رحيلنا ..
و يُغَلف القلب ببرودة و عدم اهتمام يخنقنا ... و يلقي بروحنا عرض الحائط ..
و هنا تختلف الأحاسيس و المشاعر من شخص لآخر ..
...............................
دارت حول نفسها بسعادة في وسط الغرفة ..بدت كعصفور يحلق بأعالي السماء ...مطلقاً تغريداته الفرِحة
بأبتسام الحياة في وجهه ..أو للشمس التي سطعت نورها في قلبه ...مانحة فرص لا تعوض
و حظ سعيد نادراً ما يطل على الأماني ليحققها ..
فجأة أنقشعت تلك الشمس من قلبها ... و أختبأ ذلك العصفور المحلق ... و عم الظلام لوهلة في روحها
حاولت ان تعرف ما هية هذا الصوت الذي أنبعث فجأة من أحد أركان الغرفة ...
نظرت خلفها ... و جاءت نسمة من الهواء فبعثرت شعرها القصير ...و أفاقت في روحها نداء الحذر
من تلك المخلوقة التي أثر فيها سنوات الزمن فبدأت تجاعيد وجهها بالظهور ... و تلك الخيوط الرفيعة التي برزت بجانب عينيها البنية ... فحاولت جاهدة بأن تخفي ما تستطيع إخفائه بتلك المساحيق التجميلية
و غلفت شفاتها بحمرة شفاء كالدم ..بدت كأنها وحش قد هجم على فريسته ... و تركت الدماء آثارها على ثغره ...ثم غرزت يدها في شعرها الاسود الحالك و قهقهت بسخرية قائلة "...لماذا توقفتي ؟ آسفة لقطعي عليك تلك الأحاسيس الرائعة ... لكنها بدت لي كشعور القائد المنتصر بعد معركة ما .."
تقدمت نحوها و قلبها يبعث بموجات من الحذر ... فأنعكس ذلك في عينيها الخضراء و قالت ممثلة الهدوء
"...فقط ذكريات جميلة عبرت على مخيلتي .. "
ثم رفعت حاجبيها و قالت بنبرة سخرية ممزوجة بتحدِ " ... لم تكن هناك معركة حتى أظفر بها ..أوكتافيا"
مسكت اوكتافيا خصلات شعرها السوداء الطويلة و عبثت بها بين أصابعها ...نظرت لملابس إميلي و قالت " دقيقة ... أليس هذا الثوب من أغلى الأثواب و أفضلها التي قُدمت لعارضتنا الجميلة الباهرة
بنقاء قلبها و رونقها الدائم "
و انفجر هرمون الأدرنالين في سرعة دورانه في جسدها ...أزداد أستنشاقها للهواء المحيط
وعاتبت نفسها لأنها نست أن تبدل ذلك الثوب الفيروزي الجميل الذي حُيك بأجمل الخيوط
و طُرز بأجمل ما يمكن من تطريزات فضية و فيروزية زاد من جماله أكثر
و فهمت بسرعة ما كانت تريد أوكتافيا ان توضحه ..فعزمت بداخلها الا تترك نفسها فريسة لذئبة ماكرة
فقالت مُدعية الثقة " أستعرته منها ...هل من مشكلة ؟"
أزداد لعبها بخصلات شعرها و لوت شفتاها للجانب الايمن و قالت " بل انا حائرة قليلاً ... فأنا أفتقد عارضتنا المليحة "
ضمت يداها الى صدرها و قالت بسخرية " أحقاً تفتقدينها ... ثم كيف دخلتي الى هنا؟"
ردت عليها بلا مبالاة "...من الباب الذي لم تغلقيه .."
ضاقت عيناها و قالت بنبرة شك "..ماذا تفعلين انتي يا إميلي في بيت ليس ملكك و مالكه قد أصابه المرض و الأخرى قد أختفت من على وجه الأرض ؟"
رجعت خطوات الى الوراء و أتسعت عيناها و قالت مرتبكة " هذا ليس من شأنك "
تقدمت اوكتافيا نحوها للامام و أزدادت غيرة بنفسها ثم قالت بتلميح على ما خطر ببالها " لا تقلقي ..إميلي و لا تكوني بهذه العدائية معي .... قد نصبح أصدقاءً يوماً ما"
ثم غمزت لها بعين واحدة و خرجت من الغرفة ...تاركة وراءها فتاة قد أفترسها وحش الحيرة
ووحش الطمع ... و غرقت في جملتها الأخيرة ...فأطلقت لجوفها العنان في أخذ ما يريد أستنشاقه من هواء بات ينقشع شيئاً فشيئاً ... و جلست على الكرسي الاسود المقابل لها...واضعة يديها على رأسها
و شعرت بضياع روحها في عواصف و أعاصير قد هاجمت جسدها ...
في حين قد تنحى ذلك الشاب في ناحية من احدى الحدائق ..ليطلق لجام قلبه في التعبير عن قلقه في إختفاء من أختاره فؤاده .... ثم جلس على كرسي يظلله عريش من الخشب و تحنوا اليه الأغصان البنية
و أنحنت بعض من السلاسل الذهبية على وجهه ... فلمع شعره البني و عيناه الفولاذية ... و أعتلت ملامح وجهه الدقيقة الحزن ... و غرق في تفكيره العميق نحوها ... و قتله الشك فيما أدعت به
فأراح رأسه للوراء و هتف في صراخ صامت " اين انتي يا أريا ..؟"
......................
لم يكن الوحيد الذي يطلق صرخات قلبه الصامتة ... فهي التي قد هُزِمت من معركة لم تبدأها بعد
جاهلة بما يدور حولها ... ظلت ما يُقارب ثلاثة أيام على حالها ... بدون طعام أو شراب
حتى شحب وجهها ... و تحولت خدودها من حمرة الوردِ الى صفرة الجادي .. و شعرها فقد بريقه الأشقر
و انطفأت لهيب خصلاته الحمراء ... و أختفت رائحة الشذى التي كانت تداعب خصلاته الشقراء المتوهجة... و بات تنفسها للهواء في قمة المصاعب التي تواجهها كل ثانية
أما قوتها فقد أختفت مع الزوبعات التي تهاجمها لحظة بلحظة .... فأنزلت رأسها تعباً و أنخفضت أهداب عيونها في وهن ...
و على غفوة أنفتح الباب ببطء ... و هي لا زالت خافضة الرأس ... لم تُكلف عناء نفسها برفع رأسها حتى ...
فظهر ذلك الصوت العميق الهادل ... الذي يلمس الارواح بشغف ...
قائلاً " ألم تستسلمي بعد ؟.."
حاولت ان تستعيد قوتها ...لكن خذلتها الروح في الإستجابة ... فقالت بوهن محاولة ان تخفيه
أعتلت على وجهه مسحة من السخرية و قال " أنا لم أبدأ بعد "
ردت بسخرية " أعلمني بوقت بدء معركتك يا سيد فرناندو "
أستغلها قائلاً " صدقتي ... انا السيد و انتي الأمة هنا "
ثم أردف قائلاً " تتعلمين الدرس بسرعة يا أمتي "
ألتهبت مشاعرها حُرقةً بالألم ... و حمم بركانها الكامن أنفجرت ... و بكتيريا اليأس أزداد نشاطها
فشعرت بالقوة تضرب روحها من جديد تماما كمطرقة تطرق الحديد بوحشية ..
فتحولت للبوة قوية و أندفعت بحركة هجومية نحوه ...
فأمسك بيدها التي كانت تريد الأنزال بها على خده معلنة صفعة كانت ستخمد من حريقها قليلاً
و حرك بيدها يميناً و شمالاً ... شعرت كأنما قد انفصلت يدها من جسدها
و من ثم التمعت النار في عينيه ... و أتسعت حلقة عيناه العسلية المغلفة بسواد قاتم
ثم صاح كزئير الاسد " أياك ثم أياك حتى بالتفكير بهذا مرة اخرى .. ستكون نهايتك .. مفهوم ..."
هربت منها لبوتها القوية ... و روحها المتوحشة ... لتعود لتلك الطفلة البريئة الضعيفة
الى الأنثى التي تقتلها نظرة قاسية خالية من المشاعر
فدمعت عيناها خوفاً و قالت بتوسل حار " أقتلني ... أسرق ما شئت من أعضاء جسدي ... أليس هذا ما تبرع فيه ؟... "
ثم أردفت بصوت أبح " أنا أتوسل أليك ..؟ دعني أنضم لضريح اخي "
تمعن في نظراته لها ... و خف من قبضة يده على يدها ... و أختلطت انفاسه الهادئة مع انفاسها المجهشة بالبكاء ... فكان الصمت كالسيد المستبد الذي يفرض سيطرته على المكان
و تضاعفت ضربات القلوب ... و زُلزِلت الأرواح
فكسر الحواجز مجددا بقوله " لا ...ليس بعد "
مهما حاولنا من إحياء أنسانية في وحش قد خلقته الظروف ... تطغى طباعه القاسية عليه
و يعود كالأسد الكاسر .. و الصقر المهاجم ...
و مهما حاولنا في ان ننزل بنقاء قلوبنا في قاع الوحل حتى يتسخ و يصبح ملائماً لما نعيشه
في ظروف بيئية صعبة ... يعود بياضها الناصع في الظهور من جديد
اتمنى ان تكونوا قد استمتعتم بالقراءة ... و لا يكون قد خالط أحاسيسكم الملل
و آسفة لتأخري ...
و شكرااااااااا جزيلا للسبح الاسود للقتل الصامت على التنسيق و الفواصل
ظهرت شخصية جديدة ... فماذا تتوقعون ان يكون دورها ..؟
ذلك الشاب الذي كان في الحديقة من هو ؟؟ و ماذا قد يكون دوره ؟
برايكم كيف ستخرج أريا من سجنها ..؟
اذا كنت بستااهل لا تنسوا اللايك و التقييم
الى لقاء اخر في بارت اخر يا احلى متابعين (: