|
قصص قصيرة قصص قصيرة,قصه واقعيه قصيره,قصص رومانسية قصيرة. |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#6
| ||
| ||
الفصل الثالث ستناقشها الآن أيها الواثق .. حسنا يا صاح .. ثم ضحك وبدأ بالقراءة .. .[/] قال أسامة بعد أن أنهى قرأتها : من الجيد أنني لم أحضر الفقرة الثانية والثالثة ، لأنها كانت مرعبة فعلا .. أظن ذلك .. وأظن أنك لم تحضر الرابعة أيضا .. نظر أسامة وقال: لماذا لم تفكر في تلك العلبة؟؟ كيف كان حجمها؟ فكر آدم للحظات ثم قال وهو يضع يده في شكل مربع: كانت صغيرة، ربما في حجم مكعبات أخيك الصغير .. ضحك أسامة وقال: أهذا هو أجمل وصف قمت به؟؟ ضحك آدم وطوى أسامة الورقة الصغيرة وهو يقول: استعد للمغامرة .. سيارة مغامرات قويه، أربع إطارات احتياطية .. جالون من البنزين، ومفاتيح احتياطية .. ما رأيك ..؟ لا يا أسامة! لن تدخل في هذا مجددا! بل سأدخل! لا تكن عنيدا .. سوف نكون بخير ونحن معا .. ********** قال أسامة وهو يدير سيارته الجديدة ضاحكا: حان الوقت يا عزيزي .. ثم اندفع بالسيارة وآدم يقول: أنت ثري يا أسامة ولكنك فعلا شجاع !! لن يقف شيء في طريقنا بإذن الله .. إن شاء الله! مضى الطريق في الحديث بين آدم وأسامة عن كلية الشرطة .. كانا ضجرين منها أكثر مما هما سعيدين بها .. مضت الرحلة كالمعتاد .. وقال آدم يداعب أسامة خلال الرحلة: أسامة .. هل أخذت احتياطاتك اللازمة؟؟ أظن أن الأمر تلك المرة سيكون أكبر بكثير من كل المرات السابقة ... تساءل أسامة بقلق : ولماذا تعتقد ذلك؟؟ نحن الآن ذاهبان لنعثر على شيء ما .. ألقى أسامة نظرة خاطفة على آدم ثم عاد بنظره ليتابع قيادته فقال آدم : سأوضح كلامي .. في المرة الأولى ذهبنا مصادفة .. وحصل ما حصل، في المرة الثانية،، ذهبت مع السيدة نهى من أجل الصور .. وفي ذلك اليوم لاقيت رعبا لم أر له مثيلا ... والآن .. قال أسامة : لست خائفا .. لأنني لو كنت المرة الماضية آخذ باحتياطك لما ضعت في الغابة ولما ظهرت لك الأشباح ولما تأخرت أصلا .. ابتسم آدم وتمتم: نسيت أنك ضابط شرطة بارد الأعصاب!! قال تلك الكلمة وبدأ يتأمل الطريق فعاد أسامة يقول : سألني عنك شخص ما .. من؟؟ لا أعرف اسمه لكنه سيتخرج هذا العام .. ماذا سألك؟؟ أمسك أسامة بالمقود جيدا ثم قال: سؤال غريب جدا .. وما هو؟ سألني: هل هذا هو آدم الصغير؟ تفاجأ آدم من السؤال وقال: أحقا سألك هذا السؤال؟ أجل .. ما معناه؟؟ لا أعلم .. نظر آدم إلى أسامة جيدا ثم قال: ماذا قلت له؟؟ قلت له .. لا أعلم عن ما تتكلم فقال لي، " أقصد إنه آدم الوحيد هنا" .. إنه آدم،، ابن الطبيب يوسف الذي احترق حيا ؟؟ أم ماذا؟؟ سرت قشعريرة في جسد آدم وتذكر خاتم الزواج المحترق وردد بصوت مرتجف: احترق .... حيا؟؟ أدرك أسامة أنه أخطأ بذلك فقال معتذرا وهو يلوم نفسه: لـ .. لم أقصد أن أ .. أ .. قاطعه آدم وتساءل باهتمام : لا بأس .. هيا أخبرني ماذا قال لك أيضا؟؟ لم يقل شيئا،، بعد أن بدوت لا اعلم شيئا تركني وذهب .. بعد تلك الكلمة شاهدا أشجار الغابة الملتفة وهي تظهر من بعيد ونظر آدم إلى ساعته وقال: لقد وصلنا في تمام العاشرة والربع .. تذكر إننا متأخرون أكثر من نصف ساعة .. قلت إننا سنصل هنا في التاسعة و أربعون دقيقة .. أومأ أسامة موافقاًً ثم قال: التحدي مازال قائما بيننا وسوف تكون في بيتك في الرابعة، هذا وعد .. حسنا، أرني قوتك! توقفت السيارة بعد خمسة عشر دقيقة أمام حاجز الأشجار العملاقة،، ترجل أسامة وحمل حقيبة الظهر خاصته، وكذلك آدم .. ولوح أسامة مودعا سيارته الجديدة وهو يقول: مع السلامة .. لكم يؤلمني أن يتكسر زجاجك بتلك الطريقة .. وضع أسامة المفتاح في جيب قميصه فقال آدم : لماذا لم تضعه في الحقيبة؟؟ ضحك أسامة وقال بهدوء: حتى يمكننا الهرب إن اضطررنا للركض بدون الحقائب الثقيلة تلك! شعر آدم بالقلق الشديد على عكس المرات السابقة ،، كانا يتذكران الطريق منذ المرة الماضية، ومضى بعض من الوقت حتى وصلا إلى المكان ذاته،، السياج الأخضر .. السياج الأخضر عندما وضعا رجليهما في المكان سمع آدم صوت صهيل حصان مرعب فقال بقلق: أسمعت هذا؟؟ تطلع أسامة إلى الأفق وكان يفكر في شيء ما ويبدو أنه لم يسمع شيئا وقال بضجر: سوف تمطر قريبا،، هذا من اجل الحظ السعيد .. قال آدم وهو ينظر على السياج الأخضر: إن المطر فأل حسن .. ثم اقترب أكثر وقال : هل هو قبر أمي؟؟ نظر أسامة نحو آدم بسرعة ثم قال: أنت تفكر في أشياء مقززة ومخيفة!! بدأت قطرات المطر الباردة تنقر الأرض ،، فقال أسامة: دعنا نبحث عن العلبة الصغيرة قبل أن توحل الأرض ويصعب الأمر .. !! بدأ آدم بالحفر في ذلك المكان بجانب السياج الخشبي .. وقام أسامة بالحفر بالقرب منه وصاح: هناك شيء .. نظر آدم بترقب فأخرج أسامة حصاة كبيرة ولذلك عاودا الحفر مجددا .. بدأ ا يشتد هطول المطر فابتلت ملابس آدم وأسامة والحقائب،، بعد دقائق سمعا صوتا أنثويا يصرخ: ابتعدا .. التفت آدم وأسامة ونظرا بذعر .. كانت والدة آدم تقف غاضبة وقد بللت مياه الأمطار ثيابها وشعرها، وهي تمسك بفأس حاد ضخم .. سقط أسامة مفزوعا وتأمل آدم لدقائق وهو ينظر إلى الفأس فعادت تصرخ بغيظ : لن تجدا ما تبحثان عنه،، ولن أسمح لكما بنبش قبره .. هل سمعتما؟ ظل آدم يحدق بوجهها ويبعد ماء المطر عن عينيه بينما ظل أسامة متحجرا في مكانه واقتربت والدة آدم بالفأس فقال آدم: أنت السيدة منى ..؟ شهقت والدة آدم بفزع وتراجعت وكاد أسامة أن يبدأ في البكاء، فوقف آدم واقترب قليلا وهو يقول بشجاعة: أنا أعرفك،، رأيت صورك في منزلنا القديم،، ألا تعرفينني .. أ .. أنا آدم .. صرخت : لست آدم!! لقد مات آدم منذ عشرون عاما ... حاول آدم أن يلتقط أنفاسه وقال بصعوبة: أنا آدم، ابنك ... آدم يوسف .. سقط الفأس من يدها وهي تحدق بوجهه ,, هزت رأسها نفياً وقالت : لا .. لقد مات ابني الصغير،، قتله هارون وقتل أيمن ... أنت محتال، أتيت إلى هنا لكي تنبش قبر أخي المسكين .. تفاجأ آدم وقبل أن يقول شيئا ضرب هزيم الرعد أرجاء المكان فاهتز بعنف ووضع أسامة يديه على أذنيه من شدة الصوت ، وأغمض آدم عينيه .. وعندما فتح آدم عينيه كانت السيدة منى تحمل الفأس مجددا وتركض نحو آدم،، صرخ آدم وركض مبتعدا ولحق به أسامه .. وظلت السيدة منى تركض ورائهما .. وصرخ أسامة بهستيريا وهو يسقط في الوحل وبسرعة يحاول الركض مجددا : شبح يلحقنا ليقتلنا .. آدم! آآدم .. افعل شيئا .. توقف آدم عن الركض ومسح ماء المطر عن وجهه مجددا ثم التفت ينظر إلى والدته وقال: لن يقتلنا شبح يا أسامة .. تعثر أسامة وسقط على وجهه ثم جلس بصعوبة وهو يقول: وماذا إن لم تكن شبحا ..!! اقتربت الأم كثيرا وظل آدم واقفا بلا حراك وهو يهتف: إن كنت متأكدة بأنني لست ابنك آدم فاقتليني .. إنني أنتظر .. صرخ أسامة مذعورا: هل فقدت عقلك ..؟ توقفت الأم عن السير ونظرت لآدم فعاد آدم يصيح : ألا أشبهه ؟؟ ألا أشبه والدي؟؟ هكذا أخبرني السيد أيمن عندما كنت صغيرا .. ارتمت الأم على ركبتيها وألقت بالفأس أرضا فاقترب آدم وأخرج بطاقته وهو يقول: لا أعتقد أنه يمكننا تزوير تلك !! تمتم أسامة داخل قلبه: ماذا يحاول ذلك المجنون أن يثبت لإحدى أشباح القرية!! نظرت الأم إلى هوية آدم ثم نظرت إلى عينيه مليا، كانت تبكي بدا ذلك واضحا لكن آدم لم يستطع تمييز دموعها من قطرات المطر التي تسيل على وجهها اللطيف ، ظل آدم ينظر بقوة مقدما بطاقته أمام وجهه ،، ووقفت الأم وحملت فأسها ثم ركضت مبتعدة .. التقط أسامة أنفاسه ورفع آدم حاجبيه مستغربا فقال أسامة: لو كانت أمي في مكانها لأخذتني بالحضن! التفت آدم ينظر إلى أسامة فصرخ أسامة فجأة مذعورا : إنها تعود! عاد آدم والتفت مجددا لينظر إلى والدته فرآها تعود فعلا كما قال أسامة وعندما اقتربت كفاية صاحت حتى يسمعاها في ضجة الأمطار : اتبعاني .. قال أسامة وهو يمسك بذراع آدم: أرجوك .. دعنا نذهب من هنا،، سوف تحبسنا وتأكلنا .. كأن آدم لا يسمع أسامة أبدا عدل من وضعية حقيبة ظهره وسار متوجها خلف والدته وهو يقول: هيا بنا،، عسى أن نعرف شيئا ما .. ظل أسامة يصرخ ويزمجر حتى وصلا إلى الكوخ الصغير .. دلفا خلف الأم التي تركت الباب مفتوحا،، كان المكان مرتبا وجميلا وقال أسامة يكلم نفسه بخفوت وكأنه مصاب بانفصام : على الأقل نجفف ثيابنا .. اهدأ يا أسامة .. لا .. أرجوك أهدأ يا حبيبي .. هيا لا تنس أنك ضابط شرطة ... لكن هل سيمكنني القبض على شبح؟؟ نظر آدم نظرة خاطفة على أسامة ثم تمتم وهو يضع حقيبته أرضا : شفاك الله .. ظلت ثيابهما تقطر ماء المطر على الأرض ونظرت السيدة منى من خلف الباب ثم قالت بهدوء: أتذكركما،، لقد جئتما إلى هنا من قبل .. نظر أسامة بخوف ثم قال: ياللهول .. الأشباح تتمتع بذاكرة قوية جدا ..! خرجت السيدة منى من خلف الباب ثم وقفت وقالت : أولا يا سيد أسامة،، أنا لست شبحا .. ثانيا،، أتذكركما جيدا جدا .. لأنه لم يأت إلى هنا زوار غيركما .. ارتعد أسامة وظل آدم يحدق بوالدته مسلوب القلب ثم قال: لست شبحا؟؟ نظرت الأم باستغراب فقال آدم بعينين دامعتين: لـ .. لكن .. ماذا عن ذلك اليوم،، لقد استيقظنا ووجدنا ,, أن ... قاطعته الأم : لقد تعمدت فعل ذلك، كسرت الآنية ووضعت التراب فوق كل شيء حتى تظنان ذلك وتخرجان ولا تعودان أبدا .. لكن يبدو أنكما عنيدين .. ظل أسامة صامتا يحدث قلبه فقط ولكن آدم قال بصوت مبحوح : مازلت حية .. أنت على قيد الحياة .. وأنا .. لقد .. لقد كنت أبحث عن إجابات .. نظرت الأم بشك ثم قالت وقد بدأت دموع تتجمع في عينيها : ولدي مات .. قتله الأشرار عندما كان طفلا .. ربما أنت تشبهه لكن ... قال آدم وهو يقترب: هذا ما كنا نعتقد أيضا .. كنا .. نعتقد أنك مت .. قتلك الأشرار .. ابتعدت الأم تلك المسافة التي اقتربها آدم وهتفت ودمعة تنزل من عينيها: أعلم أنكم تخدعونني .. لقد أرسلك هارون إليّ .. إنه يعرف طريقي ويريد نبش قبر أخي ولكنني لن أسمح له .. كأن آدم سمع هذا الاسم من قبل،، توقفت عن الكلام ومسحت دموعها فقال أسامة: لقد حلم آدم بذلك المكان فجاء ليبحث عنه .. هذا كل ما في الأمر فقابلنا الشبح .. أ .. أقصد قابلناك .. نظر آدم إلى أسامة ثم قال: نعم .. لقد حلمت بخالي آدم .. حلمت أنه يعطيني علبة صغيرة ويقول لي .. خذ هذه كنت أريد أن أعطيها لأيمن فتخلص منها واعتني بوالدتك .. ولذلك فقد عدت! نظرت الأم مندهشة واقتربت قليلا وهي تحدق بوجه آدم جيدا ثم بدأت في بكاء جديد وهي تقول: لا يعلم أحد بأمر العلبة .. لا أحد يعلم .. اقترب آدم مبتسما وأمسك بيديها ولكنها أصيبت بحالة هستيرية وهي تقول غير مصدقة وتشد على يدي آدم: آدم .. ولدي .. أنا لا أصدق .. آدم .. ظل آدم يومئ بالإيجاب فسقطت والدته أرضا مغشيا عليها من شدة الصدمة .. حدق آدم في وجه والدته ودمعت عينيه وهو يمسح وجهها وقال وهو لا يصدق ما تراه عينيه: إنها ... إنها على قيد الحياة! ليست شبحا .. ثم بدأ في البكاء فنظر أسامة إلى وجهه وقال: موقف مؤثر .. لـ .. لكن .. هل تضحك وتبكي في آن واحد؟؟ ضحك آدم ودموعه على خديه فضحك أسامة وقال مجددا: هل ستتركها هكذا؟؟ حملها الاثنان إلى الأعلى و ذهب أسامة ليعد بعض الطعام السيئ .. بينما وضع آدم البطانيات فوق والدته المبتلة بماء المطر وظل يتأمل وجهها بلهفة وحنان ثم همس وهو يضغط على يديها برفق: أمي .. أمـي .. أنا إلى جانبك .. لن تبقي وحيدة بعد اليوم يا غالية! تحركت جفون السيدة منى وبدأت تفتح عينيها .. كان آدم مبتسما وسعيدا،، وكان شعره مبللا وملابسه مبللة أيضا ولكنه لم يبال بذلك .. نظرت الأم إلى وجهه وكأنها شاهدت فجأة عيني شقيقها آدم .. تلك العينين القويتين على الرغم من الحزن والحب اللذان تحملاهما ، وتذكرت من وجهه ملامح زوجها الحبيب يوسف .. الذي ضحى بحياته من أجلها ومن اجل .. شقيقها آدم .. همست: آدم ... كان قلبي يشعر بأنك ما زلت حيا ... قادك حبي إلى هنا .. ثم ضمته بحنان ومسحت على شعره فأغرورقت عينيه بالدموع وقالت والدته بصوت حنون: لكم حلمت بك أيها القوي .. انظر إلى نفسك .. ثم نظرت إلى وجهه بعينين باكيتين سعيدتين وهي تتأمل ملامحه بدقة واستطردت: لقد أصبحت رجلا ... عانقته مجددا .. وبدا أن آدم على وشك البكاء .. فقال أخيرا: لا أصدق أنني وجدتك .. أنا أيضا لا .. أصدق .. سمع آدم فجأة صوتا غريبا وكأنه صوت رصاصة .. كان يستطيع تمييز ذلك الصوت جيدا ووقف متأهبا ثم نادي : أسامة؟؟ ماذا تفعل؟؟ لم يسمع أي إجابة من أسامة نظر لوالدته وهو يشعر بالقلق فقالت والدته: ليس هناك أحد غيرنا هنا .. لا تخف عليه ... توجه آدم بسرعة نحو الباب وألقى نظرة خاطفة على الطابق الأرضي فلم يجد شيئا تبعته والدته لتنظر وبدأ بالصراخ : أسامة .. هل انت بخير؟؟ كان الباب الخشبي يرتطم بالجدار من شدة الهواء في الخارج وقال آدم باستنكار: ماذا يفعل ذلك المجنون بالخارج؟؟ نزل بسرعة وتبعته والدته فقال آدم قبل أن يخرج: أمي .. ابقي هنا .. شعر آدم بشعور سيء وخرج إلى الخارج .. وتفاجأ من المنظر الذي رآه .. كان هناك رجال أقوياء يقفون بالخارج،، ويمسكون بأسامة .. كانت رجل أسامة تنزف بشدة وكانت تسيل مع أنهار المطر الصغيرة .. وقف آدم مذهولا للحظة ثم ظهر الضيق والغضب على ملامح وجهه عندما رأى أسامة .. السياج الأخضر وقف الرجال الممسكين بأسامة مكانهم بلا حراك وبعد ثوان خرج رجل ضخم الجثة واقترب من آدم، لم يخف آدم وظل يقف أمامه بثبات .. قال الرجل وهو يحدق بعيني آدم: لم أكن أظن أن إيجادك سيكون صعبا هكذا! ثم أردف وهو يبتسم: مع أنك مشهور! لم يفهم آدم شيئا وصاح: من أنت! وماذا تريد .. في تلك اللحظة أخرجت الأم رأسها من خلف الباب وصرخت: آدم! ضحك الرجل الضخم وقال وهو ينظر إلى والدة آدم: أسمي ... تعرفه والدتك جيدا، وماذا أريد ... أريد قلبك .. رفع آدم حاجبيه مندهشا وقبل أن يفكر أو يقوم بأي شيء قام الرجال بإمساكه بقوة فصرخت الأم وهي تحاول إبعادهم وهي تصرخ: لن تأخذوه مني بعد أن وجدته أيها المجرمون! ضرب أحدهم الأم بعنف وحاول أسامة أن يزحف ولكن يديه غطستا في الوحل وأصبح موقفه صعبا جدا .. بدأ الشلل يسري في جسد آدم بعد أن ضربه أحدهم بإبرة بها محلول في جانبٍ من رقبته .. وقف أسامة وركض نحوهم بسرعة ثم انقض على آدم محاولا إفلاته من أيديهم ولكن أحدهم أخرج مسدسه وأطلق عيارا ناريا اخترق كتف أسامة ... بعد قليل كانت قوى آدم تخور وحمله الرجال وهو فاقد الوعي إلى مروحية بينما حاولت الأم استرجاع ابنها ولكنها تعرضت للضرب الشديد ، وعندما وقف أسامة أخيرا قام أحدهم بضربه بأداة حديدية في وجهه فسقط على الأرض مجددا .... ارتفعت المروحية الأولى وصرخت الأم وهي تشعر بأنهم ينتزعون قلبها: ابني! آدم ... دخل خمسة رجال آخرون وبدءوا بتفتيش المنزل وقلبوه رأسا على عقب، لم يستغرق ذلك دقائق فقد كان المنزل صغيرا جدا .. ثم استقلوا المروحية الأخرى وانطلقوا ... صرخت الأم وصرخت وبكت بكاء القهر ، ثم نظرت نحو السياج الأخضر ... لم يكن ذلك يستحق عناء التضحية بولدها الوحيد، لم يكن أخيها آدم سيتأثر بشيء إن أخذوا ما يريدونه من قبره فقد أصبح عظاما ورفاتا لا تشعر ... التفتت وشاهدت أسامة ملقى على الأرض والدماء تنزف من جسده ولذلك فقد قامت مسرعة وحاولت جذبه إلى داخل المنزل وتنظيف الوحل من على وجهه وملابسه بعد أن فقد وعيه .. كانت الرصاصة قد كسرت عظام ساق أسامة، وكان ينزف بشدة من ساقه و كتفه ورأسه .. لم تعرف الأم كيف تتصرف في هذا المكان النائي وخشيت أن يموت أسامة بين يديها فأوقفت النزف بكل ما تستطيعه من جهد وخرجت إلى باب منزلها وهي تفكر في أي شيء ... ظلت تركض يمنة ويسرة ودموعها على خديها وهي عاجزة عن التفكير .. تساءلت: " ألا يأتون بسيارة دائما؟؟ أين هي إذا؟" انطلقت تركض بسرعة في الأرض الموحلة ،، كانت الشمس قد أشرقت مجددا بعد تلك الأمطار الشديدة، وكانت الساعة تشير إلى الخامسة عصرا .. ركضت وركضت حتى ذهبت أنفاسها، ثم فوجئت بأنها ضلت الطريق فلم تعد تعرف أين هي ... بدأت في بكاء مر وهي تمزق حشائش الأرض بيديها في يأس ... صرخت : " آدم ... آآآآدم ..." ومن بعيد سمعت صهيل الحصان فجأة ... كان له صدى عجيب يرن في الأفق وكأنه صهيل عدة خيول ... توقفت عن الصراخ ونظرت حولها وهي تشعر بصوت حوافر تطرق الأرض ، وقفت وهي تنظر حولها كالمجنونة حتى شاهدت الخيل يركض من بعيد متجها نحوها ... كان يركض بسرعة حتى إنها أغمضت عينيها تلقائيا وحمت وجهها بذراعيها ظنا منها أنه سيصطدم بها ،، ولكنه توقف على بعد سنتيمترات قليلة وأصدر صهيلا خافتا .. نظرت منى إليه وهي لا تصدق عينيها وهمست بصوت مكتوم : " سـ .. سريع؟ أهذا انت .." حمحم سريع وهز رأسه فمسحت منى على جبهته كما كان يفعل شقيقها آدم وقالت بخفوت وهي ما تزال مندهشة من رؤيته : " هل تعرف كيف أخرج من هنا؟؟ هل تعرف يا سريع؟" كانت تشعر باليأس .. لم تصدق ما تراه عينيها ، وفي الحال اعتلت سريع الذي عاد بها إلى السياج الأخضر .. وقف سريع أمام قبر آدم بينما ركضت منى متجهة إلى الكوخ وقامت بجذب أسامة الذي كان ما يزال فاقدا لوعيه، كان ثقيلا جدا بالمقارنة بجسدها النحيل .. كانت تنظر إليه وهي خائفة عليه جدا، وكانت تتمتم بدعوات أن ينجيه الله من كل سوء، وأن يحمي آدم أيضا ، حملته بصعوبة فوق ظهر " سريع" وسرعان ما ركبت وهي تمسكه جيدا وانطلق سريع .. هتفت: إلى أين؟؟؟ لم تعرف إلى أين يركض سريع ولكنها ظلت متشبثة بجسد أسامة حتى لا يسقط ، بعد وقت قصير ظهرت الدماء فوق الضمادات التي تغلف رأس أسامة، كان هذا بسبب الميل الذي تعرض له، حاولت منى رفعه فلم تستطيع، كان أثقل منها بكثير .. لم تمض دقائق أخرى حتى شاهدت منى سيارة أسامه تقف شامخة وسط الطريق وكل نوافذها محطمة وإطاراتها مفرغة من الهواء ... لم تصدق ما تراه عينيها وهتفت بفرحة: " سـ .. سيارة .. إنها كذلك .." وضعت أسامة على الأرض، وتوجهت إلى السيارة تتفقدها بعناية ... بدت تحاول تذكر أي شيء عن مبادئ القيادة التي علمها إياها زوجها الراحل يوسف، دمعت عيناها عندما تذكرت وجهه الجميل وهو يبتسم لها في كل مرة تقوم فيها بتعلم خطوة جديدة .. توقفت فجأة أمام الزجاج المبعثر،، وتساءلت .. أهي حقا السيارة التي قدم بها أسامة وآدم؟ مالت الشمس للمغيب ... ألتفتت تنظر إلى أسامة لكنها لم تجد سريع .. فقد اختفى كما ظهر، اقتربت من أسامة وفتشت جيوبه علها تعثر على أيه مفاتيح .. بحثت جيدا لكنها لم تعثر على شيء .. بحثت أيضا في جيب القميص فعثرت على مفتاح واحد ... كان هذا هو مفتاح السيارة .. حملت أسامة بمعجزة ووضعته في الخلف بعد أن أزالت آثار الزجاج .. بدأت بتشغيل السيارة بيدين مرتجفتين وعندما سارت اصطدمت بحاجز الأشجار بقوة ،، شهقت بخوف ونسيت كيف يمكنها العودة بالسيارة .. إنها في مأزق .. نظرت إلى أسامة بيأس،، كانت حالته صعبة جدا وكان ينزف، ليس هناك مفر عليها التذكر .. بدأت دموعها تسيل على خديها مجددا .. نظرت إلى عصا التحكم في السرعات وشاهدت رمز "رجوع" قامت بتوجيهه وعندما تحركت السيارة بدأت تعود للخلف ببطء شديد بسبب ما حل بإطاراتها الأربعة ،، كانت قيادة تلك السيارة صعبة جدا .. حاولت أن ترى الطريق خلفها ولكنها لم تشاهد المنحدر ... وبدأت العربة بالانزلاق إلى الخلف وهي تهتز بشدة مع الصخور،، تركت المقود وبدأت في الصراخ وما لبثت السيارة أن اصطدمت بشجرة عملاقة أجبرتها على التوقف .. ونهائيا .. بعد وقت قصير .. حل الظلام الحالك ومنى تفكر في حل .. السياج الأخضر أعيدي طلب هاتفه حتى يجيب .. هتف بذلك السيد أيمن فقالت شروق بيأس: لكن هاتفه خارج التغطية .. نظر أيمن بقلق إلى زوجته وقال بعصبية وهو يقوم واقفا: أين ذهب؟؟ لقد بدأت إجازته منذ يومين ... قالت السيدة نوال بعد قليل من التفكير: لم لا نتصل بأسامة فربما يعرف أين هو ... أجابت شروق بسرعة: هاتفه أيضا خارج التغطية .. ماذا؟؟ صمتت السيدة نوال وقد تقارب حاجبيها وهي تفكر بقلق،، فصاح السيد أيمن مجددا: اتصلي بعائلة أسامة واسأليهم أين يكونان لابد أنهما معا في مكان مهجور .. فتحت شروق مذكرة الهاتف وبحثت عن الرقم ثم بدأت بطلبه .. أجابت الخادمة وأخبرتها أنهم في عطلة .. اعتصر القلق السيد أيمن وقالت السيدة نوال تخاطب ابنتها شروق : هيا .. يجب أن تجهزي حقيبتك لأنك ستعودين غدا للمدرسة .. هزت شروق رأسها باستسلام ودخلت إلى غرفتها ... *************** بدأ آدم يفيق شيئا فشيئا .. فتح عينيه بصعوبة وكان نظره مشوشا، شعر بغثيان شديد وحاول رؤية وجوه الأشخاص الذين يحيطون به ولكن رأسه كانت تميل كلما جرب أن يرفعها .. كل الذي استطاع أن يدركه أنه يجلس على كرسي ويديه مقيدتان بعنف خلف ظهره،، سمع شخصا يتكلم ويقول: مرحبا بآدم ... الذي كلفنا أكثر من خمس عشرة سنة من البحث ... حاول آدم مجددا أن يرى أو يتكلم لكنه كان لا يزال تحت تأثير المخدر فعاد ذلك الصوت القوي يقول: تريد أن تعيش بسلام أنت وعائلتك .. طبعا أيمن وأولاده .. ثم أردف: أعطني ما أريده منك .. الميراث الذي حصلت عليه من والدك وخالك .. أعطني إياه وسأعطيك حياتك .. همس آدم بخفوت: الله هو الذي يعطـ .. يعطيني حياتي ... وليس أنت .. شعر الرجل بالحنق ولكنه تكلم بنفس النبرة: تأكد أنك لن تعيش حياتك السابقة إذا لم تعطني ما أريده .. قال آدم وهو يرفع رأسه ويرى الرجل: وماذا .. تريد؟ صاح الرجل في وجه آدم: أعطني حقي .. بلورتي التي كانت في صدر خالك .. أين هي ؟؟ هل هي معك؟؟ ابتسم آدم بسخرية وقال بتعب: وهل ابتلعها خالي فعلقت في صدره؟؟ هل هو من سرقها منك ووضعها في صدره .. نظر الرجل بغيظ إلى آدم وأشار إلى أحد رجاله ، فاقترب الرجل وأخرج سلكا نحاسيا لينا وبدأ يخنق به آدم .. بدأ السلك النحاسي يقطع رقبة آدم وصرخ آدم بألم وهو يحاول أن يفلت بلا فائدة فقال الرجل بهدوء: هذا يكفي .. سحب الرجل السلك الذي طلي بدماء آدم وبدأ آدم يلتقط أنفاسه بينما عاد الرجل يقول: سأعذبك حتى أصيبك بالشلل ... أفعل ذلك مع أعدائي دائما .. لأنني في العادة لا أتحلى بالصبر معهم .. قال آدم بقوة وهو يتنفس بسرعة: أنت مجرد جبان .. اقترب الرجل وقام بصفع آدم بقوة على وجهه ثم قال: لقد نفذ صبري أين البلورة؟؟ نظر آدم بعينيه القويتين وقال : لا .... أعرف ... اقترب الرجل مجددا ونظر إلى وجه آدم وهو يقول: العند لن يفيدك .. أنت الوحيد الذي يعرف هنا، من يعرف؟ والدتك؟؟ أيمن؟؟ أين هي ؟؟ أجاب آدم : قلت لا اعرف .. ولا أحد من عائلتي يعرف أين هي .. ضاقت عينا الرجل من الغيظ وقال بنفاذ صبر: انت عنيد كوالدك .. ويبدو أن مصيرك سيكون كمصيره ... "" تذكر آدم فجأة وجه أسامة وهو يقول : قلت له .. لا أعلم عن ما تتكلم فقال لي، " أقصد إنه آدم الوحيد هنا" .. إنه آدم،، ابن الطبيب يوسف الذي احترق حيا ؟؟ أم ماذا؟؟ احترق .... حيا؟؟ لـ .. لم أقصد أن أ .. أ .. لا بأس .. هيا أخبرني ماذا قال لك أيضا؟؟ لم يقل شيئا،، بعد أن بدوت لا اعلم شيئا تركني وذهب .. "" دمعت عينا آدم وشعر بغضب شديد فصاح : ثق تماما، وكل القتلة الذين يسيرون على نهجك بأني سوف أثأر لوالدي ... أحد الشباب الموجودين في المكان ظل ينظر إلى آدم طويلا .. كان شابا هادئا تبدو في عينيه نظرة غريبة اقترب من آدم قليلا ثم قال بهدوء : كيف تثأر له وأنت لم تره! نظر آدم بحنق إلى الشاب وقال: هذا ليس من شأنك!! ظل الشاب يحدق بوجه آدم وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامه هادئة بينما ضحك الرجل ضحكة شريرة واقترب من وجه آدم وهو يقول بخبث: لقد أرسلت من يفتش في غرفتك .. لا أعرف كم سيكون عدد الضحايا في منزلك .. اتسعت عينا آدم وقبل أن ينطق بأي شيء قام أحد الرجال بوضع كمامة على فمه فلم يسمعوا سوى صراخه .. ************* أوقف السيد أيمن سيارته أمام المنزل بعد انتهى من توصيل شروق إلى مدرستها الداخلية ... قام بضرب آلة تنبيه السيارة حتى يخرج ياسر ليوصله إلى مدرسته أيضا ولكن ياسر لم يخرج انتظر أيمن لبعض الوقت ولكن صبره نفذ فترجل من السيارة وتوجه إلى الداخل ،، لكنه صعق لما تراه عيناه .. كان المنزل في حال يرثى لها ،، زجاج محطم وأشياء مبعثرة في كل مكان والأدهى من ذلك ... آثار الدماء التي تملأ الجدران .. ولم يكد يلتقط أنفاسه من هول المفاجأة حتى أحاط به الرجال من بقية الغرف ... تأكد أيمن أن هناك خطبا ما ... لا يوجد عادة ما يستدعي كل ذلك إلا إذا كان المعني هو ... آدم ... *************** بدأت السيدة منى تركض على غير هدى .. إنها تبحث عن نجدة في مكان لا نجدة فيه .. كان الظلام حالكا جدا ولهذا فلم تستطع رؤية الصخور والأشجار التي تعترض الطريق الترابي فكانت تسقط المرة تلو الأخرى وتنزف من يديها وركبتيها ... لم تشأ أن تبتعد كثيرا عن السيارة ولكن أسامة كان بين الحياة والموت ... جلست بيأس على الأرض وهي تشعر بالإرهاق، بدأت في البكاء واستندت بظهرها على جذع شجرة،، من بعيد لمحت شخصا ما يسير وهو يحمل شعلة مشتعلة .. تحجرت في مكانها وهي غير مصدقة لما تراه عينيها وهمست بعينين مليئتين بالدموع: يوسف .... اقترب يوسف أكثر ونظر إليها بهدوء وعلى وجهه تلك الابتسامة العذبة .. قالت بصوت مرتعش : ماذا .. هل أحلم؟؟؟ ظل يوسف مبتسما ولم ينطق بشيء فعادت تقول: يوسف ... أين كنت ..؟ كانت تدرك أنها تحلم ... فيوسف مازال في شبابه كما شاهدته آخر مرة،، قالت مجددا: هـ .. هل تريد أن تخبرني بشيء؟؟ همس يوسف: استعيني بالله أولا .... وتذكري .. يمكنك الاعتماد على سريع ... آدم محتاج إليك الآن أكثر من أي وقت مضى ... أومأت منى بالإيجاب فثبت يوسف الشعلة بين صخرتين وجلس بالقرب منها ثم ضمها إلى صدره ، بعد وقت قليل راحت منى في نوم عميق ... فتحت عينيها فجأة مع ضوء الشمس فوجدت نفسها ما تزال مستندة على جذع الشجرة .. أدركت جيدا أنه كان حلما ولكنها لم تستطع إمساك دموعها ... كان حلما جميلا ... من بعيد شاهدت السيارة المصطدمة فهرعت تركض نحوها،، كان أسامة يتأوه بخفوت فنظرت منى إلى وجهه وقالت بخوف: أسامة ... هل انت بخير ... بدا من الجلي أنه ليس بخير أبدا فالدماء بدأت تنزف مجددا وهذا يستدعى القلق .. صرخت منى بنفاذ صبر : ماذا أفعل يا إلهي !! لم تكد تكمل جملتها حتى سمعت صهيل سريع يرن في الأفق ،، ترجلت من السيارة لتراه واقفا خلفها ولذلك فقد آثرت الطريقة البدائية في الوصول إلى المدينة .... أمسكت بأسامة جيدا وبدأ سريع يركض بقوة ،، كانت تدعوا الله من كل قلبها أن تصل في الوقت المناسب ... لأن وضع أسامة أصبح حرجا .. جدا ... ************ ألتف الرجال حول آدم ونظر هارون إلى وجه آدم ببرود ثم قال وابتسامة على شفتيه : لدي صورة جميلة لك ... ثم أخرج من جيبه صورة لعائلة آدم ... كانت تضم الجميع السيد أيمن والسيدة نوال وبالطبع آدم وشروق وياسر .. نظر آدم للصورة ودمعت عيناه للحظة فضحك هارون وقال: لم كل هذا الحزن؟؟ لقد تبقى أحد أفرادهم على قيد الحياة .. لكن، لست متأكدا أين هو بعد ... جن جنون آدم وحاول أن يتخلص من قيود يديه ورجليه وبدأ بالصراخ ولكن الكمامة على فمه حجبت كل ما يريد قوله .. واقترب الرجل مجددا ووضع السلك حول رقبته وبدأ بخنقه لتنزف من جديد .. وبدأ هارون يتكلم بهدوء: بحثنا في غرفتك .. بالطبع بعد أن تخلصنا من نوال وابنها الصغير ... آوه، لقد كانت تعد له شطائر لذيذة للأسف لم يستطع تذوقها .. توقف آدم عن الحراك وبدأ في البكاء .. كان بكاء مرا لم يستطع كيف يوقفه،، لدرجة أن هارون توقف عن السرد وحملق في وجه آدم بذهول .. تجاهل هارون ذلك وعاد يقول: حسنا،، لقد جاء أيمن في الموعد الخطأ تماما .. لم يكن سيعيش بأي حال لأنني كنت أسعى للانتقام منه .. ولذلك فقد أخذ جزاءه ... ثم أمسك هارون بقلم تخطيط وثبت الصورة على جدار الغرفة بمسمار صغير وقام بطمس وجوههم الواحد تلو الآخر .. لم يتبق سوى آدم وشروق ... لم يستطع آدم رؤية الصورة من خلال دموعه، لكنه كان يعرف أن شروق لن تظل بأمان مادامت في المدرسة الداخلية ،، ولم يكد آدم يفكر في ذلك حتى قال هارون ببروده المعهود : لديك فرصة لتعيد البلورة إلي ... أنت تعرف كم هي مهمة .. وإلا فلقد حصلت على عناوين مهمة جدا فهناك عنوان المدرسة الثانوية الخاصة بشروق .. آه .. وهناك عنوان وجدناه في غرفتك ... إنها عداوة قديمة بيننا وبين الطبيبة نهى .. فقد كانت تساعد آدم الكبير .. والآن تساعد آدم الصغير .. لم يستطع آدم تحمل كل ذلك، ابتلت كمامة فمه من كثرة الدموع حتى أصبح بإمكانه تذوقها،، حاول أن يقول شيئا فأشار هارون بيده ليخلعوا الكمامة،، التقط آدم أنفاسه قليلا وقال بصوت مرتعش: أنتم تريدون البلورة .. من .. قبر خالي .. أليس كذلك؟؟ ضحك هارون : أحسنت يا فتى تابع ... أظنني اعرف أين هو قبره .. اقترب هارون من وجه آدم وقال وابتسامة على وجهه : الآن بدأت تسير في الطريق الصحيح يا فتى .. فكوا وثاقه .. السياج الأخضر صرخت منى ولوحت لأول أشخاص قابلتهم على الطريق ... كانت سيارتهم كبيرة ويبدو أنهم عائلة كبيرة ،، هتفت بسعادة: الحمد لله ... ترجل رب الأسرة من السيارة وفزع عندما شاهد أسامة والسيدة منى ... ولم تمض دقائق حتى أفسح الجميع مكانا للسيدة منى وأسامة وكانت السيارة متوجهة إلى المدينة مباشرة .. شكرت الناس الطيبين من كل قلبها بعد أن وصلت بسرعة إلى المستشفى الكبير،، وهناك قام المسعفون بحمل أسامة بسرعة على سرير بعجلات،، أما والدة آدم فقد بدأت تلتقط أنفاسها،، لكن لم يمض وقت طويل على وجودها بالمستشفى حتى وصل رجال الشرطة للتحقيق في إصابة أسامة المثيرة للشك .... لم تعرف السيدة منى كيف تجيب عن كل تلك الأسئلة .. كانت متوترة وقلقة .. كانت خائفة من أن تفصح أن هارون هو من فعل ذلك ،، لكنها تكلمت أخيرا ولذلك نظر الضابط باستغراب نحوها وقال : جيد جدا ... من هو هارون هذا؟؟ شعرت السيدة منى بحيرة وتوقفت عن الكلام ..... نظرت إلى ضابط الشرطة جيدا وقالت : وائل؟ حدق ضابط الشرطة باستغراب فعادت تقول: أنت وائل سعيد أليس كذلك؟؟ تساءل الضابط باستغراب: هل تعرفينني يا سيدتي؟؟ ضحكت السيدة منى أخيرا وقالت: اجل .. لقد كبرت .. كنت في العاشرة من عمرك عندما كنا نعيش في القرية الجنوبية ... لقد كنت جارتكم .. هل تذكر؟؟ أنا والدة آدم يوسف ... تهلل وجه الضابط وارتسمت ابتسامة على وجهه وهو يقول: مرحبا يا سيدتي .. أنت لم تتغيري كثيرا .. كيف حال آدم ؟؟ تلاشت الابتسامة فجأة من على وجه منى وهمست بحزن: يجب أن تساعدني يا وائل ... أنا وآدم في خطر محدق .. ************* اقتربت الساعة من الواحدة بعد الظهر،، وقف رجال هارون ممسكين بآدم أمام السياج الأخضر ... كان آدم ينظر إلى القبر بعينين دامعتين وقال هارون مندهشا: إنها فكرة عبقرية من والدك أن يدفنه هنا ... حدج آدم هارون بنظرة حقد دفينة ولم ينطق بأي شيء، عاد بنظراته وتأمل السياج الخشبي الذي اكتسى بحلة خضراء بهية مع مرور الزمن ليقف وقفة تحية أمام تلك الروح الراحلة .. اكتفى احد الرجال المسلحين بمراقبة آدم أما الباقين فأمسكوا بالمعاول والأدوات وبدءوا في نبش القبر ... وكأنما احتج أصدقاء آدم القدامى على ما يفعله رجال هارون، بدأت الرياح تشتد واهتزت الأشجار بعنف وامتلأ الجو بالغبار والأتربة التي دخلت في عيونهم .. كل شيء ممكن أصبح مستحيلا بسبب ذلك الجو الذي تغير فجأة إلى أسوأ ما يكون ... لم يعد أي شخص يرى الآخر أو يسمعه واستغل آدم الفرصة وتخلص ممن كانوا يمسكون به ووجه إليهم ركلات مؤذيه ثم ركض مبتعدا عن المكان،، كانت جروحه تؤلمه بسبب الغبار الذي يتطاير حوله ويقطعه كالسكاكين .. لم يأبه لذلك وظل يركض وهو يجهل وجهته ... عليه أن ينقذ شروق بأي ثمن .. يجب أن يخفيها في مكان بعيد عن أيدي رجال هارون، إنها الشخص الوحيد الذي تبقى من عائلته .. وعليه أن يحذر السيدة نهى .. لا احد له دخل بالموضوع .. ألتصق الغبار بدموعه وبعد أن تأكد أنه ابتعد جلس في مكانه كان يشعر بإرهاق شديد،، تذكر ذلك الشعور جيدا عندما كان يعود من رحلة أو من الجامعة فيجد عائلته الصغيرة بانتظاره، السيدة نوال تصنع غداء لذيذا والسيد أيمن يتصفح بعض الكتب،، ياسر يقرأ له أحد القصص التي حفظها آدم مذ كان طفلا .. أما شروق فتبدأ بتفتيش حقائبه كعادتها الفضولية ثم تبدأ بمضايقته،، بدأ آدم يضحك ويبكي في وقت واحد .. لم يصدق أنهم رحلوا ... عليه أن يسرع قبل أن يأخذوها أيضا .. وقف على قدميه بصعوبة ولكن طاقة الحب كانت أقوى من كل شيء،، عندما ركض مسافة قصيرة بدأ يسمع صوت الصهيل مجددا ... الصهيل الذي يشعره دوما بالخوف .. ولم تمض دقائق أخرى حتى كان سريع يقف أمام آدم ،، كان يحرك رأسه ويناوله اللجام المهتريء .. إنه يدعوه لامتطائه .. ابتسم آدم بصعوبة ومسح على جبهة سريع،، تحرك سريع بنشوة وصهل صهيلا خفيفا فهو يحب تلك الحركة التي كان آدم الكبير يقوم بها دائما .. همس آدم : انت حصان وفيّ .. وفي الحال اندفع آدم على ظهر سريع ومتوجها إلى المدينة مباشرة .. مرت ساعتان ونصف وهما يسيران على الطريق ،، انخفضت سرعة الجواد إلى النصف فقد أصبح جوادا مسنا بأي حال، أما آدم فقد كان يشعر بإرهاق وعطش شديدين، عادت جروحه للنزف مجددا .. كان يخشى أن يلحق به رجال هارون الآن، تمنى من كل قلبه أن تتحطم سياراتهم كما كان يحصل معه دائما،، سيؤخرهم هذا كثيرا فالإرسال مقطوع في تلك المنطقة ولن يستطيع هارون استدعاء طائرة عمودية (مروحيه) .. وصل آدم أخيرا إلى تقاطع الطرق،،، هنا تمر الكثير من السيارات المسافرة إلى العاصمة،، والعائدة من العاصمة أيضا،، وقف آدم على الطريق ممسكا بلجام سريع،، بدأ سريع يتراجع وتعجب آدم من ذلك ومسح على جبهته وهو يقول: لا بأس،، سأحاول اصطحابك معي .. لن تبقى وحيدا بعد اليوم ... لكن سريع التف بعنف وحاول تحرير نفسه من آدم،، ترك آدم اللجام وراقب سريع وهو يبتعد عن المكان بسرعة،، إن مكانه هناك .. إلى جانب صديقه القديم ... ظل آدم يلوح بيده حتى توقفت شاحنة ضخمة،، كان آدم ممتنا للرجل بينما ظل الرجل يحدق في وجه آدم مستغربا من الجراح التي تملأه .. وبعد ثوان كانت الشاحنة تتحرك في اتجاه المدينة .. تساءل الرجل: ما بك؟ هل تعرضت لحادث؟؟ أجاب آدم بالهمس وهو يراقب الطريق من نافذته : أجل .. صمت الرجل وتابع الطريق فقال آدم بتعب: هل لديك ماء للشرب؟؟ ابتسم الرجل وقال: بالتأكيد .. ثم أشار للخلف فالتفت آدم والتقط أحدى زجاجتين مملوءة بالمياه وقال: أشكرك .. ضحك الرجل: لا شكر على واجب .. استولى النعاس على آدم، فغط في النوم ... وبعد أن وصل الرجل إلى المدينة قام بإيقاظ آدم،، كان آدم مريضا جدا ووقف في الشارع ينظر حوله كان يشعر بأنه سيهذي قريبا .. أخذ آدم سيارة أجرة حتى مدرسة شقيقته الداخلية،، كان يأمل أن يكون قد وصل قبل رجال هارون،، سار في مدخل المدرسة المحفوف بالأشجار،، كان هناك طالبات كثيرات دهش بعضهن وبعضهن ابتسم من منظر آدم،، لم يبالي آدم،، كان نظره مشوشا .. المهم هو أن الأمن مستتب في المدرسة و ... وقف رجال الأمن أمام آدم وقال أحدهم وهو ينظر إلى آدم باستغراب : سيدي من فضلك غير مسموح للرجال بالدخول إلى المدرسة ... نظر آدم إلى الرجل بإرهاق وقال بنفاذ صبر: أريد مديرة المدرسة بسرعة ... قال رجل الأمن: آسف ولكن المديرة ليست موجودة إنها في مؤتمر للـ ... صاح آدم : أريد أن أحدث أي مسئول بالمدرسة ... قال رجل الأمن الآخر: ابتعد يا سيد لا يمكنك الدخول‘ إنها مدرسة داخلية،، تعال في وقت تكون المديرة موجودة .. ستكون موجودة في السادسة مسـ ... لم يستطع آدم أن يصبر أكثر، دفع أحد الرجلين ودخل إلى حديقة المدرسة،، انقض الرجل الآخر على آدم فصرخ آدم : شروووووق ... شروق أين أنت ...؟؟ ********************************** كانت شروق في غرفتها وكانت تعطي ظهرها للنافذة وتحكي مع صديقتها بينما نظرت صديقتها من النافذة وقالت باستغراب: بنات ما الأمر؟ ... انظروا بسرعة .. وقفت شروق ونظرت من النافذة، وعندما رأت آدم فتحت النافذة ،، سمعته يناديها ولكن رجال الأمن استطاعوا إخراجه خارج الحديقة مجددا ... ركضت شروق بهلع إلى أسفل وصديقتها تنظر بحيرة .. بعض المعلمات خرجن ليشاهدن ما يحصل،، صرخت شروق وهي تكلم نائبة المديرة: أرجوك يا معلمتي، إنه أخي .. في الخارج ... أرجوك أنظري ماذا يريد لا يبدو بخير .. نظرت المعلمة وقالت : حسن .. عودي إلى غرفتك .. لـ .. لكن .. هيا بسرعة ... عادت شروق تسير في الممر ونظرت من النافذة الكبيرة،، تذكرت ذلك الحلم السيئ الذي كان يراودها عندما كانت صغيرة،، لقد كانت تحلم دائما بأن آدم في الخارج .. وهو يموت ... وهي لا تستطيع سماعه أو مساعدته.. دمعت عينا شروق ... إنها تشعر بأن قلبها غير مطمئن لما يحدث .. وخوف شديد يتملكها لما جاء من أجله آدم .. ولذلك المظهر الدامي الذي يبدو عليه .. دخل آدم أخيرا إلى مكتب نائبة المديرة،، كانت نائبة المديرة تنظر باستغراب إليه وقالت وهي تشير بحركة من يدها إلى أحد الكرسيين ... تفضل ... نظر آدم وقال بصوت مبحوح : سيدتي ليس لدي وقت للجلوس والبدء في قصة طويلة،، أنا أريد أختي .. أريدها سآخذها من المدرسة .. وقفت نائبة المديرة باعتراض وقالت: ومن هي أختك إذا ..؟ شروق أيمن .. إنها في الصف الثاني الثانوي ... نظرت النائبة إليه بتفحص وقالت: حسنا،، هل لديك إذن من الوالدين ...؟ دمعت عينا آدم وبدا كالشارد وهو يقول: لم يعد هناك والدين ليعطياني الإذن ... نظرت النائبة باستغراب وقالت: هل هما مسافران؟؟ يمكننا الاتصال بهما ... نظر آدم بنفاذ صبر وهتف: ليس لدينا وقت يا سيدتي،، إنها في خطر .. لقد قتلت كل عائلتها وسوف تقتل إذا لم تخرج الآن معي ... قالت النائبة بسرعة: هل أنت شقيقها حقا؟ لا تبدو كذلك أعطني بطاقتك سأطابق الأسماء .. أخرج آدم بطاقته فنظرت السيدة وقالت: أنت لست شقيقها بأي حال ..!! صرخ آدم وهو يوقع سجلات من المكتب على الأرض بعد أن ضربها بيده بنفاذ صبر: أين هي ... ؟؟؟ أسرعي سوف نقتل بسببك .. !! صاحت النائبة بهلع: اتصلن بالشرطة لدينا مجنون هنا ... اخذ آدم بطاقته من يد النائبة وركض بسرعة نحو الباب المتجه إلى قسم الطالبات،، في تلك اللحظة شاهدته شروق فركضت على الدرج وصاحت : آدم .. ركض آدم نحو شروق وقال وهو يمسك يدها: هيا ... نظرت الفتيات باستغراب وفضول وصرخت النائبة : الأمن .... امسكوا بهم ... ركضت شروق بسرعة محاولة مجاراة سرعة آ دم وصاحت: ماذا تفعل؟؟ أركضي .. ليس لدينا وقت .. ظلت النائبة تصرخ: إنه يختطف الفتاة ..!! قالت إحدى الفتيات وهي تبتسم بمكر: إنه تركض معه بكامل إرادتها ..! حاول الأمن اعتراض طريق آدم ولكنهم لم يفلحوا،، كان آدم قد تحول إلى نمر شرس يصعب الوقوف أمامه أمسك منجل حديدي كان في الحديقة وضرب كل من اعترض طريقه ........ لقد آذى بعض رجال الأمن وجرحهم ولم يبالي بذلك .. كانت شروق تركض خلف آدم بسرعة، لم تدرك لماذا يفعل ذلك ... لكنها تأكدت من أنه قد جن .. خرج آدم وأوقف سيارة تاكسي أقلته مع شروق إلى مكان لم تعرفه شروق،، كان مدرسة قديمة مهجورة ،، دفع آدم الباب الصدئ فأحدث صريرا مزعجا .. بدأت شروق تشعر بالقلق وخاصة بعد أن شاهدت الجروح التي تملأ وجه آدم ورقبته ... تأكدت من أنه تعرض للشنق بسبب آثار الحبل الدامية على رقبته ،، جلس آدم فوق الأتربة على الأرض وبدأ يلتقط أنفاسه،، نظرت شروق إلى المكان باستغراب وقالت بخوف: آدم ... لماذا نحن هنا يا أخي؟؟ لماذا لم نذهب إلى البيت ؟؟؟ همس آدم بتعب: لا يمكننا الذهاب إلى البيت ... لماذا؟؟ اجلسي أولا .. جلست شروق على الأرض المتربة أمام آدم .. نظرت إليه بترقب أغمض آدم عينيه ليخفي دموعه وقال: شروق ... لقد حدث أمر سيء جدا ... نظرت شروق وبدأت الدموع تحتشد في عينيها ،، وارتعش صوتها وهي تقول: ماذا حدث؟؟ تكلم آدم بتعب: هناك قتلة يلاحقونني ... إنهم يريدون شيئا ليس معي،، إنه أمر قديم ... أظن أنكِ سمعتِ بهذا .. تأملت شروق وجه آدم الحزين والدماء الجافة التي ترسم ودياناً على وجهه ورقبته ولم تستطع قول شيء وتابع آدم بهدوء وهو لا يزال مغمضا عينيه: لقد تعرض والدينا وياسر لحادث ... حادث فظيع ... بدأت شروق بالبكاء وهي تتوقع ما سيخبرها به آدم بعد لحظات ... فتح آدم عينيه،، كانت ملأى بالدموع والتقط أنفاسه ولكنه لم يستطع التكلم .. همست شروق بصوت مرتعش : مـ .. ماذا .. آدم .. أرجوك يا أخي .. ما الذي حصل لهم ؟؟ هـ .. هل فقدناهم؟؟ همس آدم ودموع تسيل من عينيه في صمت : لقد قتلوا .. صرخت شروق وبكت بشدة،، بدأ آدم بالبكاء لا شعوريا وقال بصوت مبحوح: أنا السبب ..... لم تستطع شروق تحمل ذلك، بدا أنها تفقد وعيها شيئا فشيئا .. كانت تبكي بمرارة ،، أمسك آدم بها بسرعة بعد أن كادت تفقد وعيها ... همست بصوت خافت: هذا ليس صحيحا ... لم يقتلوا أليس كذلك؟؟ سقطت دموع آدم على وجهها وقال آدم: أنا آسف يا شروق ... لكن صدقيني ... سأنتقم لهم .. أعدك . صرخت شروق بحرقه وتمسكت بقميص آدم .. ضمها إلى صدره محاولا تهدئتها وبكيا معا بكاءا مرا لم يسبق لهم أن شعروا بمرارته !! السياج الأخضر وقف الضابط وائل أمام السيدة منى وقال وهو يتصفح أوراقا في يده: إن ابنك آدم طالب في الكلية العسكرية ... وكذلك أسامة وهما في السنة الثالثة ... دمعت عينا السيدة منى فعاد وائل يقول: لقد اتصلنا بعائلة أسامة .. إن والديه مفزوعان وهما في طريقهما إلى هنا ... أما آدم فليس لدينا أية معلومات عن مكان وجوده ... شعرت السيدة منى بالخوف فقالت: هل ستعاينون مكان الحادث؟؟ بالتأكيد ... لكن يجب أن تدلينا على المكان لأن الغابات المحرمة كبيرة جدا ... سنتوجه إليها في صباح الغد ... أومأت السيدة منى موافقة وخرج طبيب أسامة من غرفة العمليات فركضت السيدة منى نحوه وسألته بهلع: ما الأمر أيها الطبيب ... ما هي حالة أسامة؟؟ صمت الطبيب للحظات ثم قال: إن حالته حرجة جدا ... يجب أن تستمري بالدعاء له ،، علّ تلك الأزمة تمر ... نزلت دموع السيدة منى على الرغم منها بينما اقترب وائل وقال محاولا تهدئتها: سوف يكون بخير إن شاء الله ... وقفت السيدة منى وهي تحاول كبت دموعها وخوفها، من بعيد توقفت سيدة أخرى تحدق باندهاش وهي تكذب عينيها ... بالأحرى كانت طبيبة ... اقتربت الطبيبة نهى وهمست: مرحبا ... نظرت منى إلى صديقتها القديمة وحدقت بدهشة عجزت معها عن الإجابة أو الرد ... مضت دقائق وكأنها ساعات فتساءلت نهى : منى؟ اغرورقت عينا منى بالدموع واقتربت من صديقتها القديمة ثم عانقتها ... مضى بعض الوقت وجلست الصديقتان معا يستعيدان الذكريات القديمة ... عرفت نهى كيف أن منى هربت بعيدا عن هارون وعاشت وحيده طوال تلك السنوات وفي اعتقادها مقتل آدم الصغير .. لم تكن نهى تستطيع وصف فرحتها .. اكتفت بمديح آدم ... وقالت بسعادة: إنه شاب رائع وشجاع يا منى .. يجب أن تكوني فخورة به .. وسأظل هنا إلى جانبكم حتى تنتهي تلك الأزمة على خير .. كان يبدو أن نهى فخورة جداً به وفرحت منى كثير بما صار إليه حال آدم .. قطع حوارهما صوت شاب يقول: سيدة منى؟؟ التفتت والدة آدم تجاه صاحب الصوت وقالت : أجل؟ قال الشاب بهدوء:
__________________ الى اللقاء التعديل الأخير تم بواسطة أخت أم خالد ; 02-27-2015 الساعة 07:14 PM |
#7
| ||
| ||
سيدتي .. أدعى هشام،، وأنا أعمل محققا وأساعد الضابط وائل .. ابتسمت السيدة منى وصافحت المحقق هشام وهي تقول: تشرّفت بمعرفتك .. ابتسم هشام بخجل وقال : وأنا أيضا، سآخذ بعضا من وقتك إذا سمحتِ؟ وقفت الطبية نهى وقالت وهي تستأذن : حسنا منى ، أراك لاحقا يا عزيزتي ... ابتسمت منى بامتنان وهي تراقب نهى التي عدلت من وضعية نظاراتها الطبية وخرجت بصمت .. كان هشام يمتلك شعرا أشقراً مميزا عن كل شباب المدينة، وكأنه غريب عنها،، لديه وجه مرح وهادئ وعينان معبرتّان .. كانت لديه شخصية خجولة وعصبيه في نفس الوقت .. تكلم هشام قائلا : سأحتاج إلى بعض الإجابات .. لدي خمس أسئلة فقط! همست السيدة منى : على الرحب والسعه يا بني .. ********************* هيه! انت ... استيقظ! فتح آدم عينيه ببطء ونظر إلى وجه ذلك الشاب .. كان آدم ما يزال في ذلك المكان المهجور وقد غفا بوضعية الجلوس، أما شروق فقد نامت على صدر آدم بعد أن جفت دموعها على خديها .. انتبه آدم وحدّق بوجه الشاب بذهول .. كان ذلك أحد أتباع هارون ، صاحب النظرة الغريبة والذي سأله من قبل كيف يثأر لوالده وهو لم يره .. ابتسم الشاب ابتسامة غريبة وقال بصوته الحاد : لا تجيد الاختباء يا آدم! تحولت نظرة آدم إلى نظره عدوانيه وتأمل المكان بسرعة فوجده فارغا .. حاول آدم التكلم لكن صوته خرج ضعيفا ومبحوحا وهو يقول : ابتعدوا عنّا .. نظر الشاب المجهول حوله بهدوء وهمس ببرود : ليس هناك غيري فلماذا تتكلم بصفة الجمع؟؟ ضمّ آدم شروق إلى صدره أكثر وشعر بالخوف فهتف : ابتعد عني أيها الغريب الأطوار! نظر الفتى للحظه ثم اقترب وجلس القرفصاء أمام آدم ثم نظر لوجه شروق وهو يقول بخفوت: شقيقتك جميله .. لم يكن ذلك الشاب يمتلك سوى تعبير الهدوء الشديد وهتف آدم منزعجا وهو يغطي وجه شروق بيده : لا أريد أن أتشاجر معك! ابتعد بهدوء وإلا .... وقف الشاب وابتعد قليلا ثم دار في المكان وقال : أنا جاسوس ومهمتي هي متابعة كل خطوه من خطواتك .. لقد راقبتك فتره طويلة حتى إنني حفظت طريقة تفكيرك .. وعندما هربت من الغابات المحرمة اتصل بي هارون وطلب مني أن أعرف مكانك .. تعجب آدم .. لماذا يخبره الشاب بكل تلك الأشياء؟؟ وتابع الشاب وهو ينظر إلى عيني آدم مباشره : إنهم في الطريق إلى هنا ... على الأقل يمكنك إنقاذ شقيقتك .. تعجّب آدم أكثر وقال : هل تحاول مساعدتي أم ماذا ..؟؟ تحركت مقلتي الشاب بحركة سريعة نحو شروق ثم عاد بعينيه إلى آدم وهمس : ربما أحاول مساعدتها .. أنت مفقودٌ الأمل في مساعدتك .. لن يتركك هارون حتى يحصل على ما يريده .. نظر آدم إلى وجه شروق فقال الشاب الهادئ : هيا ليس أمامي وقت لإخراجها من هنا! تفاجأ آدم وهتف بغضب : ماذا؟ أنا لا أثق بك! اقترب الشاب بسرعة وأمسك بكتفي شروق فركله آدم ولكن الشاب تفادى الركلة بمهارة فصاح آدم بغضب: ابتعد عنها! في تلك اللحظة استيقظت شروق ونظرت حولها باستغراب .. سمعوا فجأة صوت سيارات كثيرة تقف خارج المبنى المهجور ،، كان الشاب يحدّق بوجه آدم بثقة .. وارتجف قلب آدم وهو يسمع وقع أقدام رجال هارون على الأرض فنظر إلى شروق بحيرة .. قال الشاب الواثق وهو ينظر إلى شروق : تعالي معي الآن .. نظر إليه آدم بحيرة أكبر وخوف شديد فقال الشاب : أسرع ليس أمامك الكثير من الوقت .. لو بقيت هنا فلن يتركها هارون تعيش .. صرخ آدم : شروق اخرجي من هنا بسرعة! لم تفهم شروق شيئا وسحبها الشاب المجهول بسرعة وركض من باب خلفي ... هتفت شروق وهي تحاول مجاراة سرعته : من أنت؟! ولماذا تركت آدم!! تابع الشاب ركضه ولم يعر أسئلة شروق أي اهتمام .. وتابعت شروق الركض وفي عينيها آلاف التساؤلات .. وآلاف الدموع ... ********************************* رشف المحقق هشام بعضا من القهوة الموضوعة أمامه في كوب صغير .. وقال وهو يمسك بمذكرة أنيقة وقلم: سيدة منى .. في البداية أريد أن تحكي لي كل ما تعرفينه عن شقيقك آدم .. وقصة ذلك الشيء أياً كان في صدره ؟؟ صمتت السيدة منة للحظه ثم همست : يبدو أنها خمسة أسئلة طويلة وصعبه .. آسف إذا كنت أزعجتك .. لا بأس .. تنهدت بحرارة وقالت : حدث ذلك عندما كنّا صغارا ... كان أخي آدم يحب اللعب والاكتشاف كثيرا،، وكان والدي مزارعا عاديا بينما كان عمّي عالماً مرموقا ... وذات يوم جاء عمي من سفر طويل وكنا لم نره منذ فتره بعيده ... وعندما رأى آدم .. دمعت عينا منى وتوقفت عن الكلام للحظه ثم تابعت : أعجب به كثيرا وبذكائه .. وقرر أن يأخذه في رحلة علميه .. كما ادعى .. كان أبي سيرفض ولكن آدم كان متحمسا جدا وطلب من أبي الموافقة .. فوافق أبي .. وبالفعل كان هذا آخر آدم مرح أراه في حياتي .. عندما عاد كان مختلفا .. كان هشام يتابع القصة بانتباه شديد وتابعت منى : كان شاحبا ومريضا ولا يريد التحدث .. في البداية ظننا جميعا أنها آثار الرحلة، ولكن مع الوقت شعرنا بشيء مختلف،، كان أبي يسأل آدم دائما ما إن كان شيء ما يضايقه ولكنه كان يرفض التحدث وفي يوم من الأيام رأيته وهو يبدل ملابسه بدون أن يشعر .. ورأيت آثار جرحا بليغا في صدره ... وكأنما فتحه أحد وأغلقه بإهمال .. في تلك اللحظة لم أتمالك نفسي و .. صارحته بما رأيت .. ******************* أنا خائفة .. خائفة!! ولماذا أنتي خائفة؟؟ ما هذا المكان؟؟ إنه مخبأي الخاص .. هل أعجبك ...؟ لكنه مخيف جدا .. سيعجبك صدقيني .. تأملت شروق وجه الشاب الهادئ،، كان لديه شعر أسود فاحم وغزير وعينان فاحمتان غريبتان .. وبشرة بيضاء ناصعة ... همست شروق وهي تسير بهدوء في ممر مظلم : ما الذي يحصل معي .. لماذا تركنا آدم ..؟ و.. أنت .. من أنت؟؟ توقف الشاب عن السير وقال بعد أن أغمض عينيه وابتسم بهدوء: أنت تسألين كثيرا!! صرخت شروق بعصبيه: أجب عن أسئلتي حالتي لم تعد تتحمل أكثر من ذلك! التفت الشاب الهادئ ونظر لوجهها لثوان ثم قال باسما : يظهر جمالك الحقيقي عندما تكونين غاضبه! تضاربت مشاعر شروق بين الخجل والغضب والدهشة وتجمعت في نظرة ذاهلة بينما همس الشاب : ليس هناك أي سبب يجعلني أجيب عن أسألتك .. لقد أنقذتك لسبب لا أودّ ذكره في الحقيقة .. أما آدم فلست متأكدا من أنه سيكون بخير .. وأما اسمي فهو ... المجهول .. شعرت شروق بالخوف الشديد وقالت وهي تستند بظهرها على الجدار: أريد أن أعود للمنزل ... ولكن لم يعد هناك منزلٌ تذهبين إليه! هتفت بغضب ودمعت عيناها: أنت تخيفني! أريد أن أخرج من هنا!! لا أريد البقاء!! تركها الشاب ((المجهول)) واتجه للداخل وهو يهمس ضاحكا : تكونين أجمل كلما زاد غضبك .. وليس هناك مكان آمن كهذا .. تعالي ولا تكوني حمقاء .. *************************** وقف آدم يحدّق بوجه هارون .. كان هارون رجلا كبيرا بالسن لديه ملامح قاسيه وعينان ضيّقتان خبيثتان .. بدأ هارون الكلام قائلا بصوته الخشن : فاشل كالعادة ... وسيكون عقابك قاسيا لأنك حاولت خداعي .. أنت مجرد ولد! هل تسمع ....... ظل آدم صامتا بينما اقترب رجال هارون وقاموا بالإحاطة بآدم .. بعد دقائق من الصمت قال آدم : لقد أخذتك إلى قبر خالي .. وأخبرتك أنني لا أعرف إلا تلك المعلومة .. الآن ماذا تريد؟؟ ظل هارون يحدج آدم بنظرة قاسيه حتى قال في النهاية : لم نجد شيئا في قبر خالك! معنى هذا أن البلورة قد أخرجت ... وأنت الوريث الوحيد لها .. هل ستخبرني بالهدوء أم أنه سيكون لي تصرف آخر معك .. كان آدم مذهولا وتمتم بثبات : لقد أخبرتك كل ما أعرفه .. عدا ذلك لقد تربيت بعيدا عن هذه الحادثة ... دعني وشأني .. ضحك هارون ضحكة مجلجلة وقال : حسنا ما رأيك الآن أنت بريء .. دعوه يذهب .. ابتعد الجميع عن آدم وفتح هارون الباب القديم وهو يقول : هيّا .. أخرج .. قبل أن أغيّر كلامي .. شعر آدم بأن هناك خطباً ما .. ولكنه حاول التفكير بسرعة ولم يتحرك من مكانه حتى أردف هارون متابعا حديثه: إنها مع والدتك إذا .. وهذا ما يدفعني لسحقها كالجرادة! صرخ آدم بعدوانيه : ابتعد عنها! وإياك أن تفكر في ذلك !! أمسك هارون بقميص آدم بعنف وقال وهو يضحك : اسمع أيها الشاب .. لا أريد ربطك على كرسي وسماع فرقعة خلايا جلدك وأنت تحترق .. قال آدم بهدوء : لست خائفاً منك .. سوف تنال جزاءك العادل يوما ما ....... قام هارون بصفع آدم بقوة فسقط على الأرض وعاد هارون يقول بهدوء : هيّا .. هذا الولد لا يعجبني .. أريده أن ينال جزاءه!! ************************ من تتبعنا لحركات تنقلاتهم الأخيرة يبدو هنا أنهم لم يتحفظوا كثيرا .. يمكنني اكتشاف مكانهم الجديد .. حقا وائل؟؟ لكن .. كيف؟ اسمعني جيدا يا هاني .. لا أريدك أن تتدخل في هذا هل فهمت، أظن أنهم في المدرسة المهجورة في شمال المدينة والآن سأتوجه إليهم .. عندما اتصل بك .. يمكنك المجيء .. أشكرك .. لكن ربما لو جئت معك فيمكنني تصوير لقطات نادرة لصحيفتي! هاني أرجوك .. حسنا حسنا .. أعرف ما تفكر فيه .. من الجيد أنك تفهمني .. الوداع يا صديقي .. إلى اللقاء .. أغلق هاني سمّاعة هاتفه وظل يفكر للحظات في تلك القصة العجيبة، عاد إلى قراءة ما كتبه له المفتش هشام باختصار منقولا عن كلام والدة آدم .. كان هاني صديق طفولة هشام ووائل، وقد كانوا معا في كل المراحل الدراسية غير أن هاني قد اتجهت ميوله إلى الصحافة وأعجب وائل بكلية الشرطة وقرر هشام أن يصبح محققا كما تمنى طوال عمره ويكتمل فريق الأصدقاء الثلاثة .. فكّر هاني بإثارة .. ستحدث تلك القصة بالتأكيد ضجة صحفيه وإعلاميه لم يسبق لها مثيل، ولكن لا يجب عليه أن يستعجل الأمور .. فهناك مستجدات ستضفي نكهة أكبر على القصة القديمة .. كان هاني شاب هادئ الطباع يتميز بطبعه الحنون الذي يتأثر بما حوله بشده، لديه شعر أسود وعينان مميزتان داكنتان، جسده نحيل نوعا ما، حتى يظن من يراه أنه ضعيف البنية، ولكنه في الحقيقة لا يفتقر للياقة البدنية فقد حصل على مراكز أولى في مسابقات التايكوندو .. وطالما أخبره وائل ضاحكا أنه طالما كان يخدع المستخف به .. قطع حبل تفكيره طرق هادئ على باب المكتب، كان هاني يعرف جيدا من التي تطرق بتلك الرقة وقال بلطف: تفضّلي .. دخلت فتاة جميلة وأنيقة، كانت زميلة هاني في المكتب الصحفي .. وضعت ظرفا كبيرا أمامه وقالت بصوتها الهادئ : هذه صور حادثة آب من العام الفائت، لقد استخرجتها من الأرشيف كما طلبت مني .. وقف هاني وفتح الظرف بسرعة وهو يقول : لا أعرف كيف أشكرك! لا شكر على واجب .. خرجت (ريم) وأغلقت خلفها الباب بينما كان هاني يتبعها بنظراته حتى انه لم يحدق بالصور التي أظهر تلهفه عليها .. ظل ينظر بشرود ناحية الباب المغلق ثم انتبه أخيرا ونظر بهدوء إلى الصور التي أخرجها من المظروف الكبير .. ارتمى على كرسيه بصمت وظل يفكر لدقائق في حظه العاثر الذي أبعده عن الفتاة التي أحبها،، تساءل في قلبه أهو حظه العاثر أم هي رغبة والدته الملحة والتي فرضت عليه أن يخطب ابنة خالته .. قرر أن لا يفكر في الموضوع أبدا فقد ضاع نصف الوقت المخصص للعمل في الشرود والتفكير في مصير لن يتغيّر .. أغلق حاسوبه المحمول وحمله مع الظرف الكبير وخرج من المكتب وهو يشعر بالضيق، كانت ريم تقف في الردهة مع أحد الصحفيين، وتفاجأت لرؤية هاني ينصرف مبكرا .. كانت تود أن تسأله ما إذا كان بخير؟ .. لكنها فضلت أن تكمل عملها وتتجاهل الأمر .. وقف هاني ونظر إلى ريم لثوان ثم انصرف بسرعة .. تساءل الصحفي الذي كان يتناقش مع ريم قائلا: لماذا انصرف هاني مبكرا؟ هل هو متوعك؟ أجابت ريم بهدوء وهي تتابع التحديق في الملف الذي تحمله بيدها: عندما أعطيته مظروف حادثة آب منذ برهة قصيرة كان يبدو متحمسا .. إذا ماذا جرى؟ همست ريم بلا أي تعبير ارتسم على وجهها أو غيّر نبرة صوتها الهادئة: لقد تغيّر في الآونة الأخيرة .. ربما هو مشغول الفكر بعد خطوبته .. وضعت ريم الملف بهدوء وانصرفت من المكان .. ----------------------------------------------------- ما هذا أيها الـ .. المجهول! حدقت شروق بغيظ وقالت : حـ .. حسنا أليس لديك اسم آخر؟؟ ابتسم الشاب بهدوء وبدأ يقضم جزرة كانت في يده وهو يقول : هل لديك اسم غير شروق ..؟؟ نظرت شروق إليه بحنق ثم نظرت إلى صحن أمامها وقالت بضيق: أتعني أن أباك سمّاك المجهول عندما ولدت؟؟ وقف الشاب المجهول وبدأ يتجول في المكان ويعبث ببعض الأغراض فعادت شروق إلى التحديق بطعامها قبل أن يتمتم بعد برهة من الصمت: تناولي طعامك! سوف تموتين من الجوع .. صاحت شروق بغيظ: وهل تسمّي هذا طعاما؟؟ أنـ .. إنه يشبه ... الـ .. التفت ينظر إليها متلذذا بمنظرها الغاضب وعلى وجهه ابتسامة هادئة وأردفت شروق وملامحها تدل على قرف شديد : إنه يشبه .. طعام الأطفال المهروس!! الذي لاتـ .. تعرف مم يتكون! خرجت ضحكة ساخرة من حلق الشاب المجهول وتابع العبث بأغراضه وهو يقول: ومن قال أنك كبيرة؟ انت مجرد طفله لا أكثر .. صرخت شروق وهي تقف مبتعدة عن الطعام : أنا لست طفله! نظر الشاب المجهول بسرعة حتى لا يفوّت على نفسه مشاهدة شروق وهي تصيح وهمس باسما: وماذا بعد؟ أنا أرى انك مجرّد طفلة ثائرة دوما! أنت أيضا طفل غبي! ضحك الشاب المجهول بشدة،، كان غارقا في الضحك فقالت شروق ساخرة: احذر أن يغمى عليك من الضحك! نظر الشاب المجهول وقال وهو يحاول التوقف عن الضحك : أنا طفل؟؟ أنا أكبرك بعشر سنوات على الأقل .. قالت شروق مندهشة : أنت تكذب، لا تبدو عجوزا! كما أنني في السادسة عشرة من عمري إن كنت أبدو أصغر من ذلك! بدا الذهول واضحا على وجه الشاب المجهول ثم قال بحركة كوميديه: ياللهول يبدو أنني سأعود للضحك! لقد أصبحت أكبرك إذا باثني عشرة سنة على الأقل!! بدا التذمر على وجه شروق التي جلست على أحد الكراسي الخشبية وقالت ساخرة: يؤسفني أن أرى شابا في مثل عمرك مازال مجهولاً! توقف الشاب عن الضحك ونظر نحو شروق بهدوء .. كانت بعض ملامح الحزن قد ظهرت على وجهه لوهلة ولكنه حاول أن يظل وجهه بلا تعبير فلم ينجح .. التفت إلى أغراضه وبدأ بترتيبها بعصبيه، شعرت شروق بأنها قالت شيئا جرحه بقوه فتمتمت قائلة بعد فترة صمت دامت العشر دقائق: أنـ .. أنا آسفة إذا كنت مصدر إزعاج لك .. همس الشاب بدون أن يلتفت : أنا أحاول رد الدين لأحدهم، ولذلك أنقذتك .. أحاول أن أساعدك كما ساعدتني والدتك يوما ما .. عندما كنت في مثل عمرك .. أمي؟؟ كـ .. كيف ساعدتك؟ من انت؟ تساءلت شروق باندهاش .. ولكنها لم تتلق جوابا من المجهول .. السياج الأخضر لم يكن أسامه يعرف أين هو، إنه يحلم بالتأكيد ما كل هذه الضمادات التي يسبح فيها وبغوص ..؟؟ و.. آه .. صرخ أسامه بألم حينما حاول تحريك ذراعه المجبّس .. ونظر إلى ساقه بحزن وهو يتساءل في نفس الوقت لماذا يشعر بالدوار؟؟ إنه يحاول أن يتذكر آخر موقف مرّ على ذهنه ولكنه عجز عن التفكير فصرخ بتذمر : ما هذا ؟؟ هل أنا هو أنا ؟؟ أم إنني فقدت الذاكرة؟ سمعته والدته بسرعة فهرعت إليه ونظرت إلى وجهه ودموعها تتساقط فوقه وظلت تردد: أ.. أسامه!! أسامه .. قال أسامة بضجر وهو يحاول مسح دموع والدته من فوق وجهه: هيه! الأمطار بدأت تهطل فجأة على وجهي أليس هناك مكان آخر .. عانقت الأم ولدها بقوة وهي تقول بسعادة: حمدا لله على سلامتك يا عزيزي .. أنت بخير ..!! كاد أسامة أن ينفجر وقال بضيق: حسنا .. من الواضح أنك قلقة علي لكن دعيني أتنفس يا سيده! نظرت الأم مندهشة وتوقفت دموعها عن النزول وهي تحدّق بوجه أسامة بدهشة وخوف لا مثيل له ... همست بصوت مرتعش: أسامه !! أنا والدتك ...! نظر أسامة للسقف ثم قال بلا مبالاة: آه فهمت تعنين أنني أدعى أسامه وأنك والدتي؟؟ آسف ولكن ذهني مشوش قليلا .. أحاول التذكر ..! ----------------------------------------------------------- وصل الضابط وائل مع والدة آدم وبعض رجال الشرطة إلى الغابات المحرمة .. ترجل البعض سيرا على الأقدام خلف السيدة منى والضابط وائل، وبقي الآخرون لحراسة المكان وسيارات الشرطة الأخرى ... عندما وصلوا كان السياج الأخضر محطما، والقبر منبوشا ومفزعا، صرخت السيدة منى مرتعبة وغطت عينيها بسرعة .. واقترب الضابط وائل وألقى نظره خاطفه ثم قال لهشام الذي دنا منه: هشام! لقد عبث هارون بالقبر .. هل تعتقد أنه حصل على مراده ؟؟ همس هشام وهو يحدق في العظام والرفات: علينا أن نأخذ معنا هذه العظام،، يجب أن يعرف الطب الشرعي سبب الكسور في عظام القفص الصدري .. كـ .. قاطعه وائل وهو يبتعد : توقف عن إثارة قرفي لن نستفيد شيئا من العظام! ولكن! هشام علينا أن نعيد دفن هذه العظام .. لا يجوز إخراج العظام بعد مرور أكثر من عشرون عاما على دفنها .. ولن يعود علينا بالفائدة في النهاية ..... كان بعض رجال الشرطة اللطفاء يحاولون تهدئه السيدة منى التي بدت منهارة، وأعطى وائل أمرا بتفتيش المكان وإعادة دفن العظام ... كان هشام كعادته يفتش في كل ركن وأسفل الأشجار ويعبث بأخشاب السياج المحطمة والرمال واصطدمت يده بشيء ما .. حدّق هشام لثوان ثم أدرك فجأة أنها علبة صغيره .. كانت قديمة جدا وملتصق بها أتربة وبقايا زروع ذابلة، أمسك بها بسرعة ولكنه شعر بخطوات رجال الشرطة خلفه مقتربين من القبر فوضع العلبة في جيب معطفه وكأنه لم يجد شيئا .. كان يدرك أنه يقوم بأمر خاطئ لأن عليه تسليم الأدلة إلى وائل، ولكن فضوله بما يشعر أن تلك العلبة تحتويه سيطر على عقله .. وبدأ يتذكر كلام والدة آدم : " قبل موته أعطاني علبة صغيره .. طلب مني أن أعطيها لأيمن ولكن .. لكن يبدو أنها سقطت مني وبعد ذلك بحثت عنها ولم أجدها ... لا أعرف ما الذي يوجد بداخلها تحديدا .." تحسس العلبة داخل جيبه وهو يشعر بإثارة لم يسبق لها مثيل، فكر مطولا .. إنها تلك العلبة التي تحتوي السرّ .. بالتأكيد هي .. نظر إلى وائل الذي وقف منهمكا بالحديث إلى والدة آدم، شعر بالخزي لأنه يخفي عنه اكتشافا كهذا ولكنه لم يستطع إخباره،، كان مغرما باكتشاف الشيء الذي سيطر على عقول الجميع لعشرات السنوات .. ماذا يكون؟؟ شعر هشام بأن تلك العلبة قد بدأت تسيطر عليه بطريقة غريبة .. وتوجه عائدا برفقة وائل ووالدة آدم بصمت .. بينما بقي بعض رجال الشرطة الآخرين محاولين إعادة ردم القبر مجددا .. ----------------------------------------------------------- رن جرس الهاتف رنات متتالية فاستيقظ هاني من نومه القلق ورفع سماعة الهاتف وهو يقول: مرحبا .. مرحبا هاني .. أهلا هشام ماذا تفعل في هذه الساعة ألم تنم بعد؟ إنها الثالثة فجرا! هاني .. أنا أريدك الآن في منزلي .. شعر هاني بتغير عجيب في صوت هشام الذي بدا متحشرجا ومتعبا فقال هاني بقلق وهو يجلس: هشام لماذا تلهث بتلك الطريقة هل انت بخير؟؟ ولماذا تهمس هكذا؟؟ لا أريد لنور أن تسمع .. هيا سأنتظرك عند باب المنزل لا تطرق الباب! الآن؟؟ أجل يا هاني أسرع! حسنا! ترجل هاني من فوق سريره وارتدى ملابسه بسرعة وحمل حاسوبه المحمول ثم سار على أطراف قدميه حتى لا تشعر والدته بخروجه في تلك الساعة .. عندما وصل إلى باب المنزل سمع صوت والدته تقول من خلفه: هاني؟؟ إلى أين انت ذاهب ؟؟؟ التفت هاني وقال بهدوء: لدي حدث علي تغطيته! إ .. إنه خـ .. خبر عاجل! فتح هاني الباب وخرج قبل أن تسأل والدته سؤالا آخر وصاح بسرعة: إلى اللقاء .. ثم ركض في الشارع الهادئ حتى وصل إلى سيارته وهو يتساءل عن السر الغريب الذي جعل هشام يوقظه في تلك الساعة!! ------------------------------------------------------- جلست ندى تحاول قراءة إحدى الكتب المساعدة علّها تفهم ما استصعب عليها من محاضرات اليوم .. كانت الساعة تشير إلى الرابعة فجرا ولكن ندى استيقظت للتو بعد غفوة قصيرة،، كانت هذه عادتها فهي لا تعرف معنى للنوم إذا كان لديها عمل ما .. الساعة أشارت للرابعة والنصف فتركت ندى كتابها بعد أن سمعت صوتا غريبا في ردهة المنزل، لم تتخيل أن أحدهم يطرق على الباب في ذلك الوقت المتأخر .. أضاءت الردهة فتأكدت بأن شخصا ما يطرق بهدوء على باب منزلهم،، كانت تعرف جيدا أن والدها مسافر ولكن ما باليد حيلة .. عليها أن توقظ والدتها .. توجهت إلى غرفة والديها بسرعة فلم تجد والدتها وقد تركت لها رسالة صغيرة مكتوب عليها: " حبيبتي الصغيرة، توجهت إلى قسم الطوارئ هناك حالة عاجله، أرجو أن لا تقلقي عندما لا تجديني" تمتمت ندى بتذمّر وقلق: كالعادة!! قررت تجاهل ذلك الطرق ولكن فضولها الشديد دفعها للنظر من شرفة غرفتها التي تطل على واجهة المنزل.. كان هناك شخص ما يستند بظهره على الباب ويطرق بضعف كبير .. لم تستطع تبينه في الظلام .. ولكن لوهلة شعرت بأنه يشبهه .. همست بخوف لنفسها وهي لا تصدق ما تراه عينيها: هل أنت آدم حقا؟ أم .. ماذا؟ لم تترك التساؤلات تؤخرها عنه، شعرت بالهلع عليه فهو لا يبدو بخير .. فتحت الباب فتحة صغيرة نظرت منها بعين واحده وهمست: آدم .. لم يستطع آدم الوقوف ونظر إلى ندى،، كانت إحدى عينيه مغطاة بالدماء التي تسيل من رأسه ففزعت ندى وفتحت الباب ولكن آدم الذي كان يستند على الباب سقط على الأرض .. جلست ندى بالقرب منه وهتفت بفزع: آدم انت لست بخير!! ما بك!؟ لم تكن ندى تعرف أي شيء عن ما جرى له ولعائلته، كان آدم يجلس بصعوبة وبدت أنفاسه متلاحقة ومتعبه وتكلّم بصعوبة: أيـ ــن .. والدتك؟ ظلت ندى تنظر إلى جسده الممزق بهلع وأجابت وهي تحاول إسناده: إنها في المستشفى .. ووالدك؟ مسافر! كاد آدم أن يفقد وعيه ولكنه عاود النظر إلى وجه ندى وهو يقول: لقـ .. لقد هربت بأعجوبة .. كـ .. كان ذلك من أجلك .. يجب أن تهربي! لم تفهم ندى شيئا وقالت بخوف: ماذا تقول!! يجب أن اتصل بالمشفى لأخذك ... أنت منـ .. الآن .. أهربي بسرعة .. دعيني سوف أكون بخير .. ولماذا أهرب! أرجوك .. توجهي إلى والدتك بسرعة .. أخبريها أن تأخذك وتسافر .. لا تعودان إلا هنا حتى تصبحان بأمان .. دمعت عينا ندى وقالت: آدم .. ما الذي أصابك .. لا يمكنني تركك مهما فعلت .. أرجوك يا ندى .. أرجوك .. إن كان لرجائي معنى عندك! لكنك خائر القوى! لن أتحمل تركك هكذا .. الآن .. بسرعة .. لم يستطع آدم التحمل أكثر فأغمي عليه .. أمسكت به ندى، وشعرت بأهمية ما أخبرها به .. يجب أن تساعده الآن كما حاول مساعدتها طوال الوقت .. سحبته إلى داخل المنزل بصعوبة وتوجهت إلى الهاتف،، بدأت تضغط أزراره طالبة رقم المستشفى ولكن قاطعها صوت طرق قوي على باب المنزل مجددا .. دب الهلع في قلبها وسقطت من يدها سمّاعة الهاتف .. --------------------------------------------- ظل أسامه يضحك ويضحك حتى آلمه فكه ونظرت والدته إليه بغضب وهي تهتف: أسامه! إياك أن تعيدها كدت أصاب بأزمة قلبية .. نظر أسامه إلى والدته وقال وهو يحاول التوقف عن الضحك : لكنك صدقت ذلك! يالي من ممثل بارع! لقد أخبرني آدم يوما ما بأنني سأصبح ممثلا ولم أصدقه!! عاد أسامه للضحك ووالدته تنظر إليه بغيظ وبدأ أسامه يهدأ شيئا فشيئا ثم تساءل بهدوء: صدقيني يا أمي لقد نسيت ما الذي جرى لي .. أهذا يعتبر فقدانا للذاكرة؟ .. نسيت آخر مكان كنت موجودا فيه!! .. لكن.. آدم؟ أين آدم؟؟ هل هو بخير؟ قالت والدته بتذمر: لا تسأل عنه! إنه سبب ما أنت فيه .. كما أنني لا أعرف أين هو الآن!! كل ما اعرفه أنك ستظل هكذا طويلا حتى تشفى وتعود لوضعك السابق .. بدأ القلق يساور أسامه الذي قال متجاهلا كلام والدته: دائما تخاطبينني كطفل في المرحلة الابتدائية! ياللأمهات .. هل تصدقين! يبدو إنني بدأت أتذكر شيئا .. لقد وجد آدم والدته .. و .. انتفض أسامه فجأة وبدأ محاولا الجلوس ولكن والدته منعته فهتف أسامه: أمي دعيني! منذ متى وأنا نائم هكذا يالي من أحمق! أين آدم؟؟ أين! كف عن هذا لن يجدي نفعا! لا تمسكي بي دعيني اجلس! أرجوك يا أمي! أصرت والدة أسامة على إعادته للنوم، وفقد أسامه مرحه المعتاد وهو يتذكر آخر منظر رأى آدم عليه وتمتم بضيق : هل آدم بخير!! أين هو !! ثم صرخ فجأة: أمي يجب أن تعرفي عنه شيئا!! --------------------------------------------------------- ما هذا يا هشام! هاني! أخفض صوتك سوف تستيقظ نور .. حدّق هاني باندهاش في تلك البلورة اللامعة وقال بعد وهلة : إنـ .. إنها أروع شيء رأيته في حياتي ..! نظر هشام إلى البلورة بحب شديد وهمس قائلا: اسمع .. هذه البلورة التي كانت في صدر آدم،، لقد كنت مع كشفية وائل أثناء إعادة ترميم القبر،، ووجدت تلك العلبة الصغيرة ... كانت تحتوي تلك البلورة ولكن الأوساخ والدماء الجافة كانت تحيط بها .. قاطع هاني القصة المشوقة متسائلا: هل تركك وائل تعبث بالدليل؟؟ تلعثم هشام قليلا ثم قال: اسمع وائل لا يعرف شيئا عن الأمر .. لقد وجدت العلبة وأخذتها! ماذا! أمسك هشام بفم هاني بسرعة وهو يهمس: أرجوك أخفض صوتك! لا أريد لوكالات الأنباء أن تعرف بالأمر .. أنت تعرف نور! أزاح هاني يد هشام وهو يقول خافضا نبرة صوته: حسنا ماذا تنوي أن تفعل الآن! نظر هشام للبلورة وقال بحماس عجيب كبته داخل صوته الهامس بأعجوبة: لم تسألني عن الاكتشاف العظيم! أي اكتشاف ..؟ لقد وجدت داخل العلبة رسالة للشخص المدعو أيمن! لمعت عينا هاني وهتف: وماذا كان مكتوبا فيها! أرجوووك! أرجوك ستستيقظ نور بسببك! قال هاني بنفاذ صبر: وماذا إن استيقظت! ستتطفل علينا وتصّر على معرفة أمر ألبلوره!! يالها من فتاة إنها دائما هكذا! أنتم الصحفيين لديكم فضول عجيب لمعرفة كل شيء! ابتسم هاني وقال: زوجتك مشاغبة جدا،، لقد كادت تستولي على أرشيف حادثة آب بالكامل من مكتبي لولا النجدة التي وصلت .. لم يستطع هشام كبت ضحكته فضج الاثنان بالضحك وعندها سمعا صوت شخص يتحرك في الردهة .. همس هشام بفزع: لقد استيقظت .. دعنا نخفي البلورة أسرع! أمسك هشام بالبلورة وضعها في جيبه ولكنها كانت ظاهرة من سروال النوم فأخرجها وأعطاها لهاني وفي تلك اللحظة دخلت نور وهي تنظر إلى هاني باستغراب .. وضع هاني البلورة في جيبه وأظهر ابتسامة لا مثيل لها وكأنه في إعلان لمعجون الأسنان .. تساءلت نور باستغراب مشوب بالنعاس: هشام ما الأمر؟ هل هناك خطب ما؟ قال هشام بسرعة: لا يا عزيزتي عودي للنوم! وماذا يفعل هاني في هذا الوقت! قال هاني بسرعة : أنا هنا لأناقش مع هشام مشكلة خطيرة تتعلق بوائل! ذهبت آثار النعاس من ملامح نور التي قالت فزعة: ما به وائل؟ هل هو بخير؟؟ أجاب هشام ليزيد الطين بلّه: إنه بخير ولكن .. انه مريض قليلا! نظرت نور بذكاء ثم قالت: أنتم تخفيان عني أمرا لا تريدانني أن أعرفه .. ومن جهتي فإنني مكلفة بالكثير من الأعمال ولا وقت لدي للتطفل على شؤونكما .. انصرفت نور بهدوء فهمس هاني: مستحيل هذه ليست نور التي نعرفها .. أجاب هشام وهو يتأكد من انصرافها نهائيا: الحمد لله .. دعني أريك الرسالة الآن .. لن تصدّق ما كتب فيها! أمسك هاني بالرسالة بعد أن ناوله هشام إياها وبدأ بقراءتها بصمت .. اتسعت عيناه بدهشة .. وحدق في وجه هشام وهو يتمتم: مستحيل! السياج الأخضر التقطت ندى أنفاسها عندما سمعت المفتاح يدور في الباب .. إنها والدتها بالتأكيد فمن عادتها أن تطرق الباب دائما قبل أن تفتحه حتى تنتبه ندى .. ركضت بسرعة نحو والدتها وبدأت تهتف بذعر تداخلت كلماتها فلم تفهم والدتها شيئا مما قالته وظلت السيدة نهى تحدّق بآدم وهي تفهم شيئا واحدا فقط ... أن الجميع الآن ... في خطر .. رفعت سمّاعة الهاتف واتصلت بالإسعاف ... طلبت من ندى أن تحزم أمتعتها المهمة وتتجهز للخروج ... لم تعارض ندى والدتها ولم تضيع الوقت .. في خلال دقائق كانت عربة الإسعاف وسيارة الضابط وائل أمام باب منزل السيدة نهى، شعرت ندى بالأمان وهي ترى سيارات الشرطة تطوّق المنزل .. حمل المسعفون آدم، بينما سأل وائل السيدة نهى عن ما جرى .. لم تكن السيدة نهى تعرف ماذا جرى تحديدا ولذلك فقد انتظر وائل نزول ندى .. التي كانت تحمل حقيبة سفر صغيره، توجه الجميع إلى المستشفى في سيارة وائل .. في أثناء توجههم للمشفى قامت ندى بإخبارهم بما حصل وبما أخبرها به آدم قبل أن يغمي عليه .. في ذلك الوقت انتبه وائل إلى شيء غفل عنه طوال الأسابيع الماضية فيما يتعلّق بقصة آدم .. شيء لم يفكر فيه أبدا ... --------------------------------------------- كان مخبأ الشاب المجهول عبارة عن غرفة واحده كبيرة جدا مظلمة تقع تحت الأرض، هناك نوافذ مرتفعه ملتصقة بالسقف ومن الجهة الجنوبية يمكنك رؤية الشارع حيث عجلات السيارات التي تقطع حبال الضوء كلما مرّت إحداها .. تضم تلك الغرفة باب واحد مؤدي إلى دورة المياه، عدا ذلك فكل الأثاث عبارة عن سرير وأريكة كبيرة وعدة كراسي خشبية في جانب بعيد من الغرفة،، هناك طاولة كبيرة مليئة بالكتب والمجلات ومعدات غريبة ومسامير وأغراض أخرى تكومت فوقها الأتربة بشكل مفزع .. أما في الجانب الآخر فكانت توجد ثلاجة وطاولة مستطيلة رفيعة مليئة بمواد كيميائية وموقد صغير .. كان المكان أشبه بمخبأ مخترع مجنون .. في وقت متأخر من الليل كانت هناك مصابيح صغيره تضيء المكان بينما كانت شروق نائمة على الأريكة تأمل المجهول وجهها للحظات وتمتم : تشبهين أمك عندما تكونين هادئة! عاد الشاب إلى قراءة مجلة كانت في يده ولكن فجأة علا رنين هاتفه المحمول فزفر بضيق، وقف وألقى المجلة على السرير وأمسك هاتفه وأجاب بدون أن ينظر إلى هوية المتصل .. فلا أحد يكلمه عادة سوى شخص واحد أو إن كان أحدهم قد اتصل بالخطأ .. أجاب ببرود كعادته : ماذا!؟ فتحت شروق عينيها ببطء ونظرت إليه، أيقظها رنين الهاتف المتصاعد كان الشاب المجهول صامتا ويستمع إلى المتحدث وعلامات الهدوء على وجهه .. تكلم أخيرا : لا يمكنني القيام بذلك! لن أفعل ذلك من أجلك .. حتى ولو كنت والدي .. ألقى هاتفه المحمول بإهمال فوق السرير أيضا ويبدو أنه لم ينتبه لاستيقاظ شروق، فتوجه إلى الطاولة المليئة بالكتب والأغراض ثم بدأ بالبحث عن شيء ما .. كان هناك صوت يخرج من الهاتف،، يبدو أنه ترك المكالمة ولم يغلق هاتفه .. مدّت شروق ذراعها والتقطت هاتفه المحمول بدون أن يشعر الشاب بذلك ، وضعته على أذنها فسمعت رجلا يصرخ : تبا لك! أنت تتجاهلني دائما وهذا ليس في صالحك لا تنس أنني أعرف أين تختبئ مثل الجرذ الذي يكره النور .. أين ذهبت .. مـ ... قبل أن تسمع ما كان سيقوله الرجل ضرب الشاب الهاتف فسقط من يدها على الأرض .. فزعت شروق ونظرت إليه بخوف .. كانت على وجهه نظرة هادئة ولكنها صارمة .. وهمس بهدوء وهو ينحني ويلتقط هاتفه من على الأرض: ماذا كان يقول ذلك العجوز الخرف ..؟ كان قلب شروق ما يزال مذعورا وتمتمت بارتباك : لـ .. لم أسمع شيئا .. بالأحرى لم أفهم شيئا .. التفت الشاب ونظر إليها وفي عينيه بريق غريب .. تكلم بلهجة مخيفه: إيّـاك أن تكوني سمعتِ شيئا لا أرغب في أن تعرفينه .. قولي ما سمعته بسرعة .. شعرت شروق بالخوف فدمعت عيناها وقالت: أريد أخي آدم .. لا أريد البقاء هنا .. جن جنون الشاب فصرخ وهو يرمي بالهاتف فيتحطم في الجدار : تكلمي! أخفت شروق رأسها بين ذراعيها مذعورة وبدأت في البكاء، كان جسدها يرتجف من الخوف وصاحت: لم يقل شيئا كان يقول فقط أنه يعرف أين تختبئ وليس من صالحك أن تتجاهله .. هذا ما فهمته .. هتف الشاب بعصبيه: ماذا؟؟ بدا وكأنه يفكر في شيء ما ثم أمسك شروق من ذراعها بقسوة ودفعها وهو ما يزال يصيح بعصبيه : أخرجي بسرعة علينا الانصراف من هنا ... ظلت شروق تبكي وركضت أمامه وهي تصرخ : أنت مجنون! دعني وشأني ..!! ركض الاثنان في الممرات المظلمة حتى خرجا إلى الشارع المهجور، ثم ركضا حتى الشارع الرئيسي كان الوقت متأخر والهواء يهب باردا وخلع الشاب معطفه ووضعه على كتف شروق ثم قال: هناك سيارة على بعد كيلو متر واحد .. أنا أوقفها بعيدا حتى لا يعرف هارون مكاني، ولكن يبدو أن ذلك الرجل لن يدعني حتى أشنق نفسي .. كان الاستياء واضحا على وجهه فهمست شروق وهي تجفف دموعها: إلى أين ستأخذني؟ هل ستركضين أم أحملك؟ تحولت ملامح شروق إلى العصبية وصرخت: بالطبع سأركض! إذن هيّا ولا أريد المزيد من الأسئلة .. ------------------------------------------------ " عزيزي أيمن، بصفتك صديقي الوحيد الذي أثق به أكثر من أي شخص آخر فسوف أخبرك بسر صغير عن هذه البلورة التي كانت في صدري ... قبل أي شيء سأطلب أن تتخلص منها حالما تصل إلى يدك أو انك ستبقيها بحوزتك إذا لم تسبب لك المشاكل، لا تسلمها إلى احد لأنها تسيطر على عقول الآخرين .. إنها مجرّد بلوره مسحورة لا أظن أنها تحقق الأمنيات إذا كانت في صدرك .. كانت هذه خدعة خدع بها الجميع وكنت أنا كبش الفداء، لقد ظنوا أن باستطاعتهم السيطرة على طفل صغير لتحقيق مطامعهم .. لكنني لم أكن عونا لهم ... لقد اختاروا الشخص الخطأ .. عزيزي أيمن .. أنا لم أعط تلك البلورة لأختي حتى لا أجعل حياتها تعيسة فقد قاست كفاية بسببي، أرجوك يا أيمن .. التخلص منها صعب .. ستجد انك بحاجة لأن تبقيها معك .. أرجوك .. حاول أن تتخلص منها، أنا اترك لك القرار إذا كنت تود الاحتفاظ بها فهذا لك لكن اكتشف أجمل ما فيها.... صديقك .. آدم. " تساءل هشام: ما رأيك! هذا جنوني .. لا يعقل أن تلك البلورة تحقق الأمنـ .. صمت هاني فجأة وهو يحدّق بالرسالة فقال هشام باستغراب: ما بك! لماذا صمتت هكذا؟؟ لا أدري لم قرر ذلك الشاب آدم إعطائها لأيمن ولم يتخلص منها بنفسه! ربما لم يستطع أن يتخلص منها ولاسيما أنه أخرجها من صدره بنفسه .. ولكن .. نظر هاني إلى وجه هشام الذي بدا وكأنه يتذكر شيئا فقال هاني: ولكن .. ماذا؟ لكن السيدة منى شقيقته أخبرتني انه كان بجانب البحيرة، معنى ذلك أنه كان بإمكانه إلقائها في الماء ولن يعثر عليها أي مخلوق على وجه ذلك الكوكب! هذا صحيح! بدا من خلال كتابته للرسالة انه متردد جدا في التخلص منها! ربما لتلك البلورة فوائد أخرى لم يذكرها آدم .. ربما أراد لأيمن أن يكتشف شيئا ما .. ربما .. تمتم هاني وهو يضع الرسالة القديمة على الطاولة: لقد قرأت عنها من قبل .. لكن أين ..!!؟؟ ضرب هاني رأسه محاولا التذكر بينما ظل هشام يقفز في مكانه متشوقا وهو يقول: ماذا؟ ماذا قرأت عنها؟؟ صاح هاني: أجل .. جريدة قديمه .. كانت في الأرشيف، عندا بدأت البحث عن قصة آدم .. قرأت عنوان مقال عن بلوره قديمه ولكنني لم اعره اهتماما .. قال هشام بسرعة: أين هي؟ أين؟ لقد أعطيتها لريم مع بقية الأوراق لتعيدها إلى الأرشيف! حسنا اتصل بها نريدها أن تفتح الأرشيف .. هتف هاني بعصبية: هل جننت إنها الرابعة صباحا! إنها حالة طارئة! مستحيل! لن يضيرنا انتظار بعض الساعات .. أذهب في السابعة دائما فأجدها هناك! صمت هشام بامتعاض بينما شرد هاني للحظه فهمس هشام بمكر: أنت تشرد دائما عندما تتذكر ريم .. لكنني أنصحك بأن تنساها تماما فأنت مرتبط الآن .. بدا الضيق على وجه هاني الذي ظل صامتا .. وأردف هشام بعد فترة صمت قصيرة: كما أنك تعرف جيدا أن ريم لا تبادلك تلك المشاعر .. هي لا تحبك أو بالأحرى لا نعلم ما إذا كانت تحبك حقا فأنت لم تسألها يوما .. في جميع الأحوال عليك تقبل الوضع الراهن .. همس هاني: إنها أروع فتاة رأيتها في حياتي وتعاملت معها .. لقد أحببتها منذ كنّا معا في الجامعة .. علّق هشام قائلا: أجل انت هكذا دائما .. كنت اسميك بالصامت! .. لماذا لم تفاتح والدتك بالأمر؟ قبل أن تشعر بأنك أصبحت مسنا ولم تتخذ قرارك بعد! أنا لست مسنّا! أجل أنت تحب ريم منذ سبعة أعوام كاملة وهي لم تشعر بذلك يوما .. لم يشعر احدنا بذلك .. لقد كنت صامتا طوال الوقت .. حتى إنني شككت في نجاحك بمهنة الصحافة تلك .. قال هاني وصوته يكتم ألما كبيرا : كل ما فعلته كان لا يوضح حبي .. يوما ما أخبرت أمي أنني لا أرغب بخطبة ابنة خالتي ولكنّها أصرّت على ذلك .. أتعرف يا هاني .. لا ينقصك سوى شيء واحد .. أتعرف ما هو؟ ما هو؟ ردّة فعل قويه .. ماذا تقصد ..؟؟ تذّكر هشام لثوان ثم قال: أنت قوي جدا كما عرفناك دائما، ولكن تذكر .. كنا إذا تشاجرنا مع أحدهم في السابق أجدك تتنحى حتى أن خصمك يأخذ عنك فكرة عدم قدرتك عن الدفاع عن نفسك! تكون في العادة ردة فعلك مسالمة .. أو هادئة جدا بحيث لا نشعر بها .. همس هاني : أفهمك! تعني أنني لم اتخذ موقفا جادا بشأن ريم طوال تلك السنوات؟ أجل .. ولم تتخذ موقفا بشأن والدتك عندما فرضت عليك خطبة ابنة خالتك .. لا تنقم عليها فهي تحاول أن تختار لك فتاة مناسبة .. لقد تجاوزت السابعة والعشرين من عمرك ولم تقم بخطوه جادة حيال ذلك! لم يعرف هاني ماذا يقول .. كان سينطق بشيء ولكنه توقف فقال هشام : أرجوك ماذا كنت ستقول!؟ نظر هاني نحو صديقه وتنهد بحرارة قبل أن يقول: أخشى دائما من الفشل .. ولذلك فلا أقدم على شيء بسهوله .. دائما هناك شيء في داخلي يمنعني .. أرجوك جميعنا يحاول .. ربما ينجح وربما لا .. انظر إلى وائل، إنه أفضلنا، ومع انه مجازف كبير إلا أنه الآن سعيد لديه زوجه وطفلين جميلين ووظيفة ناجحة .. لقد كان دائما مثلنا الأعلى .. تابع هاني كلام هشام : إن قراراته حكيمة جدا .. لا أعرف ما إذا كنا مثله! أجاب هشام بصراحة: لسنا مثله! لقد اتخذت قرارا خاطئا بشأن الاحتفاظ بالعلبة التي تحوي البلورة .. لو كان وائل مكاني لما فكّر في ذلك .. لا أدري لماذا أشعر بأنني سأدفع ثمن ذلك غاليا! السياج الأخضر كان وضع آدم حرج جدا،، أخبرهم الأطباء بأن أمله في النجاة ضعيف .. لقد أصيبت رئتاه وكبده بأضرار بالغه جراء تعذيب مبرح، كما أن لديه كسورا في ذراعيه وضلوع قفصه الصدري .. كان ذلك اكبر عذاب تعذبته منى .. والدة آدم .. لم تصدق ما يحدث مع طفلها بعد أن وجدته أخيرا، لقد ظهر فجأة في حياتها بعد أن أصبح رجلا ليختفي كما ظهر،، دموع حارة كانت تحرق قلبها وحزن لم تستطع صديقتها الطبيبة نهى التخفيف عنه .. الضابط وائل لم ينم بعدها لحظة واحده .. اكتشف اكتشافه الخطير، ألا وهو مقتل عائلة آدم التي تبنته منذ كان طفلا! هناك فتاة مفقودة، وهي شقيقة آدم بالتبني "شروق أيمن" .. ماذا أيضا .. هناك بلاغ عن اختطافها من المدرسة الثانوية الداخلية بواسطة شاب أدعى انه شقيقها، إنه آدم نفسه! تساءل وائل كثيرا في نفسه : ما معنى هذا؟! إذا كان آدم هنا فأين شروق إذا! بأي حال لم يكن هناك أمل في استجواب آدم، لن يفيق قريبا، ربما لن يفيق مجددا .. هارون ورجاله كانوا يريدون الشيء الذي كان في صدر آدم الكبير، هذا ما قالته منى .. وقد نبش القبر ولم يجد وائل شيئا وتم إطلاق سراح آدم .. هل هذا معناه أن هارون وجد ما يبحث عنه؟ وشروق .. هل قتلت؟ كاد رأس وائل أن ينفجر ولذلك فقد اتصل بهشام المحقق الموهوب علّه يكتشف شيئا من تلك المستجدات .. هل الوقت مناسب؟ لا بأس إنها السادسة صباحا بأي حال وهاهي خيوط الشمس الذهبية قد بدأت تتسلل من النوافذ! أجاب هشام بصوت نشيط وقام بالترحيب .. رد وائل على ترحيبه ومن ثم دخل في الموضوع بشكل مباشر : هشام! أريدك هنا بأسرع وقت ممكن .. لدّي بعض المستجدات! أ... أتقصد موضوع آدم؟ ليس هناك غيره! بأي حال أنا في المستشفى الآن سأتوجه إلى مكتبي في قسم الشرطة أرجوا أن تقابلني بأسرع وقت ممكن .. حـ .. حسنا! شعر وائل بارتباك وتوان غريب في صوت هشام فتساءل: ما الأمر يا هشام هل هناك مشكله؟ لا لا أبدا! سأوافيك في الحال! لم يشعر وائل بالاطمئنان ولأول مره شعر بأن هشام متردد في شيء ما .. لا يعرف ما إن كان إحساسه صحيحا ولكن هناك خطب ما بالتأكيد .. تساءل وائل .. " ربما يوّد هشام الانسحاب من القضية؟ ما الأمر؟ .. فجأة لم يعد يمتلك ذلك الحماس السابق" --------------------------------------------- دلف هاني إلى المكتب مبكرا جدا على غير العادة، كانت ريم بمفردها هناك .. تفاجأت من وجود هاني في ذلك الوقت ولكنها لم تتكلم وبادرها هاني بالقول: مرحبا ريم .. مرحبا هاني .. نظر هاني إليها للحظات فتساءلت وهي تتصفح بعد الملفات الموجودة على مكتبها: ما سرّ وجودك مبكرا هكذا؟ .. إنها السادسة صباحا .. أعلم .. فأنا هنا من أجلك .. التفتت ريم ونظرت إلى هاني باستغراب يشوبه التساؤل فتدارك هاني: أظن أنني أريد بعض الملفات من الأرشيف .. فجئت مبكرا حتى لا أجدك مشغولة .. تمتمت ريم بعد أن بدأت تفهم : هكذا إذا .. حسنا ما هو طلبك؟ اقترب هاني وقال بهدوء وهو ينظر إلى الملفات التي تتصفحها ريم: أتذكرين الصحف القديمة والصور التي تتعلق بقصة آدم وائل والتي أخبرتك إنني لست بحاجة إليها؟ أجابت ريم: أجل .. حسنا .. أريـ .. توقف هاني عن الكلام بصوره فجائية وهو ينظر إلى يد ريم اليمنى ليرى فيها خاتم الخطوبة .. التفتت ريم ونظرت إلى هاني وتساءلت : ما بك؟ لماذا صمتت فجأة هكذا ..؟! نظر هاني إلى وجه ريم وقال بذعر: لم أعلم أنك خطبت ..!! ابتسمت ريم وقالت : لا أحد يعلم بذلك،، لم يحضر إلا أفراد عائلتي فقط .. في الحقيقة لم تكن حفلة كبيره .. ولكنني سأدعوك إلى حفل زفافي بالتأكيد .. احتبست الكلمات في حلق هاني الذي لم يملك سوى التحديق بوجه ريم .. شعرت ريم بأنه تأثر كثيرا وابتعدت من أمامه بسرعة وحاولت المحافظة على نبرة صوتها المعتادة وهي تقول: لم تخبرني عن الأشياء التي أردتها من الأرشيف ..؟ همس هاني يحدث نفسه : لماذا! نظرت ريم نحوه باستغراب، كان ما يزال مشدوها .. وتساءلت ريم: هل قلت شيئا؟ التفت هاني ونظر لها بعينين دامعتين ولكنه حاول تمالك نفسه وقال : هل سعيد الحظ شخصا نعرفه؟ لا .. إنه صديق والدي .. صديق والدك؟ أجل .. إنه رجل أعمال معروف .. ولماذا لم تقوما بعمل حفل خطوبة كبير ..؟ نظرت ريم إلى هاني نظرة حزن دفينة وهمست : رفضت ذلك .. فأنا لست مرتاحة إلى خطيبي بعد .. لم أكن أرغب بالزواج من رجل بعمر والدي .. صرخ هاني بغضب وهو يقترب من خلف ريم : إنه كبير السن! أعلم! لكنه أعزب فهو لم يتزوج قبلي .. لكنه أكبر منك بكثير لماذا وافقت إذا؟؟ لماذا؟! عادت ريم ونظرت بعينين دامعتين إلى هاني ثم تابعت بنفس همسها السابق: هناك شخص ما، انتظرته طويلا .. لكنه تخلّى عني في النهاية ولذلك وافقت الآن .. لأنني رفضت الكثيرين في السابق .. كنت أظن أنه يحبني لكن يبدو أن إحساسي كان خاطئا تلك المرة .. كان يجب أن أوافق قبل أن يفوتني قطار الزواج .. اتسعت عينا هاني مصعوقا من كلامها ومسحت ريم دمعة كادت تنزل من عينيها ثم قالت وهي تتجه إلى الدرج المؤدي إلى الأرشيف : أرجوك ابقي هذا الأمر سرا بيننا، فذلك الشخص لم يشعر بوجودي إلى جانبه طوال تلك السنوات .. نزلت ريم درجات السلم بينما سمع هاني المسلوب القلب صوتها وهي تهتف: هيه هاني .. هل تريد الملفات أم الصور فقط؟ دمعات حارة انحدرت من عيني هاني الذي تمتم محدثا نفسه: هل ستظل صامتا كما كنت طوال حياتك ..! حاول أن يهدأ لأنه يدرك جيدا أنه لم تعد هناك فائدة ترجى من الكلام، فهو قد خطب ابنة خالته، وحبيبته ستتزوج قريبا من رجل أعمال ثري .. لم تمض دقائق أخرى حتى شاهد ريم تصعد الدرج وهي تحمل الصحف والصور المتعلقة بالقضية وقالت مبتسمة : لم تجبني فأحضرت كل ما يتعلق بالقضية،، خذ منها ما تشاء وسأعيد الباقي إلى مكانه! لاحظت ريم شرود هاني وعينيه الدامعتين واقترب من الملفات بتثاقل وأخذ الصحف القديمة ثم تمتم بتعب: سأحتاج إلى هذه فقط .. شكرا يا ريم .. لا شكر على واجب .. أنا آسف فقد أتعبتك معـ .. لا تقل هذا أرجوك! صمت هاني وسار بهدوء حتى خرج من المكتب، لم يقل شيئا أبدا، وتابعته ريم بعينيها وهي لا تصدّق ما تفكر فيه ... " هل حقا يشعر بالضيق من أجلي .. أم .. أنني واهمة .. يبدو أنني سأظل أفكر في حبه لي وهو لا يهتم لأمري أبدا .. دائما يحاول قلبي خداع عقلي بطريقة ما" ------------------------------------------
__________________ الى اللقاء |
#8
| ||
| ||
الفصل الرابع نظرت شروق إلى سيارة الشاب المجهول بدهشة للحظات قبل أن تركب .. وعندما استقرت في جلوسها تساءلت باستغراب: أهذه سيارتك؟ أجل! أجاب الشاب المجهول وهو يخرج مفاتيحه وبدأ بتشغيل السيارة فهمست شروق بخوف تتساءل مجددا: لـ .. لكنها .. سيارة شرطه .. أعلم هذا! إلى أين ستأخذني؟ إلى قسم الشرطة .. يجب أن أسلمك هناك! ألديك شخص يعمل هناك! صرخ الشاب بتذمر: توقفي عن طرح الأسئلة السخيفة! صمتت شروق بخوف وبدأ جهاز استقبال سيارة الشرطة في العمل وهي تسمع الحوار بين عربات الشرطة القريبة .. أغلق المجهول جهاز الاستقبال وقام بقيادة السيارة وابتعد عن المكان بسرعة متوسطه .. كان يتوجه إلى المدينة وبعد فترة صمت طويلة قالت شروق: من المستحيل أن تكون شرطيا ..! ألقى الشاب المجهول عليها نظرة خاطفة ثم قال وقد عاد إلى هدوءه السابق: ليس هذا مستحيلا جدا .. توقف الشاب فجأة بجانب دورية شرطه أخرى واقترب منها ثم نظر من النافذة وبدأ يتكلم ويضحك مع رجلي شرطه آخرين .. كانت شروق مذهولة، هل يعقل أن يكون الشاب المجهول شرطيا؟! خرج برفقة الشاب المجهول أحد الشرطيين واقترب من نافذة شروق باسما ثم قال: مرحبا يا صغيرتي ... هيّا ستأتين الآن برفقتنا لا تخشي شيئا .. فتح الشاب المجهول الباب لشروق، نظر إليها مبتسما ثم همس قائلا: سيأخذك الآن الضابط أمين إلى قسم الشرطة .. ستكونين هناك بأمان أكبر .. لن تحكي أي شيء عما حصل معك .. لا تتفوهي عني بكلمه، حتى لا تعرضي نفسك للخطر .. لم تتفوه شروق بكلمه وسارت خلف الضابط أمين، ولكنها توقفت للحظه وتابعت الشاب المجهول بعينيها وهو ينصرف بسيارته .. ثم تساءلت بتردد: سيدي .. أهو شرطي؟ ابتسم الضابط وقال: أتقصدين سامي؟ أجل .. إنه كذلك .. إنه من أمهر ضباطنا لا أريدك أن تشعري بالقلق .. سامي؟ أهذا اسمه إذا .. كيف يكون ضابط شرطه ماهر ويعيش في ذلك المكان تحت الأرض .. ياله من شاب غريب ومثير للفضول .. دارت تساؤلات في ذهن شروق بينما تستقل السيارة المتوجهة إلى قسم الشرطة .. كيف يكون ضابطا ماهرا ولم يستطع مساعدة آدم أو إنقاذه من الأشرار اللذين قتلوا عائلتها؟! كيف لم يقبض عليهم؟ أهو جاسوس يا ترى؟ أم هو شخص شرير؟ لو كان شخصا شريرا فلماذا ساعدها إذا؟ كاد رأسها أن ينفجر ولكنها حاولت التوقف عن التفكير في ذلك الشاب اللغز .. بعد أن وصلت إلى مركز الشرطة لم يسألها أحدهم عن أي شيء .. لقد تم اقتيادها مباشرة إلى مكتب الضابط وائل، حيث كان هاني هناك وكانا متحمسين جدا بعد أن وجدا شروق .. بعد أن استقرت شروق في جلستها أمام مكتب الضابط وائل قال هاني الذي جلس أمامها مباشرة: هل أنت شروق أيمن؟ أجـل .. تمتم وائل : أنا آسف لما جرى لعائلتك .. أعلم أن الأمر صعب جدا .. وأرجوا أن تحاولي مساعدتنا حتى يمكننا القبض على قاتليهم .. سأفعل ما بوسعي يا سيدي .. سيقوم المفتش هاني بطرح بعض الأسئلة عليك .. حسنا .. وقف وائل وانصرف خارجا، بينما تساءل المفتش هاني : في البداية أريد أن أسألك عن اللحظة التي جاء فيها شقيقك آدم لأخذك من المدرسة .. أريدك أن تحكي لي بالتفصيل ما الذي جرى؟ بدأت شروق تحكي ما جرى معها بهدوء .. ولكنها عندما وصلت إلى الجزء الخاص بالشاب المجهول .. تلكأت .. لم تعرف ماذا ستقول عنه .. هل تخبرهم بالحقيقة؟ السياج الأخضر نظر أسامة إلى الكرسي المتحرك الذي يجلس عليه وقال بتذمر : ما هذا .. أخرجوني من هذه العلبة! كف عن الصياح يا ولد! أمي .. أرجوك .. يمكنني السير .. أسامه! زفر أسامه وقال : أنت أم متسلطة اعترفي .. لا تتركين لي الفرصة لأتكلـ .. أصمت أيها العاق! انتظرني هنا .. سأعود بعد لحظات .. انصرفت والدة أسامة بينما اقتربت السيدة منى من بعيد وهي تراقب أسامة وعلى وجهها ابتسامة هادئة .. اقتربت أكثر وكان أسامة ينظر من النافذة ويحدث نفسه بضيق وهمست : مرحبا أسامة .. كيف حالك الآن؟ نظر أسامة بسرعة نحو مصدر الصوت الذي يعرفه جيدا .. وعندما شاهدها اقترب بالكرسي المتحرك وقال: مرحبا سيدتي ... أنا بخير .. لكن .. آدم .. حاولت السيدة منى منع دمعة في عينيها من النزول وبدا ذلك واضحا فتابع أسامة بخفوت : أين هو ؟؟ هل هو بخير؟ مسحت السيدة منى دمعتها بسرعة وقالت بهدوئها السابق: أعتقد أنه يحتاج إليك الآن أكثر من أي وقت مضى ... حدق أسامة بوجه والدة آدم وهو لا يفهم شيئا وتابعت وهي تبكي : إنه .. إنه مريض جدا .. وأمله ضعيف في النجاة .. صرخ أسامة وهو يقوم واقفا من الكرسي المتحرك: أين هو؟ انتـظر .. إنـك مـ .. تركها أسامة واندفع راكضا وهو يعرج برجل واحده ولحقت به منى بسرعة .. عادت والدة أسامة بعد ثوان فوجدت الكرسي فارغا .. ظلت تنظر بذهول للحظة ... ثم تحولت ملامحها إلى ملامح غاضبة وانصرفت تبحث عنه وهي تتوعد !! ------------------------------------------------------------ بني ما بك؟ لا تبدو بخير .. أمي .. لا شيء .. كان هاني حزينا جدا .. عاد للمنزل مبكرا وأغلق غرفته على نفسه .. سألته والدته ولكنه لم يقل شيئا .. لكنها عرفت تماما أنه ليس بخير، لكنها تركته وحيدا لبعض الوقت .. شعر هاني بالذنب من أجل ريم .. لقد كانت تحبه .. لقد ضحت بسنين طويلة من شبابها في انتظاره، ومع ذلك فقد خذلها .. وبشده .. نظر إلى الصحف القديمة بجانبه .. كان هناك مقال عن هارون،، كان في ذلك الوقت قد سطا على القرية الجنوبية وهو يبحث عن فتى في العشرين من عمره .. أهذا هو هارون إذا؟؟ حاول هاني أن يخرج من الاكتئاب المحيط به وأن يبحث عن المقال الذي وعد هشام بالبحث عنه .. ... مرت دقائق بسيطة حتى عثر عليه .. كانت صحيفة قديمة جدا ومهترئة وقرأ هاني المقال بهدوء وسرعان ما أثاره ما قد قرأه بشدة .. لدرجة أنه وقف من مكانه وقرر الذهاب ليرى هشام بسرعة .. وبأسرع وقت ممكن .. ------------------------------------------------------ عادت ريم إلى منزلها بعد انتهاء دوامها اليومي ... كان هناك شخص بانتظارها على درجات السلم المؤدي إلى منزلهم .. لم يكن الوقت متأخرا ولكن الشمس كانت على وشك الغروب، وانتشلها ذلك الشخص من أفكارها وحدقت بوجهه الذي لا تستطيع رؤيته جيدا .. كان يقف في وسط الدرج وهو ينظر إليها ويضع يديه في جيبه .. هل يقصدها؟ همست بتهذيب : من فضلك .. إنه الطريق المؤدي إلى منزلي ... همس الشاب بهدوء : أعلم ... وأنا هنا لأجل إخبارك بشيء واحد .. شعرت ريم بخوف شديد جعلها تنزل درجه من درجات السلم بهدوء .. وتابع الشاب : سترتكبين أكبر خطأ في حياتك إن تزوجت هارون .. إنه شخص شرير لقد تزوج عشرون امرأة قبلك .. وذبحهن بيده .. صرخت ريم بذهول : من أنت؟ وماذا تريد مني؟ اقترب الشاب نازلا درجات السلم وبدأت ريم تنزل بسرعة قبل أن يلحق بها .. خرجت إلى الشارع وهي تنظر إليه بخوف .. كان الشارع هادئا جدا .. ومظلما .. وتجمعت الدموع في عيني ريم المرتعبة بينما نظر لها الشاب لثوان ثم وضع يده في جيبه وانصرف من حارة جانبيه .. التقطت ريم أنفاسها وصعدت تركض إلى منزلها وهي لا تصدق الكلام الذي تسمعه أذناها ... من ذلك الشاب؟ ولماذا أخبرها عن رجل الأعمال المشهور ماذا سيستفيد سوى تدميره؟ تساءلت في قلبها أهذا الكلام صحيح؟ هل حقا هارون رجل شرير وقتل عشرين امرأة قبلها؟ لكن كيف يحدث هذا ووالدها صديقه منذ فترة طويلة ... هذا لا يمكن ... إنه مجرّد حاقد على هارون .. ----------------------------------------------------- آدم ... همست ندى برقة وهي تنظر إلى وجهه النائم الخالي من التعبير، كان مليئاً باللاصقات الطبية، وشعرت ندى بأسف شديد لحاله ومشاعر الحزن تعتريها لرؤيته على هذا النحو ولكنها لم تشأ الابتعاد عن سريره .. دخل أسامه إلى الغرفة ومعه إحدى الممرضات تتبعه والدة آدم .. ضجت الغرفة بصراخ أسامه وهو يحاول إيقاظ آدم – بطريقته - ويهزه بعنف بينما حاولت الممرضة تهدئته .. وقفت ندى ونظرت بهدوء وتساؤل ثم قالت : من أنت؟ تجمعت الدموع في عيني أسامه الذي استسلم وجلس على كرسي ندى بخيبة أمل .. وأجابت والدة آدم بلطف : إنه أسامة ... صديق آدم منذ الصغر .. رفعت ندى حاجبيها مندهشة ثم قالت : حقاً؟ وهل تعرف أي شيء عن ما يجري .. أحمر وجه أسامة وقال بضيق : أنا لا أفهم أي شيء مما يحصل ... كل ما اعرفه .. أنني السبب فيما جرى لآدم .. لماذا؟ صمت أسامة لبرهة قبل أن يتابع : لقد أعطيت أحدهم معلومات عن آدم بدون قصد .. أعتقد أن ذلك الشخص كان يعمل تحرياً لدى تلك العصابة .. متحري؟ ولكن .. هل تعرفه؟ لا .. كل ما أعرفه أنه ضابط شرطه .. اندهشت ندى وألجمها الذهول بينما تساءلت السيدة منى : هل من المعقول أن هناك رجل شرطة .. يعمل مع العصابة؟! لا اعلم .. ولكنني أشك في هذا الشاب .. كان غريب الأطوار وكان يسأل عن آدم كثيرا .. نظر الجميع نحو آدم بإشفاق بينما دخل الضابط وائل ونظر إلى أسامة بهدوء .. تعجب أسامة من تلك النظرات وقال : سيدي هل يمكنني أن أخدمك بشيء؟ أخرج وائل صورة من ملف في يده وقال : أهذا هو الضابط الذي تتحدث عنه؟ تناول أسامة الصورة بهدوء وتغيرت ملامحه فجأة عندما نظر إلى وجه الشاب .... ------------------------------------------------------------ تقصدين الضابط سامي؟ تلعثمت شروق وقالت: أ .. أجل .. لقد وجـ .. وجدني .. وسلمني لدوريات الشرطة .. متى وجدك؟ اليوم في الصـ .. الصباح .. نظر هشام إلى وجه شروق المتوتر ويديها المتشابكتين إنها تخفي شيئا يتعلق بـ سامي .. أو المجهول .. هذا ما يدركه هشام تماما .. ولذلك تكلم بهدوء : حسنا يا شروق أسمعي .. يجب أن تكوني مطمئنة تماما .. لن يستطيع أحد النيل منك لأنك الآن تحت حمايتنا .. حتى لو كان ضابطا .. الآن نحن نشك بأمور تتعلق بالضابط سامي .. ويجب أن تتعاوني معي .. لو كنت تخفين شيئا فعليك أن تخبريني به .. توقفت شروق عن التنفس وهي لا تعرف كيف تجيب .. صمتت لفترة طويلة فقالت شروق : أنا .. خائفة .. على آدم .. آدم؟ شقيقك؟ أليس كذلك؟ أجـ .. أجل .. إن العصابة تحتجزه .. ابتسم هشام وقال بلطف : شقيقك آدم في المستشفى وتحت حمايتنا .. الآن أريدك أن تتكلمي وسآخذ فورا إليه .. ظهرت بشائر الفرح على وجه شروق وقالت بسرعة : حسنا .. لكن هل ستقومون بأذيته؟ هـ .. هل ستقبضون عليه؟ تقصدين سامي؟ أ .. أجل؟ بالطبع لا .. إلا إذا قام بفعل سيء .. بدأت شروق بسرد ما حصل معها للمفتش هشام .. كل ما شاهدته أو سمعته عندما كانت مع المجهول .. كان هشام مندهشا بشدة من طريقة حياته .. وتلك القصص التي تروى عنه .. كان يسميه بقية الضباط .. خفــّاش الليل .. حيث كان يظهر في الظلام ويختفي في النور ... تساءل هشام في قرارة نفسه عن سر هذا الشاب .. ولكن ذلك لن يكون معروفا .. إلا بعد استدعاءه .. ومواجهته وجها لوجه .. السياج الأخضر رن جرس هاتف هشام بينما كان يحقق مع شروق .. نظر إلى رقم المتصل وعرف أنه هاني، كان هشام متشوقاً جدا لمعرفة سر البلورة تلك .. نظر إلى شروق وقال على عجلة من أمره : حسنا انتهى حديثنا بأي حال .. أريدك أن تتوجهي الآن إلى مكتب الضابط وائل .. سوف يتخذ إجراءات ذهابك إلى آدم .. لقد كان في المستشفى منذ وقت قصير .. أشكرك جزيل الشكر .. ابتسم هشام ملوحا بيده بينما خرجت شروق من المكتب .. فتح هشام هاتفه الذي كان يرن بإلحاح وأجاب متلهفا : مرحبا هاني !! كان هاني يلهث وكأنما ركض للتو وقال بصوت مجهد : أين أنت الآن؟ هل أنهيت أعمالك؟ أ .. أجل! تعال إذا إلى مكتبي .. وأحضر معك البلورة .. المكتب؟ أليس الوقت متأخرا؟ إنها الثامنة مسـ .. أسرع أرجوك! حسنا .. لن أتأخر .. انتفض هشام يركض خارج مركز الشرطة وكان وائل يراقب من نافذة مكتبه ورأي هشام صدفة ينصرف على عجل .. شعر وائل بأن هناك شيئا مريبا في الأمر ... في الحقيقة نادرا ما ينصرف هشام بتلك الطريقة، إنه يخفي عنه شيئاً .. لكن ما هو ذلك الشيء؟؟ لقد كان من المفترض أن يقابله هشام في تلك اللحظة ليخبره عن ما اكتشفه عن الضابط المجهول .. طرق خفيف على باب مكتبه أخرجه من سيل أفكاره وتطلع ينظر إلى الباب عندما دلفت شروق بصحبة أحد العسكريين .. أشار وائل لشروق لتجلس على الأريكة وتساءل : هل انتهى المفتش هشام من استجوابك؟ أظن ذلك .. تظنين ذلك؟ .. أقصد أننا انتهينا .. لقد حكيت له كل شيء .. تنهد وائل باستسلام وهو يحاول عدم التفكير في الأمر وقال لشروق : هيا بنا إذا .. سآخذك إلى المستشفى .. والدة آدم هناك .. شهقت شروق باندهاش وقالت : والدة آدم؟ هل هي على قيد الحياة؟ مـ .. متى و .. قاطع الضابط وائل دهشتها قائلا: لا بأس أعلم أن هذا غريب .. لقد كانت مختبئة طوال تلك السنوات في مكان منعزل ولم تكن تعلم أن ابنها آدم على قيد الحياة .. صمتت شروق وهي تحاول استيعاب الأمر وتبعت الضابط وائل .. ------------------------------------------------------- وصل هاني إلى المكتب أولاً .. لم يكن هناك أي عمل يستطيع القيام به قبل أن يأتي هشام .. لقد كان يشعر بالإثارة الشديدة والتساؤلات تملأ عقله .. كان المقر فارغا إلا من بعض الصحفيين المثابرين، وراقب هاني المكان بصمت ثم عاد إلى مكتبه الخاص وهو يتساءل عن سر تأخر هشام .. أما هشام فقد عاد إلى المنزل بسرعة وعندما دلف إلى باب منزله كان المكان أشبه بكابوس مرعب .. الأثاث مبعثر في كل مكان الآنية والتحف الخزفية محطمه .. كأن المنزل تعرض للسرقة، توقف قلب هشام عن النبض وصرخ بأعلى صوته يبحث عن زوجته : نور! نووور! كان يعلم يقينا أنه لن يجدها، أو إنه سيجدها مقتولة .. ارتجفت ركبتاه محاولا الصمود حتى يجد نور ولكنه انهار وهو يتساءل إن كان هذا يتعلق بالبلورة؟ .. أم أن هذا مجرد لص حاول سرقة منزلهم ...؟! تصبب العرق من جبين هشام ودمعت عيناه وهو يحاول إيجاد نور التي لا أثر لها ... هل هي في الخارج...؟ إنها صحفية ولكنها لا تتأخر عادة فدائما ما يعود ويجدها قد صنعت العشاء لهما ورتبت المنزل ... دخل إلى غرفة مكتبه ليجد أن كل شيء محطم .. حتما أحدهم كان يبحث عن شيء ما .. شيء صغير .. شخص يعرف تمام المعرفة أن البلورة مع هشام، لكن كيف .. لا يعقل أن يقوم هاني بخيانته!! نظر إلى السجادة بجانب مكتبه وزحزحها قليلا بحذائه .. لم تتعرض خزانته السرية للسرقة، فتحها بطريقة ما وأخرج البلورة بعناية من وسط الأشياء الأخرى التي كان هشام يخفيها في تلك الخزانة .. التقط أنفاسه قليلا ، لم تعد البلورة ضائعة .. أين نور إذا؟؟ قبل أن يفكر في الإجابة عن هذا السؤال تلقى ضربة قوية على رأسه من شخص "مجهول" كان مختبئاً بانتظار عودته ... وقع هشام مغشيا عليه ورأسه تنزف بينما حصل ذلك اللص الذكي على البلورة وانصرف بخفه من النافذة الخلفية للمنزل ...... ------------------------------------------------- دلفت شروق خلف الضابط وائل إلى غرفة آدم في المستشفى، حدق جميع الموجودين بشروق ... كانت هناك والدة آدم ، وأسامة .. وندى ووالدتها الطبيبة نهى .. نظرت شروق إلى وجوههم بتساؤل ولكنها توقفت عند وجه أسامه وتمتمت بعينين دامعتين: أ.. أسامه؟ وقف أسامه وتمسك في السرير جيدا ... أخبره الضابط وائل أن عائلة آدم التي تبنته قد قتل جميع أفرادها .. لكنه يرى الآن شروق فجأة .. لم يرها أسامة منذ فترة طويلة لقد أصبحت شابه .. قال أسامة باسماً : شروق! مرحبا أيتها المشاغبة! ابتسمت شروق ووقفت بجانب أسامة وأمسكت بيد شقيقها آدم وهي تحاول منع دموعها من النزول، وقال الضابط وائل موضحاً الأمر : تلك الفتاة شقيقة آدم بالتبني .. إنها شروق أيمن .. ابتسمت والدة آدم وعانقت شروق بحنان وهي تقول : مرحبا يا صغيرتي ... مرحبا .. أنا والدة آدم .. وأنا والدتك منذ الآن فصاعدا .. هل أنت موافقة؟ بدأت شروق بالبكاء وعانقت والدة آدم بقوة وهي تقول بصوت متأثر : أ .. اجل موافقة .. شعر أسامة بالإشفاق من أجلها وقامت ندى بالترحيب بشروق والطبية نهى أيضاً .. كانت شروق تشعر بالوحدة ولكن ذلك الشعور تلاشى حالما التقت بهؤلاء الأشخاص .. كانوا أشخاصا رائعين من وجهة نظرها .. أمسك أسامه بقميص آدم وصرخ وهو يهزه بعنف : آدم .. استيقظ إنها شروق .. إنها بخير أيها النائم الكسووول استيقظ! انقض الجميع على أسامة محاولاً تهدئته وإبعاده عن آدم ومسحت شروق دموعها وابتسمت وهي ترى أفعال أسامة العفوية .. لم يتغير أبدا .. كان كذلك طوال حياته، لقد كانت تدس أنفها في كل شيء يفعله أسامه وآدم منذ كانت صغيرة .. لطالما حسدتهما على تلك الصداقة القوية وتمنت أن يكون لها أصدقاء هكذا .. بعد محاولات طويلة توقف أسامة عن رج آدم وعاد للجلوس ونظرت ندى إلى أسامه وشدت أذنه وهي تصيح موبخه: ستقتله! لا يمكنك فعل ذلك مرة ثانية هل سمعت! أصمتي أيتها الكيميائية الخرقاء .. أنا خرقاء !! بالله عليك من الأخرق هنا ..؟ نظر أسامة فجأة إلى وجهها ثم بدأ في ضحكة شريرة وهو يقول : ماذا .. أنت تجلسين هنا طوال اليوم وتدافعين عنه بتلك الطريقة ما معنى هذا ..؟ ذهلت ندى من كلمات أسامة وتلعثمت : مـ .. ماذا تقصد؟ تابع أسامة الضحكة الشريرة وقال : أنت تحبينه اعترفي! اعترفي .. تلقى أسامة ضربة قوية على رأسه من ندى التي بدت شرسة وعنيفة للمرة الأولى في حياتها بينما حاولت والدتها أبعادها عن ساحة معركة أسامة .. بعد وقت قصير انصرف الضابط وائل، وذهبت والدة ندى من أجل حالة طارئة .. أمسكت ندى برأسها وبدت منزعجة ثم قالت : متى سينتهي هذا الكابوس! بدأت طاقات أسامة الإجرامية في الظهور وضحك ضحكة خبيثة وهو يقول: هل مللت من الإقامة في المستشفى؟ ظننت أنك تحبين الطعام الصحي .. ألست كيميائية ..؟ كشرت ندى عن أنيابها وأشارت إلى أسامة هاتفة بغيظ : أسمع لا أريد أن أسمع صوتك ، لقد بدأ الكابوس الحقيقي عندما دخلت برجلك المكسور هذا إلى تلك الغرفة !! ضحكت شروق بشدة وهي تراقب المعارك الساخنة بينما قالت والدة آدم باسمة : ما رأيكما أن نعقد اتفاقية صلح؟ وإذا وعدتماني بذلك فسوف أذهب الآن وأحضر لكم عشاءا شهيا! قال أسامة بدون تفكير : أنا موافق بالتأكيد ... اعترضت ندى قائلة : لا تقولي لي أنني سأتناول العشاء أمام ذلك الشاب الأخرق! قال أسامة وهو يضرب جبهته ضاحكا : لن أحسدك لا تخافي .. أعلم أنك تأكلين وجبتين كل مره أيتها الرشيقة .. ماذا!!! قالت والدة آدم بسرعة قبل أن يبدأ شجار جديد : أسمعا .. ماذا تحبون أن أحضر لكم .. ؟ بدأت والدة آدم بأخذ مواصفات العشاء من أسامة والفتاتين وانصرفت بسرعة ... مرت لحظة صمت بطيئة .. نظرت ندى إلى وجه آدم وقالت : لا يجوز أبدا أن نتكلم بجواره .. نحن نزعجه بصراخنا المستمر! قال أسامة مقاطعا: يجب أن يشعر بوجودنا إلى جانبه، أعلم أنه يسمعنا ... الآن لا نريد قوانين كيميائية بذلك الخصوص ! صمتت ندى على مضض ووقفت شروق وجلست إلى جانب آدم .. نظرت إلى وجهه بهدوء وكان آدم في تلك اللحظة يحاول أن يفتح عينيه .. صرخت شروق : آدم! إنه يستيقظ .. نظرت ندى بترقب ووقف أسامة وانضم إلى الفتاتين وهو يراقب حركات جفونه .. فتح آدم عينيه ببطء وكان مرهقا جدا .. تمتمت شروق بعينين دامعتين : آدم .. هل أنت بخير يا أخي؟ لم يستطع آدم الكلام، كان عاجزا عن فعل أي شيء سوى النظر إليهم والتحديق بوجوههم .. ابتسم أسامة وقال متباهيا : آدم .. لقد استطعت إيقاظك بطريقة الرج والزلزلة ... هيا تكلم الآن وإلا مارست ذلك مجددا! صرخت الفتاتان : أرجوك! لا! بينما ابتسم آدم بصعوبة وهمس : أريد أن .. أجلس .. ساعده أصدقاءه على الجلوس وخرجت ندى تبحث عن طبيب آدم ليتفحص حالته .. ------------------------------------------------------- لماذا لا تجيب يا هشام! قلق هاني من تأخر هشام الغريب، كان لا يجيب على هاتفه المحمول ... لقد مرت ساعة كاملة ... اتصل هاني بقسم الشرطة .. سأل عن هشام ولكنه علم بانصرافه منذ ساعة تقريباً .. لم يجد مفرا من الاتصال بنور زوجة هشام، فهي الوحيدة التي يمكنها أن تعلم أين هو ... لكن هاتف نور كان مغلقا .. بعد كل المحاولات اليائسة كانت الساعة تقترب من العاشرة مساءا وملّ هاني من الانتظار ركب سيارته وانطلق متوجها إلى منزل هشام ، وعندما وصل، كان الباب مفتوحا ودخل هاني وهو ينظر مصعوقا مما يراه .. أصيب بحالة ذعر وصرخ وهو يركض في أنحاء البيت : هشام! هشااام هل انت هنا؟ وصل إلى مكتب هشام فوجد هشام ينزف على الأرض، كانت إصابة رأسه قوية وقد تهشم جزء من رأسه وملأت دماءه أرضية الغرفة .. كان هاني يخاف من منظر الدماء بشدة ولكنه تماسك واتصل بوائل بسرعة ... اقترب من هشام ونظر إلى وجهه .. كانت عيناه مفتوحتان وهمس هاني : هشام! .. هل أنت بخير .. كانت عينا هشام متحجرتان في مكانهما .. وشعر هاني بأن صديقه لا يتنفس ... السياج الأخضر ما هذا؟ ألا تعرف حقا ما هذا؟ لا .. ألا تبدو لك كبلورة؟ نظر هارون إلى وجه سامي وقال وهو يمد يده : دعني أتفحصها .. انت تكذب لا يمكنك إيجادها بتلك السهولة! حقاً! هتف هارون بعصبيه : قلت لك دعني أتفحصها .. نظر سامي ببرود إلى وجه هارون وقال : حسنا لتطلق سراح أبي أولاً .. ومن قال لك إنني أقيد حريته .. لا .. أنت تعرف ما أعنيه .. شعر هارون السريع الغضب بالضيق وقال: لا ... لا أفهم ما تعنيه! حدق سامي بالسقف قليلا ثم عاد بنظره إلى النافذة وهمس : لقد قتلت شخصا من أجل أن أحصل عليها ... وهذا ليس جيدا بالنسبة لي ... ولماذا قتلته؟ لقد رأى وجهي .. هذا ليس جيدا .. ضحك هارون وقال : تريدني أن أقتل والدك أليس كذلك ؟ أجل .. فأنا أكرهه بشده .. أكرهه حتى الموت .. هل تكرهه أكثر مني؟ لم يتفاجأ سامي من السؤال وقال بنبرة صوته الهادئة : على الأقل أنت لست والدي ..! لكنك تعرف جيدا أن والدك طبيبي الخاص .. ولا يمكنني الاستغناء عنه .. ضحك سامي ضحكة ساخرة قبل أن يقول: هذا ليس من شأني .. لن أدعه يعيش ليضع تلك البلورة في صدر شخص آخر .. أنت لم تكتشف ميزاتها بعد ... عاد سامي للضحكات الساخرة ورمى بالبلورة أمام هارون وهو يقول : خذها .. اكتشف كل مميزاتها وعيوبها، ستظلون حفنة من المسنين ولن تستعيدوا شبابكم أبداً .. لكن ستنفذ ما اتفقنا عليه .. وبالنسبة لك .. فأنا أرى أنك كبرت على الزواج .. نظر هارون إلى سامي الذي وضع يده في جيبه وتوجه نحو باب المكتب وقبل أن يخرج التفت قائلا بنبرة تهديد : إذا لم تنفذ الاتفاق فسوف ترى مني أشياء تدهشك .. وأعدك بأنني سوف أدخلك السجن تلك المرة .. ضحك هارون وهو يقول : ليس لديك ما يدينني .. افعل ما تريد .. ثم أنك مجرّد لص .. جربني إذا .. قالها سامي بثقة كبيره وخرج من الباب وتركه مفتوحاً .. لم يظن هارون أن سامي سيشكل هذا التهديد عليه، لقد حاول عدة مرات التخلص منه منذ كان طفلا .. ولكن يبدو أن حظه كان أكبر من مكر هارون ... رفع هارون سماعة الهاتف وهو يمسك بالبلورة بنشوة وتكلم قائلا : أريد الطبيب هنا بأسرع ما يمكن ... ---------------------------------------------------------------- كان آدم يستمع إلى قصة شروق المثيرة وهي تحكي له عن المجهول ... استمع أسامة مشدوها بينما كانت ندى تشعر باندهاش كبير .. وعلقت ندى قائلة : هل تظنون أن ذلك الشاب طبيعي؟ همس آدم : لا أعلم .. يبدو غريب الأطوار ... قال أسامة معقبا على الحديث : لقد سألني عنه الضابط وائل .. أخبرته أن ذلك هو الشاب الذي قابلته في الجامعة وكان يبحث عنك .. إنه هو ذلك الأشعث الغريب الأطوار .. قالت شروق مبتسمة : ليس أشعثا .. إنه وسيم جدا! ... ظهر الضيق على وجه أسامة وقال بغضب : لا تدعيني أدخلك إلى حلبة المصارعة خاصتي، إنه أشعث هل سمعتي ... همست شروق وهي تغيظ أسامه أكثر : أنت أشعث منه .. صرخ أسامه : ماذا .. أنا أشعث؟؟ أنا أوسم شباب القارة ... ضحكت ندى وشروق وتبادلتا النظرات بينما أردف آدم : بالتأكيد هذا ما أظنه أنا أيضا ... ضحك أسامة بغرور حتى كاد أن يسقط من على الكرسي وضحكت شروق قائلة وهي تدفع الكرسي بقدمها فيسقط أسامة أرضا : أيها الساذج المغرور السهل الإثارة!! ضحك الجميع على أسامة وبدأت حلبة المصارعة الكلامية بين أسامة والفتاتين حتى دخلت والدة آدم وهي تقول : أتمنى أن تتوقفوا عن المشاغبة الآن .. أرجوكم .. لقد قلبتم المستشفى رأسا على عقب! ضحك آدم وقال: لقد اجتمع كل المشاغبين في غرفة واحدة ... وندى .. لم أتوقع أنك مشاغبة هكذا! ابتسمت ندى بخجل .. نظرت شروق إلى وجه أسامة الذي كان يضحك على ندى بخبث وقالت : أسامة هو السبب .. نحن لسنا مشاغبات الحق يعود على الأشعث !! ماذا؟؟ صرخ أسامة بغيظ وضج الجميع بالضحك ... ------------------------------------------------------ نظر وائل بألم إلى سيارة الإسعاف التي انطلقت نحو المستشفى .. كان المكان يضج بسيارات الشرطة الأخرى وتطلع إلى هاني الذي كان يحاول الجميع تهدئته .. كان هاني يبكي كالأطفال الصغار .. لم يستطع وائل مواساته كان عليه فقط أن يحبس دموعه ويحافظ على رباطة جأشه أمام ضباطه وعساكره الآخرين .. ما الذي حدث يا ترى؟ من قتل هشام بتلك البساطة .. لقد شعر أن هناك سراً يخفيه هشام عنه ولقد كان حدسه صائبا .. عاد وائل يتطلع بعينيه الدامعتين إلى هاني .. هل يعرف أي شيء عن الأمر يا ترى؟ لم يستطع هاني العودة للمنزل ... فضّل البقاء في المكتب منطويا وحيدا حتى طلع النهار ... كان غاضبا وحزينا ويشعر بالإعياء ... لقد فقد أعز أصدقاءه فجأة، ولسبب ربما يكون يعرفه ..... لقد سرقت البلورة كان أحدهم يبحث عنها .. عاد هاني للبكاء، لم يستطع إيقاف ذلك السيل الذي يخرج ما في قلبه من ألم ... لم يبك هكذا منذ توفي والده .. ظل هكذا حتى نام على مكتبه .. في تمام الساعة السادسة كانت ريم تدلف إلى المقر الصحفي، وشاهدت باب مكتب هاني مفتوحا .. تساءلت هل يعقل أن يكون هنا مبكرا هكذا؟ بعد قليل من التردد توجهت نحو مكتبه وتطلعت إلى الداخل .. كان هاني يضع رأسه على طاولة المكتب وقد غط في نوم عميق، على وجهه آثار حزن غريبة ... لم تشأ أن توقظه وهمت بالخروج ولكنها سمعت صوت هاني يتكلم .. لم تميز ما كان يقوله .. ظل يتكلم للحظات ثم توقف، كان يبكي .... التفتت ريم تنظر إليه مجددا، فوجدت دمعة قد سالت من عينه، لقد كان يهذي ... هل هو مريض؟ بتردد كبير اقتربت ريم وحركت هاني بلطف : هاني .. استيقظ أرجوك هل أنت على ما يرام؟ فتح هاني عينيه والتفت ينظر خلفه بهدوء ... كانت عيناه حمراوين تملؤهما الدموع وهمس بحزن : ريم .. لقد قتل صديقي .. ليلة الأمس .. شهقت ريم باندهاش وعلا الأسى ملامحها وقالت مواسيه : أ .. أنا آسفة جدا .. تلعثم هاني وقال وهو يمسح دمعة على خده : ريـم .. أنــا .. كانت ريم تود أن تضمه إلى صدرها ويبكيا معاً .. همست ريم وعيناها تدمع : ما الأمر يا هاني ..؟ ريم .. أنا .. أ .. أحبك .. ------------------------------------------------------------ تسمّرت ريم في مكانها وهي تسمع كلمات هاني الأخيرة ... كانت تتساءل ما إذا كانت تحلم أم هو الواقع، ظلت مبهوتة صامتة تنظر إلى عينيه بذهول وارتباك .. تلكأ هاني قبل أن يقول : ريم .. أنا آسف لم أساطع كتمـ .. كتمان الأمر .. و .. ولا أريدك أن تتزوجي برجل الأعمال هذا .. همست ريم : حـ .. حقاً؟ وقف هاني يتطلع إلى ريم ولم يعرف ماذا يقول .. كان محتارا وحزينا .. في ذلك الوقت دلف أحدهم إلى المقر وسمعا وقع الأقدام في الخارج .. همست ريم : من هناك؟ خرج هاني بسرعة وتبعته ريم، على باب الدخول كان يقف شاب هادئ، لم يكن مجرد شاب .. لقد كان ضابط شرطه .. تكلم هاني بسرعة وهو يقترب : مرحبا سيدي! هل يمكنني أن أقدم لك خدمه؟ ابتسم الشاب بهدوء وخلع قبعته ثم جلس على إحدى كراسي الانتظار وقال بصوت هادئ: ألا تريد أن تعرف من قتل هشام؟ صعق هاني لما يسمعه من ضابط الشرطة وتساءل بسرعة : من؟ هل تعرف ذلك حقاً؟ أم إن ذلك خبر مكذوب للصحيفة!؟؟ عاد الشاب يقول بنفس النبرة : بلى أعرف وهذا ليس خبراً مكذوبا لأنك لن تنشره أبدا .. مـ .. ماذا تقصد؟ حدق الشاب في وجه ريم للحظات وعاد يقول: ستعثر على قاتل هشام، وسوف تنقذ حبيبتك من براثن هارون الشرير .. هذا ما عليك فعله .. بدا هاني مصعوقاً ولم يفهم شيئاً ووقف الشاب مهماً بالانصراف فانقض هاني على ذراعه وأمسكه وهو يقول : انتظر .. إلى أين؟؟ من الذي قتل هشام .. وماذا يريد هارون من ريم؟ تكلم الشاب وهو يرتدي قبعته ويخرج صورة من جيبه : خذ، هذه الصورة مهمة جدا، هناك فتاة تدعى نـور محتجزة في سرداب تحت الأرض، أما بالنسبة لـ ريم .. فعليك أن تسألها .. خرج الضابط الهادئ من المكتب بعد أن همس مجددا : احذر .. التدخين مضّرُ جدا بالصحة .. بالتوفيق .. حدق هاني بالصورة واقتربت ريم ونظرت، كانت صورة شاب غريب في استمارة تسجيل دخول السجن، همس هاني بهدوء: ياللهول! لم أفهم شيئاً!! من ذلك الشبح الذي ظهر واختفى فجأة .. من هذا؟ كانت ريم تعاني من صعوبة في التنفس وقالت بخوف : لقد التقيت به مره ولكنني لم أر وجهه بوضوح هكذا .. أين؟ عند منزلنا .. أخبرني أن أفصل خطبتي من هارون وأخبرني بأنه شرير .. تشنج هاني من الصدمة وصاح : هل هارون هو خطيبك؟ أ .. أجل .. كاد هاني أن يغمي عليه وهتف باحتجاج : كيف، كيف توافقين ألا تعرفين ماضي ذلك الرجل الخبيث؟ .. لا أصدق أنك صحفيه .. ولا .. لا أصدق ذلك .. تمتمت ريم وهي تبكي : ماذا تقصد؟! هل هو شرير ..؟ ارتمى هاني على ركبتيه وسقطت الصورة من يده، كان يشعر بالدوار وهتفت ريم بذعر : هاني هل أنت بخير؟ لا ... جلست ريم بجانب هاني على الأرض وبدأت في البكاء، أما هاني فقد حاول التماسك ونظر إلى الصورة مجددا ثم قال بتعب : يجب أن نتحرى عن الضابط، وعن ذلك الشخص في الصورة ... لقد ارتكبت خطأ شنيعا بإخفاء الأمر عن وائل .. لقد كلفنا ذلك روحا نحبها .. علي أن أشركه الآن بالأمر .. التقط هاني أنفاسه ونظر إلى ريم بإشفاق ثم همس : ريم .. توقفي عن البكاء .. أتوسل إليك .... ألن تساعديني ؟! بـ .. بلى .. ابتسم هاني بصعوبة وأمسك بيد ريم، ثم قال فجأة : ريم .. ماذا يقصد ذلك الضابط بقوله أن التدخين مضر بالصحة؟ أنا لا أدخن؟؟ نظرت ريم إلى هاني والتساؤلات تملأ عينيها ثم همست : لا .. لا أعرف!! ---------------------------------------------------------- ضحك هارون بشدة وكأنه سمع طرفة جميله، ثم شرب قليلاً من القهوة الموضوعة أمامه وقال بصوت أجش : الآن، لديكم مهمات جديدة ... يجب أن أزيح بعض المزعجين من طريقي ...! نظر الطبيب بخبث وقال : أعرف أنك تود التخلص من سامي، لكن فكر أولاً .. أرجوك .. لم أكن أظن أنك تحبه هكذا .. إنه مجرد متشرد أنقذناه من الشارع .. صمت الطبيب وهو يعدل من وضعية نظاراته وعاد هارون ينظر إلى وجوه مساعديه من القتلة المأجورين ثم تابع حديثه : وذلك الشاب المدعو "آدم" .. لقد شاهد الكثير وأريده أن يختفي الآن من على وجه الكرة الأرضية .. أعجبت هارون كلماته الاخيره فضحك ضحكة مجلله وضحك الآخرين فعاد هارون يقول : لا أريد لأحد أن يشهد عليّ في المحكمة ... يجب أن أخرج نزيهاً ونظيفاً كما يحصل في العادة ... نظر إلى كوب القهوة بشرود ثم قال وفي عينيه نظرة شريرة : أريد أن يختفي "آدم" و "سامي" كما أنهما لم يولدا من قبل ... لقد وصلنا إلى مرادنا جميعاً، وسوف تحصلون على مكافآت ممتازة ... لا أريد أي دليل يدينني أمام القضاء إن فكر ذلك الوغد وائل بإدانتي .. سمع الجميع طرقاً سريعاً على باب المكتب، ودخل إحدى مساعدي هارون وهو يقول بهلع: سيدي .. هناك شيء مريع! صرخ هارون بسرعة أنت ما الأمر؟! سامي!! ما به؟! إنه ضابط شرطه!! صرخ هارون وهو ينتفض من مكانه: ماذا تقول هل جننت؟ إنه جاسوسنا .. إنه مجرد طفل مجهول متشرد!! لم يتلق تعليماً في حياته!! سـ .. سيدي هذا ما اكتشفناه بعد أن طلبت منا تحري حركاته خطوة بخطوة ..!! نظر هارون إلى الطبيب بحده وقال: أرأيت؟ أهذا ما كنت تريدني أن أفكر بشأنه!! لقد خدعنا جميعاً ... إنه أذكى مما تصوت! قال الطبيب ببرود : لا تخش شيئا، دعه لــي .. إنه يظن أنني والده .. سوف أستدرجه وسوف أتخلص منه بطريقتي .. ابتسم هارون والتقط أنفاسه بارتياح ثم قال بهدوء: أريد لاسمي آدم وسامي أن يمحى من الوجود .. وقبل أن أنام في سريري! هيــا! ----------------------------------------------------- صرخ وائـل بقسوة وهو يضرب بعض الملفات من على مكتبه بعصبية فتتناثر على الأرض : هل جننت يا هاني .. هل جننت؟! كـ .. كيف استطعت أنت وهشام أن تخفيا عني شيئا كهذا!! لم يقل هاني شيئا وأطرق بنظره إلى الأرض ... لم يكن يملك شيئا ليقوله، كان وائل محقا في غضبه .. حاول وائل أن يهدأ وأصابه الصداع المفاجئ فارتمى على الكرسي وهو يمسك رأسه بإرهاق .. تمتمت ريم: لقد أخطأ هشام وهاني عندما اخفيا أمر البلورة .. لكن يمكننا الآن إنقاذ الموقف، مازالت نور محتجزة لديهم .. رفع وائل رأسه وتساءل بهدوء: من أعطاكم تلك الصورة؟؟ نظر هاني وقال : يبدو كضابط شرطه ... و .. أخرج وائل صورة لسامي من درج مكتبه وقال : أهذا هو؟ نظر هاني وريم إلى الصورة وقالت ريم بدهشة : أجل! همس وائل كأنما يحدث نفسه: مجددا!! تساءل هاني بتلهف: من هذا الشخص؟ أهو ضابط شرطة حقيقي؟ أجل .. للأسف، لكنه يختفي ويظهر، لقد أقيل من عمله .. دهش هاني وعاد يسأل : حسناً .. ماذا يريد؟ لقد احترت في أمره، لم أعد أعرف ما إذا كان يساعد هارون على تبرئة نفسه أم يساعدنا على القبض عليه .. عاد هاني للتساؤلات: أتعني أننا لن يمكننا إيجاده أبداً؟ لا يمكن مقابلة ذلك الشخص أبدا .. إنه عجيب .. الآن علينا أن نستغل الفرصة .. هناك شهود أخيرا لإدانة هارون .. أتقصد آدم وأصدقائه .. بالتأكيد .. ----------------------------------------- تثاءب أسامه بملل وقال بصوت منخفض حتى لا يوقظ آدم : هيه! لقد مللت من البقاء هنا، من تريد أن تأخذني إلى حديقة المشفى؟؟ همست ندى وهي تتابع مطالعة كتابها: لن أكون أنا بالتأكيد .. فسوف نتشاجر ..! ابتسمت شروق وقامت بدفع كرسي أسامه المتحرك وخرجت به من غرفة آدم وهي تقول: حسنا سأفعل ذلك! أشكرك! بعد أن وصلا للحديقة ضحك أسامه وهتف : شروق هيا، اركضي .. ضحكت شروق ضحكة شريرة وشدت بيديها على مقبضي الكرسي ثم بدأت في الركض،، في البداية أعجب ذلك أسامة ولكن بعد ذلك بدأت شروق بالدوران وقذف الكرسي من فوق العتبات المرتفعة .. صرخ أسامه : شروق توقفي أرجوك! لقد كنت أمزح .. شعرت شروق بنشوة عارمة وهي تعذب أسامه ومرت بجانب النافورة فامتلأت ملابسهما بالمياه ... صرخ أسامه : أيتها المشاغبة .. وقفز من فوق الكرسي ثم وقف معتمدا على رجله الأخرى السليمة، ضحكت شروق وارتمت على الأرض العشبية وهي تلتقط أنفاسها وتابع أسامه زمجرته : كدت تقتلينني !! ظلت شروق تضحك أكثر وأكثر فضحك أسامه أيضا وقال: أنت تستمتعين بالأعمال الشريرة!! أجل .. جلس أسامه على بعد متر واحد من شروق ومدد رجله المجبسة فقالت شروق : سأذهب لأشتري بعض الحلوى من خارج المستشفى .. ضحك أسامه وهو يقول بمكر : أجل أحسنت تباً للطبيب هيا أسرعي أنا أنتظرك .. وقفت شروق وركضت مبتعدة .. ****************** دخل طبيب وممرضتان إلى غرفة آدم أثناء وجود ندى .. تركت ندى كتابها ونظرت باستغراب للطبيب عندما بدأ بفحص آدم، فهي تعلم جيداً أن هذا ليس طبيب آدم، كما أن شكله غريب جدا .. قال الطبيب بلهجة آمره : هيا أحضرا السرير المتحرك .. أدخلت إحدى الممرضتان سريرا متحركا واقتربا من آدم ورفعاه عليه، فقالت ندى بارتباك: أيها الطبيب من فضلك؟؟ إلى أين تأخذ آدم؟ نظر الطبيب بهدوء وشعرت ندى بخوف من نظرته وقال ببرود : سننقله إلى غرفة أخرى في العناية المركزة لأن حالته الصحية سيئة .. اعترضت ندى : لكن هذا ليس صحيحا إنه بخير .. سحبت الممرضتان السرير إلى الخارج وتجاهل الطبيب كلام ندى فخرجت ندى معترضة طريق السرير وقالت : يجب أن أسأل طبيبه أولا! بدا الضيق على وجه الطبيب وقال بسرعة : تعالي إلى هنا يا آنسة سأشرح لكِ .. أعاد الطبيب ندى إلى العيادة الفارغة وقام بمباغتتها وضربها بقبضة يده بقوة فسقطت ندى على الأرض مغشيا عليها وتدفقت بعض الدماء من جانب شفتيها .. قالت إحدى الممرضات : ماذا سنفعل بهذه الفتاة؟! لقد شاهدتنا!! همس الطبيب بسرعة : سيقتلنا هارون بسببها .. هيا احملاها بجانبكما واخفيا وجهها بالضمادات يجب أن نتخلص منها ولكن ليس هنا .. ------------------------------------------------------------------- دخل " ماهر" طبيب هارون الشخصي إلى مخبأ (سامي) الذي اكتشفه جواسيس هارون حديثا .. كان المكان هادئا جدا ومليئا بالغبار وكان ماهر يحمل أكياسا في يده فوضعها على الأرض وبدأ يبحث عن سامي بعينيه ولكنه لم يجد أحدا .. هتف ماهر بهدوء : سامي ، عزيزي هل أنت هنا؟ كان سامي ينظر بهدوء من فوق كومه من الكتب ولم يتحرك من مكانه، كما أنه لم يتفاجأ لمعرفة والده مخبئه .. جلس ماهر على الأريكة وبدا أنه ينتظر قدوم سامي .. فهمس سامي بخفوت : ماذا تريد؟ بدا الفزع على وجه الطبيب ماهر والتفت حوله باحثا عن مصدر الصوت، ثم قال : ألا تكف أبدا عن هذا!! نزل سامي وهو يلقي بالكتاب الذي كان يقرأه فعلق ماهر قائلا: هل تقرأ في هذا الظلام؟؟!! كيف تفعل ذلك .. أنا لست عجوزا مثلك! نظر ماهر إلى وجه سامي للحظات ثم قال : دائما تتكلم معي بغير تهذيب كما لو أنني لست والدك! جلس سامي على الأريكة وأمسك بعلبة عصير موضوعه على طاولة صغيرة ثم قال ببرود : لم أجدك بجانبي حينما احتجت إلى والد يعلمني التهذيب! حمل ماهر الأكياس التي أحضرها من على الأرض وقال : هيا بنا لنخرج من هنا! أريد أن أحدثك بشيء مهم .. أنهى سامي شرب علبة العصير ونظر إلى ماهر نظرة قاسيه وهمس: ما هذه الأكياس؟ إنها غداؤنا! ومن قال لك أنني أحتاج إليها .. سنخرج في نزهه .. قذف سامي بعلبة العصير على الأرض وقال وهو يكتم غضبه : لا تحاول اجتذابي إلى طرفك، تعلم أنني أكرهك عدد شعرات رأسي! جلس ماهر بجانب سامي وبدأ بتمثيل دوره بإتقان، نزلت دمعة من عينيه وتكلم بصوت مرتعش : سامي، أعرف أنني قصرت في حقك .. أنت لا تعرف كم أحبك لكنني لم أكن أباً جيدا .. لو رأتك والدتك لكانت فخورة جدا بك، لقد عرف جواسيس هارون أنك شرطي ... لم يبد سامي متأثراً بأي كلمة وردت في جملة ماهر ولاحظ ماهر ذلك ولكنه تابع : أنا فخورُ بك .. صرخ سامي بقسوة : ماذا تريد الآن؟ لقد كنت تسألني دائما عن والدتك ... أليس كذلك؟ وكنت أرفض الحديث عنها .. الآن أنا مستعد لأن أخبرك بكل شيء عنها .. حدق سامي إلى وجه ماهر بذهول ... لم يكن يتمنى أكثر من أن يشعر بالحنان ولو لمرة في حياته .. كان يريد أن يشعر بشعور لو أنه امتلك أماً مثل الآخرين ... لم يشعر بذلك الشعور سوى لمرة واحدة في حياته ... ألجمه الصمت وكان ماهر يعرف جيدا أن سامي سيوافق بعد ذلك، ولكن سامي قال بصوته الهادئ : لم أعد محتاجا لكي اعرف عنها شيئا .. لقد نضجت وأصبحت أكثر فهما للواقع .. قال ماهر بسرعة : هيا .. لا تفوت تلك الفرصة فربما نستطيع إصلاح الوضع ... أرجوك .. لم يتحرك سامي .. عاد ماهر يلح في الطلب ثم همس : أتوسل إليك! تنهد سامي وتبع والده بصمت ... ----------------------------------------------------------- كانت شروق تبتسم بسعادة وهي تعود في طريقها للمشفى محملة بكيس كبير ومليء بالحلوى ... خارج بوابة المشفى شاهدت عربة متوقفة وهناك ممرضتان تمسكان بفتاة .. لفت ذلك المهد نظر شروق كثيرا ودفعها فضولها للتحديق بالسيارة بينما تابعت طريقها .. لم تكن تلك الفتاة المغطى وجهها بالضمادات غريبة عنها ... وكأنما شاهدت من قبل ملابسها وقصة شعرها المميزة .. لم تعط شروق الأمر اهتماما وعادت تركض حتى وصلت إلى أسامة، الذي تمدد على الحشائش وأغمض عينيه مسترخيا فألقت شروق بكيس الحلوى فوق رأسه ثم ضحكت .. جلس أسامة وتجاهل تلك الضربة القوية وبدأ يفتش في كيس الحلوى وهو يهتف : ياللأشياء الرائعة!! لو كان الطبيب يسمح بإدخال الأطعمة إلى آدم لكنا تناولناها معا .. هتفت شروق : ما رأيك أن ندعو ندى للانضمام إلينا، أظن أن آدم مازال نائما .. ضحك أسامة وقال بمكر : آه من تلك الكيميائية! إنها تحب آدم لحد التضحية .. لن توافق على التحرك من جانبه أنشا واحداً! ابتسمت شروق بسعادة وقالت : هل تتحداني .. سوف احضرها .. إذا أسرعي لن أنتظركم .. ركضت شروق إلى الأعلى وهي تصيح : انتظرنا أيها البدين!! سارت شروق في ممرات المستشفى حتى وصلت إلى عيادة آدم،، نظرت إلى الداخل فوجدت والدة آدم تنظر إلى السرير الفارغ .. تساءلت والدة آدم : شروق يا حبيبتي! ألا تعرفين أين نقلوا آدم؟ قالت شروق بعد برهة : لم نتأخر كثيرا .. لقد تركناهم منذ فترة قصيرة!! أين ندى؟؟ خرجت شروق وتوجهت إلى غرفة طبيب آدم الخاصة، طرقت الباب بتهذيب فسمح لها الطبيب بالدخول .. تساءلت شروق : حضرة الطبيب! ماذا هل آدم بخير؟ لا .. لا أعرف، إلى أين طلب نقله فهو غير موجود بغرفته .. وقف الطبيب مندهشا وقال : ما هذا إنه لا يقدر على السير! ألم يكن أحد معه .. لقد كانت ندى معه .. فزع الطبيب وقال: أنا لم أطلب نقله إلى أي مكان! ---------------------------------------------------------
__________________ الى اللقاء التعديل الأخير تم بواسطة أخت أم خالد ; 02-27-2015 الساعة 07:16 PM |
#9
| ||
| ||
الفصل الخامس والأخير أوقف الطبيب "ماهر" سيارته التي استقلها مع سامي على إحدى المرتفعات الجبلية ... نزل سامي وتطلع إلى المنظر بالأسفل .. كان المكان رائعا جدا .. همس سامي وهو يستنشق هواء المكان العليل : منذ متى وأنت تعرف هذا المكان، إنه أروع مكان رأيته في حياتي .. ضحك ماهر وتكلم بمرح : لقد كانت والدتك تحب هذا المكان كثيرا .. التفت سامي فجأة ينظر إلى والده وارتبكت نظراته للحظه ثم قال: حـ .. حقاً؟ اقترب ماهر من خلف سامي وأمسك بكتفيه ثم قال مبتسما: أنا جائع جدا، دعنا نتناول غداءنا ثم سأخبرك عن والدتك أشياء جميله .. أومأ سامي موافقا ثم وضعوا غداءهم وبدئوا بتناوله .. لم يكن سامي قد شعر في حياته بمثل هذا الشعور، كان من داخله سعيدا جدا على الرغم من أنه لم يبتسم .. لم يمض الكثير من الوقت حتى بدأ يشعر سامي بدوار مريع يسيطر على رأسه .. كان رأسه يدور ويدور ولم يكن هذا قد حصل معه من قبل، وضع يده بألم على رأسه فتساءل ماهر : سامي؟ ما الأمر؟ تمتم سامي بصعوبة : لا أعلم .. ينتابني دوار شديد .. ابتسم ماهر بخبث وقال: دوار؟ أم نعاس .. لم ينطق سامي بشيء وأمسك به ماهر بعنف وسحبه نحو حافة الجبل المنحدرة .. لم يستطع سامي المقاومة وأوقفه ماهر وأمسك به جيدا وهو يطل به على المنظر الرهيب وقال بعد ضحكة شريرة : ما رأيك في هذا؟! انظر جيدا، أتعرف .. من هنا سقطت والدتك .. وفارقت الحياة .. لم يستطع سامي التحدث ولكن الدموع احتشدت في عينيه على الرغم منه وتابع ماهر القصة المشوقة: لم أكن لأتأكد من قتلك إذا قذفت بك على حين غفلة وأنت في كامل قواك .. كنت ستعود بالتأكيد فالأشخاص المحظوظين مثلك .. يعودون بسهوله .. ولذلك قررت أن أخدرك قليلا لكي تسمع تهشم عظامك .. حاول سامي المقاومة فتح فمه وهو يشعر بثقل رهيب ولم يستطع النطق أبداً .. كان ذلك صعباً ومريعا وأليما جدا .. تذبذبت نظراته وهو يتطلع للأفق الذي سيراه للمرة الأخيرة وأكمل ماهر كلامه: بالمناسبة .. لقد ربطت والديك الحقيقيين بحبل وقذفت بهما معاً إلى أسفل ذلك الجبل، وهذه ستكون آخر مفاجآتك .. فأنا لست والدك أبدا ... تأمل ماهر وجه سامي للحظات، كان صلبا جداً كعادته على الرغم من لمعة الدموع في عينيه .. وتركه ماهر فسقط سامي إلى المجهول ...... إلى حيث الظلام ... وهمس سامي داخل قلبه الممزق : إلى المجهول يسقط المجهول ويعيش في الظلام للأبـــد ..... .............................................................. ركضت شروق مذعورة إلى خارج المستشفى ولحق بها وائل الذي حضر بسرعة .. بحثت بعينيها يمنة ويسرة عن السيارة ولكنها لم تجد شيئا .. تساءل وائل الذي كان يلتقط أنفاسه : هل أنت متأكدة بأنك شاهدتها هنا؟! نزلت دمعة محتجزة من عيني شروق وقالت بحزن : أ .. أجل .. يالـ غبائي! كيف .. كيف لم .. ارتمت شروق على الرصيف وبدأت في البكاء فقال وائل : هيا أوصفي لي السيارة والممرضات .. لقد كانت سيارة صغيره، أظن أنهما كانا سيارتين متشابهتين .. وكان لونهما أسود .. و .. لا أتذكر شكل الممرضتان فهما لم يلفتن نظري .. كان أسامة يزمجر في العيادة وكانت والدتا ندى وآدم في حال يرثى لها .. عادت شروق إلى العيادة وجلست إلى جوار أسامة في صمت فصاح أسامه : لقد ظننت أنكِ أكثر ذكاء من هذا! صرخت شروق وهي تجفف دموعها : لم أكن أتخيل للحظه أنها ندى! ماذا كان بوسعك أن تفعل لو كنت مكاني .. كف عن لومي!! ضرب أسامة برجله المكسور على الأرض وصرخ بنفاذ صبر : حلّوا لي هذه الجبيرة .. يجب أن أتحرك .. أرجوكم ..!! ................................................ هاني أين أنت ؟؟! أنا .. أنا أنتظر بسيارتي قرب النهر .. ماذا؟ ولم تفعل ذلك ..؟ تنهد هاني وقال بألم : أشعر بأنهم سيلقون بالفتاة في النهر .. لا أدري لم لدي شعور قوي بهذا . اسمع .. لدي جواسيس في كل مكان، كما أنني الآن بصدد البحث عن السيارة المشبوهة، عد إلى هنا! وائل لا أستطيع! صرخ وائل في سماعة الهاتف: قلت لك عد إلى هنا .. حـ .. حسنا حسنا لا تصرخ! سأعود .. سار هاني عائدا نحو سيارته وهو يحدق بالنهر في ذلك الظلام الحالك .. ولاحظ شيئا يطفوا على سطح الماء ... اقترب بحذر وهو يمسح عينيه ليتأكد ما إن كان يحلــم ... لم يكن هذا حلما .. لقد كان شخصا طافيا بالفعل على وجه الماء، إنه غريـق!! بلا تردد قفز هاني في المياه وسبح باتجاه الجسم الطافي، بعد ثوان كان قد أمسك به، لم يعرف من هو لكنه كان شاباً بالتأكيد .. خشي هاني أن يكون قد مات على الرغم من انه كان يطفوا على ظهره إلا إن موته محتمل إذا كان غارقا منذ فتره ،، بدأ هاني بسحبه نحو الخارج .. أخرج هاني هاتفه المحمول ولكنه احترق بسبب المياه .. زفر بغيظ وترك الشاب على البر واتجه يركض نحو الشارع العام حيث يعيش بعض السكان في الجهة المقابلة للنهر .. في الجهة الأخرى من النهر لم تكن هناك سوى الجبال الشاهقة الارتفاع ..... طرق بسرعة على باب أحد المنازل وطلب منهم الاتصال بالشرطة ... لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى كانت الشرطة تلف المكان .. وكان الصدمة عنيفة عندما شاهد وائل وجه الشاب .. كان مصابا بإصابات بالغه وبدأ فريق الإسعافات الأولية بإنعاشه بلا جدوى .. حدق هاني بنفس الذهول إلى وجهه وهمس : إنه ... إنه ... سامي! ما الذي حدث!! ........................................................................... بعد أن حل الطبيب جبيرة أسامة، خرج أسامة مسرعا من المستشفى ولم يستطع أحد إيقافه .. لكن شروق لحقت به .. صرخت شروق وهي تركض خلفه بسرعة : إلى أين تظن أنك ستذهب؟؟ هل جننت؟ لم يرد أسامه على أي من تساؤلات شروق وقام بإيقاف أحدى سيارات الأجرة .. توقفت شروق تنظر إليه بصمت وقبل أن يركب أسامه التفت ينظر لشروق وقال : أعرف أين أجد آدم ... هل ستأتين معي أم ستقفين هنا كالعاجزة؟ ابتسمت شروق بثقة وقالت : أشك أنك تعرف أين هو .. حسنا .. إلى اللقاء إذا .. ركب أسامه ولكن شروق تقدمت من الباب الخلفي لسيارة الأجرة وركبت أيضا .. وصلت سيارة الأجرة وتوقفت أمام منزل أسامه، عندما ترجلا منها توجه أسامة إلى الداخل وأخرج سيارته من حديقة منزلهم .. تساءلت شروق: إلى أين ستذهب الآن؟ الوقت متأخر!! ضحك أسامة بمكر وقال: الخطة هي أن الوقت متأخر ... سوف نقوم بزيارة سريعة جدا .. إلى أين؟ إلى عيادة طبيب! صرخت شروق بفزع : عيادة طبيب! مجددا! لقد خرجت من المشفى للتو! أعرف .. اصعدي وحسب .. ركبت شروق بجنب أسامة في السيارة ومرا بقرب النهر حيث تجمعت سيارات الشرطة في المكان فتساءلت شروق: ما الأمر .. أهو حادث .. شعر أسامة بالقلق وأوقف سيارته وهو يقول: سأرى ما الأمر وأعود إليك بسرعة .. ابقي هنا .. صرخت شروق باستنكار: لا سأذهب معك .. صرخ أسامه : بل ستبقين .. عليك احترام أوامر رئيس العصابة! أغلق أسامه باب السيارة بقوة وقالت شروق بغضب : أيه عصابة تلك التي يتحدث عنها .. ثم صرخت تحدث نفسها: من عينك القائد يا أسااامه! من!؟ حاولت شروق أن ترى من الزجاج ما إذا كان الحادث خطيرا لكنها لم تر شيئا، انفتح باب أسامه فجأة وركب شخص مقنع مكانه وبدأ بقيادة السيارة .. صرخت شروق مفزوعة وركلته برجلها في وجهه ركلة قويه ولكنه ضربها بقبضة يده وتابع القيادة .. حاولت شروق فتح باب السيارة ولكنه كان مغلقا، وقبل أن تقوم بأي فعل خلع الرجل قناعه بهدوء ونظر إلى شروق وهو غارق في الضحك .. تأملت شروق وجه أسامه بفزع لوهلة وما لبثت أن تحولت ملامحها لغضب قاتل وصرخت وهي تضربه بعنف: أيها الجبان الحقييييير! كيف يمكنك فعل هذا بي! أوقف أسامة السيارة وكان يحاول التقاط أنفاسه من الضحك .. كانت شروق ما تزال تركل وتضرب وتصرخ بكافه أنواع الشتائم .. بينما تقبل أسامة الأمر بالضحك الهستيري .. ------------------------------------------------------ صرخ هارون وهو ينظر إلى مساعديه بحنق: ماذا سأفعل بتلك الفتاه!! سيدي لقد رأتنا، ما كان بيدنا حيلة إلا أن نحضرها هنا! أسرعوا تخلصوا منهما بسرعة ... حمل الرجال ندى وآدم وخرجوا، والتفت هارون وهو ينظر لماهر طبيبه الخاص وعلى وجهه ابتسامه وتمتم هارون : لقد تخلصنا الآن من الشاهدين .. ولا أصدق ما فعلته بسامي .. لم نكن لنتخلص من هذا العنيد أبداً .. ضحك ماهر وقال بخبث: لم ترى تعبير وجهه عندما أخبرته بان والديه سقطا من أعلى الجرف .. أجاب هارون بعد ضحكة قصيرة : لقد كان ذلك الفتى كالشوكة في حلقي ... لكن لولا وجوده لما عثرنا على البلورة .. فكر ماهر قليلا ثم قال: ذلك الفتى كان يملك ما يديننا .. الآن سأنام قرير العين بعد أن تخلصت منه .. وقف هارون ونظر إلى ساعته وهو يقول: هيا ليس علي التواجد في عيادتك حتى ذلك الوقت ... سوف أعود للمنزل .. أومأ ماهر موافقا فانصرف هارون على الفور .. في ذلك الوقت كان أسامة يقف بسيارته بعيدا في الظلام ويراقب المكان وهمست شروق: لم يخرج أحد .. أجاب أسامه : أنا متأكد أنه طبيب هارون، وسوف نجد ندى وآدم هناك .. كيف تعرف؟ إنه مساعد هارون منذ سنين طويلة، ولكنه غير ظاهر أبداً وكلما حصلت الشرطة على تصريح لتفتيش منزل هارون لا يعثرون على شيء أتعلمين لماذا؟ لمعت عينا شروق وقالت بخفوت : أجل فهمتك .. تقصد أنه غطاء أعمال هارون الخفي؟ أجل هذا ما أقصده .. حسناً ما الذي تنوي فعله؟ لا أعرف! لكن علينا التسلل إلى المكان .. شعرت شروق ببعض الخوف ولكنها تساءلت: أما كان علينا أن نخبر وائل؟ لا .. سوف نتصل به في اللحظة المناسبة .. همست شروق: حسنا ولكن أليس هـ .. لم تتم شروق جملتها حتى شاهدت هارون ورجلين من أتباعه يخرجان إلى سيارة متوقفة بالخارج .. كان أسامه يراقب أيضا وصرخ وهو يكتم صوته: ألم أخبرك .. لقد صح استنتاجي! تساءلت شروق: لماذا لا نبلغ الشرطة الآن .. راقب أسامه هارون وهو ينصرف مبتعدا بسيارته وهمس : لأننا لسنا متأكدين بعد أنهم يحتجزون آدم وندى .. هيا ترجلي من السيارة .. نزل الاثنان من السيارة ومشيا ببطء وحذر نحو العيادة .. كان المكان مظلماً بالداخل وهمست شروق: لقد أغلقت .. كيف سنتسلل! دعي الأمر لي! دار أسامه حول المبنى مره واحده وكانت شروق تتبعه بحذر وقال أسامه بسعادة: المبنى ليس بهذا الارتفاع .. مجرد طابقين فقط .. ما الذي تنوي فعله ..؟! دخل أسامه في شارع جانبي وبدأ يتسلق على الأعمدة والأحجار، لم يكن المكان مرمما جيدا من هذه الجهة، وتسلق أسامه بخفه وألقى نظرة على شروق ثم قال: ابقي هنا، إذا تأخرت عن النصف ساعة .. اتصلي بالضابط وائل .. هل سمعتِ؟ قالت شروق بعناد : لا، سآتي معك! قال أسامة بخفوت : ربما نموت نحن الاثنين ولا يجدنا أحد .. عودي للسيارة بسرعة أرجوك .. اقتنعت شروق بوجهة نظر أسامه ونظرت إليه للحظه ثم قالت بصوت حنون: حسنا، انتبه على نفسك .. لا أتحمل فقدانك أنت أيضا! كاد أسامة أن يسقط بسبب كلمة شروق ولكنه تشبث جيدا وابتسم بخجل فانصرفت شروق، لأول مره شعر أسامه بأنه مهتم بفتاة .. كان يود العودة منتصرا ليس لأجل آدم وحسب، بل لأجل أن تكون شروق فخورة به .. تابع تسلقه بسرعة حتى وصل إلى سطح المبنى، واستطاع أن يتسلل إلى الدرج ،، كان المكان هادئاً جدا في الطابق الثاني .. ولكن أسامة سمع صوتاً يتحرك خلفه .. التفت أسامه بذعر ينظر يمينا ويساراً وشاهد ظل رجل يحمل شيئا بيده خلف الجدار .. هل يراقبه؟ أمسك أسامة بعلاقة ملابس وتوجه نحو ظل الرجل .. نظر بحذر من خلف الجدار ليشاهده،، تمتم أسامه في قلبه مفزوعا: من هذا؟ وماذا يفعل هنا هل يلعب!! ومـ .. ما الذي يحمله بيده؟ لقد جنّ! ------------------------------------------------------------ " لقد ربطت والديك الحقيقيين بحبل وقذفت بهما معاً إلى أسفل ذلك الجبل، وهذه ستكون آخر مفاجآتك .. فأنا لست والدك أبدا ... " " إلى المجهول يسقط المجهول ويعيش في الظلام للأبـــد ..... " " إلى المجهول يسقط المجهول ويعيش في الظلام للأبـــد ..... " " إلى المجهول يسقط المجهول ويعيش في الظلام للأبـــد ..... " " إلى المجهول يسقط المجهول ويعيش في الظلام للأبـــد ..... " فتح سامي عينيه بإرهاق وجلس بسرعة .. أصابه الدوار وحاولت الممرضة المشرفة أن تعيده إلى وضعية النوم لكنه حدّق بها بعينيه الفاحمتين وأومأ بالرفض فتركته وانصرفت بخوف لتحضر الطبيب .. كان يتذكر كل ما حصل معه ... خلع الإبرة المغذية المتصلة بذراعه بعنف، ونزع الضمادة التي ربطت بها رأسه ونزل يسير مترنحا من على سريره ... همس لنفسه : مستشفى؟ هل معنى هذا أنني نجوت؟ توجه صوب النافذة ونظر منها على العالم الخارجي، كان الظلام يعم المكان والساعة تشير إلى الثانية عشرة صباحاً .. " لقد ربطت والديك الحقيقيين بحبل وقذفت بهما معاً إلى أسفل ذلك الجبل، وهذه ستكون آخر مفاجآتك .. فأنا لست والدك أبدا ... " دمعت عينا سامي، ولكنه تماسك كالعادة، كان يشعر بالقهر والأسف والذل .. همس بقهر: كيف لم أعرف بعد أن عاملني طوال عمري بتلك القسوة .. كيف كنت ساذجاً إلى هذا الحد!! لقد أقسم على الانتقام، ووجوده حياً حتى هذه اللحظة يجعله ممتنا وشاكراً لله أن مد في عمره حتى يحصل على ما يريده ... من خلفه قال الطبيب الذي دخل للتو : كيف يمكنك الوقوف هكذا؟، مازالت مريضاً ..! التفت سامي ونظر إلى الطبيب بتلك النظرات القاسية التي لا يستطيع أن يغيرها أبداً .. همست الممرضة: سيدي لقد أفاق أسرع مما توقعت .. أشار الطبيب بيده إلى سرير سامي وقال بلطف: هيّا سامي، مازال الوقت مبكراً على خروجك، إصابتك بليغة ... دعني أعاينك .. أريد أن أخرج! قالها سامي بقسوة وعناد .. شعر الطبيب ببعض الخوف وهو يحدق في عيني سامي القاسيتين وقال بنفس اللطف السابق: حسناً، دعني أعاينك أولا حتى أتأكد من سلامتك .. كما أن لديك كسورا في عظام القفص الصدري ولا يجب أن تتحرك بهذه السرعة .. دعني أعاينك اتفقنا؟ نظر سامي نحو الطبيب بعينين مخيفتين وقال قبل أن يلقي بنفسه من النافذة : هذا إن استطعت إمساكي! في ذلك الوقت كانت الممرضة قد اتصلت بالضابط وائل بناء على أوامر منه بأن يخبروه لحظة أن يفيق ... لم يصدق وائل أن "المجهول" أو سامي .. قد أفاق بتلك السرعة العجيبة، ارتدى ملابسه واعترضت زوجته على استيقاظه من نومه وخروجه في ساعة متأخرة من الليل .. حاولت منعه ولكنها فشلت كالعادة.. وصل وائل بعد دقائق معدودة إلى المستشفى، وتوجه مع الممرضة بسرعة إلى غرفة سامي ... ولكن سامي في ذلك الوقت كان قد خرج من المستشفى في غضون دقائق!! ----------------------------------------------------- فتحت ندى عينيها بصعوبة ونظرت أمامها فشاهدت وجه آدم وعلى فمه كمامة سوداء، كان المكان مظلما إلى حد ما وهناك فتحة صغيرة جدا يتسلل منها ضوء خافت .. كان الاثنان مقيدان بعنف، وكانت هناك كمامة أخرى على فم ندى وشعرت بألم شديد بسببها ولكنها كانت عنيدة كعادتها وحاولت الجلوس فلم تستطع .. ظلت هكذا لفترة طويلة تجاوزت الساعتين .. كانت غاضبة جدا وجرحت يديها وهي تحاول خلعها من الحبال السميكة لكن بلا جدوى .. بعد عناء بدأ آدم يفيق، كان يصدر أنينا خافتا وفتح عينيه ببطء .. صرخت ندى صرخة مكتومة من تحت كمامتها فتحركت عينا آدم تلقائيا نحو مصدر الصوت واتسعت عيناه بذعر عندما رأى ندى في ذلك الوضع .. بدون أن تشعر ندى نزلت دمعات يائسة من عينيها سببت لآدم حزنا وألماً كبيرين .. حاول آدم أن يتحرك بلا جدوى، كانت القيود قوية جداً ولاحظ آدم وجود شخص معهم في الغرفة .. حاول أن يعرف من هو لكنه كان يقف بعيدا .. بعد فترة قصيرة اقترب الشخص الذي كان يقف في الظلام .. كان شخصا قاسي الملامح ونظر إلى آدم وندى بازدراء ثم تمتم : لقد انتظروا حتى أفقتما .. وهذا ما لا أحتمله .. حدّق بوجه آدم للحظة ثم ركله بعنف .. خرجت آهة متألمة من حلق آدم وحاولت ندى الصراخ لكن صوتها خرج مكتوما فابتسم الرجل وانحنى نحو ندى وهو يقول ببرود : انت تعرفين ذلك الشاب .. أهو شقيقك؟ لا يشبهك .. ربما هو زميلك؟ أو ربما حبيبك ... نظرت ندى بحقد فتمتم الرجل: لم لا أتسلى قليلاً .. فستموتان بأي حال .. اتسعت عينا ندى بذعر وهي ترى الرجل يجر آدم المكبل ويضعه على كرسي خشبي بعنف .. حاول آدم المقاومة لكن بلا جدوى فجسده كان منهكا ومريضاً .. ------------------------------ اقترب أسامة بحذر وهو يمسك بعلاقة الملابس في وضع هجوم .. توقف لحظة ونظر إلى علاّقة الملابس للحظة وتمتم في نفسه: يا ألهى هل أنوي حقا قتل شخص بهذه الأسلاك النحاسية الملفوفة على شكل علاقة ملابس!! ثم نظر نحو الشاب الآخر، كان معلقا بطريقة غريبة وهو ينزل بنصف جسده من علية السقف ويقوم بتصوير مكان ما .. إنها عيادة ماهر،، ماذا يصوّر ذلك الأحمق ..؟؟ اقترب أسامة وهو يتساءل في نفسه ولكنه قبل أن يصل تماماً تعثـّر في علب خشبية صغيرة وسقط محدثاً ضجيجاً هائلا .. فزع الشاب الذي يتدلى بجسده من العلّية فاختل توازنه وسقط فوق أسامه وبدأ الاثنان بالصراخ والتأوه!! أزاح أسامة جسد الشاب بصعوبة ووقف الاثنان يحدّقان ببعضهما لثانية ثم بدأ الشاب يبحث فجأة عن آلة التصوير .. قال بضجر: أين آلة التصوير خاصتي!! نظر أسامة بضجر نحوه وكاد يقول شيئاً لولا أن سمعا صوت أشخاص يتحركون قدوما إلى المكان نفسه .. التفت أسامة محاولا الاختباء في أي مكان فلم يجد سوى العلّية التي كان الشاب المصوّر يتدلى منها!! صرخ أسامة بخفوت: هيا أحني ظهرك لكي أتسلق للعلية!! هيا قبل أن يعثروا علينا! انحنى الشاب بسرعة وصعد أسامة ثم مد يديه للشاب .. لآخر لحظة كان الشاب يبحث عن آلة التصوير وسط الصناديق ودموعه تملأ عينيه !! ولكنه مد يده نحو أسامة لأن وقته قد أزف .. أغلق أسامة العلية وهمس : سوف يجدوننا أسرع مما تجد حذاءك الضائع في الصباح! هيا علينا أن نجد مخرجا! قال الشاب بتردد: ولكن آلة التصـوير لـ .. ليس الآن! انتظر! لقد قمت بتصوير محادثة عجيبة بين ماهر وهارون! نظر أسامة بشرود وتمتم : ماذا! هل تجسست عليهما! هل يمكنك إيقاعهما بذلك الشريط إن قمنا بتسليمه للشرطة؟ أجل! تساءل أسامة : من أنت؟ تبدو مهتماً بالأمر .. ابتسم الشاب ابتسامة هادئة وقال: أنا صحفي .. أدعى هاني ..! تصافحا أردف أسامة : سمعت عنك من قبل! انت صديق الضابط وائل .. صحيح؟ أجل .. سمعا حركة بالقرب من العلية وتشنج هاني مكانه بخوف فتمتم أسامة : دعنا نختبئ الآن! سار الاثنان ببطء واقتربا من إحدى نوافذ العلية فتمتم هاني بقهر : أريد آلة التصوير .. سأقتل نفسي إن وجدوها! توقف أسامة عن محاولة الهروب ونظر في ساعته .. لقد استغرق وقتا طويلا في لا شيء! همس أسامة بإصرار وهو يتذكر آدم : هيا .. علينا أن نفعل شيئا! ماذا ستفعل؟ أفضل وسيلة للدفاع .. هي الهجوم! أمسك هاني بذراع أسامة وهمس بذعر: أنت أيها المتهور! إلى أين تعود!؟ تذكر أسامة للحظة ثم تمتم بخفوت: لدي صديق أعتبره كأخي .. إنه الآن بحاجة إليّ .. تعاهدنا أن نفدي بعضنا بأرواحنا .. لا يمكنني أن أخلف بهذا الوعد .. على الأقل سوف أستعيد آلة التصوير خاصتك .. ونطيح بهارون ومن هم على شاكلته! كان هاني مأخوذا بكلام أسامة ودمعت عيناه وهو يتذكر ذلك العهد الذي قطعه لهشام ووائل يوماً من الأيام .. وجد نفسه يتبع أسامة لا إراديا ووقف الاثنان عند بوابة العلية المغلقة .. كان هناك شخص ما يحاول فتحها .. وكشّر أسامة عن أنيابه بانتظار القادم الجديد! --------------------------------------------------- استيقظ هارون غاضبا من نومه وطلب الاتصال بالطبيب .. تساءل أحد مساعديه وهو يراه بهذه الحال: ما بك يا سيدي؟ ما الذي أقلق نومك؟ صرخ هارون: هل اتصلتم بماهر؟ أجل سيدي أنه على الخط! أمسك هارون بسمّاعة الهاتف وقال بعصبية: ماهر! لقد حلمت بكابوس سيء! هل تخلصت من آدم والفتاة ...؟ تردد ماهر قليلاً ثم قال: أ .. أجل .. في الحال! تقصد أنك لم تتخلص منهم بعد! لقد كنت أتأكد من أنه لا أحد يراقبنا يا سيدي! يجب أن أكون على حذر! حسنا إذن أسرع! لا أريد لرجال الشرطة أن يجدوا لهما أثرا! أغلق ماهر سمّاعة الهاتف وخرج من العيادة الخاصّة وإذ به يرى جثة جريحة تتدلى من سقف العليّة ... لم يفهم ماذا حصل هنا ... تمنى أن يكون مجرد حادث وخاصّة أنه كان أحد رجاله .. على الجدار كانت هناك سماعة هاتف مثبتة رفعها وضغط على احد الأرقام، كانت تلك الهواتف الداخلية للاتصال بين العيادة وباقي غرف المبنى .. رن الجرس للحظات ولكن أحداً لم يرد على هاتفه .. تساءل ماهر أين يكون قائد الحرس في ذلك الوقت، وشعر بخوف شديد جمّد أطرافه ولكنه قرر الذهاب والتأكد بنفسه، ولذلك سار متخطيا جدول الدماء الصغير .. ثم توجه إلى خزانة جانبية وأخرج من أحد أدراجها مسدساً صغيراً .. وسار بحذر .. -------------------------------------------- ماذا تقصد بأنه قفز من النافذة! ابحثوا عنه إنه مصاب ولن يبتعد كثيراً! كان وائل يصرخ في جنوده الذين تحركوا بسرعة ولكنه كان يعلم في قرارة نفسه أن أحداث النهاية قد بدأت فعلاً .. أخرج هاتفه المحمول وقام بالاتصال بهاني ، ولكنه فوجئ بصوت امرأة تجيب .. أيها الضابط وائل ... أرجوك! فزع وائل وقال بسرعة : أين هاني! سيدي أنا ريم .. هل انت بخير؟ وهاني هل هو بخير؟ كان صوت ريم مذعورا وصاحت : أخبرني أنه سيذهب إلى عيادة الطبيب ماهر .. و .. طلب مني أن أتصل بك إذا تأخر .. ولماذا لم تتصلي بي؟ لـ .. لقد .. لأنني .. ماذا! لم يتأخر عن الوقت الذي أخبرني به .. لكنني قلقة! تشتت تفكير وائل بشدة .. ما الذي يقوم الجميع بفعله!! صرخ وائل بعصبية : هل جنّ! لماذا يذهب إلى هناك! لـ .. لأنه يشك بأن له علاقة عمل مع هارون! لم يستطع وائل كتم غضبة وصرخ مجددا: إنه يكرر نفس الموقف الغبي! لماذا لم يخبرني! ليس هكذا تؤتى الأمور! بدأت ريم بالبكاء ولم ترد على صراخ وائل، كانت تعرف أنه خائف وغاضب .. وكان الحق معه .. لا يمكن لوائل اقتحام عيادة الطبيب ماهر بلا سبب معقول .. سيكون هذا مخالفاً للقانون وخاصّة إذا لم يمتلك إذنا مصرحاً بتفتيش المكان .. لكنه سيضطر لفعل ذلك حتى لو كان الثمن فقدان وظيفته .. سيدي .. لم نعثر له على أثر .. التفت وائل ليستمع إلى المصيبة الثانية، لقد فرّ سامي في لحظات ولا يعلم إلى أي مجهول سيذهب!! تنهد وائل بحرارة وحاول أن يلتقط أنفاسه ويفكر في حلّ .. وقبل أن يفكر في فكرة أخرى رن هاتفه المحمول مجدداً، وكان المتصل شخصا لا يعرفه .. فتح هاتفه واستمع إلى الصوت .. الذي كان صوت شروق الخائف .. حضرة الضابط وائل .. ارتجف صوت صوت وائل وهو يقول: هل هناك مشكلة! أجل! أسامة ! لقد تسلل إلى عيادة الطبيب ماهر! وأخبرني أن أتصل بك إذا تأخر! أرجوك .. ماذا! هل كان هاني معه؟ لم يكن معه أي شخص .. أغلق وائل هاتفه المحمول وهو يفكر باتخاذ قراره الأصعب .. ---------------------------------------------------- ماذا تفعلين هنا بمفردك؟ تجمدت شروق في مكانها بعد أن استطاعت تمييز ذلك الصوت الهادئ .. ثم التقطت أنفاسها واستدارت بهدوء وتمتمت بخوف : المجهول! ابتسم سامي ابتسامة مطمئنة سعيدة لأول مرة تراها شروق على وجهه وتمتم بهدوء: لا يجب أن تقفي في مثل هذا المكان ومثل هذا الوقت .. سيكون ذلك خطرا جدا .. بدت شروق مهتمة بسامي ولمعت عيناها في الظلام وهي تحدق إليه وتساءلت بهدوء : هل كنت تعرف أمي حقاً؟ اقترب المجهول وقال برقة ونسمة هوا باردة تهب: هل اشتقت إليها؟ دمعت عينا شروق وقالت بصوت مهزوز : أ .. أجل .. كثيراً .. أنا أيضاً .. تفاجأت شروق وقالت وهي تحاول حبس دمعتها : هل تعرفها؟ ارتسمت نظرة ألم غريبة على وجه سامي على الرغم من تلك الابتسامة على وجهه وتمتم : أخبرني ماهر أن والدتي كانت تمتلك شعرا أسودا وعينان سودواتين .. كانت هذه المعلومة الوحيدة التي أعرفها عن أمي ..... أخبرني أن عيني تشبه عينيها .. وطوال طفولتي كنت أبحث بقلبي عنها .. لم أكن أعرف ما معنى الموت .. وفي يوم ما عندما كنت في الخامسة من عمري .. ضربني ماهر بشدة وطردني من المنزل وكنت في محطة القطارات عندما رأيتها .. تمتمت شروق: رأيت أمي؟ أجل، عندما شاهدتها اتضحت صورة أمي التي رسمتها في مخيلتي ... اهتز صوت سامي وهو يتابع : كنت وحيداً وأردت أن تصبح أمي بشده .. و .. ركضت خلفها، صرخت .. أمي! والتفتت نحوي مع أن المحطة كانت مليئة بالناس .. لم تتخلى عني لحظة واحدة .. أخذتني إلى منزل عائلتها واعتنت بي، ثم أدخلتني إلى مدرسة داخلية .. كانت شروق تستمع بذهول إلى ما يقوله سامي وعاد يقول بعد لحظة صمت : حتى بعد أن تزوجت والدك ظلت تسأل عني وتدفع لي مصروفات المدرسة على الرغم من أنني لم أراها سوى مرات معدودة حتى تخرجت من الثانوية، لم أخبر والدي أو هارون عن ذلك، ظللت صامتاً .. كنت منبوذا في كل مكان ولا أحد يعرف اسمي ولذلك لقبوني بالمجهول .. لقد حفظوا لقب المجهول أكثر من أي شي آخر .. تحشرج صوت سامي وهو يتابع : لقد عشت على الكذب والخداع، محاولاً إخفاء ذاتي ولم أشعر بأنني شخص يهتم لأمره إلا من تشجيع والدتك لي .. لهذا .. أنا ممتن لها .. بحياتي . وضع سامي يديه في جيبه وسار متوجهاُ إلى عيادة ماهر .. وتمتم: لا تبقي هنا فترة أطول أرجوك .. كانت عينا شروق مليئتان بالدموع وتكلمت وهي ترى سامي يبتعد : انت فرد من عائلتنا .. مثل آدم .. توقف سامي عن السير لدقائق مرت كأنها ساعة .. ثم واصل سيره وهو يدافع دموعه، لم يستطع حتى قول كلمة حتى لا تشعر شروق بذلك الصوت المرتجف .. لكنه كان ممتنا لذلك ... وبحياته .. ----------------------------------------------------- ظل هاني يرتجف مذعورا وهو يحدق في السكين المغطى بالدماء الذي يحمله أسامة .. لم يكن أسامة يرتجف بشدة ولكن قدماه ما عادت تقويان على حمله وتمتم : لم أقتل في حياتي سوى فرخ دجاجة جلست عليه بالخطأ عندما كنت في السادسة من عمري .. كان هاني ما يزال يحدق في سكين أسامه وهمس في غير وعيه وهو يضم آلة التصوير إلى صدره : لكنك قتلت رجل العليّة بسكينه الآن! سار أسامة مذهولا ثم ابتسم فجأة وقال: أنا قوي جداً! وضع هاني يديه على رأسه وتبع أسامة وهو يقول: الغرور بداية الندم! سار الاثنان في الردهة المؤدية إلى سلم السرداب .. ونزل الاثنان بصمت وحذر وأسامة متأهب بسكينه .. توقف هاني عن السير فجأة بعد أن سمع أنيناً مكتوما وقال: أسامه! هل سمعت ذلك الصوت! توقف أسامة للحظات ثم نظر في السرداب الفارغ وقال بخفوت: لكن .. من أين يصدر ذلك الصوت! بحث الاثنان في كل مكان بلا جدوى .. كان السرداب فارغاً .. قال هاني بهدوء: أشك أن هناك باب سري .. نحتاج إلى مصباح! الظلام حالك هنا! توقف الاثنان عن الحركة وهما يسمعان صوت خطوات يقترب من خلفهما .. كان قريباً جدا وذهل أسامة كيف لم يشعر بهذا الشخص منذ وصل للدرج .. تكلم بخفوت قائلاً: لا حاجة للبحث .. لن تعثرا عليهما بتلك الطريقة! التفت أسامة وهاني ينظران بخوف وشاهدا الشاب المعروف بالمجهول ... تمتم هاني : أنت! مستحيل .. كيف خرجت من المستشفـى .. ؟ لقد كـ .. قاطعه سامي بصوته الهادئ متسائلاً: كنت تعرف أنني في المستشفى؟ أ .. أجل .. فأنا من وجدك في النهر .. ابتسم سامي واقترب من وجه هاني وتمتم بخفوت : هل عليّ أن أشكرك على إنقاذ حياتي؟ حدق هاني باستغراب ولم يجيب فقاطع أسامة المشهد وهو يشهر سكينه: ليس لدينا وقت لهذا الهراء! أين آدم وندى! نظر سامي إلى أسامة بطرف عينيه ثم ضرب يده فجأة فطار السكين بعيداً وارتجف قلب أسامة مفزوعاً بينما همس سامي وهو يضحك ضحكة قصيرة: وتدّعي أنك شرطي! كان أسامة لا يزال مصدوماً والتفت سامي وهو يقول: لقد هرب الطبيب العجوز عندما شاهد أتباعه من القتلى، أظن أنه خاف على حياته .. لكنه لن يتوقع أبداً أن أكون قاتلهم .. وهو الآن في طريقه إلى هارون وأنا في طريقي للحاق به .. سار سامي مبتعدا فصاح أسامه : هيييه! أنت أيها المجهول الأحمق! أنا لا أريد ذلك العجوز الخرف فمعي ما يدينه! أبحث عن آدم وندى! همس سامي بدون أن يلتفت : لقد وجدتهما .. لكن .. أظن أنك وصلت متأخراً .. هتف أسامة بغيظ وهو يحاول تجاهل كلمات سامي : ماذا تقصد بأنني وصلت متأخراً ..؟؟ أين هما؟ هناك سرداب أسفل هذا السرداب ومدخله من عيادة ماهر .. ----------------------------------------------------------- كانت ندى لا تزال مذهولة مما رأته عيناها .. الدماء التي تغطي وجهها وجسدها ليست دمائها، وإنما هي دماء ذلك الرجل الذي قتل في لحظة أمام عينيها .. تملكتها الدهشة وهي تتذكر ما حصل .. المجهول! زحفت على الأرض بتعب واقتربت من آدم الملقى على الأرض بلا حراك .. بدأت بالبكاء وهمست : آدم! .. آدم أرجوك .. نظرت إلى وجهه الجميل وهي تتذكر شجاعته .. صمد آدم كثيرا في وجه ذلك الشرير حتى استنفذ صبره وأصابه بطلقة نارية من مسدسه،، تسائلت ندى .. " لماذا لا يجيب .. " ثم انهمرت دموعها أكثر عندما فكرت أنه ربما سيموت .. فتح آدم عينيه بإعجوبه، مد يده نحو ندى بصمت، كان المجهول قد حلّ قيودهما أخيراً واحتضنت ندى كفه بين كفيها ثم همست باكية : آدم أرجوك أصمد .. سوف أذهب لجلب المساعدة يمكنني التحرك .. الـ .. سياج .. الأخضر .. ما به يا آدم؟ أ .. أنا أقترب مـ .. منه .. شهقت ندى بخوف وصرخت بصوت مبحوح وهي ترى آدم يغلق عينيه ببطء : آدم .. لا ترحل أرجوك .. آدم .. لم يعد آدم يجيب وسقطت يده على الأرض فوقفت ندى مذعورة وركضت مترنحة نحو الباب ولكنها اصطدمت بأسامة فسقطت على الأرض .. ظل أسامة مفزوعاً للحظات حتى أدرك الأمر .. ندى هل انت بخير؟ أين آدم .. صرخت ندى بصوت مرتجف مذعور : أرجوك يا أسامة افعل شيئاً أرجوك! في تلك اللحظة وصل هاني الذي كان يلتقط أنفاسه وقال بسرعة : أسامة هل ستحتاجني هنا؟ أريد أن ألحق بالمجهول ربما أستطيع الحصول على أخبار جديدة .. ثم لوّح بآلة التصوير فقال أسامة وهو يحمل آدم : اذهب انت سأكون بخير .. اختفى هاني بسرعة وبدأ أسامة يرتجف وهو يتفقد نبض آدم ثم قال محاولاً تهدئة ندى : لا بأس إنه بخير، وشروق .. بالتأكيد لقد اتصلت بوائل منذ قليل وستصلنا النجدة في أية لحظة بإذن الله .. -------------------------------------------- وقفت شروق تنتظر وائل وهي تفكر فيما قاله المجهول منذ قليل .. نزلت من عينيها دمعات حارّة وهي تتذكر والديها وشقيقها ياسر، لقد اشتاقت إليهم كثيراً .. لم يتبق لها سوى آدم .. ظلت تدعوا الله أن يحفظه بخير .. انتبهت شروق فجأة وهي ترى ماهر يخرج من المبنى متوجهاً نحو سيارته .. ما معنى هذا ..؟ إنه يهرب، لقد قتل أسامة أو أصابه مكروه! فكرت شروق .. " سيأتي وائل بعد دقائق ربما لحظات .. ماذا ستفعلين، هل ستجعلينه يهرب؟ " ركضت شروق بكل سرعتها ووقفت أمام السيارة التي كان ماهر متجهاً إليها .. نظر ماهر بقسوة من تحت نظاراته وقال بصوت خشن : من أنت؟ وماذا تريدين؟ ابتسمت شروق ولم تجب كانت تريد كسب المزيد من الوقت وهمست : أحقاً لم تعرفني؟ صرخ ماهر بغضب: ابتعدي بسرعة ليس لدي وقت للعب الأطفال هذا! تمتمت شروق وهي تنظر له بتحدٍ : أنت تنسى ضحاياك بسرعة .. هل هذا معناه أنهم كثيرو العدد؟ لم يعد ماهر يحتمل شروق أكثر ونظر خلفه وحوله بترقب وخوف ثم أخرج مسدسه من سترته .. تجمدت شروق في مكانها وهي تنظر إلى فوهة المسدس وصرخ ماهر : ستبتعدين أم أستخدم معك العنف! قالت شروق بعناد وهي تحاول تعطيله : لقد سرقت شيئا من عيادتك، وهو مع شقيقي ولسوف يسلمه لرجال الشرطة .. ضحك ماهر بمكر وقال : لا جدوى من الكذب فليس في عيادتي أي شيء يدينني .. ثم نظر لوجه شروق ملياً فتذكرها،، ولذلك قرر أ يضغط على زناد مسدسه ولكن قبل أن يقوم بذلك سمع صوتا هادئا يتمتم من خلفه : ماهر أخفض مسدسك قبل أن أفجّر رأسك الحقير .. تجمد ماهر في مكانه وهو لا يصدق أنه يسمع نبرة صوت المجهول !! التفت ببطء وحدق في وجه سامي بذعر كمن رأى شبحا وتلكأ وهو يكلم نفسه: كـ .. كيف عدت! في تلك اللحظة ارتفعت أصوات سيارات الشرطة التي تعلن عن اقترابها، فارتبك الجميع واستغل ماهر الفرصة فأطلق عيارا ناريا نحو سامي وركض هاربا بكل سرعته .. لم يصب سامي بذلك العيار الناري وانطلق راكضا خلف ماهر .. ترقبت شروق ظهور سيارات الشرطة وشاهدت هاني وهو يركض بآلة التصوير خاصته محاولا اللحاق بماهر وسامي .. اختفى الجميع في غضون لحظات وظهرت سيارات الشرطة مقتربة بأنوارها الزاهية من آخر الطريق، كان أسامة في تلك اللحظة خارجا من المبنى وهو يحمل آدم وتسير ندى خلفه بإرهاق .. لم تصدق شروق عينيها عندما شاهدت أسامة يخرج حياً من الداخل، والأكثر من ذلك، لقد أعاد آدم وندى أيضاً .. " يالك من بطل حقيقي! " ركضت شروق نحوهم وهي لا تقوى على حبس دموع السعادة وساعدت ندى على السير .. وصلت سيارات الإسعاف في خلال ثوان أخرى، ورحل الجميع بينما بقي أسامة برفقة الضابط وائل .. تكلم أحد رجال الشرطة قائلاً : سيدي الجميع بخير .. في السرداب الآخر وجدنا السيدة نور، زوجة المفتش هشام ، لقد أقلتها سيارة الإسعاف .. بدا وائل حزينا ومرهقا وتساءل وهو ينظر إلى أسامه : هل شاهدت هاني؟ إنه صحفـ .. تمتم أسامة : أجل .. لقد لحق بالمجهول .. صعق وائل وصرخ مذهولا: ماذا! لحق بمن!؟؟ بالمجهول! هل وصل المجهول إلى هنا!! صمت أسامه للحظات ثم قال: لقد ذهب المجهول ليلحق بماهر ولحق به هاني .. لكنني لا أعرف أين يمكن أن يكونوا .. زفر وائل بضيق ونظر إلى رجال الشرطة وهم يخرجون رجال ماهر القتلى ثم تمتم : الآن عرفت من ارتكب تلك المذبحة !! صمت أسامة وهو يكبت ضحكته ولم يقل أنه شارك فيها .. " فما أجمل أن ترسم ملامح البراءة على وجهك !! ستلتصق تهمة رجل العلية المقتول في سامي أيضاً " ---------------------------------------------------------------- سيدي هارون! صرخ هارون منزعجاً : ما الأمر؟ هناك رجل من رجال ماهر يريد التحدث إليك! شعر هارون بالقلق ووقف خارجاً من غرفة نومه بسرعة، كان احد رجال ماهر الذين استطاعوا الهروب من تحت رحمة المجهول .. كانت الدماء تغطي وجهه وقال وهو يلهث : سيدي هارون! لقد كشف أمرنا، لقد وجد رجال الشرطة كل الأسرى الموجودين في سرداب الطبيب! ذعر هارون وتساءل بسرعة : هل قبض رجال الشرطة عليه؟ لقد هرب! صرخ هارون : والرجال الباقين؟ لقد قتلوا جميعاً .. قتلهم الـ .. المجهول! أصيب هارون بصدمة كبيرة وهتف مذهولاً : سامي! ألا يموت ذلك الشبح أبداً .. صعد هارون ليبدل ملابسه وقال لأحد رجاله : تخلّص من هذا الرجل لا أريد المزيد من الشهود! وماهر؟ ضحك ضحكة شريرة وهو يقول: سيأتي بعد قليل إن استطاع أن يفلت من قبضة سامي .. ولا أظن أنه سيستطيع الإفلات .. والبلورة أنا من خبئها في مكتب ماهر وسأجدها بعد أن ينتهي الأمر .. وعلاوة على ذلك .. ليس هناك أي دليل يربطني بجرائمه .. ********** كان المجهول ينظر إلى ماهر، ظل يلتقط أنفاسه من الركض الذي كان بلا جدوى حتى هذه اللحظة .. تكلم المجهول بنشوة : ليس أمامك مكان تفرّ إليه .. حتى لو وصلت للمريخ ستجدني خلفك .. كان الظلام يعم المكان والأشجار تصدر أصواتاً مخيفة وهي تهتز مع الرياح وكأن الأشباح تجوب المكان .. لم تلتقط آلة تصوير هاني المختبئ بين الأشجار صورة جيدة ولكنها سمعت أي شيء يصدر صوتاً بوضوح شديد .. تمتم ماهر وكلامه يتقطع من الخوف : ألا تذكر! لقد أحببتك وانتشلتك من اليتم وكـ .. كنت لك أباً، هل ستقتلني؟ اسـ .. اسمع .. أنا لا أعرف والديـ .. والديك .. لقد أجبرني هـ .. هارون على قتلك .. لم أكن أرغـب بـذلـ .. .. صرخ سامي بغضب : اخرس .. صمت ماهر والذعر يملأ عينيه وهو يترقب حركة سامي القادمة، مد سامي يده في جيبه وهو يحدق بعينيه الفاحمتين في عيني ماهر .. ثم أخرج من جيبه البلورة .. كانت تشع بضوء خافت وصرخ ماهر مذعوراً : كـ .. كيف وجدتها .. كيف!!!؟؟ لقد جعلتموني أرتكب الكثير من الجرائم من أجل تحصلوا عليها .. وفي النهاية .. ألقيتم بي من أعلى جبل، عشت على الخداع والكذب من أجل بلورة تافهة لا معنى لها .. صمت سامي للحظات ثم أكمل : كم شخصا تعذب بسببها؟ كم شخصاً قتل؟ من أجل طمع شخصين في شيء غير معروف ما إذا كان صحيحاً .. نظر ماهر إلى البلورة بحسرة فهمس سامي : عشت مجهولاً، لا عائلة ولا أصدقاء .. وأظن أن الآن قد حان لكي تموت وأنت تنظر إليها .. سأضيفك إلى قائمة قتلاي غير آسف! لم يكد يسمع ماهر تلك الكلمات حتى اخترقت قلبه رصاصة من مسدس سامي .. سقط ماهر على الأرض بلا حراك وارتجف ماهر وهو يصوّر ذلك،، التفت سامي واقترب متوجهاً نحو هاني .. ثبت هاني في مكانه وقال محاولاً تهدئة نفسه: " من المستحيل أنه يقصدني، لم يشعر أحد بوجودي .. " كان ينظر من خلال آلة التصوير وأزاحها من أمام وجهه ليرى سامي يقف أمامه وتلك النظرة المرعبة في عينيه .. فزع هاني فسقط على الأرض وصوّب سامي مسدسه نحو رأس هاني وتمتم بخفوت : أعطني الشريط .. لم يصدق هاني أن شريطه الخطير سيضيع بتلك الطريقة .. احتضن هاني آلة التصوير ونظر بثبات .. حقاً لم يكن يوّد التفريط بالشريط ولكنه سيقتل وسيأخذ سامي الشريط في كل حال .. صرخ سامي : أعطني الشريط!! بيد مرتجفة أخرج هاني الشريط وسلمّه إلى سامي فأخذه وألقى بالبلورة إليه وهو يقول: خذ هذه وسلمها لرجال الشرطة .. لا تكن فضولياً حتى لا تقتل مثل صديقك! التقط هاني البلورة وتذكر هشام وهو ينظر إليها بهدوء وابتعد سامي حتى اختفى وسط الأشجار .. وقف هاني ووضع البلورة في جيبه، كان مقهوراً على ذلك الشريط الذي كان سيضحي بحياته لتصويره! لم يعد هناك أي شيء يدين هارون بعد الآن .. ------------------------------------------------- كانت ندى تجلس بجانب شروق قبالة سرير آدم .. لم تتوقف الفتاتان لحظة واحدة عن البكاء، بينما أصيبت والدة آدم بحزن شديد أفقدها وعيها .. ربما لن يستيقظ آدم مجدداً .. مرّ وقت طويل وأشرقت شمس يوم جديد، دخل أسامه ووقف عند باب غرفة آدم وتأمل وجه صديقه الوحيد بألم .. فتح آدم عينيه ببطء .. لم تصدق شروق ذلك فصرخت : آدم .. جففت ندى دموعها واقترب أسامة من سرير آدم .. همس آدم بتعب : أريدكم أن تدفنوني هناك .. في ذلك المكان الجميل .. عند السياج الأخضر .. هتفت شروق ودموعها تتساقط على كف آدم الذي تمسكه بقوة : لا تقل ذلك، سوف تكون بخير .. أرجوك كف عن إخافتي! نظر آدم إلى أسامة وقال بتعب : أسامه .. لا تتخلى عن ثقتك، وأشكرك .. على كـ .. كل شيء فعلته من أجلي .. أخبر أمي .. أنني سألحق بوالدي وخالي .. احتشدت الدموع في عيني أسامه ولم يستطع التنفس عوضاً عن قول أي شيء .. توجهت نظرات آدم إلى ندى وابتسم ابتسامة رقيقة وهمس: أرجوك لا تبكي يا ندى .. و انت أيضا يا شروق .. نظر إلى شروق أيضاً وهمس : سأظل بينكم دائماً .. هذا وعد .. صمت آدم وتوقفت نظراته وأنفاسه عن الخروج .. أجهش أسامة بالبكاء وتوجه مندفعاً إلى الخارج، أصيبت ندى بحالة صدمة ولم تستطع فعل شيء سوى البكاء أما شروق ففقدت عقلها وهي تهز آدم بعنف حتى يستيقظ .. -------------------------------------------------------- التف الجميع حول السياج الأخضر ... هنا دفن آدم الكبير .. ومعه .. دفن آدم الصغير .. كان هذا من أسوأ الأيام التي مرت على مدينتنا، رأيت حزناً عجيباً في عيون أصدقاء آدم الصغير .. في يوم تلك الجنازة ألقيت بالبلورة في بحيرة " وشاح الأمل الأزرق " .. كان أسامة ووائل برفقتي .. وشاهدا ذلك . لن يجد أحد أبداً تلك البلورة الملعونة، كان هناك أشخاص يستحق تكريمهم والوقوف لهم تحية شرف .. آدم الكبير .. يوسف والد آدم .. آدم الصغير هشام .. وائل أسامة .. و المجهول .. بعد أسبوع واحد وجدت طردا وصل إلى المكتب وبه الشريط الذي قمت بتصويره .. مكتوب في رسالة صغيرة : " قمت باقتباس آخر الشريط وأعدته لك، أوقع بهارون أرجوك .. مع تحياتي : المجهول " تكفلت نور زوجة هشام بقضية هارون، قبض على هارون أخيراً .. شهد عليه الكثير من الشهود منهم السيدة " منى" والدة آدم وبالاستناد إلى شريط الفيديو الذي قمت بتصويره له مع ماهر،، حكم عليه بالإعدام .. قرر أسامة أنه لن يتخلى عن شروق ووالدة آدم أبدا ... كذلك ستظل علاقة صداقة قوية تربطهم مع ندى ووالدتها الطبيبة نهى .. أما أنا فقد أخبرت والدتي بقصة حبي الطويلة .. قررت فعل شيء ما من أجلي، وقمت بخطبة ريم أخيراً وأصبحنا نعمل مع بعضنا بشكل أفضل .. لا أعرف أين ذهب ذلك الصعلوك سامي ولكني أظنه رحل يبحث عن حياة جديدة .... كانت تلك من أغرب القصص التي صادفتها في حياتي .. وبهذه الكلمات أنهيها .. هاني تمت بحمد الله
__________________ الى اللقاء التعديل الأخير تم بواسطة أخت أم خالد ; 02-27-2015 الساعة 07:19 PM |
#10
| ||
| ||
و اذا أعجبتكم مثل ما اعجبتني لا تبخلوا علي بلايك + تقييم :rose:
__________________ الى اللقاء التعديل الأخير تم بواسطة kαtniS ; 12-07-2012 الساعة 09:28 AM |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
صياد ضد صياد (الصياد كليلوا ضد الصياد كورابيكا) | Anime 4 Ever | صور أنمي | 23 | 06-30-2014 09:40 AM |
صور ديكورات باللون الاخضر , مجموعه ديكورات باللون الاخضر منوعه 2013 | هبه العمر | إقتصاد منزلي | 1 | 09-05-2012 10:46 PM |
ديكورات اللون الاخضر 2013 , ادخال اللون الاخضر في ديكورات المنزل 2013 | هبه العمر | إقتصاد منزلي | 1 | 09-05-2012 10:42 PM |
عالم انمي باللون الاخضر لكل محبس اللون الاخضر@ | اميرة زغلول | صور أنمي | 6 | 09-02-2012 11:32 PM |
سحر السجاد +كيفية تنظيف السجاد+انواع السجاد+كيف تختار/ي السجاده | أشواق وحنين | إقتصاد منزلي | 9 | 04-23-2008 01:28 AM |